كيان المرأة السوداء وسياسة الرفاه الاجتماعي

تاريخ النشر:

2010

كيان المرأة السوداء وسياسة الرفاه الاجتماعي: تأثير صورتها على صنع السياسة

تقديم المحررة:

اختارت جوليا جوردان زاكري (Julia Jordan-Zachery) هذا المقال لكتابنا. وقد نشر هذا المقال في عام ۲۰۰۱، طارحًا للنقاش استخدام صناع السياسة الأمريكيين لكل من العنصر والنوع الاجتماعي بهدف شن هجوم على النساء الأفروأمريكيات واتهامهن بإساءة استخدام برامج الرفاه الاجتماعي بالولايات المتحدة. لقد تجاهل أغلب هؤلاء الساسة أن التقاطع بين العنصر والنوع الاجتماعي قد أسهم في إنتاج الفقر في هذا القطاع من المجتمع، واختاروا في المقابل إلقاء اللوم على الأفرو – أمريكيين بشكل عام والنساء الأفرو أمريكيات بوجه خاص في ما يتعلق بهذه المشكلة. وبالإضافة إلى استعراض تاريخ سياسات الرفاه في الولايات المتحدة، تفحصت المؤلفة بصورة نقدية التمثيلات السلبية للنساء الأفروأمريكيات، والتي ترجع إلى عصر العبودية، وتستهدف تعزيز رؤى التدني العنصري وبين الجنسين. وقد أسفرت تلك التمثيلات عن مناقشة مشوهة لمشكلات مهمة موجودة بالفعل في ذلك القطاع، مثل الحمل بدون زواج أو في سن المراهقة.

 

كيان المرأة السوداء وسياسة الرفاه الاجتماعي: تأثير صورتها على صنع السياسة

جوليا جوردانزاكري

عند انتقاد نظام الرفاه، غالبًا ما يستهدف الساسة النساء الأفرو أمريكيات سواء صراحة أو ضمنًا. لقد بُني الفقر، على مر السنين، كظاهرة سوداء. وكانت النظرة إلى النساء السود تعتبرهن ناقلات للفقر – وخاصة الفقر الناتج عن عجز الشخصية (Katz, 1989; Lemann 1986 ,Reed 1991)). وعلى سبيل المثال، تهيمن ثقافة الأمومة المنفردة (single motherhood) – الأمومة السوداء – على الخطاب السياسي والاجتماعي حول عيوب دولة الرفاه الاجتماعي. وتمتد جذور صورة الأمومة السوداء (المنفردة) إلى خيال ورمزية كيان المرأة السوداء الذي نما من مؤسسة العبودية. وقد اكتسبت التخيلات المتعلقة بالأمومة السوداء المنفردة شرعيًّا في الخمسينيات والستينيات Moynihan, 1965) ) ثم ازدادت شعبيتها وأصبحت بعد ذلك اتجاهًا سائدًا خلال الثمانينيات Murray, 1984)). وعلى سبيل المثال، اقترح الجمهوريون في مجلس النواب قانون المسؤولية الشخصية” (Personal Responsibility Act) عام 1995، في محاولة منهم لإثبات صحة مقترحات سياساتهم، واستخدموا صراحة الإحصاءات المتعلقة بسلوك السود. وقد أشار القانون إلى زيادة معدلات السلوكيات غير الشرعية بين الأمريكيين / الأمريكيات السود. وعلاوة على ذلك، أكد المرسوم أن تربية الشاب الأسود في ظل عدم وجود أب تؤدي إلى مضاعفة احتمالات انخراطه في أنشطة إجرامية، كما تتضاعف ثلاث مرات إذا عاش في جوار تتركز فيه الأسر ذات الوالد الواحد (Congressional Digest, 1995) “(single parent family). إن هذه العبارة تجعلنا نطرح تساؤلاً حول مدى اقتصار هذه الظاهرة على العنصر الأسود فحسب.

هناك العديد من المكونات للنظرية المتعلقة بثقافة الأمومة (السوداء) المنفردة. وتتمثل المكونات الرئيسية في: الجنسانية المفرطة، والتبعية في مجال الرفاه، والأسرة التي تعولها المرأة. إن هذه النظرية تضع فقر هذه الفئة من الأفراد على قدم المساواة مع جوانب النقص الثقافي للفرد. كما أن النقاش الدائر حول الفقر واستخدام الرفاة تهيمن عليه صور العربدة الجنسية للنساء، والآباء الذين لا يتحملون المسؤولية، والنساء اللاتي يقمن بتربية الأطفال على حساب دافعي الضرائب. إن السياسة التي تنتج من استخدام تلك التصورات المتخيلة تعزز الفلسفة القائلة بضرورة السيطرة على أولئك النساء، لأنهن يعرضن النسيج الاجتماعي للمجتمع إلى تهديد خطير (انظر/ ي:Fineman, 1991)). وتنتشر هذه الفلسفة عبر أنحاء القانون الفيدرالي الجديد للرفاه.
إن الفقر داخل مجتمع السود مبني رمزيًّا حول سلسلة من الصور والأساطير والقوالب النمطية الثقافية، ويجري التعبير عنه من خلال كلمات مُشفرة عنصريًّا. على أن هدف القوالب النمطية لا يتمثل في عكسها أو تمثيلها للواقع، وإنما أداء وظيفة حجب أو إخفاء العلاقات الاجتماعية الموضوعية” Carby, 1987:22)). فالرموز والصور الثقافية تضم قيمًا تخفي توزيع الفوائد المجتمعية والسلع والخدمات إلى مجموعات الأفراد. وبإمكانها إنجاز هذا العمل البطولي لأن المخيلة ترسخ شرعية مزاعم المجموعات بمنحها عدسة يمكن من خلالها فهم الواقع. وهناك بنية رمزية للنساء الأفروأمريكيات اللاتي يجدن أنفسهن معتمداتعلى نظام الرفاه الاجتماعي (وخاصة ما كان في يوم ما معونة الأسر التي تعول أطفالاًوأصبحت الآن المساعدة الانتقالية للأسر المحتاجة“)، تعتبرهن منضمات إلى منظومة قيم غير أمريكية. وعلاوة على ذلك، هناك تعریف رمزي للنساء الأفروأمريكيات المجبرات على الاعتماد على نظام الرفاه، يعتبرهن مسؤولات عن استشراء الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بالمجتمع الأمريكي. وهذه هي الحال بوجه خاص إذا اعتقد المرء أن هؤلاء النساء يتولين تربية اللصوص والمجرمين، وينقلن في تصور البعض قيمهن السلبية إليهم – أي ينقلن ثقافة العنف والفقر. وتتأثر النساء السود من جميع الخلفيات الاجتماعية الاقتصادية بهذه المخيلة. ومع ذلك، تتحمل النساء الأفرو – أمريكيات الفقيرات أغلب التكلفة المقترنة بالأساطير والقوالب النمطية السلبية المُستخدمة في بناء كيان المرأة السوداء.

إن استخدام هذه المخيلة، السلبية غالبًا، حول النساء السود يطرح منطقًا فكريًّا لتبرير السياسات التي تؤيد إخضاع هؤلاء السكان. ونستكشف في هذا المقال تأثير الرموز والأساطير والصور المتعلقة بكيان المرأة السوداء على مقترحات سياسة الرفاه في التسعينيات، وخاصة قانون عام 1996. ولا تستهدف هذه الدراسة تحليل منشأ و/أو معنى الرموز والأساطير المستخدمة في النقاش الخاص بإصلاح نظام الرفاه. بل تركز بالأحرى على كيفية استخدامهم والتلاعب بهم لإنجاز أهداف بعينها. وقد قمت، تحقيقًا لهذه الغاية، بتحليل دور الرموز بوصفها وسيلة لنقل معنى / معان بعينها من خلال دمج قضية مخاوف الجمهور، طموحاتهم، إلخ في القتال حول الموارد العامة النادرة. كما يختبر التحليل كيفية النظر إلى سياسة الرفاه الاجتماعي باعتبارها تناميًا للتلاعب الرمزي الذي تعمل من خلاله الصور والأساطير والقصص – بهدف التأثير على بعض أنواع المشكلات الاجتماعية، والأشخاص أيضًا – لخلق الهويات والواقع. وعندئذ، تُعتبر هذه الهويات والواقع مبررات أخلاقية لأنماط بعينها من ردود الأفعال العامة ومقترحات السياسة.

ويمكن الشعور بتأثير استخدام الصور المشوهة لكيان المرأة السوداء في مجالين رئيسيين: أولاً، يساعد هذا الاستخدام على تقصير الخطاب العام حول الأنصاف والعدالة. ثانيًا، توظيف هذه المخيلة يساعد على وضع أجندة لسياسة الدولة والحكومة القومية. ومن أجل التوصل إلى فهم كامل ووافر حول كيفية إنجاز البنية الرمزية لكيان المرأة السوداء لهذه المهام، علينا أن نضع في الاعتبار عددًا من التساؤلات. أولاً، ماذا يُقال حول المشكلة؟ ثانيًا، كيف يجري البناء الرمزي للمشكلة والسكان المستهدفين؟ وأخيرًا، ما الخطاب المُستخدم لإقناع الجمهور العام؟ وسوف أبدأ بتقييم البناء الرمزي التاريخي للنساء السود في سياق الولايات المتحدة. وبعد ذلك، أحدد كيف يشق هذا البناء طريقه داخل بحوث العلوم الاجتماعية، وبالتالي داخل السياسات العامة في التسعينيات. ويلقي هذا القسم الضوء على النقطة المركزية لهذا المقال: أن طريق بناء المجموعات رمزيًّا يحدد توزيع الموارد. ويهدف هذا المقال إلى توضيح كيف يمكن أن يسفر البناء الرمزي لكيان المرأة السوداء، بل يسفر بالفعل، عن سياسات عامة عقابية، تعوق بدورها خيارات المجتمع الأسود الحياتية ككل.

هناك عدد كبير من الكتب الوافية التي تقدم بالتفصيل تاريخ دولة الرفاه 1 بالولايات المتحدة، وخاصة معونة الأسر التي تعول أطفالاً” (انظر/ ي:(Katz, 1989; Patterson, 1989; Skocpol, 1992, 1995; Trattner 1989). وبالتالي، لن أحاول تقديم تاريخ لبرنامج معونة الأسر التي تعول أطفالاًفي قالب جديد بالتفصيل. بل يكمن هدفي في توفير خلفية وافية حول هذا التاريخ، بحيث تصبح دراستي شاملة وتوضح دلالة التغيرات التي حدثت منذ بداية البرنامج.

إن ما يطلق عليه المساعدة الانتقالية للأسر المحتاجةيعد امتدادًا لما كان يُسمى معونة الأطفال المعالين” (ثم تغير الاسم عام ١٩٦٢ إلى معونة الأسر التي تعول أطفالاً“). لقد نشأ برنامج معونة الأطفال المعالينمن خلال البند الرابع لمرسوم التأمين الاجتماعي لعام 1935. وكان هدف هذا البرنامج يتمثل في تقليص العبء المالي الواقع على كاهل كثير من الأسر الفقيرة. وكان هدفه الأساسي يكمن في السماح للأرامل برعاية أطفالهن. 2ومن حيث الجوهر، قدمت الحكومة الفيدرالية تمويلاً فيدراليًا لتشجيع الأمهات على البقاء بالمنزل وتربية أطفالهن.

لقد صدر قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملفي ٢٢ أغسطس 1996، وأنهى منظومة الرفاه لأعوام الثلاثينيات. وركز قدر كبير من جهود إصلاح الرفاه على قضية: من المؤهل للحصول على المزايا. لقد مضت أيام برنامج الاستحقاق، وأصبح القانون الجديد يفرض حدًا يبلغ سنتين للحصول على الرفاه الممولة فيدراليًّا خلال أي فترة استحقاق، وحدًا يستمر مدى الحياة للحصول على المزايا. في ظل القانون الجديد، ينزاح من علي كاهل الولايات الشرط الخاص بتقديم المعونة إلى أية أسرة كانت تستحق سابقًا الحصول على المعونة. وعلاوة على ذلك، ينص برنامج المساعدة الانتقالية للأسر المحتاجةعلى عدم إمكانية الولايات استخدام الأموال الفيدرالية لتوفير العون إلى أسر بعينها. فالمعونة لا تُقدم إلى الأسر التي حصلت على مساعدة سابقة لمدة 60 شهرًا (مع السماح للولاية بإعفاء ٢٠% من الحالات من هذا الشرط). ولا تُقدم المساعدة الفيدرالية أيضًا إلى الأسر التي ليس لديها أطفال، والنساء الحوامل المنفردات، والمجرمين، والمهاجرين. ولا يحصل على مساعدة فيدرالية أيضًا الآباء الذين لم يبلغوا سن الرشد ولا يعيشون في منزل الأسرة أو في مكان توافق عليه الولايةو/أو غير الملتحقين بالتعليم المدرسي. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تحصل الولايات على مكافآت، بناء على وجود نسبة من الأطفال غير الشرعيينكمعيار لتقليص معدلات المواليد خارج نطاق الزواج، شريطة عدم زيادة حالات الإجهاض.3 وقد شهد مجال التمويل تغييرًا رئيسيًّا آخر. فبدلاً من تقدم الحكومة الفيدرالية تمويلاً مفتوحاً إلى الولايات، أصبحت تتولى الآن تمويل برامج الرفاه من خلال منح بلوك” (Block Grants).4

ومن حيث الأساس، كانت الحكومة الفيدرالية تنكر دومًا على السود حقهم في المشاركة في نظام الرفاه (انظر/ي:Gordon, 1994; Quadagno, 1994)). ويمكن القول، عمليَّا إن حركة الحقوق المدنيةالحديثة – والتي كانت حركة حقوق الرفاهجزءًا منها – قد فتحت نظام الرفاه أمام الأفرو – أمريكيين. ومع فتح كشوف الرفاه أمام الأفرو أمريكيين، بدأ ينمو بتزايد عداء الأمريكيين من أصول أوروبية (أورو أمريكية) (بشكل عام) تجاه البرنامج ,(Quadagno, 1994). وبالتالي بدأ الخطاب يتغير، مع اقتران البرنامج تدريجيَّا بالسود. كما أصبحت مقترحات السياسة تميل إلى العقاب، حيث أصبحت المناقشات مشوبة بصورة الأم السوداء التي تتسم بعدم الشعور بالمسؤولية، والكسل، والخصوبة المفرطة. لقد تزايدت مبادرات السياسة التي تدعو إلى تعديل السلوك – وخاصة خفض معدلات الإنجاب بين هذه المجموعة السكانية، وما يتعلق بمتطلبات العمل Mink, 1994)). وقد تصاعدت الحركة المضادة لفتح كشوف الرفاه أمام الأفرو – أمريكيين حتى وصلت، عمليَّا، إلى إنهاء منظومة الرفاه كما نعرفها“.

قامت عديد من الباحثات بتأريخ زمني للبناء الرمزي للنساء السود في أمريكا (انظر/ي: (Collins, 1998; Jewell, 1993; King, 1973; millett, 1970; Mullings, 1992; Palmer, 1983) ويطرح تنامي هذه البحوث أن التجليات الراهنة للمرأة السوداء تضرب بجذورها في صور مرحلة العبيد. إن الاعتقاد في الدونيةالسوداء، والذي ترجع نشأته إلى مؤسسة العبودية، كان يسهم باستمرار في بنية السود بشكل عام والسياسة المتعلقة بهذا القطاع من السكان. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى وجود مجموعة ثنائية من الأساطير التي تميز بناء المرأة السوداء عن المجموعات الأخرى. تنبع إحدى مجموعتي الأساطير التي تسهم في بناء كيان المرأة السوداء من حقيقة كونها امرأة، أي مختلف الأساطير المستخدمة لتعريف كيان المرأة بشكل عام، وتنبع المجموعة الثانية من كونها تنتمي إلى الزنوج. ومن هذه المجموعة الثنائية من الأساطير، ظهرت صورة المرأة السوداء باعتبارها تختلف تمامًا عن الرجل الأسود أو المرأة البيضاء في أمريكا” .(Morton, 1991: 2)

هناك عدد من الصور التي تعمل بصورة مستقلة، وتسهم في الوقت نفسه، في بنية المرأة السوداء. إنها تركيب يضم ممي” (Mammy)، والخالة جميمة” (Aunt Jemima)، وسافير” (Sapphire)، والأم رئيسة العائلة” (Matriarch)، والمرأة الخارقة” (Superwoman)، والعاهرة الحقيرة الشريرة” (mean and evil bitch)، والخاصية” (Castrator) (انظر/ ي :Walker,1983: 237)). وعلى مر السنون، حدثت بعض التعديلات في الصور الثقافية التي ترمز إلى كيان المرأة الأفروأمريكية، كما وظفته الثقافة المهيمنة. ومع ذلك، ظلت الفرضية الأساسية وراء تلك الأساطير والرموز دون تغيير. ومن هنا، يمكن القول إن هذه الفرضية الأساسية تبني الأفرو أمريكيات باعتبارهن الآخروباعتبارهن الشاذ عن القاعدة“.

إن الصور والأساطير والقصص النمطية المقترنة بالنساء الأفروأمريكيات، وخاصة الفقيرات، تلتحم معًا لتسفر عن الاعتقاد بأن منظومة الرفاهكانت تستخدمها أساسًا النساء الأفروأمريكيات. كما يجري أيضًا ترجمة بنية الأفروأمريكيين عامة، والأساطير الرمزية المرتبطة بهم، إلى كثير من الأساطير المقترنة ببرامج الرفاه ومستلميها. وعند تقديم مشكلاتالرفاه المرتبطة بتلك القضية إلى الجمهور، عادة ما يجري طرح المزاعم التالية فيما يتعلق بمستلمي الرفاه: (1) أن عائلاتهم كبيرة الحجم جدًا؛ (٢) أنهم لا يرغبون في العمل؛ (3) أنهم يفتقرون إلى الأخلاق؛ و(4) أنهم ينبذون القيم الأسرية التقليدية. هذه هي أربعة من المزاعم العامة المطروحة. وتضم هذه المزاعم روابط بصور نمطية بعينها للنساء الأفروأمريكيات. وتُستخدم عندئذ هذه الصور النمطية لتمثيل تركيب يضم الرفاه ومشكلاتها المُدركة. وهناك أربعة صور ذائعة الصيت للنساء الأفروأمريكيات: “ممي، سافير، جيزيبل، الأم الرئيسة، وتُستدعى هذه الصور عادة لتبيان جوانب الفشل المشار إليها أعلاه لبرنامج الرفاه ومستلميه.

وينبغي النظر إلى هذه الصور على محور مستمر. وعلى الرغم من تقديمها بأسلوب حذر وخطي، تجدر الإشارة إلى أنها صور ورموز مرنة بما يجعلها متقاطعة في الواقع بطرق مختلفة لخدمة احتياجات الجماعة المهيمنة. وعلى حين أن الصور المستخدمة لتصوير النساء الأفروأمريكيات يمكن أن تتغير في فترات تاريخية مختلفة، فقد كان هناك بعض الاتساق من زاوية استدلالاتها / قصصها العامة التي جرت العادة على حكايتها.

ممي” – هي صورة سائدة في أدب القرن التاسع عشر، ومبنية بوصفها امرأة مستعبَدة، ووفية، ومطيعة، وتعمل مربية لدى أسرة أوروأمريكية. وعلاوة على ذلك، نجدها مبنية أيضًا بوصفها امرأة شديدة الاستقلال والعدوانية والقوة – كل ذلك في حدود. وقد جادل البعض أن المُكون الأول لهذه الصورة – المرأة المستعبَدة – كان ضروريًّا لعقلنة مؤسسة العبودية، كما للعبودية بالدفاع عن ممارساتها White,1985)). أما المكون الثاني لهذه الصورة – المرأة العدوانية – فيدل على ما يُصنف عادة باعتباره صفات ذكورية، ويخدم في التمييز بين المرأة السوداء والنساء الأخريات. إن هذه العدوانية التي تتصف بها مميتتجلى في علاقتها بالأفرو – أمريكيين الآخرين، وخاصة الذكور.

ويطرح ما سبق أعلاه أن مميشخصية متعددة الأبعاد ومعقدة. ويجري تصوير مميباعتبارها حسنة التصرف (وهو ما يبدو الحال فقط في علاقاتها بالبيض في السلطة)، حيث تظهر دائمًا بابتسامتها الشائنة التي توضح أسنانها البيضاء اللامعة. أما من زاوية صفاتها الجسدية، فيجري تصوير مميباعتبارها بدينة، وسوداء البشرة، وثدييها على درجة مفرطة من الضخامة وكذا ردفيها. في عصر العبودية، كان الحجم هو مقياس الرفاه للمرأة العبدة. وعلى خلاف نظيرتها الأوروأمريكية، كانت المرأة الأضخم تعنى المرأة الأفضل. فالأفخاذ المستديرة، على سبيل المثال، كانت علامة على القدرة الجيدة على حمل الأطفال وبالتالي قدرة تلك المرأة على العمل الشاق. كما أن ابتسامتها العريضة الحاضرة دائمًا، فضلاً عن ضخامة جسدها، كان يعني سعادتها كعبدة وأيضًا أنها تنال رعاية جيدة.
وهناك، مرة أخرى، ازدواجية حول بنية مميفيما يتعلق بقضية الأمومة وغريزة الأمومة. إنها مربية جيدة للأطفال الأورو – أمريكيين. لكن هذا النموذج الأولي للأمومة يتحلل ما أن تتجاوز مميرعاية الأطفال الأوروأمريكيين؛ إذ تتوقف فضائل أمومتها عندما يتعلق الأمر برعاية أطفالها.

ترتبط صورة الأم الرئيسةارتباطًا وثيقًا بصورة ممي“. تطرح باربارا كريستيان (Barbara Christian, 1980; 78))، أن ميثولوجيا النظام الأمومي الأسود الضارليس سوى تنويعة أخرى لصورة ممي“. إن بناء وإعادة بناء الأم الرئيسيةلا يُمثل ابتعادًا جذريًا من زاوية بنية کیان المرأة السوداء. وبالتالي، يجب اعتبارها تغييرًا في درجة التشديد Christian, 1985)).
تُعزي أسطورة الأمومية السوداءإلى كتابات دانييل باتريك موينيهان (Daniel Patrick Moynihan). إن ما يُطلق عليه عادة تقرير موينيهان” Moynihan Report, 1965)) وصدر بعنوان الأسرة الزنجية: قضية العمل الوطني” (The Negro Family: The Case of National Action) يحدد كثيرًا مما نعرف أنه الأمومية السوداء، وتبعات هذا النمط من التشكيل الأسري. يجادل الكتاب أن الأسرة السوداء ذات البنية الأموميةتُعتبر شاذة عن القاعدة وتتسبب في كثير من مشكلات المجتمعات السوداء. يقول موينيهان (1965: 76) أن الأسرة الأفروأمريكية هي المصدر الرئيسي للسلوك الضال وغير المناسب أو ضد الاجتماعي الذي لم تؤسسه هذه الجماعة، لكنه يسهم الآن في تأبيد دورة الفقر والحرمان“. وباستخدام صورة المرأةالذكورية المسيطرة، يجري تصوير الأم الرئيسةالسوداء باعتبارها غير قادرة على رعاية وتربية أطفالهن Mullings, 1997: 117)). وبالتالي، تطرح بنية الأم الرئيسيةأنها أم سيئة، مسؤولة عن ضعف التحصيل التعليمي لأطفالها واتجاههم نحو الجريمة وانتهاك القانون، كما تسببت في الصورة السيئة للرجل الأسود من المجتمع (Moynihan, 1965).

بنية سافيرالرمزية تعتبرها وقحة، ومضجرة، وثرثارة، وكلية المعرفة هذا إن ذكرنا القليل فحسب من صفاتها“. إن بنيتها الرمزية تستند إلى بنية رمزية بعينها للذكر الأفرو أمريكي. ويجري تصوير نظيرها الذكري باعتباره بلا كرامة، وفاسد، ومراوغ، وماكر. وهناك جدال بأن سافيرتزدهر على أساس هذه الصفات للرجل الأسود، حيث تتيح لها أن تُفقده رجولته. ويجري الاعتماد غالبًا على هذا المُكون لدى سافيرلتفسير أسباب عدم إمكانية الذكور الأفروأمريكيين الاضطلاع بموقعهم الصحيحكقادة للأسرة المعيشية. كما يُستخدم هذا المُكون أيضًا كمتغير تفسيري للفقر الأسود.

تشتهر جيزيبلبعدوانيتها الجنسية، حيث تُعتبر امرأة مثيرة، تُملي شهوتها الجنسية أفعالها. وعلاوة على ذلك، فإن بنية جيزيبلتجعلها عادة تغوي الرجال. وتؤكد هذه الصورة التنميط الثقافي للمرأة السوداء الذي يعتبرها مفرطة جنسيًا وغير قادرة على السيطرة الجنسية. ومن زاوية الهوية الجنسية، التعريف السائد للسود يصفهم بـ الخنوع والخضوع، وأيضًا بالعنف وفقدان السيطرة الذاتية عند استثارة المشاعر” Bean, 1906: 784)). إن توظيف صورة الانحلال الجنسي والعدوانية، كانت ذات أهمية في عصر العبودية، وأكثر أهمية في الفترة التي تلت العبودية مباشرة. إن تأييد وتعزيز صورة الوحش الجنسي قد أتاحت للبيض وسيلة مختلفة للسيطرة على السود. ونظرًا لأن نشاط السود الجنسي كان يُعتبر خطرًا على البيض، فقد أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا [مع] قضايا القوة والسيطرة” Kovel, 1970:68)). وخلال أعوام ۱۸۰۰، اعتقد البيض أن ما يطلق عليه الطبيعة البهيمية والشيطانية لدى الرجل الأسود كانت تهديدًا للنساء البيض؛ وبالتالي يجب السيطرة عليه. وتمثلت الآلية الأولية للسيطرة في الشنق دون محاكمة (Douglass, 1950) (lynching).

وكان البيض يميلون إلى الربط بين اللون والأخلاق، وبالتالي يعتبرون أن الجلد الأكثر سوادًا يدل على افتقاد إمكاني أو فعلي – للقيود الجنسية لمن كانت بشرتهم أكثر سوادًا ,Kirby) (1972: 5 لقد نمت صورة المرأة السوداء المجنونة بالجنس من صورة العبيد السود الأدنى مرتبة مقارنة بالبيض. ونتيجة لذلك، كان يطلق على النساء السود، وبسبب لون بشرتهن، الغانيات، اللاتي يقدمن أجسادهن إلى الرجال البيض سعيًا لإيقاعهم في شراكهن.

إن العنصر لا يسمو أبدًا فوق أخلاق وفضائل أمهات العنصر” (quoted in Olds, 1989: 186). لقد كان هذا المقياس يطبق على النساء بغض النظر عن العنصر. على أن النظرة الأيديولوجية التي تعتبر السود أدنى أخلاقيًّا من البيض تلقي، ولا تزال، المزيد من العبء واللوم على كاهل النساء السود بوصفهن مسؤولات عن تعزيز لا أخلاقية العنصر الذي ينتمين إليه. وتتيح هذه الصورة إمكانية الاعتقاد بأن الأبناء الشهوانيين والبنات غير العفيفات هم نتاج أمهات سود، مما يسبب قلقًا عارمًا تجاه حياة النساء السود الجنسية. كما تُستخدم هذه الأطروحة لتفسير تأبيد الانحطاط الأخلاقيلهذه الطبقة من الناس.

لقد شهد كيان المرأة السوداء عمليات بناء وإعادة بناء عبر التاريخ. ومع ذلك، استمرت الفرضية الأساسية لكثير من الصور الثقافية المشار إليها أعلاه في تصوير النساء السود خلال التسعينيات. وتتجلى كثير من صور النساء العبيدات في انتقادات العصر الراهن لنظام الرفاه. إن مميوالأم الرئيسةوعجزهن عن رعاية أطفالهن، وسافيروميولها واستعدادها للإنجاب دون التفكير في العواقب، وجيزابيلالتي تدفع رجلها بعيدًا بسبب مشاعر الاستقلال غير الصحيحة – جميعهن يخلقن معًا أم الرفاه (The welfare mother).

إن مفهوم ملكة الرفاهفي الثمانينيات ومفهوم الشابة التي تعيش داخل المدينة والأم المراهقةفي التسعينيات تمثل إعادة بناء لصور كيان المرأة السوداء. وتتقاسم ملكة الرفاه في الثمانينيات صفات مشابهة لصور العبيد المتعلقة بالمرأة السوداء. إنها تتقاسم صفات جسدية مشابهة لصفات ممي“- البدانة. إن تصوير ملكة الرفاهكامرأة بدنية يبعث نفس الرسالة التي يبعثها وصف ممي“. تطرح الرسالتان أن هؤلاء النساء يتمتعن برعاية جيدة. وعلى سبيل المثال، يجادل روبرت رکتور (Robert Rector) من مؤسسة التراث (Heritage Foundation)، عند نقده للفقراء ودولة الرفاه، أن أكبر مشاكل النظام الغذائي للفقراء هي البدانة وليس الجوع” (quoted in Saltus, 1995: A5). وهذا تقديم عصريلصورة ممي“. فبدلاً من أن يشير حجمها إلى قدرتها على العمل الشاق، أصبحت بنيتها الآن علامة على الكسل – وهو ليس سوى صفة واحدة من صفات ملكة الرفاه. ويُعد مفهوم التسعينيات أيضًا حول الشباب، المدينة الداخلية، الأم المراهقةمن الأوصاف المسبقة لكيان المرأة السوداء. لقد تحولت سافيرإلى امرأة سوداء شابة، وخاصة مراهقة. إن هذه المرأة / الطفلة المراهقة تدفعها شهوتها الجنسية، وهي لا ترغب في رعاية أطفالها أو تعجز عن ذلك. ويطرح تصوير هؤلاء النساء أنهن يقمن بإغواء المجتمع الأبيض برعايتهن، بينما تتقلص مسؤولياتهن تجاه أسرهن. وتقدم الصورتان – ملكة الرفاه والأم المراهقة، النساء السود الفقيرات باعتبارهن أمهات غير صالحات، ويقمن بتربية أبناء شهوانيين وبنات غير عفيفات، ويرتكبن الفقر في المجتمعات السوداء. وعلى مر السنوات، وُظفت هذه الصورة السلبية للنساء السود من أجل دعم ربط عدم المساواة في المجتمع الأسود مع باثولوجيا الزنوج“.

في عام 1967، كتب هربرت جانس (Herbert Gans)، ردًا على تقرير موینیهان، قائلاً:

يمكن أن يستخدم الجناح اليميني والمجموعات العنصرية النتائج المتعلقة بعدم استقرار الأسرة ولاشرعيتها لدعم زعمهم بأن الزنوج لا أخلاقيين بالوراثة، ولذا لا يستحقون المساواة. أما الساسة الذين يستجيبون لرد الفعل المضاد لحركة بيضاء أكثر احترامًا، فيمكنهم الجدال بضرورة أن يعمل الزنوج على تحسين أنفسهم قبل استحقاقهم معونة حكومية أخرى والأسوأ من ذلك، أن التقرير يمكن استخدامه لتبرير تقليص الجهود الرامية إلى القضاء على التمييز العنصري والحرب ضد الفقر. (Gans 1976,: 450)

ويبدو أن توقعات جانستجلت بعد مرور ثلاثين عامًا، حيث كانت كثير من أدوات وأهداف سياسة قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملتمثل آراءه. لقد كانت السياسات التي تستهدف محاربة النزعات الجنسية لدى السود تهتم خاصة بمزاعم جانس. ففي السياسات التي تتناول النزعات الجنسية لدى السود، كانت توجد مزاعم حول اللاأخلاقية المتأصلة، وتحسين الذات والمسؤولية، ومن أجل إنهاءالرفاه. ولفهم منطق تلك الأطروحات والتبريرات ومزاعمها، يتناول هذا القسم السياق الموجود سلفًا الذي عزز بناء القضية بهذا الأسلوب. ويكمن هدف القيام بذلك في توضيح منطق إصلاحات الرفاه المصممة على تغيير الطابع الأخلاقي للنساء السود بدلاً من تغيير وضع الفقر الذي يعشن فيه. وتمتد جذور مقاربة هذه السياسة التنظيمية إلى بحوث العلوم الاجتماعية. وهناك نصان يحملان، بوجه خاص بذور التطور: نص دانییل موینیهان (Daniel P. Moynihan)، ونص شارلز موري (Charles Murray).

يميل الآباء الزنوجإلى تجاهل أطفالهم والاستياء منهم :(Glazer and Moynihan, 1963:50). وهناك جدال أيضًا أن فشل الآباء الأفروأمريكيين في رعاية أبناءهم يسفر عن إصابة مجتمعاتهم المحلية بتفشي الأسر المحطمة، وغير الشرعية، والأمومية، والتابعة اقتصاديًّا، وانتهاك القانون، والجريمة. ويلقي موينيهان اللوم، فيما يتعلق بكثير من هذه الشرور، على عجز الأفرو – أمريكيين عن اتباع النماذج التقليدية للعلاقات الزوجية والأسرية.

وقد قام موينيهان بتوسيع تحليله ليشمل تدهور الأسرة السوداء، وذلك في دراسته عام 1965 بعنوان الأسرة الزنجية” (The Negro Family) والتي أشرنا إليها سابقًا. وبالمقارنة ببنية الأسرة البيضاء، يذهب موينيهان إلى أن الاختلافات في تنظيم الأسرة السوداء تتمثل في عدم تنظيمها واختلالها وظيفيًّا. وهو ما يُستخدم لتفسير تدهور الأسرة السوداء. وفقًا لأطروحته، يقع هذا التدهور في قلب تشابك الباثولوجياالتي تؤبد الفقر بين السود. كما أنه يفسر أيضًا عجز السود عن التوافق مع نظام القيم المهيمن في المجتمع (1965: 76).

وارتكازًا على هذا التقرير، يمكن الشعور بانطباع خاص مفاده أن كلا من عدم التنظيموالاختلال الوظيفييشير إلى حكم الأمهات السود. ويجادل موينيهان في تحليله أن الأم الرئيسةالسوداء مسؤولة عن سوء التنظيم الأسري، أي انهياروباثولوجياالأسر السوداء. وبالتالي، تتحمل النساء السود غالبية أعباء إيقاد قدر كبير من باثولوجيا مجتمع السود، إن لم يكن جميعه.

وعند تحديد مشكلات الأمهات السود، يرتكز موينيهان على صور شعبية وتاريخية للمرأة السوداء؛ فنرى، على سبيل المثال، بعض صفات ممي” – عجزها عن رعاية أطفالها. ونرى أيضًا لمحات من سافير” – استقلالها الضاري. وفي هذه الحالة، نجد استقلال سافيرمبنيًّا في غير موضعه ويضر بمجتمعها. وأخيرًا، يمكننا أيضًا اقتفاء آثار صفات جيزيبلفي بناء موينيهان للمرأة السوداء. وهناك، بوجه خاص، استخدام لصورة المرأة السوداء النمطية المنحلة جنسيًّا، التي تنغمس في الجنس دون التفكير في العواقب. وباستخدام الصور النمطية التاريخية، بنى موينيهان المرأة السوداء باعتبارها ذكورية (لأنها اضطلعت بدور رئيس الأسرة المعيشية) وأن عدم الكفاءة صفة متأصلة في الأم السوداء. وبالتالي، أسس موينيهان أطروحة سياسته على صورة الأم السوداء السيئة“. وهي الصورة التي استمرت في تغذية صنع السياسة الاجتماعية لمدة ثلاثين سنة بعد ذلك.

وفي الثمانينيات، واصل شارلز موري تحليل الفقر في مجتمع السود. إن كتابه الصادر عام 1984 بعنوان Losing Ground يمثل هجوم النزعة المحافظة الجديدة على دولة الرفاه. وإذا تحدثنا بشكل عام، يمكن القول إن هذا الكتاب يتناول مشكلات الطبقة المهمشةوالفقراء غير المستحقين” – وهي طبقة من الأفراد يجري تعريفها الآن من خلال النقص الثقافي وليس عدم كفاية الموارد. وتتضمن هذه المشكلات على سبيل المثال الفقر المستمر، سوء تنظيم الأسرة التقليدية، وانتشار الجريمة بين أفراد هذه المجموعة. وفي هذا السياق، توجد جوانب شبه كبيرة بين هذه الدراسة وكتابات موينيهان المبكرة. ومع ذلك، وبدلاً من دراسة تأثير العاطلين عن العمل (إحدى العوامل التفسيرية التي استخدمها موينيهان)، يعتمد موري على وجود دولة الرفاه لتفسير هذه الظواهر. وفقًا لأطروحة موري، فإن انتشار هذه المشكلات يوازي برامج المجتمع العظيمالذي قاد إلى زيادة الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية. ويذهب موري إلى أن التوسع في السياسات الاجتماعية المتعلقة بمحاربة الفقر قد أدى إلى هذه الزيادة في عدد الأسر السوداء غير الشرعية، وتنامي الأسر المعيشية التي ترأسها امرأة سوداء، والتوسع في معدلات الجريمة السوداء، وعدم الاستمرار في التعليم المدرسي، والبطالة. وتكمن المسألة المركزية بأطروحة مواري في أن السياسات الاجتماعية، وأساسًا في أعوام الستينيات، منحت السود حرية إغراق أنفسهم في الفقر وتتيح لهم العيش على حساب الكرماءفي المجتمع – أي دافعي الضرائب.

وعلاوة على ذلك، تطرح حجة موري أن عيوب الشخصية بين السود تسهم أيضًا في المأزق الذي يجد كثيرون منهم أنهم يعيشونه. إن بنيته الرمزية للأفروأمريكيين توجد في نقده للنظرة البنيوية للفقر. ووفقًا لما يطرحه موري، فإن:

ما برز في منتصف الستينيات كان غالبًا اتفاقًا فكريًّا كاملاً يطرح أن التفسير الفردي للفقر كان رجعيًّا برمته وعتيق الطراز. فالفقر لم يكن نتيجة للكسل أو الرذيلة. ولم يكن الناتج العادل لمن لم يبذلوا جهودًا جدية كافية. بل نتج عن شروط لا علاقة لها بالفضائل أو الجهود الفردية. لم يكن الفقر خطأ الفرد، بل خطأ النظام. Murray,1984:29))

ويدافع موري عن أن الفقر، وقبل كل شيء فقر السود، نتيجة لانعدام أخلاقيات العمل، وقيم المجتمع المهيمن في ظل نظام رأسمالي.

ويجري إلقاء اللوم على الأمهات السود المنفردات لفقرهن وفقر السود بشكل عام، بسبب بعض عيوب الشخصية. إن سياق هذا التأكيد ينبع من اعتقاد موري أن المرأة الأفروأمريكية تحطم الزواج أو تتجنبه تمامًا، وتتعمد الإنجاب بهدف وحيد يتمثل في الحصول على مزايا الرفاه. وعند نقده للأسرة السوداء، يعتمد موري في الأساس على البناء الرمزي الموجود سلفًا لكيان المرأة السوداء. وكان تحليله يشتمل ضمنًا على صور الأم السوداء غير الشرعية وغير المسؤولة التي تقرر تحميل المجتمع عبء أولادها. ونظرًا لقراراتها الإنجابية والزوجية غير المسؤولة، يُوجه الاتهام إلى النساء الأفروأمريكيات بالترويج ليس فقط لثقافة الفقر، وإنما أيضًا لثقافة العنف.

نجد أطروحات موينيهان وموري في أساس برامج المساعدة الانتقالية للأسر المحتاجة“. ويمكن تلخيص الإيديولوجية الأساسية لتغيرات الرفاه عام 1996 على النحو التالي: يقود الرفاه إلى تآكل الأخلاقيات، بما يدمر نسيج المجتمع، وبالتالي يجب أن يتوقف البرنامج. وهو نفس اقتراح السياسة الذي قدمه موري عام ١٩٨٤. وعلاوة على ذلك، تضمن قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملسياسات تستهدف السيطرة على النشاط الإنجابي والزواجي للنساء السود. وترتكز هذه السياسات علي فرضيات كتابات موينيهان وموري. ومثل تحليلات هذين الرجلين، تُعد هذه الأيديولوجية امتدادًا لبناء بعينه لكيان المرأة السوداء. إن صورة المرأة السوداء غير الشرعية وغير المناسبة، وبشكل عام المنحرفة، تشكل أساس قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العمل“. ونقدم أدناه تحليلاً لأدوات بعينها لسياسة قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العمل، لتوضيح كيف تتغذى السياسات على الفروض الأساسية حول أولئك النساء.

غالبًا ما يظهر نزاع، تال لعملية صنع السياسة, حول التمثيلات الرمزية لتحديد سياسة العملاء التي ستسود، وفي النهاية تحديد المقترحات التي ستُقبل Stone, 1997)). ويضم تعريف المشكلة بعض المقولات حول أصولها Rochefort and Cobb, 1993))، ومن يقترنون بها من أناس / مجموعات. وفي هذه الحالة، يهيمن على الخطاب ذلك التعريف الذي يضع الفقر واستخدام برامج الرفاه على قدم المساواة مع مدى توفر الرفاه. ووفقًا لهذا المنظور السائد، يُعزي أصل الفقر إلى الفرد. وهناك جدال بأن الفقر ينتج عن افتقاد أخلاقيات العمل، وافتقاد القيم الأسرية، وافتقاد قيم الطبقة الوسطى في الأساس. إن توفر الرفاه، كما تطرح الفروض، يتيح لهذه الطبقة من الأفراد التعبير عن صفاتها المنحطة المُدركة. ومثل موينيهان ومواري، فإن الفرضيات والحدوس والمقترحات المستخدمة لصياغة قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملتستند إلى صورة بعينها لكيان المرأة السوداء – أي تركيب يضم مميوسافيروجيزيبلوالأم الرئيسة“. وتندمج هذه الصور لإنتاج أم سوداء غير شرعية، ومهووسة جنسيًّا، وكسولة، وذكورية، وغير صالحة.

وفي هذا السعي الحديث لعلاج الباثولوجياالزنجية المفترضة، تستمر النزعات الجنسية موضوعًا رئيسيًّا في الخطاب حول الفقر. لقد كان الخطاب العام مليئًا بصور معدلات الإنجاب المرتفعة لدى المراهقات السود، ومعدلات المواليد السود غير الشرعيين، ومعدلات إصابة الإناث السود بمرض الإيدز” Jackson, 1988: 33)). ومما لا يثير الدهشة، أن السيطرة على النشاط الجنسي للنساء السود الفقيرات احتلت موقعًا مركزيًّا في كثير من المناقشات المتعلقة بإصلاح نظام الرفاه. وسيطرت على النقاش قضايا الإنجاب خارج الزواج، وحمل المراهقات في الحضر. وبناء على ذلك، وفي محاولة لإنهاء نقل الفقر من جيل إلى جيل، أصبح خفض معدلات الإنجاب لدى النساء اللاتي يحصلن على مساعدة عامة هدفًا رئيسيًّا أمام مصلحي نظام الرفاه. وتحقيقا لهذا الهدف، قُبلت عديد من أدوات السياسة المقترحة.

بالنظر أولاً إلى قضية المواليد غير الشرعيين، تطرح إحدى وجهات النظر أن البحث العلمي يؤكد أن مزايا الرفاه للأمهات المنفردات تسهم بشكل مباشر في ارتفاع عدد المواليد غير الشرعيين” Heritage Foundation, 1994:6)). تجدر الإشارة إلى أن شارلز موري طرح نفس الحجة منذ عشرة أعوام، حيث جادل في عام 1984 أن اللاشرعية تمثل أهم مشكلة اجتماعية منفردة في عصرنا. فوفقًا لأطروحة موري، تتفوق اللاشرعية على المشكلات الأخرى – مثل الجريمة، والمخدرات، والفقر، والأمية، أو انعدام المأوى – لأنها تحفز جميع تلك المشكلات. وانطلاقًا من هذا التصور، جادل موري لإنهاء دولة الرفاه. وقد برزت خطوطًا منطقية وسببية مماثلة في النقاش حول إصلاح 1996. وعلى سبيل المثال، أعلن السيناتور فیرکلوث (Faircloth) أن الحكومة قدمت الدعم طوال الثلاثين سنة الماضية، وبالتالي دعمت سلوك التدمير الذاتي مثل اللاشرعية والتفكك الأسري (Congressional Digest, 1995:sl3508). وبناء على ذلك، وجه دعوة أيضًا إلى إنهاء الرفاه كوسيلة لإنهاء الإنجاب خارج الزواج.

هل يعزز توفر المساعدة العامة من الحمل بين الفقراء؟ لقد عارض البعض من الباحثين هذا الزعم. ففي عام 1994 (University of Michigan)، قام 76 من الباحثين البارزين بتوقيع بيان يؤكد أن البحث العلميلا يدعم الزعم القائل إن الرفاه تُشكل السبب الرئيسي لارتفاع معدلات الإنجاب خارج الزواج. وتطرح الأدلة عدم حدوث تغيير فعلي على مر الزمن في معدلات الإنجاب بين الإناث المنفردات. ولأن النساء المنفردات يمثلن نسبة مئوية كبيرة من مجموع النساء، فإن مواليد هذه المجموعة تمثل الآن نسبة مئوية أكبر بين إجمالي المواليد Blank, 1995: 28)). وتشير نتائج عدة دراسات إلى أنه بمجرد ما تتحقق السيطرة على المتغيرات الأخرى، تصبح مدفوعات برنامج معونة الأسر التي تعول أطفالاًغير متعلقة بخصوبة النساء، أو يصبح تأثيرها ضئيلاً Moffitt, 1994)). وتطرح هذه الحجة وجود عوامل أخرى، مثل النمو في ظل الفقر وقدر ضئيل من التعليم وقلة البدائل، من شأنها تقديم تفسير أفضل لحمل المراهقات ووجود الأسر المعيشية ذات الوالد الواحد (Amott, 1990; Bane, 1986).

وفيما يتعلق بحمل المراهقات، طرحت هذه القضية العامة أيضًا منظورين متنافسين. تقول نائبة نيوجيرسي، مارج روكيما (Marge Roukema)، أنه لا توجد أمة متحضرة أخرى في العالم تدفع أموالاً للفتيات الشابات كي ينجبن أطفالاً. لكن هذا ما يفعله نظام الرفاه لدينا” Congressional Digest,1995: 184)). وبناء على ذلك، جرى إعداد السياسة بما يتيح تعليم هؤلاء الفتيات الصغيرات أن يحافظن على أنفسهن حتى يكبرن ويجدن أزواجًا” Decter, 1984; 23)). ووفقًا لهذا الخط من التفكير، برز اقتراح في البداية بعدم تطبيق سياسة الرفاه على الآباء تحت سن 18 سنة.

ومع ذلك، تجادل كل من أرلين جيرونيموس وساندرز کورنمان (Arline Geronimus and Sanders Korenman,1992, 1993) أن توفر المساعدة الحكومية لا يفسر فقر هذه المجموعة. وفي دراستهما المقارنة حول مكتسبات الآباء المراهقين وغير المراهقين، وجدت جيرونيموس وكورنمان (1992) أن مكتسبات الأمهات والآباء المراهقين كانت أقل قليلاً من مكتسبات الآباء غير المراهقين. وفي منتصف العشرينيات من العمر، كما يطرح تحليلهما، يصعب التمييز بين الأم المراهقة دون زواج وغيرها. وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الفتيات اللاتي قمن بتأجيل الحمل لم يستطعن إنهاء تعليمهن المدرسي أو الزواج أو الإفلات من الفقر، مقارنة إلى شقيقاتهناللاتي أصبحن أمهات في سن المراهقة. وهناك بحوث أخرى تدعم هذه النتائج (انظر/ ي: Bane and Ellwood, 1983; Duncan and Hoffman, 1990)). وتطرح هذه الأدلة أن مشكلات الأمومة دون زواج، لدى النساء الشابات، أقل ارتباطًا بحملهن مجموعة كاملة من العوامل التي تحد من فرصهن وتزيد جاذبية الأمومة.

إن تركيبًا يضم مميوسافيروجيزيبلوالأم الرئيسةكان يغذي الصور المُستخدمة في بناء قضية الأمومة دون زواج وحمل المراهقات. وقد استُخدم هذا البناء في تشكيل مقترحات السياسة التي دعت إلى عدم تقديم مساعدة للأمهات المراهقات غير المتزوجات وعدم تقديم مزايا لأفراد آخرين. إن فرض حد للغطاء الأسري، والزواج، والحدود الزمنية على مستلمي المساعدة الانتقالية للأسر المحتاجةكشرط للمساعدة كان نتيجة أيضًا لبناء بعينه يعتبر النساء السود مفرطات جنسيًّا وغير مسؤولات وكسولات. ويبدو أن هدف السياسات، وفقًا لكلمات جلن لوري(Glenn Loury)، يتمثل في أن يصبح الحمل دون زواج خبرة تعيسة، بحيث تختار النساء الشابات عدم خوضها“.

إن الغطاء الأسري، الذي لا يمنح أية أموال إضافية للأطفال المولودين بينما تحصل الأم على الرفاه، كان يستهدف السيطرة على حمل الأمهات المراهقات. ويجادل أنصار هذه السياسة أنهم يبعثون برسالة قوية مفادها أن الحمل في طفل إضافي مع حصول الأم على الرفاه ليس سلوكًا مقبولاً. وقد دفع المؤيدون تجاه إدراج الغطاء الأسري، على الرغم من أن دونا شالالا (Donna Shalala)، وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية، أبلغت صناع السياسة – من بين أمور أخرى – بما يلي: “لا نملك الدليل على أن الحد من الغطاء الأسري سوف يردع سلوك الفرد الذي يختار إنجاب طفل ثان” Federal News Service, 1994)). إن الفرضية التي تشكل أساس مفهوم تحديد الغطاء الأسري تتمثل في تحقيق الأمهات للربح من إنجاب أطفال آخرين. ويطرح بناء هؤلاء النسوة أنهن ماكرات على نحو يتيح لهن معرفة إمكانية تحقيق الربحعند إنجاب طفل إضافي. ففي عام ١٩٩٤، بلغ متوسط زيادة الأجور ٧٢ دولارًا في الشهر لأسرة من ثلاثة أفراد مقارنة بأسرة من فردين Green Book, 1994: 368-9, tables 10-12)). ومن الواضح أن هذه الزيادة الضئيلة لا تكفي لحث أي شخص عقلاني اقتصاديًا بإنجاب طفل آخر، مما يوضح سخف هذه الأطروحة. وعلاوة على ذلك، يبدو واضحًا أن كلاً من التمييز العنصري والجنسي بدلاً من القضايا الاقتصادية – يقود خطوات الإصلاح. ويكمن أساس صنع هذه السياسة في عناصر أطروحة شارلز موري، وخاصة زعمه بأن اللاشرعية تمثل أكبر شر إجتماعي.

وقد بُذلت جهود أيضًا لتشجيع الزواج بين الفقراء من مستلمي الرفاه، في محاولة لجعلهم أكثر شبهًا بالطبقة الوسطى. إن مبادرات السياسة التي صيغت لمواجهة هذه القضية تذكرنا بمقترحات السياسة التي قدمها موينيهان، والتي دعت إلى تغيير بنية الأسرة السوداء وقيمها. وبوجه خاص، ركز موينيهان على إعادة الذكر الأسودإلى دوره كرئيس للأسرة المعيشية، في محاولة لتخفيف شرورالسود. وبعد أكثر من 30 سنة تقريبًا، أثمرت مقترحات موينيهان. ويكفي قراءة النتائج التي ارتكز عليها قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العمللتأكيد عمق جذور مقترحات موينيهان خلال التسعينيات. وعلى سبيل المثال، يبدأ قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملبالزعم بأن الزواج يشكل أساس المجتمع حيث يشعر الكونجرس أن كلاً من منع الحمل خارج الزواج وخفض معدلات الإنجاب خارج الزواج يمثل أهمية كبيرة وأن [هذا القانون] يستهدف مواجهة الأزمة“. وتحقيقًا لهذه الغاية، يركز قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملعلى تعزيز الأبوة والأمومة المسؤولة، علاوة على منع وخفض الإنجاب خارج الزواج. ومن الواضح أن قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العمليحاول تحقيق تغيير عكسي لتأثير ممي، وجيزيبل” … الخ الأم السوداء السيئة“- التي أفقدت الرجل الأسود رجولته.

ولتشجيع بنية أسرية أكثر تقليدية كالتي يدافع عنها أفراد مثل موينيهان، يشتمل قانون التوفيق بين المسؤولية الشخصية وفرص العملعلى تدابير من شأنها تعزيز مدفوعات دعم الطفل وترسيخ الأبوة. وهو الأمر الذي يتضمن الدعوة إلى إنشاء مكاتب تسجيل الأجور الجديدة؛ وحق الدولة في الحجز على أجور الآباء المنتهكين للقانون؛ وسحب جوازات السفر من الآباء الذين تزيد ديونهم عن خمسة آلاف دولار؛ وحق الدولة في إلقاء القبض على الجدود. ويكمن هدف هذه السياسة في تشجيع الأبوة التقليدية. والأطروحة، مرة أخرى، تتمثل في أن الأسر المعيشية السوداء التي ترأسها النساء تُعد باثولوجية إلى حد ما. وهناك سعي نحو فرض الثقافة المهيمنة الذكور الذي يكسبون الرزق دون التوقف عن توجيه سؤال حول أسباب فقر وبطالة هؤلاء النساء والرجال.

لقد ذكرنا الكثير حول البرامج الفيدرالية. ومع ذلك، وكما ذكرنا سابقًا، لا يقتصر تأثير هذا البناء السلبي للمرأة السوداء على الحكومة الفيدرالية، وإنما يُستخدم أيضًا في تشكيل السياسة على مستوى الولاية والمستوى المحلي. وقد انخرطت كثير من الولايات في تكتيكات يُشار إليها عادة باسم رفاه العروس أو رفاه الزفاف، تشجيعًا على تكوين أسر تضم والدين، وفي محاولة لغرس القيم. ويُعد مشروع مبادرات الاكتفاء الذاتيفي كاليفورنيا واحدًا من تلك المشروعات. وفي ظل هذا المشروع، تُمنح رعاية الطفل الانتقالية إلى الأفراد الذين يتركون برامج الرفاه بسبب الزواج US Department of Health and Human Services, 1996: 15)). وقد نُفذت برامج مماثلة في أريزونا (برنامج توظيف الوالدين)؛ وفي نيويورك (الوظيفة هي الاستراتيجية الأول)؛ وفي ويسكونسين (مبادرة مسؤولية الآباء والأسرة) – على سبيل المثال.

إن الاعتماد على بناء سلبي للنساء السود يتيح لصناع السياسة مساواة فقر المجتمع الأسود بالمرأة السوداء اللاأخلاقية“. وتتحمل النساء الأفروأمريكيات الوطأة العظمى لهذا النقص، ما دام الجدال الدائر يطرح أن العنصر لا يعلو فوق أخلاقيات الأم وفضائلها. وعلى سبيل المثال، نجد أن كلاً من Losing Ground Moynihan Report يفسر الفقر بين السود باعتباره نتيجة للفرد، وخاصة المرأة السوداء. وبالتركيز على التكوين الأمومي للأسرة السوداء، يشير هذان العملان بشكل مباشر وغير مباشر إلى المرأة السوداء. إن الفقر يرتبط بباثولوجيا بنية الأسرة، وينتج عن عدم اضطلاع الرجل الأسود بموقعه الصحيحباعتباره رأس الأسرة – بسبب المرأة السوداء الذكورية والمسيطرة. ويتجلى هذا البناء السلبي عادة لكيان المرأة السوداء في تشريع الرفاه في التسعينيات.

إن النقطة المحورية للبناء الرمزي المتواتر لباثولوجيا الأسرة السوداء يركز على إلقاء اللوم على هذه الأسر لفقرها، بدلاً من طرح تساؤلات حول أسباب هذا الفقر. وتكمن النقطة المركزية لهذه الأطروحة في بناء بعينه لكيان المرأة السوداء. إن بنية الأسرة السوداء تعتبر خروجًا على القاعدة، بسبب القرارات الإنجابية للمرأة السوداء. وهنا نرى عناصر من جيزيبلوسافير” – وكلاهما مبني باعتباره غير شرعي جنسيًّا وتسوقه الشهوة دون التفكير في التبعات. وعلاوة على ذلك، هناك عناصر من مميوالأم الرئيسة، وأساسًا عجزهن عن رعاية أطفالهن وتربيتهم. وأخيرًا، هناك أسطورة الرجل الأسود فاقد الذكورة كنتيجة مباشرة للمرأة السوداء. وعلاوة على ذلك، هناك تعريف رمزي للنساء الفقيرات التابعات للرفاه يعتبرهن مغويات، يقمن بغواية الأفراد الذين أطلق عليهم موري (1984) مصطلح الكرماءفي المجتمع. وهؤلاء الكرماء كما يطرح موري يتحلين بالأخلاق القويمة والاستقامة، على خلاف الفقراء السود. ووفقًا لهذا البناء، يعمل السود الفقراء على إغواء هؤلاء الكرماءللاضطلاع بمسؤولية أفعال النساء السود الشهوانيات اللاتي يحركهن الجنس.

وتسهم الميثولوجيا العنصرية الجنسية في تبرير عقاب النساء السود وذريتهن، وبالتالي حجب الخطاب العام حول الانصاف والعدالة. وتصبح مزاعم النساء السود غير شرعية من خلال استخدام لغة مثل الظلم، اللاشرعية، عدم العدالة” (على سبيل المثال، خطاب الفعل الإيجابي)، عن طريق استحضار رموز سلبية مثل الكسلالخ. وتسفر النتيجة النهائية لهذا الإطار عن الحد من حق النساء في نصيب عادل من الموارد السياسية والاقتصادية. إن ميثولوجيا كيان المرأة السوداء، الذي استُخدم لتبرير الخضوع والاغتصاب والاستعباد، استمر يخيم على هذه المجموعة من النساء لسنوات بعد ذلك. ولا يزال بناء الآخر، والشر، واللاأخلاقييؤثر على الاختيارات الحياتية لدى الأفروأمريكيين. وهناك جدال بأن من يحصلون على الرفاه يفشلون في احتضان معتقدات المجتمع الأمريكي، وبالتالي يجعلونها الآخر. ويؤثر مثل هذا البناء على خطاب الانصاف والعدالة، حيث ينقل منظومة قيمية للحكم على الأفراد. وتؤسس هذه المنظومة القيمية زعم المجموعة بحصولها على الفوائد والسلع والخدمات المجتمعية. إن اعتبار المرأة السوداء مسؤولة عن شرور المجتمع الأسود البطالة، وارتفاع معدلات البطالة، والجريمة، الخ يقود إلى سياسة ليست جيدة بالضرورة بالنسبة للمجتمع الأسود. وعلى سبيل المثال، نجد أن السياسة المبنية على الاعتقاد بأن النساء السود کسالی وغیر مسؤولات جنسيًّا، تجبرهن على السعي للعمل خارج البيت. ويطرح الجدال أن أي عمل يُعتبر جيدًا؛ مع تجاهل مدى كفايته بالفعل، وماذا سيحدث للطفل / الأطفال عندما يكون أحد الوالدين في العمل أو عاجز عن العمل.

لقد انتشرت تدريجيًّا الصور السلبية للنساء السود عن طريق العلماء الاجتماعيين، والإعلام، وصناع القانون. ولا يستخدم الخطاب الحديث صراحة مصطلحات مثل ممي، الأم الرئيسة، جيزيبل، سافير“. ومع ذلك، لا تزال صفات هذه الصور واسعة الانتشار. وتسود بوجه خاص في المناقشات المتعلقة بنظام الرفاه، حيث تتداخل العديد من الأساطير والصور والقصص حول النساء السود. إن المخيلة السلبية والمشوهة لكيان المرأة السوداء، التي تشكل أساس البحوث والسياسة العامة، تنتج إلى حد ما من الفروض المتعلقة بأسباب الفقر. والفقر، كما تطرح، ينتج عن غياب المنظومة القيمية (للثقافة السائدة). وهناك جدال، على سبيل المثال، أن هؤلاء النسوة ينتمين إلى نظام قيمي غير أمريكي، مثل الفشل في تكوين أسر من والدين. ومن هنا تطرح السياسة ضرورة السيطرة عليهن. ولا تستهدف هذه السيطرة على الفقراء الملونين من النساء والرجال والأطفال حمايتهم، وإنما حماية باقي المجتمع. ونظرًا لأن بنية النساء السود تعتبرهن مختلفات، وأساسًا من زاوية الأخلاقيات والنزعات الجنسية، فقد جرى إعداد السياسة لعقابهن وإجبارهن على الاتساق. وبدلاً من مواجهة قضايا البطالة ورعاية الطفل والرعاية الصحية، تستهدف السياسة تحسين / تغيير أخلاقيات أولئك النساء. وتتسق مقترحات السياسة المبنية بتلك الطريقة مع الحجة الرئيسية التي نطرحها: يتوقف رد فعل الحكومة والجمهور على صورتنا عن المشاركين في السياسة – وفي هذه الحالة: النساء السود. إن توظيف معتقدات عميقة الرسوخ، مثل مركزية الأمهات السود يلعب دور في الإبقاء على السود فقراء، يتيح أيضًا السيطرة على الأفروأمريكيين.

*Julia S. Jordan-Zachery, “Black Womanhood and Social Welfare Policy: the Influence of Her Image on Policy Making”, in Sage Race Relations Abstracts (London: Sage Publications Ltd., 2001), pp.5-2.

1- هناك العديد من البرامج التي تُشكل منظومة دولة الرفاه، مثل: “الرعاية الطبية، طوابع الغذاء، معاشات كبار السن“. وعلى مدار السنين، أصبحت دولة الرفاه مساوية لبرنامج معونة الأسر التي تعول أطفالاً“. وفي المناقشات حول أزمةدولة الرفاه الاجتماعي، تحمل تاريخيًّا برنامج معونة الأسر التي تعول أطفالاًالوطأة العظمى من الازدراء العام. ويُعتبر هذا البرنامج مصدر العديد من الشرور بالمجتمع، على الرغم من أنه أكبر برنامج اجتماعي في الولايات المتحدة.

2- انظر/ي:

House of Representatives, Compilation of Social Security Laws including the Social Security Act as Amended, and Related Enactments through 31 December 1962 (House Document No. 616, 87(th) Congress, 2 (nd) session, 1962, p. 132).

3- باستخدام نسبة الأطفال غير الشرعيين، تحصل الولايات على مكافأة قدرها 5% لكل انخفاض في نسبة الأطفال غير الشرعيينيبلغ 1%، مقارنة بعام 1995؛ وزيادة قدرها 10% لكل انخفاض يبلغ ٢%. وعلاوة على ذلك، تحصل الولايات التي تحقق أكبر انخفاض في نسبة الأطفال غير الشرعيينعلى منحة قدرها ۲۰ مليون دولارًا لمدة أربع سنوات.

4- يرتكز حجم المنحة على إنفاق الولاية السابق. وتحصل الولايات على تمويل يعادل أعلى تمويل بالسنة المالية ١٩٩٤، والسنة المالية 1995، أو السنة المالية ١٩٩٢ -1995.

Amott, Teresa L. (1990) “Black Women and AFDC: Making Entitlement Out of Necessity”, pp. 280-98 in Linda Gordon (ed.) Women, the State and Welfare. Madison: University of Wisconsin Press.

Bane, Mary Jo (1986) “Household Composition and Poverty: Which Comes First?”, pp. 209-31 in Sheldon H. Danziger and Daniel H. Weinberg (eds) Fighting Poverty: What Works and What Dosen’t. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Bane, Mary Jo and Wllwood, D. (1983) The Dynamics of Dependency: The Routes to Self- sufficiency. Cambridge, MA: John F. Kennedy School of Government at Harvard University. Bean, R. B. (1906) ‘The Negro Brain’, Century 72: 778-84.

Blank, Rebecca (1995) “What are the Trends in Non-marital Births?”, pp. 27-30 in R.K. Weaver and W. Dickens (eds) Looking Before We Leap: Social Science and Welfare Reform. Washington, DC: Brookings Institution.

Carby, Hazel V. (1987) Reconstructing Womanhood: The Emergence of the Afro-American Woman Novelist. New York: Oxford University Press.

Christian, Barbara (1985) Black Women Novelists: The Development of a Tradition, 1892- 1976. Westport, CT: Greenwood Press.

Collins, Patricia Hill (1998) Fighting Words: Black Women and the Search for Justice.

Minneapolis, MN: University of Minnesota Press.

Committee on Ways and Means, US/House of Representatives (1994) Overview of Entitlement Programs, 1994 Green Book. Washington, DC: Government Printing Office.

Congressional Digest (1995) June-July. Washington, DC: Government Printing Office.

Decter, Midge (1984) “Sex and God in American Politics: What Conservatives Really

Think”, Policy Review (29): 12-30.

Douglass, Fredrick (1950) “The Lesson of the Hour”, reprinted under the title “Why is the Negro Lynched?”, in Philip S. Foner’s, The Life and Writings of Frederick Douglass. New York: International Publishers 4.

Duncan, Greg J. and Hoffman, Saul D. (1990) “Welfare Benefits, Economic Opportunities, and Out-of-Wedlock Births Among Black Teenage Girls”, Demography 27(4): 519-35.

Federal News Service (1994) Senate Finance Committee Hearing in the news section, July 13. Washington, DC: Government Printing Office.

Federal Register (1993) Washington, DC: Government Printing Office.

Fineman, Martha A. (1991) “Images of Mothers in Poverty Discourses”, Duke Law Journal (April)(2): 274-95.

Gans, Herbert J. (1967) “The Negro Family: Reflections on the Moynihan Report”, pp. 445- 57 in L. Rainwater and W. Yancey (eds) The Moynihan Report and the Politics of Controversy. Cambridge, MA: MIT Press.

Geronimus, Arline T. and Korenman, Sanders D. (1992) “The Socioeconomics of Teen

Childbearing Reconsidered”, Quartely Journal of Economics 107: 1187-241.

Geronimus, Arline T. and Korenman, Sanders D. (1993) “The Socioeconomic Costs of Teenage Childbearing: Evidence and Interpretation”, Demography 30(2): 1187- 241.

Glazer, Nathan and Moynihan, Daniel P. (1963) Beyond the Melting Pot: The Negroes, Puerto Ricans, Jews, and Italians of New York City. Cambridge, MA: Harvard University Press and MIT Press.

Gordon, Linda (1994) Pitied but Not Entitled: Single Mothers and the History of Welfare. New York: Free Press.

Green Book (1994) Washington, DC: US Government.

Heritage Foundation (1994) Combating Family Disintegration, Crime and Dependence: Welfare Reform and Beyond. April 8, Washington, DC.

Jackson, Jacqueline J. (1988) “Aging Black Women and Public Policies”, Black Scholar 19(3): 31-44.

Jewell, Sue K. (1993) From Mammy to Miss America and Beyond: Cultural Images and the Shaping of US Social Policy. New York: Routledge.

Katz, Michael B. (1989) The Undeserving Poor: From the War on Poverty to the War on Welfare. New York: Pantheon.

King, Mae (1973) “The Politics of Sexual Stereotypes”, The Black Scholar 4:12-23.

Kirby, Jack Temple (1972) Darkness at the Dawning. Philadelphia, PA: J.B. Lippincott. Kovel, Joel (1970) White Racism. New York: Random House.

Lemann, Nicholas (1986) “The Origins of the Underclass, Part 1”, The Atlantic Monthly 257(6).

Loury, Glenn (1996) “Welfare: Where Do We Go from Here? Samaritan’s Dilemma”, The New Republic (August 12): 31-55.

Millett, Kate (1970) Sexual Politics: Power Struggle between the Sexes. New York: Avon Books.

Mink, Gwendolyn (1994) “Welfare Reform in Historical Perspective”, Connecticut Law Review 26: 891-2.

Moffitt, Robert (1994) “Incentive Effects of the US Welfare System: A Review”, Journal of Economic Literature 30: 1-61.

Morton, Patricia (1991) Disfigured Images: The Historical Assault of Afro-American

Women. New York: Praeger.

Moynihan, Daniel P. (1965) The Negro Family: The Case for National Action. Washington, DC: United States Department of Labor, Office of Policy, Research and Planning.

Mullings, Leith (1992) Race, Class and Gender: Representation and Reality. Memphis, TN: Memphis State University.

—– (1997) On Our Own Terms: Race, Class, and Gender in the Lives of African American Women. New York: Routledge.

Murray, Charles A. (1984) Losing Grounds: American Social Policy, 1950-1980. New York: Basic Books.

Olds, Madelin Joan (1989) “The Rape Complex in the Postbellum South”, pp. 179-205 in Kim Marie Vaz (ed.) Black Women in America. Thousand Oaks, CA: Sage.

Palmer, Phyllis M. (1983) “White Women/Black Women: The Duality of Female Identity and Experience in the United States”, Feminist Studies 9(1): 151-70.

Patterson, James T. (1986) America’s Struggle against Poverty, 1900-1985. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Quadagno, Jill (1994) The Color of Welfare: How Racism Undermined the War on Poverty. New York: Oxford University Press.

Reed, Adolph, Jr, (1991) “The Underclass as Myth and Symbols: The Poverty of Discourse about Poverty”, Radical America 24(1): 21-40.

Rochefort, David A. and Cobb, Roger W. (1993) The Politics of Problem Definition:

Shaping the Policy Agenda. Lawrence: University Press of Kansas.

Saltus, Richard (1995) “Bad Diets Hamper the Poor”, Boston Globe (March 3): A5.

Skocpol, Theda (1992) Protecting Soldiers and Mothers: The Political Origins of Social Policy in the United States. Cambridge, MA: Harvard University Press.

—– (1995) Social Policy in the United States. Princeton, NJ: Princeton University Press.

Stone, Deborah (1997) Policy Paradox: The Art of Political Decision Making. New York: W. W. Norton.

Trattner, Walter I. (1989) From Poor Law to Welfare State: A History of Social Welfare in America. New York: The Free Press.

University of Michigan (1994) School of Social Work, Research and Training Program on Poverty, the Underclass, and the Public Policy, press release, June 23.

US Congress (1995) The Personal Responsibility and Work Reconciliation Act. Pub. L. 141 [H.R. 15317] (21 December). Washington, DC: Government Printing Office.

—– (1996) The Personal Responsibility and Work Opportunity Reconciliation Act. Washington, DC: Government Printing Office, Title III, Pub. L. no. 104-93, 110 stat 2105.

US Congressional Record (1996) P. S13508. Washington, DC: Government Printing Office.

US Department of Health and Human Services (1996) Administration for Children and Families, Office of Family Assistance, State Welfare Demonstrations, HHS Fact

Sheet, July, p. 15. Washington, DC: Government Printing Office.

Walker, Alice (1983) In Search of Our Mothers’ Gardens. New York: Harcourt, Brace & Jovanovich.

White, Deborah Gray (1985) Ar’n’t I a Woman: Female Slaves in the Plantation South. New York: W. W. Norton.

شارك:

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4