قراءة عربية لمؤتمر نسوى

تاريخ النشر:

2009

قراءة عربية لمؤتمر نسوى

افتتحت جامعة الدول العربية عام 1945 ، وقد سبق افتتاح الجامعة بعام واحـد عـقـد مؤتمر نسائي عربي بالقاهرة في ديسمبر 1944، وهو عام تأسيس الاتحاد النسائي العربي برئاسة هدى شعروای.

وقد اتسمت الحركة النسائية منذ بدايات القرن العشرين بالوعي الوطني والقومي فلم تنفصل مطالب النساء عن المطالب الوطنية ، كــا تـم طـرح قضية المرأة في كل المناسبات والمحافل الوطنية والعربية، فعنـدمـا طـرح الاتحاد النسائي المصرى ولجنـة الـوفـد المركزية – للسيدات عام 1924 كُتيبا لمطالب المرأة المصرية، ضم الكُتيبُ تصورَا عامًا وشاملاً لتطـوير الحياة العامة المصرية في الأمور السياسية والنسوية والاجتماعية.

وقد اهتمت الحركة النسوية بالشأن العربي ، فقد تفاعلت رمـوز الحركة النسوية مع قضية فلسطين وعُقد أول مؤتمر يضم النساء العربيات في أبريل 1938 بدار الاتحاد النسائي المصرى ، وقد أطلق على المؤتمر مؤتمر نساء الشرق، حيث شارك في المؤتمر بالإضافة إلى النساء العربيات نساء من إيران والهند تعبيراً عن التضامن مع النساء الفلسطينيات ، وقد عقد مؤتمر نساء الشرق بالتزامن مع مؤتمر آخر بالقاهرة للنظر في القضية الفلسطينية بدعوة من البرلمانيين المصريين. وسجلت أعمال مؤتمر نساء الشرق في إصـدار بعنوان المرأة العربية وقضية فلسطينزود بأوراق المؤتمر وتوصياته صور فوتوجرافية للمشاركات به ، وخصص صافى إيراد الكتاب لصالح منكوبي فلسطين ونسائها وأبنائها وأراملها.

ونعود إلى المؤتمر الذي عقد بالقاهرة ، وهو المؤتمر العربي الثاني ديسمبر 1944 لدراسة قضية المرأة في البلاد العربية وموقف البلاد العربية من النساء إلى جانب قضية فلسطين فقـد شارك فيه وفود نسائية مـن سـت دول عربيـة هـي: مصر ، ولبنان ، وفلسطين ، وسوريا ، والعراق ، وشرق الأردن، وقد رأس كل وفـد مـن الـوفـود المشاركة إحـدى رموز الحركة النسائية بالبلدان المشاركة. وقد عبرت السيدة هدى شعراويعن المؤتمر باعتباره نصرًا كبيرًا للتضامن النسائي ودعمًا لأركان الوحدة العربيةوذلك خلال كلمتها لافتتاح المؤتمر. وقد ألقيت كلمات تمثل الوفود النسائية المشاركة بالمؤتمر خلال اليوم الأول مـن انعقـاده أكدت فيه المشاركات أهداف المؤتمر بجانبيه النسوى والتضامن العربي مع قضية فلسطين ، واشتملت الكلمات الافتتاحية وضع النساء بالدول العربية المشاركة في المؤتمر ففي كلمـة لولي أبو الهدىرئيسة وفد شرق الأردن تصف وضع المرأة الأردنيـة إن المرأة البدوية تساعد زوجها مما يخفف من متاعب العيش ، وذلك جرياً على التقاليد العربية الصحيحة ، وأنه لا يزال يعوزها التعليم لإنقاذها من ظلمات الجهالة في حين تصف نجلاء الكفوريعضوة الوفد اللبناني دور المرأة اللبنانية في الكفاح ضد الاستعماراستقبلت الحديـد والـنـار من أجل حرية لبنان الأمر الذي تجاوب صداه أنحاء الدنيا .

عقد المؤتمر على مدار خمسة أيام من 12 إلى 16 ديسمبر في صـورة جلسات صباحية وحفلات مسائية للترحيب بأعضاء وعضوات المؤتمر، وباستعراض قرارات وتوصيات لمؤتمر نجد أنها لم تقتصر على القضايا النسائية العربية فحسب، وإنـما طـرحـت رؤيـة عمليـة لتحقيق التكامل ومنهج للعمل المشترك بين البلدان العربية.

فحول قضايا المرأة طرحت قرارات المؤتمر المطالب النسوية حـول الحقـوق السياسية للمرأة العربية، حيث طالبت الحكومات العربية بالمساواة التدريجيةبين النساء والرجال في لحقوق السياسية كناخبة ومرشحة، وطرحت قضية التعيين بمجلس الشيوخ كإجراء مؤقت تحقيق المساواة، كما طرحت قضية المساواة في مواقع صنع القرار.

أما في الحقوق المدنية والشرعية فقد طرحت مطالب متعلقة بقضايا الأحوال الشخصية منها تقييد حق الطلاق، وكذلك طالب بتعويض للمرأة عما يصيبها من ضرر بسبب إساءة الرجل لاستخدام حق الطلاق، وكذلك تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء والحد من سلطة الولى وتحديد سن الزواج بجميع الدول العربية لستة عشر عامًا، كـا طـالـب المؤتمر بالمساواة بين الرجل والمرأة في أحكام قانون العقوبات.

وحول حقوق النساء العربيات الاجتماعية والاقتصادية، وجَّه المؤتمر توصيات وقرارات إلى الحكومات العربية في التعليم والعمـل – مجالات التعليم – الصحة – حماية الأمومة والطفولة – العمل.

ففي مجال التعليم طالب المؤتمر ضرورة التعليم الإجباري لجميع المواطنين لمحو الأمية في جميع البلدان العربية ، وطرح قضية تطوير المناهج، حيث طالب بطبع التعليم بطابع عربی تلتقى فيه ثمرات الحضارة العربية بما يتناسب معها من عناصر الحضارات الأخـرى لتظفر بلاد العروبة غيرها من هذه الحضارات .

وفى حماية الصحة والأمومة والطفولة خصص المؤتمر قسمًا خاصًا لحماية الأمومة ومما طالب به سن تشريع يلزم كلا الزوجين بأن يخضع لكشف طبى رسمى يثبت براءته من كـل مرض تناسلي ، وسن قانون لحماية المرأة العاملة أثناء الحمل وبعد الوضع.

ومن أهم ما طالب به لحماية الطفولة وتم توجيهه إلى الأمم والشعوب العربية : أن يقـوم كل بلد عربي بإنشاء حزب اجتماعي قوى يسمى حزب الطفولة ويكون بعيـدًا عـن كـل التشكيلات السياسية.

لم يقتصر المؤتمر على المطالب النسوية التي وجهها للحكومات العربية بغض النظـر عمـا وصلت إليه أوضاع النساء بأي من البلدان العربية ، إنما تطرق للتعاون الإقتصادي بين الدول العربية حيث طالب بتسهيل التبادل التجاري والمواصلات بين الأمـم الـعربيـة ، وطالب بتشجيع الأمم العربية على إقامة معارض لمصنوعاتها المختلفة لترويجها في جميع الأسواق، وبأن يفتح أمام المرأة العربية باب كل عمل شريف تريد طرقه، ومساواة أجرها بأجر الرجل عن كل الأعمال مادامت المؤهلات والكفاءات متساوية.

وفي مجال التضامن السياسي طالب المؤتمر بتضافر الأمم العربية على صيانة استقلال كـل منها، كما أعلن المؤتمر عن تأييده لمشروع تكوين جامعة للدول العربية.

أما في مجال القضية الفلسطينية فقد طالب المؤتمر الشعوب العربية بتأييد قضية فلسطين ، کا طالب الحكومات بالعمل على وقف الهجرة في فلسطين وقفاً تاماً ونشر الدعوة في جميع البلاد العربية للدفاع عن حقوق العرب بها ، وإرسال برقية باسم المؤتمر لـرئيس الولايات المتحدة ورئيس حكومة إنجلترا تتضمن الإعراب عن تألم سيدات العرب مما يدلوان به بین آن وآخر من تصريحات تظاهر الصهيونية على حسـاب حـق العـرب الصريح والمطالبة باسـم السلام بألا يتأثرا بنفوذ اليهود .

وعلى عكس العديد من المؤتمرات العربيـة لم يكتـف المؤتمر بالمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني دون تدابير واضحة بذلك إنما دعا ملوك العرب وأمراءهم ورؤساء الجمهوريات والقادرين من أبناء الأمم العربية إلى المساهمة في تأسيس شركة مساهمة الغرض منهـا اتحـاذ تدابير لازمة للاحتفاظ بالأراضي الزراعية في فلسطين لمالكيها العرب، بـل تـم تـأليف لجنـة لحفظ المبالغ التي ترد إلى الشركة على أن توضع في أحد المصارف على ذمة تأسيس الشركة ويعطى المودعين أسهمًا في الشركة بمقدار ما دفع كل منهم / منهن.

ويعكس المؤتمر عمق توجه وفهم النساء العربيات لقضايا الوطن العربي والقضايا النساء كجزء لا يتجزء من القضايا العربية ، وطرح رؤية نسويه عربية لتحقيق التكامل بين الأقطار العربية في المسائل السياسية والاقتصادية وطرح منهاج للعمل على القضية الفلسطينية في ذاك الوقت.

والجدير بالذكر أن المؤتمر شهد تأسيس الاتحاد النسائي العربي، وقد تم انتخاب أعضـاء المكتب الدائم لهيئة الإتحاد النسائي العربي مـن المندوبات العربية المشاركات بالمؤتمر، واختيرت هدى شعراوي رئيسة عامة وأمينة السعيد سكرتيرة، والهدف من المكتـب توصيـد التعاون بين نساء العرب وبين المرأة والرجل وتحقيق المثل العليا وإنشاء جيل قوى .

 

إيناس الشافعي: المديرة التنفيذية لملتقى من أجل نساء في التنمية .

* د. إجلال خليفة :الحركة النسائية الحديثة. الهيئة العامة للكتاب – القاهرة 2008.

* د. جورجيت عطية إبراهيم: هدى شعراوى الزمن والريادة. دار عطية للنشر لبنان 1998.

* د.لطيفة محمد سالم : المرأة المصرية والتغيير الاجتماعي 1919 – 1945. الهيئة العامة للكتاب القاهرة 2008.

* هدى شعراوی: مذکرات هدى شعراوي رائدة المرأة العربية الحديثة. دار الهلال – القاهرة 1981. العدد 126 من مجلة المصرية .

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات