١٧ مارس ٢٠١٦
“خلف كل رجل عظيم، إمرأة عظيمة، وخلف كل إمرأة عظيمة نفسها”
في أول جزء من سلسلة كلام نسوان، شرحت أحد الأسباب التي تجعل هذه المقولة خاطئة أو كما يقولون (كلام ناس ساي). في الحقيقة النساء العظيمات، كالرجال بنعمون بمساندة من حولهم –رجال أو نساء فالناس كائنات إجتماعية تحتاج للدعم من الأشخاص المقربين. بالنسبة للنسوية، لا يوجد سبب لأن نفكر في المرأة كأكثر أو أقل من الرجل. وهذا يأخذني إلى السبب الثاني الذي يجعل من المقولة خاطئة.
عندما نتحدث عن “النساء العظيمات” بمثل هذه الطريقة، هناك فكر معين خلف هذه المقولة، ويظهر بشكل أوضح في مقولة “الرجل الناجح هو الذي يجمع مالاً أكثر من الذي تستطيع زوجته إنفاقه، والمرأة الناحجة هي التي تستطيع أن تجد مثل هذا الرجل”. العقول التي تتقبل مثل هذه المقولة هي التي تربت على “كلام نسوان” و “زي البنات” حتى تستخدمهم كإهانة، مما يؤدي في النهاية الى الإقتناع بمثل هذه الافكار حتى نصل مرحلة “المرأة مكانها المطبخ”.
المشكلة أن تعريف المرأة العظيمة في حد ذاته لا يرقى للعديد من النسويين، لأننا ولفترة من الزمن كان يتم إقناعنا بأن المرأة العظيمة هي تلك التي تجعل من الرجل عظيماً، تلك التي تجعل من نفسها جذعاً قوياً يستطيع الرجل أن يتكئ عليه. فهي الإبنة الجيدة التي تتحول إلى زوجة جيدة، تعرف الطبخ، تدير شؤؤن المنزل (إذا سمح لها زوجها)، وتستطيع الإيماء برأسها إن أرادت التفاعل، ولديها أيضاً القدرة على الإختفاء في المطبخ عند حضور ضيوف لزوجها، لتعود محملة بالأكل، ثم تعود لتختفى ولا تظهر إلا بعد خروجهم لتنظف ورائهم. وأخيراً لديها ما يكفى من العلم لتربية أبناءها (نقاط إضافية في حال إنجابها للذكور!)
هذه الصورة تعدلت قليلاً في السنين الاخيرة، وبعض النساء أصبح لديهن وظائف، وقد يستطعن الجلوس مع الضيوف بعد تقديم الشاي. ولكن تظل فكرة المرأة العظيمة من تستطيع أن تحقق ما تريد من إنجازات ولكن عليها دائماً أن تكون خلف الرجل؛ سواء زوجها أو والدها. وعندما تقوم المرأة بملاحقة أحلامها، يكون ذلك بمثابة خروج عن المألوف، ومثل هاتي النساء في نظر الكثيرين لا يصلحن للزواج. من هنا أعتقد نشأت فكرة أن المرأة الناجحة ليس خلفها الكثير من الرجال، لأن الرجال “الحقيقيين” لا يتركوا مجال للمرأة للتفوق عليهم؛ تناقض أليس كذلك؟
قبل أن تتهموني بالتناقض يجب أن تفهموا أنه بالرغم من أنني أختلف مع رأي أن المرأة العظيمة خلفها نفسها فقط، أعتقد أنه من المهم أن نعرف من أين نبع مثل هذا الإعتقاد، وقتها يمكننا نفي المقولة أو تأكيدها. تبنت الحركة النسوية المقولة بين أربعينات و سبعينات القرن الماضي. ففي ذلك الوقت كانت الخطة النسوية هي تمكين النساء، وكان العديد من النساء يشعرن أن الرجال لا يستطعون فهم تجربتهم، او حتى التخلص من غرورهم ومساعدة النساء في الحصول على المساواة. ولكنني أعتقد أن الرجال كان لديهم فهم مختلف لمفهوم “المرأة العظيمة”. هذا الفهم المختلف ليس خطأ الرجال وحدهم بل ساهم في إنتشاره كلا الجنسين، فقد حاولوا تغيير مفاهيم عميقة في ذهن المجتمع عن أدوار الرجال و النساء المختلفة،من غير تهيئة المجتمع لهذا التغيير أولاً..
لكني وبكل صدق لا أجد مشكلة في كون المرأة أماً جيدة أو زوجة مساندة، مشكلتني في أن تكون تلك هي الطريقة الوحيدة لتعريف المرأة. وهذه المشكلة ليست حكراً على النساء، الرجال أيضاً يتم الحكم عليهم بناءً على قوتهم البدنية أو دخلهم المادي. في النهاية عندما نسمح ل “كلام الناس” أن يسيطر علينا؛ خصوصاً في المجتمعات الصغيرة المغلقة (وليس المحافظة) فنحن نجعل من هذا الوحش مسيطراً على أفعالنا، ونترك هذه القوانين تحكم حياتنا وتصرفاتنا لكي لا نعيب أسرنا و أهلنا بكلام الناس عنهم.
هنا يصبح على الرجل العمل وإدخار المال، ومن ثم إقتراض المزيد من المال ليستطيع تلبية طلبات عروسه. وذلك يعنى أيضاً أن على أهله البحث والتقصي للتأكد من أن العروس “بت ناس”. ويعنى أيضاً أن على الرجل عدم إظهار مشاعره لكي لا يظهر رقيقاً أو حساس وعلى الرجال عندما يجتمعون أن ينصحوا بعضهم البعض ب “خليك إنتَ المسيطر” و “خلي بالك من المَرَة “. لتصل لمرحلة أن يصبح “كلام رجال” تعني الجدية والأهمية، بالرغم من أن الرجال يتحدثون عن الرياضة، الطعام والنساء، ولكن عندما تتحدث المرأة عن هوايتها أو ما يحدث في حياتها يصبح “كلام نسوان” العبارة التي نستخدمها عند الإشارة للكلام الغير مفيد.
إذن ماذا نفعل؟ كبداية يمكننا التفكير في ما نقوله ونفعله، لنتأكد أننا لا نفرض قيود أو أشكال على الجنسين؛ أولاً لأنها مهينة وثانياً لأن الثأثير يبدأ صغيراً، عبارات مثل “بتضرب زي البت” يمكن أن تكون مقيدة، لأن الفكر ورائها أن الرجال أفضل في كل شئ، عبارات كهذه يمكن أن تحددنا كأفراد. مفهوم أدوار كل جنس يمكن أن يتغيرمن ثقافة لأخرى، ومن جيل لآخر ونظرة المجتمع يمكن أن تتطور بناءً على ما يفيدنا. يمكننا حتماً الحكم بناءً على التجربة وترك الأفكار المسبقة، إن كان بالإمكان أن نتخلى عن مفهوم “كلام الناس”
شارك: