قراءة تحليلية فى مشاركة المرأة فى الاحتجاجات العمالية

التصنيفات: غير مصنف

(8)

قراءة تحليلية فى مشاركة المرأة فى الاحتجاجات العمالية

 

قدمت العاملة المصرية نموذج فريد لنضال المرأة المصرية، ليس فقط عبر المطالبات بتفعيل مشاركة المرأة أو تمكينها في المجتمع بهيئاته وأجهزته، ولكن من خلال استلام زمام القيادة وإحراج الرجال للقيام بدورهم من أجل الحقوق المشروعة للعامل المصرى، ليؤكدن بذلك أن قضية المرأة ليست أبداً قضية النخب والشرائح العليا من المجتمع

في 3 ديسمبر 2007، شاركت موظفات الضرائب العقارية فى أطول اعتصام في الشارع والذي استمر أحد عشر يومًا، حيث عاشت الموظفات فى الخيام المنصوبة خلف مقر مجلس الوزراء. لم ترهبهن الاشتباكات الأمنية العنيفة التى وقعت ما بين المعتصمين وأجهزة الأمن في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة التي يمر بها المجتمع المصري، لم تعد فكرة المساواة القانونية هي العصا السحرية لحل مشاكل المرأة في سوق العمل. ففي عامين متتاليين ارتفعت مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي المصري من 65% عام 1999 إلى 73% في عام 2000. وقد كان تراجع دور القطاع العام من أهم المتغيرات التي انعكست على واقع وحال المرأة وشكلت ظروفًا جديدة لمشاركتها في سوق العمل المصرية. فأصبحت الشريحة الأكبر من النساء تعمل طبقًا لقوانين وآليات يحددها صاحب العمل والذى غالبًا ما يتجاهل أو يدير ظهره لحقوق العاملات المكفولة في قانون العمل.

وعند الحديث عن واقع المرأة المصرية في سوق العمل الحالية، لابد من الأخذ في الاعتبار طبيعة سوق العمل المصرية التى مازالت فى مرحلة النمو إلا أنها في الوقت ذاته تتجه إلى تسييد المشروع الخاص بكل وبكل ما عليه. بالتأكيد فإن ما ينطبق علي الرجل ينطبق أيضًا على المرأة، ولكننى هنا أركز أكثر علي النساء بسبب ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية، فهن أكثر فقرًا وأمية من الرجال، ويمثلن أيضًا النسبة الأكبر من المتعطلات. وعلى الرغم من الفقر والأمية والبطالة بين أوساط النساء، اضطرت الظروف الاجتماعية الكثيرات إلى الخروج إلى سوق العمل باحثات عن فرص عمل تمكنهن من إعالة أسر لم تضم فقط الأبناء بل تمتد في الكثير من الأحيان لإعالة الإخوة والوالدين العاجزين عن العمل. بالإضافة إلى أن النساء حديثات العهد بالعمل المنظم ولأنهن لا يملكن الحقوق التي اكتسبها الرجل منذ القدم، كما أنهن لا يملكن الصوت المرتفع الذي يمثلهن ويدافع عنهن وعن مطالبهن في دوائر اتخاذ القرار.

وعلى الرغم من هذا الواقع، إلا أن المرأة المصرية لعبت دورًا قياديًا في العديد من الاحتجاجات مثل احتجاجات غزل المحلة والمنصورة – أسبانيا – الضرائب العقارية – الحناوى وغيرها، ليس فقط متحدية دورها المرسوم طبقًا للعادات والتقاليد، ولكنها أيضًا تحدت القيود القانونية على الحق في التجمع السلمى، حينما مارست حقها في الإضراب بشكل مباشر وصنعت خرقا مهما في قانون الطوارئ ومارست أحد أرقى أشكال الممارسة الديمقراطية. ففي السادس من ديسمبر 2006، حينما تجمعت ما يقارب من 3000 عاملة وأخذن يرددن هتافهن الشهيرالرجالةفين؟ الستات أهُم!”. قدمت العاملة المصرية نموذج فريد لنضال المرأة المصرية، ليس فقط عبر المطالبات بـبتفعيل مشاركة المرأة أو تمكينها في المجتمع بهيئاته وأجهزته، ولكن من خلال مبادرة مباشرة لاستلام زمام القيادة وإنقاذ الموقف، وإحراج الرجال للقيام بدورهم في المطالبة والنضال من أجل حقوق مشروعة للعامل المصرى، ليؤكدن بذلك أن قضية المرأة ليست أبدًا قضية النخب والشرائح العليا من المجتمع.

وسنحاول هذا عرض ومناقشة وتحليل مشاركة المرأة المصرية في الاحتجاجات العمالية ونماذج لأدوارها المختلفة سواء كانت أدوار قيادية أو هامشية فى الحركة العمالية، وكذلك مناقشة الإنجازات التي حققتها العاملة المصرية سواء في الحركة العمالية أو الحركة النسائية المصرية.

وفقًا لنتائج التعداد الأخير لعام 2006، مثلت النساء ما يقارب من نصف تعداد السكان في مصر حيث بلغت النسبة 49% من السكان، ورغم ذلك لا تزيد مشاركة النساء في قوة العمل عن 24.6%، في حين يستحوذ الرجال علي 75.4% من الوظائف. وتشير بعض الدراسات إلى أن 50% إلى 60% من عمالة النساء في القطاع الخاص غير المنظم وفق شروط عمل مجحفة، فقد أشار تقرير البنك الدولي أن القوي العاملة المصرية من 15 إلى 64 سنة بلغت عام 1999 عدد 18.2 مليون عامل وعاملة، يشكل الذكور نسبة 78.6% منها في حين تشكل الإناث نسبة 21.4% فيها، وهي نسبة تسجل تقدمًا بالمقارنة بنسب العقدين السبعيني والثمانيني بالرغم من أنها لا تتوزع علي الأقاليم المختلفة بشكل عادل أو متساو، فالريفيون العاملون في محافظات مصر الزراعية والقائمون على العمل الزراعي وملحقاته من أعمال، لا يزالوا يحتلون النسب الأعلي في هذا العدد، فنسبة الريفيين، نساءً ورجالاً، تصل إلى 54% من هذا العدد الكلي 1.

وأفادت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فيما يتعلق بعام 2007 عن وجود بطالة تقدر نسبتها بنحو 7.9% بينما تصل إلى 5.9% بين الذكور و18.6% بين الإناث وبذلك يكون لدينا أكثر من مليون متعطلة منهم 607 ألف حاملي مؤهلات متوسطة و342 ألف حاملي شهادات جامعية وفوق الجامعية 2. وبلغت نسبة إشغال المرأة المصرية للوظائف الحكومية 27% وهو ما يقارب من 1.5 مليون وظيفة من إجمالي 5.6 مليون وظيفة حكومية 104، وعلق الباحث إلهامى الميرغنى على إعلان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والذى ذكر فيه أن المرأة تستحوذ على 15% من إجمالي الوظائف القيادية بأنهلو تم حساب هذه النسبة إلى إجمالي عدد موظفات الحكومة سنجد أنها أقل من 1%”.

وطالعتنا جريدةالمصرى اليومبتصريح للدكتورة سعاد كامل أمين اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومى لشئون المرأة حول الميزانية العامة وعملية حصر أجور المرأة بين موظفي الدولة، قالت فيهاتضح من الحصر أن مستوى أجور المرأة متدنى جدًا وغيرمتناسب مع عدد النساءمشيرة أيضًا إلى أن الغالبية العظمى من النساء في مستوى وظيفى متدن ونسبة قليلة في مستوى مرتفع 3.

وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة المرأة الجديدة بعنواننساء في سوق العملأن هناك أشكال أخرى من الانتهاكات تتعرض لها العاملة المصرية، لا يقتصر فقط على التمييز في فرص العمل والبطالة وتدنى الأجور ولكن يصل إلى العنف اللفظي والبدني والتحرش وكذلك محاولات الاغتصاب 4.

والجدير بالذكر أن الدراسة أجريت على 600 عاملة ما بين العاملات في قطاع الأعمال والشركات الاستثمارية. وكشفت الدراسة أن 88% من المبحوثات ينتمين إلى أسر فقيرة، 95% منهن يشاركن فى ميزانية الأسرة بدرجات متفاوتة، ومن بين هذه النسبة تشارك 62% من العاملات بكل دخلهن في ميزانية الأسرة، كما أن 19% تقع عليهن مهام إعالة أسرهن بالكامل، وأشارت الدراسة إلى أن معظمهن عاملات في صناعات الغزل والنسيج. هذا ما يفسر ارتفاع مشاركة المرأة فى الاحتجاجات العمالية بقطاع الغزل والنسيج وخصوصًا شركة المحلة للغزل والنسيج.

وأشارت الدراسة إلى تدنى أجور العاملات بصورة لا تتناسب مع طبيعة العمل والجهد المبذول والمخاطر المحيطة، حيث أشارت النتائج إلى أن حوالى 69% من العينة لا تتجاوز أجورهن 300 جنيه شهريًا و89% من العاملات بشركات الغزل والنسيج لا تتجاوز أجورهن 300 جنيه و29% من عاملات الغزل والنسيج بالقطاع الاستثماري يحصلن على أجر يتراوح ما بين 100 و200 جنيه.

أما عن أهم الانتهاكات التى تتعرض لها العاملات في القطاع الصناعي، فتأتي ساعات العمل كواحدة من أبرز تلك الإنتهاكات، حيث يتم تشغيل العاملات بشكل إجبارى لأكثر من 8 ساعات، وتصل ساعات العمل داخل المدن الصناعية إلى 12 ساعة دون الحصول على أى مقابل ولكن بنفس الأجر، وهو ما يعد مخالفة لقانون العمل الموحد الصادر في 2003. وطبقًا للدراسة السالف ذكرها، تبلغ نسبة من يعملن لأكثر من 8 ساعات في القطاع الاستثمارى 44%، بينما لا تتعدى النسبة 10% في قطاع الأعمال، هذا بالإضافة إلى أن ما يقترب من نصف عاملات القطاع الاستثمارى يعملن بالإجازات والعطلات الرسمية في مقابل 29% من العاملات في قطاع الأعمال.

ورصدت الدراسة أيضًا ظاهرة التشغيل بلا عقود عمل، حيث أن هناك 35% من العاملات بشركات القطاع الاستثمارى يعملن بلا عقود في مقابل 12% من العاملات في قطاع الأعمال، كما أن 19% من العاملات المبحوثات لا يتمتعن بالتأمينات الاجتماعية.

وكشفت أيضًا نتائج دراسة تحليل مضمون شكاوى المرأة والتى أجراها المركز القومى للمرأة على عينة الشكاوى الواردة إليه والتي بلغ عددها (981) شكوى، عن ارتفاع نسبة شكاوى العمل التي يتلقاها المكتب، حيث جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 22%، واتضح من خلال التقرير ارتفاع معدل الشكاوى التي تتعلق برفض النقل أو الانتداب لجهة أخرى حيث بلغت نسبتها 24% من نسبة شكاوى العمل، كما تضمنت بعض الشكاوى سوء استغلال السلطة مثل توقيع الجزاءات والتقليل من كفاءة المرأة في العمل بنسبة 11.5%، وسوء المعاملة وتمييز العاملين الذكور بنسبة 9%، والنقل والفصل التعسفي من قبل رئيس العمل بنسبة 7% ومطالبات بتثبيت عقود مؤقتة إلى 13% 5.

بسبب كل ما ذكرناه حول أوضاع المرأة فى سوق العمل، لم يكن مستغربًا أن نسمع عاملات المحلة يعلقن على مشاركتهن فى الاحتجاجات بأنهإذا كان الرجل مظلومًا مرة فالمرأة مظلومة 100 مرة، حيث كانت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة هي السبب في ارتفاع أصوات النساء للمطالبة بحقوقهن المسلوبة وتنوع أشكال مشاركتها في الاحتجاجات العمالية لتصل في بعض الأحيان إلى قيادة الإضرابات والاعتصامات.

تحليل لأدوار المرأة في الاحتجاجات العمالية:

منذ بداية تصاعد موجة الاحتجاجات العمالية في السنوات الأخيرة، برز دور العاملات بوضوح فيها وحرصت العاملة المصرية على المشاركة في النضال المستميت للمحافظة علي البقية المتبقية من حقوق العمال. ولعل ما حدث في شهر ديسمبر 2006 كان تجسيدًا حقيقيًا لما وصلت إليه تلك المشاركة، فحينما شعرت العاملات بشئ من الخلل، استلمن زمام الأمور وأطلقن هتافهن الشهيرالرجالة فين؟ الستات أهُم، وكأنه تذكير بضرورة الصمود جنبًا إلى جنب سواء رجالاً أو نساءًا للتصدى إلى الانتهاكات التي يتعرضون لها. فالاحتجاج ليس مقصورًا على رجل أو امرأة. وخلال موجة الاحتجاجات تعددت أدوار العاملة لتثبت أن لدى النساء القدرة على المشاركة فى قضايا المجتمع سواء كانت هذه القضايا اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية وأيضًا تجاوز ذلك الدور التقليدي الذي رسمته العادات والتقاليد. وفيما يلى تحليل للأدوار المختلفة للعاملة المصرية خلال الاحتجاجات العمالية.

برز الدور القيادي للمرأة في كثير من الاحتجاجات، ولاسيما بالنسبة للمرأة العاملة في المصانع، حيث لفتت مبادرتها وشجاعتها وقدرتها على الحسم الأنظار، وهو ما ساعد على نجاح العديد من هذه التحركات وإنجازها أهدافها. وفى الآونة الأخيرة، ظهر دور المرأة في قيادة الاحتجاجات العمالية في القطاع الطبى وخصوصًا في التمريض، وربما كانت طبيعة هذه المهنة وزيادة نسبة النساء العاملات بها في مقابل نسبة الرجال من أسباب تسلم المرأة مقاليد الأمور خلال الاحتجاجات العمالية. ومما لاشك فيه أن العاملة المصرية حظيت بدور في قيادة الاحتجاجات بقطاعات أخرى مثل المحلة للغزل والنسيج والمنصورة – أسبانيا والضرائب العقارية ومصنع الحناوى، ولكن كانت هناك صبغة نسائية مميزة لاحتجاجات الممرضات، حيث كان أغلبية أو كل المشاركين أو القيادات للاحتجاجات من النساء، فى حين كانت القيادة مناصفة ما بين الرجل والمرأة في القطاعات الأخرى.

وخلال عامي 2007 – 2008، رصدت مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان 18 احتجاجًا للممرضات والعاملين بالخدمات الطبية، وتنوعت أشكال الاحتجاجات ما بين التظاهر أو الاعتصام أو الإضراب عن العمل. وتراوحت مدة الاحتجاجات ما بين عدة ساعات إلى 7 أيام. أما عن النطاق الجغرافى للاحتجاجات فهى كالآتى: القاهرة (1) – الأسكندرية (1) – سوهاج (1) – الدقهلية (2) – المنوفية (4) – الفيوم (2) – القليوبية (1) أسوان (1) – دمياط (2) – البحيرة (2).

وتراوح عدد المشاركات فى بعض الاحتجاجات ما بين 45 إلى 2000، ومن الملاحظ مشاركة بعض الفنيين والعاملين فى الخدمات الطبية، فاحتجاجات الممرضات لم تكن مقصورة على هيئة التمريض بل جذبت إليها الكثير من العمال في القطاع الطبي.

وفيما يلى أسباب احتجاجات الممرضات:

تدنى الأجور وعدم صرف الحوافز أو إلغائها، المطالبة بصرف 75% حوافز و40% للجهود غير العادية.

عدم المساواة بالممرضات العاملات فى المستشفيات والمعاهد التابعة لوزارة الصحة.

سوء المعاملة والتعسف الإدارى سواء فيما يتعلق بالمواعيد وتحويل الممرضات للشئون القانونية.

تكليف الممرضات بمهام أخرى مثل القيام بالتثقيف الصحي بشأن انفلونزا الطيور دون الحصول على تأهيل أو تدريب وكذلك عدم وجود عائد مادي إضافي.

وعند النظر إلى أسباب الإضراب نجد أن جميعها تندرج تحت الحقوق المشتركة سواء للرجال أو للمرأة فى العمل، ولكن خلال إضراب ممرضات مستشفي التأمين الصحي بسندوب بمحافظة الدقهلية يوم 7 يناير 2008 تم رصد أول محاولة للممرضات للنضال من أجل حق خاص من حقوق المرأة العاملة وليس مطلب عام لكل العمال، حيث كانت من أسباب الإضراب إلغاء ساعتي الرضاعة المقررين. ولكن على الرغم من المطالب المشتركة للممرضات، لوحظ عدم تنسيق أو عدم وجود قنوات اتصال ما بين الممرضات أو القيادات فى المستشفيات المختلفة.

أما عن الآليات المستخدمة خلال فترة ما قبل وأثناء وبعد الاحتجاجات فعادة ما تحاول الممرضات التفاوض مع إدارة المستشفي عبر تقديم الشكاوى والالتماسات التي تشرح أوضاوعهن ومطالبهن، ولكن عندما تُغلق الأبواب فى وجوهن، يتم اللجوء إلى الاحتجاجات والتي تبدأ بالتظاهر ولكنها ما تلبث فى التصاعد إلى أن تصل للإضراب، وخلال المقابلات مع عدد من الممرضات أعربن عنحرصهن علي أرواح المرضي الذين يحتاجون لرعاية طبية وترددهن للقيام بالإضراب لهذا السببوحتى خلال الإضراب، أبدت الممرضات استعدادهن للعودة فى أسرع وقت للعمل فور الموافقة على مطالبهن.

ولم تكن هذا الاحتجاجات خالية من التهديدات والمضايقات الأمنية، ففي 6 سبتمبر 2007، حينما قامت نحو 100 ممرضة بالإعتصام داخل مستشفي أبو قير للتأمين الصحي احتجاجا علي عدم صرف حافز الـ 40% المعروف بالجهود غير العادية منذ عامين رغم صرفه لبعض العاملين بعد الحصول علي أحكام قضائية، وعلى الرغم من تفاوض الإدارة مع المعتصمات ووعدهن بصرف مستحقاتهن كاملة خلال أسبوع، إلا أن هذا لم يحدث بل بدأ عدد كبير من الممرضات فى تلقى اتصالات هاتفيه من أمن الدولة يتم تهديدهن خلالها باعتقالهن من بيوتهن أو فصلهن من العمل في حالة لجوئهن للاعتصام مرة أخرى. كما منعت الشرطة 500 ممرضة وممرض من التواجد خارج مستشفى كفر شكر وأغلقت الأبواب بعد محاولتهن الخروج للشارع. لم يختلف هذا كثير عما حدث فى اعتصام 800 ممرضة وفنى من العاملين بمستشفى شبين الكوم يوم 19 يونيو 2008، فقد استدعت إدارة المستشفى قوات الأمن التي حاصرت المستشفى وقام بعض أفرادها بالإعتداء على بعض الممرضات لإرهابهن والضغط عليهن لإنهاء الاعتصام ولكن الممرضات رفضن إنهاء الاعتصام أو الرجوع لعملهن بأقسام المستشفى المختلفة.

كما استعملت إدارة المستشفيات طرق أخرى لإنهاء الاحتجاجات العمالية، فعلى سبيل المثال هددت إدارة مستشفى التأمين الصحى بسندوب بإحضار طاقم تمريض جديد من الخارج خلال إضراب الممرضات يوم 7 يناير 2008، كما توعد مدير مستشفى أسوان التعليمى بالانتقام والعقاب للممرضات بسبب إضرابهن يوم 13 سبتمبر 2008، وهددت إدارة مستشفى شبين الكوم التعليمى الممرضات المضربات بالفصل عن العمل وذكرت أن هناك بالفعل أكثر من 550 إنذارًا بالفصل من العمل للمرضات المضربات عن العمل والعمال المتضامنين معهن خلال إضراب يوم 26 أكتوبر 2008، ولم يختلف كثيرًا مدير الإدارة الصحية حينما تعامل مع مطالب الممرضات خلال إضراب مستشفى الزرقا يوم 28 أكتوبر 2008، فقد هدد الممرضات بالنقل. كما تم تحويل الممرضات المشاركات في إضراب مستشفى تكامل شنوان بمحافظة المنوفية إلى الشئون القانونية للتحقيق. والجدير بالذكر أن قلة من مديرى المستشفيات قد تعاطفوا مع مطالب الممرضات وحاولوا التفاوض معهن.

شاركت المرأة في معظم الاحتجاجات العمالية، وكان اختفاء المرأة من أى احتجاج عمالي یعنى فى الكثير من الأحيان اقتصار العمل فى المنشأة الصناعية على الرجال، ولكن مشاركة المرأة في الاحتجاجات العمالية كان لها عدة أوجه، حيث لم تكتفى المرأة بالأدوار النمطية التقليدية فلم يتقصر دورهن على مساندة الرجال وترديد هتافات القيادات العمالية أو إعداد الطعام وتنظيف الأماكن ولكن وقفت العاملة المصرية كتف كتفا بجانب زملائها الرجال للدفاع عن الحقوق الاقتصادية وكان لها دور بارز فى المشاركة في الإعداد والقيادة وتحديد المطالب والتفاوض وحماية المنشآت الصناعية.

وكانت المبادرة للعاملة المصرية خلال إضراب المحلة 2006، فقد أخذت 3000 عاملة من قسم الغزل بمصنع غزل المحلة زمام المبادرة في تنظيم الإضراب وسرن في مظاهرة جابت أرجاء المصنع مطالبات الرجال بدعم الإضراب برفعهن لشعارالرجالة فين؟ الستات أهُم.!” . وبالفعل تحقق النصر خلال ذلك الإضراب وأعطى دفعة جبارة للإضرابات الصناعية في كل أنحاء مصر.

وفي صيف عام 2007، كسب عمال مصنع المنصورة إسبانيا، معركتهم بتمكنهم من التصدي لمخطط إغلاق المصنع. لقد تحقق هذا بعدما قام حوالي 300 عامل 75% منهم تقريبا نساء، باحتلال المصنع وعاشوا في مكان الإنتاج طيلة شهرين. ولم يكن مستغربًا أن تقوم النساء العاملات، اللآتى يعتبرن أشد الفئات اضطهادًا بلعب هذا الدور الهام أمام رفاقهن الرجال. فقد كانت النساء اللآتي يتقاضين راتبًا أساسيًا يتراوح بين 135 – 150 جنيهًا شهريًا قد أصابهن الإحباط من إمكانية استمرار الشركة والحفاظ على وظائفهن.

وفي هذا الصدد تقول شيماء محمد إحدى القيادات العمالية بالشركةالشركة دى شركتنا يعنى بيتنا وعرضنا وشرفنا إزاى يعنى نسيبها تضيع من بين إيدانا أنا ما كانش لي في الإضرابات ولا غيره بس حسيت أنى هاترمى فى الشارع فطبعًا لازم أغير على مورد رزقي أنا وعيالى، الفقر والجوع والحوجة هى اللى بتحرك أى إنسان .. إحنا بنطالب بصرف شهرين من الأساسى وألف جنيه عن كل سنة في حالة بيع الشركة6.

واستعملت إدارة المصنع شتى الطرق لإنهاء الإعتصام، فقد تقدم المستشار القانوني للشركة ببلاغ لمركز شرطة طلخا والذى اتهم فيه بعض العاملات في الشركة منهم سعاد سلامة – سعاد على عايدة نعمان هناء محمود سحر شومان – لواحظ على عبد الواحد هناء عبد الوهاب بالتحدث إلى وسائل الإعلام دون إذن من الشركة وتحريض العمال على الاعتصام وترويج إشاعات مغرضة عن بيع الشركة وكذلك العديد من الأساليب والطرق المختلفة 7 . وفى مواجهة إدارة الشركة استخدمت العاملات الإضراب عن الطعام كوسيلة للضغط، وقد أضربت عن الطعام كلا من لواحظ على وعزة هلال وهبة عبد الجليل وفاطمة عيد وتم نقلهن إلى المستشفى بعد إصابتهن بالأعياء، وأيضًا هددت خمس منهن بالانتحار. وانتهى الإضراب بانتصار ساحق. فقد تلقى العمال رواتبهم عن شهري مايو ويونيو ومنحة عيد العمال البالغة 110 جنيهات، بالإضافة لمبلغ لا يقل عن 30 جنيها في صورة علاوات اجتماعية لعام 2006 لكافة العاملين بمن فيهم العاملون بعقود مؤقتة. ولم يعاقب أي من العاملين المشاركين في الإضراب، وتم إلغاء قرارات فصل ستة منهم. والأكثر أهمية أن البنك المصري المتحد تعهد بعدم تصفية الشركة. وأعلن أنه سوف يضخ رأسمالاً جديدًا أو يبيع الشركة إلى مشتر يوافق على استمرار الإنتاج دون فصل أي من العاملين أو تخفيض رواتبهم. ولم تمنع الوداعة المتوقعة أو الخلفية التقليدية تلك العاملات من المشاركة الفعالة في الإضراب. وفي صورة على الصفحة الأولى لجريدةالمصري اليومظهرت العاملات من النساء يرتدين الحجاب والنقاب ويقفن كتفا بكتف متضامنات مع زملائهن من الرجال8، وتعليقًا على ذلك قالت عايدة عبد الرحمنلقد قمنا بالاعتصام أنا وباقى زميلاتي بالرغم من ظروفي الأسرية الصعبة حيث أننى أم لأربعة أولاد فى مراحل تعليم مختلفة، في البداية اعترض زوجي

على اعتصامى داخل الشركة، فقد كان العمال والعاملات ينامون على الأرض في مكان واحد ولكني أقنعت زوجي أننى أدافع عن حقى وحقه9.

ولم تختلف أدوار العاملة المصرية في اعتصام المنصورة أسبانيا عما قامت به عاملات المحلة في سبتمبر 2007 حيث كان من اللافت للانتباه مشاركتهن أيضًا في الاحتجاج على الظلم الواقع عليهن والفساد الذي يهدف إلى تخريب الشركة، فقد انضمت عاملات غزل المحلة فى الاعتصام وهتفن بحماس شديد مع العمال ضد مجلس الإدارة وكان معظمهن أكثر غضبًا من العمال الرجال وبررن غضبهن بأن كل عمال غزل النسيج يتعرضون لظلم كبير وقلنإذا ما كان عمال الشركة مظلومين مرة فإن العاملات مظلومات 100 مرة ويكفي أنهن محرومات من استلام شقق سكنية حيث اقتصر تسليم تلك الشقق علي العمال الرجال فقط10، في هذا الصدد قالت وداد الدمرداشأنا عاملة في الشركة من 25 سنة ومع ذلك رافضين يدوا لى شقة من شقق الشركة، رغم أن المساكن من حق عمال الشركة، لكن الإدارة بترفض تخصص للعاملات شقق وده مخالف للدستور اللي بينص على المساواة11.

ولم ترهب الحشود الأمنية المكثفة العاملات بل أكدت عاملات الشركة المعتصمين أنهن سيواصلن الإضراب عن العمل لحين تحقيق 8 مطالب شملت إقالة رئيس مجلس الإدارة وسحب الثقة من اللجنة النقابية، وربط الحافز الشهري بنسبة من الأساسي، وزيادة بدل الغذاء بما يتناسب مع زيادة الأسعار، وصرف منحة تعادل أجر 130 يومًا دفعة واحدة تمثل حق العمال في الأرباح والحوافز والخطة السنوية وحل مشكلة المواصلات وصرف بدل سكن. وتحدثت العاملة أمل السيد أحمد عن تفاصيل الاعتصام قائلةبنينا خيمة للعاملات داخل الشركة وكان في أزواج عاملات وأولادهم بيجوا يباتوا معاهم. ولأننا كنا في رمضان كنت بأضطر أروح أطبخ للأولاد ولجوزى واطمئن عليهم وبعدين أرجع للشركة، طبعًا جوزى كان رافض مشاركتى فى الأول لأنه خايف على لكن أنا أصريت وقلت له: لو أنا وغيرى تخاذلنا حقنا هيضيع وقدام إصراري وافق وهو راجل متحضر بس كان خايف على114. وشاركت عاملات المحلة فى التفاوض على مطالب العمال وكانت أمل السيد أحمد وغيرها مع الوفد الذى تفاوض مع اتحاد العمال 12.

وخلال جميع الاعتصامات والاضرابات والتظاهرات في المحلة، أكدت المرأة على أهمية وضرورة مشاركتها، وهذا ما حدث خلال وقفة عمال المحلة التي أثبتت مجدداً على الشوط الذي قطعته العاملات في طريق المشاركة فى الاحتجاجات العمالية. فقد كادت الوقفة أن تُجهض عندما قررت الإدارة والأمن صرف العمال مبكراً ونقلهم فوراً من الشركة بالحافلات المعدة من أجل ذلك، وأصبح تجمع العمال شبه مستحيل. ولكن عاملات الملابس الجاهزة بالشركة هن من أنقذن الموقف. فرغم الحصار الأمني، تجمعت العشرات منهن خارج الشركة بعد صرفهن مبكراً، وأخذن يرددن الهتافات والنداءات للعمال في الداخل، مؤكدات أن الوقفة قائمة. وبدلاً من انصراف العمال، توجهوا إلى الساحة التي كان مقرراً أن يتجمعوا بها وأنجزوا المتفق عليه.

وخلال احتجاجات العاملين بالضرائب العقارية كانت مشاركة المرأة سمة من سمات تلك الاحتجاجات، فمنذ الاحتجاج الأول في 10 من سبتمبر، حرصت المرأة على الوقوف جنبًا إلى جنب الرجل للمطالبة بحقوق موظفى الضرائب العقارية، فحينما أعلن موظفو الضرائب العقارية بمحافظات مصر الاضراب المفتوح في اليوم الواحد والعشرين من أكتوبر مؤكدين علي مطلبهم الأساسي بضمهم لوزارة المالية ومساواتهم ماليًا وإداريًا بموظفي وزارة المالية، وبدأ العاملون في الضرائب العقارية بالتجمع أمام مجمع مصالح الجيزة واستقلوا حافلات وتوجهوا بها نحو وزارة المالية في العباسية وانضمت إليهم الكثير من العاملين في الضرائب العقارية من أغلب محافظات مصر، الجيزة، القاهرة، بني سويف، الفيوم، المنيا، الدقهلية، المنوفية البحيرةوغيرها، كانت مشاركة الموظفات القادمات من المحافظات المختلفة لافتة في التظاهر، وعن أسباب مشاركة المرأة تقول مديحة من محافظة الفيومشبعنا من الوعود المعسولة بتحسين أوضاعنا ومساواتنا بزملائنا في وزارة المالية الذين يتقاضون حوافز تفوق ما نحصل بـ 300% لسنا مرتشين ولا حرامية ونريد أن نعيش بشرفنا وليس أمامنا إلا نرفع صوتنا ونصرخ، وأشارت إلى أن المحافظين يستولون علي ما نحصله من ضرائب ويضعونه في صندوق تحسين المحافظة، وتتساءل .. هل موظفو الضرائب العقارية أولاد البطة السودا.. وموظفو المالية أولاد البطة البيضا ….؟! وعلقت فى هذا الصدد هدي مصطفي – من المنوفية قائلةأعمل بالضرائب العقارية منذ 11 عامًا وراتبي لا يتجاوز 248 جنيهًا وزوجي عاطل عن العمل منذ أربع سنوات، ولدينا أربعة أولاد اثنان منهم في المدارس وواحدة مخطوبة، وحلمي أن آكل كيلو لحمة في الأسبوع“.

وفي 3 ديسمبر 2007، شاركت موظفات الضرائب العقارية في أطول اعتصام في الشارع والذي استمر أحد عشر يومًا، حيث عاشت الموظفات فى الخيام المنصوبة خلف مقر مجلس الوزراء. لم ترهبهن الاشتباكات الأمنية العنيفة التى وقعت ما بين المعتصمين وأجهزة الأمن أو الاعتداء بالضرب علي بعض المعتصمين وحصارهم في طوق أمني أمام مجلس الوزراء . وانضمت إلى الاعتصام ما يقرب من 750 سيدة. وجلست الموظفات سويا علي الأرصفة وقد تعالت أصواتهن مع الهتافات التي يرددها المعتصمون، وكل ما يشغل بالهن هو الظروف الصعبة التي حكمت عليهن بأن يتركن منازلهن وأطفالهن، لم يكن يخطر في بال إحداهن أن تخرج من منزلها لتبيت في الشارع طلبا للحق. من بينهن الحاجة عزيزة رشاد محمد التي قضت 27 عامًا في الضرائب العقارية وعلى الرغم من ذلك فإن مرتبها لا يتجاوز 416 جنيهًا، ومما زاد الأمر صعوبة أنها العائلة الوحيدة لأبنائها بعد وفاة زوجها . الحاجة عزيزة لم تأت إلى الاعتصام حاملة بعض الملاءات لتفترشها علي أحد الأرصفة إذا غلبها النعاس، أو جلبت معها بعض الوجبات التي تساعدها علي الصمود لكن كل ما أحضرته معها هوشنطة الأدويةالتي لا غني عنها لتستمر في الحياة، تقول الحاجة عزيزةأنا مريضة بالسكر ولا أستطيع الاستغناء عن الدواء لذا أحضرت معي بعض الأدوية حتى لا أصاب بنوبة مفاجئة وقررت ألا أنام مهما طالت مدة اعتصامنا، لأننا مش جايين نشحت احنا جايين عاوزين حقنا

وعن الاعتصام تقول نهي محمد الموظفة بالماليات في المصلحةتركت أولادي الأربعة وأكبرهمأحمد 12 عامًاوأصغرهمميار” 4 أعواموبالرغم من عدم وجود زوجي الذي يعمل بالخليج وظروف مرض أمي التي تمنعها من الحركة فإنني لم أتردد لحظة للمشاركة في الاعتصام مع زملائي واكتفيت بالاطمئنان عليهم من خلال التليفون المحمول ومساعدة بعض جيراننا لهم ولكن أتمني أن ينتهي الاعتصام وتنفذ مطالبنا في أسرع وقت لأن ابني لن يقدر علي تحمل مسئولية أخوته أكثر من ذلك“.

وكما أشارت ريهام عبد العزيز قائلةأعمل في المصلحة منذ أربعين عامًا وبرغم كبر سني فإن الاعتصام والاستمرار عليه أمر لابد منه لأنني لا أريد أن أعود إلى زوجي وأبنائي وأحفادي وقد خاب أملي، تركت زوجي المريض في الفراش وطلبت من إحدي بناتي البقاء بجواره في اليوم الأول للاعتصام وبعدها تتناوب أخوتها علي رعايته لحين عودتي“.

وعن تدبير احتياجات المعتصمين تقول نادية مشرقيكنا نعتمد على أنفسنا بالتكافل الذاتي لشراء الطعام ولكن مع الاستمرار في الاعتصام دون حل نفدت أموالنا فأكلنا العيش الحاف وهذا يتعارض مع ظروفي الصحية حيث أنني أعاني من قرحة في المعدة وبعض المشاكل الكبدية التي تتطلب تناول أطعمة معينة، مما أصابني بحالة إغماء في منتصف اليوم الثاني من الاعتصام“.

وعلى الرغم من إصابة نوال زكريا بمرض السكر، فإنها لم تتردد في المشاركة في الاعتصام . وعلقت قائلة على ذلكليست المشكلة في الحصول علي العلاج ولكن المشكلة الأكبر هي مريض السكر يحتاج إلى قضاء حاجته بشكل مستمر بسبب سرعة تجمع البول من جراء استخدام أدوية السكر لذا قامت مجموعة من السيدات المعتصمات بعمل دورة مياه في الشارع وذلك من خلال تغطية إحدي الأركان التي تفصل البيوت وبعضها باللافتات المستخدمة في الاعتصام، وكلما احتاجت إحدي السيدات لاستخدامها تقف الأخري حاملة اللافتة لتغطي عليها، وهو وضع مهين بشدة خاصة أنني أحتاج لذلك أكثر من 6 مرات في الساعة الواحدة“.

وظلت الموظفات مشاركات في الاعتصام حتى اليوم الحادي عشر، حينما نقلت جهات رفيعة المستوي للقيادة السياسية عزم الموظفين الانتقال بأسرهم إلى مقر الرئاسة بحي عابدين لنقل شكواهم إلى الرئيس مبارك، وأكدت تلك الجهات للقيادة السياسية تدني أوضاع المعتصمين المادية بالمقارنة بزملائهم في وزارة المالية وأن طلباتهم مشروعة وأن الأمر يتطلب تدخلاً مباشرًا من الرئيس حسني مبارك لإنهاء الأزمة خاصة بعد تجاهل الحكومة مشكلة الموظفين المعتصمين طوال الأيام الماضية، وكان من الطبيعي أن تصدر القيادات السياسية توجيهات مباشرة لإنهاء الأزمة ومنح المعتصمين حقوقهم ما دام لهم حق في ذلك. وبالفعل توجهت اللجنة العليا للإضراب للقاء وزير المالية الذي أعلن خلال هذا الاجتماع عزمه صرف مكافأة لهم قبل عيد الأضحى المبارك شهرين وصرف شهرين آخرین عقب عيد الأضحى. وقد سيطرت حالة من الفرح الشديد علي الآلاف من موظفي الضرائب العقارية عقب الاتفاق علي ضمهم لوزارة المالية الذي تزامن مع دخول اعتصامهم يومه الحادي عشر غير أنهم أعلنوا أنهم سوف يعلقون اعتصامهم ليوم 9 يناير 2008 وسوف يلتقون في هذا اليوم ويجمعون أنفسهم إما للاحتفال بالنصر بالانضمام رسميًا لوزارة المالية أو الاعتصام من جديد.

ظهر أيضًا خلال الاحتجاجات العمالية حرص العاملات على عدم استخدام العنف أو الأضرار بالآلات والمنشآت، وفى إضرابات غزل المحلة وبالتحديد خلال إضراب 6 أبريل 2008، تمكنت أمل السعيد ووداد الدمرداش من تشكيل مجموعات حراسة لحماية المنشآت والمعدات من قبل العناصر المندسة ما بين صفوف العمال المضربين.

المساندة والتضامن:

من الجدير بالذكر أن مساندة وتضامن النساء سواء لأزواجهن أو أبنائهن كانت عنصر مساعد في الاستمرار فى النضال من أجل حقوقهم، فعلى سبيل المثال انضمت أم الخير إلى الإضراب عن الطعام مع زوجها صابر عبد العاطى في يوم 20 من نوفمبر 2007 داخل مستشفي الغردقة العام احتجاجًا علي رفض اللواء أبو بكر الرشيدي محافظ البحر الأحمر الموافقة للزوج علي ترخيص سيارة تاكسي للعمل بها داخل مدينة الغردقة، وقد رفض الزوجان إنهاء الإضراب لحين الاستجابة لمطلبهما.

وخلال الاعتصامات فضلت الكثير من النساء المشاركة في الاعتصامات بجوار أزواجهن، وكان وجود أسر بالكامل مكونة من الزوج والزوجة والأبناء شئ معتاد خلال اعتصامات المحلة والضرائب العقارية، فقد حرصت أسرة عازر كامل علي مساندة عائلها بعد أن بات ليلته الأولي في الشارع فحضرت الزوجة أماني يوسف معها طفلها مينا 7 سنوات ومريم 9 سنوات لمشاركته ليلته الثانية، وبررت الزوجة حضورها للاعتصام بقولهابصراحة أنا وأطفالى المتضررون من ضعف راتبهفي حين قالت طفلتها مريمأنا جيت للاعتصام مع بابا بدل ما يبات لوحدهفي اليوم الثالث للاعتصام كان الطفل إسلام والذي لم يبلغ التاسعة من عمره محمولاً فوق الأعناق وهو يهتف عبر مكبر الصوت، في الليلة الثانية للاعتصام. كان إسلام يرقد في الشارع بجوار أحد الأشخاص اتضح بعد ذلك أنه والده ويدعي عبد الناصر سيد موظف بضرائب بني سويف. أسرة عبد الناصر تتكون من أربعة أبناء أكبرهم فاطمة 10 سنوات يليها إسلام واثنان آخران، ويقول الطفلإسلامعن سبب حضوره إلى القاهرةأنا وأخواتي بنأخد دروس في الحساب والعربي والإنجليزي وال 100 جنيه الباقية لينا لا تكفىوإسلام الذي تغيب عن دراسته بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة ببا الحديثة لينضم إلى الاعتصام في الليلة الأولي فرش بطانية ونام علي الأرض في حضن والده 13.

مما سبق يتضح لنا أنه على الرغم من العادات والتقاليد الموجودة في المجتمع المصرى والتى تفرض إطارًا عامًا لأشكال مشاركة المرأة فى المجتمع بشكل عام وفي الاحتجاجات بشكل خاص، إلا أن العاملة المصرية أدركت أهمية مشاركتها فى الاحتجاجات وتنوعت الأدوار التي لعبتها ما بين قيادية أو مشاركة أو الأعداد والتخطيط والتفاوض وحماية المنشآت، ومن الملاحظ إدراك العاملة المصرية لإشكاليات التمييز بسبب النوع ولكنها لم تحاول فرض أى أجندة نسائية على الحركة العمالية، وعلى الرغم من التهديدات والمضايقات سواء من الأجهزة الأمنية وإدارات المنشآت بالإضافة إلى محاولات التحرش التي حدثت لعاملتين فى شركة غزل المحلة، وكذلك الفصل والتشريد لم تهن عزيمة العاملة المصرية بل واجهت بقوة واستمرت مشاركتها فى الاحتجاجات العمالية بل زادتها تلك المواجهات صلابة وقوة وإيمان بعدالة مطالبها . ولقد ضربت العاملة المصرية مثال يحتذى به لنشيطات الحركة النسائية والتى مازالت تحاول البحث لها عن مساحة في ظل تصاعد التيارات الأصولية الداعية إلى تحجيم دور المرأة في المجتمع، ولقد اتضح ذلك في تناول أغلب المنظمات النسائية لدور المرأة فى الاحتجاجات العمالية بالإضافة إلى مقالات وتعليقات نشيطات الحركة النسائية المنشورة فى الصحف سواء الحكومية أو المستقلة والحزبية. كان الدور الذى لعبته العاملة المصرية بمثابة شعاع أمل لكل النساء ومثالا لإمكانية وصول المرأة إلى أهداف بعيدة المنال بشرط توحيد الأهداف والجهود. ولكن في الوقت ذاته، كان مؤشرًا لأهمية تخلى الحركة النسائية عن طبيعتها النخبوية ومحاولة الوصول إلى جميع فئات النساء ودراسة أوضاعهن وتبنى مشاكلهن. ولقد كان لمؤسسة المرأة الجديدة المبادرة في التواصل مع العاملة المصرية وتبنى قضاياها سواء عن طريق دراسة أوضاع العاملة المصرية أو تقديم مختلف أشكال الدعم للقيادات النسائية في الاحتجاجات العمالية، فعلى سبيل المثال قدمت المؤسسة الدعم للعاملات في مصنع الحناوى وتليمصر. وكذلك تكريم القيادات النسائية من المحلة للغزل والنسيج والحناوي والمنصورة – أسبانيا والضرائب العقارية في اليوم العالمي للمرأة.

ولكن لابد من أن تبادر جميع تيارات الحركة النسائية المختلفة، وتوثق بشكل منهجي دور المرأة في الحركة العمالية، بالإضافة إلى الاهتمام بتوعية وتثقيف القيادات النسائية العمالية بحقوق المرأة العاملة التى كفلتها المواثيق والمعاهدات الدولية وكذلك القوانين المصرية، بالإضافة إلى تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للقيادات النسائية العمالية.

في النهاية أود القول أن هناك الكثير من التجارب للقيادات النسائية خلال الاحتجاجات العمالية والتى بدون شك تمثل إثراء للحركة النسائية المصرية وهناك الكثير من الدروس التي يجب أن تتعلمها نشيطات الحركة النسائية ومن بينها كيفية القيام بالدور الرائع الذي قامت به العاملة المصرية خلال الاحتجاجات العمالية.

1– تمثيل المرأة ونظام الحصة، إلهامي الميرغني, الحوار المتمدن،

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid= 176925

2- المصدر السابق

3- جريدة المصري اليوم, العدد

4- نساء في سوق العمل, انتصار بدر, مؤسسة المرأة الجديدة

5- جريدة وطنى العدد الصدر يوم 5 أبريل 2009

6- عاملات المنصورة/ أسبانيا وسمنود للوبريات أضربنا علشان الماضى والحاضر والمستقبل، سهام شوادة، نشرة مؤسسة المرأة الجديدة، العدد الحادى والعشرين، أبريل 2008

7- المصدر السابق

 8- انبعاث الكفاح العمالي بمصر: في زمن الاقتصاد الجديد، تروس المغانم والمظالم، جوئل بنين ،

http://www.almounadil-a.info/article1448.html

9- عاملات المنصورة / اسبانيا وسمنود للوبريات أضربنا علشان الماضى والحاضر والمستقبل، سهام شوادة، نشرة مؤسسة المرأة الجديدة, العدد الحادي والعشرين، أبريل 2008

10-  العمال والمقاومة الاجتماعية، العدد الثاني، 2007

11- مطالبنا هي مطالب الشعب، بسمة كمال، نشرة مؤسسة المرأة الجديدة، العدد الحادى والعشرين، أبريل 2008

12-  المصدر السابق .

13- المصدر السابق.

14-  العمال والمقاومة الاجتماعية، العدد الثاني – تقارير مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات