جريدة الأهرام:
تقدمُ جريدة الأهرام في عدد كل يوم جمعة صفحة خاصة بعنوان “المرأة والطفل” ومن متابعة هذه الصفحة على مدى شهر لاحظنا التالي:
1) أن من ثوابت الصفحة، صورةٌ أو مجموعة صور حول آخر صيحات الموضة، سواء في عالم الأزياء أو تصفيف الشعر. وتحتل هذه الصورة (أو الصور) ما يقربُ من ربع حجم الصفحة في المتوسط.
2) أن أغلبية الأخبار التي تتناولها الصفحة تخاطبُ المرأة في دورها كأم أو كأنثى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مقالٌ بقلم أمل عوض الله بعنوان ” بشرتك ما بين الفصول (الأهرام الجمعة 18/ 9/ 1992) يؤكد على جمال البشرة بالنسبة للمرأة، ويمدها بمعلومات عن بشرتها تدعى الصفة العلمية، كما يُقدم لها بعض الوصفات للعناية بالبشرة، وهنالك العديدُ من الأمثلة التي تؤكدُ هذا المعنى، والتي يُمكن استقراؤها من مجرد عناوين المقالات: التدليل قبل المدرسة يخلقُ تلميذًا فاشلاً ، والطفل أيضًا يعاني من القلق” ، “سلوكيات خاطئة في الصغر مسؤولة عن آلام الظهر في الكبر“. وكأن هناك مزيدًا من التأكيد على أن المسؤولية كل المسؤولية تقعُ على المرأة في تنشئة الصغار، أو في العيوب التي تصيبهم في الكبر، وإلا فلماذا لا نرى مثل هذه المقالات في الصفحات العادية الموجهة لكل القراء رجالاً ونساءً؟
3) أن معظم الأخبار تأتي على هيئة ريبورتاج – وإن كانت تفتقرُ إلى سمات التحقيق الصحفى الحي – عن بحوث أجريت خارج مصر، أو خبرات نساء خارج مصر ومنها مثلاً: “الأمومة أقوى من قيود الإعاقة” عن أم معاقة اسمها أليسون رايت من بريطانيا، وُلدت ولديها تشوهٌ خلقي في يديها، ورغم هذا تتولى شؤون طفلها بكل شجاعة، هذا وكأنه لا توجد في مصر أمثلةٌ لأمهات تفانين في تربية أطفالهن رغم كل الظروف العصبية التي تتراوحُ ما بين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والجنسية التي تنالُ بالمرأة المصرية.
4) واستمرارًا للنقطة السابقة، يُلاحظ أن الصفحة لا تتناولُ على الإطلاق أمور المرأة المصرية محدودة الدخل، أو حتى المرأة متوسطة الدخل. فلا نوعية الأخبار، ولا الوصفات السحرية للعناية بالجسد أو بجمال المنزل، ولا التحقيقات تتناسبُ مع مشكلات وقضايا تلك الفئة من النساء في مجتمعنا. فماذا يهمُّ المرأة المصرية العادية من أسباب فشل الزيجات الملكية في بريطانيا؟ (مقال بقلم أليس الملاخ بعنوان “إعصار أندرو وسارة.. هل يهدد العرش البريطاني؟
(الأهرام 18/ 9/ 1992).
5) يُلاحظ أن عامود “معها في أسبوع” الذي من المفترض أن يُقدم الأخبار الهامة في مجال المرأة في مصر، يقتصرُ تقريبًا على أخبار الحزب الوطني وخاصةً أمانة القاهرة. فنقرأ تحية حب وتقدير لبعض المسؤولين، لدورهم في مساندة المرأة المصرية (الأهرام 4/ 9/1992) دونما تحديد لماهية هذا الدور، يليه في نفس العدد خبرٌ عن اختيار نازلي معوض كامل أمينة لمحافظة القاهرة، كما نقرأُ أخبارًا عن المشاريع الجماهيرية في محافظة القاهرة، خاصةً بالتشجير والتجميل (الأهرام 18/ 9/ 1992) وخبر آخر في آهرام الجمعة 11/ 9/ 1992 عن وجود خطة تفصيلية لمشروع أمانة المرأة بالحزب الوطني بالقاهرة لمحو أمية المرأة بالقاهرة، وهكذا تتوالى الأخبارُ على نفس النمط. هذا في الوقت الذي تكتظُّ فيه صحفٌ ومجلاتٌ عربيةٌ أخرى بأخبار عن مشاركة المرأة المصرية في ندوة العيد المئوى لدار الهلال، وبتحقيقات مع أديبات مصريات، بالإضافة إلى ما يُمكن أن يقال عن مهندسات ومدرسات وطبيبات وطالبات وربات بيوت مصريات يقمن بالتأكيد بأدوار هامة على امتداد الجمهورية. ولا يقتصر الأمر على عامود “معها في أسبوع“, حيث تُفرد بالإضافة مقالات أخرى لسيدات الحزب الوطني: “وقيادات الحزب النسائية.. أيضًا في خدمة القضية السكانية” (الأهرام 25/ 9/ 1992).
6) ورغم كل هذا، هناك الوجه المضئ لمقالات إيناس نور التي تتناول أخبار المرأة عمومًا، سواء في المحافل الدولية أو سفيراتٍ لبلادهن في مصر إلخ… والملفت أن تناولها مختلفٌ تمامًا عن باقي نبرة الصفحة التي لا تخاطبُ المرأة بصفتها عضو متكافئ في المجتمع، بل بصفتها حيوان جميل عليه أن يحرص على جماله وأن يؤدي واجباته التربوية على أكمل وجه. ومثالاً لما تُقدمه إيناس نور نجدُ في أحد الأعداد تقريرًا للأمم المتحدة عن أدوار المرأة وأهداف الخمس سنوات ( ١٩٩١ – ١٩٩٦) من إزالة أشكال التمييز التي تواجهها المرأة، ودمج المرأة في عملية التنمية وإشراكها في كافة الجهود الخاصة بعملية السلام ونزع السلاح، وزيادة وعي المرأة بحقوقها القانونية والشرعية، ويحقُّ لنا هنا أن نتساءل أين هذه الأهداف من صفحة “المرأة والطفل” في عدد الأهرام الأسبوعي؟
تمت مراجعةُ خمسة أعداد من مجلة حواء في الفترة من أول أغسطس إلى أول سبتمبر ١٩٩٢. تمَّ عمل تصنيف بالأبواب المختلفة التي تُشكل عمومًا نمطًا ثابتًا تقريبًا من حيث النوع والكمُ باستثناء عددٍ واحدٍ هو العدد الممتاز.
مثلها مثل الغالبية العظمى من المادة الإعلامية الموجهة للنساء، سواءً في المجلات أو الصفحات النسائية المتخصصة أو حتى الصحافة العادية، تخاطبُ مجلة حواء نساء الطبقة المتوسطة المدينية. ولا مجال فيها للحديث عن هموم ومشاكل نساء الطبقات الفقيرة والشرائح المهمشة في المجتمع (البائعات المتجولات، الخادمات …….) ناهيك عن مشاكل المرأة الريفية.
كما أن المجلة تخاطب شريحةً عمرية واحدةً رغم اتساعها نسبيًا، فهي تخاطب أساسًا المرأة في سن الزواج، أما المراهقات أو النساء المسنات فلا يشغلن من اهتمام المجلة إلا جزًء محدودًا .
وحتى هذه الشريحة العمرية الطبقية، تُخاطبها المجلةُ من منظورٍ تقليدي، فالموضوعاتُ الغالبة تخاطبُ المرأة أولاً كأنثى، وثانيًا كزوجةٍ وربة بيت، والإعلانات والقصص والأخبار تؤكدُ كلها هذا التوجه، ليصبح هذا هو الخطاب الرئيسي الموجه للمرأة المصرية.
أما المرأة العاملة والمرأة العالمة والمرأة الفنانة (باستثناء أخبار نجمات السينما طبعًا) فالحديث عنهن محدود. بل إن أحد الموضوعات العامة التي تناولت تجربةً مشرقةً لامرأة عاملة في مركز قيادي، كان يؤكد أيضًا على أن الدور الأساسي للمرأة هو دورها كربة بيت وكأم، وحاولت المحررةُ جاهدةً أن تستنطق المهندسة محور الموضوع باستمتاعها (!!) بالاستيقاظ المبكر والنوم المتأخر لكي تُعد لزوجها وأبناءها ساندويتشات الصباح وتحضر طعام الغداء رغم ظروف عملها الصعبة.
أما السياسةُ فلا مجال لها إذا ما استثنينا مقالات باب “قلوب نسيت الرحمة” الذي تناول الانتخابات الأمريكية في أكثر من حلقةٍ في فترة الدراسة.
ومن المهام أن نوضح أن أكبر قسمين منفردين من زاوية حجم الموضوعات يتعاملان مع المرأة بصورتها التقليدية، ويُرسخان هذه الصورة بإلحاح.
1) المرأة كأنثى
يمثلُ هذا القسم أكبر حجم من الموضوعات ١٢.٥% : ويتناول بشكلٍ ثابت العناية بجسد المرأة، وهو لا يتناولُ هذا الموضوع من زاوية أن تفهم المرأةُ جسدها ووظائفه المختلفة واحتياجاتها الصحية في مراحل العمر المختلفة، لكنه يعالج هذا الموضوع من زاوية كيف تتجملين للرجل (جمال وتأنق بشرتك في الصيف، همسات لجمالك، البشرة الدهنية لها حل، من قدميك يبدأ الجمال والراحة، للشعر الطويل سحر خاص، قصة واحدة وأكثر من تسريحة، تسريحات للصيف….).
2) المرأة كزوجة وربة بيت
وهو القسمُ الذي يهتمُّ بتوفير معلومات عن تنظيف المنزل والمطبخ وما أشبه، وتدخلُ فيه أبوابٌ مثل فكرة لمطبخك من أطباق حواء، الأثاث والستائر والديكور، هذا القسم يمثل 10% من مُجمل موضوعات المجلة، ونظرةٌ واحدة للصور المصاحبة للموضوعات كافية لإدراك أن معظم الموضوعات لا تهمُّ إلا شريحةً محدودة (من أعماق الصحراء ديكور عصري أنيق، الستائر لمسة وحيوية، من الحديد أثاث جريء وبسيط).
وحتى دور الأم لا يحظى باهتمام قوى، والتيمة الرئيسية له هي ضرورة تضحية الأم من أجل أبنائها، سواءً بتحمل إهمال أو عدم تعاون زوجها أو حتى نزواته، أو بعدم الزواج بعد الطلاق أو الترمل (القصص وبعض الموضوعات العامة)، ليس هناك اهتمام على سبيل المثال بتناولٍ منهجيٍ عميقٍ لموضوع تطور نمو الطفل والمشكلات التي تواجهها في المراحل العمرية المختلفة للطفل. أو المشكلات التي تواجهها الأمهات العاملات في دور الحضانة.
3) أما بالنسبة للموضوعات العامة
فيمكن القول أن المجلة تُعطى اهتمامًا حقيقيًا لموضوعيين أساسيين، يُناقشا بأشكالٍ مختلفة في معظم الأعداد التي تناولناها: وهما تعليم وعمل المرأة (البطالة وضعف المرتبات لن يوقفها ترك المرأة للعمل – يوم في حياة الست المديرة – الفتاة المصرية تجدد الآثار – الطالبات على القمة علمي وأدبي)، ولابد في هذا السياق من الإشارة إلى اهتمام المجلة بالشباب عمومًا، وبإبراز تفوق الشابات في مجالي التعليم والعمل، وإن كان هذا التناول يجاوره للأسف ويُضعفُ تأثيره الموضوعات شديدة الخفة مثل (البنات ماذا يفعلن في المصايف؟ – آه ياهوا المصايف – سمرا يامحلاها ….).
وما يلفتُ النظر أن الكاتبات اللاتي يُقدمن أبوابًا ثابتة “معًا على الطريق” و “قلوب نسيت الرحمة” ، يلجأن كثيرًا للحديث عن رحلاتهن في الخارج: إنجلترا، أمريكا، مما حدا بإحدى القارئات أن تطلبَ من الكاتبة أن تكتب عن رحلتها إلى أمريكا في صفحةٍ أخرى، وأن تترك هذه الصفحة لهموم الناس، ولكن الكاتبة تقول لها أن قارئة أخرى ” تستفيدُ جدًا من أدب الرحلات، خصوصًا عندما تكون المرتحلة كاتبة مثلى “وأن نفس القارئة” أقسمت لي أنها لا تزال تستعمل الريجيم الذي كتبت عنه عقب عودتي من أمريكا العام الماضي!!”
واستثناءً لذلك يأتى باب “يوميات نسائية“، فرغم أنه يلجأ للحديث عن المرأة في الخارج (فرنسا، برشلونة، القدس) . إلا أنه يستخدمُ ذلك بشكل ذكي للتأكيد على قيمٍ جيدة، ولطرح مشاكل ذات صلة بواقع المرأة المصرية، مثل ممنوع المضايقات للمرأة في العمل (فرنسا)، أولُ مهرجان نسائي في القدس، تألقُ المرأة في برشلونة وغياب المرأة العربية.
وفي الختام نؤكدُ على أنه رغم بعض المحاولات الجادة، يبقى الخطابُ الرئيسي لمجلة حواء موجهًا لأكثر جوانب المرأة تخلفًا وبُعدًا عن الاحتياجات الحقيقية الشرائح الواسعة من النساء اللاتي يمكنهن قراءتها، وتساهمُ حواء موضوعيًا في ترسيخ الصورة التقليدية للمرأة.
أما عن مجلة الحوادث، فحدِّث ولا حرج، عن تسعة أعدادٍ متواليةٍ تابعناها من المجلة، غلاف واحد من التسعة يحملُ صورة رجل، وهو الشيخ متولي الشعراوي يُحدثنا عن العفاريت وكيفية التخلص منها بواسطة “قاهر العفاريت.” أما الأعداد الثمانية الأخرى فلم يخلو غلافٌ واحدٌ منها من صورة امرأة حتى إن المتطلع إلى الغلاف دون أن يقرأ اسم المجلة، ليحتارُ ما إذا كانت هذه مجلة جنسٍ أم مجلة موضة ..
أما في داخل الأعداد، فإن الحوادث والجرائم والفضائح محليةً كانت أو عالمية، تتكرم على المرأة بمكانةٍ لطاملا افتقدتها المرأة في سائر جوانب الحياة الأخرى، ألا وهي مكانُ الصدارة، فسواءٌ كانت المرأةُ جانيةً أو مجنى عليها ، فهي مكان الصدارة، هي دائمًا تقريبًا مركز الخير أو الحادث أو الفضيحة.. وإذا لم تكن المرأة طرفًا مباشرًا وواضحًا في الحادث، فهناك غالبًا المحقق المثابر الذي يبحث عن المحرك الخفى وراء الحادث، وهكذا. هل هذه هي المعالجة الاجتماعية للحوادث كما وعدت المجلةُ أن تكون . هل ينقسمُ النساء في العالم إما إلى مجرماتٍ أو ضحايا إجرام، أو أمهات أدوا بأزواجهن وأبنائهن إلى تعاطي وتجارة المخدرات، وحيث أننا بالقطع لا نعتقدُ في ذلك، فإننا لنتسائلُ عن الدور المثير الذي تجتهدُ المجلةُ أن تلعبه، وعن القيم الاجتماعية التي تحاول أن تنقلها إلى الرأي العام.
في متابعةٍ لمجلة صباح الخير، وهي مجلةٌ واسعةُ الانتشار كان باب “شئ ما” لنادية عابد، و “البنات أحلى الكائنات” ، أبرز موضوعات تخص المرأة والفتيات.. فباب شئ ما يُلقى الضوء بشدة عن كيف تكون مشاعر المرأة تجاه الرجل، ماذا يمثلُ لها وماذا تمثل هي له، كيف تتعامل معه إلخ ….. وهذا كله من وجهة نظرها.
وينقسم الباب إلى أربعة عناوين: أحلى الكلام، صوت امرأة، في صدري كلام، اعترافات امرأة، ونرى كيف تتحدث “نادية عابد” بلسان المرأة وكيف تصورها، وهي مجردُ أمثلة:
فتحت عنوان “أحلى الكلام” تقول:
– أيامي مطرزةٌ بإقبالك وإدبارك، ورضاك وجفاك وغضبك وصفحك (العدد ١٩١٤).
–حين أواجهُ وحدى عتمة الحياة ينبثق ضوء يبدد هذه القيمة: صوتك (العدد ١٩١٥).
– كنت أعلمُ يقينًا قبل أن أتزوجك أنك رجلٌ لا يقال له لا (العدد 1916).
وتحت عنوان “اعترافات امرأة“: تقول:
– كيف أنسى مثير اهتمامي ومُفجر أنوثتي؟ كيف أنسى مرآتي الصادقة (العدد ١٩٠٨).
– لا أقف كثيرًا عند (نزواته) السريعة، فهكذا يتنفس الرجال، ولكني أتوقف عند نزوةٍ موغلةٍ في نفسه تتنفس من رئتيه وتنفذُ من أعصابه !! (العدد ١٩١٤).
وتحت عنوان “صوت امرأة” نقرأ :
– ماذا يعني الرجل لامرأة عاشقة؟ يعني بوصلتها التي تعرفُ من خلالها الاتجاهات الأربعة، دون حضورك ووجودك، صرت سجينة إفلاسي وطالما تبخرت ، مقتطفٌ من موضوع بعنوان “غربة” (العدد ١٩٠٨).
– في الإجابة عن سؤال: المرأة السمينة. أليس لها نصيب من اهتمام الرجال؟ تقول: لا شئ اسمه امرأة سمينة وامرأة رشيقة ولكن هناك امرأة (١٩١٤).
بنظرةٍ سريعةٍ على هذه المقتطفات، والتي لا تُمثل حصرًا على وجه الدقة لكل ما يُكتب في هذا الباب، نجد صورةً مشوهةً عن مشاعر المرأة وعقلها ورسالتها في الحياة، فالمرأةُ هنا كيان تابعٌ للرجل ليس لها استقلالية، إنما هي خُلقت من أجل إرضائه وإرضاء غروره، سواء الزوج أو الحبيب أو العاشق. تدورُ في فلكه دونما إرادةٍ حرةٍ منها وكأنه ليس في حياة المرأة شئ تهتم به سوى الرجل على هذا المحور كما تتجلى في كلماتها !!
لا تهتمُّ نادية عابد بإبراز المرأة كإنسان حر يتفاعلُ مع الحياة بكل جوانبها، حيث توجد المرأة الآن في مجالات الحياة المختلفة مثبتةً جدراتها وكفاءتها وتحملها للمسؤولية، بل وتفوقها في العديد من المجالات على الرجل نفسه، ولكن تُبرزها كأنثى ضعيفة مستكينة تستمد قوتها من قوة الرجل أو امرأة “مصحصحة” تعرفُ كيف تقتنص الرجال وتلتفُّ حولهم، ويالها من صورة تُقدمُ المرأة على هذا النحو لأجيالٍ عديدةٍ من الشبان والشابات، لتمثل قوةً ضاغطةً على عقول الناس ومفاهيمهم ومعتقداتهم.
أما باب “البنات أحلى الكائنات” فيتناولُ بعض الموضوعات الخاصة بالمرأة والفتيات والصغيرات في سن المراهقة، وهو أحيانًا يتناول بشكل فكاهي، وفي الأغلب بشكل جاد. وقد يكون في صورة توجيه أسئلةٍ خاصةٍ بالموضوع المطروح، مثل موضوع “وفي مصر بنات الطب يفضلن. قعدة البيت” (العدد ١٩٠٨): وهو يتعرضُ لموضة بنات الجامعة – حتى في كليات القمة – اللاتي لا ينوين العمل بعد التخرج، وهي ظاهرةٌ تنتشر هذه الأيام، والتي تعكس ليس فقط سلبيات المرأة وإغلاقها على تفكيرها وقدراتها، وإنما أيضًا الظروف الطاردة للعمل التي تحيطُ بالنساء.
وهناك موضوع “نحن نسألك بصراحة : هل أنت محتشمة؟ (العدد ١٩١٣) وهو يتعرض لمفهوم الاحتشام ومظاهرة لدى الفتاة، ويأتي في صورة توجيه أسئلةٍ العديد من الرجال والسيدات والفتيات حول كيف تكون الفتاه محتشمة، وهل الاحتشام زيٌ ورداءٌ أم سلوكٌ مع الآخرين؟ وهناك بروازٌ صغيرٌ عادةً ما يأتي مع الموضوع إمضاء“ولد” ولا أدري هل هو على سبيل الفكاهة والمزاج، أم يمثل تعليقًا ضمنيًا من المجلة على الموضوع، فعلى سبيل المثال: في موضوع الاحتشام كان هذا التعليق.
يا سبحان الله ، نقول شمال يقولوا يمين، نقول شمس يقولوا قمر، نقول تحرر العقل يقولوا تحرر “الهدوم” نقول احتشام الذي يقولوا حرية فردية، والمهم حشمة العقل ووقار القلب.
يا أيتها البنات… احترنا واحتار دليلنا معكن؟!!
ولد
وفي ثلاث أعداد متوالية (الأعداد ١٩١٤، ١٩١٥، ١٩١٦) تعرض باب “البنات أحلى الكائنات” إلى موضوع القيود المفروضة على الفتيات في سن المراهقة وفتيات الجامعة، وكيف تعاملُ الأسرةُ المصرية عادةً بناتها، وسيطرة الأب والأم والأخ على تصرفات الفتيات، مما يسبب ضجرًا وكبتًا للفتيات في التعبير عن أنفسهن ومشاعرهن بصراحةٍ ووضوح، كما لا يكونُ هناك الفهم الجيد والإحساس بهن، مما يولدُ الإحساس بالقهر والرغبة في الطفشان من البيت، وحالات الاكتئاب الشديدة التي تعاني منها الفتيات نتيجة لهذه المعاملة التي تفتقر إلى الحب والمودة والحوار الصريح بين أفراد الأسرة. وكان أيضًا للتعليق على هذا الموضوع بإمضاء “ولد” دلالته حيث قال:
والله عال خالص: قال أيه حضرتها ضاقت بقيود الأب وأوامر الأم، وأسئلة الأخ الكبير فقررت أن تهجر البيت! ياسلام.
حريتي ، شخصیتی، کرامتی، تحقیق ذاتي، كلمات كبيرة ورصينة تتشدق بها البنات ومن خلالها لا تريد أن يحاسبها أحد، يا ستى إن حتى الحرية لها ضوابط والله العظيم.
ولد
وقيل أيضًا
ادى اللى كان ناقص، ست الستات جايبة زميلها وعازماه في بيتنا على حفلة عيد ميلادي، المصيبة أنها شايفة ان دى حاجة عادية وليس فيها ما يمس كرامتي ورجولتي.. الذي يكاد ينقطني ويفرسني ان السيد والدي ووالدتي يقولون لى الصداقة في النهار أحسن من علاقات الظلام.. ما رأيكم أيها الولاد.
ولد
وبعد ..
فإن ما رصدناه وتابعناه في أربعة جرائد، ونعترفُ أنه لفترةٍ قصيرةٍ لا يعكس كلاً متكاملاً منسجمًا في تصويره وخطابه للمرأة.. هناك بالتأكيد في الصحافة من النساء والرجال من يكتبُ عن المرأة وقضيتها من منظور المرأة الإنساني العامل: المشارك في حياة هذا المجتمع بمشكلاته وقضاياه، ويخاطبها ويخاطب المجتمع من هذا المنظور، ولكننا نرصدُ بوضوح أن هذا لا يمثل الخط العام في خطاب المرأة ولا في الصحافة النسائية: إذا افترضنا ونحن نعتقد أن هذا صحيح، أن الإعلام لا يمثل الرأي العام وحسب، وإنما هو أولاً انعكاسٌ لهذا الرأي العام، لوجدنا أن المرأة في صحافتنا هي الزوجة والأم والطاهية .. هي موضوعُ الإثارة بالنسبة للرجل .. هي الجسمُ الخفي أو الواضح في الجريمة، هي المستهلك والمروج لأدوات الزينة والتجميل ولخطوط الموضة … هي أكسسوار هذا المجتمع وخادمته… يكفي أن نرصد هذه الاتجاهات لنتعرف ليس فقط على الدور الذي اقتصره المجتمع على المرأة، وإنما لنرصد أيضًا أن الإعلام لا يخاطبُ سوى شريحة مُحددةٍ من النساء، متجاهلاً جيوش النساء اللاتي لا يعني هذا الخطاب لهن شيئًا. اللاتي يعشن نمطًا للحياة لا مجال فيه للتساؤل عن حق العمل أو الموضة أو الزينة أو المطابخ الكهربائية المتكاملة.. لنساء يعملن، لا من باب الاختيار، وإنما من باب الضرورة، يوفرن بالكاد أماكن لأطفالهنَّ أثناء ساعات العمل، يحتجن إلى معجزات لتدبير ميزانية الأسرة من القليل القليل الذي يتقاضونه مقابل عملهن. هؤلاء النساء لا إعلام لهن ولا عنهن، ولا صحافة تخاطبهن رسميةً كانت أو عامةً أو نسائية، وبالتالي فإن إعلامنا لا يقتصر في تصويره للمرأة وخطابه عنها على إطار تقليدي رجعى سلفى وحسب، وإنما هو يحذفُ من النساء هذه الكتلة الهائلة التي يتناقضُ وجودها المجرد مع هذه الصورة التقليدية، فلا يتحدث عنها ولا يوجه لها خطاب.
إن استمرار الحال على ما هو عليه، يؤدي بنا إلى دائرةٍ خبيثةٍ لا مناص منها من رأى عام يغذي الإعلام وإعلام يعكسُ الرأي العام فيزيد من ثباته وهكذا .. وإذا كان للحركة النسائية المصرية – على تفرقها في الوقت الحالي، أن تلعب دورًا مضادًا لهذه العملية المتراكمة، فإن على هذا الدور أن يبدأ من الآن.. ليس فقط من خلال فرض خطاب مختلفٍ على وسائل الإعلام من خلال الكتابة والمشاركة والضغط. ليس فقط عن طريق الاتصال المباشر بالمسؤولات والمسؤولين عن الإعلام ومواجهتم بما يؤدي له هذا الإعلام الشائه عن المرأة، وإنما أيضًا من خلال خلق صحافةٍ نسائية بديلةٍ تتعرفُ بحق على مشكلات المرأة المصرية، خاصةً في تلك الشرائح والفئات التي لا تجد لها مساحةً على صفحات الجرائد الحالية. وتعرضُ على المجتمع وتفرض عليه أن يرى صورةً أخرى للمرأة. كما هي فعلاً، كما تعيشُ وتعمل وتعاني، كإنسان وكامرأة، لتفرض على المجتمع أن يستمع إلى خطاب من نوع مختلف. يتناول القضايا النسائية كما هي حقيقةً وليس كما يروق له وينسجم مع استقراره أن يراها، لعلنا نكون أحد هذه المنابر، وإن كان الطريقُ لا يزالُ بعيدًا.
قامت بإعداد الموضوع:
آمال عبد الهادي – عايدة سيف الدولة – ماجدة شعرواي – نولة درويش
****
قالوا..
المرأةُ تستخدمُ كأداةٍ للإعلان عن السلع لجذب الرجل والمرأة على السواء، فالإعلانُ يدعو المرأة إلى تخيل نفسها في دور المرأة التي حصلت على أغلى أمنية بشراء السلعة وهي الرجل. أما الرجلُ فيمنيه بالحصول على المرأة الجميلة التي تعرضُ السلعة كجائزة لشراء هذه السلعة. وحتى في العمل، صُورت المرأة أيضًا على أنها أداةٌ تثير الرجل وتجذبه، وليس أدلُّ على ذلك من الإعلان عن نوع من ظلال الجفون، جعل العميل يوقعُ العقد مع مديرة العمل لأنها كانت تستخدم هذا النوع من ظلال الجفون … ولعل أضر ما يضر بقضية المرأة معاملتها كأنثى “تثير الغرائز“، وإغفال قدرتها العقلانية أو الفكرية، ولعلنا نتساءل كيف سيكون الحال ونحن نطالب بالمساواة لو عُومل الرجل بالمثل، أي من وجهة نظرٍ جنسيةٍ.