قصة مستزرعات نوربلانت في إندونيسيا
في يناير ١٩٨٦ وافقت وزارة الصحة الإندونيسية على استخدام مستزرعات نوربلانت [ المستزرعات “Implants” هي أحد موانع الحمل الهرمونية الحديثة على شكل كبسولة يتم زرعها تحت جلد الذراع بعملية جراحية صغرى وتزال بعملية أخرى ]، وبدأ بالفعل إدخالها إلى البرنامج القومي في عام ١٩٨٧ ومع حلول عام ۱۹۸۹، عندما وصل عدد مستخدمات المستزرعات إلى ذروته، كان قد أصبح متوافراً فى بعض الأقاليم والمناطق، بمحافظات إندونيسيا السبع والعشرين.
لقد تم إدخال استخدام المستزرعات بهدف توسيع نطاق وسائل منع الحمل المتاحة للمرأة الإندونيسية، وعلى نحو خاص لتوفير بديل فعال طويل المدى لعملية التعقيم ووسائل منع الحمل الرحمية. وفى عام ١٩٩٣، كان عدد النساء اللاتى يستخدمن المستزرعات في إندونيسيا يصل إلى حوالى ١،٥ مليون امرأة، مما كان يمثل 7% من مجموع المستخدمات لوسائل منع الحمل.
وبينما كان البرنامج الإندونيسي يمثل أكبر وأكثر برامج مستزرعات منع الحمل طموحًا في العالم، فما تزال البحوث مستمرة حول كافة جوانبه وطريقة استخدامه، وذلك بهدف النهوض بجودة البرنامج ومدى فعاليته.
وترتكز هذه الورقة البحثية على البحوث والمقابلات المنشورة مع مديري البرامج والذين لعبوا دوراً أساسيًا في اتخاذ قرار استخدام المستزرعات، إضافة إلى البعض من أوائل الباحثين الذين شاركوا فى البرنامج التدريبي، والأطباء الذين قاموا بتقديم خدمات المستزرعات، والنساء اللاتي يستخدمن حالياً هذه الوسيلة. وتوضح التجربة الإندونيسية مدى التحديات الضخمة من أجل تقديم هذه الوسيلة بشكل جيد، فضلاً عن تقديمها لدروس مفيدة للبرامج الأخرى.
المرحلة التمهيدية
لقد مرت مستزرعات نوربلانت بفترة مكثفة من الدراسات التجريبية قبل الموافقة على استخدامها في البرنامج القومي.
وقد تم اختبار هذه الوسيلة في إندونيسيا بداية في عام ۱۹۸۱، وذلك خلال التجارب الإكلينيكية التي كانت تضم ما يزيد عن ٨٠٠ امرأة في جاكارتا وباندونج. وحصل الأطباء والقابلات على شهادات باجتياز التدريب اللازم، الذي اشتمل على: معرفة النظريات المرتبطة بالموضوع، والتدريب العملي على استزراع العقار، وكيفية الاستشارات والتدريب النظري على كيفية إزالة المستزرعات. كما حصلت النساء على معلومات دقيقة حول هذه الوسيلة الجديدة قبل البدء في استخدامها، وكانت الإجراءات الإكلينيكية خاضعة لإشراف جيد.
وعلاوة على ذلك، تم إعداد سجلات للتمكن من متابعة النساء المستخدمات للمستزرعات. وكان تنفيذ هذه التجارب الإكلينيكية خاضع الإشراف وتوجيه لجنة دائمة تتكون من ممثلين من الهيئة القومية لتنسيق تنظيم الأسرة ( BKKBN )، ووزارة الصحة، بالإضافة إلى هيئتين حكوميتين أساسيتين تتوليان مسئولية سياسة تنظيم الأسرة وتنفيذها، فضلاً عن كلية الطب بإندونيسيا.
لقد كان التوسع خلال تلك الفترة يتم بصورة تدريجية. كان محدوداً فى البداية بالتجارب الإكلينيكية، ثم التجارب الميدانية المرتكزة على العمل بالمستشفيات، والتجارب الميدانية واسعة النطاق فى ۱۱ مستشفى تعليمي. وتشير كافة هذه التجارب إلى معدل عال لقبول المستزرعات، وهو ما يرجع أساساً لطول فترة فعاليته ومكان وضعه في الذراع (مما يجعله أكثر قبولاً عن موانع الحمل الرحمية)، هذا إلى جانب أنه كان يُقدم مجاناً أو بتكلفة منخفضة. كما أن قبوله على المستوى الثقافى كان مرتبطاً أيضًا بتقليد في إندونيسيا يسمى “سوسوك“، ويعنى إدخال بعض الأشياء تحت الجلد تعبيراً عن الجمال (۱). وقد أدى هذا المعدل المرتفع من قبول الوسيلة إلى إقناع وزارة الصحة بالموافقة على استخدامها.
ما أن تمت الموافقة على استخدام هذه الوسيلة، حتى جرى إدخالها إلى مختلف محافظات إندونيسيا، وعلى نطاق واسع. وعلاوة على تقديم المستزرعات خلال العيادات والمستشفيات، كان البرنامج يشتمل أيضًا على أنشطة لفريق متحرك “سفارى” – والمقصود به خدمات جماهيرية على نمط القوافل، ويتم تنظيمها عن طريق الحكومة أو المنظمات غير الحكومية عند الاحتفال بذكرى معينة أو مناسبة خاصة. وكانت هذه القوافل تفيد في توفير مجموعة متنوعة من خدمات الصحة وتنظيم الأسرة.
لقد وصلت أعداد المستخدمات الجديدات للوسيلة إلى ١٤٥٨٢٦ في عام ۱۹۸۷ – ۱۹۸۸، مقارنة إلى ٤٤٧٠٣ في العام السابق له. وقفز الرقم إلى ٣٩٨٠٥٩ عام ١٩٨٩ – ۱۹۹۰، وهى تعد سنة ذروة التوسع، حيث قامت وحدات تقديم الخدمة المتحركة، على نمط “سفاری” (۲) بتركيب ٦٢% من كافة حالات المستزرعات.
إن هذا الانتشار السريع على مستوى البلد قد طرح أمام الحكومة تحديات أساسية لتدريب العاملين في مجال الصحة، وإقامة تسهيلات مناسبة لتقديم الخدمة، فضلاً عن الإدارة الكلية للبرنامج.
وللمساعدة على الوفاء بهذه التحديات، شاركت في برنامج المستزرعات هيئات حكومية أخرى ومنظمات غير حكومية، ومن بينها رابطة أطباء إندونيسيا، ورابطة أطباء أمراض النساء والولادة، ورابطة القابلات الإندونيسيات. وفى نفس الوقت، تعاظمت البحوث ودراسات التقييم من أجل وضع خطة للتقدم وحل المشكلات.
ولقد أدركت استراتيجية البرنامج في الفترة ۱۹۹۱ – ١٩٩٤، كافة المشكلات الناجمة عن الطلبات الواقعة على كاهل النظام نتيجة للتوسع السريع (۳). ومنذ عام۱۹۹۱ – ١٩٩٢ كان العدد السنوي للمستخدمات الجدد للمستزرعات يتراوح بين 275000 و 285000 ممثلاً هبوطاً يصل إلى ما يقرب من ٤۰۰۰۰۰ سنوياً في عامي ۱۹۸۹ – ۱۹۹۰ و ۱۹۹۰ – 1991.
لقد تمت أبحاث (4) عديدة في إندونيسيا حول إدخال المستزرعات واستخدامها. وعلى الرغم من تنوع النتائج، فقد برزت بعض القضايا الأساسية. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تغير مدخلات البرنامج وملامح المستخدمات، فضلاً عن تغير العديد من العوامل الهامة طوال فترة تاريخ تنفيذ البرنامج، فقد استمر البرنامج فى التطور مع توسع إندونيسيا في توفير الوسيلة وتعلمها من خبرتها الذاتية.
إن مستخدمات المستزرعات فى إندونيسيا هن في المتوسط من النساء فى أواخر العشرينيات من أعمارهن أو بداية الثلاثينيات، ولديهن ٣ أطفال وحصلن على مستوى التعليم الابتدائى. وقد أوضحت الدراسات الحديثة أن حوالي ثلث المستخدمات لم يكن راغبات في المزيد من الأطفال؛ كما أثبتت أيضًا أن عدداً كبيراً من النساء يستخدمن المستزرعات كوسيلة لتحقيق فترة راحة بين. الحمل والآخر؛ وبعض النسوة كن غير متأكدات حيال نواياهن المستقبلية شأن الإنجاب. وعلى الرغم من أن نسبة أساسية من المستخدمات، في باكورة إجراء الأبحاث، لم يستخدمن من قبل موانع الحمل، فقد أوضحت البحوث الحديثة أن النساء اللاتى يخترن المستزرعات لديهن خبرة في وسائل منع الحمل.
إن نسبة صغيرة فقط من النساء قد بدأن في استخدام المستزرعات فى فترة ما بعد الولادة. ولكن نسبة دالة من المستخدمات بالحضر قد بدأن في الاستخدام بعد الإجهاض (5). وهناك حاجة إلى مزيد من البحوث حول العلاقة بين استخدام المستزرعات وخدمات وسائل منع الحمل في الفترة التالية للإجهاض.
مدى القبول
أوضحت دراسة ديناميات الاستخدام، التي أجريت عام ۱۹۹۲، أن السبب الأساسي لاختيار النساء للمستزرعات كوسيلة منع الحمل يرجع إلى امتداد فعالية المستزرعات لفترة طويلة، فضلاً عن ملاءمتها. وكانت الدراسات السابقة قد أكدت على انخفاض تكلفة هذه الوسيلة، بالإضافة إلى الأساس الثقافى لقبولها. كما أفادت عدة دراسات أيضًا إلى أن 20% أو أكثر من مستخدمات المستزرعات قد قبلن الوسيلة بناء على نصيحة بعض المسئولين الحكوميين في مجالي الصحة أو تنظيم الأسرة، أو بناء على نصيحة الصديقات أو القريبات، وليس كإختيار يرجع لأسباب تخص وضعه.
ومن بين مستخدمات المستزرعات اللاتي قد استخدمن سابقاً وسائل أخرى لتنظيم الأسرة، فإن حوالي 70% من السيدات أبلغن بأن المستزرعات كانت “أفضل” وسيلة. وفي دراسة عام ١٩٩٢ حول ديناميات الاستخدام، أفادت غالبية النساء بأنهن سوف يقمن بتوصية نساء أخريات باستخدام هذه الوسيلة؛ وكان ثلث النساء تقريباً مهتمات بإعادة استخدام الوسيلة ذاتها مرة أخرى. ومن ناحية أخرى أفادت ربع النساء فى الدراسة أنهن لا يرغبن في إعادة استخدام هذه الوسيلة مرة أخرى، فى حين أفادت ثلث النساء بأنهن لن يوصين الأخريات باستخدام هذه الوسيلة نظراً لآثارها الجانبية.
إن نسبة المستخدمات (حوالى ۸%) اللاتي أشرن إلى عدم الرضا الكلى عن تقديم الخدمة، كن يملن أساسًا للإشارة إلى عدم كفاية المعلومات / الاستشارات كسبب رئيسي لعدم الرضا. ولكن المترددات على مراكز تنظيم الأسرة في إندونيسيا، مثلهن مثل الناس فى كل مكان لا يرغبن في توجيه انتقاد للخدمات المقدمة إذا ما تم سؤالهن عن ذلك في أي مسح. وهنا ينبغي الاستعانة بمداخل بحثية مختلفة وأسئلة غير مباشرة، وذلك لاستنباط معلومات مفيدة إن دراسات الحالة التي سنعرض لها أدناه، تقدم أحد هذه المداخل.
معدلات الاستمرار
وجدنا، في غالبية الدراسات أن معدلات الاستمرار في استخدام وسيلة المستزرعات تعد عالية جداً – فما تزال ٨٠% من النساء تستخدم هذه الوسيلة بعد انقضاء مدة ٤ سنوات، رغم توقع التناقص مع اقتراب انتهاء مدى صلاحية الوسيلة (أى خمس سنوات). ويرجع ذلك، جزئياً، إلى أن نسبة ذات دلالة من المستخدمات للوسيلة (على سبيل المثال: ٤٠% في غرب سومطرة، و٦٦% فى غرب جاوا) لم يعرفن أنه. بالإمكان إزالة المستزرعات قبل مرور فترة الخمس سنوات (٦). ومع ذلك، فحتى النساء اللاتي عرفن بإمكانية الإزالة المبكرة للمستزرعات، ما تزال معدلات الاستمرار بينهن تتراوح بين 65 – 75% على مدى أربع سنوات.
كان ارتفاع معدلات الاستمرار أحد الملامح القوية في بداية الدراسات الإكلينيكية، حيث كان توفير المعلومات والاستشارات في أفضل حال، وكانت خدمات إزالة المستزرعات متوفرة. ومع العمل من أجل توفير معلومات جديدة والتخطيط لبرامج تدريبية جديدة لإزالة المستزرعات، ينبغي أن تعكس معدلات الاستمرار في المستقبل رضى النساء، فحدود البرنامج لم تعد تلعب دوراً في الإطالة المصطنعة للاستخدام.
المضاعفات والآثار الجانبية
وفقاً لدراسة عام ۱۹۹۲ حول ديناميات الاستخدام، فإن حوالى ١٠% من مستخدمات المستزرعات في إندونيسيا أبلغن بحدوث ألم وحكة وتنميل أثناء الاستزراع، وأفادت ٢،٥ إلى 5% من النساء بحدوث عدوى – وهى معدلات تزيد عما أظهرته الدراسات الإكلينيكية، وهو ما يعنى احتياج المناطق الهامة لمزيد من الجهود البحثية والتدخلية وكما كان متوقعاً، أفادت النساء بحدوث اضطراب في الدورة الشهرية. وقد عانت حوالي نصف النساء أو أكثر من آثار جانبية تتراوح بين غياب الدورة الشهرية إلى وجود بعض البقع الدموية فى الفترة الواقعة بين دورتين شهريتين، فضلاً عن حدوث فترة نزف مطولة إلى حد ما. وتختلف أنواع الاضطرابات في الدورة الشهرية من دراسة لأخرى في إندونيسيا، وهو مجال تجرى فيه الآن المزيد من البحوث.
وتظهر الآثار الجانبية الأخرى بعض الاختلاف بين الدراسات. فعلى سبيل المثال، لم تذكر غالبية الدراسات حدوث تغيرات في الوزن، فيما أشارت إليها تقارير بعض التجارب الإكلينيكية، وهناك حاجة لمزيد من البحوث، ليس في مجال الجانب الصحى مثل الآثار الجانبية فحسب وإنما أيضًا الجوانب الاجتماعية السيكولوجية – وعلى سبيل المثال السلوكيات المرتبطة بعملية النزف. وتوضح دراسة حديثة قام بها هانهارت (6) صعوبة الحصول على مثل هذه البيانات، والحاجة إلى استخدام أساليب كيفية للبحث.
إزالة المستزرعات
إن النساء في إندونيسيا اللاتي يرغبن في إزالة المستزرعات قبل موعد انتهاء الصلاحية قد صادفن، في بعض الحالات، مشكلات تتعلق بإيجاد عاملين مدربين على تقنيات الإزالة، ويصعب تقدير كبر حجم تأثير هذه المسألة على تطويل معدلات الاستمرار. إن دراسة عام ۱۹۹۲ حول ديناميات الاستخدام التى أجريت على ۳۱۰۷ من المستخدمات الحاليات والسابقات قد وجدت إن ۳۸% من ٣٩٤ امرأة طلبن إزالة المستزرعات قد تمت الاستجابة لطلباتهن في نفس اليوم. ولكن نساء أخريات قد تعرضن لفترة تأخير. ففى إحدى المحافظات نجحت ٣٠% تقريبًا من السيدات في إزالة المستزرعات ولكن بعد أن تقدمن بالطلب ثلاث مرات أو أكثر (۷).
واستجابة لهذا الموقف، تزايدت البرامج التدريبية الأساسية بشأن عملية إزالة المستزرعات. وفى نوفمبر ۱۹۹۳، قامت رابطة أطباء أمراض النساء والولادة بإعداد برنامج للخدمة الاجتماعية في غرب جاوا، وكان برنامجاً ضخماً تم خلاله إجراء ۱۲۰۰۰ عملية إزالة للمستزرعات في الرابطة عبر طبيبات وقابلات مدربات.
وهناك مشكلة أخرى تجرى البحوث حولها حالياً من خلال البرنامج الإندونيسي، وهى متابعة النظام الموضوع لضمان عودة النساء اللاتي انتهت مدة صلاحية المستزرعات التي يستخدمنها، حتى يجرين عملية إزالة لها. وقد أوضحت البحوث السابقة أن معدلاً يتراوح ما بين ١٥ إلى ٢٠% من المستخدمات لوسيلة المستزرعات لم يعدن بعد مدة انتهاء الصلاحية البالغة خمس سنوات (۸). ويعمل البرنامج على اختبار أنظمة الإشراف المحسنة فى محاولة للتغلب على هذه المشكلة.
وعلاوة على ذلك، أوضحت الدراسات أن تكلفة إزالة المستزرعات تختلف بدرجة كبيرة، ويمكن أن تؤثر على تيسير النفاذ إلى خدمات الإزالة. ويعتبر هذا المجال ميداناً آخر للدراسات والتدخل.
يجرى تقديم خدمات الاستزراع عن طريق مجموعة من العاملين في مجال الصحة. وبينما تقوم القابلات بتولي مسئولية تقديم الخدمة للنساء بشكل أساسي في عينة الدراسة الخاصة بديناميات الاستخدام، فإن الطبيبات قد لعبن الدور الأساسي في غالبية البحوث الإكلينيكية المبكرة. إذ تحدد الخطوط المرشدة أن الممارسين الطبيين المتخصصين هم المسئولون عن وضع وإزالة المستزرعات.
وفي أثناء مرحلة التوسع الأولى للبرنامج القومي، تحول التدريب بدرجة كبيرة من تدريب للحصول على شهادة إلى تدريب أقل صبغة رسمية، يمكن بمقتضاه أن يتولى الحاصلون عليه القيام بالتدريس لزملائهم وسوف يتم التدريب خلال البرامج الجماهيرية. ولكن دراسات عديدة قد أفادت بأن حوالي نصف الطبيبات والقابلات القائمات على تقديم الخدمة لم يحصلن على تدريب رسمي، كما أن مدة التدريب ومحتواه يختلفان بدرجات كبيرة (٦ و ٩ و ١٠). ولم يؤكد كافة القائمين على تقديم الخبرة، الذين أجريت معهم مقابلات فى هذه الدراسات على الحاجة إلى الأفلام والاستشارات، على سبيل المثال، كجزء من إجراءات تقديم المستزرعات.
وقد حددت إدارة الصحة الآن أن القابلات منوط بهن تقديم خدمات المستزرعات، إذا ما كن فحسب قد حصلن على شهادة أداء التدريب ويعملن تحت إشراف الطبيب. ويعد التدريب أحد المجالات التي اختارها البرنامج كميدان اهتمام خاص. ويجرى الآن مباشرة برنامج ضخم لتدريب المدربين، كما يجرى أيضًا إدخال التدريب على مستزرعات نوربلانت في مراكز التدريب القومي كجزء من المنهاج التدريبي لتنظيم الأسرة بشكل عام.
الحملات الجماهيرية
إن منطق الحملات الجماهيرية (سفارى) يعنى محاولة تقديم أقصى امتداد للخدمات من خلال حشد الموارد المحلية وتعبئتها. وقد وجد أن أفضل رعاية في مجال تقديم خدمة المستزرعات كانت عسيرة في ظل هذه الظروف ( ۱ و ۳). وعلى الرغم من حشد الموارد التطوعية، لم يكن من الممكن دائماً، فى ظل هذه الظروف، ضمان وجود العدد الكافي من العاملين التقنيين، أو المعدات أو الوقت اللازم. وبإدراك إدارة الصحة لهذه المسألة في عام ۱۹۹۱، أمرت بإدخال خدمة المستزرعات إلى المستشفيات أو المراكز الصحية فحسب.
ومن المثير للاهتمام، أن دراسة عام ۱۹۹۲ حول ديناميات الاستخدام قد وجدت بعض الإختلافات القليلة في المتغيرات الرئيسية بين القوافل الجماهيرية وتقديم الخدمة في العيادات، مثال: هل تم معرفة التاريخ الطبي للمريضة؟ وهل أجري لها فحص إكلينيكي قبل الاستزراع؟. وفى واقع الأمر، كانت معدلات انتقال العدوى المبلغ عنها أقل كثيراً أثناء قوافل “سفارى“.
أصوات من داخل الميدان
أوضحت المسوح، من الناحية الكمية، أن غالبية مستخدمات المستزرعات فى إندونيسيا راضيات عن الخدمة ويوصين غيرهن من النساء باستخدام نفس الوسيلة، وكما بالنسبة لوسائل تنظيم الأسرة، وخاصة الوسائل الحديثة، فقد تم الإفادة بمختلف المشكلات. وفي بعض الأحيان، يُطلق على هذه التقارير اسم “حالات منفردة” أو ترجع إلى “تنفيذ غير صحيح للبرنامج المحلى“. والبرنامج المسئول لا يمكن إلا أن يقدم الاهتمام الواجب لأنواع المشكلات التي تعبر عنها بشكل مباشر المستخدمات لوسائل منع الحمل، مهما كان عددهن. وتعتبر نتائج المسح بمثابة “الهيكل العظمي” للموضوع، أما “الحشو” فيأتي من خلال الاستماع للناس الذين مروا بخبرة الخدمة المباشرة. ونقدم فيما يلى بعض القصص التي روتها بعض المستخدمات لوسيلة المستزرعات، فضلاً عن بعض القصص من بعض القائمات على تقديم هذه الخدمة:
ايبو آی: تبلغ من العمر ۳۲ سنة، ولديها ثلاثة أطفال ومتزوجة من ترزي في كابوتات التي تقع بضواحي جاكارتا. وفي فبراير ۱۹۸۷، عندما أتيحت المستزرعات للمرة الأولى على مستوى الدولة، ذهبت ومعها ۱۲ سيدة أخرى إلى إحدى عيادات تنظيم الأسرة لاستخدام وسيلة المستزرعات لمنع الحمل. لقد سمعن من إحدى القابلات أن هذه الوسيلة تمنع الحمل لمدة ٥ سنوات، أى فترة أطول مما توفره موانع الحمل الرحمية. كما سمعن منها أيضًا عن ميزات هذه الوسيلة ولكن لم يسمعن عن آثارها الجانبية المحتملة. ومن بين النساء الثلاث عشرة، لم تستمر سوى ثلاث سيدات في استخدام المستزرعات لمدة خمس سنوات. وكانت إيبو آي واحدة منهن – لقد أعجبتها الوسيلة كثيراً، بحيث قررت إعادة استخدامها مرة أخرى والآن مضى عامان من الجولة الثانية من استخدامها للمستزرعات، وهي تشعر أنها بصحة جيدة، كما كانت من قبل، وليست لديها أي شكوى على الإطلاق.
هناك أمر واحد فقط يعكر صفو تفكيرها: فعندما سألت طبيب العيادة عن الأخطار الممكنة إذا ما قررت إعادة استخدام الوسيلة للمرة الثالثة – بمعنى استخدامها بصفة مستمرة لمدة ١٥ سنة – لم يتمكن الطبيب من تقديم إجابة شافية لها، قائلاً إن الأمر ما يزال قيد البحث. وقد سببت هذه الإجابة لايبو آى نوعاً من عدم الارتياح. وعندما سألناها عما إذا كانت تشجع النساء الأخريات على استخدام المستزرعات، قالت أنها ستخبرهن ببساطة أنها لم نشتك من استخدام هذه الوسيلة. ولكنها ستخبرهن أيضًا أن عشرًا من صديقاتها تعرضن لحالات نزف غير منتظم، وأربعًا منهن تعرضن لحالات نزف شديدة، مما أدى بهن إلى إزالة المستزرعات قبل مرور فترة انتهاء الصلاحية فترة الخمس سنوات، بمدة طويلة. وأضافت إيبو آى أنها لا تريد أن تتخذ القرارات للنساء الأخريات.
أما إيبو إيه فهى امرأة شابه في الثامنة عشرة من عمرها، ولديها طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات تعيش معه في قرية صغيرة بشرق جزيرة لومبوك. زوج إبيو إيه أكبر منها بعشرين عاماً، متزوج من امرأتين أخريين ولديه منهما عشرة أطفال والآن اصبحت زياراته لإيبو إيه غير منتظمة. وتستخدم إيبو إيه المستزرعات كوسيلة لمنع الحمل، إذ أخبرها زوجها أن لديه الكثير من الأطفال مما يضع على عائقه حملاً كبيراً. ولكنها، فى واقع الأمر، ترغب في طفل ثان، وترى من الظلم أن تكتفي بطفل واحد فقط، بينما الزوجتان الأخري أن لديهما العديد من الأطفال. إنها لا تتذكر متى وضعت المستزرعات، ولا تعرف أن هناك ضرورة لإزالتها بعد مرور خمس سنوات بل وحتى أنه يمكن إزالتها قبل ذلك، فلم يقدم لها أحد أى معلومات على الإطلاق.
لقد بدأت إيبو إيه فى استخدام المستزرعات، خلال إحدى حملات سفاري، فى فترة ذروة التوسع في البرنامج. كانت حينذاك صغيرة السن، وولدت إبنها الأول. وكان زوجها هو من تحدث مع الممرضة والطبيب. وبعد وضع المستزرعات شرحت لها الممرضة الأمر بإيجاز موضحة كيف تعنى بموضع الاستزراع. كانت إيبو إيه تبدو عديمة الحيلة عندما أخبرناها بإمكانية الذهاب لمركز الصحة لإزالة المستزرعات. قالت أنهم فقراء ولا يذهبون على الإطلاق إلى خارج القرية، ويصعب بالنسبة لها مجرد تخيل إمكانية الوصول إلى مركز الصحة الذي يبعد ۳۰ كيلومتراً عن منزلها. وعندما سألناها عن الآثار الجانبية، قالت أنها تعرضت لحدوث بعض البقع الدموية البسيطة، ولكنها لم تهتم بالأمر كثيراً.
إيبو اتش: امرأة تبلغ من العمر ٢٧ سنة ولديها أربعة أطفال، ولا ترغب فى مزيد من الأطفال، ولذا فقد شجعتها العاملات الميدانيات بتنظيم الأسرة، بقريتها في وسط لومبوك، على اتخاذ قرار استخدام المستزرعات لمنع الحمل. وقد كان ذلك خلال ذروة نشاط البرنامج. وقد ذهبت مع نساء أخريات كثيرات من القرية، إلى برنامج سفارى للبدء في استخدام المستزرعات. ومنذ ذلك الحين لم يتوقف النزيف أبدًا. وبعد مرور شهرين ذهبت إلى أقرب مركز صحي مع زوجها، الذى كان غاضباً. فالأمر لم يكن متعلقاً بقلقة على زوجته فحسب، وإنما لرفض زوجته ممارسة العلاقة الجنسية معه. كان بمقدور الزوج أن يتفهم هذا الأمر، ولكن النزف قد عكر صفو علاقتهما وأحالهما إلى زوجين يشعران بالقلق والاكتئاب.
وقام الطبيب بإعطاء ايبو إتش شيئاً ما أسبوعيًا لمدة شهرين كتجربة بهدف وقف النزيف، ولكن العلاج لم ينجح. وفي نهاية الشهور الأربعة، أوصى الطبيب إيبو إتش بإزالة المستزرعات. ولما كان الطبيب لم يحصل على تدريب على إزالة المستزرعات فقد أحالها إلى إحدى القابلات في القطاع الخاص فى برايا. كان موقع برايا البعيد يستلزم ضرورة السفر، وقد صاحبتها فى الرحلة العاملة الميدانية المختصة بتنظيم الأسرة التى كانت قد شجعتها من قبل على استخدام المستزرعات. وعندما وصلنا إلى برايا، كانت هناك صدمة أخرى تنتظرهما، فقد قيل لهما أن تكلفة الإزالة تبلغ ٥٥،٠٠٠ روبية (أى حوالى ٢٦ دولاراً أمريكياً)، وهو ما يعادل دخل شهرين بالنسبة لهذه الأسرة. وعندما أجرينا مقابلة مع إيبو أتش كانت ما تزال مستخدمة للمستزرعات، وكان النزيف مستمراً منذ أكثر من ستة شهور. وأخبرتنا أنها تأمل في الشهر القادم في أن تحصل على ما يكفى من المال كي تدفع للقابلة أجرها وتزيل المستزرعات. وقد سأل زوجها غاضباً لماذا يقوم شخص بتشجيع استخدام “وسيلة يمكن أن تتسبب في مشكلات كبرى، دون تحذير من آثارها الجانبية المحتملة“. إنه يشعر بانه تعرض لخدعه لأن “الأطباء لا يتحملون المسئولية، وفى الواقع يقودون إلى سوء العواقب. إننا فقراء وجهلاء، ولكن من الظلم البين معاملة الناس بهذه الطريقة “.
إن القائمين على تقديم الخدمة لديهم أيضًا العديد من القصص. الدكتورة إيه : هى رئيسة مركز الصحة في جاكارتا سيلاتان، وتدربت على وضع وإزالة مستزرعات نوربلانت في إحدى العيادات الرئيسية في جاكارتا. إنها طبيبة ماهرة سواء في عملية وضع المستزرعات أو إزالتها. وكثير من الأطباء يحيلون المرضى إلى الدكتورة إيه، وخاصة بشأن عملية الإزالة، إنها تمتلك أسلوبًا جيدًا للرعاية تجاه عميلاتها وحالاتهن، ولا تبالي في إنفاق ساعات عمل إضافية للجلوس معهن وإعطائهن معلومات واضحة.
لقد مرت الدكتورة إيه بفترات كان يتأتى عليها خلالها مجابهة العاملات الميدانيات فى تنظيم الأسرة بشأن السيدات الراغبات فى استخدام المستزرعات. وقد أخبرتنا بإحدى هذه القصص عندما كان مطلوباً منها، في صباح يوم ما، إجراء ۱۳ عملية استزراع. وبعد سؤال السيدات، واحدة تلو الأخرى، عما إذا كن قد اتخذن قراراً حاسماً باستخدام المستزرعات، وعما إذا كن مستعدات لقبول الآثار الجانبية الممكنة، علمت أن غالبية السيدات لا يعرفن أى شئ عن هذه الآثار الجانبية المحتملة، وأفادت السيدات بأنهن قد قيل لهن أن هذه الوسيلة يمكن استخدامها لمدة ٥ سنوات، أى فترة تزيد عن الفترة التي تمنحها أى وسيلة أخرى مألوفة لديهن. وبعد أن أمضت الدكتورة إيه أكثر من ساعة في تقديم معلومات كاملة حول المستزرعات، قررت أربع نساء فقط، من بين ۱۳ امرأة، استخدامها. وكانت هناك ثلاث سيدات منهن يرغبن في مناقشة الأمر مع ازواجهن، أما الباقيات فقد قررن ببساطة عدم استخدام هذه الوسيلة.
غضبت العاملة الميدانية في تنظيم الأسرة بشأن هذا الأمر، وطلبت من الطبيبة تجنب “إخافة” السيدات مُعبرة عن قلقها من أن كثرة المعلومات قد تؤدى إلى رفض الوسيلة الجديدة، وعندئذ فإنها لن تستطع إنجاز أهدافها فيما يتعلق بتقبل المستزرعات.
كانت الدكتورة إيه نفسها تشعر بالفزع نظراً لأن الكثير من الطبيبات كن يحلن إليها السيدات اللاتي يرغبن في إزالة المستزرعات اعترفت الطبيبات أنهن لم ينلن فرصة إجراء أى عملية إزالة واحدة أثناء الفترة التدريبية، ومن ثم فقد كن يخشين من إجرائها. ووفقًا لما تقوله الدكتورة إيه، أن من الأفضل النظر لطرق إزالة المستزرعات باعتبارها “فرصة لتطوير المهارة وصيانتها، وأيضًا إذا ما قامت الطبيبة بإجراء عمليات الإزالة بنفسها. فهذا يجعلها أكثر حرصاً في عمليات وضع المستزرعات ذاتها“، أما بالنسبة للدكتورة إيه، فقد كانت عملية الإزالة تستنفذ الوقت وتستقطع وقتاً ثميناً من الأنشطة الأخرى بالعيادة.
اكتشاف متأخر
وفى غرب لومبوك، أخبرتنا الدكتورة سى بأن العاملات الميدانيات قد طلبن منها وضع المستزرعات لعدد كبير من النساء، وكانت ترغب فى الرفض لأنها كانت تعلم أن النسوة سيعدن إليها مرة أخرى محملات بالشكوى. وقد سألتها لماذا لم تقدم لهن المشورة قبل وضع المستزرعات. وهنا شاب الإحباط صوتها وهى تقول: “أنا من سورابايا، ولا أتكلم لغتهن جيداً وهن لا يفهمن لغة باهاسا إندونيسيا (اللغة القومية) على نحو جيد. والمستزرعات تتطلب تقديم معلومات كثيرة. وانظروا لي فأنا لدى الكثير من الأعباء في مركز الصحة، وليس لدى وقت لتقديم المشورة؛ كما لا أعتقد أنني مسئولة عن القيام بذلك. إن وظيفتي كطبيبة هي وضع المستزرعات. أما العاملات الميدانيات بتنظيم الأسرة فمن واجبهن تقديم معلومات كاملة وأنا لا أعرف كيف يمكنني إيجاد حل لهذا الأمر. أنا أكره رؤية هذا العدد الكبير من السيدات الشاكيات اللاتي يعانين من النزيف، ولكنني لست ليسوى طبيبة صغيرة وأقوم بما يُطلب منى القيام به“.
إن المقابلات التى أجريت مع الباحثين في اثنين من – الدراسات المبكرة حول المستزرعات تقدم أيضًا تصورات مثيرة للاهتمام. كان الباحثون يشعرون بأن الوسيلة تحمل إمكانات واعدة أثناء التجارب الإكلينيكية المبكرة، عندما كانت كافة الأمور تتم فى تحت إشراف. وبعد عام ١٩٨٦، أصبح من العسير متابعة السيدات والإشراف على تدريب القائمين على الخدمة وتنفيذ البرنامج، وخاصة في البرامج الضخمة. وقد لوحظ رفض اقتراح مبكر بإجراء تدريب لإزالة المستزرعات إلى جانب التدريب على وضعها، وذلك نظراً لتكلفته العالية، وبنظرة للأحداث السابقة، نجد أن البرنامج قد أدرك الآن أن التدريب على الإزالة كان يجب أن يتم في فترة مبكرة.
وحول الملاحظات الإيجابية، نقدم أيضًا القصص التالية: إبيو إم واحدة من القائمات على تقديم الخدمة بالمركز الصحى، بنفس المنطقة الجنوبية في جاكارتا التي حضرت فيها الدكتورة إيه أول تدريب على مستزرعات نوربلانت في آواخر أعوام الثمانينيات وكانت دورة من ثلاثة أيام ذات طابع نظري. لم تكن إيبو إم تشعر بثقة كافية في قدرتها على عمليات الإزالة، ومن ثم كانت تحيل المستخدمات إلى الدكتورة إيه. وعندما أجرينا معها مقابلة في مارس ١٩٩٤. تحدثت عن آخر دورة تنشيط معلومات أخذتها. كانت الدورة أکثر شمولاً وركزت على مدخل تقديم المشورة، كما ضمت تدريباً في تقنيات وضع وإزالة المستزرعات باستخدام ذراع النموذج (ذراع نوربلانت)، مستعينة بمستخدمات حقيقيات تحت إشراف المدرب. إنها تشعر الآن بأنها أكثر كفاءة وثقة في القيام بعمليات وضع وإزالة المستزرعات. ولقد أكدت أهمية تقديم المشورة للمستخدمات المستقبليات للمستزرعات، فضلاً عن ضرورة “مانتاب” (الحسم في اتخاذ القرار) قبل وضع المستزرعات وذلك لتجنب القيام بعمليات الإزالة المبكرة غير الضرورية.
إن نتيجة التدريب الذى حصلت عليه كانت واضحة في المقابلات التي أجريناها مع 9 من مستخدمات وسيلة المستزرعات فى المنطقة المجاورة لمنطقة إيبو إم. كانت غالبية النساء من المستخدمات الخبيرات بوسائل منع الحمل. وقد بدأن جميعهن فى استخدام المستزرعات نتيجة لقرار شخصي اتخذنه بأنفسهن، مع الإقرار بظاهرة “إيكو تيكو تان” (إتباع مثل الأصدقاء والجيران). كانوا أكثر “مانتاب” (حسماً) باستخدام مصطلح إيبو إم، عن النساء اللاتي تحدثنا معهن في لومبوك. وهناك أربع من النساء التسع قمن مؤخراً بعمليات إزالة للمستزرعات، قامت بها إيبو إم بعد مرور فترة السنوات الخمس، وتبعها تكرار لاستخدام الوسيلة مرة أخرى. وقد أثمرت مجموعة النقاش التي تضم النساء التسع عن نماذج مشتركة مثيرة للاهتمام في مجال الخبرات. و لم تتعرض واحدة من هؤلاء النسوة للعدوى في موقع الاستزراع، رغم أن كافة النساء تحدثن عن صعوبة عملية الإزالة وأنها استغرقت وقتاً طويلاً، مقارنة بعملية الاستزراع. وقد مرت بعض النساء بخبرة الآثار الجانبية مثل: الصداع، وعدم انتظام الدورة الشهرية، ولكنهن أفدن بقدرتهن على التكيف مع هذه الأعراض، واستخدمن للتعبير عن ذلك كلمة “مياسا” (أي أمر “عادي“) لوصف هذه الأعراض. وتجدر الإشارة إلى أن الأعراض الخاصة بالدورة الشهرية لم تؤثر على العلاقة الجنسية وليس لها أية آثار اجتماعية – نفسية أخرى بين أفراد هذه المجموعة من النساء.
يمثل إدخال استخدام المستزرعات كوسيلة لمنع الحمل استثماراً أساسياً لأى بلد. إنه يتطلب تدريبًا وإشرافًا جيدين للقائمين على تقديم هذه الخدمة، كما يتطلب أيضًا توفير تسهيلات وأدوات مناسبة، فضلاً عن المعلومات الخاصة بضرورة تقديم المشورة والرعاية المتعلقة بعملية المتابعة. وبدون وجود هذا النظام المساعد، تتقلص فاعلية الاستثمار والبرنامج. ويمكن أن تسود الوسيلة على المدى القصير، بينما على المدى البعيد، سوف تسفر المشكلات الصحية وغيرها عن رفض استخدام الوسيلة، وربما حتى غيرها من خدمات تنظيم الأسرة.
وهناك العديد من البرامج التي قد ترغب في الترويج للمستزرعات والنهوض بها كوسيلة لمنع الحمل بديلة للتعقيم. ويتطلب هذا الأمر استخداماً طويل المدى مع تكرار وضع المستزرعات. وإذا كان هذا هو الهدف، فهو حافز إضافي لضمان وجود “مستخدمات راضيات” مستمرات في استخدام الوسيلة. وربما تتعلم بعض البلدان الأخرى من المشكلات التي عانى منها البرنامج الضخم الذي قامت به إندونيسيا والجهود التي بذلتها اللتغلب على هذه المشكلات. فعندما يبدأ العمل في إدخال وسيلة جديدة مثل المستزرعات عادة ما يصاحب ذلك وجود ميل لإخفاء المعلومات أو التأكيد على الجوانب الإيجابية لتجنب المخاوف غير الضرورية بين المستخدمات المحتملات. ومع ذلك، تحدثنا تجربة إندونيسيا أن المستخدمات اللاتي يتعرضن للآثار الجانبية دون أن يتم تحذيرهن منها مسبقاً، من الأرجح أن يتوقفن عن الاستمرار وينقلن خيبة أملهن للنساء الأخريات. وفى مجتمع تُعتبر فيه التوصية الشخصية من جانب الأصدقاء أو أفراد الأسرة ذات أهمية كبيرة، يعد افتقاد المعلومات الكاملة أمراً له آثار سلبية.
وينبغي تقديم المعلومات الضرورية من خلال عاملات مدربات في مجال تقنيات تقديم المشورة، وقادرات على نقل معلومات فعلية، مع ضرورة تعاطفهن وتشجيعهن للمستخدمات، فضلاً عن إلمامهن بظروف المستخدمات. ولقد أضافت إندونيسيا تدريباً آخر في مجال تقديم المشورة من أجل تلبية هذه الاحتياجات.
والأسلوب المثالي يتضمن ضرورة أن يصبح نقل المعلومات عملية تبادل في الاتجاهين. فعلى سبيل المثال، قد يكون من الجيد معرفة المزيد حول سلوك النساء تجاه أنماط تعطل الدورة الشهرية لفهم معنى الآثار الجانبية المحتملة. إن البدء في استخدام وسيلة جديدة لا يستلزم فحسب نقل معلومات إكلينيكية إلى المستخدمات، وإنما أيضًا مواجهة الاهتمامات الثقافية والنفسية للنساء. وعند إثارة هذه الأمور أثناء المشورة، يمكن تعلم المزيد من الأشياء، ومن ثم تقدر على توقع التحديات المستقبلية التى يمكن أن يلقاها البرنامج. ويمكن استخدام نتائج البحوث، التي مرث من قبل في إندونيسيا، من أجل تحديد بعض المجالات التي يُحتمل كشف المزيد عنها أثناء المشورات في المستقبل.
إن نظرية تقديم خدمة المستزرعات ينبغي أن تتسم بالتوازن مع وجود فرص لممارسة عملية وضع المستزرعات وإزالتها، أثناء التدريب إن تقسيم التدريب على عملية الإزالة إلى مراحل يعد أمراً إشكالياً بالنسبة لأى برنامج ضخم. وينبغي ألا يتم إجراء تدريب رسمي فقط للقائمين على الخدمة، وإنما ينبغي تنمية مهاراتهم أيضًا من خلال القيام بأداء حد أدنى من هذه العمليات. وقد يصعب تحقيق هذه المسألة فى البرنامج في بدايته، حيث أن الطلب على عملية الإزالة لا يتسم بالتكرار. وفى السنوات المبكرة من استخدام هذه الوسيلة، كانت البرامج تميل إلى التركيز على التدريب على وضع المستزرعات والتعامل مع الآثار المبكرة والجانبية، ويمكن للمناهج الرامية إلى التغلب على المشكلة أن تشتمل على تدريب تنشيطي على “ذراع نموذج” إذا ما تطلب الأمر. ومن المرجح أن تشهد السنوات المبكرة متطلبات بشأن وجود نظام إحالة (Referral system) جيد الإعداد، يتعلق بإجراء عملية الإزالة في نقاط الخدمة المركزية، والتي توفر الحد الأدنى، على الأقل، من القدرة على الوصول إليها بالنسبة للمستخدمات للوسيلة. ويمكن استخدام هذه النقاط المرجعية بدورها كمواقع تدريبية لتوسيع عدد القائمين الماهرين على تقديم الخدمة بأسلوب مرحلي.
ويُعد التدريب على تقديم المشورة عنصراً حاسماً من عناصر تقديم خدمة المستزرعات؛ سواء المشورة الأولية أو جلسات المتابعة، فكلاهما يعد من أساليب المساعدة على تقديم خدمة مُرضية على المدى البعيد. وهناك قضية تجدر مواجهتها: من هم الأكثر ملاءمة للاضطلاع بالدور الأساسي في مجال تقديم خدمات المشورة.
وعلى الرغم من الطبيعة طويلة المدى لهذه الوسيلة، ينبغي إزالة كل مجموعة من المستزرعات بعد خمس سنوات من وضعها – ويتطلب هذا الأمر تنظيم إشراف فعال يضمن متابعة كل امرأة من المستخدمات. وبينما تسهل إدارة هذه المسألة أثناء التجارب الإكلينيكية، أو التمهيدية المبكرة، فإنه يخلق تحدياً أساسياً ما أن يتم البدء في تقديم الخدمة المعتادة، ولهذا لابد من وجود نظام فعال منذ البداية الأولى. وسوف تستمر إندونيسيا في مباشرة البحوث الإجرائية لتحسين نظم الإشراف على المستزرعات ومتابعتها.
وقد كانت قوافل السفاري قوة رئيسية لبرامج تنظيم الأسرة في إندونيسيا، كما وجد أن القوافل الجماهيرية تحاول أن تزيد من عامليها وتسهيلاتها إلى ما يتجاوز قدراتها من أجل الوفاء بالمعايير الأساسية في تقديم خدمة المستزرعات، ونتيجة لذلك كان ينبغي على البرنامج إجراء بعض التعديلات.
إن توقف نظام الاستهداف فى برنامج تنظيم الأسرة في إندونيسيا عام ۱۹۹۳ كان يرجع جزئياً إلى أنماط الصراع القائمة بين الدكتورة إيه والعاملات الميدانيات بتنظيم الأسرة، والتي عرضنا لها سابقاً. ويعد هذا التوقف تكيفاً آخر يهدف إلى ضمان عدم المساومة على معايير الرعاية.
ولابد أن تشكل سياسات التسعير الواقعية جزءاً من الدراسات التمهيدية والقرارات السياسية في أي سياق جديد. إن عمليات وضع المستزرعات مجاناً أو بتكلفة منخفضة، إضافة إلى التكلفة المرتفعة لعملية الإزالة، يمكن أن تؤثر بصورة غير ملائمة على الاستخدام والاستمرار بما يتجاوز ما هو الأفضل بالنسبة لخير المستخدمات. وعلاوة على ذلك، فإذا كانت عمليات وضع المستزرعات مجاناً متاحة فحسب نتيجة للدعم الخارجي من جانب الجهات المانحة في البداية، فإن البرنامج قد لا يكون قادراً على الاستمرار على الجهود الذاتية.
إن الرغبة والقدرة على إدارة البحوث وتحقيق انتشارها عن طريق الخبراء، سواء المحليين أو الخارجيين، تعد مساهمة إيجابية هامة لعملية إدخال وسائل جديدة مثل المستزرعات. ويمكن تقوية البرامج إذا ما اشتملت على فحص وتدقيق تفصيلي لآثار الوسائل الجديدة، وخاصة من زاوية توقعات المستخدمات.
تمثل الموضوعات البحثية التالية ملامح لبرنامج المستزرعات في إندونيسيا مسوح شاملة للمستخدمات ودراسات لموضوعات إكلينيكية مثل عودة الخصوبة بعد استخدام المستزرعات؛ ومقارنة تقنيات الإزالة، والعلاج الهرمونى للآثار الجانبية؛ وبحوث عملية حول موضوعات مثل نظم متابعة المسار.
ولسوف تثير البحوث حتماً قضايا تتطلب متابعة. إن وجود برنامج بحثي مستمراً يعد أمراً جوهرياً لأى برنامج لتقديم الخدمة يرغب في الاستجابة للاحتياجات الناشئة. ويمكن أن تؤدى أساليب الاستبيان الكيفية المعمقة، التي تركز على توقعات وآفاق المستخدمات، إلى إفراز بصيرة ثقافية واجتماعية ونفسية غنية تساعد على تحسين نوعية الرعاية في مراكز تقديم الخدمة.
كان برنامج تنظيم الأسرة في إندونيسيا يتسم بالصراحة بشأن المشكلات والتحديات الخاصة بإدخال وسيلة المستزرعات على نطاق واسع.
ولم يكن تنفيذ بعض خدمات المستزرعات مصحوباً بجهود مناسبة لدعم جودة البرنامج، مثل: التدريب الشخصي، وتوفر المعدات والأدوات الطبية المناسبة، ووجود إشراف من جانب الخدمات الطبية (۳). وكإستجابة لذلك. أكدت الاستراتيجية البرنامجية القومية، في الفترة ۱۹۹۱ – ١٩٩٤، الأهداف الخمسة التالية: تحسين نوعية الخدمة؛ وتوسيع شبكات تقديم الخدمة وتقويتها؛ وتنمية الاعتماد على الذات؛ وتقوية إدارة البرنامج؛ وتحسين التعاون على المستوى الدولي.
وتشتمل بعض التوصيات، الجاري الآن تنفيذها، على ما يلى: تطوير المعايير الخاصة بمواد المعلومات والتعليم والاتصالات والاستشارات والخدمات الطبية؛ وإعداد تدريب شخصي في مجال تقديم المشورة؛ وتوفير خدمات إشرافية متقدمة؛ وتوفير أنشطة البحث والتقييم. إن اجتذاب مستخدمات جديدات للمستزرعات في إندونيسيا، بعد الوصول إلى الذروة فى آواخر أعوام الثمانينيات، قد أخذ يتناقص تدريجياً إلى مستويات أيسر في قيادتها.
إن التحديات التي تم توضيحها كنتيجة لتقديم المستزرعات تعكس حدوداً أوسع في نظام تقديم خدمات تنظيم الأسرة والصحة في إندونيسيا وكثير من البلدان الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن ضعف البنية الأساسية والإمدادات والتدريب الشخصي والإدارة، كلها أمور تبدو مضخمة عندما يضغط التوسع السريع في أي خدمة من الخدمات على النظام القائم، ما لم يتم بذل جهود خاصة.
ولكن العلاقة بين خدمات الاستزراع وقضايا الخدمة الأوسع نطاقاً يمكن أن تنجح، إلى حد ما، في الاتجاه المضاد. ففي إندونيسيا، أدت البحوث التفصيلية حول الجودة المرتبطة بخدمة المستزرعات في مجال الرعاية، فضلاً عن الجهود المستمرة لتحسين تقديم خدمات المستزرعات، إلى تحفيز النقاش حول هذه القضايا على نحو أوسع، مع إمكانية التأثير على جوانب أخرى للنظام الصحي إلى ما يتجاوز الاحتياجات المباشرة المرتبطة بالوسيلة ذاتها.
إنني أتوجه بالشكر الجزيل إلى الزملاء بالمجلس القومي لتنسيق تنظيم الأسرة، والرابطة الإندونيسية لأطباء أمراض النساء والتوليد “ياياسان كوسوما بوانا“، ومجلس السكان بإندونيسيا الذى أمدنا بالكثير من المعلومات والمشورة – وخاصة فاليري هول، التي ساعدتنا على مدار الدراسة كلها بتشجيعها وانتقاداتها وأفكارها. كما أنني أشعر بالامتنان، على نحو خاص، لأولئك اللاتي يوفرن الخدمة للمستخدمات، ووافقن على إجراء مقابلات معهن حول خبراتهن.
1- Ward, Sheila, Sidi, IPS, Simmons, Ruth et al,
care in thel990. Service delivery systéis and g
uality of implementation of Norplant in Indone-
sia. Report prepafed for Population Council,
New York.
2 – Lubis, Firman, 1992. The experience of Nor-
plant use in Indonesia.
ورقة مقدمة إلى اجتماع منظمة الصحة العالمية بعنوان:
The introdution of Fertility women’s Perspec- tives on Regulation Technologies. الذي عقد فى الفترة 5 – 9 أكتوبر ۱۹۹۲. في مانيلا.
3 -Implant Programme Strategy 1991- 1994. Na- tional Family Planning Coordinating Board (BKKBN). Jakarta, 1992.
4- نتائج بحث منشور مؤخراً، تتضمن دراسة لديناميات الاستخدام (أنظر رقم ٦ أدناه) وتطرح بصورة تفصيلية أسئلة لعينة من حوالي 3.000 من المستخدمات للمستزرعات (سواء مستمرات أو غير مستمرات) و ٤٠٠ من القائمات على تقديم الخبرة في محافظتين: غرب جاو وغرب سومطرة. وهناك دراسة ضخمة على ۱۱ محافظة (أنظر رقم ٥ أدناه)، تغطى حوالي 9.000 من المستخدمات، غالبيتهن من المناطق الحضرية، تركز على صفات النساء والآثار الجانبية لاستخدام المستزرعات. وتعد هاتان الدراستان مصدرًا لكثير من معلوماتنا حول الوضع الحالي، فضلاً عن بعض الدراسات والمراجعات الأخرى الأقل نطاقاً (وعلى نحو خاص: (Tacoma M.L 1991) وهناك بحث آخر ما يزال مستمرًا، تشير نتائجه، على نحو منتظم، إلى مجالات جديدة تتطلب المزيد من الدراسة والتقصي
5 -Team Peneliti Norplant, 1993. Penerimaan
Norplant di Indonesia: Hasil Penelitian Lapan-gan.
(قبول مستزرعات نور بلانت فى إندونيسيا : نتائج بحث ميداني
Majalah Kesehatan Masyarakat Indonesia. Ta-
hun XXI, Nomor 11
6 -Implants Use- )The l1992 Indonesia Norplant
Dynamics Study: Final Report. National Family
Planning Coordinating Board (BKKBN). Jakarta,
1993.
7 -Women’s views 144T, Hanhart, Jannemieke,
on Norplant: a study from Lombok, Indonesia. In
B. Mintzes, A. Hardon and J. Hanhart, (eds).
NORPLANT: Under Her Skin. Women’s Health
Action Foundation and WBMOS, Amsterdam.
8 -Prihartono, J, 1991. NORPLANT removal due
ar. Yayasan Kusuma Buana, and overdue 5- ye
9 -Ringkasan: Penerimaan Implant di Indo- Iakarta. 4
nesia: Suatu Survey di Enam Propinsi.
(ملخص: قبول نوربلانت في إندونيسيا: مسح في 7 محافظات)
Badan Koordinasi Keluarga Berencana Na-
sional (BKKBN), Jakarta, 1989.
10 -Penelitian Operasional Implant.
(بحث عمليات حول المستزرعات)
Badan Koordinasi Keluarga Berencana Na-
sional (BKKBN), Jakárta, 1989.