يروى، وطبعا لا نعلم مكان ولا زمان ولا مصدر هذه الرواية، أن امرأة كان زوجها يضربها كثيرًا بعد أن يشرب كثيرًا من الخمر، حتى يسكر .. فذهبت إلى ساحرة عجوز وشكت إليها زوجها.. وطلبت منها أن تعمل من أجلها شيئاً من السحر عساه يكف عن ضربها .. فوعدتها خيرًا حتى تأتيها في الغد فلما جاءتها أعطتها زجاجة ماء وأمرتها إذا جاء زوجها أن تملأ فمها بالماء ولا تتكلم وتعمل ما يأمرها به زوجها .. وبعد أسبوع سألتها عن الحال فقالت: إن سحرك نفع فلم يعد زوجي يضربني.. ثم تبين أن المرأة كانت ثرثارة وكان زوجها يضربها لثرثرتها. فلما أمرتها العجوز بإطاعة زوجها ومل، فمها بالماء، لم يعد هناك ما يدعوه لضربها.
هذه القصة هي واحدة من مئات أو ربما آلاف القصص التي تتناول المرأة على نفس المنوال. تعكس القصة مجموعة من الصور التي كرستها الثقافة عن النساء. فنجد صورة المرأة المقهورة التي تتعرض للعنف اليومي على يد زوجها السكير، وصورة المرأة قليلة الحيلة – التي لا تستطيع حل مشكلاتها بنفسها وتضطر للاستعانة بالساحرة حتى تجد لها حلا يساعدها على التخلص من العنف اليومي الذي تتعرض له. ولا يخفي عليكم لجوء هذه الزوجة المقهورة والمعنفة إلى ساحرة لتساعدها وليس لساحر، فالسحر والشعوذة هي أمور من صنع النساء ولا تفلح إلا معهن، وربما لا يؤمن بها غيرهن أيضا! كذلك هناك نصيحة الساحرة لها: أن تملأ فمها بالماء، وتفعل ما يأمرها به زوجها، وهي نصيحة كل الأمهات وذوات العقل الراجح، الصمت والصبر على القهر.
تعكس هذه القصة أيضا الاتجاه العام نحو لوم الضحية والذي يتجلي في أروع تجلياته عندما يتعلق الأمر بالمرأة. فإذا اغتصبت المرأة كان ذلك بسبب ما ترتديه، وإذا ضربت كان لأنها ولابد قد استفزت ضاربها، إلخ إلخ. فبالطبع يأتي مبرر العنف الذي تتعرض له الزوجة بشكل يومي إلى عيب فيها وهو الثرثرة، لا لأن الزوج سكير، ولا لما قد يستتبع ذلك من تقصير في واجباته المنزلية أو مسئولياته كزوج وأب. ولكن حتى بافتراض أن المرأة ثرثارة، فهل يبرر ذلك تعرضها للضرب؟ مع العلم أنه لا يوجد ما يفترض أن يبرر العنف ضد المرأة أو ضد أي إنسان بشكل عام.
هذه هي واحدة من قصص التراث التي تربينا عليها وتأصلت فينا فرسخت صورا سلبية عن المرأة، فهل حان وقت تنقية التراث وإخضاعه للنقد المستند إلى المنطق حتى وإن كانت من ضروب الخيال؟ وهل حان الوقت أن نعمل جاهدات على تغيير هذه الأنماط والصور حتى وإن كانت من ضروب الواقع؟
