قراءة في تفاسير القرآن واعية لاعتبارات الجندر

تاريخ النشر:

2012

اعداد بواسطة:

قراءة في تفاسير القرآن واعية لاعتبارات الجندر*

مقدمة

تنامی اهتمام الباحثات والباحثين خلال العقدين الماضيين بدراسة مجالات معينة من تراث الدين الإسلامي، مثل مجالات الإنتاج الثقافي، التي تقدم بدورها مفاهيم محددة عن الجندر (النوع). وقد حظيت تفاسير القرآن باهتمام خاص، ليس فقط بصفتها مصادر للمعرفة الدينية، ولكن أيضًا بوصفها نصوصًا تشكل توثيقًا للمواقف المتغيرة نحو المرأة على مر القرون في التاريخ الإسلامي. وقد ظهرت مقالات ودراسات تقارن بين شخصيات نسائية كما يصورها القرآن وما جاء في روايات أخرى وردت في كتابات خارج القرآن. وقد تناولت الدراسات شخصيات حواء، وزليخة زوجة عزيز مصر في قصة يوسف، وعائشة بنت أبي بكر في التراث الإسلامي، وكذلك ملكة سبأ في قصة النبي سليمان، إلى جانب شخصيات نسائية أخرى.(1) وتُعنى هذه المقالة بالخطاب الذي أنتجه المفسرون المتتابعون فيما يخص القضايا التي ترتبط بالجندر والتي تثيره بعض آيات القرآن، وبتحليل ’أصواتهم وآرائهم الخاصة‘ المستخدمة في شرح الرسالة الإلهية. والهدف هنا هو التنقيب في الحواشي الثقافية التي ترتبط بتلك الآيات، ومن ثمَّ اعتبار نصوص هذه التفاسير مواقع صياغة اجتماعية وثقافية للجندر. ولا تقتصر تلك الصياغة على صفحات النصوص الدينية المتخصصة، إذ إن لتلك النصوص نفوذًا أوسع في التأثير في أشكال الفهم الرائجة للدين، ومن ثم في التأثير في صياغة المعايير والوعي الاجتماعي. ولهذا، تُستخدم هذه الصياغة في إضفاء الشرعية على الانحيازات الثقافية، والممارسات والمواقف المجحفة تجاه النساء في المجتمعات المسلمة.

إن مهمة الباحثات في هذا المجال تمثل في الوقت الراهن نوعًا من أنواع الاجتهاد؛ أي سعيًا مشروعًا من منظور امرأة مسلمة مؤمنة نحو دراسة التراث الديني وإبراز النقاط التي يحيد فيها عن رسالة القرآن الأصلية. وقد أشرت في مواضع أخرى إلى أهمية أخذ موقف ’الإيمان‘ مأخذ الجد، ولا يهدف هذا المسعى إلى مجرد تفكيك التفاسير الخاطئة السابقة وتقويضها، بل يعبر أيضًا عن رغبة حقيقية صادقة في الانطلاق من مثل تلك التفاسير وإعادة بنائها وتقويمها(2).

     

يتمثل هدفي في تقديم رصد متسلسل زمنيًا لتفاسير نصوص قرآنية معينة تتناول علاقات الجندر ومكانة النساء في نسق القيم الإسلامية. وجدير بالذكر أنني هنا لا أختبر الصلاحية الفعلية لمعنى نص ما في ذاته أو أحاول إنتاج تفسير بديل، ولكني أقوم بتحليل مضمون التفاسير التي نتجت عن فهم الآيات التي تتناول موضوعات تتعلق بالجندر. بمعنى آخر، أقوم بتحرى كيفية وأسباب نشأة وتطور فهم أو افتراض ما حتى وصوله إلى مرحلة ’الرسوخ‘ في الدراسات المرجعية الإسلامية. وأسعى من خلال ذلك إلى القيام بعملية تحليل للخطاب أو نوع من أنواع النقد النصي بهدف تعيين أنماط لموضوعات قد تحولت بدورها إلى منظومات ثقافية. (3) وفوق ذلك، يجدر بنا ألا ننسى أنه من المفترض أن تكون المنظومات المثالية عبارة عن مخططات للسلوك، في الوقت ذاته الذي تكون فيه متجذرة في التجارب الفعلية في واقع الحياة اليومية الذي يشكل جوهر الحياة“.(4) إن مثل تلك الأفكار والافتراضات المسلم بها لا تحكم فهم الرجال والنساء لأدوار الجندر وعلاقاتهم المتبادلة في الإسلام فحسب، بل يسود اعتقاد قوى أيضًا بأن الإسلام يقرها ويقضي بها.

لقد قمت بدراسة مجموعات من أعمال التفاسير التي تتراوح بين أعمال صدرت في القرن العاشر الميلادي وأعمال حديثة ومعاصرة بخصوص الآيات المتعلقة بالحقوق المبنية على الجندر. وعادة ما يجرى تقسيم تلك المجموعة من التفاسير وتصنيفها إما بحسب المقاربات المنهجية المستخدمة فيها أو بحسب المراحل التاريخية التي ظهرت فيها. وتتضمن المجموعة الأولى من التصنيفات ما يلي: (أ) التفسير بالمأثور، أي بما يرد في التراث؛ (ب) التفسير بالرأي، أي بالرأي الشخصي؛ (ج) التفسير الصوفي الرمزي الكاشف؛ (د) التفسير الموضوعي، أي حسب الموضوع؛ (هـ) التفسير البياني، أي البلاغي والأدبي؛ (و) التحليل العلمي. أما النوع الثاني من التصنيفات فيتمثل في تقسيم تفاسير القرآن إلى ثلاث مراحل تاريخية رئيسة. تتمثل المرحلة الأولى في فترة حياة النبي محمد (ص) والصحابة، والمرحلة الثانية هي مرحلة الجيل الثاني من التابعين، أما المرحلة الثالثة فتحدد بداية التدوين/ التوثيق الرسمي وظهور ’علم التفسير‘ بوصفه فرعًا مستقلاً من فروع العلوم الدينية. (5) وقد تبينت ثلاث مراحل عامة فيما يتعلق بظهور موضوعات وخطابات معينة والتحولات التي مرت بها هذه الموضوعات والخطابات: الأولى مرحلة العصور الوسطى (القرن ۱۰-:14م)، والثانية المرحلة قبل الحديثة (حتى القرن 19م)، ثم أخيرًا القرن العشرين وما بعده. (6) ولا يرتكز هذا التقسيم على مجال تخصص مفسرین فرادي أو على موافقهم النظرية، بل يتطابق بشكل ما مع أنساق وأفكار تدور حول الجندر، ومع خطابات متغيرة فيما يتعلق بالنساء وبأدوار الجندر.

نجد أن التفاسير في مطلع القرن العشرين كانت تعكس اهتمامًا متناميًا بترسيخ الطبيعة المنزلية للمرأة، والترويج لرؤية تؤكد تأصيل التقسيم في أدوار الجندر. وعليه، فقد اندمجت هاتان الفكرتان في تفسير الآيات، مما أضفى شرعية على التسلسل التراتبي (hierarchy) للجندر، الذي اكتسب صبغة دينية/ قرآنية، وبالتالي أصبح من الصعب الطعن فيه. وبالإضافة إلى المراحل الثلاث التي مرت بها الموضوعات والخطابات، والتي اتبعت تسلسلاً زمنيًا، وتنامي فكرة الطبيعة المنزلية للمرأة في العصر الحديث، وتقسيم الأدوار المبني على الجندر، يمكننا ملاحظة حدوث تطور ثالث في ذاك الوقت. حيث نلحظ تغيرًا واضحًا في نغمة نصوص التفاسير، التي تحولت من تأكيد المسئولية الأخلاقية الأساسية التي يتحملها الرجال في العلاقة الزوجية، ومن نصائح وتحذيرات عديدة موجهة إليهم بألا يسيئوا استخدام سلطاتهم، إلى التركيز على واجبات النساء فقط والتوقعات الكبيرة المرتبطة بأدوارهن داخل الأسرة، أو بوصفهن وحدهن ممثلات عن الإسلام والثقافة الإسلامية ورموز تقدم أو تأخر المجتمع. ففي المجال الأسرى، نجد أن الحث على تحمل مسئولية نجاح أو فشل الأسرة في المجتمع يقع على عاتق النساء وحدهن، سواء فيما يتعلق بتنشئة الأطفال أو إدارة المنزل أو بالأعمال المنزلية أو بغير ذلك من الالتزامات الاجتماعية.

ويوحي ما ذكرته هنا بحدوث تراجع عن صياغة ما للجندر كانت أفضل أو أكثر إنصافًا في النصوص القروسطية. وبالرغم من أننى أرى أن ذلك قد يكون صحيحًا في بعض الأمثلة، فيجب ألا نسارع في اتخاذ موقف سطحي يفترض حدوث انحدار على مر الزمن من العصر الذهبي والتطبيق المثالي لأدوار الجندر في الإسلام. وينبغي ألا ننسى أن المفسرين القروسطيين قد أرسوا مفهومًا راسخًا عن تفوق الرجل ذهنيًا/عقليًا كما خلطوا بين التباين في بعض الأمور القانونية بين الجنسين وغياب المساواة في القيمة الإنسانية الجوهرية والحقوق الشخصية. ومن ناحية أخرى، لا يعني ذلك أن التفاسير الحديثة قد أحدثت تغييرًا جذريًا أو تقدمًا كبيرًا في هذا الصدد. فبالرغم من أن الإصلاحيين المحدثين الأوائل من أمثال الإمام محمد عبده قد انتقدوا إساءة استخدام تعدد الزوجات، وقدموا طروحًا نظرية حول المساواة بين الرجال والنساء في الشخصية والمشاعر والعقل، فإن محصلة آرائهم النهائية كانت في الغالب مجرد إعادة صياغة لبعض الأفكار القديمة المتحيزة ضد النساء، بل وإضافة المزيد. ففي الفكر الحديث، نجد أن كلاً من المسلمين المحدثين الإصلاحيين في مطلع القرن العشرين، والإسلاميين المحافظين، وعلماء المؤسسة الدينية التقليدية يعيدون إنتاج نوع معاصر من أيديولوجية الجندر المحافظة، التي تصاغ وتقنن إسلاميًا“. ومع ذلك، أرى أن هذه الأشكال المتعددة للخطاب في العصر الحديث تختلف في ازدواجيتها وارتباكها عن الأفكار التقليدية للفقهاء القدامي. وعلى العكس، فإن موقف الجماعات العلمانية المعاصرة، التي تتناول تلك الموضوعات من منظور غير ديني، والذي يبدو في الظاهر مساندًا للمرأة، إنما يأتي بدافع استفزاز المعسكر ’الديني‘ والترويج لموقف يتجنب بالمرة أي إطار مرجعی اسلامی.(7)

يكشف تحليل التفاسير القروسطية والحديثة عن أن المفسرين القروسطيين قدموا حزمة مختلطة من التفسيرات، بعضها ينم عن التحيز ضد النساء، وبعضها يقدم إمكان ظهور صياغات عملية لها تبعات إيجابية على دور النساء الفعال في مناقشة أدوار الجندر وتغييرها. وقد طغى الاجماع لاحقًا على ذلك الاتجاه الايجابي في التفسير، أو استحوذت عليه اتجاهات أكثر تعصبًا تجاه النساء وتجاه السيطرة على سلوكهن ومشاعرهن. أما عن موضوع تفوق الرجال على النساء عقليًا/ ذهنيًا الذي كان سائدًا في العصور الوسطى، فعندما حاول الإصلاحيون المحدثون تقويم هذه الفكرة المنحازة، نجدهم قد اكتفوا بفعل ذلك بصورة سطحية، بل وإنهم في الحقيقة قد أحلوا التقسيم الفطري لطبيعة الرجال والنساء النفسيةالرجال بوصفهم مفكرين يحكمهم العقل، والنساء تحكمهن العاطفة فقطمحل تلك الفكرة. وقد نتج عن ذلك التصنيف ’الطبيعي‘ للطبيعة الإنسانية اقتناع ضمني بتقسيم إلهي مواز بين الصبغة المنزلية في الحياة الخاصة والعمل في الحياة العامة. وهكذا، يعيد ذلك الخطاب إنتاج التسلسل التراتبي للعصور الوسطى في صياغة حديثة ذات صبغة علمية زائفة، في الوقت نفسه الذي يعيد إرساء التمييز الذي يبرر استمرارية تهميش النساء، أو في أحسن الأحوال يدعم اتجاهات الرعاية الأبوية الاستعلائية. (۸)

يبلغ عدد آيات القرآن ٦٢٣٢، منها 25 ترسي فكرة المساواة في الجندر على أسس دينية وروحية واجتماعية وسياسية.(9) ولكننا تجد تراث التفاسير يعطي أهمية كبرى لثلاث منها فقط. وقد أنتجت الآيات الثلاث تأويلات تؤسس مكانة النساء الأدنى، كما تبرر بنى سلطوية تغيب عنها المساواة. وبدلاً من تفسير تلك الأقلية من الآيات في ضوء أغلبية الآيات (المساواتية)، فقد دأب الخطاب العام على تجاهل أية رابطة بين النوعين من الآيات تجاهلاً تامًا، أو جعل من الآيات ’الأقلية‘ إطارًا مرجعيًا رئيسًا لتحديد مكانة المرأة في المجتمع وحقوقها وواجباتها. وهناك استراتيجية تأويلية مألوفة، ألا وهي تأكيد أن النساء يتمتعن بالمساواة على المستوى ’الروحي‘ وفيما يتعلق بإنسانيتهن التي يشتركن فيها مع الرجال، ولكنهن ’وظيفيًا‘، وعلى وجه التحديد فيما يختص بأدوارهن داخل بنية الأسرة، خاضعات للرجال، أو على الأقل تابعات. وهكذا، يقوم المفسرون القائلون بهذا الرأي بقلب العملية الإشارية، وبالتالي يلغون أية مساواة في الجندر قد يكونوا قد اعترفوا بها من قبل. فلطالما وجدنا التوتر أو التناقض قائمًا بين الإقرار بحقوق المساواة والعدالة تجاه النساء في الإسلام (النصوص التي تشكل الأغلبية) من ناحية، والإشارة إلى الفروق ’الطبيعية‘ في الوظيفة والأدوار الاجتماعية والقدرات (على أساس الآيات التي تشكل الأقلية) من ناحية أخرى.

وهناك أية من القرآن يرد ذكرها كثيرًا وتعد مثالاً على الآيات ’الأقلية‘، وهي الآية 34 من سورة النساء التي حظيت بشروح كثيرة في الدراسات المرجعية في الإسلام. وقد جاء تفسير أحد المفسرين من القرن الثاني عشر لهذه الآية يفيد بأن للرجال سيادة على النساء بفضل قدرتهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.” يجيء هذا الاقتباس من عبارة واضحة وردت في القرآن (الآية 71 من سورة التوبة)، تشير في الحقيقة إلى المسئوليات الاجتماعية والسياسية المشتركة بين الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي.(10) وقد أبرزت عزيزة الحبري ( Azizah al-Hibri ( التباين الواضح بين تلك الآية، التي ترسي في الواقع مسئولية الرجال والنساء المتبادلة عن القوامة على شئون المجتمع، والتفسير المغلوط الذي يجعل من الرجال ولاة وقوامين مطلقين على النساء.(11) وقد يجدر بنا عند هذه النقطة ذكر أحد الآراء التي قدمها مؤخرًا العالم المصرى يوسف القرضاوى بأنه علينا أن نعطى الأهمية للقضايا التي ترد في القرآن بدرجة تتناسب مع مدى اهتمام القرآن ذاته بها وتكراره لها،(١٢) وهو ما يشكل في رأيي منهجًا هرمنيوطيقيًا يحتاج إلى أن يدمج أكثر في تفاسير القرآن.

وهناك ملاحظة أخرى مرتبطة بهاتين المجموعتين من الآيات، ألا وهي الميل نحو اعتبار أن الأقلية من الآيات تشكل توجيهات مفصلة أو أسسًا دينية لمكانة النساء في الأسرة وفي المجتمع الأكبر، وهو اتجاه نجده على وجه الخصوصلدى المفسرين اللاحقين. على سبيل المثال، يبدأ محمد عبده بذكر المواضع القرآنية التي خاطب الله فيها النساء بالإيمان و المعرفة والأعمال الصالحة في العبادات والمعاملات كما خاطب الرجالوأمرهن بتعلم الكتاب والحكمة كما أمرهم، وأجمعت الأمة على ما مضى به الكتاب والسنة من أنهن مجزيات على أعمالهن في الدنيا والآخرة.” ووفقًا لروح تلك الرسالة، يجب ألا تحرم النساء من المزيد من العلم التفصيليعن حقوقهن وواجباتهن المحددة تجاه الله، وأزواجهن، وأطفالهن، وعائلاتهن، ومجتمعاتهن، وتجاه الدين ككل. وبهذه الطريقة، يكون العلم التفصيليمختلفًا عن العلم الإجماليالذي يتعلق بمنزلة النساء بوصفهن مسلمات مثلهن مثل الرجال المسلمين. فبحسب الإمام محمد عبده، يتولى الرجال بمقتضى كفالة الرياسةمهمة أن يعلموا النساء هذا العلم التفصيليحتى يصبح بإمكانهن القيام بما يجب عليهن. فمسئولية الرجال هي إعانة النصف الضعيف على القيام بما يجب عليه من علم وعمل، أو الزامه إياه بما له وما عليه من السلطة والرياسة“.(١٣) بمعنى آخر، إن العلم التفصيلي بالأدوار التقليدية داخل الأسرة والبيت هو ما سوف يميز النساء عن الرجال في المقام الأخير.

إن البحث الذي قمت به فيما يتعلق بتلك الآية هو جزء من مشروع أكبر يُعنى بثلاث آيات: الآية ٢٢٨ من سورة البقرة، والآية ٣٢ من سورة النساء، والآية 34 من سورة النساء، بهدف تحديد موضوعات معينة، مثل الطاعة، والقوامة، والنشوز، وفضل، ودرجة، ثم توضيح التأثير التفسيري التراكمي لهذه المفاهيم. وأود التركيز هذا على الآية ٢٢٨ من سورة البقرة، وأن أخصص بعض المساحة لتحليل التفاسير التاريخية المتعددة لها. ومن الضروري هنا أن أورد النص كاملاً:

والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة.” (14)

وحتى نضع هذه الآية في سياقها، فإنها مسبوقة بمتطلبات إجرائية خاصة بالطلاق، يتعين على الطرفين اتباعها. وهنا، أود التركيز على كلمة درجة، وهي كلمة لا توضح الآية نفسها معناها. أولاً، يؤكد تفسير الطبري أن الله ينهي كلا الطرفين عن إيذاء الآخر، ويخبر كلاً منهما بحقوقه/ا وواجباته/ا تجاه الآخر/الأخرى، وبخاصة في موضوع الطلاق. وتركز الآية على النهي عن السلوك المؤذي وغير الأمين في حث الزوج على ألا يرجع في الطلاق ويعيد زوجته إذا لم تكن لديه النية في إصلاح سبيله، وفي حث الزوجة على ألا تخفي الحمل. ويبرز الطبري في تفسيره هذا الجانب التبادلي المتعلق بأهمية تجنب أي أذى لأي من الطرفين (ترك المضار). أما بالنسبة إلى الجزء الثاني من الآية الذي ترد فيه كلمة درجة، فيورد الطبري بوضوح أن الدرجة تعنى في هذا الموضع” “الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه“.(15) ولذلك، يجدر فهم الآية على أنها تحث الزوج على أن يكون جديرًا بتلك الدرجة من الأفضلية فقط بفضل السلوك الأخلاقي النموذجي والمواقف التي تدل على الشهامة – أى التنازل عن بعض الحقوق التي قد يكون مخولاً بها. وهنا، يضيف الطبري تعليقًا كاشفًا. فإن هذا القول: “وإن كان ظاهره ظاهر الخبر، فمعناه معنى ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل ليكون لهم عليهن فضل درجة.”. وعليه، فإن تلك منزلة أخلاقية مكتسبة أو مستحقة ومتوقفة على سلوك معين، وليست امتيازًا طبيعيًا للرجال. ونلاحظ أن المفسرين اللاحقين لم يأخذوا في الحسبان ذلك التفسير المستنير لكلمة درجةوما فيه من مرونة، ولكن استمروا حتى العصر الحديث في اعتبار أن القرآن يقول على وجه العموم بأن الرجال مخولون بحقوق أكثر، وأنهم متفرقون بصورة طبيعية، وأنهم يتمتعون بدرجة من التفضيل المطلق على النساء بفضل الجنس.

ويغفل التفسير التالي للزمخشري تفسير الطبري المدقق، ويقرأ درجة على أنها زيادة في الحق وفضيلة بقيامه عليها أو إنفاقه في مصالحها“.(16) ولكنه، وفي سياق تفسير التشابه بين ما يدين به الرجال والنساء لبعضهن البعض، يشرح أن المرأة تشعر بالمتعة الجنسية مثل الرجل. كما يؤكد الزمخشرى أهمية أن يؤدي الرجال واجباتهم تجاه النساء، قائلاً إن الله قد خيرهم بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة والقيام بواجباتهن وبين أن يسرَّحوهن السراح الجميل الذي علمهم.” وتدعيمًا لذلك التفسير الذي يقدم مماثلة الواجب بالواجبيورد الزمخشري واقعة يعتقد أنها حدثت في عهد الخليفة عمر، عن امرأة كانت تمقت صحبة زوجها إلى درجة أن حصلت على الخلع على أساس محض مشاعرها السلبية نحوه. وهو يسوق هذه الواقعة للتدليل على أنه إما أن تكون شراكة برضاء الطرفين أو يكون الانفصال. وهكذا، فإن تفسير الزمخشري برمته هو عبارة عن مزيج من المواقف السلبية والإيجابية، ولكن على الأقل هناك اعتراف بالحاجة إلى أخذ رغبات النساء في الحسبان في موضوع الطلاق، وهنا تظهر النساء بوصفهن ذواتًا فعالة.

ويقدم فخر الدين الرازي ثلاثة مستويات أو أوجه لتفسير عبارة لهن مثل الذي عليهن، مما يشير إلى استراتيجية أكثر تعقيدًا لصياغة الخطاب. وفيما يلى أقدم تلك التفاسير وبترتيب الأفضلية لديه: أولاً، الأزواج والزوجات لهن مصالح متبادلة. فالزوج أمير وقيم أو ولي في وفائه بحقوق زوجته والإشراف على مصالحها، وفي المقابل فهي تتنازل له وتتبعه. ثانيًا، التبادلية. وهنا يورد الرازي مصدرًا آخرابن عباس، ابن عم النبي: “إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي.” والتلميح هنا إلى التبادلية في الإشباع الجنسي. ثالثًا، كما يتعين على الزوج أن يترك أية نية للاذي في إجراءات الطلاق، فعلى الزوجة أيضًا أن تحجم عن أي أذى قد ينجم عن إخفاء الحمل.(17) ومن الملاحظ هنا قلب ترتيب الأولويات في التفسير، حيث نجد أن الرازي يعطى الأولوية للتفسير الذي يُضمّن فيه استعارته الخاصة بالأمير، جاعلاً هذا التفسير سابقًا على التفسيرين الآخرين الذين هما أقرب إلى المعاني التي ذهب إليها من سبقوه. وفي الوقت نفسه نجد أن التفسير الأول هو الأبعد عن المعنى السياقي المباشر. والآن وبعد أن أصبح تفضيل أو ميزة الرجال على النساء من المعطيات الثابتة، على أساس ما يذهب إليه تفسير كلمة درجة، فما على الرازي سوى تعديد الأسباب أو المجالات التي يظهر فيها هذا التفضيل. ومن الميزات، يذكر أن للزوج الصلاحية القانونية التي تمنحه الحق في تطليقها، وإذا طلقها فهو قادر على مراجعتها، شاءت المرأة أم أبت“.(١٨) وتنم صياغة هذه العبارة عن اتجاه متنام نحو إغفال رغبات الزوجات وتجاهل السياق المتضمن في الآية الذي ينهي الزوج عن الحاق الأذىفي إجراءات الطلاق. ويشير ذلك أيضًا إلى إغفال فكرة القبول والرضاء من الطرفين لصالح تأكيد فكرة الإكراه، كما يؤكد أن استخدام الزوج ذلك الحق القانوني ليس محلاً للنقاش أو التنازل أو اتباع الرفق. ويتعارض هذا الموقف مع اشتراط القرآن أن يكون الزواج إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.(19)

ومن المدهش أن الرازي يضيف أنه بما أن الله قد وهب الرجال درجة أعلى من القدرة فوق النساء، فإن عليهم مسئولية أكبر لضمان الحفاظ على حقوق النساء. ولأن الله قد أنعم على الرجال أكثر، فإن لومًا أكبر يقع عليهم لو أنهم ارتكبوا المعاصي بحرمان النساء من حقوقهن. إن وجه التعقيد في هذا التأويل يأتي من أنه يقدم قراءة للآية على أنها تهديد للرجال ألا يؤذون النساء، وهو أحد الملامح المتكررة في الخطاب القروسطي سيختفي إلى حد كبير فيما بعد، في الوقت ذاته الذي يسهب في ذكر الامتيازات التي تعلى الرجال على النساء في الزواج، دافعًا بأن تلك الامتيازات قد قضى بها الله، وليست مكتسبة كما نرى لدى الطبري. ومما يزيد التعقيد في هذا الشرح أن الرازي يعيد ذكر التفسير المتعلق بالمتعة الجنسية المشتركة بوصفه أحد أوجه الفائدة المتساوية في العلاقة الزوجية، دون أن يلتفت إلى وجود أي تناقض في ذلك الموقف المزدوج الذي يؤكد من ناحية المصالح المشتركة والتراحم في الزواج، وفي الوقت نفسه يؤسس بنى سلطوية تغيب عنها المساواة.

ثم يأتي القرطبي الذي يؤكد في تفسيره أنه محرمعلى الزوج أن يعيد زوجته إذا كان ينوى إلحاق الأذى بها، أو كان على غير استعداد أن يصلح معاملته لها. ويجدر بنا هنا ملاحظة أنه بينما يقر القرطبي بتحريم كل من انتواء الأذى وإلحاقه، لا يقدم طريقة واضحة للكشف عن مثل هذه التعديات، كما أنه لا يحدد التبعات الشرعية لارتكابها. وهكذا، ومع مرور الوقت أصبح الأمر الإلهي في الآية رقم ٢٢٨ من سورة البقرة مبهمًا ومتروكًا لضمير الرجال الفردي. (يخصص القرطبي بعد ذلك مساحة كبيرة لمناقشة الواجب الذي يفرض على الزوج أن يكون حسن المظهر وجذابًا لزوجته حتى يحقق لها الإشباع الجنسي التام، موصيًا باستخدام عقاقير عشبية وطبية بخصوص ذلك الأمر. ولا تزال التبادلية موجودة في مجال الإشباع الجنسي على الأخص، حيث تقع المسئولية الرئيسة على الزوج الذي يجب عليه التأكد من رضاء زوجته. فهو الذي يتوقع منه بذل الجهد في جعل زوجته راضية دائمًا وإلا وقع عليه اللوم). أما عن فكرة الدرجةفتظهر مرة أخرى بوصفها ميزة ذكورية أو تفضيلاً في مجال العقل والقدرة على الإعالة و في تقسيم المواريث. ويرى القرطبي أنه بما أن المرأة خلقت من الرجل فهو أصلها“.(۲۰) وبعد أن يشير إلى الآراء وإلى عدد من المعاني التي يمكن استخلاصها، نجده يختص إلى أنه وعلى الجملةأن حق الزوج عليها أوجب من حقها عليه“.(21) تنم هذه الجملة عن تراجع آخر عن المفهوم المبدئي الذي يرى للشريكين حقوقًا متساوية، أو أنه على الرجل أن يعمل بجد لكي يستحق الدرجة التي تميزه، وذلك بالسلوك الفضيل. وتفسح مقولة القرطبي الأخيرة الطريق لوضع تسلسل تراتبي للجنسين مبنى على الاختلاف البيولوجي.

وكذلك تجدر الإشارة هنا إلى أن قائمة الأسباب التي تجعل الرجال أفضل من النساء بصفة عامة تأخذ في التزايد – وكل ذلك باسم ذلك الجزء الصغير من الآية. وهكذا، تتولك التوترات والتناقضات عادة داخل فقرة واحدة في أي تفسير، فتراه يؤكد من ناحية المساواة في الحقوق، بينما يحاول جاهدًا من ناحية أخرىأن يجعل كفة الرجل أرجح في ميزان العلاقة الزوجية. ونرى أحيانًا الجزء الأول من فقرة ما في التفسير يأتي متناقضًا من الناحية المنطقية مع الجزء الذي يليه. وسوف يستمر ذلك الأسلوب في الطرح مكتسبًا شرعية أكبر باستخدام أحاديث صحيحة أو ضعيفة.

تأتي القائمة التي يضعها ابن كثير ’لدرجات‘ أفضلية الرجال طويلة، وتتضمن الفضيلة والخُلق والخَلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح.” ويضيف ابن كثير إضافة مثيرة للجدل في أن للرجال الفضل في الدنيا والآخرةإذ إن الله يقول في أية أخرى ’الرجال قوامون على النساء….‘”.(22) يقدم هذا التفسير إشكالية مزدوجة، فهو التفسير الوحيد الذي صادفته ينص بوضوح على أن الرجال أعلى مكانة من النساء في الآخرة، وهو ما يأتي متعارضًا مع العقيدة القرآنية المدنية والواضحة التي تنص على المساواة بين الجنسين في الثواب والعقاب. كذلك، تعكس المقولة تكريسًا للخطاب الأبوي وتطويرًا متناميًا له، وذلك باستخدام المنهج التفسيري المعروف بأن القرآن يفسر نفسه، أي اعتماد الآيات القرآنية التي تتناول الموضوع نفسه لتدعيم تفسير بعينه. وهنا يستحوذ ابن كثير على الآية 34 من سورة النساء ويستخدمها لتدعيم آرائه حول غياب المساواة بين الجنسين. ولكنه يتجاهل الغالبية من الآيات القرآنية التي تؤكد ’النفس الواحدة‘، والمساواة في الثواب. وبالتدريج، سوف تتسع الآية ٢٢٨ من سورة البقرة لتضم مفاهيم مثل ’الطاعة‘ و’الضعف‘ و’الخضوع‘ ، وهي مصطلحات لا ترد في الآية ذاتها. وبدءًا من هنا، سوف نرى في تتابع التفاسير الربط بين هذه الآية وآية القوامة وهي الآية 34 من سورة النساء، وهو ما يرسي الأساس للمزيد من القراءات المتحيزة ضد المرأة. (۲۳)

يأخذ الألوسى، المفسر الذي عاش في بدايات القرن التاسع عشر، والذي يعد بداية الآراء الحداثية في التفسير، ملاحظة صغيرة أتى بها الزمخشري، ويجعل منها قراءة أصبحت فيما بعد من القراءات المفضلة في الخطاب الحديث. فقد أخد تعليقًا للزمخشري حول جزء من الآية ٢٢٨ من سورة البقرة، ألا وهو التشابه في الحقوق والواجبات. والمراد بالتشابه مماثلة الواجب الواجب في كونه حسنة لا في جنس الفعل فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل نحو ذلك ولكن يقابله بما يليق بالرجال“.(24) وقد ورد ذكر هذا الرأي الذي يؤسس لتقسيم العمل تقسيمًا مبنيًا على الجنس داخل الأسرة مرة واحدة، كما أنه لم يجذب انتباه المفسرين اللاحقين، إذ إن اهتمامهم كان ينصب أساسًا على ترسيخ التسلسل التراتبي في الزواج (الطاعة). ولكننا نرى أن تلك الفترة (أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) شهدت ظهور منطق جديد يأخذ بالتكافؤ بين الجنسين عن طريق التكامل، ودخوله المرجعية الإسلامية واكتسابه قوة كبيرة في الخطاب الحداثي. وتنبني منظومة الجندر هنا على مبدأ ’المساواة مع الاعتراف بالخصوصية‘، حيث تشغل فيه النساء والرجال مجالات اجتماعية منفصلة ولكنهم يكملون بعضهم البعض. ويرسخ ذلك بالطبع للتقسيم الصارم بين المجالين الخاص والعام، كما يرسخ للتشكيل الاجتماعي للرجال والنساء، الذين ينتظر منهم اتباع الأدوار المرسومة في كل مجال من هذه المجالات على حدة. ويأتي هذا الرأي عن ’أدوار‘ الرجال والنساء متناقضًا مع الروايات المعروفة عن النبي، التي نرى فيها محمدًا يعمل في المنزل في المجال الخاص: يرفي ملابسه ويحلب شاته. (٢٥) ومنذ ذلك الوقت سيطرت أفكار قاطعة بخصوص ما يناسب الأنوثة وما يليق بالرجولة سيطرة شبه كاملة على كل التفاسير أو الشروح الحديثة لهذه الآية التي تتناول أدوار الرجال والنساء. وتعكس الكثير من تلك الطروح المنحى الحداثي تجاه خلق صور نمطية جامدة لنموذج ’الزوجة المسلمة الصالحة‘.

ويستعيد الإمام محمد عبده، عميد الفكر الإسلامي الإصلاحي الحديث، هذه النقطة في تفسيره: إن الحقوق بين الزوجين متبادلة ويكمل بعضها البعض، ولكنها ليست الحقوق نفسها. وبالرغم من محاولات محمد عبده التصديق على المساواة بين الرجال والنساء في الذات والإحساس والشعور والعقل،(26) فهو يعيد تأسيس فكرة تفوق الرجل في تفسيره لعبارة الدرجة“- وذلك بقوله إن الله قد ميز الرجال على النساء بفضل الرئاسة أو القدرة على القيادة. ويؤكد محمد عبده كذلك أن العمل في المنزل يندرج بالطبع ضمن ما تشير إليه الآية بسبب الرضوخ للعرف (أي ما هو معروف)، وذلك بالرغم من أن المفسرين السابقين له قد رأوا أن كلمة معروفتعنى العطف. وينتقد محمد عبده الفقهاء القدامى الذين أحلوا المرأة من العمل في المنزل ذاهبين إلى أن ذلك أمر لم يقض به الدين ولا القانون، مقدمًا طرحًا مفاده أن تقسيم الأدوار إلى أعمال منزلية في مقابل العمل في المجال العام إنما هو أمر تقضي به فطرةالله وهي: “توزيع الأعمال بين الزوجين، على المرأة تدبير المنزل والقيام بالأعمال فيه، وعلى الرجل السعي والكسب خارجه“.(27) ذلك هو الأصل والتقسيم الفطري الذي تقوم به مصلحة الناس، وهو يؤكد بذلك أن العادات الاجتماعية والثقافية أكثر من أي شي آخر هي الإطار المرجعي. وبينما ينتقد محمد عبده الرجال الذين يسيئون معاملة زوجاتهم ويسيئون استخدام حقوقهم في تعدد الزوجات والطلاق، ينتقد أيضًا الرجال لاتباعهم تفاسير قديمة ترى أنه ليس للأزواج على زوجاتهن خدمة ولا طبخ، ولا غسل، ولا كنس ولا فرش، ولا ارضاع طفل ولا تربية ولد، ولا إشراف على الخدم الذين نستأجرهم لذلك“.(٢٨) وهو يرى في ذلك موقفًا خاطئًا، يحل الزوجة من واجبات فرضها عليها الشرع والعرف“. وفي نهاية شرحه المطول لتلك الآية، وعلى الرغم من النغمة الأبوية الحانية التي تتصف بها بعض كتاباته عن النساء، فقد رسخ لضرورة سلطة ورياسةالرجال على النساء.

وبالرغم من الاختلافات في التوجهات والمواقف الفكرية بين المفسرين الحديثين الآخرين، فقد استمروا في تأسيس التسلسل التراتبي للجندر، وفي إعطائه أبعادًا جديدة مبنية على العرف وعلى مبررات علمية/ نفسية زائفة. وفي الوقت ذاته، غابت عن المفسرين والشارحين بعض التفاسير القديمة المستنيرة التي ركزت، على سبيل المثال، على السياق الأوسع في إجراءات الطلاق والأمر الإلهي بعدم الأذى. وكما رأينا، فإن ذلك واجب مفروض على كل من الزوج والزوجة، وعلى الزوج بشكل خاص، الذي يطلب منه أن يكون أكثر تسامحًا تجاه زوجته في مطالبته بحقوقه. ويدعم الإسلاميون السياسيون الذين ظهروا في منتصف القرن من أمثال سيد قطب وزينب الغزالي في كتاباتهم الفصل بين المجالين العام والخاص للجنسين، ويرون أنه الترتيب الاجتماعي الوحيد الممكن، تاركين مساحة ضيقة لأية بنى بديلة. ولكن تجدر هنا الإشارة إلى أن الفضل يرجع إلى سيد قطب في إعادة كلمة درجةفي عبارة أن للرجال عليهن درجةإلى معناها الأصلي المحدود في سياق الطلاق: “أعتقد أنها مقيدة في هذا السياق بحق الرجال في ردهن إلى عصمتهم إلى فترة العدةفهو حق تفرضه طبيعة الموقف. وهي درجة مقيدة في هذا الموضع، وليست مطلقة الدلالة كما يفهمها الكثيرون، ويستشهدون بها في غير موضعها“.(۲۹)

وفي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، لعب الداعية المصري محمد متولي الشعراوي دورًا مهمًا بوصفه مساندًا ومروجًا لتلك الأيديولوجية المتعلقة بالجندر. وقد تركز طرح الشيخ الشعراوي على الوظائف العضوية المميزة مثل الحمل والولادة والإرضاع التي تشكل بالنسبة له أساس الاختلاف في الجندر في الطبيعة الإنسانية وما يصاحبه من تقسيم للمهام الحياتية. فدور المرأة بوصفها أمًا هو الذي يحدد شخصيتها، لأنها محكومة بدوافع الرعاية وبالمشاعر. ويأتي ذلك في مقابل الصفات الذكورية مثل التفكير والعقلانية. وبالرغم من تأكيد الشعراوي تكامل الجنسين وأن التقسيم في الوظائف لا يعني أن الرجال أفضل من النساء (أو العكس)، فإن الطرح الذي يقدمه قد استُخدم لتبرير فكرة دونية النساء وعدم ملاءمتهن لأي عمل عدا الأمومة، وهو أمر إشكالي للغاية في مثل هذا الخطاب. (30) أما عن مسألة الآية ٢٢٨ من سورة البقرة، فيبدو الشعراوي كمن يأخذ بأن الدرجة تعنى درجة الولاية والقوامة، ثم يستطرد قائلاً إن هذه الدرجة التي من أجلها رفع الرجل هي أنه قوّام أعلى في الحركة الدنيوية“.(31) وهكذا، تتحدد التبادلية بين الطرفين بطبيعةكل منهما وبالمجال الطبيعي لكل منهما داخل أو خارج المنزل.(32)

وقد انتشرت أمثال تلك التفاسير لأحكام واردة في آيات قرآنية انتشارًا واسعًا في العقود الأخيرة. ويمثل التفسير الذي أصدره الأزهر بعنوان التفسير الوسيط مسارًا لافتًا في هذا المجال. فقد قامت لجنة خاصة بوضع هذا التفسير من أجل قارئ القرآن المسلم العادي، وهو معد ليكون شرحًا بسيطًا يستخدمه القارئ غير المتخصص الذي يسعى إلى فهم الآيات الصعبة في القرآن. يبدأ تفسير الآية ٢٢٨ من سورة البقرة بالقول بأن لكلا الطرفين في الزواج حقوقًا متبادلة في العشرة ’بالمعروف‘. للزوجات على الأزواج حق الإعالة المادية، بينما للأزواج على الزوجات حق رعاية أولادهم وصيانة ممتلكاتهم، وحق الإخلاص.(۳۳) ولكننا نجد التفسير يستطرد قائلاً إن الرجل هو الأقدر من المرأة على رعاية الأسرة وقيادتها، بفضل أنه أملك لزمام نفسه، واقدر على ضبط حسه، ووحده الذي أقام البيت بماله“. ويستطرد الطرح حول تلك النقطة مبينًا أن هذه هي الدرجة التي جعلها الإسلام للرجل. وللرجال على النساء مزية وزيادة في الحق بسبب حمايتهم لهن، وقيامهم بشئونهن ونفقتهن وغير ذلك من واجبات“. إن المشكلة في هذا الرأي تكمن في الربط المستمر بين مسئولية الزوج المادية والسلطة والنفوذ في كافة الشئون الأخرى، سواء المنزلية أو الاجتماعية أو العامة، إذ لا يتحتم علينا أن نترجم المسئولية المادية إلى السيطرة، بل على العكس، فإن التفسير الأكثر منطقية لهذه الآية هو ببساطة أنها تمثل بالفعل إجراًء واعيًا لاعتبارات الجندر، يخلق عددًا من البدائل المتاحة أمام الزوجة المسلمة. فإذا جاء وقت اختارت فيه ألا تعمل، أو في أوقات الحمل وإرضاع الأطفال التي قد يكون فيها من الصعب عليها (من الناحية الصحية مثلاً) أن تؤدي عملها خارج المنزل، يكون الزوج هنا مسئولاً مسئولية تامة عن إعالة الأسرة. وبما أن القرآن والشريعة لا ينهيان المرأة عن العمل، فالمقصود هنا هو ضمان الحماية الاقتصادية للنساء (اللاتي سوف يتحملن بالطبع الحمل والولادة والأرضاع)، وليس إباحة سيطرة الرجال على النساء أو اخضاعهن (واللاتي هن مثلهن عباد لله).

وهناك نقطة أخرى جديرة بالملاحظة شعر هؤلاء المفسرون الحديثون أن عليهم تضمينها في هذا التفسير، ألا وهي مقولة عن حق الزوج في رد زوجته. ذلك حق مطلقوليس موقوفًا بالضرورة على عزم الزوج إصلاح سلوكه. ولذلك فهو يقصد منه فقط تشجيع الزوج على إصلاح سلوكه وليس الحول بينه وبين حقه الشرعي في رد زوجته واستئناف الزواج. ولم أستطع أن أجد هذه الملاحظة في الأعمال التي فحصتها إلا في الألوسي (وهو تفسير لا يستشهد به كثيرًا) وفى متولي الشعراوي. ويشير الأخير إلى الفارق بين الإجراء ’القانوني‘ الذي يتيح للزوج أن يرد زوجته دون شروط أو ضمانات، والأمر الإلهي بأن يكون استئناف الزواج متوقفًا على ضميره ونيته في إصلاح شأنه. ولم أجد في تفسير الشعراوي أي تعليق على ذلك التباين.

وأخيرًا، فبالرغم من أن العالم المصري الشيخ محمد الغزالي ينتمى إلى المؤسسة الدينية التقليدية، فإن تفسيره لقوانين الأسرة لا يأتي بالقدر نفسه من التقليدية، ذلك أنه أكد عددًا من حقوق النساء في مجالات الطلاق والخلع وعقد الزواج. وفي مجال تفسير الآية ٢٢٨ من سورة البقرة، لا يهتم محمد الغزالي كثيرًا بشرح المدى الكامل لتطبيق فكرة الرئاسة التي تأتي مع إتمام هذا التبادل (في الحقوق والواجبات)” ولا بتأكيد أهميتها، بالرغم من أننا نجده يكرر حرفيًا تفسير محمد عبده لها. ونجد الغزالي يتبع هذه المقولة بفقرة عن قيمة الخلع بوصفه حقًا يجب أن يكون باستطاعة المرأة تفعيله نظير حق الزوج في التطليق. ويضيف محمد الغزالي قائلاً إنه حتى لو لم تستطع المرأة في طلبها الخلع تقديم الدلائل على المتطلبات القانونية لإثبات الضرر، فإنه يجب احترام مجرد عدم رغبتها في البقاء مع ذلك الزوج لأي سبب كان. وينهى محمد الغزالي حديثه بحث المسلمين على مراجعة كتابهم وسنة نبيهم في تعريف أحكام الأسرة“.(34)

ولو انتقلنا إلى العصر الحالي، فسوف نلحظ خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية ظهور عالمات مسلمات دارسات للفقه والقانون والدراسات الدينية اهتممن بتفسير القرآن. وفي حين لم تحاول أية منهن التصدي للمهمة الضخمة المتمثلة في إصدار تفسير كامل للقرآن بالمعنى التقليدي، فإن كثيرًا منهن قد أكدن على أهمية الفعالية المستمدة من القرآن، فكثفن جهودهن بصفة خاصة في الآيات المتعلقة بأدوار النساء وحقوقهن. ومن أمثلة المناهج التي يشتركن في استخدامها، تحويل الاهتمام نحو الآيات التي أسميتها من قبل الآيات ’الأغلبية المساواتية، وتأكيد التناقضات المفاهيمية والمنطقية المتضمنة في تجاهل الرابطة التي تربط تلك الآيات بالمجموعة الأخرى من الآيات ’الأقلية‘. بهذا فإن هؤلاء العالمات ينتقدن التفاسير التي تجعل من الآيات ’الأقلية‘ الإطار المرجعي الرئيسي لتحديد أدوار الجندر في الإسلام. ونجد مثالاً على هذا المنهج تفسير عزيزة الحبري (Azizah al-Hibri) للآية 71 من سورة التوبة، الذي أوردته سابقًا. وهناك منهج آخر يتمثل في تأكيد أهمية تقليص محددات التطبيق ورقعة المعنى لمفاهيم تفسيرية معينة داخل إطار خصوصية نص ما، أي وضع النص في سياق فقرة معينة في القرآن، دون التعميم من النص. ذلك إذن أسلوب تفسيري يقارب القرآن بحسب ما هو، وليس بحسب العمليات التأويليةالتي تحمّل النص قراءات من خارجه، أو استخراج معانٍ متعددة من نصوص مبسطة، أي قراءة تتجه من داخل النص إلى خارجه وليس العكس.(35)

تعتمد رفعت حسن Riffat Hassan)) التفاسير اللغوية الجديدة من أجل الوصول إلى نتائج مختلفة جذريًا عن تلك التي خلصت إليها التفاسير السابقة. وتجدر ملاحظة أن قواعد التفسير الراسخة تجعل العديد من العلماء والمفسرين يَعُدُّون مثل تلك المناهج الجديدة حيلاً لغوية غير مقبولة. وتدافع رفعت حسن عن منهجها على أساس أنه بالأخذ في الحسبان أن اللغة العربية لغة ثرية بشكل مذهل، لكل كلمة فيها معانٍ متعددة فعليًا قد تكون الفروق بينها دقيقة للغاية، فمن الممكن – والضروريأن نعيد تفسير تلك الفقرات بصورة مختلفة لكي لا تكون المعاني التي تفصح عنها متعارضة مع مفهوم عدالة الله“.(36) بمعنى آخر، يشكل هذا المنهج دعوة إلى ما تسميه الباحثة الإسلام القرآني، الذي يحقق المساواة لكونه واعيًا لاعتبارات الجندر. وبالنسبة إلى الآية ٢٢٨ من سورة البقرة، توضح رفعت حسن أن التفضيل المشار إليه ما هو إلا درجة اختلاف بين النساء اللاتي يتعين عليهن الانتظار ثلاثة أشهر بعد الطلاق، والرجال [الذين] تجعلهم طبيعتهم غير مرغمين على ذلك.” وبينما يؤخذ الاختلاف في الوظائف البيولوجية في الحسبان، ينبغي أن يترك الأمر عند هذا الحد، دون التمادي في تضمين معانٍ مرتبطة بالتسلسل التراتبي والتفوق والتميز والخضوع القائم على الجندر. ولو كان هناك أي مغزى لذكر الفروق البيولوجية النوع فهو لتوضيح واجب الرجال في ضمان قدر ما من الأمان المادي للنساء خلال فترة الطلاق العصيبة وفترة العدة وسنوات تربية الأطفال. ويوضح تفسير رفعت حسن الفارق بين هذا المنظور، الذي ينم عن إدراك خصوصية أدوار النساء وظروف حياتهن، والذي يستخدم في الدعوة إلى العودة إلى خلق طروف أكثر دعمًا ومرونة لحياة النساء، وموقف الشعراوي الذي يستخدم هذه الفروق البيولوجية في عزل النساء وتقليص حرياتهن وإقصائهن عن الحياة العامة.

وقد تناولت باحثات متخصصات أخريات موضوعات محددة من خلال تفسير القرآن، وذلك بأن أولين اهتماماتهن إلى قضية التاريخانية (historicity)، واختلاف السياق الاجتماعي، بهدف تغيير التطبيق الحرفي لآية ما. فعلى سبيل المثال، نجد زينب رضوان، وهي أستاذة العقيدة والفلسفة، ترى أن ضرورة شهادة امرأتين (في مقابل رجل واحد) لتحقيق صحة عقد قانوني متعلق بأمور مالية تأتي بوصفها ضمانًا ضد السهو. وقد جاء تبرير تلك الآية في الماضي بأنه لم تكن كثير من النساء العربيات في القرن السابع الميلادي، أي في بدايات الإسلام، يعرفن القراءة والكتابة والحساب، كما كن يفتقرن إلى الخبرة الواسعة في المعاملات المالية المعقدة. وعليه، ترى زينب رضوان أنه ما من مبرر لتطبيق هذه الآية تطبيقًا حرفيًا في القرن الحادي والعشرين، الذي يشهد نساء ذوات خبرات عريضة في مجالات المعاملات المالية والمحاسبة والتجارة والقانون. ولهذا، يجب تفسير الآية تفسيرًا سياقيًا جديدًا.

وتتبنى آمنة ودود (Amina Wadud) منهجًا مماثلاً، معتمدة في الكثير من تفاسيرها سياقات تاريخية ومجتمعية محددة، أي سياقات مرتبطة بالزمان والمكان“.(37) وتلجأ الباحثة في تفسيرات أخرى إلى منهج أن القرآن يشير إلى نفسه، حيث تولي اهتمامها لعدد من المصطلحات الإشكالية، متحرية معانيها في آيات أخرى بهدف الوصول إلى خلق حقل معانٍ جديد للآية موضع التفسير، ولكنها تبقى دائمًا داخل محددات المنطق القرآني. وهي تبحث في تفسيرها لكلمة درجةفي الآية ٢٢٨ من سورة البقرة عن مواقع أخرى استخدم فيها اللفظ نفسه، لتصل إلى نتيجة أن الدرجة أو مقدار التفضيلفي القرآن يتحقق بمستوى غير محدد من القيام بأعمال ’صالحة‘.” ولكن القرآن لا يحدد القيمة الحقيقية لأعمال معينة، ويترك ذلك مفتوحًا ليحدده كل مجتمع على حدة، حيث تتيح حيادية القرآنهنا وجود تنويعات مجتمعية مختلفة، إذ لا تقضى بتقسيم العمل أو ترسى نظامًا أحاديًا لبناء اجتماعي أوحد. وعليه، فإن ربط قيمة مطلقة بجنس ما يتميز بها عن الجنس الآخر” –أي التسلسل التراتبي الاجتماعي الذي يضع الرجل على قمة السلم الاجتماعي – ليس من القرآن في شيء. وتفسر آمنة ودود الآية على أنها تعطي الأزواج امتيازًا قانونيًا ضيقًا يمكنهم من النطق على زوجاتهم بالطلاق دون تحكيم أو وساطة من أحد“. وتذهب الباحثة التي أعرض آراءها في الفقرة التالية إلى النقطة نفسها.

في مقالة رائعة تبدي ميسم الفاروقي ((Maysam al-Faruqi الحساسية نفسها تجاه السياق الذي وردت فيه الآية ٢٢٨ من سورة البقرة في القرآن، لافتة انتباهنا إلى أن الدرجة المشار إليها وردت فقط بعد تذكير الجميع أن للأزواج والزوجات حقوقًا متساوية.”(۳۸) وعليه، يكون للرجال حق ذو طبيعة محددة في ذلك السياق وفي حالة إجراءات الطلاق فقط. وبالرغم من أن ميسم الفاروقي لا تذكر الطبري في تفسيرها لكل من الآية 34 من سورة النساء والآية ٢٢٨ من سورة البقرة، فهي على غراره تؤكد أهمية تحديد السياق في هذه الحالة، التي يتعين أن تطبق فيها الإجراءات القانونية وحقوق الطلاق. وتشير ميسم الفاروقي إلى أن الآية التالية لا تتحدث عن وضع عام ولكنها توضح الإجراءات المالية. ولا توجد إشارات إلى اختلافات بيولوجية أو نفسية ينتج عنها تفضيل إلهي لأحد الجنسين على الآخر: “لا نجد في القرآن كلامًا عن المرأة الضعيفة الجاهلة التي تجب حمايتها، ولكننا نجد أن لها كل الحقوق التي للرجل، كما ينتظر منها أن تؤدي واجبها في المجتمع كما يؤدى الرجل واجبه.” إن الهدف الأسمى للآية القرآنية هو تسوية التفاوت في المهام البيولوجية بمعادلتها بمسئوليات اقتصادية.”(39) وتستخدم ميسم الفاروقي منهجًا في التفسير مبنيًا على العودة إلى اعتبارات السياق وعلى تفسير متمركز حول القرآن وهو منهج يُعنى أساسًا بشرح ألفاظ القرآن وفقًا لقيم ومبادئ القرآن ذاته. وهي تؤكد أن النساء عليهن استخدام حقوقهن الإسلامية في التفسير لإعادة قراءة القرآن من منظور نسوى، إذ إن هناك أمورًا بمقدور المرأة إدراكها من منظورها الاجتماعي، وهي أشياء قد تغيب عن الرجل من منظوره الاجتماعي“.(40)

وقد تناولت أسما برلس Asma Barlus)) في عمل تفسیري شامل عددًا من المشكلات المتعلقة بالتفاسير الأبوية للقرآن. فقامت كذلك بتحليل قضية الدرجة، مستعيدًة الطبيعة السياقية الكلمة، حيث تشكل إشارة محددة لحقوق الزوج في الطلاق. ويتضح من كل الدلائل أن المقصود بها هو الحث على المزيد من الرحمة وليس حجب الرحمة في التعامل مع النساء“.(41) وتؤكد أسما برلس مجددًا على أن ذلك يأتي مناقضًا مع الطريقة العامة لاستخدام ذلك المفهوم لتبرير تفوق الرجال الأنطولوجي على النساء في كافة المجالات.

وجدير بالملاحظة أنه يمكن اعتبار أن التفاسير التي قدمتها الباحثات المسلمات فيما تقدم، تطبق شكلاً من أشكال منهج بنت الشاطئ الاستقرائي.(42) وقد كانت الطريقة التي تتقاطع فيها الإشارات (cross-referential) معروفة للعديد من المفسرين والعلماء القدامي، ولكن أحدًا لم يستخدمها استخدامًا كاملاً أو يقم بتطبيقها بصورة منهجية. ويلخص الاقتباس التالي من ابن تيمية لب هذا المنهج: “أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.” بمعنى أن جزءًا ما من القرآن يفسر أو يلقي الضوء على جزء آخر.(43) لقد كانت بنت الشاطئ، الباحثة والكاتبة الإسلامية القديرة التي كانت تكتب خلال النصف الثاني من القرن العشرين، هي أول من أبرزت في أعمالها النظرية وفي تطبيقاتها أهمية ذلك المنهج في التفسير. وهي تُعَيِّن خطوتين أساسيتين: أولاً، أخذ السياق النصي للآية أو اللفظة في الحسبان. وثانيًا، وضع هذا السياق داخل السياق الأكبر الاستخدام القرآن له بصفة عامة. وينطوي الإجراء الأخير على تجميع كل الآيات التي تتحدث عن الموضوع الذي ندرسه، وهو ما يعني أن للقرآن استقلالية تجعله يتحدث عن نفسه في أي موضوع دون إقحام أية أصوات خارجية. وسوف يكون التفسير الناتج عن هذا المنهج هو المعنى المقصود أصلاً من كلام القرآن الذي يحتوي من ثم على الرسالة الإلهية العليا. وللأسف لم تستخدم بنت الشاطئ ذلك المنهج في دراسة الآيات المتعلقة بالجندر التي نتناولها هنا، كما أنها لم تضع تفسيرًا كاملاً للقرآن، إذ أخرجت لنا فقط تحليلاً لعدد من السور القرآنية القصيرة، كما أنها لم تضع في حسبانها منظورًا يهتم بالجندر. وعلى أية حال، بدأت هؤلاء الباحثات المعاصرات بالفعل في استخدام منهج بنت الشاطئ سواء أدركن ذلك أم لم يدركنهالتي تعد آخر المفسرات اللواتي تلقين تعليمًا تقليديًا وطبقته في مجالات تفسيرية جديدة، ومن منظورات بديلة.

يمثل هذا الفصل جزءًا من مشروع أكبر أهدف فيه إلى التنبيه إلى – والبحث في – إطار الآيات ’الأغلبية‘ التي تنص على المساواة بين الجنسين والآيات ’الأقلية‘ الأخرى التي (تبدو وكأنها) تدل على تحيز ضد المرأة. وتبرز عملية تتبع التطور التاريخي لنصوص التفسير التغيرات والتحولات في النقاط التي تُعنى بها التأويلات، ومدى رسوخ بعض المفاهيم القائمة على التمييز ضد النساء، وعمليات إعادة صياغتها داخل الخطاب التفسيري. ويلفت هذا التحليل الانتباه إلى بعض الأساليب التي استخدمها المفسرون لكي يتجنبوا الالتزام بالمساواة والعدالة بين الجنسين، بينما كانوا في الوقت ذاته ينتجون خطابًا تمييزيًا سلطويًا. أما الهدف الثاني فهو تناول كل من الخطابات القديمة والحديثة تناولاً نقديًا على أسس مختلفة، بوصفها جميعًا تحيد عن أيديولوجية عادلة للجندر، أيديولوجية مساواتية وواعية لاعتبارات الجندر، ومستقاة من مبادئ الإسلام الرئيسة. ثالثًا، هناك حاجة ملحة إلى منهج أو منظور بديل للتعامل مع قضايا التفسير، لا ينكر سلطة القرآن بوصفه وحيًا إلهيًا ولا يتجنب تقييم الجهود السابقة في مجال التفسير، بمعنى أن يتيح استخدام الأدوات المستخدمة نفسها في علم التفسير بغية الوصول إلى نتائج مساواتية فيما يتعلق بمكانة النساء وأدوارهن. فعلى سبيل المثال، يجب أن ينتج إيماننا برسالة القرآن العليا وهي العدالة – محاولة من جانبنا لإيجاد وسيلة لتسهيل إمكان الإلزام القانوني والمحاسبة من أجل تطبيق الأوامر والنواهي الأخلاقية في القرآن، بدلاً من تركيا للضمير الفردي. ونهدف من ذلك إلى أن يؤدي تقنين هذه المبادئ مع مرور الوقت إلى إصلاح اجتماعي فعال. وأخيرًا، ينبع هذا المشروع كما هو الحال مع جهود الكثيرات من العاملات في هذا المجال – من إيمان شخصي والتزام بأهمية المشاركة في إصلاح الخطاب الديني والموروثات الثقافية.

أميمة أبوبكر (Omaima Abou-Bakr): أستاذة الأدب الإنجليزي المقارن بكلية الآداب، جامعة القاهرة، وعضوة مؤسسة بمؤسسة المرأة والذاكرة. لها دراسات في النقد الأدبي والشعر الصوفي والأدب المقارن، متخصصة في آداب العصور الوسطى المسيحية والإسلامية، وتكتب عن النساء في التاريخ الإسلامي، والراهبات في الأدبيات المسيحية في القرون الوسطى، وقضايا النوع في الخطابات الدينية.

* كُتبت هذه المقالة بالإنجليزية في عام ٢٠٠٦، وكان من المفترض أن تظهر ضمن كتاب عن القانون والنسوية في الإسلام بعنوان Islamic Feminism and Law ضمن مجموعة من المقالات لكاتبات أخريات، ولكن الكتاب لم يصدر حتى الآن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر/ي الدراسات الآتية: (Jane Smith and Yvonne Haddad, “Eve: Islamic Image of Woman,” Women’s Studies Int. Forum 5.2 [1982]: 135-44)، وكذلك كلا من الآتي: (D. A. Spellberg, “Writing the Unwritten Life of the Islamic Eve,” Int. Journal of Middle East Studies 28 [1996]: 305-324 “Zulaykha and Yusuf: whose “best story”?” Int. Gayane K. Merguerian and Afsaneh Najmabadi,) Journal of Middle East Studies 29 [1997]: 485-508 ؛ (“Politics, Gender and the Islamic Past: the (Legacy of A’isha bint Abi Bakr (New York: Columbia University Press, 1994) ، (Barbara Stowasser Women in the Qur’an, Tradition and Interpretation (N. Y. & Oxford: Oxford University Press, 1994)، ( Jacob Lassner, Demonizing the Queen of Sheba: Boundaries of Gender & Culture in) (Postbiblical Judaism and Medieval Islam [Chicago: University of Chicago Press, 1993]).

(2) انظر/ي: Omaima Abou-Bakr, “Islamic Feminism: What’s in a Name?” AMEWS Review XV, Xvi (Winter/Spring 2001): 1-4.

(3) لتوضيح مفهوم المنظومة في العلوم الاجتماعية انظر/ي: Barbara Stowasser, “Women and Citizenship in the Qur’an,” in Women, the Family, and Divorce Laws in Islamic History, ed. Amira Sonbol (N. y.: Syracuse University Press, 1996).

(4) “Liberated Equal or Protected Dependent? Contemporary Religious Paradigms on Women’s Status in Islam,” Arab Studies Quarterly 9.3 (1087): 278.

(5) انظر/ي أكثر الأعمال حجية في مجال التاريخ وتطور علم التفسير: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون (القاهرة: دار الكتب الحديثة، ١٩٧٩).

(6) لمطالعة تصنيف مفصل للمناهج والاتجاهات المعاصرة في موضوعات الجندر وتفسير القرآن، انظري مقال باربارا شتوفاسر الذي سبقت الإشارة إليه:(Barbara Stowasser, “Liberated Equal” ) ، وكذلك: ( “Gender Issues and Contemporary Qur’anic Interpretation,” in Islam, Gender, and Social Change, ed., Yvonne Haddad and John Esposito ([N.Y. And Oxford: oxford University Press, 1998).

(7) أعني هنا بكلمة ’علماني‘ الأفراد والناشطين المعنيين بالالتزام الشديد بالمعايير العالمية وحدها، الذين يقدمون دعمهم الكامل لاتفاقيات الأمم المتحدة دون أدنى استعداد لإتاحة المجال لمبادئ الشريعة وقواعدها.

(۸) أورد هنا قائمة بأسماء التفاسير المستخدمة في هذه المقالة، حيث أشير داخل المقالة إلى اسم صاحب التفسير، ورقم المجلد، ورقم الصفحة: أبو جعفر ابن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، 16 مجلدًا، تحریر محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر (القاهرة: دار المعارف، ١٩٦١) – محمد بن عمر الزمخشري، الكشاف، 3 مجلدات (القاهرة: مطبعة البابي الحلبي، ١٩٤٨) – محمد بن عمر فخر الدين الرازی، التفسير الكبير، ۳۲ مجلدًا، (القاهرة: المطبعة البهية المصرية، لا يوجد تاريخ) – القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ۲۰ مجلدًا (القاهرة: دار الكتب المصرية، ١٩٦٧) – إسماعيل بن عمر بن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4 مجلدات (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، لا يوجد تاريخ) – محمد بن عبد الله الألوسي، روح المعاني، 16 مجلدًا، تحرير على عبد الباري عطية (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٩٩٤) – محمد عبده، تفسير المنار، ۱۲ جزءًا، تحریر محمد رشيد رضا (القاهرة: الهيئة المصرية العامة، ۱۹۹۰) – سيد قطب، في ظلال القرآن، ۸ مجلدات (بيروت: دار إحياء التراث العربي، لا يوجد تاريخ) – زينب الغزالي، نظرات في كتاب الله (القاهرة: دار الشروق، ١٩٩٤) – محمد الغزالي، نحو تفسير موضوعي للقرآن، 3 مجلدات (القاهرة: دار الشروق، ۱۹۹۲) –محمد متولي الشعراوي، نظرات في القرآن، 53 مجلد (القاهرة: أخبار اليوم، لا يوجد تاريخ).

(9) انظري أمثلة لذلك: سورة البقرة، الآية، ١٧٨سورة آل عمران، الآية 195 – سورة النساء، الآية 1، سورة النساء، الآية 19- سورة النساء الآية ٢١ – سورة النساء، الآية ١٢٤ – سورة النساء، الآية ١٢٨ – سورة النساء، الآية ١٣٠، سورة التوبة، الآية 71 – سورة النحل، الآية 97، سورة الأحزاب، الآية 35 – سورة الحجرات، الآية 13 – سورة المجادلة، الآية 1 – سورة الممتحنة، الآية ١٢.

(10) انظري تفسير القرطبی، مجلد 5، ص. ۱6۹.

(۱۱) يأتي نص الآية 71 من سورة التوبة كالآتي: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم.” انظر/ي: (Aziza al-Hibri, “A Study of Islamic Herstory,” Women’s Studies Int. Forum 5 (1982): 207-217.

(12) يوسف القرضاوي، كيف نتعامل مع القرآن العظيم (القاهرة: دار الشروق، ۱۹۹۹)، ٤٥١.

(13) محمد عبده، تفسير المنار، مجلد ۲، ص. ۲۹9

(14) أورد هنا ترجمة متصرفة مستقاة من ترجمة محمد بكتول (Muhammad Pickthall) للآية.

(15) مجلد ۲، ص 535.

(16) مجلد ۱، ص ۲۷۸.

(17) مجلد 6، ص۱۰۱.

(18) ص ۱۰۲.

(19) سورة البقرة، الآيات ۲۲۹ و۲۳1، وسورة الطلاق، الآية ٢.

(20) مجلدات 3-4، ص۱۲5.

(21) ص. ۱۲5.

(22) مجلد۱، ص ۲۷۱.

(23) وبعد ذلك بقرنين من الزمان نجد في كتاب جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور (أوائل القرن السادس عشر) مجموعة كبيرة من الأحاديث (مأخوذة غالبًا من كتب ضعيفة النفوذ بالإضافة إلى عدد كبير من الأحاديث الضعيفة) والروايات تورد شرحًا للآية 34 من سورة النساء ونجدها مشغولة بموضوعین بإصرار هستيري: تبعية الزوجة وطاعتها المطلقين لأوامر زوجها، والنهي عن الخروج من المنزل دون إذن منه. في الواقع، يجدر القيام بدراسة متوخية وتحليل دقيق للإسناد والمتن في هذه الروايات، إلى جانب ملاحظة الأهمية التي كان يستشعرها هذا المفسر من القرن السادس عشر من أجل تأكيد تلك الأمور. وفي كتاب روث رودد: (Ruth Roded, Women in Islamic Biographies) تورد الباحثة ملاحظة أن الوثائق التاريخية من عصر المماليك في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بصفة خاصة تبين لنا ظهور النساء المسلمات في المجال العام بشكل كبير في مختلف المجالات، كما تشير إلى صدور فرمانات رسمية تهدف إلى القضاء على وجودهن وحرية تحركهن خارج المنزل، أو على الأقل الحد منها (ص ۱۳۸). هل لنا الى إذن أن نَعُدُّ تلك النصوص رد فعل محافظ على الواقع الاجتماعي المعاصر يعكس رغبة متنامية في الحد من حركة النساء في المجال العالم؟ (۲4) الزمخشری، ص۲۷۸.

(25) البخاري: صحيح الجامع الصغير، الحديث رقم ٤٥١٣.

(26) مجلد رقم ۲، ص۲۹۸.

(27) ص۳۰۰.

(۲۸) ص ۳۰۱.

(۲9) يضيف في ملاحظة في هامش الكتاب: “وما أبرئ نفسي فقد وقعت في هذا التأويل الذي أرجح عدم صحته في بعض ما كتبت.” (مجلد رقم ۱، ص۱۹6).

(۳۰) انظری محمد متولي الشعراوي، المرأة المسلمة (القاهرة: دار الصحوة للنشر، ۱۹۹۸).

(۳۱) المجلد رقم ۱۳، ص ۱۰۰۱.

(32) انظري كذلك تفسير محمد متولي الشعراوي الذي سبقت الإشارة إليه في ملاحظة سابقة.

(33) التفسير الوسيط، وضعته لجنة خاصة من علماء الأزهر (القاهرة: مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ۱۹۷۳)، مجلدان.

(34) المجلد رقم 1، صفحات ۲۱۲۲. ويورد أيضًا ملاحظة مهمة حول آية أخرى (الآية 34 من سورة النساء) تدور حول قيمة وأهمية عقد الزواج: فيمكن للمرأة اشتراط ألا يتخذ زوجها زوجة ثانية، وهكذا فيجب عليه الإذعان لذلك المطلب، وإلا يحق لها الطلاق على أساس خرق بنود العقد (المجلد رقم 1، ص ٤٨).

(35) دی آی سبلبرج، (“Writing the Unwritten Life”) ص ۳۲۰ .

(36) “Muslim Women and Post-Patriarchal Islam,” in After Patriarchy: Feminist Transformations of the World Religions, eds. Paula Cooey, William Eakin, Jay McDaniel (N.Y.: Orbis, 1991), pp. 39-64.

(37) آمنة ودود محسن: Amina Wadud- Muhsin, Qur’an and Woman: Rereading the Sacred Text from a perspective (Oxford: Oxford University Press, 1999) Woman’s، انظری صفحات ٦٦٧٧ على وجه التحديد.

(38) Maysam al-Faruqi, “Women’s Self-Identity in the Qur’an and Islamic Law,” in Windows of Faith, ed., Gisela Webb (N.Y.: Syracuse University Press, 2000), pp. 72-101.

(39) ص۹۷.

(40) ص100.

(41) Asma Barlas, Believing Women in Islam: Unreading Patriarchal Interpretations of the Qur’an (Austin: University of Texas Press, 2002), p. 196.

(42) بنت الشاطئ، التفسير البياني للقرآن الكريم (القاهرة: دار المعارف، ١٩٦٨)، صفحات ۱۰، ۱5، ۱8.

(43) ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، تحرير محمود النصار (القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، ۱۹۸۸) ص۹۳. كذلك محمد ابن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحرير محمد إبراهيم (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، ١٩٥٧).

نتقدم بالشكر إلى كل الكاتبات والكتاب ممن استعنا بدراساتهم في هذا الكتاب، وأصحاب حقوق النشر الذين تكرموا بمنح مؤسسة المرأة والذاكرة حق الترجمة والطبع والنشر باللغة العربية عن المصادر التالية:

Elizabeth Schussler Fiorenza, “Toward a Feminist Biblical Hermeneutics: Biblical Interpretation and Liberation Theology”, in Brian Mahan and L. Dale Richesin, ed., The Challenge of Liberation Theology: A First World Response, New York: Orbis Books, 1981.

Rosemary Radford Ruether, “The Liberation of Christology from Patriarchy”, New Blackfriars 66, 1985, Blackwell Publishing.

“Rereading, Reconceiving and Reconstructing Traditions: Feminist Research in Religion”, June O’Connor, Women’s Studies: An Interdisciplinary Journal 17, 1-2, 1989, Routledge, reprinted by permission of the publisher (Taylor and Francis, https://www.informaworld.com).

Mary Rose D’Angelo, “Veils, Virgins, and the Tongues of Men and Angels: Women’s Heads in Early Christianity”, in Howard Eilberg-Schwartz and Wendy Doniger, ed., Off with Her Head! The Denial of Women’s Identity in Myth, Religion, and Culture,1995 University of California Press.

Mieke Bal, “Sexuality, Sin, and Sorrow: The Emergence of the Female Character,” in Poetics Today, Volume 6, no. 1/2, pp. 21-42. Copyright, 1985, the Porter Institute for Poetics and Semiotics, Tel Aviv University. All rights reserved. Used by permission of the publisher.

Ron Rhodes, The Debate Over Feminist Theology: Which View is Biblical?: Part Three in a Three-Part Series on Liberation Theology,

https://www.ronrhodes.org/Feminism.html

Reprinted from Women’s Studies International Forum, Vol. 5:2, Azizah Al-Hibri, “A Study of Islamic Herstory: Or How Did We Ever Get into This Mess?”, pp. 207-219, 1982, With permission from Elsevier.

Sisters in Islam, Are Women and Men Equal before Allah?, Kuala Lumpur: SIS Forum Berhad, 1991.

Riffat Hassan, “Muslim Women and Post-Patriarchal Islam”, in Paula Cooey, William Eakin and Jay McDaniel, ed., After Patriarchy: Feminist Transformations of the World Religions, New York: Orbis Books, 1991.

Asma Barlas, Believing Women in Islam: Understanding Patriarchal Interpretations of the Qur’an, Austin: University of Texas Press, 2002.

Amina Waddud. Inside the Gender Jihad: Women’s Reform in Islam, Oxford: Oneworld Publication, 2006..

كما نشكر الأستاذة ميسان حسن على متابعة الحصول على حقوق الترجمة والنشر، وكذلك الأستاذة داليا الحمامصي والأستاذ رامي رياض على متابعة أعمال الطباعة.

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6