كفى من العلائقيـة:
الاستقلالية الدفاعية لدى نساء الطبقة الوسطى*
يركز هذا البحث على ما أعتقد أنه تغيّر في البنية النفسية لكثيرات من نساء الطبقة الوسطى البيض، الغيريات. وقبل أن أتناول هذا التغير، أريد بداية أن أحدد النموذج الذي وضعته لتناول العلاقة ما بين النفسي والاجتماعي. حين كنت أبحث في تلك الرابطة كنت متأثرة بالمنظرين والمحللين الاجتماعيين، وهم أكثر من أن أعدد أسماءهم. ومع ذلك فقد برز من بين هؤلاء مصدران أساسيان: الأول هو نظرية مدرسة فرانكفورت التي وضعها في البداية كل من هوركهايمر وأدورنو (Horkheimer and Adorno 1944) وماركوز (Marcuse 1955) وفروم ( Fromm 1970 ,1962 1955 ,1941)، والتي طورها فيما بعد كل من (1975, 1983 Jacobi) وكوفيل (Kovel 1988) وسلون (Sloan 1996). أما التأثير الثاني فقد جاء من النسوية النفس–تحليلية، وهنا أرغب بشكل خاص في الإشارة إلى أعمال اثنتين من النسويات واللتين تأثرتا بدورهما بمدرسة فرانكفورت وهما نانسي تشودورو ( Chodorow 1978 ) وجيسيكا بنجامين (Benjamin 1988). ويركز نموذج مدرسة فرانكفورت على الضرر الذي أحدثته الرأسمالية على قدرة البشر في الارتباط والاستقلالية، كما ترجع أسباب ذلك الضرر إلى فيتيشية السلعة والتكافؤ المجرد الذي يفرضه المال على كافة الأشياء (تفوق القيمة الاستخدامية على القيمة التبادلية). إن عملية تشييء الأمور التي تقابل تلك الظواهر تحول خبرة العلاقة مع الذات والآخرين إلى علاقات بين أشياء. ثم إن الأسباب تعود أيضًا إلى اعتداء ما يطلق عليه اسم المنهج التقني أو الذرائعي (instrumental) على جوانب أكبر من الحياة اليومية، وهو المنطق المستخدم من أجل التحكم في الطبيعة وجعل عمليات الإنتاج أكثر كفاءة. إن أحد معطيات فكر مدرسة فرانكفورت هو أن الفرد الذي يدعو إليه فكر التنوير في أحسن صوره هو فرد قادر على التأمل النقدي وعلى ما تطلق عليه جيسيكا بنجامين اسم القدرة على التواصل مع الآخرين، وهو ما لا يمكن أن يبرز في نظام رأسمالي يعتمد على الاستغلال وعلاقات التبادل المجردة والبيروقراطية والتصنيع لكل من أوقات العمل والفراغ. لقد كان هؤلاء المنظرون من بين الأوائل الذين لجأوا إلى التحليل النفسي لتفسير طبيعة الضرر الذي تتسبب فيه الرأسمالية على المستويين الفردي والجماعي.
مثل الكثيرين ممن عملوا على الربط ما بين ماركس وفرويد في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، ومنهم على سبيل المثال فينيكل (Fenichel 1954) ورايخ (1934/Reich 1929)، كان منظرو مدرسة فرانكفورت يركزون على بنية الخصال التي برزت في مواجهة، وكنتيجة، لتشوهات الغريزة، التي تطلبتها علاقات الإنتاج الرأسمالية. في محاولته لفهم كيفية تكون الفاشية، قام كل من فروم وآخرون ( Fromm et al. 1930) وفروم (Fromm 1940) وأدورنو وآخرون (Adorno et al. 1950) بدراسة الشخصية السلطوية، والتي تشابه وصفها إلى حد كبير مع ما سوف يعرفه كيرنبيرج (1975 Kernberg) بعد ذلك بسنوات باضطرابات الشخصية النرجسية والحدية. إن أعمال كيرنبيرج (Kernberg 1975) وكوهوت (Kohut 1971, 1977) قد أثرت في ورثة مدرسة فرانكفورت من أمثال كوفيل (Kovel 1988) ولاش (Lasch 1979) ولايفساي Livesay 1985)) وسلون (1996 Sloan)، حيث يرى جميعهم أن اضطراب الشخصية النرجسية، الذي يتميز بعلاقات الهيمنة والإخضاع، يميز طبيعة الشخصية في النظام الرأسمالي.
تمثل نانسي تشودورو (Chodorow 1978) وجيسيكا بنجامين ((Benjamin 1988 نقاط تحول في منظور مدرسة فرانكفورت. فإذ كانتا تكتبان في بداية الموجة الثانية من الفكر النسوي فقد اعتبرتا الجندر عنصرًا محوريًا في أي تحليل للهيمنة والإخضاع. فقد رأت جيسيكا بنجامين أن الهيمنة ذات الطبيعة الداخلية والخارجية وتكون المنطق الذرائعي، وكلاهما عنصر مركزي في تحليل مدرسة فرانكفورت، يبدآن من المنزل في العلاقات غير المتساوية بين الجنسين وفي الخصال مطلقة النفوذ والخاضعة التي تترتب على ذلك في الرجال والنساء على التتابع. إن تحليلي الخاص لكل من أفكار نانسي تشودورو وجيسيكا بنجامين بخصوص التكوين النفسي الذكوري المهيمن والأنثوي (Layton 1990, 1998) أنها تصف شكلين مختلفين من النرجسية. النسخة الأنثوية تستند إلى إخضاع الذات لاحتياجات الآخرين، وكما تصفها جيسيكا بنجامين، إلى احتياج لإلحاق الذات “بشخص” لكي تتمكن الأنثى ذاتها من الشعور بنوع ما من الذاتية؛ أما النسخة الذكورية فتستند إلى شعور بالعظمة والنفوذ المطلق وإنكار لاحتياجات الآخرين وعدم القدرة على النظر إلى الآخر باعتباره شخصًا. إنني إذًا أتخذ تلك الخطوة، فإنني أربط ما بين الأعمال التي تناولت اللامساواة الاجتماعية فيما يتجاوز الطبقة، وهي الأعمال التي تطورت بشكل كبير مع بداية الحركات الاجتماعية الجديدة، وبين ما صدر من أعمال سابقة عن الرأسمالية وبنية الشخصية.
كما أنني قد تأثرت أيضًا بتحول مدرسة العلاقات من نظرية الغريزة إلى نظرية الصراع في العلاقات (1988 Mitchell) وبما تطورت إليه أعمال ستيرن ( Stern 1985) حول تطور الطفل/ة حديثي الولادة التي تركزت على المراقبة الدقيقة للتفاعل الوجداني والفكري ما بين الطفل/ة والأم، وبين الذات والآخرين استنادًا إلى ما يدور في المقابلة الإكلينيكية. فالأطفال يستقبلون إسقاطات الآخرين حتى قبل اليوم الأول (انظر/ي: 1999 Seligman، من حيث الربط ما بين أعمال ستيرن عن الأطفال وبين عناصر من نظرية كلاين)، ومن المؤكد أن ما يستنتجونه من تلك الإسقاطات هو بدرجة ما فردي وذاتي التكوين، وبدرجة أخرى متأثر بالثقافة السائدة. فالأسر والمجموعات الاجتماعية الأخرى التي ننمو في وسطها هي التي تصلنا أو تصدق لنا على الأسلوب الملائم للتعبير عن وضعنا الاجتماعي أو وضعنا في العلاقات بين الجنسين… الخ، وذلك من خلال الحب الذي تقرر أن تمنحه لنا أو تحجبه عنا في كل حالة. إنني لا أعتقد أن مجيء الطفل/ة إلى العالم يأتي بأي محتوى مسبق في اللاوعي، سواء كان ذلك عن الخيالات الأولى عن الثدي أو الجماع الجنسي أو غيرها. فاللاوعي يتكون من خلال تفاعل الطفل/ة الخاص مع إسقاطات الآخرين من ذوي الأهمية في حياته/ا. وهؤلاء الآخرون بدورهم متأثرون ثقافيًا، ومن كان بينهم في مواقع اجتماعية خاصة، سواء طبقيًا أو عرقيًا أو من حيث الجندر (gender) أو الجنسانية (sexuality)، فإنهم يشتركون في بعض نقاط الضعف وفي بعض الأساليب الدفاعية المشتركة في مواجهة نقاط الضعف هذه، وتلك بدورها تتأثر بعناصر ثقافية. إن التراتبية الاجتماعية تحتفظ بمكانها بواسطة أعراف تحدد لعناصرها طرقًا خاصة لتوكيد الذات وللتبعية وطرقًا خاصة للانفصالية وتقييم درجة تلك الانفصالية. كما أن المواضع الاجتماعية المختلفة في تلك التراتبية تولد صراعات خاصة وبعض أشكال التكرار القهري؛ خاصة فيما يتعلق ببعض المشاعر الوجدانية تجاه الآخرين مثل الحسد أو الشعور بالعار كما تولد أيضًا طرقًا خاصة للحب والكراهية. إذًا، فالموضوعات الأساسية التي يتعامل معها المحللون في عملية العلاج، والتي نميل إلى اعتبارها موضوعات فردية بشكل عام، هي أيضًا متأثرة بالثقافة والفكر.
أعتقد أن النموذج الذي طرحته لهوية الجندر (1998 Layton) يمكن أن يمتد ليتضمن جوانب أخرى من الهوية المعاصرة. فقد رأيت وقتها أنه في خلال عملية النمو يعيش الإنسان على الأقل نوعين من التفاعلات في علاقاته، بعضها يستند إلى علاقة الفاعل بالمفعول به والبعض الآخر يستند إلى الندية بين شخصين. وقد رأيت أن العلاقة النرجسية لا تتحدد فقط بنكوص لانهائي، كما يميل الإكلينيكيون إلى الاعتقاد، بمعنى أن الوالد/ة النرجسي/ة ينتج طفلاً/ة نرجسيًا/ة وهلم جرا. كما أنني لا أوافق على رأي كلاين بوجود أسلوبين داخليين للأداء النفسي يستمران طوال حياة الإنسان وهما الأسلوب البارانويدي الشبفصامي والأسلوب الاكتئابي. وبمعنى آخر، لكي أكون أكثر دقة، على حين أنني أقر بشمولية الأسلوب البارانويدي الشبفصامي في تحليل الخبرة وفي العلاقة بالآخرين، إلا أنني أرى أن هذا الأسلوب يقدمه ويدعمه تلك العناصر في الثقافة الغربية التي وصفها سلون وفروم وكثيرون آخرون بأنها عناصر تصعّب من عملية التمايز وتنمية القدرة على التأرجح، وكلها عناصر أساسية في اضطراب الشخصية النرجسية. من بين تلك العناصر الثقافية أدرج أجهزة الإعلام باحتياجها المميت إلى تحديد موضع اللوم وسعيها إلى اليقين وأسلوبها الانقسامي تمامًا في تصوير كل موضوع هام.
في أعمالي الأخيرة (Layton 1998, 2000, 2002, 2004a) طورت مفهوم اللاوعي المعياري. إن هذا الجانب من اللاوعي يتشكل من خلال العلاقات التي هي بدورها تتشكل بناء على التراتبيات الثقافية التي تتطلب منا أن ننزع عنا أي مشاعر أو قدرات أو صفات غير ملائمة تحول دون أن نلعب أدوارًا اجتماعية معينة بشكل ملائم، كتلك المرتبطة بالجندر أو العرق. إن ذلك هو بالضبط ما يستدعي الجانب البارانويدي الشبفصامي أو النرجسي في أداء الفرد؛ إن ذلك يفرض بعض الاملاءات على الأسلوب الذي يسمح به للفرد أن يحب أو الأسلوب الذي يسمح به للفرد أن يخلق برنامجه او برنامجها للحياة. إن هذه التراتبية الاجتماعية تحمل في داخلها تعليمات بشأن ما هو جيد وما هو سيء، ما هو مناسب وما هو غير مناسب، ما سوف يأتي لنا بالحب وما سوف يأتي علينا بالغضب، وهي التعليمات التي تولد عملية مستمرة من الانشقاق النفسي. إننا نجد دليلاً على ذلك اللاوعي المعياري في تلك النظريات والممارسات التي تعمل على الحفاظ على تقسيمات مثل الأسود/الأبيض، الغيرية الجنسية/المثلية الجنسية، المذكر/المؤنث. حيث يتم تقسيم الصفات الإنسانية بين هذين القطبين مع إضفاء صفات الإيجابية أو السلبية على كل منها، ومن ثم يصبح من الصعوبة بمكان على سبيل المثال أن يكون الإنسان تابعًا ومستقلاً في نفس الوقت أو جازمًا ومحبًا، أو أنثويًا وكفؤًا.
في أحد أعمالي السابقة (2002 Layton) أعطيت بعض الأمثلة الإكلينيكية عما قد يحدث من تصادم بين الإكلينيكيين ومرضاهم الذين يتشاركون معهم في بعض الافتراضات الثقافية التي تشكل صراعاتهم اللاشعورية حين يسعون إلى الحفاظ على تلك الثنائيات. وقد رأيت وقتها أن بعض تلك المواقف المتصلبة المتعلقة بالجنس أو بالموقف من المثلية الجنسية لا تنتج عن خبرات عصية على التعبير عنها بقدر ما هي نتاج لصراعات لاشعورية تترتب على بتر أشكال من الحياة والحب وصمت بأنها غير مقبولة (Butler 1995). فيما يلي مثال من الحياة اليومية: في الفترة الأخيرة طلب مني أن أكتب مقالاً قصيرًا عن الرجال في مرحلة منتصف العمر. وقد بدأت المقال بتنويه إلى أنه علينا أولاً أن تفكك مفهوم “الرجال“، وأن الذكورة خبرة تختلف باختلاف العرق والطبقة والحياة الجنسية وعوامل أخرى. ثم استطردت في إعطاء بعض الأمثلة الإكلينيكية عن رجال مثليين وغيريين في مرحلة منتصف العمر ورجال في مرحلة منتصف العمر من الطبقة الوسطى وآخرين من الطبقة العاملة. في ذلك المقال حاولت أن أبرز خصوصية ما يعيشه هؤلاء الرجال حين يمتد بهم العمر، وما يعنيه النجاح بالنسبة لهم، وما تعنيه الحياة والموت بالنسبة لهم، وكذلك ما تمثله العلاقات بالنسبة لهم. وكتبت أن الرجال المثليين الذين فقدوا الكثير من الأصدقاء والمحبين بسبب مرض الإيدز كانوا يشعرون بالنجاح إذا امتدت بهم الحياة إلى فترة منتصف العمر، وأن بعض من امتدت حياتهم إلى تلك الفترة شعروا بالكثير من مشاعر الذنب بسبب بقائهم على قيد الحياة. اعترض المحلل الذكر الذي كلف بمراجعة المقال على ما طرحته قائلاً بأن الكل يعلم بأن خبرة الذكورة تختلف تبعًا للوضع الاجتماعي. وقد تعجبت من ذلك لأنني لم أر الكثير من المحللين يدرجون هذا المنظور في أعمالهم. ثم بدأت في ملاحظة الطريقة التي كان يراجع بها مقالي، حيث أن مراجعته تضمنت حذف كل محاولة لي تقريبًا في التركيز على الخصوصية. فقد عدل، على سبيل المثال الجملة التي تتناول خبرة الفقدان لدى أحد الرجال نتيجة لمرض الإيدز، استبدلها بجملة أطول تناولت فقدان ذلك الرجل لأحد والديه ثم حالة رجل غيري الجنسية آخر فقد هو الآخر أحد والديه بحيث بدت الجملة وكأنها تقول أن الفقدان هو فقدان هو فقدان. لقد نزعت تلك المراجعة السياق التاريخي عن مقالي وجعلت الأمر يبدو وكأن جميع الرجال في فترة منتصف العمر يعانون من نفس الصراعات والضغوط. فهل كان لديه موقف متعصب من الاختلاف؟ إنني أعتقد أنه أيًا ما كان الذي يسعى ذلك الرجل إلى لفظه للحفاظ على هويته كرجل أبيض، غيري الجنسية، من الطبقة العليا، إن ذلك الشيء الملفوظ يعمل بشكل لا شعوري لكي يحجب عنه كل ما قد يؤرق تلك الهوية. إن ذلك الحجب ليس حجبًا ذهنيًا فحسب بل هو أيضًا حجب وجداني، الذي ينبع على الأرجح من تلك الأنواع من الانفصالية التي تنتج التركيبة الاكتئابية، التي تتناولها باتلر (Butler 1995) في مناقشتها للاكتئاب في علاقته بالجندر. وحيث أنني كنت كاتبة المقال فقد شعرت بأن صراعات ذلك المراجع اللاشعورية قد أدت به إلى ممارسة نوع من العنف ضد أسلوبي في التفكير، وهو عنف تعلمت أنا الفتاة الأطيب والأصغر سنًا أن أنصاع له، فلم أكتفِ بعدم التعليق عليه وإنما تساءلت أيضًا ما إذا كان يمكن أن يكون على حق (ولا يفوتني هنا الترادف بين ما أقول وبين الحالة التي أعرضها!).
يكاد كل منظر أو مفكر غربي يتناول العلاقة بين النفسي والاجتماعي، يكاد أن يفاجأ بحقيقة أنه رغم كون الثقافة الغربية تؤمن بالمثل الأعلى متمثلاً في الفرد المستقل إلا أنها لا تنفك تنتج بشرًا يفتقدون الشعور بالأمان ويلهثون وراء إعلاء منزلتهم؛ إنها ثقافة تنكر الاعتمادية في نفس الوقت الذي تعتمد في وبشكل عميق على القبول لدى الآخر. رغم أن أتباع ألتوسير ( Althusser 1971) يعتقدون أن كل جهاز مؤسسي رأسمالي يركز على خلق أفراد يتوهمون أنهم أحرار، وأن ذلك الوهم هو بالذات الذي يدفعهم إلى إعادة إنتاج ذات الظروف التي تستدعي انصياعهم، إلا أنني أعتقد أن نموذج الفرد المستقل يلعب دورًا في توليد مقاومة الهيمنة. في النموذج الذي أطرحه لا تتخلل المنطقية الذرائعية والتشيئية كافة جوانب الشخصية كما أنها ليست مجرد بعض صفات الذكورة، لكنها مع ذلك شائعة بالدرجة التي تجعل الجميع يشعرون بصعوبة – إن لم يكن استحالة– في إيجاد التوازن بين الارتباط والوجود المستقل وهو ما أشارت إليه جيسيكا بنجامين (1988 Benjamin) بالعلاقة الجدلية ما بين التأكيد على الثقة في النفس والحاجة إلى الشعور بالتقدير. المواقع الاجتماعية المختلفة تنتج أشكالاً مختلفة من تفكيك ذلك الجدل. ولا يعني ذلك التطابق بين خبرات الأفراد المنتمين إلى ذات المواقع الاجتماعية. وأنا شخصيًا لا أعتقد أن هناك إمكانية تامة للحفاظ على تلك العلاقة الجدلية في ظروف اللامساواة الفجة التي نراها في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنني أعتقد أن حتى أكثرنا تدميرًا وتأثرًا ما زالوا يمتلكون بعضًا من القدرة على المشاركة والتوق إلى الشعور بالتقدير اللذين تصفهما جيسيكا بنجامين. إن ذلك هو ما نعتمد عليه في عملنا الإكلينيكي والذي يمكننا من الخوض في الصراع الطويل والمؤلم من أجل الشفاء (Layton 2004a). الأمر الأقل وضوحًا بالنسبة لي هو ما إذا كانت علاجاتنا تبقى جزئية، مستهدفة التأقلم والتكيف أكثر منها “جذرية” إن صح التعبير، بمعنى أن تؤدي، بطريقة أو أخرى، إلى إدراك لتلك التمايزات الشديدة.
قبل أن أنتقل إلى الحالة الإكلينيكية التي أرغب في تصويرها لكي أوضح مقاربتي، اسمحوا لي أن أقدم مزيدًا من الشرح للأسباب التي دعتني إلى الربط ما بين أفكار جيسيكا بنجامين عن الفروق المرتبطة بالجندر في علاقتها بالهيمنة من جانب وما بين بنية الشخصية النرجسية من جانب آخر. في عام 1990 نشرت مقالاً استند إلى بحث دراستي العليا، أشتبك فيه مع طرح كوهوت عن مسارين منفصلين للتطور والنمو: مسار موضوع الحب ومسار النرجسية. وقد خلصت إلى أن كوهوت قد أخطأ حين أضفى على الطبيعة البشرية صفة هي في واقع الأمر نتيجة للرأسمالية الأبوية. وقد أوضحت أن ظهور الاستقلالية كأمر منفصل عن القدرة على الارتباط هو نتيجة لنظام تتسم فيه الاستقلالية بالمنطق الذرائعي، نظام يتميز بتجنيب الاحتياج للارتباط بالآخرين وكذلك أي حس بالسياق الاجتماعي، وهو أيضًا نظام تعرف فيه القدرة على الارتباط بالآخرين من خلال استبعاد القدرة على الانفصال وتحديد المسار الخاص بكل فرد فيه. كذلك، فقد رأيت أن صفتي الذكورة والأنوثة قد ألصقتنا بكل من القدرتين على التوالي (وهو ما وصفته جيسيكا بنجامين في عام ١٩٨٨ بالاستقطاب الجندري). وبصفتي ممارسة إكلينيكية، فإنني كثيرًا ما أفاجأ بمدى تأثر تلك العمليات العرفية اللاشعورية التي تدفع بعملائي إلى تبني نفس الافتراضات التي تبناها كوهوت. حيث أن كثيرين من عملائي تأذوا نرجسيًا بالإسقاطات المتحيزة جنسيًا (sexist) لدرجة أنهم يدركون الاستقلالية والارتباطية كمسارين منفصلين للنمو. وبالتالي فان إحدى الطرق التي يمكن بها للإكلينيكيين أن يواجهوا البينية النفسية التي تستند إليها الرأسمالية الأبوية هو من خلال العمل من أجل تفكيك تلك الثنائيات المفروضة ثقافيًا.
الحالة التالية، والتي تبحث في الاستقلالية الدفاعية لدى نساء الطبقة الوسطى البيض، تتناول ظاهرة إكلينيكية أخلاقية خاصة، وأعتقد أنها توضح طبيعة الارتباط فيما بين الجندر والعرق والطبقة والجنسانية من ناحية وارتباطها كلها باللحظة التاريخية التي نعيشها. فحتى نهاية الستينات كان الشكل اللائق لنساء الطبقة الوسطى البيضاء، ذوات الجنسية الغيرية هو أن يكن متعلمات ومع ذلك أن يخططن للزواج من رجل قادر على الإنفاق عليهن. كان المتوقع من أبناء الطبقة الوسطى أن يلتحقوا بالجامعة، مما يعني أن كل من الأهل والأبناء على السواء كان عليهم أن يستعدوا للانفصال حين يصل الأبناء إلى سن السابعة عشر. وما زال هذا الأمر حقيقيًا حتى اليوم وإنني لأعتقد أن الكثير من الموضوعات النفسية التي يعالجها الإكلينيكيون هي نتيجة لذلك الضغط الشديد على أبناء كل الطبقات أن يصبحوا مستقلين في سن مبكرة وأن يتركوا منزل الأسرة عند سن السابعة عشر (انظر/ي:.(Erikson 1950, Hoffman 1989 إن ذلك الضغط المتزايد من أجل الاستقلال عن مصدر الرعاية ينبع جزئيًا من توقعات الأسرة التي يعمل فيها كل من الأم والأب من أطفالهما وهي بنية أسرية تتميز بقدر قليل من أشكال الدعم الاجتماعي التي قد تعوض الأبناء عن فقدان الرعاية الأسرية. كما ينبع هذا الضغط جزئيًا أيضًا من الحركة النسوية التي بدأت بحلول السبعينات في تغيير الأسلوب المناسب للحياة بالنسبة لنساء الطبقة الوسطى، البيض ذوات الهوية الجنسية الغيرية. فالمفترض في المرأة المتحررة أن تكون قادرة على الارتباط والرعاية كما هي العادة، لكن أضيف إلى ذلك وجوب أن يكون لها مستقبل مهني – ليس مجرد وظيفة، وإنما مستقبل مهني. من المؤسف أن المشروع النسوي الذي هيمن في ذلك الوقت لم يكن مشروعًا يطالب بالتغيير في بنية العمل ورعاية الأطفال والرأسمالية الاستهلاكية، وإنما كان نموذجًا “مقيدًا ومحدودًا” (1989 Machung& (Hochschild من خلال تركيزه الضيق على مساواة النساء فيما يخص المستقبل المهني. وحيث أن الظروف الأسرية وظروف العمل لم تشهد سوى قليل من التغيرات، فقد أصبح على البنية النفسية لنساء الطبقة الوسطى أن تتحمل عبء التغيير وضغوطه. لكي يتمكن من الانخراط في عالم الرجال كان على النساء أن تصبحن قادرات على تبني النموذج الذكوري للاستقلال والذي تتناقض احتياجاته النفسية بشكل شديد مع احتياجات ما سمي الأنثى الساعية إلى الارتباط (الارتباطية) (للإطلاع على نظرة كوميدية–تراجيدية لذلك الصراع، انظر رواية أليسون بيرسون الصادرة في عام ۲۰۰۲ بعنوان: لا أدري كيف تفعل هي ذلك(Allison Pearson 2002 ).
كانت أول مرة أدرك فيها أن المرأة الارتباطية تتراجع لحساب بنية نفسية أنثوية تتميز بالاستقلالية الدفاعية حين كنت أدرس حلقة دراسية في جامعة هارفارد في مجال الدراسات النسوية تتناول الجندر والتحليل النفسي في عام ١٩٩٨. لقد كنت أدرس تلك الحلقة الدراسية لعدد من السنوات وفي عام ١٩٩٨ قمت بتدريسها كما كنت أفعل من قبل. بدأت بفرويد وتناولت بعض المراجعات الكلاسيكية المعاصرة ثم ركزت على نانسي تشودورو، التي كان طلابي يشعرون بالألفة مع نظريتها عن الفروق بين البنية النفسية الذكورية والأنثوية. ثم انتقلت من ذلك إلى تدريس بعض المراجعات للتطور الذكوري، خاصة تلك المقالات التي تحاول أن تبحث في التعقيد والألم المصاحب للاستقلالية الدفاعية لدى الرجال. في ذلك الفصل في عام ١٩٩٨ كنت قد وصلت إلى تلك المقالات الأخيرة عن الاستقلالية الدفاعية لدى الرجال حين رفعت إحدى النساء في الفصل يدها وقالت أن الوصف الوارد في تلك المقالات هو أول ما شعرت بالتماهي معه طوال الفصل الدراسي. وقد انضم عدد من النساء مؤيدات لنفس المشاعر. لم تشعر هؤلاء النساء بالألفة مع نموذج المرأة الارتباطية، الخاضعة وغير المستقلة التي تصورها كل من نانسي تشودورو ونانسي بنجامين. وجدير بالذكر أن طالباتي كن في أغلبهن نساء بيض وسود من الطبقة الوسطى، بارزات بمعيار الإنجاز، وهن النساء اللاتي سوف يحصدن مزايا تحرر النساء. لو صدقنا ما قالته هؤلاء النساء فمن المحتمل أن يكون أحد النتائج النفسية لعملية تحرر النساء هو بنية نفسية أنثوية ملائمة للعمل في بيئة العمل الذكورية، تلك البنية التي تستند إلى الاستقلالية الدفاعية.
مارثا التي تبلغ من العمر 35 عامًا تجسد هذا الاتجاه الحديث عمليًا. كما هو الحال بالنسبة للرجال (Kaftal 1991) فإن الاستقلالية الدفاعية تنكر على نفسها الانغماس في العلاقات وتدافع عن نفسها في مواجهة الرعاية والمشاعر الاعتمادية. مارثا امرأة ناجحة بقدر لا بأس به في مسارها المهني القانوني لكنها تعاني من صعوبات بالغة في الدخول في علاقات حب. وعلى حين أنها تتوق إلى الحب إلا أنها سريعًا ما تشعر بأن احتياج الطرف الآخر للحب والرعاية هو أمر تطفلي ولزج ومعوق لتقدمها المهني. خيالها الرومانسي يدور حول لقاء رجل متقدم عنها في نفس مجالها المهني وبالتالي قادر على تيسير طموحاتها المهنية. قد يكون أفضل ما يكشف عن ألم إدراكها للحب والإنجاز كمسارين منفصلين للنمو هو ذلك الخيال الذي يراودها حول التخلي عن ممارسة القانون من أجل إدارة فندق يوفر المبيت ووجبة الصباح. وتؤكد مارثا، أن مستقبلاً كهذا هو وحده القادر على أن يوفر لها فرصة الدمج ما بين احتياجها الواعي للإنجاز مع رغباتها الشديدة في عمل علاقة، وهي رغبات بدأت للتو تعي بوجودها. لعديد من الأسباب أضفت مارثا على ميولها الاستقلالية صفة الذكورة؛ أما هويتها الجندرية فهي مصدر عذاب آخر بالنسبة لها وكذلك هويتها الطبقية والعرقية. نتيجة لنشأتها ضمن أفراد الطبقة الوسطى في أسرة تصفها مارثا بأنها فقيرة عاطفيًا، فإنها تنجذب إلى الرجال من الطبقات والأعراق الأخرى. وعلى حين يكون هؤلاء الرجال قادرين على تقديم الرعاية والاهتمام إلا أنهم يجذبونها إلى أسفل نتيجة لافتقادهم الطموح ورغبتهم في ألا تعمل بهذا القدر الكبير. كما أنها تشعر بالانجذاب نحو تلك النساء المثليات التي تتصورهن في خيالها قادرات على الرعاية والنجاح في مستقبلهن المهني. لكن الأمر يصبح معقدًا حيث أنها في كثير من الأحيان التي تشعر فيها بأنها ليست أنثى وغير ناجحة مع الرجال تتساءل عما إذا كانت مثلية الجنسية، مما يوضح كيف تعمل العمليات اللاشعورية العرفية إلى الترادف ما بين الأنوثة والجنسية الغيرية. حين كانت مارثا تعمل جاهدة لكي تفسح مكانًا للرجل الذي كانت تواعده في حياتها، وهو رجل من طبقة اجتماعية أدني، أنهت إحدى الجلسات في أحد الأيام بأن قالت لي: “هذا حذاء جميل.” وحيث أنني كنت أرتدي نفس الحذاء طوال الصيف فقد رأيت دلالة في كونها لم تلاحظه من قبل. وحيث أنني كنت على علم بصراعاتها، وأدرك بعض مضمون خیالاتها التي كانت بدأت تعبر عنها بشأن طبيعة حياتي، فقد استنتجت أنها كانت تحدد موقعها في علاقتها بي فيما يخص الأنوثة والطبقة. بعد ذلك بأيام سألتني عما إذا كنت متزوجة. حين بحثت في محتوى خيالها قالت لي أنها تعتقد أنني مثلية الجنسية، أعيش مع شريكتي وطفل. عند هذه النقطة اعترفت لي بأنها بدأت علاقة مع صديق في نفس الوقت الذي كانت تتخذ فيه خطوات مترددة لاستكشاف رغباتها المثلية. يبدو أن مارثا تريدني أن أكون أنثى مثلية أنثوية تجمع ما بين النجاح في مهنتها والقدرة على تقديم الرعاية وذلك رغم أن تشككها في إمكانية التوفيق بين الإنجاز والرعاية كثيرًا ما يبرز في أوهام بأنني أشعر بأن مرضاي يمثلون عبئًا علي.
في لحظات مختلفة من الطرح يفترض فيّ أن أمسك بكل إسقاطاتها المنقسمة وإلا فسوف أنجرف إلى الميل العرفي اللاشعوري للحفاظ على تلك الانقسامات. إن جزءًا من عملنا يتعلق بفك الاشتباك ما بين ثنائيات الغيري/المثلي، الذكوري/الأنثوي، الأبيض/غير الأبيض، الطبقة العليا/الطبقة العاملة، وثيقة الصلة بما تشعر بأنها قادرة أو غير قادرة على عمله، من تستطيع ومن لا تستطيع أن تحبه، وطبيعة الحب الذي تقدر على الشعور به.
ما هو المنشأ الارتباطي والاجتماعي التاريخي الذي أنتج تلك الانقسامات والصراعات داخل مارثا؟ لقد كانت والدة مارثا، وهي بطلة في لعبة التنس قبل زواجها، أمًا لخمسة أطفال في نفس الفترة التي شهدت ظهور النسوية على مسرح الأحداث في نهاية الستينات وبداية السبعينات. اتساقًا مع أعراف الطبقة الوسطى البيضاء غيرية الجنسية السائدة وقتها أصبحت والدتها ربة منزل متفرغة وراعية للأطفال، على حين انتهج الأب، المسيطر وكثير الاحتياجات، مسارًا مهنيًا. لقد عانت الأم صعوبات شديدة لكي تلبي احتياجات الأمومة وفي نفس الوقت تحتفظ بحيوية هويتها المهنية. تتذكر مارثا مجموعة أصدقاء والدتها من النسويات –وهن في أغلبهن نساء ذوات طموحات مهنية لكنهن أصبحن ربات بيوت متزوجات من رجال مهنيين– تذكرهن جالسات في الغرفة الصغيرة ينتقدن الرجال والهيمنة الذكورية.
يبدو أن والدة مارثا كانت تعاني من اكتئاب في فترة الطفولة المبكرة لمارثا، وأنها لم تكن، حسبما يقول إخوتها، قادرة على توفير الرعاية الجيدة. تتذكر مارثا أن الرعاية التي كانت تحصل عليها من أمها كانت تأتي دائمًا بعد أي شجار يحدث بين مارثا ووالدها، وكان موضوع الشجار في الأغلب يدور حول سلوكه المتحكم. من المثير للاهتمام أن تلك الأم، التي كانت في بعض المواقف شديدة النسوية، لم تواجه أباها أبدًا مواجهة مباشرة وإنما كانت تخضع بسلبية شديدة لهيمنته، على حين تترك مارثا لتتلقى غضبه. وكان الأب كثيرًا ما يصيبه الشحوب ويبدو وكأنه مصعوق أثناء شجاره الغاضب مع مارثا، وقد كان لذلك أثره عليها حيث تركها تشعر بأنها قبيحة وغير أنثوية وأن ثقتها في نفسها تجلب الأذى. وكانت الأم تهدئ من روع مارثا بعد كل شجار وتقول لها بأنها على حق.
شعرت مارثا أن كلاً من الأب والأم يثبطان من عزيمة الأبناء في تكوين علاقات حب غيرية. فقد خلطت الأم نسويتها بغضبها نحو زوجها وذلك من خلال تحذيرها المتكرر لمارثا بأن تحرص على ألا تجعل نفسها أبدًا تعتمد على أي رجل، أي “لا تكوني مثلي“، وهي نصيحة نادرًا ما تكون ناجحة. أما الأب، والذي كانت أسرته تعيش في الخارج وقطعت كل اتصال معه بسبب خلاف حول المال، فقد احتاج إلى أن تبقى عائلته النووية الجديدة قريبة منه. لقد كان يثبط من عزيمة أبنائه في عمل أي علاقات خارج نطاق الأسرة وكان كثيرًا ما يفصح عن انتقاده لأصدقاء أبنائه وأحبائهم. الأم والأب كلاهما لم يظهر سوى القليل من الاهتمام بحفلات زواج الأبناء، كما كانا بشكل عام ناقدين لاختيار الأبناء أن ينجبوا؛ فقد كانا قلقين من تعارض العلاقات مع بناء المستقبل المهني. واقع الأمر أن أمها لم تكن لتهتم كثيرًا بأمور الأمومة والمنزل وكانت كثيرًا ما تقول إن هذه الأمور تجعل الإنسان مملاً. وكانت تميل إلى اعتبار الاستقلالية مرادفة للتطور المهني. وبالتالي، وعلى حين كانت أمها تشعر بالعدائية تجاه التطرف الذكوري إلا أنها كان لديها أسلوبها الخاص في الحط من قدر الدور الرعوي والأدوار التقليدية الأخرى التي اعتبرت جزءًا من عمل النساء.
تاریخ مارثا حتى تلك النقطة يطرح بعض الاحتمالات التي تفسر موقفها من مرادفة المستقبل المهني والاستقلالية مع التحرر من العلاقات. لكن قصة مارثا تحمل ما هو أكثر من ذلك. من خبرتي، وهو ما ينطبق بشكل خاص على عملي مع مارثا، أعتقد أن الثنائية الثقافية بين الارتباط والاستقلالية تؤثر على جودة الأداء على كل من القطبين. قد يكون ما تغفله التحليلات المختلفة لمسألة الاستقلالية الدفاعية هو أن هذا النوع من الاستقلالية لا يمارس على حساب العلاقات الخاصة فحسب، وإنما هو أيضًا نوع من الاستقلالية غير مستقل تمامًا، وهو بالقطع ليس ذلك الاستقلال الذي نادت به مدرسة فرانكفورت. فمارثا تعيش صراعًا إزاء الاستقلالية مثل ذلك الذي تعيشه إزاء الرعائية، قد يكون ذلك أكثر تمييزًا للشكل الأنثوي للاستقلالية الدفاعية مقارنة بالشكل الذكوري، كما قد يكون ذلك الانقسام هو نفسه ما يجعل الاضطراب في كلا المجالين أمرًا حتميًا. في حالة مارثا، يوجد عنصر جندري قوي في هذا الصراع. فأحد التناقضات الكثيرة التي تجد نفسها فيها تنبع من كون والدها يبدو وكأنه يحمل مشاعر سلبية نحو النساء المستقلات المستهدفات مستقبلاً مهنيًا، وذلك رغم تشجيعه للطموحات التي تستهدف ذلك المستقبل المهني. ولكي تحظى بحب والدها شعرت مارثا بأن استقلاليتها يجب أن تكون ذكورية الطابع.
كيف يعبر هذا الخلل في استقلالها عن نفسه؟ بداية، على الرغم من قلقها من أن يؤدي الوقت الذي تمضيه في العلاج ومع صديقها إلى تعطيلها، إلا أنها كثيرًا ما تتوقع مني ومن صديقها أن ننظم لها حياتها: فعليه أن يساعدها على الاستيقاظ في الوقت المناسب وعليّ أنا أن أرشدها لما عليها أن تفعله. ثانيًا، هناك مصاعبها مع الرعائية والتي تؤدي إلى بعض القيود على حريتها، الأمر الذي تخافه بشدة. فعلى سبيل المثال، تنسى مارثا أن تخبر صديقها بأنها مرتبطة باجتماع متأخر أو تنسى أن تتصل بي لتلغي أحد مواعيدنا. وإذا تفاعلنا مع ذلك بسؤال قلق أو يائس: “أين كنت؟” تشعر بأنها ملاحقة ومثقلة. جزء كبير من العلاج كان يحاول التعامل مع مسألة تأخرها المتكرر وعدم التزامها بمواعيد الجلسات والذي كانت تبرره في أغلب الأوقات بتعارضها مع احتياجات العمل. إنها تتوقع مني أن أكون نقدية وبالتالي غير داعمة لجهودها المستقلة؛ إنها تطلب الإذن لتوجيه كل طاقتها للعمل (بما يحمله ذلك من إغراء لي بأن أصبح مثل والديها). ما لا تدركه مارثا بالقدر الكافي هو فزعها من أن تصبح معتمدة علي والطريقة التي تحرم بها نفسها من رعايتي.
فيما يلي مثال نموذجي للأسلوب المركب الذي يتفاعل به صراعها بين الرعائية والاستقلالية. وكانت إحدى الجلسات معها تدور حول الموضوع المؤلم بشدة والخاص بعدم القدرة على توقع أداء المقدمين للرعاية. حتما سوف تتغيب مارثا عن الجلسة التالية لكنها تفعل ذلك بأكثر الطرق إثارة للاهتمام – فهي تكون على وشك أن تأتي إلى الموعد لكنها تقوم بسكب القهوة على أوراق سوف تحتاجها في موعد لاحق لجلستنا، وبالتالي يصبح عليها أن تتغيب عن الجلسة لتعيد كتابة الأوراق. أو أنها قد تنوي الاستيقاظ في الخامسة والنصف صباحًا لإنجاز عملها، فلا تنتبه إلى رنين المنبه، فتستيقظ في السابعة والنصف وتلغي موعد الثامنة لكي تكون جاهزة لاجتماع التاسعة والنصف. إنها تستخدم أولويات مستقبلها المهني كآلية دفاعية لتخفي الصعوبات التي تشعر بها في الحفاظ على علاقة وثيقة معي. الأمر العبثي هنا هو أن ما يعطلها ليس الوقت الذي تمضيه في العلاج، كما تعتقد هي، وإنما الطاقة النفسية التي تبذلها في مواجهة أن تصل إلى هناك، مما يجعل تصرفاتها غير قابلة للتنبؤ بها، سواء كشريكة في عملية العلاج أو حتى في علاقاتها بعملائها، الذين كثيرًا ما تذهب إلى مواعيدهم متأخرة وكثيرًا ما يجدون سلوكها غير متوقعًا. فعلي حين تعيش مارثا حياتيها المستقلة والارتباطية كثنائية عدائية إحداهما ضد الأخرى، إلا أن حقيقة الأمر هي أن نشاطها المستقل مشروط ومعطل بسبب صراعها إزاء الارتباطية.
كذلك تعبر مشاكلها مع الاستقلال عن نفسها في شكل اختلاط معرفي – فهي سهلة الإقناع بأن تناولها للأمور خاطئ تمامًا. الشجار التالي مع والدها يوضح مثالاً لما يحدث: إنها تخبر والدها ان غضب صديقها من كم الوقت الذي تمضيه في العمل أحيانًا ما يشعرها بالتطفل والتهديد لرغبتها في أن تكون مستقلة. وفي محاول لتصحيح مارثا، يرد الأب قائلاً بأنها هي الشخص الغاضب. في البداية تغضب مارثا وتأمل في أن تقوم الأم، المتواجدة معهما في حجرة الجلوس، بالدفاع عنها. لكن الأم، مثلما كان الحال في مرحلة الطفولة، لا تقول شيئًا. ثم تنسى مارثا الأمر إلى أن تعود إلى منزلها فتجد نفسها غاضبة بعض الشيء. في الجلسة التالية تتحدث مارثا عن الأمر وتصبح شديدة الغضب وكأنها تطلب مني ومن أصدقائها الإذن لكي تغضب. لكن ما من رد فعل يصدر عني أو عن آخرين قادر على تخفيف غضبها. إنها تتصل بأحد إخوتها الذي يقول لها أن والدهم طالما كان دائمًا يشعر بالتهديد إزاء النساء المهنيات. وتعجز مارثا عن التعامل مع ذلك التصريح تمامًا. فقد ضحت بحياتها الارتباطية كي تكرس نفسها لمستقبلها المهني، وهو ما كانت دائمًا تتصور أنه يعبر عن رغبة والديها. ومن ثم يصبح الاضطراب العاطفي على درجة من الشدة حتى أنها سريعًا ما تتساءل عما إذا كان والدها على حق – من هو الضحية ومن هو الجاني ي هذا الصراع وفي علاقتها بصديقها؟ هل يؤدي استقلالها إلى إيذاء الآخرين؟ وبقدر ما يزداد غضبها بقدر ما يزداد اضطراب تفكيرها وتنخفض قدرتها على العمل. الأمر الخفي في هذا الحدث، وما استدعاه من تكرار لما كان يحدث في فترة الطفولة، هو تشكك الأب في كونها قادرة على فهم نفسها وفهم علاقاتها أكثر منه. فالتفكير المستقل هو علامة على عدم الولاء للأب. أضف إلى ذلك أن هذا المقطع الخاص من التفكير المستقل جاء نتيجة عملها معي، أنا الشخص الغريب عن الأسرة. لكي تكون مطيعة للأب يحتاج الأمر منها في بعض الأحوال إلى وأد قدرتها على التفكير المستقل وعلى عقد علاقات خارجية. فإن لم تفعل، فإنها بذلك تقتله هو وتصبح مدمرة وغير محبوبة. ولكي تبقى ابنة طيبة مع أمها يجب أن تكون امرأة مستقلة، تواجه الأب المتعصب، على عكس ما تفعله الأم. لكن الأمر يتضمن أيضًا رفضًا للمهام التي اعتبرتها الأم وثيقة الصلة بخصائص المرأة عديمة الحيلة، ألا وهي المهام الرعائية.
في كتابها روابط الحب (The Bonds of Love) تقول جيسيكا بنجامين أنه طالما أن ثقافتنا تمنح الرجال فقط منزلة الوكيل والفاعل فإن البنات يحتجن إلى القدرة على التوحد مع الآباء لكي يصبحن فاعلات بدلاً من موضوعات للرغبة. وفي تحليلها للجندر كبنية متممة ومستقطبة ومنقسمة نابعة من ثقافة منحازة جنسيًا، تنبأت جيسيكا بنجامين بإمكانية تبادل المواقع بين الذكورية والأنثوية، كما هو الحال في كل ما هو متمم، مع دخل النساء إلى المجال العام، على سبيل المثال. فمن الممكن أن نتوقع أن تتبنى النساء الموقف الذكوري فيما يخص الاستقلالية الدفاعية (Benjamin 1988, 83). إن مارثا هي واحدة من نماذج كثيرة أستطيع أن أذكرهن لنساء، غيريات الجنسية، من الطبقة الوسطى أو الشرائح العليا من الطبقة الوسطى البيضاء، اعتمدن تلك البنية النفسية. وكما تشير حالة مارثا، يبدو أن شروط التطور في هذا الاتجاه تستدعي توحدًا مع الاستقلال الدفاعي للأب وإنكار كل ما يعتبر أنثويًا.
إنني لا أقصد أن أقول إن التعصب الجنسي هو المصدر الوحيد لمشكلات مارثا، لكنني أعتقد أن حالتها تبين بشكل جيد كيف أن الأسرة تنقل تراتبية خاصة بالتعصب الجنسي وأخرى ثقافية تضفي على الاحتياجات الإنسانية كالاعتمادية والاستقلالية صفات القطبية والانقسامية وأخرى مرتبطة بالجندر والطبقة. لقد كانت الاستقلالية الدفاعية هي مخرجها التلقائي من الصراعات التي نقلت إليها، لكنني أدعي أن هناك عنصرًا ما يخص تلك الصراعات ومصدرها وسبل حلها، وإن ذلك العنصر ليس فرديًا وحسب وإنما جمعيًا أيضًا. في واقع الأمر هناك مجموعة من البرامج التليفزيونية الحديثة وذات الشعبية الواسعة مثل “عبور الأردن“(Crossing Jordan) و“العميلة الخفية“(Alias) و“تحريات موقع الجريمة“CSI: Crime Scene Investigation) ( التي تصور النساء اللاتي يعملن طوال الوقت كنساء غير قادرات على الالتزام نحو العلاقات الشخصية. غالبية هؤلاء النساء يتوحدن مع الاستقلالية الدفاعية لأبائهن، وتقتصر علاقاتهن الحميمة على آبائهن (الذين يشاركونهن المسار المهني في أغلب الأحوال)، كما أن أغلبهن قد نبذن الاعتمادية والأدوار الرعائية في حياتهن (Layton 2004b).
وفي النهاية أتقدم ببعض الأفكار الإضافية بشأن ما هو نفسي وما هو اجتماعي، وأدين بها لمحاولة إريكسون(Erikson 1950) التأمل في كليهما. في تحليله “للأمومية” فوجي إريكسون بآراء كل هؤلاء الخبراء الذين قالوا إن الأمهات يمثلن الخطر الأكبر على صحة أبنائهن – حيث قامت الأدبيات المهنية والشعبية بإدانة الأم المفرطة في حمايتها لأبنائها، والأم الباردة أو الرافضة لهم، والأم الفصامية التي ترسل لهم رسائل متناقضة. أما السبيل الذي انتهجه إريكسون فقد كان ذلك الخاص بالممارس الإكلينيكي: فلنعتبر السلوك المؤذي آلية دفاعية في مواجهة شعور عميق بالضعف، ولنحاول فهم ما تعرضت له هؤلاء الأمهات مما جعلهن رافضات أو باردات أو مفرطات في الحماية. وقد افترض إريكسون أن النفسية الأمريكية تتميز باستقطابية حازمة، خاصة فيما يتعلق بالفصل ما بين الذهنية الرائدة والذهنية المتراخية، ومن ثم فقد بحث في المهام المستحيلة والمتناقشة التي تواجهها المرأة الأمريكية كزوجة وأم، ومنها على سبيل المثال: إعداد طفلها لأن يصبح مغامرًا وأن يعيش بعيدًا عنها وفي نفس الوقت إمداده بالقرب والحميمية التي يعتقد الخبراء أنها أمر جوهري للنمو الصحيح. نموذج إريكسون يقترح أن ننظر فيما تتطلبه الرأسمالية والمظاهر الأخرى لانعدام المساواة الاجتماعية في أي فئة من السكان لكي نتمكن من فهم ما يترتب على ذلك من نتائج نفسية. ما الذي يجب على الوالدين عمله لتربية أبناء قادرين على تلبية متطلبات قوى عاملة متحركة؟ أو أبناء قادرين على تلبية متطلبات بيئة عمل شديدة التنافسية؟ من الذي يستطيع أن يلبي احتياجات تنبع من واقع يقول أن الأعمال ذات المكانة الأعلى هي التي تحظى بأعلى الأجور وإن القليل فقط من أعمال الرعاية أو الأعمال الخدمية أو الفنية هي التي تحظى بأجور جيدة؟ من الذي يجب عليه ألا يغذي الروابط العميقة التي قد تجعل المنافسة أمرًا مرهقًا من الناحية النفسية؟ من الذي لا يجب عليه أن يشعر بالارتباط بالجنس البشري بحيث لا يؤرقه ما يحدث لشعوب وموارد العالم الثالث؟ من الذي يجب عليه أن يستهلك ومن ثم يجب عليه أن يمتلك أحدث وأدق الأشياء ليشعر بأنه كفء ومندمج مع المجتمع؟ من الذي يجب عليه أن يكون قادرًا على أداء وإتقان المهام المتعددة؟ من، من بين النساء، يجب عليها أن تتميز بالجاذبية؟ من، في حال عمل الوالدين خارج المنزل، يجب عليه أن يكون قادرًا على رعاية نفسه في سن مبكرة جدًا؟ هل من المستغرب أن نرى بين البارزين اجتماعيًا العديد من حالات اضطرابات الانفصال؟ أو حالات اضطرابات الطعام؟ أو اضطرابات نقص الانتباه التي تميز غير القادرين على إنجاز أكثر من مهمة في نفس الوقت، أو بين الأطفال، الذين قد يكون ذلك هو رد فعلهم لعدم حصولهم على الاهتمام الكافي؟ كم من البشر يناظرهم الإكلينيكيون ممن يعيشون صراعًا لأنهم أرادوا في حقيقة الأمر أن يصبحوا فنانين لكنهم تلبسوا قلق والديهم بشأن مستقبل الفقر الذي ينتظر الفنانين؟ كم من البشر يناظرهم الإكلينيكيون ممن يجلدون أنفسهم لأنهم غير ناجحين؟ كم من البشر يناظرهم الإكلينيكيون ممن يشعرون أنهم غير أكفاء بحيث تكون الطريقة الوحيدة لإسكات صوت التوبيخ الصادر من داخل أذهانهم هو أن يحرصوا على اقتناء أفضل سيارة أو أفضل ملابس أو كل ما يستدعيه الأمر لكي يشعروا بأنهم فوق أي توبيخ محتمل يأتيهم من الخارج؟ وكم من البشر نراهم ممن يرتعدون خوفًا من الهجران في نفس الوقت الذي لا يشعرون فيه أنهم على ما يرام سوى من خلال انفصالهم عن الآخرين؟ هؤلاء الذين يتسبب استقلالهم في عزلة مخيفة ومخدرة في نفس الوقت مما يؤدي إلى إضعاف قدرتهم على التفكير والفعل عند ارتباطهم بالآخرين؟
إن العمل الإكلينيكي ليس بحال من الأحوال مرادفًا للفعل الاجتماعي، لكنني أعتقد أنه يتحدى ويشتبك مع التراتبية الثقافية من خلال الطرق التالية: أولاً، حتى إذا لم تحدد تلك التراتبية لفظيًا أثناء عملية العلاج، إلا أن المريض يستوعب التقسيمات التي تترتب عليها والصفات المرتبطة بكل من قطبي التقسيم وكيف أن الأحباء والثقافة بشكل عام يضفيان على كل مجموعة من الصفات عنصرًا قيميًا. ثانيًا، إن ذلك العلاج يساعد المريض على التعرف على ما تم كبته وإنكاره وكيف أن الأمور المكبوتة تستمر في ملازمة وتشكيل الأمور التي لم تقمع. ثالثًا، إن ذلك العمل الإكلينيكي هو واحد من الخطابات الثقافية التي لا تشوه ولا تنكر الاعتمادية، بل إنني قد أقول أن الاحتقار الثقافي للاعتمادية يكاد أن يكون هو العرض المركزي لكل من الشكل الذكوري والأنثوي لاضطراب الشخصية النرجسية. أخيرًا، فإن ذلك التفاعل الإكلينيكي يساعد المريض على التقمص العاطفي مع ما تم فصله أو استبعاده أو إسقاطه بدلاً من امتلاكه أو تصحيحه.
مارثا امرأة من الطبقة العليا تشعر أنها فقيرة وتنجذب إلى الفقراء؛ إنها امرأة كثيرًا ما تشعر وكأنها رجل؛ أسلوبها في الاستقلال أسلوب دفاعي وهو أسلوب لم يؤت النجاح الذي كان مفترضًا فيه، لا في حياتها العملية ولا في حياتها العاطفية؛ إنها امرأة غيرية الجنسية ترتعب من رغبتها في النساء. إن هذه الاستقطابات تكشف الطريقة التي تعبر بها اللامساواة الاجتماعية عن نفسها في البيئة النفسية. إن بنية الشخصية النرجسية والأسلوب النرجسي في الارتباط بالآخرين الناجمين عن ذلك يؤديان إلى إضعاف إمكانيات الفاعلية والتشاركية التي قد تهدد الوضع القائم. لقد تناولت هنا واحدة من الآليات المعاصرة التي تؤدي الظروف الاجتماعية من خلالها إلى إزعاج ما كان يمكن، في وضع مثالي، أن يكون خبرة للعلاقة الجدلية بين الفاعلية والتشاركية، اللتين غالبًا ما يعيشهما البشر كمسارين منفصلين ومتنافسين للنمو.
في النهاية أخلص إلى أن هناك سبلاً مختلفة لإحداث الاضطرابات النرجسية وممارستها، وأن ذلك الاختلاف يرتبط بالموقع الاجتماعي للفرد. كما أعتقد أنه من المفيد للناقدين من مدرسة التحليل النفسي الاجتماعي أن يبحثوا في تلك الخصوصيات التفصيلية. إن الدور الجزئي للتحليل النفسي والعلاج النفسي هو أن يعيدا إلى السياق ما تم استبعاده منه أو ما وضع في سياقه وإن بشكل ضعيف أو خاطئ. وأعتقد أنه لا يمكن إثراء عملنا سوى بتوسيع تعريفنا لهذا السياق بحيث يتضمن الآثار النفسية لأشكال اللامساواة الاجتماعية التي تتخلل كافة أوجه هوياتنا وعلاقاتنا.
*Lynne Layton, “Relational No More: Defensive Autonomy in Middle-Class Women”, The Annual of Psychoanalysis: Psychoanalysis and Women, ed. Jerome A. Winer, James William Anderson, and Christine C. Kieffer, Vol. XXXII, 29-42.
Adorno, T., Frenkel-Brunswik, E. Levinson, D. and Sanford, R.N. (1950). The Authoritarian Personality. New York: Harper.
Althousser, L. (1971). Ideology and ideological state apparatuses (Notes towards an investigation). Lenin and Philosophy and Other Essays, trans. B. Brewster. New York: Montly Review Press, 127-186.
Benjamin, J. (1988). The Bonds of Love. New York: Pantheon.
Butler, J. (1995). Melancholy Gender-Refused Identification. Psychoanal. Dial., 5:165-180.
Chodorow, N. J. (1978). The Reproduction of Mothering. Berkeley: University of California Press.
Erikson, E.H. (1950). Childhood and Society. New York: W.W. Norton.
Fenichel, O. (1954). The Drive to Amass Wealth. The Collected Papers of Otto Fenichel, Second Series. New York: W.W. Norton, 89-108.
Fromm, E. (1941). Escape from Freedom. New York: Avon……(1955). The Human Implications of Instinctivistic ‘Radicalism’. Dissent, 2:342-349.
…..(1962). Beyond the Chains of Illusion. New York: Simon and Schuster.
…..(1970). The Crisis of Psychoanalysis. New York: Holt, Rinehart, Winston.
Hartoch, A., Herzog, E. and Schachtel E. (1930). Character of German workers and employees in 1929/30. Unpublished manuscript. Hochschild, A.R. & Machung, A. (1989). The Second Shift. New York: Penguin.
Hoffman, E. (1989). Lost in Translation: A Life in a New Language. Penguin.
Horkheimer, M. and Adorno, T. (1944). Dialectic of Enlightenment, New York: Herder and Herder, 1972.
Jacoby, R. (1975). Social Amnesia: A Critique of Conformist Psychology from Adler to Laing. Boston: Beacon Press.
…… (1983). The Repression of Psychoanalysis. New York: Basic Books.
Kaftal, E. (1991). On Intimacy between Men. Psychoanal. Dial., 1:305-328.
Kernberg, O. (1975). Borderline Conditions and Pathological Narcissism. New York: Aronoson.
Kohut, H. (1971). The Analysis of the Self: A Systematic Approach to Psychoanalytic Treatment of Narcissistic Personality Disorders. New York: International Universities Press.
…..(1977). The Restoration of the Self. New York: International Universities Press.
Kovel, J. (1988). The Radical Spirit: Essays on Psychoanalysis and Society. London: Free Associations.
Lasch, C. (1979). The Culture of Narcissism: American Life in an Age of Diminishing Expectations. New York: W. W. Norton.
Layton, L. (1990). A Deconstruction of Kohut’s Concept of the Self. Contemp. Psychoanal., 26: 420-429.
…… (1998). Who’s That Girl? Who’s That Boy? Clinical Practice Meets Postmodern Gender Theory. Hillsdale, NJ: The Analytic Press, 2004.
…..(2000). The Psychopolitics of Bisexuality. Studies Gender & Sexual., 1:41-60.
…… (2002). Cultural Hierarchies, Splitting, and the Heterosexist Unconscious. Bringing the Plague: Toward a Postmodern Psychoanalysis, ed. S. Fairfiled, L. Layton and C. Stack. New York: Other Press, 195-223.
(2004a). A Fork in the Royal Road. On “defining” the Unconscious and its Stakes for Social Theory. Psychoanalysis, Culture & Society, 9:33-51.
Layton, L. (2004b). The New Woman of Prime-Time. Studies Gender & Sexual., 5:351-369.
Livesay, J. (1985). Habermas, Narcissism, and Status. Telos, 18: 75-90.
Marcuse, H. (1955). Eros and Civilization: A Philosophical Inquiry into Freud. Boston: Beacon Press.
Mitchell, S.A. (1988). Relational Concepts in Psychoanalysis. Boston: Harvard University Press.
Pearson, A. (2002). I Don’t Know How She Does it: The Life of Kate Reddy, Working Mother. New York: Knopf.
Reich, W. (1929/1934). Dialectical Materialism and Psychoanalysis. Sex-Pol: Essays, 1929-1934, ed. L. Baxandall. New York: Random House, 1972, 1-74.
Seligman, S. (1999). Integrating Kleinian Theory and Intersubjective Infant Research: Observing Projective Identification. Psychoanal. Dial., 9: 129-159.
Sloan, T. (1996). Damaged Life: The Crisis of the Modern Psyche. New York: Routledge.
Stern, D.N. (1985). The Interpersonal World of the Infant. New York: Basic Books.