كبسولات منع الحمل: بين التهليل الإعلامي والتقييم المتأنى

عضوة جمعية حقوق الانسان بالإسكندرية

في مقالٍ بمجلة الميدل إيست (عدد أكتوبر 1985 عما يُسمى بالمشكلة السكانيةفي مصر) يجيء عرض موجز لسياسة تنظيم الأسرة المتبعة في ظل رئاسة الدكتور عزيز البنداري لجهاز السكان وتنظيم الأسرة. يشير المقال إلى أن المتخصصين في القاهرة يلومونالدكتور البنداري على ارتفاع معدل الولادة في البلاد. كما أن أحد موظفي هيئة المعونة الأمريكية بالقاهرة ينتقدُ سياسة الدكتور البنداري بقوله: إن البنداري أنفقَ الأموال الثمينة المخصصة لتنظيم الأسرة على التنمية. يجيءُ هذا الكلام بالرغم من أن العديد من الدراسات والوقائع الملموسة تؤكدُ أن التنمية تساهم في انكماش معدل النمو السكاني. يُسهب المقال بعد ذلك ودون ذكر أي لومفي عرض آراء الدكتور ماهر مهران مقرر المجلس القومي للسكان حاليًا، مشيرًا إلى أن (هدف مهران الرئيسي سيكون توفير (خدمة) تحديد النسل لمن يريدها، وأن د. مهران سيسعى إلى استخدام التكنولوجيا الأحدث: يقول مهران (أن) نوربلانت، مانع الحمل الفينلندي طويل المفعول قد جُرب على ألفي سيدة مصرية بنتائج جيدة، وسيختبر على عشرة آلاف (سيدة) أخرى بمجرد أن تتوافر الإمدادات من زريعات منع الحمل.

حقوق النساء موضع التجارب

بما أنه من المتوقع أن تكون عشرة آلاف من نساء مصر موضع تجارب التكنولوجيا الأحدث” “المتمثلة في كبسولات منع الحمل المعروفة: بنوربلانت“. يجبُ أن نعي حق مثل هؤلاء النساء وذويهم، بل حق المصريين جميعًا في التعرف على هذه الوسيلة الجديدة لتحديد النسل، وعلى وجهات النظر المختلفة المتعلقة بتقييمها.

وإن كان يصعبُ علينا أن نصل إلى تقييمٍ موضوعي إذا اعتمدنا فقط هذه الوسيلة لمنع الحمل. وعلى العكس تمامًا نجد هذه الوسائل دأبت على ترويج آراء النوربلانتوبدون إعطاء نفس الاهتمام للذين لديهم تحفظات، ناهيك عن الرافضين.

 

تمنع النوربلانتالحمل بواسطة ست كبسولات صغيرة تحتوي على مادة البروجيست ( وهو هرمون يستعمل في كثير من حبوب منع الحمل) وتُوضع تحت جلد ذراع السيدة بمعرفة طبيب. تمتدُّ فاعلية هذه الكبسولات في منع الحملَ إلى خمس سنوات بالتسرب البطيء للهرمون من الكبسولات إلى مجرى الدورة الدموية. وتمنع النوربلانتالحمل نتيجةَ توازن ما بين ثلاثة تغيرات، هي تغليظ إفرازات عنق الرحم فيصعب دخول خلايا السائل المنوي. إيقاف التبويض، بالإضافة إلى أن الهرمون يخمد تكوين غشاء الاندوميتريم، وبذلك تمنع الزريعة استمرار الحمل. تحتاجُ الكبسولات لعمليةٍ جراحية بسيطة لإزالتها بعد مرور مدة فاعليتها، أو في أي وقت قبل ذلك.

على مدار العامين الماضيين اتصفَ عرض كبسولات منع الحمل في الصحافة القومية بالمبالغة الشديدة في وصف الإعجاز العلمي! الذي تُمثله هذه الكبسولات وتأكيد أمانها التام! وإبراز آراء أساتذة الجامعات شديدي التحمس لهذه الأداة لمنع الحمل، وإهمال الرأي الذي يربطُ التأييد بشرط أن يثبت أمان النوربلانتاعتمادًا على بحوثٍ طويلة المدى (والذي دونته مجموعة بحثية من كلية طب جامعة الاسكندرية) وكذلك الرأي الذي يرفضُ هذه الكبسولات رفضًا قاطعًا، والذي أعلنه أحدُ أساتذة طب القصر العيني (الشعب 4/ 8/ 81)

على مدار العامين الماضيين اتصفَ عرض كبسولات منع الحمل في الصحافة القومية بالمبالغة الشديدة في وصف الإعجاز العلمي! الذي تُمثله هذه الكبسولات وتأكيد أمانها التام! وإبراز آراء أساتذة الجامعات شديدي التحمس لهذه الأداة لمنع الحمل، وإهمال الرأي الذي يربطُ التأييد بشرط أن يثبت أمان النوربلانتاعتمادًا على بحوثٍ طويلة المدى (والذي دونته مجموعة بحثية من كلية طب جامعة الاسكندرية) وكذلك الرأي الذي يرفضُ هذه الكبسولات رفضًا قاطعًا، والذي أعلنه أحدُ أساتذة طب القصر العيني (الشعب 4/ 8/ 81)

في باب مع المرأةبجريدة الأهرام الصادرة 23/ 2/ 1984 وصفت النوربلانتبأنها الكبسولة السحريةالتي غيرت من حياة 300 سيدة استخدمن الكبسولات تحت الجلدبعد أن كان قلق نسيانحبة منع الحمل ينتابهن، على حد تعبير الأهرام. وإذا تساءل البعض عما إذا كان قلق النسيانهذا قد يكون حل محله القلق على الصحة، ولو حتى في حدود ضيقة، تجيء، جريدة الأهرام (25/ 2/ 84) بالإشارة إلى ضآلة الآثار الجانبية. “أما جريدة الأخبار فيجيء، عنوانها في يوم 8/ 3/ 84 بتأكيد قاطع ينفى هذا الاحتمال. تقول الأخبارفي عنوان تحت بابماذا يجري خارج القاهرة ؟ أن الدواء الجديد أحدث وسيلة توصل إليها العالم لتنظيم النسلدونَ حدوث أي آثار جانبية. “ثم تمضى الجريدة لتؤكد هذا المعنى استنادًا لأحد الأساتذة الجامعيين، وإشارته إلى عدم وجود أي آثار جانبية

ضمن عرضه لمميزات النوريلانت. ” وتحت نفس البابماذا يجري خارج القاهرة؟ تؤكد الأخبار (18/ 4/ 85) إصرارها على أمان كبسولات منع الحمل تحت عنوان كلية طب أسيوط استخدمت الكبسولة على ألف سيدة فكانت نسبة النجاح 100% بدون آثار جانبية“. إن العاملين في مجال البحث العلمي يعلمون أن التجارب الناجحة 100% لاوجودَ لها مهما كان الإصرار على التأكيد بذلك أو مصدره. ولكن يبدو أن الخواص السحريةللكبسولات تُلغي نظرية الاحتمالين، مع قلق النسيان واحتمال القلق على الصحة.

تؤكد جريدة الأخبار (18/ 4/ 85) على ادعائها بعدم وجود آثار جانبيةبالقول الآتي: وتتميز هذه الكبسولات بأنها لا تُسبب أية مضاعفات مثلَ وسائل منع الحمل الأخرى، لأنها لا تحتوي على هرمون الاستروجينالذي يُسبب المضاعفات. يجيء هذا التأكيد متناقضًا مع تصريح أحد الأساتذة الجامعيين (في الأهرام 5/ 3/ 85) بأن أغلب السيدات اللائي يتوقفن عن استعمالها (أي الكبسولات) يرجعُ ذلك إلى اضطراب في الدورة الشهرية مما يوجب إخراج الكبسولات. “لكن في جزء لاحق من التصريح يضيف نفس الطبيبأن هذا الاضطراب ينقطعُ في أغلب الحالات بعد عامٍ من استعمال الوسيلة، كما قد يُحدث انقطاعًا في الدورة، إلا أن هذا الانقطاع لايؤثرُ على صحتها ولا يدعو للقلق من ناحية حدوث الحمل“. قد يزيلُ فعلاً استعمال النوربلانت القلق على الحمل ولكن هذا لا ينفي احتمال قلق النساء على صحتهن نتيجةً للأعراض الجانبية الناجمة عن استعمال هذه الكبسولات. وإذا بحثنا في الصحافة عن تقييم النساء أنفسهن لآثار اضطرابات الدورةعلى صحتهن فلا نجده، ويبدو أن الصحافة مهتمة بآراء المشرفين على التجاربوليس برأي المجرب فيهن، انعرف معنى اضطراب الدورةالمتعلق باستخدام الكبسولات فلنلجأ إلى مذكرة هيئة الصحة العالمية عن كبسولات منع الحمل. والمعدة للنشر في نشرة هيئة الصحة العالمية (عدد 3% الجزء الثالث ١٩٨٥). بناءً على مراجعة. بحوث النوريلانتوتحت عنوان نمط نزف الدمتشير المذكرة إلى أن حوالي 60% من مستعملات الكبسولات يُبلغن عن عدم انتظام الدورة أثناء السنة الأولى من الاستعمال. بالإضافة لذلك يتضحُ أن معظم حالات نزف الدم غير الطبيعية تتصفُ بالتكرار وزيادة عدد أيام نزف الدم أو النزف غير المنتظم والتنقيط (وإن كانت) حالات النزف الشديد استثنائية“..

في محاولات للتدليل على أمان النوربلانت، نجدُ أن صحفنا أحياناً تشيرُ إلى هيئة الصحة العالمية. فعلى سبيل المثال أشارت أخبار اليوم إلى هذه الهيئة الدولية في عددها الصادر في 2/ 3/ 85 تحت عنوان هيئة الصحة العالمية تختار عالمًا مصريًا من جامعة أسيوط لتقييم اكتشاف جديدوتمضى أخبار اليوم بالقول أن الهيئة أعلنت نتائج هذه الأبحاث (المتعلقة بالنوربلانت) على العالم معلنةً ميلاد دواء جديد

ومؤكدة فاعليته وعدم خطورته على الصحة. ولكن بالاطلاع على مذكرة هيئة الصحة العالمية السابق ذكرها، والتي شارك في إعدادها العالم المصري الذي أشارت له جريدة أخبار اليوم، لا نجدُ التأكيد بعدم خطورة النوربلانت الذي أدعته الجريدة. فبينما يشيرُ التقرير حقًا إلى الفاعلية العالية للنوربلانت في منع الحمل إلا أنه يُصرح بعدم توفر الأبحاث التي تؤكدُ أمان النوربلانتعلى المدى الطويل. فالتقريرُ يعلن أن التجارب الإكلينكية العديدة قد تم تقييمها وقد قيمت الفاعلية والآثار الجانبية (للنوربلانت) بناءً على دراسات استمرت أكثر من خمسة أعوام“. ولكن بما أن هذه الوسيلة بدأ تعميمها الآن فقط لا يوجد حتى الآن دراسات أيبيديمولوجية عن أمانها على المدى الطويل. ويضيفُ نفس التقرير أنهذه الطريقة بدأ للتو إدخالها على نطاقٍ واسع، ولذلك هناك القليل من المعلومات المتاحة عن أثارها النادرة أو طويلة المدى فأين إذًاالتأكيد على عدم الخطورة على الصحة الذي أدعته أخبار اليوم؟ وجدير بالذكر أن رأي هيئة الصحة العالمية نفسه تبلور بناءً على مساهمة أشخاص لهم مصالح متعلقة بأبحاث النوربلانت، مثل ممثلين عن مركز البحوث الذي سجل اختراع النوربلانتوشركات أدوية فينلندية، بالإضافة إلى نفس العالم المصري. الذي أشارت إليه أخبار اليوم والذي استندت لتصريحاته صحف أخرى في التأكيد على عدم وجود أي آثار جانبية للنوربلانت. ولنتساءل كيف نفسرُ التباين الواضح بين رأي الأستاذ المصري المنشور في الصحافة المحلية والرأي الذي شاركَ في بلورته كما جاء في مذكرة هيئة الصحة العالمية؟ وإذا كان رأيه المنشور بالصحافة المصرية نقل خطأ فلماذا لم يطلب تصحيحه حتى يكون هناك تطابقٌ بين ما يُنشر عالميًا وما يُقرأ محليًا؟!

أما بالنسبة لآثار النوربلانت على الطفل الرضيع فنجد تقييمًا في جريدة الأهرام 5/ 3/ 85 تحت عنوانأطباء يكشفون أسرار الكبسولة التي تمنع الحمل 5 سنوات كاملة. “تعرضُ الجريدة القول بأنه يمكن استعمال الكبسولات في حالات الإرضاع، حيث أن الهرمون المستعمل لا يؤثرُ على كمية أو نوعية اللبن“… وتستندُ الأهرام في هذا الادعاء إلى رأي نفس الأستاذ الذي أكد سلامة النوربلانتالكاملة بالنسبة للسيدة التي تستعملها وتأثيرها على جميع أجهزة الجسم المختلفة“.. ويجيء تأكيد الأهرام على أمان النوربلانت بالنسبة للرضيع متناقضًا مع ما نشرته نفس الجريدة في عددها الصادر يوم 25/ 2/ 85 أي قبل حوالي عام كامل قبل نشر هذا التأكيد. في هذا العدد السابق نشرت جريدة الأهرام تصريحًا لمنظمة الصحة العالمية منقولاً من نيويورك عن طريق وكالات الأنباء، يضم هذا التصريح عن النوربلانت القول الآتي:… ” كما لا يُوصى باستخدامها حاليًا للسيدات اللاتى يقمن بالرضاعة الطبيعية إلى أن تنتهى الدراسات الحالية حول تأثير الهرمون المستخدم والذي يُمكن أن يُفرز من لبن الأم على الأطفال الرضع. “وقد أكدت هيئة الصحة العالمية نفس هذا الموقف في مذكراتها المشار إليها أعلاه (والمعدة للنشر في عام 1985) حيث نقرأ أن في هذه المرحلة للمعرفة ليس في الإمكان عمل توصية بالنسبة لاستعمال السيدات المرضعات للنوربلانت) وتواصل نفس المذكرة القول أنه كما هو الحال بالنسبة لطرق منع الحمل المعتمدة على الهرمون، هناك حاجة للمزيد من البحث عن استعمال النوربلانتأثناء الرضاعة بما أن هناك نتائج أبحاث قليلة عن آثار الايفونورجستريل (التي تحتوي عليه كبسولات النوربلانت) على نمو وتطور الأطفال المعرضين لهذا الستيرويد عن طريق لبن الصدر. “إذًا من الواضح أن نوعية اللبن تتأثر باستعمال الأم لكبسولات نوربلانتلمنع الحمل، وعلى عكس تأكيد المصدر المحلي لمعلومة جريدة الأهرام.

في محاولتها للتأكيد على فاعلية وأمان النوربلانتتعرض الصحف القومية هذه الكبسولات كتكنولوجيا حديثة، وتحاولُ الإيحاء بأن استعمالها يمثلُ ظاهرةٌ عالمية. فمثلاً نقرأ في جريدة الأخبار (18/ 3/ 84) عن نجاح… “كلية طب أسيوط في تطبيق أحدث الوسائل العالمية لمنع الحمل” … وللتأكد من نجاح هذه التجربة أكثر، عقدت الكلية منذ أيام مؤتمرًا عالميًا لمناقشة أثر هذه الكبسولات والنتائج التي تم التوصل إليها من خلال طرح التجربة على أكثر من 80 عالمًا يُمثلون 8 دول، فأكدوا جميعًا أن التجربة نجحت 100% وأنها أحدث الوسائل العصرية لمنع الحمل دون حدوث أية آثار.” وتتكررُ الإشارة إلى دور الأطباءالمتخصصين والعالميين في الأهرام (23/ 2/ 84) وفي عدديها الصادرين يوم 2/ 2/ 84 و 5/ 3/ 85. وفي أحد هذين العددين (واستنادًا مرة أخرى لأحد الأستاذين اللذين يُشارُ إلى آرائهما أو تنشر صورهما باستمرار ضمن الطرح الصحفي لمزايا النوربلانتيلفت نظرنا إلى أن الطريقة” (أي طريقة استعمال النوربلانت“) مستعملة ومسوقة في فنلندا، وهي البلد الذي تصنعه، وتتم إجراءات تسجيله في أكثر من أربعين دولة الآن. “وفي العدد الآخر للأهرام نقرأ أن السويد أيضًا سمحت رسميًا باستخدام هذه الكبسولات وأنه…” من المقرر أن توافق نحو 40 دولة من بينها الولايات المتحدة على التصريح بإنتائجها وتوزيعها” .

وبينما قد يطمئن البعض لسلامة النوربلانت: “الكاملة بالنسبة للسيدة التي تستعملها “… بناءً على عالمية تجربة هذه الكبسولات، والسماح الرسمى القائم أو المتوقع لاستعمالها يجبُ ألا ننسى أن العديد من الأدوية وأدوات منع الحمل التي سُوقت عالميًا، وبناءً على تقييم متخصصين عالميينسُحبت من الأسواق أو حُددَ استعمالها في نفس البلاد التي أنتجتها، بينما تبقى في بلاد العالم الثالث بالرغم من المعرفة العالميةلمضارها، والتي تُحجب عن المستهلكين المحليين. أما بالنسبة لتوقع تسجيل النوربلانتفي الولايات المتحدة الأمريكية فمن الضروري الإشارة الى أنه حتى في حالة السماح بتسويق النوربلانت، فهناك من التنظيمات الشعبية التي تعترض على مقاييس الأمان المستخدمة لإعطاء تصريح التسويق، وقد رفعت الشبكة القومية لصحة المرأة تقريرًا بهذا المعنى للكونجرس الأمريكي.

عند تشجيع استخدام النوربلانت محليًا يجبُ أن نتذكر الفارق الكبير بين العلاقة الاجتماعية القائمة بين المرأة السويدية أو الفنلندية المتعلمة والطبيب الاسكندفاني وعلاقة المرأة المصرية الفقيرة وغير المتعلمة (والمستهدفة في برامج تحديد النسل) والطبيب المصري المرهق بالمسؤوليات والمتاعب المتعددة المرتبطة بالعيادات الحكومية لتنظيم الأسرة. إن هذا يجعلنا نتساءل عن نوعية المنشورات عند الاختيار للوسيلة والمتابعة كل 6 أشهرالتي نصح بها أحد الأستاذين أصحاب الرأي المؤيد لاستعمال النوربلانت (الأهرام 5/ 3/ 85)

بينما لا توضح لنا الصحافة كيف تتم المشورة عند الاختيار“… تُعلمنا جريدة الأخبار أن النوربلانت جُربت على المتطوعاتفي بلاد مختلفة من ضمنها مصر. ولكن مرة أخرى لا يُسلط الضوء على كيف تطوعت نساء مصر؟؟ من هن هؤلاء النساء؟ ما هي صفاتهن الاجتماعية؟ وكيف تعرفن على النوربلانت؟ وكيف اخترنهذه الوسيلة؟ عن طريق الصحافة نتعرف على أن استعمال الكبسولات يصل إلى أكثر من 90% بعد عام يقصد بذلك أن 90% ممن يزرع لهن الكبسولات يُبقونها بعد عام – وإلى 97% بعد عامين” (الأهرام 5/ 3/ 85) ولكننا نظلُّ بدون جواب عندما نتساءل عن الأسس المختلفة التي يُقام عليها تقييم الاستعمال أو قرار الاستغناء عن الكبسولات من قبل السيدات أنفسهن.

بما أن النوربلانت لها خصوصية الاحتياج إلى عملية جراحية بسيطةلإزالتها (على حد تصريح أحد الأستاذين المتحمسين لهذه الكبسولات) فمن المنطقي أيضًا أن نتساءل عن الخطوات التي يجبُ على النساء المتطوعاتاتباعها لإزالة النوربلانت. تؤكدُ لنا جريدة الأخبار أن عملية إزالة الكبسولات في أي وقتترغبُ السيدة، وأن العملية لا تستغرق أكثر من 5 دقائق ودون ألمولكن حتى إذا افترضنا أن هذا صحيح 100% بالرغم من شكنا في ذلك) يبقى لاستعمال النوربلانت آثار اجتماعية غاية في الأهمية والخطورة ولا يُمكن إغفالها مهما تجاهلتها الصحافة القومية. فاحتياجُ المرأة لعملية جراحية لتستعيدَ حالتها الطبيعية في الإنجاب (الأهرام 8/ 3/ 84) وبواسطة طبيب على مستوى معين من التدريب، وفي إطار العلاقة الاجتماعية بين الطبيب والمرأة المصرية الفقيرة) تحدُّ من حرية المرأة وزوجها في تطبيق قرار استعادة الخصوبة إلى درجة لا تعترضها وسائل منع حمل أخرى. ففي حالة النوربلانت يرتبط هذا القرار بموافقة الطبيب أو الباحث الذي يُشرف على تجربة الكبسولات وتواجده واتساع وقته ومقدرته الفنية على مزاولة جراحة إزالة الكبسولات.

بالإضافة لأثر النوربلانت على المستوى الشخصي أو العالمي، فلهذه الوسيلة معنى اجتماعي أعمُّ جدير بالذكر، فالتكنولوجياالأحدث للنوربلانت تُمكن المسيطرين على هذه التكنولوجيا من التحكم في خصوبة المستهلكين إلى درجة لم يسبق لها مثيل من قبل. والذين يعتقدون أن هذا كلام مبالغ فيه عليهم الاطلاع على كتاب الاقتصاد السياسي للعملللكاتبين روز ووود وبن وهو تلخيص أحد العلميين لاستعمال مثل هذه الكبسولات للتحكم في الخصوبة في المجتمع.

بجانب احتمالات الآثار الاجتماعية واستعمال النوربلانت والتي تحتاجُ إلى دراسة علمية شاملة، يجب أيضًا إلى النظر إلى البعد الاقتصادي لاستعمال كبسولات منع الحمل. تقول جريدة الأهرام 25/ 2/ 84) تبلغ تكلفة الوسيلة من 30 إلى 60 دولار.. علينا أن نتساءل من الذي سيتحملُ التكاليف الباهظة لهذه الوسيلة لمنع الحمل؟ حتى إذا لفت البعضُ نظرنا إلى أن فاعليتها مستمرة سنوات. فالنوربلانت لا تصنع محليًا، وبالتالي سيعتمد على استيرادها وما يترتبُ على ذلك من زيادة الأعباء الاقتصادية على المجتمع. قد يقترحُ البعض الاعتماد على التمويل الخارجي لمشروعات تعميم النوربلانت وإدخال هذه الوسيلة لمنعِ الحمل ضمنَ برامج تنظيم الأسرة الممولة من قبل هيئة المعونة الأمريكية. ولكن لهذا الحلسلبياته العديدة التي تناولتها الكثير من الدراسات المحلية والدولية. فمن ضمن الآثار السلبية لمثل هذا الاعتماد الاستمرار في إخضاع السياسة السكانية للبلاد لأولويات وسياسات وانتقادات الهيئة الأجنبية الممولة. وبالنسبة لهيئة المعونة الأمريكية، وهي ممول أجنبي رئيسي للمشروعات الصحية في مصر فسياستها الصحية المعلنة، والتي تهدفُ لتشجيع القطاع الخاص الطبي، وإن قللت من العبء المالي على الدولة على المدى القصير، فهي ستزيد هذا العبء على المواطنين على المدى البعيد.

وحتى باستبعاد احتمال التمويل الخارجي لمشاريع زرع وإزالة الكبسولات، وما يترتب على ذلك من زيادة أهمية دور القطاع الخاص الطبي، فخصوصية النوربلانت المتعلقة بالاعتماد على مستوى معين من المهارة الطبية في زرعها وخلعها تزيدُ احتمالَ لجوء السيدات إلى الرعاية الصحية الخاصة وما يترتبُ على ذلك من أعباءٍ ماليةٍ على المستوى العائلي، وبذلك ترتبطُ عملية استرداد الخصوبة بمقدرة تحمل هذا العبء المالي.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات