قصص لم ترو: اشتراك المرأة المغربية في الحركات الوطنية وحركات المقاومة المسلحة

التصنيفات: غير مصنف

مراجعة:

كتاب أصوات المقاومةلأليسون بيكر هو مجموعة من القصص التي لم ترو من قبل. فهناك بعض الأسماء والتواريخ مثل عبد الله سنحاجي والله الفاسي والفترة الزمنية ۱۹5۳ ١٩٥٦ ذات دلالة لكل من هو على دراية بالحركة الوطنية والمقاومة المسلحة المغربية، ولكن من سمع عن مالكة الفاسي، أو سعدية بوحدو؟ وماذا نعرف عن اشتراك النساء في تلك الأحداث التاريخية؟ فمعظم المطبوعات التي تتناول الحركات الوطنية وحركات المقاومة المغربية تكتفي بالذكر العابر لدور المرأة، فعملية بناء التاريخ تثير أسئلة مهمة عن كيفية التوصل والسيطرة على المعلومات وعمن تعتبر تجاربه مشروعة وبالتالي جديرة بالحفظ وعن الكيفية الذي يسهم بها التاريخ في خلق وحفظ صيغ بعينها من وقائع الماضي والحاضر.

وكتاب أصوات المقاومةيسعى إلى التعامل مع تلك الفجوات التاريخية، فهو مصدر متعمق وجيد التوثيق للمعلومات عن الأدوار المختلفة للنساء كفاعلات وكمفسرات للتاريخ، بالإضافة إلى الروابط التي غالباً ما تكون متوترة ومتناقضة بين الحركات النسوية والوطنية. فمن خلال المقابلات المتعمقة، يعمل كتاب أصوات المقاومةكمصدر واضح للتوثيق وتحليل الطرق المتعددة التي أسهمت بها النساء في حركات الاستقلال، علاوة على تأثير هذه الحركات على دورهن كزوجات وأمهات في المغرب في فترة ما بعد الاستقلال.

تجارب المرأة في الماضي والحاضر في كل من فرعي حركات الاستقلال في المغرب وهما الحركات الوطنية وحركات المقاومة تبرز الطبيعة الجنوسية للخطابات وللسياسات الاستعمارية والقومية، وكيف ترتبط هذه التجارب بدورها بخبرات المرأة في تكوين هويتها. ويختلف تنوع النساء اللاتي ضمهن كتاب بيكر مع التقسيمات الخاصة بالطبقة والجيل والإقليم، وبهذا فهو يضيف إلى فهمنا لمدى تنوع أنشطة المرأة، فبينما تميل الحركات الوطنية إلى التركيز على خاصيتها الموحدة وكما تتحدث كثير من القصص الشفاهية عن أهمية التضامن بين النساء في مختلف الطبقات وبين الرجال والنساء فإن آليات القوة في سياق ما بعد الاستقلال قد اتخذت أشكالاً جديدة. فتقنيات التاريخ الشفاهي تمكن الخبرات المختلفة من الظهور في قصص النساء وبذلك تقدم نظرة أكثر تعمقاً لدور الأسطورة والقصة في تكوين وتأويل واقع المرأة.

وقد امتد البحث الميداني في عمل بيكر لمدة سنة أعوام، وقد تم إجراء المقابلات الشفوية في أماكن عامة وخاصة، كانت في الأساس غير موجهة، وأعلمن المتحدثات ضمنياً أن في إمكانهن إدخال تعديلات على رواياتهن. التقت المؤلفة بمعظم النساء ذوات التوجه القومي اللاتي مازلن على قيد الحياة، ويبلغ عددهن خمساً وعشرين امرأة تقريباً، كما التقت بستين امرأة من قوات المقاومة المسلحة. وقد ورد بالكتاب أربع عشرة رواية لنساء من الفريقين، بواقع سبع روايات من كل فريق. وقد كانت النساء الوطنيات من الرائدات، حيث كن من أوليات النساء اللاتي تلقين التعليم في المنزل وفي المدرسة وينشرن في الصحف العربية، وقد ساعدت إحداهن وهي الرائدة الوطنية مالكة الفاسي في كتابة وتوقيع إعلان الاستقلال في عام ١٩٤٤.

وقد كانت تجربة الكفاح الوطني هي المناسبة الأولى التي نظمت فيها هؤلاء النساء أنفسهن تنظيماً جماعياً، وقد انضممن إلى هذه الحركات الوطنية من خلال عائلاتهن النشطة في هذا المجال، وابتداءً من الأربعينيات بدأ تشكيل أقسام للمرأة في الأحزاب السياسية، ومن طلائع هذه الأقسام أخوات الصفا واتحاد النساء المغربيات واتحاد المرأة في حزب الاستقلال. وبينما كان التركيز الرئيسي لجماعات النساء هذه على تعليم الفتيات وإتاحة خدمات اجتماعية متنوعة، فقد لعبن أيضاً دوراً هاماً في جذب الدعم للبرنامج السياسي لحزب الاستقلال الحركة الرئيسية للاستقلال.

وقد قامت النساء الوطنيات التي تمت مقابلتهن وهن: زهور الزريق ورقية المرانيا وفاطمة بنت سليمان قصار وأم كلتوم الخطيب وأمينة لوه وخديجة بنونة بأدوار ووظائف مختلفة، فقد جمعن الميزانيات لدعم الحركة الوطنية وساعدن المحاربين المحبوسين في السجون واهتممن برعاية زوجات رجال المقاومة وقمن بتدريس فصول محو الأمية وشجعن على تعليم الفتيات وعلى رفع الوعي السياسي لدى النساء. وعندما كان معظم زعماء حركة الاستقلال إما منفيين أو مسجونين في أوائل الخمسينيات، قامت تلك النساء بزعامة الحركة. أما مجالات النشاطات المتاحة لعضوات حركة المقاومة وهن فاطمة منصر وسعديه بوحدو وغالية مجاهد وعائشة ومنية سنحاجي وزهرة طوريشي وربيعة طيبي فقد اختلفت عما كانت لأخواتهن الوطنيات، فقد جاءت أغلبهن من عائلات من الطبقة العاملة واشتركت الكثيرات منهن اشتراكاً فعالاً في المقاومة المسلحة في الفترة ما بين ١٩٥٣ ۱۹٥٦، بل وانضمت بعضهن في آواخر الأربعينيات إلى أوائل خلايا المقاومة. وكان اشتراكهن في المقاومة إما عن طريق أزواجهن أو بالالتحاق كمستقلات. وقد تمكنت بعضهن من العمل بطريقة علنية في حمل السلاح وتوصيل الرسائل وزيارة السجون وغيرها. أما غيرهن، اللاتي كان عليهن القبوع بالمنازل. فقد اشتركن من داخل هذه الحدود حيث قمن بإخفاء الأسلحة وتمريض الجرحى وطهي طعامهم والقيام بما يحتاجونه من خدمات منزلية.

وما يدهش القارئ، خاصة في قصص المشاركات في المقاومة هو الوضوح وثراء القصص الشفاهية، فهؤلاء النساء راويات برعن في غزل الإشارات إلى الماضي والحاضر الخلق ما أسمته بيكر بالسيرة الذاتية الأسطورة لبطلة المقاومةفالقصص الشفاهية هي عن نساء يبنين حيواتهن ومن ثم فهن يضفن معنى أو مغزى لوجودهن ولدورهن كفاعلات أثناء الأحداث التاريخية التي يروينها، فتحكى الحكايات الشفاهية عن شجاعة النساء وسعة حيلتهن والاستراتيجيات التي استخدمنها كأمهات وزوجات ومناضلات وإحساسهن العميق بأنهن قد أسهمن بطريقة أساسية في استقلال المغرب. وبينما لم يتطور دور المرأة بعد استقلال المغرب بالسرعة التي توقعتها الكثيرات، فإن الأثر البعيد المدى لوعيهن وتعاملهن مع دور المرأة في المجتمع وتحولهن الداخلي التقدمي تظهر كلها على السطح من خلال الحكايات، فرغبتهن في مشاركة تجاربهن مع الآخرين ومن ثم افتراض اكتساب الشرعية لهذه التجارب هو مكون أساسي لهذه الحكايات.

ويتخلل الحكايات دور الجنوسة كمبدأ اجتماعي تنظيمي رئيسي يؤثر على كل طرق التعامل مع الحياةوكذلك إسهامات المرأة ذات الطبيعة المتعلقة بنوعها كامرأة. فقد حددت الأدوار والتوقعات الخاصة بالنوع نشاطات المرأة في الوقت التي منحتها فيه أيضاً إمكانيات متفردة غير متاحة للرجل، فبينما لم تشغل معظم النساء مكان الزعامة، فإنه لم يمكن الاستغناء عنهن في مهام معينة حيث سمح لهن ارتداء الحجاب حرية أكبر في الحركة في الأماكن العامة، وتتضح مرونة العلاقات بين الجنسين أثناء تلك الفترة المتميزة حيث عملت النساء لأول مرة مع رجال لم يكونوا أقاربهن المباشرين. ولا تذكر روايات النساء الشفاهية إشتراك النساء لأية أسباب شخصية، بل أن تقاريرهن منغمسة تماماً في الخطاب الوطني، فقد حاربن معاركهن في سبيل ملكهن وبلدهن. وفي سبيل الله.

أما السياسات الخاصة بالنوع في الدولة المغربية في فترة ما بعد الاستقلال فيمكن التعرف عليها عن طريق قدرة النساء أو عدم قدرتهن على الاستفادة من مرتبة المحاربين القدامى، ففي الوقت الحالي تعد ثلاثمائة امرأة فقط من المحاربات في المقاومة المغربية المسلحة بالمقارنة بثلاثين ألف رجل. وتسهم عوامل مختلفة في عدم الاعتراف بإسهامات المرأة. ففي البداية، يجب لمن يبغي الحصول على مرتبة المحاربين القدامى أن يجمع ملفاً يتضمن شهادات كتابية شخصية وشهادات كتابية لشهود، وهو ما يعد إجراء معوقاً بالنسبة للبعض. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه غالباً ما تعد أدوار النساء غير ذات أهمية أو ثانوية بالنسبة لأدوار الرجال، وذلك على أفضل تقدير. وأخيراً، فإن اشتراك المرأة ودوافعها، وخاصة لهؤلاء اللاتي اشتركن في حركة المقاومة، يعد موضعاً للشك من قبل البعض. وقد أثيرت تساؤلات حول سمعة النساء اللاتي تحركن بحرية وبدون قيود في المقاومة المسلحة وتعاملن بحرية مع الرجال من قبل الرجال والنساء بصفة عامة، ومن قبل النساء الوطنيات بصفة خاصة. وبالإضافة إلى ذلك، أثارت الأسئلة التي وزعتها لجنة المحاربين القدامى للمقاومة الشك حول السمات الأخلاقيةلبعض النساء اللاتي قدمن طلبات للحصول على مرتبة المحاربين القدامى، وقد ركزت بعض الروايات على الإحباط الذي أصاب بعض النساء نتيجة لعدم وجود تغيير تقدمي في أدوار الجنسين بعد استقلال المغرب. والسؤال الذي يبدو مناسباً الآن هو ماذا كان تأثير اشتراك النساء في كل من الحركات الوطنية وحركات المقاومة المسلحة على أدوار الجنسين وعلى المرأة وعلى المجتمع بصفة عامة؟“. فقد تعلمت الوطنيات وهؤلاء المناضلات في مجال المقاومة المسلحة مهارات تنظيمية وقيادية وتبنين منظورات جديدة للعلاقات بين الجنسين كان من شأنها التأثير على الطريقة التي نشأن وربين بها أبناءهن وبناتهن. وتقول بيكر في خاتمة كتابها إن النشاط السياسي لهؤلاء النساء قد تطور حتى أصبح وعياً جديداً ساعد على تمهيد الطريق بالنسبة لجيل تال من النساء العاملات في المجال العام. ومع ذلك فإن قضايا المرأة بصفة عامة ومطالبتهن بحقوق متساوية بصفة خاصة لا تعد اليوم ذات أولوية بالنسبة لمعظم الجماعات السياسية، بل وتعتبر دعوة للانقسام بالنسبة للبعض. ويبقى تناقض أساسي: لقد استفادت الحركات الوطنية والأحزاب السياسية استفادة كبيرة من إسهامات المرأة ومع ذلك فإن الإسهام الكبير لم يؤد إلى حدوث أي تغييرات في وضع المرأة بالنسبة لأدوار الجنسين.

ويعد كتاب بيكر إسهاماً هاماً في فهمنا لمدى تعقيد الأنشطة والخبرات الاستعمارية والوطنية وللصلات بين النسوية المغربية والوطنية، فمن خلال استخدام الروايات الشفاهية، تقدم المؤلفة فهماً غنياً ومتفرداً لحياة من تمت مقابلتهن وللتحولات الخفية والواضحة في حياتهن ولصلاتها بالتغير الاجتماعي في المغرب، وبالإضافة إلى ذلك، يجب وضع هذا الكتاب في سياق أكبر من الأبحاث التي بدأ الاهتمام بها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تهتم بإعادة فحص ما نعرفه عن ماضينا ولماذا نعرفه وعن الطبيعة الخاصة بالجنوسة لهذه المعرفة.

مراجعة: اليسون بيكر، أصوات المقاومة، جامعة إستات في نيويورك، ۱۹۹۸.

ليلى حسيني. باحثة مهتمة بقضايا الجندر.

شارك:

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6