كلمة المترجمة

تاريخ النشر:

2010

كلمة المترجمة

ما أحوجنا ونحن في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة إلى ترسيخ فهم ووعي نظري في ميدان دراسات النوع الاجتماعي. ففي الوقت الذي قطعت فيه المجتمعات الغربية أشواطًا في هذا المجال، لا تزال الإسهامات النظرية العربية تحتاج إلى مزيد من الجهد والاجتهاد. فكثير من الموضوعات المتعلقة بالنساء تجري معالجتها بأسلوب نمطي، فضلاً عن التخلف الشديد الذي يشوب النظرة إلى المرأة وما تشهده مجتمعاتنا حاليًا من ردة في تصور وضع المرأة ودورها. ولذا كانت سعادتي غامرة عندما تم اختياري لترجمة هذه المجموعة المتميزة من المقالات التي يضمها هذا الكتاب بعنوان “نحو دراسة النوع في العلوم السياسية”، ضمن سلسلة من الترجمات النسوية لدراسة النوع في عدد من المجالات المهمة في حياتنا من خلال مجموعة من المقالات حول هذا المجال بعينه أو ذاك. واكتملت سعادتي عندما عرفت أن أ.د. ميرفت حاتم هي التي اختارت مقالات هذا المجلد من السلسلة، وهي التي تتولى مراجعة الترجمة. وفي واقع الأمر، لم يجمعني أي لقاء بميرفت حاتم – حتى كتابة هذه السطور – وإن كنت تعرفت عليها من خلال اختياراتها الممتازة للمقالات، وكذا ملاحظاتها القيمة التي أبدتها على الترجمة. وأشكر لها أنها تحملت بصبر تأخيري في العمل. وعلى الرغم من أن تقديم المترجمة من المفترض أن يتناول رحلتها مع الترجمة ومصاعبها وتحدياتها، وهو ما سوف أتناوله لاحقًا، فإنني أود أن أتوقف قليلاً عند أهمية هذه السلسلة من الكتب وهذا الكتاب تحديدًا، وما أثاره في ذهني من أفكار وتصورات ومقترحات. لا تقتصر أهمية هذا الكتاب على موضوعه، بل تمتد لتشمل كونه جزءًا من سلسلة من الكتب التي يضم كل منها مجموعة من المقالات التي تتناول دراسة النوع في هذا الفرع أو ذاك من فروع المعرفة: السياسة، القانون، ….الخ. ويمكن القول إن هذه السلسلة من الكتب تسهم في الجهود الرامية إلى سد أو تضييق فجوة المعرفة في مجال دراسات النوع الاجتماعي، فالكتابات العربية النظرية في هذا المجال لا تزال محدودة، بينما تتوفر أغلب الإسهامات النظرية بلغات أجنبية. يحمل هذا الكتاب عنوان “نحو دراسة النوع في العلوم السياسية”، وقد قسمته المحررة إلى قسمين أساسيين، أولهما نظري يتناول وجهات النظر النقدية التي تزخر بها العلوم السياسية الأمريكية حول النوع الاجتماعي. وثانيهما تطبيقي يتناول العلوم السياسية في الشرق الأوسط في سياقات وطنية. في ما يتعلق بالجزء الأول، قادتنا المحررة في رحلة بديعة عبر وجهات النظر الأمريكية التي تعرفها جيدًا. وأتاحت لنا بذلك معرفة جوانب عديدة ومهمة في التنظير النسوي بالمجتمع الأمريكي. وفي الجزء الثاني، انتقلت بنا من تركيا والنزعة الكمالية إلى بعض تجارب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذا المجتمعات الإسلامية ودور المساجد في الولايات المتحدة، علاوة على مقال خاص حول فلسطين ودور الذكورة وتغيير مفهومها من خلال النضال الوطني الفلسطيني. والكتاب بمقالاته عبارة عن جرعة دسمة من الرؤى المتبصرة التي أثارت في ذهني تساؤلاً وفضولاً. يدور التساؤل حول فترة ما بعد التسعينيات سواء في ما يتعلق بالنظريات النقدية الأمريكية (القسم الأول)، أو في ما يتعلق ببعض السياقات الوطنية (القسم الثاني)؛ فبعض المقالات يعود تاريخها إلى التسعينيات، وربما حدثت تطورات على الصعيدين النظري والتطبيقي. أما الفضول فيكمن في الرغبة في معرفة النظريات النقدية المماثلة في بقاع أخرى من العالم. وبطبيعة الحال، لا يمكن جمع هذه الموضوعات كلها في كتاب واحد أو حتى كتابين أو أكثر، لكنني أعني بكلامي أن مقالات الكتاب وموضوعاته تشير ضمنًا إلى ضرورة البحث في المستجدات التي شهدتها النظرية النقدية الأمريكية، فضلاً عن دراسة النظريات النقدية الأخرى في هذا المجال. ومن هنا، لا تقتصر أهمية الكتاب على ما يطرحه من أفكار للمعرفة فحسب، وإنما أيضًا في ما يحفزه من رغبة في معرفة المزيد عن بقاع العالم الأخرى حتى تكتمل الصورة. وهي مهمة شاقة، وأتمنى أن تواصل مؤسسة المرأة والذاكرة تبنيها لهذا التوجه الذي كان لها فضل الريادة فيه. أما عن الترجمة، فلم تكن مهمة ترجمة مقالات هذا الكتاب بالمهمة اليسيرة على الإطلاق، لكنها كانت مهمة ممتعة وشاقة في آن واحد. لقد واجهتني صعوبات عديدة. فهناك، من ناحية، صعوبة المصطلح التي ربما يحتاج الحديث عنها إلى دراسة مستقلة. لكنني سأكتفي هنا بإشارة سريعة إلى ترجمة مصطلح gender، حيث أنه يحتل موقع المركز في الدراسات النسوية. وصعوبة الترجمة هنا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعدم وضوح هذا المفهوم حتى الآن في العالم العربي. ولذا تلجأ بعض الكاتبات والمترجمات إلى تعريبه وليس ترجمته: بمعنى استخدام كلمة “جندر” في العربية. وفي رأيي أن أفضل ترجمة للمفهوم حتى الآن هي “النوع الاجتماعي”، ولذا استخدمتها في ترجمتي. لكن هذا الاستخدام يثير صعوبة أخرى تتعلق باشتقاقاته العربية. ولذا، تطلب الأمر أحيانًا وضع المصطلح الأجنبي بلغته الأصلية بين قوسين- وعلى سبيل المثال: إضافة (gender difference) عند استخدام المصطلح العربي “الاختلاف النوعي”. ولا يفوتني في هذا المقام الإشارة إلى أنني استفدت كثيرًا من قوائم المصطلحات التي أعدتها مؤسسة المرأة والذاكرة وأراها خطوة على طريق إعداد معجم للمصطلحات العربية في مجال دراسات النوع الاجتماعي. وقد واجهت صعوبة أخرى أيضًا ناتجة من عدم معرفتي الجيدة بطبيعة المجتمع الأمريكي، وما يترتب على ذلك من فهم المعنى واستيعابه على نحو يتيح نقله بدقة للقارئ العربي. وكان يلح على ذهني سؤال دائم: كيف يمكن نقل المعنى؟ وأعني هنا النقل من ثقافة مجتمع إلى ثقافة مجتمع آخر، ومقالات الكتاب تدور حول عدد من المجتمعات متباينة الثقافة. ولا يسعني في النهاية إلا أن أتمنى أن أكون قد وفقت في هذه المهمة.
شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات