رغماً عنا أو Against our will بقلم الكاتبة الأمريكية سوزان بروان ميللر. هو كتابٌ يتناولُ قضية الاغتصاب باعتبارها قضية عنفٍ موجهٍ من الرجل ضد المرأة، وما تعكسه من طبيعة علاقة الرجال بالنساء.. وتبدأُ المؤلفةُ كتابها بتصور من وحى خيالها لكيفية حدوث حادثة اغتصاب في التاريخ فتقول: إذا كانت الحادثة الأولى قد حدثت مصادفةً حين شعرت المرأةُ بعدم الرغبة في مضاجعة الرجل، مما ترتب عنه معركة بين الطرفين، فإن الحادثة الثانية كانت ولا شك مقصودةً بعد أن اكتشف الرجل أن أعضاءُه يمكن أن تمثل سلاحًا لإخضاع المرأة، بحيث يبث الرعب في النساء ويحتفظ بهن تحت سلطته.. وتتعجب الكاتبة من أن الكثيرين من الفلاسفة والمنظرين، حتى هؤلاء منهم الذين يتناولون موضوع التطور الجنسي للإنسان مثل فرويد وتلامذته، نفضوا أيديهم من موضوع الاغتصاب، ولم يعيروه أي اهتمامٍ حقيقى.. ثم تتناولُ بإسهابٍ شديد المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها جريمةُ الاغتصاب، والأطر المختلفة التي كونت حدوثها .. فمن كونها نتيجةً طبيعيةً لغزو قبيلةٍ لأخرى وانتصارها عليها، إلى ممارستها باعتبارها رمزًا لانتزاع ملكية الرجال الآخرين، مثلها مثل سرقة البهائم ونهب الأرض، إلى ممارستها باعتبارها تعبيرٌ متكررٌ عن سيطرة الرجل على المرأة وتصغيره من شأنها وإهانتها .. وتأتى الكاتبة بأمثلةٍ متعددة تعكس رد الفعل العام لمثل هذه الحوادث، والذي يتراوح بين اعتبارها حادثًا عاديًا، إلى كونها تعنيفًا جنسيًا، إلى كونها قضية عنف في مواجهة المرأة وهو ما تم في موقف الحركات النسائية المعاصرة وبضغطٍ منها .. ثم تتناول بالتفصيل الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وما حدث فيها وفي حروبٍ أخرى من حوادث اغتصاب جماعية وفردية موثقةً ، وتنتهى إلى أن الاغتصاب هو أحدُ أسلحة الحرب، انتقام رجال فريقٍ من رجال الفريق الآخر عن طريق اغتصاب النساء، وإن هذه الظاهرة غير مرتبطة بما إذا كانت الحرب عادلة أو غير عادلة إنما هو سلوكٌ يُقصد به خفض الروح المعنوية للفريق المنهزم، والإذلال في ذات الوقت الذي يُعطى رجال الفريق المنتصر شعورًا بالتحرر والتحكم في السطوة والقوة والنصر.
ثم توردُ الموظفة أرقامًا من ملفات بوليس فيلادلفيا عن صفات الرجال المتهمين بالاغتصاب، فتقول أن صورة الرجل المغتصب، المتوحش، المخيف الملامح، السكير.. الخ ليست هي بأي حالٍ من الأحوال الصورة النمطية لهؤلاء الرجال، بل إنهم يتباينون تباين السكان عامةً، وإذا كان هناك شئٌ مشتركٌ بين هؤلاء المتهمين فهو نسبةٌ عاليةٌ من اقتراف السلوكيات العنيفة في مختلف المجالات.. ثم تأتى الكاتبة إلى تحليل ووصف ظاهرة الاغتصاب، فتقول: إن كل اغتصاب هو تعبيرٌ عن السطوة.. وأحيانًا تمارس هذه السطوة بتأييدٍ علنى من المجتمع مثلما هو الحال أثناء الحروب مع العبيد .. وأحيانًا تُمارس بشكل مُتخفى لا يقتصر على العنف الجسدي، وإنما قد يستند إلى التخويف والترهيب أو القدرة على السيطرة المطلقة، مما يُفيد بأن الاغتصاب لا يحدث بالضرورة في إطار معركةٍ في أحد الأماكن المظلمة، ولكنه قد يحدث في مواقف كثيرة أخرى. ولا تستثنى المؤلفةُ منها الزواج، وتضيفُ أن غياب العنف الجسدي لا يعني أبدًا أن المرأة حرة الإرادة، بل إن هناك توازنات للقوى وأطر لعلاقات البشر بعضهم بالبعض الآخر تسلب أحد الأطراف إرادته بالرغم من غياب العنف الجسدي، والكارثة هي أن القوانين والمحاكم لا تعترفُ بهذه الأشكال الأخرى من العنف. وتقولُ سوزان أن الاعتداء الجنسي هو بالتالي: أيُّ ممارسة تمتثلُ فيها المرأةُ لتلك الممارسة، نتيجةً لخوف أو شعورٍ بالخطرٍ أو تهديدٍ به إذا هي لم تذعن. ثم تضيفُ أن الرأى العام الذي يدين المرأة حين تُغتصب، ويشكك في نواياها، بل ويدعى أحيانا أنها ترغبُ في ذلك وإلا لما اغتصبت هو نفسه الذي يغذي المرأة منذ مولدها هو ذلك المنطقُ القائل بأنها المسؤولةُ عن اغتصابها، وأن الرجل إنما استجاب استجابةً طبيعيةً لمؤثرٍ ما، وهي بالتالي القادرة على تجنب اغتصابها إذا تجنبت استفزاز الرجل. وبالتالي قائلاً: ما من امرأةٍ اغتُصبت إلا وشعرت بالهم والألم والخزي والعار والذنب، وبحثت في سلوكها عما دفع بها إلى هذه الكارثة، وتكونُ عندئذ على استعدادٍ للتنازل عن الكثير من آدميتها في مقابل غفران المجتمع لها بما يتضمنه ذلك من عدم الإبلاغ عما حدث لها خوفًا من مخالب ذلك المجتمع.
وفي نهاية كتابها تطالبُ المؤلفة بأن يكون تعريف الاغتصاب أكثر اتساعًا، بحيث يشملُ كل فعل جنسي يُفعلُ بالمرأة عن غير رغبتها، بغضِّ النظر عن الأسباب التي أعاقت التعبير عن رفضها، أو أن يكون تعبيرها عن الرفض مؤثرًا في منع الاعتداء عليها، .. كما طالبت المشرعين بعدم اشتراط وجود دليلٍ على مقاومة الضحية لإثبات الاتهام، اتساقًا مع الحقيقة القائلة بأن أشد أنواع الفزع قد تُصيبُ الشخص بالشلل التام وعدم القدرة على الحركة… كذلك عدم اشتراط حدوث عملية جنسيةٍ بعينها لاكتمال أركان الاغتصاب، وعدم اقتصار الإرهاب المصاحب له على الإرهاب أو العنف الجسدي، ثم تقول أنه لا يُعقلُ أن يكون الاغتصابُ هو الجريمة الوحيدة التي يكونُ البحث فيها عن اتهام الضحية وليس اتهام الجاني.. كما أنه الجريمة الوحيدة التي تُقاس فيها براءة الضحية بقدر مقاومتها .
على هامشِ حادث العتبة …
… وهناك من تعامل مع الحادث باعتباره حدثًا جنسيًا مثيرًا ..
إننا لا نأمنُ من الاتوبيس على شيئين.. السيارات والنساء.. لكن نوسه تأخرت قليلاً فعثرت بالكاد لقدمها على موطئٍ فوق سلم الباب الأمامي وتقريبًا بين أحضان جمال أبو الحمد الذي استقر وسط الزحام وأمسك بفخذ نوسه بكلتا يديه، وبدء يمارسُ متعة الحرام بين كلِّ من حوله . وفي الجنس..
الثواني لها قيمتها .. وقد استسلمت نوسة لهذه الثواني، ثم أفاقت وتخلصت من جمال والزحام وجرت لتركب من الباب الخلفي، لكن الشاب كان مخدرًا بما بدأه فطار صوابه واندفع إلى قدره.. فذهب وراءها وكان الاثنان بطلى نفس السيناريو في مؤخرة السيارة“.
(هذه فقرة من تحقيق نُشر في أحد المجلات المصرية الأسبوعية بتاريخ 30 مارس ۱۹۹۲ تعليقًا على الحادث، اشترك فيه اثنا عشر من الصحفيين منهم ستة من النساء.. ننشرها الخطوط تحت الكلمات من عندنا .. ولكن بدون تعليق)..
حين وقعت حادثةُ العتبة وصفت الصحفُ استجابةَ مشاهدي الحادثة المخزية بأنهم أصابهم الذهول “.. هل يُسامحُ المجتمع امرأةً اغتصبت ومنعها ذهولها من الاستماتة في الدفاع عن نفسها .. ؟ |