كيد النساء يغلب كيد الرجال

المبادلات والتكيف الاستراتيجي في الحياة الإنجابية لنساء مصريات *

عايدة سيف الدولة، آمال عبد الهادي، ناديه عبد الوهاب **

لا يمكن فهم التحديات التي تواجه الحقوق الإنجابية للنساء المصريات إلا في سياقها الثقافي والسياسي والتاريخي الأوسع الذي يشكل واقع مصر والمصريين اليوم. وفي هذا الواقع يبرز على وجه الخصوص المشترك الثقافي والأخلاقي الذي يوحد النساء المصريات والمستمد من الخبرة التاريخية واللغة المشتركة، العربية. هذه القيم المشتركة تتجاوز الفوارق الجغرافية والثقافية بين الحضر والريف، بين الدلتا في الشمال والصعيد في الجنوب، بين المسلمين والأقباط وتمثل الأساس للكثير من نقاط الخلاف والصراع التي يتناولها هذا الفصل. 1 ** كان مركز دراسات المرأة الجديدة بالقاهرة، المؤسس عام 1984, هو المنظمة المنسقة لفريق عمل بحث الحقوق الإنجابية (إيراج IRRRAG). بالإضافة إلى شكر الباحثات الثلاثة المذكورات، نود أن نشكر كل عضوات الفريق المشاركات: عايدة سيف الدولة، منسقة المشروع والمشاركة في كتابة الورقة الخلفية عن السياسات والأوضاع الصحية؛ أماني قنديل، منسقة العمل الميداني وكاتبة الورقة الخلفية عن السياق السياسي؛ منى ذو الفقار، كاتبة الورقة الخلفية عن السياق القانوني؛ هالة شكر الله كاتبة الورقة الخلفية عن السياق الاجتماعي والاقتصادي؛ نادية عبد الوهاب، كاتبة الورقة الخلفية عن السياق الثقافي وقائدة المناقشات الجماعية؛ آمال عبد الهادي، كاتبة مشاركة في ورقة السياق الصحي وتنسيق المناقشات البؤرية؛ وبربارا إبراهيم ومواهب المويلحي ومشيرة الجزيري. كما نود أيضًا أن نشكر مستشارة البحث كارلا مخلوف أوبرماير. وقد كنا محظوظات أن تكون لدينا مستشارة من المنطقة، حيث كانت مدركة للكثير من الديناميات المحيطة بأوضاع النساء فكان أهمها أن تكشف من جبل الثلج أكثر من قمته. مع ذلك هناك فروق بين النساء المصريات، الأمر الذي جعل من إنجاز هذا البحث رحلة طويلة ومجهدة. ذلك أن تطبيق مهمة المجموعة البحثية (أيراج) كان يعني التطفل على الحياة الخاصة جدًا والصعبة لكثير من النساء المحملات بعبء الحياة اليومية بأشد مما يسمح لهن من التأمل في استراتيجياتهن في التعامل مع الحياة والتحايل عليها. كما أننا كباحثات كان علينا أن نواجه معضلة التعامل مع بعض التقاليد التي كنا نراها ضارة أو مهينة للنساء، على حين عبرت الكثير من النساء اللاتي عقدنا معهن المقابلات عن مواقف مختلفة تمامًا عن مواقفنا. بعض هذه التقاليد ليست عميقة الجذور فحسب (مثل ختان الإناث) وإنما هي أيضًا تقاليد لها وظيفة اجتماعية، يبدو أنها توفر الحماية والشعور بالكرامة للنساء، ومن ثم لا يسعين إلى تغييرها ولا يتصورن طريقة غيرها للحياة. لقد كانت عملية تعليمية قيمة، وإن كانت مؤلمة، أن نتعرف على منطق القبول بممارسات متناقضة مع معتقداتنا الخاصة. بحثت دراستنا في معاني وخبرات الجسد الأنثوي، ذلك الجسد الذي كان المبرر لقهر النساء، وفي بعض الأوقات أيضًا مصدرًا لفخرهن وقوتهن. كان علينا أن نسأل عن إدراكهن لحقوقهن فيما يخص اتخاذ القرار في الأمور الإنجابية، وذلك عل الرغم من أن الكثير من النساء المشاركات في البحث لم يكن يدركن أصلاً أن لهن حقوقًا أساسية لا يتمتعن بها. ولا يقتصر السبب وراء عدم المعرفة هذا على غياب المعلومات وإنما يشمل أيضًا منظومة ثقافية كاملة ترفع من شأن التقاليد من ناحية، ومن ناحية أخرى تسمح بالكثير من الخروقات، شرط أن تبقى خافية، لا تمثل تهديدًا لعلاقات القوى القائمة. من هنا فقد وجدنا أن المشاركات في البحث نادرًا ما مارسن المقاومة المباشرة أو الانصياع التام في سلوكهن الإنجابي والجنسي. بل مزجن في أغلب الأحوال بين عناصر من الاثنين: صورة خارجية للتكيف والقبول تعمل بمثابة غطاء لعمليات حاذقة من الالتفاف والمخالفة. لا يتمتع مفهوم “الحقوق الإنجابية” ذاته في اللغة العربية بالوضوح الذي يتمتع به في الإنجليزية، ذلك أن المصطلح العربي، الذي يعني حرفيًا الحق في الإنجاب، لا يحمل معنى ذا دلالة لأغلب المصريين، ومن ثم فإن المصطلح في حد ذاته لا يمثل شعارًا يسمح بتعبئة النساء من حوله. بل يشمل المصطلح مجموعة من الحقوق تدافع عنها النساء والمجموعات الأخرى في مصر بمسميات ومصطلحات أخرى. ولكي يصبح الأمر مناسبًا في السياق المصري حاول فريق العمل ترجمة مفهوم الحقوق الإنجابية بطريقة تسمح بالربط بين تلك الحقوق وبين المشاكل الحقيقة كما تحددها وتعبر عنها نساء مصريات. مفهومنا نحن عن الحقوق الإنجابية يشمل اعتبارها حقوقًا أساسية من حقوق الإنسان، تتضمن الحق السياسي في الاختيار بحرية ودون إكراه، وتوفر الإمكانية الحقيقية لتنفيذ ذاك الاختيار. كما أنها تشمل أيضًا الحقوق الاقتصادية الأساسية من حيث الحق في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل والرفاهة والملكية والخدمات القانونية. بمعنى آخر، نحن لا نقصر الحقوق الإنجابية على الحدود الضيقة للجسد الأنثوي، وإنما نتصورها بمعناها الكلي كما بمعناها المباشر كما تحدده الظروف التاريخية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية، ذلك أن هذا السياق الأوسع هو الذي يرسم الحدود التي تصاغ فيها أو تنتهك أو تمارس و/ أو تتشكل الحقوق الإنجابية.  

أدت التغيرات في الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى فتح الطريق أمام إعادة التفاوض بشأن العلاقات بين الرجال والنساء وعلاقات القوى في مصر عمومًا. ذلك أن التآكل البطيء – والمتعمد – لإصلاحات دولة الرفاهة في ظل حكم عبد الناصر أدى من ناحية إلى إثقال كاهل الأسر بأعباء مالية جسيمة، ومن ناحية أخرى خلخل أدوار الجندر التقليدية، فأُجبرت الأسر على إعادة النظر ومراجعة هذه الأدوار. وفي مصر، كما في أماكن أخرى، نجد أن برامج التكيف الهيكلي، التي تبنتها الحكومات المتتالية منذ السبعينيات استجابة لضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين، أثرت أول ما أثرت على الخدمات الأساسية، فأصابت الصحة والتعليم أكثر من غيرها. وتسببت برامج التكيف الهيكلي في تعديلات سياسية في اتجاه تشجيع الخصخصة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والتشغيل. وقد كان لهذه التغيرات آثار سلبية شديدة على النساء، خاصة نساء الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، اللاتي كن في الستينيات من بين أكثر المستفيدات من العمل ومزايا القطاع العام (Hatem 1994)، فأصبحت الرعاية الصحية ترفًا لا يقدر عليه فقراء المصريين، بعد أن كان ضمن أولويات المؤسسات العامة المقدمة لخدمات صحة الأمومة والطفولة.

أثرت هذه المصاعب ذات العلاقة بالجندر، والتي نجمت عن سياسات التكيف الهيكلي، على النساء بصفتهن ربات منازل وعاملات. حيث أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب رفع الدعم لحكومي عنها، إلى زيادة العبء الذي تواجهه النساء يوميًا في توفير الغذاء وإدارة الميزانية المنزلية. كذلك أدت خصخصة الصناعة والخدمات الاجتماعية وفرض سياسات التشغيل النيوليبرالية الصارمة إلى ارتفاع شديد في معدلات البطالة. في الستينيات والسبعينيات كانت نصف القوى العاملة النسائية تعمل في قطاع الخدمات الاجتماعية الحكومي والقطاع العام الصناعي، مقارنة بربع القوى العاملة من الرجال. ومن ثم فقد أثر الاقتطاع من تلك القطاعات على النساء ضعف تأثيره على الرجال (Hatem 1994). وإذ اضطرت أعداد متزايدة من الرجال والنساء إلى الالتحاق بالعمل في القطاع الخاص – حيث المخاطر أعلى والمزايا أقل – أو الانضمام إلى صفوف البطالة أو العمل غير الرسمي، زاد اعتماد الأسر المصرية على عمل النساء، بل وحتى الأطفال، لتجنب الفقر المدقع. وقد كشفت إحدى الدراسات أن ثلاثة أخماس الأسر على المستوى القومي أصبحت تعيش على مصدرين للدخل (Korayem 1991).

كانت هناك دائمًا نسبة من النساء المتزوجات في مصر يعملن بأجر، إما خارج المنزل أو داخله. ولكن مع انخفاض فرص العمل في القطاع العام، أصبح عليهن أن يعتمدن أكثر فأكثر على أعمال غير رسمية، منخفضة الأجر وهامشية. وتظهر الأرقام الرسمية أن مشاركة النساء في القطاع الرسمي ارتفعت من ٤.٢% في عام 1966 إلى حوالي ٢٢% في عام ١٩٩٤ (UN 1995a, Table 11, Moghadam 1993)، إلا أنه حين يتسع تعريف العمل ليشمل القطاع المنزلي غير الرسمي، ترتفع هذه النسبة كثيرًا لتصل إلى 35.4% في أوائل الثمانينيات (Zaalouk 1985). كما تشير دراسات أخرى إلى تفاوت كبير بين الأرقام الرسمية والواقع، خاصة في مجال الزراعة، حيث تعمل النساء أكثر مما يعمل الرجال. 2

إضافة إلى التخلخل الاجتماعي الذي أحدثته سياسات التكيف الهيكلي، جاءت هجرة الأيدي العاملة المصرية إلى بلاد النفط الثرية لتعيد صياغة العلاقات الاقتصادية في مصر، وتؤثر بعمق في أدوار الجندر على أكثر من مستوى. هناك أولاً النساء اللاتي بقين وأجبرن على ملء الفراغ الذي تركه الرجال ومن ثم أصبح عليهن أن ينخرطن في سوق العمل؛ ثانيًا، أصبح على النساء أن يتحملن مسئولية رئاسة الأسرة، وهو الدور الذي لم يعتدن عليه، حيث كن يعشن حتى ذلك الوقت في ظل السلطة الرجالية. فبحسب دراسة حديثة نجد أن 16% على الأقل – وقد ترتفع النسبة إلى ٢٢% – من الأسر المصرية أصبحت تعيلها نساء (Badran 1995). كذلك فإن الهجرة غالبًا ما تعني الانتقال إلى المراكز الحضرية، حيث تتعرض النساء الريفيات لأشكال جديدة من التنظيم الاجتماعي يحرمهن من شبكات التضامن الاجتماعي وآليات الدعم التقليدية (Zaaluk 1985).

رغم الحاجة إلى دخل وعمل النساء، إلا أن النساء اللاتي يعملن بأجر غير مسموح لهن أن يفعلن ذلك في سلام. فالانحياز الجندري في مكان العمل، وسياسات الدولة التي تثبط همة النساء على العمل، وروح المحافظة الاجتماعية السائدة – يدعمها الخطاب الإسلامي في الفترة الأخيرة – كلها تجتمع لتضع النساء بين خيارين أحلاهما مر. في القطاع العام، الذي هو تاريخيًا أهم صاحب عمل للنساء، يستهدف الرسميون النساء – باعتبارهن ثانويات في كسب الرزق – ليصبحن أول من يفقدن عملهن في حملات تخفيض العمالة. ثم يأتي قانون عمل موحد جديد – من بين أمور أخرى – ليقيد عدد مرات إجازات الأمومة بمرتين طوال سنوات العمل، فيتحرر بذلك رجال الأعمال من إجراءات حماية العاملات التي كفلها عهد عبد الناصر. وتعترف لائحة تفسيرية ملحقة بالقانون بأنه “تجاهل بعض الجوانب الإنسانية” لأنه يسعى إلى “تشجيع سياسات الدولة السكانية”. فقد أصبح إبعاد النساء عن سوق العمل الرسمي من منظور الحكومة هو السبيل لضمان فرص عمل للرجال المبعدين من أعمالهم، وفي نفس الوقت استجابة لضغوط الدعاية الإسلامية بأن “المكان الطبيعي” للنساء هو المنزل. ومن ناحية أخرى تجد النساء أنفسهن محاصرات بين احتياجاتهن واحتياجات أسرهن لاستمرارهن في العمل في القطاع الرسمي وبين رغباتهن وحقهن الأساسي في إنجاب ما يشأن من الأطفال. 3

فيما يتعلق بالتعليم، تبدو الصورة مختلفة. فمن ناحية تحسن مستوى التحاق الفتيات بالتعليم الابتدائي والثانوي تحسنًا ملحوظًا في الثمانينيات (من 54% إلى 81%) (UN 1995a)، ومع ذلك انخفض الدعم الحكومي للتعليم، كما للصحة، بموجب سياسات التكيف الهيكلي, وظل معدل النساء غير الأميات من بين أكثر المعدلات انخفاضًا على مستوى العالم، كما استمرت الفجوة بين الجنسين في المدارس، خاصة في المناطق الريفية (UNDP 1996). وحين يصبح التعليم غير متاح لأسباب اقتصادية، تصبح الفتيات أول من يُحرم منه بسبب التأثيرات الثقافية التي تُفضل تعليم الأبناء، وذلك بحسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للتنمية لعام ١٩٩٥, والذي ورد فيه أن ٦٢.٥% من الريفيات البالغات من العمر ما بين 6- 15 سنة مسجلات في المرحلة الابتدائية مقارنة بـ 90% من الأولاد من نفس المرحلة العمرية. هذه الظاهرة – وأخرى غيرها مثل عودة العمالة المنزلية لتشمل أطفالاً في سن 10 سنوات فأقل – تشير إلى أن أعدادًا غير معروفة من الفتيات المصريات قد سقطن من حماية الشبكة الاجتماعية ويتعرضن للاستغلال، منسيات في الإحصائيات، ومحكوم عليهن بالحياة على الهامش، حيث تبقى مشاكلهن ومعاناتهن غائبة عن المعرفة.

خلال العقدين الأخيرين ناضلت النساء المصريات للحفاظ على الحقوق السياسية والمدنية التي اكتسبنها سابقًا، على الأقل على الورق، والتي أصبحت الآن مهددة من أكثر من جبهة. في عام 1956 كانت النساء المصريات أول من منحن حق المشاركة في البرلمان في المنطقة العربية. ومع ذلك، ورغم عقود من النضال الذي بدأته النساء المصريات من أجل المساواة في العشرينيات من القرن الماضي، قامت في نفس العام، 1956، حكومة عبد الناصر بحل الأحزاب السياسية والمنظمات السياسية المستقلة والاتحاد النسائي المصري، الذي تأسس عام ۱۹۲۳ (New Woman Research Center 1996¸ Badran 1994). ورغم أن النساء والرجال كان لهم ذات الحقوق السياسية من حيث الترشح للبرلمان، إلا أنه ترتب على ذلك أن فقد كلاهما الحق في التنظيم السياسي المستقل. في عام 1976 بدأ نظام الرئيس أنور السادات في السماح بعودة محدودة لنظام التعددية الحزبية، إلا أن تلك الأحزاب كانت بالأساس قشرة شكلية بعيدة عن هموم المجتمع، ومن ثم بعيدة عن أحوال وهموم النساء. وبعد ذلك بعقدين لم يتغير الوضع كثيرًا، حيث تبقى الأحزاب منظمات نخبوية تخاطب جمهورًا ضيقًا.

اليوم تعتبر الحركة الإسلامية أكثر التيارات السياسية شعبية رغم كونها ما زالت ممنوعة بالقانون من تشكيل حزبها السياسي. 4 وخلال الثمانييات من القرن الماضي، اكتسبت هذه الحركة شعبية كبيرة وتمثيلاً واسعًا في البرلمان، لكن ذلك جاء على حساب النساء كقوة سياسية. وفي عام ۱۹۷۹ صدر قانون جديد يحدد نسبة النساء في مجلس الشعب بثلاثين مقعدًا ومن ثم ارتفع عدد عضوات البرلمان من ٢% إلى 9% (Megahed 1994). وكان أول تحرك للجماعات الإسلامية في ذلك البرلمان هو الضغط على باقي الأعضاء من أجل إلغاء نسبة النساء – وهو تقليص لحقوق النساء – وافقت عليه الحكومة وأحزاب المعارضة. وفي عام 1986 حكمت المحكمة الدستورية العليا بأن تحديد نسبة للنساء في مقاعد البرلمان يتعارض مع الدستور. وفي الانتخابات التالية انخفضت نسبة مقاعد النساء في البرلمان إلى ٢.٢%، أي 10 مقاعد من أصل 444 مقعدًا (Mosaad 1996: Zulfikar 1994).

تواجه المنظمات النسوية العاملة في مصر العديد من العقبات من أكثر من جهة. فهي، مثلها مثل المنظمات الأخرى التي تعمل من أجل حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية والتغيير الاجتماعي الجذري، تواجه قمع الدولة من خلال قوانين الطوارئ التي تمنح الحكومة سلطات أمنية واسعة والحق في تعطيل الحريات المدنية. في نفس الوقت تتعرض النسويات للهجوم من الجماعات الإسلامية التي تستخدم قضايا النساء كساحة معركة تختبر فيها قوتها في مواجهة الدولة، بل وأحيانًا تتواطأ مع الدولة ضد المواقف النسوية. أحد أبرز الأمثلة على تلك العلاقة المركبة اتضح بعد نجاح المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال صحة وحقوق المرأة في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد بالقاهرة في عام 1994, والذي نجح في إثارة حوار مجتمعي حول ممارسة ختان الإناث. 5 ولكن خضوعًا للضغوط من الجماعات الإسلامية والجماعات المحافظة الأخرى أصدر وزير الصحة وقتها توجيهًا يعيد السماح بإجراء ختان الإناث في المستشفيات العامة بعد أن كان ممنوعًا على مدى خمسة وثلاثين عامًا. وبعد سلسلة من الآراء والفتاوى الدينية المتناقضة بشأن الموضوع. 6 وبعد الاحتجاجات المتتالية التي نظمتها النسويات، أصدر وزير الصحة قرارًا جديدًا في عام 1996 يمنع إجراء ختان الإناث عمومًا، سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة. وبنهاية عام 1997 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها دعمًا لقرار المنع. لقد كان هذا الحكم بمثابة هزيمة للموقف الإسلامي المحافظ وإعلانًا إيجابيًا بأن مصر أصبحت تجرم تلك الممارسة بالقانون. ومع ذلك يترك القانون عددًا من الثغرات الخطيرة إذ يستثني من المنع الحالات التي يكون فيها ختان الإناث ضرورة طبية، الأمر الذي يسمح برفع الدعاوي في المحاكم، وما زال يثير قلق المدافعات عن حقوق النساء.

كانت مصر أول دولة عربية تصدق على إتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء (المعروفة باسم إتفاقية المرأة أو إتفاقية السيداو)، إلا أنها أبدت أيضًا العديد من التحفظات الخطيرة، يأتي على رأسها الاعتراض على المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء في أمور الزواج والطلاق المنصوص عليها في المادة 16 من الاتفاقية. وكان أول قانون مصري للأحوال الشخصية مستندًا إلى الشريعة الإسلامية قد صدر في عام ١٩٢٥. وفي عام ١٩٧٩ أدخلت تعديلات على القانون تسمح للزوجة بحق الطلاق في حال اتخذ زوجها زوجة ثانية، وكذلك الحق في الاحتفاظ بمنزل الزوجية طالما كان الأطفال في حضانتها.7 لكن في عام 1985 نجح الإسلاميون في البرلمان في إلغاء هذه التعديلات. كما يشترط القانون المصري نظريًا موافقة العروس على إبرام عقد الزواج أو توكيل والدها ليوقع العقد نيابة عنها، ولكن في نفس الوقت لا يسمح القانون للنساء بالزواج بدون موافقة ولي الأمر إلا في حال كان قد سبق لها الزواج أو أتمت سن الرشد (٢١ سنة). كذلك، ورغم تحديد الحد الأدنى للسن القانونية للزواج بستة عشر عامًا للنساء (18 عامًا للذكور)، إلا أن التقاليد ما زالت تسمح بانتشار الزواج المبكر للفتيات خاصة في المناطق الريفية.8

ورغم وجود تفسيرات مستنيرة للشريعة الإسلامية التي تقيد حق الرجال في تعدد الزوجات (Musallam 1983; Obermeyer 1992¸ 1994) إلا أن القانون المصري الحالي يسمح بتعدد الزوجات ويمنح الزوج حقًا أحادي الجانب في تطليق زوجته. أما بالنسبة للزوجة فإن الحصول على الطلاق يظل أكثر صعوبة بما لا يقاس. هذا وتعترف الشريعة الإسلامية بالزواج باعتباره عقدًا مدنيًا وتقر بحق الزوجة في إدراج حق تطليق نفسها ضمن شروط العقد، إلا أن الممارسة تكشف أن إثبات الضرر أمام المحاكم يبقى أمرًا شديد الصعوبة بالنسبة للنساء، إذ يجب عليها أن تثبت واحدًا على الأقل مما يلي: إما أن زوجها توقف عن الإنفاق عليها، أو أنه هجرها لأكثر من عام، أو أنه يعاني من عجز جنسي أو من مرض مزمن غير قابل للعلاج لم تكن على علم به وقت عقد القران. ويتطلب المسار القانوين في المتوسط ما يتراوح بين خمس إلى سبع سنوات، وفي كثير من الأحوال تنتهي المحاولة بالفشل (Zulficar 1994¸ 1995).

وقد احتلت الجهود من أجل تحسين الوضع القانوني للنساء في قوانين الأحوال الشخصية، فيما يخص الزواج والطلاق والأمومة، موقعًا محوريًا في أنشطة المجموعات النسائية في مصر، وقانون الأحوال الشخصية، الذي صدر في عام 1985، يلزم الزوج والمأذون بإخطار الزوجة في حال تطليقها أو اتخاذ زوجها زوجة ثانية (بعد أن كانت تبقى في كثير من الأحوال في الماضي على غير علم بأيهما). هذه الضمانة البسيطة تضمن للزوجة على الأقل حق معرفة حدوث مثل هذه الإجراءات وتحمي لها حقوقها المالية والقانونية. وتدعو بعض المجموعات النسائية حاليًا إلى تبني عقد زواج جديد يتضمن شروطًا اختيارية، بما في ذلك حق الزوجة تطليق نفسها في حال اتخذ زوجها زوجة ثانية .(Bahey El Din 1997)

يمنع القانون المصري حاليًا إجراء عمليات الإجهاض إلا في حال كان استمرار الحمل يشكل خطرًا على حياة الأم أو صحتها. وينص القانون الجنائي على توقيع عقوبات شديدة على أي شخص، بما في ذلك الطبيب أو أي مهني آخر، يجري عملية الإجهاض متعمدًا. كذلك قد تتعرض النساء اللاتي يجرين عمليات الإجهاض باختيارهن للسجن فترة قد تصل إلى ثلاث سنوات. وقد مثلت قضية الإجهاض الاختياري موضوعًا مثيرًا للكثير من الجدل في مصر بين من يدعمون استمرار التقييد القانوني ومن يطالبون بعدم تجريمه خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل، اتساقًا مع إحدى التفسيرات الهامة في الشريعة الإسلامية (Omran 1992). إن هذا التباين الكبير بين الفتاوى الدينية المختلفة بشأن مشروعية الإجهاض تخلق حالة من الارتباك الأخلاقي بين النساء المصريات اللاتي يواجهن الحمل غير المرغوب فيه أو المحاط بالمخاطر. 9

إن غالبية النساء في مصر، سواء كن مسلمات أو قبطيات، هن نساء متدينات، بمعنى أنهن يؤمن بالله ويؤدين الصلاة والصيام بانتظام. إلا أن تأثير الاختلافات والآراء يبدو بسيطًا على واقع الحياة اليومية أو على كيفية اتخاذ النساء للقرارات الأساسية بما فيها القرارات الخاصة بالخصوبة. في التحليل الأخير تبرز التقاليد كمصدر لأغلب الأعراف السائدة التي بموجبها يحكم المصريون على النساء، كما أن التصوير الثقافي السائد للنساء تحدده المفاهيم الأبوية أكثر من الدين.

تتضمن الآراء التقليدية عن النساء وانعكاساتها في الثقافة الشعبية الكثير من التناقضات. فمن ناحية تعتبر النساء عناصر مؤثرة داخل الأسرة، يستخدمن الدهاء والصبر والتحمل والتماسك الداخلي العظيم للحفاظ على أسرهن وضمان بقائها ورفاهتها. فيرد في أحد الأمثال الشعبية المصرية “كيد النساء غلب كيد الرجال”. أي أن حتى سلبية النساء تُفسر بأنها نوع من القوة أو السبيل الوحيد لتجنب عاصفة رهيبة من الغضب. ومن ناحية أخرى تتضمن الثقافة أيضًا ميولاً أبوية شديدة تؤكد على تبعية النساء الاقتصادية والاجتماعية للرجال، كما يتضح من المثل القائل “ظل رجل ولا ظل حيطه”. وتلقى هذه التقاليد الأبوية تشجيعًا من الخطاب الإسلامي المهيمن حاليًا والذي يركز على دونية النساء باعتبارهن أداة هامة في الصراع من أجل السلطة السياسية. ورغم أن تفسير الإسلاميين للنصوص الدينية يعترف بالنساء كعناصر أخلاقية فاعلة ومسؤولة عن أفعالها. إلا أنهم، وبوضوح، يعتبرون النساء أيضًا في مرتبة أقل من الرجال من حيث القدرة على الالتزام بالقيم والأخلاق. وبموجب هذه التفسيرات يصبح المكان الطبيعي للنساء هو المنزل، وواجبهن الأساسي هو رعاية الزوج والحرص على راحته وتربية الأبناء بحسب التعاليم الدينية.

ومن أهم مظاهر التقاليد الأبوية الباقية في الثقافة الشعبية هو القيمة التي تولى لعذرية وشرف الفتاة، وهو أمر غير قابل للمناقشة بالنسبة للنساء المصريات من كل الطبقات والخلفيات الدينية. والدليل على ذلك استمرار بعض الممارسات مثل إظهار قطعة قماش بها آثار دماء ليلة الزفاف الأولى أو “الدخلة البلدي” الأكثر قسوة والتي تعد انعكاسًا واضحًا لمنظومة القيم السائدة. 10 إنه إعلان على الملأ بأن المرأة حافظت على عذريتها وحمت نفسها حتى يوم زواجها، ومن ثم حافظت على شرف الأسرة وأثبتت طهارتها الجنسية. ورغم أن الدين لا يؤيد تلك الممارسة، بل أن بعض القيادات الدينية ينهون عنها، إلا أن الدخلة البلدي ما زالت ممارسة مقبولة بشدة بين نساء الطبقة العاملة في المناطق الحضرية والريفية في مصر.

مع ذلك هناك أمور أخرى تتعارض فيها الثقافة الشعبية مباشرة مع التعاليم الدينية الإسلامية. على سبيل المثال، على حين يسمح القرآن للرجال المسلمين بتعدد الزوجات في ظروف معينة، إلا أن أغلب المصريين يترفعون عنه، بل وتسخر منه الثقافة الشعبية.11 ولقد جمعنا اثني عشر مثلاً شعبيًا حول تعدد الزوجات، بينها اثنان فقط يدافعان عن التعدد، أما الأمثال الباقية فترفضه تمامًا، ومنها على سبيل المثال: “يا واخده جوز المره يا مسخره”، “يا خسارته اللي يعملهم تجارته”, “توب الضر مر ومن لبسه اتقل حياه”. هذا التناقض مع النص الديني يمثل واحدًا من عدة أمثلة لا يتوافق فيها الدين مع التقاليد، ومع ذلك لا يجد الناس صعوبة في الإيمان بالاثنين.

يحتفي المجتمع المصري بالخصوبة والأسر كثيرة العدد، وتمتد جذور هذا الميل لتشجيع الإنجاب عميقًا في الثقافة، إلا أن الدين الإسلامي يلعب دورًا هامًا أيضًا في تشجيع ذلك، حيث ورد في أحد أحاديث الرسول “تزاوجوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”. وكثيرًا ما يُستشهد بهذا الحديث ممن يرغبون في مزيد من الأطفال. ومن أهم أسباب ارتفاع معدلات الإنجاب وتشجيع الأسر كبيرة العدد، خاصة بين النساء والرجال من ذوي المستويات التعليمية المنخفضة في المناطق الريفية ورغم صعوبة الظروف الاقتصادية، هو تفضيل الذكور، حيث أن إنجاب الذكور يُعتبر موردًا اقتصاديًا للأسرة، خاصة في ضوء الوضع المتميز للذكور في مسألة الإرث. فالذكور يحصلون على ضعف نصيب الإناث في الإرث ومن ثم فإن إنجاب الذكر يضمن بقاء أي ملكية داخل الأسرة. أما الإناث فإنهن ينتقلن إلى أسرة الزوج. وفي غياب ذكر ينتقل جزء من الميراث إلى العم أو أبنائه. وبالتالي توجد مصلحة اقتصادية واضحة وراء الرغبة في الحفاظ على سلالة الأب.

مع ذلك، وإلى جانب تلك الميول نحو المزيد من الإنجاب، يوجد العديد من الأمثال الشعبية التي تثبط الرغبة في كثرة الحمل “كترت عياله واتقل ماله”. “أفضل الذرية ولد وبنية”، بل هناك من الأمثال ما يسخر من النساء كثيرات الإنجاب “البطيخة القرعة بذرها كثير”. والمثير للاهتمام في هذه الأمثال هو أنها تفترض أن النساء هن المسؤولات عن تحديد عدد الأطفال، ولا يُذكر الرجال في أي موقع باعتبارهم طرفًا في هذا الأمر. وتتفق هذه الظاهرة مع نتائج بعض الأبحاث التي أظهرت أن النساء كثيرًا ما يمارسن سلطة ذات شأن داخل الأسرة فيما يتعلق بالإنجاب والخصوبة، حتى وإن افتقدن لهذه السلطة في أمور أخرى وجوانب أخرى من الحياة الأسرية (Naguib 1994, Nawar, Lloyd and Ibrahim 1994, Kisher 1995). مع ذلك ليست الأسانيد الثقافية الناجمة عن القدرات الإنجابية للنساء بالقوة التي تعوضهن بها عن النواقص المترتبة على غياب الخدمات الصحية الملائمة.

بحكم المادة 10 من دستور 1956 تتمثل إحدى أهم مسؤوليات الدولة في ضمان الرعاية الصحية لكل المواطنين. وقد أنشأت السياسة الصحية التي طبقت في الستينيات شبكة ممتدة بعرض البلاد من الوحدات الصحية الريفية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة، إضافة إلى الرعاية المنزلية للأم والطفل، احتلت خدمات تنظيم الأسرة موقعًا مركزيًا منها. (Egypt, Institute of National Planning 1994; Hatem 1994). ورغم اتساع هذا النظام من حيث التغطية الجغرافية، إلا أنه كان محدودًا من حيث الجمهور المستهدف منه، حيث اقتصرت الخدمات على النساء المتزوجات، ولم يتناول احتياجات المراهقات أو الصحة العامة للنساء البالغات فيما يتجاوز الصحة الإنجابية وصحة الطفل وتنظيم الأسرة. مع ذلك فقد كان لهذه السياسة تأثير إيجابي على صحة النساء والأطفال، فانخفض معدل وفيات الأمهات بنسبة 50% عن العقود السابقة على السبعينيات وانخفض معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة بنسبة ٦٢% (من 150 إلى 57 لكل 1000 ولادة) في الفترة ما بين ۱۹۷۰ و ۱۹۹۰ (Hatem 1994 citing CAPMAS).

جاءت سياسات التكيف الهيكلي في بداية السبعينيات لتحدث انخفاضًا خطيرًا في الإنفاق العام على الصحة في مصر، ومعها تدهور حاد في جودة وتوفر الرعاية الصحية. طُبقت برامج استعادة النفقات في قطاع الصحة بقوة وقسوة، فحولت الكثير من الخدمات المجانية أو قليلة التكلفة في المستشفيات والعيادات العامة إلى خدمات مدفوعة الأجر، لا تتوفر سوى للقادرين على دفع ثمنها. وشهد العقدان الماضيان على وجه الخصوص انخفاضًا في كفاءة وجودة الرعاية الصحية تسبب فيه عدة عوامل، بما في ذلك تقليص الإنفاق الحكومي وعدم التكافؤ في توزيع الموارد نسبة إلى الاحتياجات الصحية الحقيقية لغالبية السكان. وقد فاقم من ذلك لامركزية هيكل النظام الصحي في مصر، حيث تعمل القطاعات الصحية المختلفة جنبًا إلى جنب بقليل من التنسيق. 12

رغم أن خدمات الأمومة والطفولة المذكورة أعلاه ما زالت تُقدم بواسطة الدولة، ونظريًا على الأقل بدون مقابل، إلا أن انخفاض جودة الخدمات يحد من توفرها لخدمة المحتاجين. وحتى فيما يتعلق بتنظيم الأسرة وسياسة الدولة في الحد من التزايد السكاني – مدعومة في ذلك من جهات التمويل الدولية مثل المعونة الأمريكية والبنك الدولي منذ الستينيات – حتى هذه لم تكن بالكفاءة المطلوبة. فعلى حين تُتاح خدمات تنظيم الأسرة لثلثي النساء المتزوجات في المناطق الريفية في قراهن، ورغم أن 96% من النساء يسكن على مسافة أقل من 5 كيلومترات من مقدمي خدمات تنظيم الأسرة، إلا أن 48% فقط من النساء المتزوجات في مصر، ونسبة 40.5% من النساء المتزوجات في الريف استخدمن أي وسيلة من وسائل منع الحمل في عام 1995. وتظهر المسوح أن أكثر من ثلثي اللوالب في مصر تُصرف من خلال وحدات حضرية وخاصة (حيث يمثل اللولب الوسيلة الأكثر استخدامًا لمنع الحمل). كذلك يبدو أن كثيرًا من النساء اللاتي يعتمدن على أقراص منع الحمل، خاصة من يلجأن إلى المنافذ الحكومية للحصول عليها، لا يستخدمنها بشكل صحيح, وذلك إلى حد كبير بسبب عدم تلقيهن الإرشادات عن كيفية استخدامها (EDHS 1992¸ 1995; Trottier et al. 1994). أما مشكلات إتاحة تلك الخدمات للنساء الريفيات فلا تنعكس في انخفاض معدل استعمال النساء لها فحسب، وإنما أيضًا في ارتفاع معدلات الخصوبة بينهن، كما يتضح في الجدول أدناه.

إجمالي معدل الخصوبة واستخدام موانع الحمل بين النساء المتزوجات

الموقع إجمالي معدل الخصوبة استخدام موانع الحمل (%) *
الحضر 3.0 56.4
الريف 4.2 40.5
الدلتا 3.2 55.4
الصعيد 4.7 32.1
الإجمالي 3.6 48

* النساء من 15- 49 عامًا المتزوجات حاليًا واللاتي يستخدمن وسائل منع الحمل

حاليًا. المصدر (EDHS 1995)

تشير الدلائل إلى أن انخفاض استخدام الخدمات يرتبط بانخفاض جودة الخدمة المقدمة. فبحسب دراسة صدرت في عام ١٩٩٢، تعاني خدمات الصحة الإنجابية من أوجه قصور شديدة نتيجة عدم الكفاءة الفنية وغياب التدريب ومحدودية الاختيار بين وسائل منع الحمل المختلفة, وغياب المعلومات والإرشاد، وغياب آليات المتابعة وسوء الإدارة (Egypt, Institute of National Planning 1994). كما كشفت دراسة أخرى أجريت في نفس العام أن أغلب المشاركات في البحث يفضلن السفر لمسافات تصل إلى 30 كيلومتر – إذا دعت الضرورة – لشراء تلك الخدمات من المستشفيات العامة أو العيادات الخاصة، ومن ثم يؤجلن الزيارة إلى حين توفير المبلغ المطلوب (Cairo Demographic Center 1992). ومن أهم الأسباب التي تدفع النساء إلى تجنب الخدمات الحكومية المجانية أو منخفضة التكلفة هو سوء المعاملة، ذلك أن الأطباء في القطاع العام الصحي في مصر يميلون إلى التهوين من شكاوى النساء من الأعراض الجانبية الشائعة لوسائل منع الحمل, مثل أوجاع الطمث وآلام الرأس وعدم انتظام الحيض. كما أنهم يتجاهلون وأحيانًا يسخرون من شكاوى النساء الجنسية، خاصة إذا كانت النساء في مرحلة ما بعد انقطاع الدورة الشهرية (Seif El Dawla 1996). كذلك يفتقد الأطباء إلى الحساسية والوعي بمشاعر النساء وخجلهن أثناء توقيع الكشف النسائي (Younis et al. 1993))، ذلك أن مهنة الطب، شديدة الهرمية ومدفوعة باحتياجات السوق ومحملة بأعباء قلة التدريب والأجر، ولا يملك فيها الطبيب الوقت أو الدافع للانتباه أو المعرفة بتصور النساء وإدراكهن لصحتهن الجسدية والنفسية.

وقد أدى عدم توفر الخدمات الصحة وقلة جودتها إلى نتائج أليمة فيما يخص الصحة الإنجابية للنساء في مصر, الأمر الذي يدل عليه عدد من المؤشرات. أولاً، رغم انخفاض معدل وفيات الأمهات في الستينيات ما زال المعدل ثابتًا عند 170 وفاة لكل مائة ألف ولادة، ما يضع مصر في المستوى المتوسط بين بلدان العالم النامية (انظر الجدول). ثانيًا، إن نسبة 75% من النساء الحوامل في مصر يعانين من فقر الدم، ونسبة 61% لا يحصلن على رعاية متابعة حمل، وحوالي 64% يلدن في غياب أية رعاية طبية 13 (UNDP 1996; EDHS 1995). كذلك تعاني الكثير من النساء من معدلات عالية من أمراض النساء والتوليد التي تبقى دون تشخيص أو علاج، 14 وذلك حتى في القاهرة حيث تتوفر الوحدات الصحية أكثر من أي مكان آخر في مصر (Younis et al., 1993, Khattab 1992).

كذلك لا يمكن أن نغفل أن أحد الأمور التي تساهم في ارتفاع مرض ووفيات الأمهات في مصر هو استمرار إجراء عمليات الإجهاض غير القانوني وغير الآمن. ولا توجد معلومات دقيقة يمكن الاعتماد عليها تسمح بتقدير معدل اللجوء إلى الإجهاض غير القانوني في مصر. 15 مع ذلك يمكن القول أن أولى تبعات الموقف القانوني والأخلاقي المتذبذب من الإجهاض – الذي تناولناه سابقًا – هو أن نسبة عالية من الإجهاض – 46 % بحسب أحد المصادر – إما تجريها المرأة لنفسها أو يجريها معالجون تقليديون غير مؤهلين. وفي مثل هذه الحالات تلجأ النساء إلى أساليب تقليدية، وفي كثير من الأحوال خطيرة، مثل الضغط على البطن بشدة أو إدخال أعشاب أو سلك أو قسطرة في عنق الرحم، أو حقن مواد داخل الجسم، أو تناول مشروبات من خليط من الأعشاب، أو تناول عقاقير مختلفة (Et Muelhy 1993, 114)

وتلخيصًا لما سبق، رغم أن مسئولي الصحة المصريين استقطبوا لغة “الصحة الإنجابية”، خاصة منذ انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، إلا أن الخدمات الصحية، سواء كانت عامة أو خاصة, لا تقدم في الواقع شيئًا يذكر فيما يتجاوز الحد الأدنى من وسائل تنظيم الأسرة، مع اقتصار ذلك على النساء المتزوجات. أما إتاحة الحقوق الإنجابية كاملة، فما زالت بعيدة المنال ومهملة في مصر.

أُجري هذا البحث في سبعة مواقع: اثنين من أحياء القاهرة (بولاق والسكاكيني)؛ وثلاث مواقع خارج القاهرة في منطقة الدلتا، أحدهما ريفي وموقعين حضريين؛ وموقعين في الصعيد، أحدهما حضري والثاني ريفي. كانت كل المجتمعات التي أجري معها البحث من الشرائح الاجتماعية الدنيا أو الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى. وتضم العاصمة، مدينة القاهرة، حوالي ١٢ مليون نسمة ليلاً. تزيد إلى 16 مليونًا نهاراً، كما تجمع العاصمة بين مظاهر الشراء الشديد والفقر المدقع، وأحيانًا يتجاور الاثنان تمامًا. وقد أدت الإزالة المستمرة للمناطق العشوائية من المركز إلى الأطراف إلى تكوين حزام من الفقر يحيط بالمدينة. أما سكان تلك الأحياء الفقيرة فهم بالأساس مهاجرون من المناطق الريفية في شمال وجنوب البلاد، ممن يسكنون سكنًا دائمًا في القاهرة أو يأتون إليها كعمال يومية في قطاع البناء أو أي من المهن العشوائية الأخرى.

تنقسم البلاد تاريخيًا إلى جنوب البلاد (الصعيد) وشمالها (الدلتا). وبشكل عام يقال إن المصريين في الدلتا أكثر انفتاحًا وليبرالية في نظرتهم للعالم. ورغم أن أهالي الصعيد يعملون تقليديًا بالزراعة, إلا أن سكان الدلتا هم عادة ما يُشار إليهم بالفلاحين. ويُعتبر أهل الصعيد، سياسيًا وثقافيًا، أكثر محافظة، وترتبط الصورة عنهم بالعند والتمسك الشديد بالتقاليد والأخذ بالثأر والقتل على خلفية الشرف. وقد اعتُبر الصعيد لوقت طويل عصيًا على التغيير، وذلك رغم أن غالبية مشاريع الدولة التنموية تتم هناك، خاصة في المنيا، المحافظة التي أجرينا فيها بحثنا الميداني. وقد أصبح الصعيد اليوم موطنًا لأغلبية الأقباط المصريين وأيضًا معقلاً قويًا للإسلاميين.

يتكون فريق البحث المصري من ناشطات مصريات ومهنيات وباحثات ودارسات يجمعهن الاهتمام بحقوق الإنسان واهتمام خاص بالأمور ذات الصلة بصحة النساء. 16 في المرحلة الأولى من البحث ناقشنا مفهوم الحقوق الإنجابية في السياق المصري، إضافة إلى الصعوبات المحيطة ببعض القضايا الحساسة مثل الجنسانية والدين أو الاستراتيجيات الخاصة التي تستخدمها النساء في حياتهن اليومية. وكانت الخبرات الشخصية لعضوات الفريق مرجعًا هامًا في تلك المناقشات التمهيدية. لكي يتاح لنا الوصول إلى عينة مختلطة اجتماعيًا وجغرافيًا من النساء كان علينا الاعتماد على وسطاء من بين المنظمات غير الحكومية العاملة في المناطق التي أجرينا فيها المناقشات الجماعية. وقد لعبت تلك المجموعات الوسيطة، خاصة الهيئة الإنجيلية للخدمات الاجتماعية, دورًا محوريًا في تيسير دخولنا إلى المجتمعات المحلية. وكان فريقها الميداني يتمتع بثقة الرجال والنساء في مناطق البحث ومن ثم مكننا من بث روح التعاطف والثقة في المناقشات الجماعية, وكلاهما ضروري لمصداقية البحث وتماسكه.

عقد فريق البحث تسعة عشر مجموعة نقاش، ثلاث عشرة منها مع نساء (85 مشاركة) وستة مع رجال (39 مشاركا)، إضافة إلى اثنتي عشرة مقابلة معمقة شبه مقننة مع النساء فقط. وقد اخترنا النساء للمقابلات المعمقة من داخل وخارج المجموعات البؤرية (حيث كانت ستة منهن من غير المشاركات في المجموعات البؤرية). 17 كانت المجموعات البؤرية مفيدة كمصدر لمعرفة القيم العرفية السائدة وتصورات المجتمع عن القضايا التي نبحث فيها، على حين كان الهدف من المقابلات المعمقة كشف المزيد عن السلوك الفعلي والمواقف التي قد لا تتطابق مع الأعراف السائدة. إلى جانب الفروق بين الحضر والريف وبين المسلمين والأقباط، تباين المشاركون من الإناث والذكور من حيث الحالة الاجتماعية (متزوج/ متزوجة أو غير متزوج/ غير متزوجة)، ومن حيث مستوى التعليم

والمرحلة العمرية وطبيعة الخبرة العملية. وكان للحالة الاجتماعية – من حيث الزواج أو عدمه – تأثير أكبر عنه من العمل خارج المنزل أو المستوى التعليمي في التأثير على إدراك النساء لحقوقهن الإنجابية. ففي مصر يشار إلى المرأة غير المتزوجة بكونها “بنت” بغض النظر عن عمرها، حيث الافتراض أن الأنثى التي لم تتزوج تبقى عذراء، وأن الخبرة الجنسية غير ممكنة خارج إطار الزواج. لذلك فقد برز عنصر الزواج في السياق المصري باعتباره أكثر العوامل تأثيرًا على إدراك النساء لأجسادهن وجنسانيتهن وخبراتهن الإنجابية. ومن بين النساء اللاتي شاركن في البحث في المناطق الحضرية ممن تجاوزن سن التاسعة عشر كانت هناك 14 من بين 66 امرأة غير متزوجة، أي بنسبة ٢١%، بما في ذلك سيدتان تزوجن في السابق ثم انفصلنا عن الزوج. أما النساء الريفيات فوق 19 عامًا (٢٠ عامًا فأكثر) فكن جميعًا متزوجات باستثناء سيدتين (٢ من ٢٥ أي بنسبة 8%).

كذلك أجرينا مناقشة بؤرية واحدة مع طالبات كلية الطب في مدينة المنصورة بالدلتا، وكن جميعًا على علاقة ما بالتيار الإسلامي، ومن ثم كن مسيسات بدرجة كبيرة. ورغم كونهن غير ممثلات للنساء المصريات ككل، إلا أنهن يمثلن وجودًا أيديولوجيًا واجتماعيًا هامًا في تحديد المواقف من الجنسانية والجندر والمجتمع. كذلك نظمنا مناقشة بؤرية مع مجموعة غير متجانسة من الرجال في المجتمعات الستة التي عملنا بها. 18 وكان غرضنا من العمل مع مجموعات الذكور هو مقارنة تصور النساء عن دور ومواقف الذكور مع تصورهم هم عن أنفسهم. وحيث أن آراء الرجال تشكل عنصرًا هامًا في البيئة الاجتماعية التي تمارس فيها النساء أو تحرم فيها من حقوقهن الإنجابية فقد رأينا أهمية في عقد تلك المقابلات لمزيد من الفهم.

منذ اليوم الأول لمولدها يتشكل مصير الفتاة المصرية بالتقاليد الشعبية التي تفضل إنجاب الذكر. تتجسد هذه التقاليد في الكثير من الأمثال الشعبية وأغاني الفولكلور كما يتضح في الكلمات التالية: “لما قالوا لي ده ولد انشد ضهری واتسند”، “لما قالوا لى ده غلام انشد ضهری واستقام، وكلوني البيض مقشر وعلية السمن عام، ولما قالولى بنية الحيطان مالت عليّه، وكلوني البيض بقشره وبدل السمن ميه”. إلا أن ثقافة الفولكلور في مصر تتضمن أيضًا رسائل متضاربة في شأن قيمة المولود الأنثى: فمن ناحية يمكن للفتاة أن تتسبب في العار لأسرتها، لكنها من ناحية أخرى هي من تغدق الحنان والرعاية على والديها عند الكبر.

وقد عبرت المشاركات في المناقشات الجماعية والمقابلات المعمقة عن هذا الموقف المتذبذب من مولد الفتاة. في البداية أكدت النساء, متزوجات وغير متزوجات، على عدم وجود تمييز بين الذكور والإناث في التربية. إلا أن المزيد من الأسئلة التفصيلية كشفت فروقًا دالة. فأسهبت النساء المتزوجات في قائمة طويلة من القيود المفروضة على الفتيات والنساء بسبب جنسهن، وأضفن أن ذلك أمر منطقي أو “طبيعي”، على سبيل المثال لا يعتب المجتمع على الصبي فيما يفعله أما الفتاة فسوف تتسبب في العار لأسرتها إذا أخطأت، حيث أنها تحمل شرف الأسرة. كما أن المتوقع من الفتاة المصرية عمومًا أن تلعب وتختلط بحرية مع أخوتها وأقاربها والجيران من الجنسين حتى لحظة البلوغ، حيث يجب تقييد اللعب والاختلاط حتى تحضر الفتاة نفسها لدورها كامرأة. مع ذلك، قالت الكثيرات من النساء أن الأوقات تتغير وأن الفتيات أصبحن أكثر مساواة مع الأولاد لأنهن أصبحن يتحملن مسئوليات اقتصادية داخل أسرهن، على حين يحتاج الأولاد إلى المزيد من المتابعة كي لا يقعوا في المشاكل.

زينب، امرأة تبلغ من العمر 35 عامًا، أمية، وتعمل في ورشة خياطة، تتحدث عن خبرتها الخاصة لتفسر مساواتها بين ابنتيها وابنها في المعاملة:

أنا لا أميز بينهم. فهم جميعًا هدية من الله. صحيح أن الناس كانوا في الماضي يفضلون الابن لأنه سوف يأتي بالمال إلى الأسرة، إلا أن الآن يتساوى الأولاد والفتيات في المعاناة. والمرأة تعاني أكثر من الكل، فإلى جانب عملها خارج المنزل عليها أن تتحمل الحمل والولادة والعمل المنزلي. أتمنى أن لا تضطر بناتي إلى العمل كي يتمكن من تجنب معاناتي.

كما ذكرت النساء غير المتزوجات أنهن لم يتعرضن للتمييز داخل أسرهن، واعتبرن أن الاختلاف في فرصهن في التعليم والقيود على حرية حركتهن ليست سوى أمورًا “طبيعية” لأن “الأدوار مختلفة”. ذكرت منار، طالبة من الدلتا، أن المتوقع منها دائمًا كان أن تتنازل لأشقائها: “للكبير لأنه الأكبر وللصغير لأنني يجب أن أكون بمثابة الأم له”. وأضافت إيمان بحزم، وهي طالبة أخرى من نفس المنطقة “المساواة في الحقوق مجرد شعارات”. إلا أن الكثيرات قبلن هذا التقسيم في الأدوار على مضض. في المواقع الريفية عبرت النساء عن رغبتهن في أن يصبحن ذكورًا لكي يتمكن من عمل المشروعات الخاصة بهن والسفر إلى الخارج للعمل ودعم أسرهن والحصول على مزيد من التعليم. واشتكت القاهريات من أن أشقاءهن يتمتعون بحرية أكبر في الخروج والصداقات والتأخير خارج المنزل والقيام بما يشاءون بدون موافقة الأهل، ويرتدون ما يشاءون من ملابس ويعقدون الصداقات ويتحدثون فيما بينهم عن الجنس. كذلك تمنت غالبية النساء الشابات في المناطق الحضرية لو كنّ ذكورًا كي يتمتعن بنفس القدر من الحرية مثل أشقائهن. يبدو إذا أن العديد من النساء غير المتزوجات لا يتقبلن التمييز بسبب الجندر، ذلك أن أمانيهن أن يصبحن ذكورًا أو اعتقادهن أن حصولهن على مزيد من الحرية يتطلب أن يصبحن ذكورًا هو طريقة للتعبير عن عدم رضائهن عن التمييز الذي يتعرضن له.

أما الرجال المشاركون في المناقشات البؤرية فقد عبروا بشكل عام عن قناعة بأنهم أفضل من النساء، وأن تربية الفتيات غير تربية الأولاد الذين يسمح لهم بمزيد من الحرية. وقد وافق الرجال في الصعيد مع أقرانهم في القاهرة على ذلك وإن أضافوا أن الفتاة من حقها أن تحصل على المزيد من الرعاية داخل الأسرة لأنها، كأم مستقبلية، تحتاج إلى صحة جيدة وتعليم جيد لتتمكن من تربية أبنائها بشكل جيد. كذلك فإن تعليم الفتاة يضمن لها زوجًا متعلمًا يقدر قيمتها ويحترمها، إلا أن هذا التعبير اللفظي عن احترام تعليم الفتيات بين المشاركين الذكور يتناقض مع المستوى التعليمي المنخفض للفتيات الريفيات اللاتي اقتبسنا منهن سابقًا.

وحين تصل الفتيات المصريات إلى مرحلة البلوغ لا يحصلن في العادة سوى على أقل القليل من المعلومات عن الجنسانية والإنجاب. تتذكر وفاء، وهي امرأة متزوجة في منتصف العمر، تعيش في القاهرة وإن كانت أصولها من الصعيد:

جاءتني الدورة الشهرية وكان عمري ١٢ عامًا، إلا أن أحدًا لم يقل لي أبدًا أي شيء في هذا الشأن. كانت أمي تقول لي أنني يجب أن أعتني بنفسي وأن أحذر من الأولاد. حين بدأت الدورة الشهرية خفت أن يكون شيئًا ضارًا قد حدث لي. ولم أقل لأحد. وأخيرًا قلت لأمي بعد حوالي سنة، رغم أني واثقة أنها كانت تعلم من قبل. لكنها كانت خجولة ومثل هذه الأمور ليست موضوع نقاش بين الأمهات والبنات أو الأخوات، ولا حتى بين الصديقات والجارات.

لا تتوفر للنساء الشابات غير المتزوجات أية مصادر معلومات موثوق بها عن الجنسانية والصحة الإنجابية. والنظام التعليمي المصري لا يتضمن الثقافة الجنسية، كما لا يقدم النظام الصحي مثل تلك المعلومات إلا في ارتباطها بالأمومة. ورغم أن النصوص الإسلامية منفتحة فيما يتعلق بالأمور الجنسية إلا أنها لا تُناقش أبدًا في الواقع العملي قبل الزواج. بل وقد يعتبر عيبًا، على سبيل المثال, لو أن امرأة غير متزوجة زارت عيادة أمراض النساء.

رغم ذلك، برزت بوضوح بعض الفروق بين أجيال المشاركات في البحث فيما يتعلق بالمعلومات عن الدورة الشهرية والأمور الجنسية. فمثلما كان الحال مع وفاء، قالت غالبية النساء المتزوجات إنه لم تكن لديهن أية معلومات عن الدورة الشهرية. و”حين حدثت” كن خائفات متفاجئات ومحرجات، إلا أنهن كن أيضًا مدركات أنهن دخلن مرحلة جديدة من الحياة: “حين رأيتها (دماء الطمث) أدركت أنني لم أعد قادرة على اللعب والجري؛ كان عليّ أن أتحمل مسئولياتي وأن أجهز نفسي لأصبح امرأة.” من ناحية أخرى كانت أغلب النساء غير المتزوجات على علم بالدورة الشهرية قبل أن تبدأ. القليلات منهن حصلن على تلك المعلومات من أمهاتهن، والأغلبية من الصديقات والزميلات في الدراسة. وحين سئلن عما إذا كن سيوفرن تلك المعلومات لبناتهن في المستقبل، قالت الأغلبية أنهن لا يرغبن في “فتح عيون بناتهن قبل الأوان،” وأنهن سوف يفعلن ذلك فقط لحظة البلوغ أو عند الزواج “حين تكون المعلومات ضرورية”. لكن النساء غير المتزوجات عبرن أيضًا عن مواقف أكثر تحررًا تجاه أهمية تمليك بناتهن المعلومات الجنسية والإنجابية عند بداية مرحلة البلوغ. وشمل ذلك أيضًا النساء الإسلاميات اللاتي رأين أن المعلومات الجنسية والإنجابية قبل الزواج ضرورية، وإن فضلن أن تأتي عبر الأم لتجنيب الفتيات التعرض أو الاطلاع على كتابات جنسية.

لا دليل على هالة الغموض والخطورة التي تحيط بأمور الجنسانية بالنسبة للشابات المصريات, حتى على مستوى المعلومات، أوضح مما يتعلق “بأسرار ليلة الزفاف”. لم تكن لدى أغلب النساء المتزوجات المشاركات في البحث أية معلومات عن الأمر قبل الزواج، وفي مجموعتين فقط (واحدة في القاهرة والثانية في حضر الصعيد) كانت الأغلبية على علم ببعض الأمور قبل ذلك. هنا أيضًا اتضحت الفروق بين الأجيال، حيث كان لدى غالبية النساء غير المتزوجات بعض المعلومات عن ليلة الزفاف، وقالت أغلب المجموعة التي حصلت على قدر من المعلومات، سواء من المتزوجات أو غير المتزوجات، أنهن ينوين إعطاء بناتهن تلك المعلومات حماية لهن من الخوف والقلق والمشاكل المترتبة على الجهل الجنسي. كما كانت النساء الإسلاميات واضحات في تأكيدهن على ضرورة أن يتوفر للفتيات معلومات عن الجنس قبل الزواج، بل أن واحدة منهن اقترحت تنظيم فصول لمحو الأمية الجنسية للنساء، شرط أن يكون ذلك قبل الزفاف بقليل.

“بالتأكيد أنا مختنة. ماذا تقصدين بهذا السؤال؟ هل تعتقدين أن بي عيبًا ما؟ الجميع مختنات.” (دنيا، 40 سنة، عاملة منزلية، تزوجت مرتين ولديها ثلاثة أطفال)

بوصول الفتاة إلى سن البلوغ تكون غالبًا قد اختُتنت، تلك الممارسة التي يفترض أنها تحميها من الانحلال الجنسي والعار. ختان الإناث، المعروف بالطهارة، ممارسة شائعة في سائر أنحاء البلاد (Toubia 1995). وقد كشفت نتائج المسح الصحي الديمغرافي لعام 1995 أن 97% من النساء المصريات تعرضن للختان، بما في ذلك المسلمات والمسيحيات. 19 ورغم أن أغلب الفقهاء الإسلاميين اتفقوا على أن ختان الإناث اختياري وليس فرضًا، إلا أن المدافعين عن استمرار الممارسة مستمرون في استدعاء الدين للتشجيع عليها. ونظرًا لانتشار الاعتقاد الخاطئ بأن الختان فرض ديني، فلا عجب أن الكثير من المشاركات في البحث سئلن عن هذا الأمر. كما أن الغالبية دافعت عن ختان الإناث باعتباره عادة عميقة الجذور في مجتمعاتهن.

حمل ختان الإناث ذكريات مؤلمة لأغلب النساء المشاركات في البحث، خاصة من الأجيال الجديدة. هدى، طالبة في كلية الطب، تبلغ من العمر ٢٣ عامًا، كادت هدى تبكي وهي تتذكر كيف تم ختانها بواسطة الداية:

لا يمكن أن أنسى هذا اليوم … شعرت بإهانة بالغة. إحدى السيدات ربطت يدي وراء ظهري وسيدتان أبعدتا ما بين ساقاي، وكانت الداية تقطع في لحمي وهي تتحدث مع الأخريات. ثم باركن لأسرتي حيث الآن سيتقبل مني الله صلواتي وصيامي. 20

ماري، بائعة متجولة من الصعيد، قبطية، تبلغ من العمر 50 عامًا، خُتنت في عمر السادسة, لكنها أيضًا “لا تستطيع أن تنسى ذلك اليوم” الذي تتذكره أكثر مما تتذكر آلام الولادة. فمع بعض الاستثناءات القليلة، 21 كانت النساء غير المتزوجات من المناطق الريفية في الصعيد – وجميعهن مختتنات – مستسلمات لختان بناتهن، شاعرات أنهن لا يملكن الخيار. فقد اعتبرن أن الختان ضروري للالتزام بما هو متوقع منهن وللتحكم في جنسانية بناتهن، ولكي يشعر أزواج المستقبل بالثقة إذا اضطرتهم الظروف إلى السفر إلى الخارج أو البقاء خارج المنزل لفترات طويلة.

سهير عاملة نظافة في مستشفى خاص، تبلغ من العمر 38 عامًا، متزوجة ولديها ثلاث بنات. سهير لم تختن بناتها لأن طبيبة في المستشفى التي تعمل بها نصحتها بألا تفعل. إلا أن هذا القرار يسبب لها الكثير من القلق:

أنا أشعر بالقلق؛ نحن ناس شعبيين وإذا تزوجت البنات من شخص مثلنا فقد يجد ذلك غريبًا ويتضايق منهن. أنا أعلم أن الأطباء لا يختنون بناتهم، إلا أن بناتهم سوف يتزوجون من أطباء أو مهندسين مثلهم، معتادين على ذلك. كنت على وشك ختانهن لكن الطبيبة قالت لي أن ذلك قد يتسبب في نزيف أو التهاب. خفت فلم أختنهن.

يبدو، من نتائج بحثنا، أن على النساء المصريات أن يفاوضن الضغوط المتناقضة الواقعة عليهن بشأن ختان الإناث سواء من السلطات الدينية أو السلطات الطبية أو الانقسامات الطبقية، وقبلها جميعًا الأعراف التقليدية الخاصة بالجندر.

وقد تسبب موضوع ختان الإناث في جدل ساخن بين النساء المشاركات في المناقشات البؤرية. وحيث أن بعض الباحثات كن طبيبات فقد طرحت النساء الأسئلة حول ما إذا كانت ممارسة ختان الإناث صائبة أم خطأ. وفي إحدى المناقشات الجماعية قالت واحدة من النساء غير المختتنات أن الختان يجعل المرأة باردة جنسيًا. فقالت الأخريات “من الأفضل أن تكون باردة عن أن ترغب في زوجها” حيث “أن رغبة النساء المختتنات أقل، ومن ثم لن تكون تحت رحمة زوجها في الاستجابة لاحتياجاتها. بل ستكون هي الأقوى”. بمعنى آخر، من الأفضل أن يقتطع جزء من جسدها عن أن تكون راغبة وضعيفة، إذا كان ذلك الجزء سيف يضعها تحت رحمة زوجها. وقد قابلنا هذا النمط في التفكير أكثر من مرة خلال إجراء البحث، حيث تحول النساء عنفًا جسديًا وعاطفيًا إلى مصدر للتمكين والقوة.

أما موقف الرجال من ختان الإناث فقد كان مختلفًا تمامًا عن موقف النساء. بعضهم قال إنه سُنّة، على حين قال البعض الآخر إنه حرام. ولكن في الحالتين كان الأمر بالنسبة للرجال أكثر تجريدًا ومتعلقًا بالتعاليم الدينية، على حين كان الأمر بالنسبة للنساء قضية اجتماعية (وضع البنات في المجتمع وأداة لتفاوض الزوجات مع أزواجهن). ويمكن تفسير هذا الموقف المتساهل للرجال في أمر مرتبط مباشرة بجنسانية النساء بثقتهم في أن ختان الإناث تقليد سوف تحرص النساء أنفسهن على الالتزام به.

تؤثر قرارات الزواج على مجمل حياة الفرد، خاصة في مجتمع يصعب فيه الطلاق سواء بالنسبة للمسيحيات أو المسلمات، وحيث يُعتبر الطلاق مصدرًا للعار على الأسرة كلها. لهذا السبب ما زال الأهل وخاصة الأمهات، يلعبون دورًا هامًا، إن لم يكن حاسمًا، في قرارات اختيار شريك الحياة.

مثلها مثل الكثير من النساء الأخريات المشاركات في البحث، ترغب سهير في أن تسمح ببعض الاختيار لبناتها الثلاث، لكنها ترغب أيضًا في بعض السلطة على قراراتهن:

أنا لم أختر زوجي. كنا قرويين وغير مستنيرين. لكن بناتي متعلمات. يجب أن أسألهن قبل قبول زواج أي واحدة منهن، لكن أيضًا يجب أن يكون ذلك الزوج مناسبًا. لا أريد لأية منهن أن تختار زوجًا سيئًا وأن تندم على اختيارها في المستقبل، مثلي الآن.

تزوجت معظم النساء المتزوجات المشاركات في البحث زواجًا تقليديًا، مع بعض التباينات، حيث تمتعت النساء من المناطق الحضرية بمساحة أكبر من التفاوض، والعديدات في المناطق الحضرية في الدلتا حاولن مقاومة الزواج التقليدي، إلا أن القليلات فقط نجحن في فرض قراراتهن على الأسرة. في حالة نساء بولاق فقد تزوجن جميعًا بإرادتهن الحرة ورفضن أي محاولة لإجبارهن على زواج سابق الترتيب: “كنت متحكمة في الموقف حين تعلق الأمر بزواجي” هكذا تحدثت إحدى نساء بولاق. 22 حتى في أكثر المواقف تقليدية كان للنساء بعض من الاختيار الخفي في الأمر. حيث كان الابتزاز من خلال الرفض المتكرر لطلبات الزواج أحد أشكال المقاومة المتنكرة لمشروع زواج اعتبرته المرأة غير متكافئ، وهو تكتيك معروف لدفع الأسرة إلى موقف تضطر فيه إلى قبول اختيار الفتاة تجنبًا لبقائها عزباء، ومن ثم تصبح موضوعًا للشائعات، إضافة إلى كونها عبئًا ماليًا مستمرًا، كذلك أوضحت المقابلات المعمقة أن بعض هذه الزيجات التقليدية بدأت كقصص حب بدون علم الأسرة ثم وضعت في الإطار التقليدي. مثال على ذلك ما قالته وفاء، “كان جارنا. اتصل بي وحين شعرت أنه جاد اتفقنا على أن يحضر لمقابلة والدي. وحين سألوني وافقت وقبلت به.”

من المثير للاهتمام ملاحظة المواقف المختلفة والمتغيرة فيما يتعلق بحق الفتاة في القول النهائي فيما يخص زواجها. في البداية ذكرت أغلب النساء المتزوجات المشاركات في المناقشات البؤرية أن القرار النهائي يجب أن يكون قرار الأب. إلا أنه مع مزيد من السؤال، أو في المقابلات الفردية، قالت الكثيرات أنهن لن يجبرن بناتهن على الزواج حتى وإن رأين إن ذلك في مصلحتهن. وقالت بعض النساء المتزوجات من الصعيد، “الأمور تغيرت الآن. الفتيات متعلمات ويعملن خارج المنزل. سوف ننصحهن، إلا أن القرار النهائي قرارهن”. أما النساء غير المتزوجات فقد وافقت أغلبيتهن على أن القرار النهائي يجب أن يكون قرار الأهل وإن أكدن على أنه لا يجوز إجبار الفتاة على الزواج من شخص لا ترغب فيه. وكانت النساء المتعلمات أكثر حسمًا في هذه النقطة. فعلى سبيل المثال، قالت مها، وهي طالبة من منطقة حضرية في الدلتا “القرار الأول والأخير في شأن زواجي لي. أنا التي سوف أعيش معه. أنا التي قد أعيش المعاناة.” بعضهن كانت لهن محاولة في المقاومة: “لم يوافقوا على خطيبي في البداية، لكني صممت، والآن جميعهم يحبه”. الشابات الإسلاميات وحدهن قلن أن من

حق الأهل تمامًا أن يقرروا منى وبمن تتزوج الفتاة (الأمر الذي يتعارض مع التعاليم الدينية) 23 وأضفن: “لا يجوز للفتاة أن تختلف مع أسرتها. لأنها إن تزوجت على غير رغبة أسرتها ثم تعرضت لمشاكل مع زوجها فإنه لن يحترمها، وإذا حدث الطلاق لن يمكنها العودة إلى منزل أسرتها.” معنى ذلك أن تمسك الشابات الإسلاميات بضرورة طاعة الأسرة قد يعود إلى رغبة في ضمان الأمان المادي في المستقبل.

وفي تناقض صارخ مع استجابات النساء الأكبر سنًا، ذكر أغلب الرجال أن القرار النهائي بشأن شريك الحياة يجب أن يكون قرار الفتاة. وأنهم سوف يحاولون إقناع بناتهم برأيهم، لكن إن فشلوا في ذلك يصبح الأمر متروكًا لها “هي حرة”، حتى الأقلية التي رأت أن القرار النهائي يجب أن يكون قرار الأب كانوا مستعدين لتغيير رأيهم في حال كانت الفتاة متعلمة: “يجب أن يُسمح للفتيات المتعلمات بمساحة أكبر، وهن أقدر على اتخاذ القرارات.” الرجل الوحيد الذي أصر على تأكيد السلطة الأبوية في ذلك الأمر كان رجلاً أميًا، كبير السن، من القاهرة، بدون عمل دائم، قال “ابنتي تتزوج من أختاره”.

تزوجت بالطريقة المعتادة. في صباح اليوم التالي سألتني أسرتي عن “منديل الشرف”. هذه الأمور مهمة للنساء اللاتي يخرجن ويعملن خارج المنزل. لم يكن زوجي مهتمًا بهذا الأمر. بل سألني: لماذا تريدين الاحتفاظ به؟ لكن أخي رأى أنه يجب عليّ أن أفعل ذلك.

نور، امرأة متزوجة، تبلغ من العمر 40 عامًا، لديها أربعة أطفال، تعمل خارج المنزل منذ كانت في الرابعة عشر، بدأت في مصنع والآن تعمل في جمعية تنمية مجتمعية. مثلها مثل نساء كثيرات في مصر، توافق على طقس الدخلة البلدي، رغم ما تسببت لها فيه من إحراج وألم، حيث أنها توفر لها الحماية من القيل والقال بعد الزواج.

عزيزة، امرأة عاملة، تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا، تخرجت من المدرسة الثانوية الفنية وتزوجت منذ اثني عشر عامًا. تقول:

كان القرار قرار أمي وخالاتي أن أدخل “بلدي” لأنني كنت أعمل مع زوجي في نفس المكان، والدي وحماي اعترضا لكن زوجي خضع للضغوط رغم أنه لم يكن يرغب في ذلك. أتذكر تلك الليلة جيدًا، كنت خائفة، لكني كنت أيضًا واثقة من شرفي، ظلوا يأخذون الفوط وكنت أشعر بالانهيار. لم أتمكن من النوم معه وكان يجب أن أتلقى العلاج في العيادة لعدة أسابيع بعد ذلك.

وجدت دراستنا ارتباطًا هامًا بين الالتزام بالدخلة البلدي وبين الطبقة والسن والجندر. أغلب النساء المتزوجات من الدلتا وبولاق لم يتعرضن للدخلة البلدي، على حين تعرضت لها معظم النساء في الصعيد. إلا أن النساء المتزوجات في الصعيد كن يتمنين، دون استثناء، أن لا يضطررن إلى ذلك. بل إن المجموعة الوحيدة التي فضلت أغلبيتها الدخلة البلدي كانت نساء حي السكاكيني في القاهرة. 24 مثلهن مثل نساء الدلتا وبولاق الدكرور كانت نساء السكاكيني ربات بيوت، غير متعلمات, من شرائح منخفضة الدخل، هاجرن مع أسرهن من الصعيد. وقد يكون تمسكهن بطقس الدخلة البلدي بسبب احتياجهن إلى إثبات شرفهن وتحديد هويتهن وحماية التقاليد والقيم قبل أن تمحوها “المدينة” بعد أن انتزعن من مجتمعاتهن الأصلية إلى مجتمع غريب. تقول المدافعات عن الدخلة البلدي أنها رغم قسوتها وألمها، وبشاعة ذكرياتهن عنها، إلا أنها الأفضل كي تتجنب النساء القيل والقال عنهن وكي يتمكن من السير مرفوعات الرأس بين أهل أزواجهن.

مع ذلك، فإن عددًا ليس بالقليل من النساء المتزوجات المشاركات في المقابلات في كافة المواقع واللاتي تعرضن لطقس الدخلة البلدي ذكرن أنهن لن يعرضن بناتهن لها، وعبرن عن اعتقادهن بأن الأمور اختلفت الآن. ويبدو أن ذلك كان أيضًا شعور بناتهن، حيث فضلت أغلب المشاركات غير المتزوجات أن تكون الدخلة عادية. المجموعة الوحيدة التي كانت ضد الدخلة البلدي وبحسم لا يقبل النقاش كانت مجموعة الطالبات الإسلاميات، حيث رأين جميعًا أنها محرمة دينيًا حيث أنها تكشف الأعضاء التناسلية للمرأة والتي لا يجوز أن تنكشف على أحد، ولا حتى الأم أو الأخت. كذلك فضلت الغالبية العظمي من الرجال ليلة الزفاف العادية. وذكروا أن ذلك أكثر احترامًا للنساء، وأن خصوصية ليلة الزفاف أمر شديد الخصوصية بين الرجل وزوجته، وأن انتهاكها بواسطة الدخل

البلدي يتسبب في مشاكل وصدمات لاحقة القليلون ذكروا أنها ضد الإسلام، بل وانبری أحدهم محتجًا بأن ذلك “نوع من الاغتصاب والقتل للفتاة”.

من المثير للقلق أن نجد أن الرجال هم من يدافعون عن “خصوصية” وسلامة جسد النساء في هذا الشأن، على حين تضغط النساء على أنفسهن ويدعمن الأعراف التقليدية المرتبطة بالشرف والعفة، حتى لو كان الثمن ألما وإهانة. يجب أن نسأل أنفسنا في السياق المصري الحالي عن معنى “الخصوصية” وكيف ارتبطت بتحكم الرجال في جنسانية النساء داخل الزواج؛ وأيضًا عن “الشرف”، وكيف أنه في غياب أي شكل آخر لممارسة السلطة وحرية الحركة يصبح الأداة الوحيدة التي تمكن المرأة من حرية الحركة “والسير مرفوعة الرأس”.

زوجي لطيف معي. عادة ما يلاطفني قبل الجماع. وأنا أستمتع بممارسة الجنس معه شرط أن تكون الغرفة مظلمة. إنه يسخر مني لذلك لكنه يوافق … لا، لا يمكن أبدًا أن أطلب منه ممارسة الجنس … لو كان الأمر متروكًا له لمارسنا الجنس كل يوم. لكنني أعتقد أن مرة واحدة في الأسبوع كافية جدًا لأنني عادة ما أكون متعبة من العمل والأعباء المنزلية. أحيانًا أشعر بالذنب لأن الناس تقول إنه حرام أن أرفضه، لكني أعلم أن الله سوف يسامحني لأنه يعلم مدى تعبي.

يعكس وصف وفاء الصريح لعلاقتها الجنسية مع زوجها مشاعر الكثير من النساء المتزوجات اللاتي تحدثنا معهن. غالبية النساء المشاركات في البحث، سواء المتزوجات أو غير المتزوجات، لم يترددن في الاعتراف بحقهن في الاستمتاع الجنسي في الزواج، بما في ذلك النساء الإسلاميات، اللاتي قلن إن حق الزوجة في المتعة الجنسية مذكورة في القرآن. وكانت هذه المجموعة هي المجموعة الوحيدة بين كل المشاركات التي ذكرت عجز الزوج الجنسي كسبب مشروع لطلب الزوجة الطلاق. في نفس الوقت شعرت غالبية المشاركات “أنه من غير اللائق أن تعبر المرأة مباشرة لزوجها عن رغبتها. إن ذلك يعيب المرأة، حيث إن المرأة يجب أن تكون مرغوبة من زوجها وليس العكس.” مع ذلك، وكما سمعنا من عدد من النساء اللاتي تحدثن بصراحة سواء في المجموعات البؤرية أو المقابلات المعمقة، يمكن للمرأة أن تستخدم عددًا من الوسائل غير المباشرة لتعبر عن رغبتها الجنسية مع الاحتفاظ بحيائها.

على سبيل المثال: يمكن أن “تعطيه علامة”، أو ترتدي ملابس نوم جميلة، أو تضع بعض المساحيق والعطر أو تلاطفه…

وردًا على سؤال ما إذا كان من حقها أن ترفض زوجها إن كانت به رغبة وكانت هي غير راغبة, قالت معظم النساء المتزوجات في البداية إنه من حق الزوج أن يمارس الجنس مع زوجته وإنه لا يجوز حرمانه من هذا الحق: “هذه وظيفتها”، “لماذا إذا تزوجها؟” ، “من واجب الزوجة أن تخدم زوجها”. لكن وراء هذا الخضوع المخلص للجنس غير المرغوب فيه، كانت هناك بعض الحقائق العملية الصعبة، خاصة الخوف من انتقام الزوج. البعض قال “سوف يحيل حياتي إلى جحيم” أو “اليوم التالي سوف يكون سيئًا” مشيرات إلى التهديد بسوء المعاملة أو العنف (انظر أدناه)؛ على حين أشارت أخريات إلى إمكانية تطليق الزوج لها أو الزواج من أخرى في حال لم تستجب لرغباته الجنسية. كانت النساء، في الحقيقة في كل المجموعات وفي المقابلات الفردية، أكثر ثقة في تولي شؤون احتياجاتهن الخاصة. ومثل وفاء، رأت النساء أن الشعور بالمرض أو التعب يعد سببًا مشروعًا لرفض ممارسة الجنس مع زوجها، وأن على الزوج أن يكيف رغباته في مثل هذه الحالات وإلا اعتبر وقحًا. كما ذكرت النساء تكتيكات أخرى لتجنب ممارسة الجنس مثل ادعاء المرض أو النوم مع الأطفال أو الذهاب إلى النوم مبكرًا أو ادعاء النوم أو حتى قرص أحد الصغار كي يستيقظ ويبكي.

وعلى عكس النساء المتزوجات كانت النساء غير المتزوجات أكثر صراحة ووضوحًا في رأيهن بأن الرجل لا يملك الحق المطلق في ممارسة الجنس مع زوجته، بل إن البعض قلن إن ذلك حرام. لكنهن، مثل النساء المتزوجات، كن مدركات للصعوبات العملية التي تمنع الزوجة من رفض المعاشرة الجنسية مع زوجها بشكل مباشر. واقترحن أساليب غير مباشرة لتجنب المعاشرة غير المرغوب فيها: “سوف أقول إن هذا وقت الدورة الشهرية أو أن ظهري يؤلمني أو أدعي النوم”. وكان الغرض من هذه الأعذار هو رفض ممارسة الجنس دون جرح كبرياء الرجل أو بدء مشاجرة، كي يبدو الأمر وكأن الرفض لا علاقة له برغبة الزوجة من عدمها. وكانت مجموعة الإسلاميات هي المجموعة الوحيدة التي رأت أن للرجل حق غير مشروط في ممارسة الجنس مع زوجته في أي وقت وأي مكان يختاره ، بغض النظر عن رغبتها. وفي تعارض تام مع باقي المجموعات غير المتزوجة، رأت الإسلاميات أنه حرام علي الزوجة أن تمتنع عن زوجها حتى لو كانت متعبة أو تشعر بالمرض.

من ناحية أخرى قال معظم الرجال أنهم سوف يتفهمون إذا رفضت زوجاتهم ممارسة الجنس لأنهن متعبات، أو مريضات أو في فترة الطمث. بل إن قليلين منهم وافقوا على أن للزوجة الحق في رفض الجنس إن كان مزاجها لا يسمح بذلك، ولكن في حدود. وذكرت الأغلبية أنهم سوف يحاولون أولاً مناقشة الأسباب. وذكرت قلة من الرجال أنهم سوف يجبرون زوجاتهم على ممارسة الجنس: “لماذا إذا تزوجتها؟” وأبدى رجل واحد ملاحظة مثيرة للاهتمام، إذ قال إن الزوجة لا يجب أن ترفض رغبة زوجها، لأن “الامتناع أداة عقاب يستخدمها الرجل وليس المرأة”. ولو بحثنا عن المشترك في هذا النقاش، عما يقطع عبر الموقع والجندر والسن والحالة الاجتماعية، سنجد أنه قناعة النساء المتزوجات بقدرتهن وحقهن الشعور بالمتعة الجنسية، مثلهن مثل أزواجهن.

رغم أن الدين والتقاليد تقول بأن واجب الزوج هو إرضاء زوجته، ماديًا وجنسيًا، إلا أنهما أيضًا يوكلان للرجل رئاسة الأسرة واتخاذ القرار ووضع القواعد بها ومن ثم تجب طاعته. وبالتالي فإن “طبيعة الأمور” تستدعي احتمال النساء للخلافات الزوجية، وحين تشتد الخلافات قد تترك النساء منزل الزوجية لفترات مؤقتة ويعدن إلى منزل أسرهن، إلا أن الطلاق والانفصال الدائم غير مقبولين بسهولة، حيث يترتب عليهما انهيار الأسرة والأذى للأطفال. قد لا تمانع الأسرة في استضافة ابنتها وأطفالها بعد شجار مع الزوج لفترة تتخللها مفاوضات الصلح ووضع بعض الشروط على الزوج. لكن الأسرة نفسها لن تشجع المرأة على الطلاق، إذ أن ذلك يترتب عليه أعباء مادية عليهم بسبب إعالتها هي وأطفالها، إضافة إلى السمعة السيئة التي تلاحق المرأة المطلقة. وفي ضوء الصعوبات الشديدة التي تحيط بحصول المرأة على الطلاق في مصر (انظر أعلاه) فإن النساء عادة ما يستسلمن للضغوط الأسرية والاجتماعية، ومن ثم فهن كثيرًا ما يواجهن الاختيار المر بين البقاء في علاقة زوجية صعبة أو ترك الأطفال والعودة وحدهن إلى منزل الأسرة.

في كل المجموعات البؤرية والمقابلات المعمقة وصفت النساء الزوجة الصالحة بصفات تحمل قدرة عالية على التأقلم، بما في ذلك تحمل الزوج، والصبر عليه والرضا ما يقدر على تقديمه. فالزوجة الصالحة هي التي تطيع زوجها وتطلب إذنه في كثير من الأمور خاصة العمل خارج المنزل، أو حتى زيارة أسرتها. في مقابل ذلك يجب أن يكون الزوج مهذبًا وقادرًا على إعالتها وإعالة أطفالها. ومع ذلك أقرت بعض النساء أن الأمور قد لا تسير على ما يرام. فعلى سبيل المثال يمكن للزوج أن يصبح عنيفًا، وفي هذه الحالة قد تترك المرأة منزلها وتعود إلى أسرتها إلى أن يأتي إليها ويعتذر. تقول وفاء:

أثناء المشاجرة عادة ما أترك المنزل طالما هو فيه، لكن بعد أن يخرج أعود إلى المنزل وأنظفه وأجهز الطعام للأطفال ثم اتركه ثانية قبل أن يعود. لكن في المرة الأخيرة كان بشعًا ومخطئًا للغاية، فتركت المنزل تمامًا وذهبت إلى منزل حماتي، حتى اضطره والده إلى الاعتذار لي.

إلى جانب التوافق النظري حول أن الكلمة الأخيرة في الأسرة هي للرجل، كما تشير تكتيكات وفاء، إلا أن الممارسة تكشف مساحة لا بأس بها للمناورة. حيث وجدت النساء المتزوجات اللاتي التقينا بين طرقا كثيرة للالتفاف على اعتراضات الزوج، إما عن طريق الإقناع أو الملاعبة “طرق الستات” أو الشجار. كثيرات منهن أكدن على مهارة الإقناع دون أن يبدو الأمر أنهن يعارضن الرجل، مثلما توضح نور:

حتى وإن كنت متأكدة أن وجهة نظره خطأ، استمع إليه حتى النهاية … إذا لم يكن الأمر على قدر كبير من الأهمية أنفذ له ما يريد في الأمور الصغيرة، كي أتمكن من المجادلة أكثر في الأمور الأهم. نفترض على سبيل المثال أن زوجي يرفض خروجي لزيارة أسرتي. لن أتشاجر معه على ذلك وإلا حسم هذا الأمر تمامًا. سوف أتصل بهم، دون أن أخبره، وأطلب منهم أن يعبروا له عن رغبتهم في رؤيتي … سوف يشعر بالحرج وسوف يتركني أذهب أو على الأقل سوف يذهب معي لزيارتهم.

لكن بعض الأزواج ليسوا قابلين للإقناع، الأمر الذي يطرح مشكلة العنف المنزلي. حيث كشفت نتائج المسح الصحي الديمغرافي الأخير أن 35% من النساء المصريات تعرضن للضرب من أزواجهن على الأقل مرة واحدة، وكانت النسبة بين النساء الريفيات أعلى من ذلك بقليل. 25 وقد كانت آراء النساء المشاركات في المسح مثيرة لنفس الدرجة من القلق حيث وافقت 86 % من النساء على أنه من حق الأزواج ضرب زوجاتهم، على الأقل أحيانًا، خاصة إذا رفضن ممارسة الجنس (٧٠ %)، أو جادلنه (69%)، أو تحدثن مع رجال آخرين (64%)، أو أهملن أطفالهن (51%). هذا الموقف المتسامح بين النساء المتزوجات تجاه العنف المنزلي لا تدعمه التقاليد الأبوية فحسب، وإنما أيضًا السياسات العامة. إذ يتضمن القانون المصري بعض النصوص المحددة التي تستهدف حماية النساء من أعمال العنف في المجال العام، خاصة الاغتصاب، والخطف المصحوب بالاغتصاب، أو أي فعل فاحش يخدش حياء النساء. لكن عنف الأزواج ضد الزوجات يُعتبر ضمنيًا شأنًا خاصًا، وبالذات إذا كانت المرأة فقيرة وعلى درجة منخفضة من التعليم.

لكن، هل تتقبل النساء المصريات فعليًا ذلك العنف الذكوري “الخاص” ضدهن؟ إن بحثنا, الذي يشمل عددًا أقل بكثير من النساء عن المسح الصحي الديمغرافي، وإن كان أكثر عمقًا منه, يشير إلى أن مشاعر النساء، إن لم يكن واقعهن اليومي، يؤكد العكس تمامًا. كما كشفت أبحاث لاحقة أيضًا أن النساء المصريات يرفضن العنف الزوجي، أخلاقيًا ونفسيًا، حتى وإن لم يمتلكن الإمكانية العملية لمنع حدوثه. 26 فقد ذكرت بعض النساء في المجموعات البؤرية أن من حق الرجل ضرب زوجته “ضربًا خفيفًا”، لكن عندما تحدثنا عن إمكانية حدوث ذلك لهن، عبرت النساء في اللقاءات المعمقة عن اعتراض شديد على ذلك. كذلك عبرت أغلب النساء في مواقع الدلتا عن رفض صريح لضرب الزوجات فقلن: “ليس من حقه”، “إنه أمر مهين للمرأة”، و”ماذا يبقى بعد أن يذهب الاحترام؟”، “سوف يؤثر ذلك على الأطفال”، الخ. وشعر عدد لا بأس به من النساء في القاهرة والصعيد أيضًا أن الرجل الذي يضرب زوجته رجل سيء، إلا إذا استفزته بظروف استثنائية للغاية, على سبيل المثال، على حد تعبير زينب، “إن لم تحافظ على شرفه أو كشفت أسراره أو أهدرت ماله”. ولكن عند تناول الأمر بشكل شخصي دون الحديث في المطلق، عبرت زينب أيضًا عن اعتراضها الأخلاقي الشديد:

الرجل الذي يضرب زوجته يفتقد إلى الرجولة. زوجي فعلها مرة لسبب بسيط. وحين بكيت ندم على فعلته ووعدني ألا يكررها. الضرب لا يمكن أن يكون جزءًا من الدين. والله لن يقبل أن يستخدم الرجل قوته ضد امرأة تخدمه وتخدم أطفاله.

ميزت النساء المتزوجات المشاركات في البحث بين العنف اللفظي والعنف البدني، في حالة العنف اللفظي قلن إن من الحكمة أن يتركن العاصفة تمر وعدم تضخيمها، لكن ذلك لا يعني أنهن يقبلن أو يحببن ذلك، فهن لا يقبلن به، إلا أنهن يعتقدن أن المرأة التي تعرف كيف تتعامل مع زوجها قادرة على تجنب هذا النوع من المعاملة. وقد بلغت قناعتهن بقدرة النساء على المناورة حد أنهن افترضن أن المرأة التي تتعرض للعنف المنزلي لابد وأنها عجزت عن التعامل مع الموقف بشكل جيد. فقط مجموعة نساء السكاكيني، اللاتي يملن إلى اتخاذ مواقف أكثر تقليدية بشأن موضوعات أخرى أيضًا، وجهن اللوم تمامًا للمرأة في حال تعرضت لعنف الزوج وافترضن أنها بالتأكيد أخطأت في أمر ما لتستحق العقاب.

أما النساء صغيرات السن من غير المتزوجات فقد رفضن العنف المنزلي من طرف الزوج وهن يتخيلن حياتهن الزوجية في المستقبل. وأكدن أن العنف المنزلي يمثل سببًا ليس بالضرورة للطلاق, ولكن لترك المنزل وإتاحة الفرصة لأسرهن للتفاوض من أجل شروط أفضل للحياة المشتركة. وفي بداية النقاش مع النساء الإسلاميات ذكرن أنه من حق الزوج أن يضرب زوجته “فالدين منحه هذا الحق، شرط أن يكون ضربًا خفيفًا وشرط أن يكون حاول كل الأساليب الأخرى في معالجة الموقف مثل التشاور مع أسرة زوجته أو هجر زوجته في الفراش”. ولكن حين حكت إحدى الباحثات عن واقعة شجار بين زوج وزوجته أدت إلى أن دفعها الزوج بعنف بعيدًا عنه، شعرت النساء بالغضب وقلن “هذا ليس من حقه”، “إن حدث ذلك معي سوف أشعر بالضيق الشديد”، “هذا أمر مهين للغاية، غير مقبول”، في النهاية كان الرفض، وليس الطاعة، هو رد الفعل الغالب تجاه عنف الزوج ضد زوجته.

في حالة الخلاف الزوجي، بما في ذلك العنف المنزلي، يكون للمرأة العاملة بأجر موقف تفاوضي أفضل مع أسرتها كما مع زوجها. ولكن خروج الزوجة للعمل هو في حد ذاته أمر يؤدي في كثير من الأحوال إلى خلاف زوجي شديد. ويعود ارتفاع عدد النساء المصريات اللاتي يعملن بأجر بالأساس إلى الحاجة الاقتصادية، ولضمان توفير الغذاء والرعاية الصحية وتعليم الأطفال. وحتى مع وجود دخل للزوج، تضطر الكثير من النساء الفقيرات إلى العمل لتلبية احتياجات المنزل. خاصة مع ارتفاع الأسعار نتيجة الخصخصة وسياسات التكيف الهيكلي. لكن العمل وكسب المال في حد ذاتهما لا يضمنان مساواة النساء مع الرجال سواء في المجتمع أو المنزل، وإنما يمكنان النساء من قدرة وموارد إضافية في العلاقة التفاوضية مع الزوج والمجتمع. وبحسب شهادات النساء المشاركات في البحث فإن ذلك الهامش التفاوضي هام وقيّم للغاية:

أكثر من ثلثي النساء المتزوجات المشاركات في المقابلات المعمقة كن نساء عاملات في شتى الأعمال, وإن كانت أغلبية العاملات من الدلتا والمناطق الحضرية. أما من حيث طبيعة العمل فكانت في الأغلب عمل حكومي أو بائعات أو عاملات تنمية، أو عاملات نظافة في مؤسسات أو المنازل، أو ممرضات. وقد عبرت الكثير من النساء اللاتي لا يعملن خارج المنزل عن رغبتهن في إيجاد فرصة عمل مناسبة، وفضلن أن تكون قريبة من محل السكن. وبشكل عام، شعرت الأغلبية أن العمل مهم للمرأة. فهو يرفع من دخل الأسرة ويساعد في تعليم الأطفال ويمنحها مالاً لتشتري ما تريد وتحتاج – على حد تعبير النساء في القاهرة – سواء للمنزل أو لنفسها. العمل “سلاح للزوجة في حال هجرها زوجها” أو كما أكدت نساء بولاق “العمل يعطي المرأة استقلالها”. بل إن البعض استخدم مصطلح “تحقيق الذات” وذكرن العمل كأحد العوامل التي تضفي على المرأة قيمة في مجتمعها “وتجعل الناس يحترمونها” على حد تعبير امرأة من مجموعة السكاكيني.

إلا أن هذا الشعور الضمني بالحق في العمل يأتي مشحونًا بعناصر واضحة جدًا من التكيف مع الأعراف التقليدية بشأن التزامات النساء في الزواج. فقد ذكرت نفس النساء اللاتي تحدثن عن مزايا “الاستقلالية” وتوفر الموارد للإنفاق على نفسها إن دعت الحاجة، أنه لكي يصبح العمل حقًا للنساء، يجب أن يقمن أولاً بدورهن كربات منزل وأمهات. هنا تكون المبادلة: إن لم تدفعي مقدمًا لا يمكنك أن تطالبي بما تريدين ولن تحصلي عليه. كذلك قالت غالبية النساء المتزوجات في كل المجموعات إن الزوج يملك الحق والقدرة على منع زوجته من الذهاب إلى العمل؛ وليس هناك ما يمكن عمله إن رفض. سوف يحاولن إقناع أزواجهن، خاصة إذا كان دخل الأسرة منخفضًا، لكن الكلمة الأخيرة تبقى كلمته. قليلات فقط من أبدين بعض التردد في تقبل هذا الأمر وقلن “إذا كانت الزوجة تقوم بكل واجباتها في المنزل، لا يصبح من حقه أن يمنعها” (المبادلة مرة أخرى). إلا أن النساء في المقابلات المعمقة كن أكثر حسمًا. لقد دخل عدد قليل من نساء المناطق الريفية في الدلتا في مواجهات مفتوحة مع أسرهن (أهلهن ثم أزواجهن) واستطعن الاستمرار في العمل.

حميده، عاملة منزلية، تبلغ من العمر 46 عامًا، لديها ابنة متزوجة وثلاث أبناء، تقول:

أرادني أن أتوقف عن العمل، بل أنه ضربني مرتين، لكني بقيت في العمل. أريد أن أعلم أبنائي وهو لم يكن يعمل طوال الوقت. في النهاية توقف. الآن أصبحت أنا من يدفع ثمن كل شيء.

معظم النساء غير المتزوجات في المجتمعات محل البحث لم يكن يعملن، حيث ما زالت بعضهن طالبات في المراحل المختلفة من التعليم، والبعض الآخر متدربات في فصول الحياكة والتريكو ضمن مشروعات تنمية المجتمع، الأمر الذي يشير إلى إمكانية عملهن خارج المنزل في المستقبل. وعلى حين ترى النساء المتزوجات أن الحاجة الاقتصادية هي السبب الرئيسي الذي يدفع المرأة للبحث عن عمل، كانت النساء غير المتزوجات أكثر ميلاً للتركيز على قيم الرضا وتحقيق الذات. “لا يتعلق الأمر بعنصر المال، يجب أن تتوفر لدي الفرصة لأثبت نفسي”، “العمل أهم من الزواج”، “أشعر بالرضا عن نفسي حين أعلم الأخريات ما تعلمته”. تلك كانت بعض إجاباتهن. وقالت إحدى الشابات إنه أصبح لها صوت في أسرتها بعد أن بدأت العمل والمساهمة في دخل الأسرة. نتيجة لذلك، ورغم كونها هي نفسها مختتنة، نجحت في حماية أختها الأصغر من التعرض لذلك، وهو مثال يوضح كيف أن التمكين الاقتصادي للنساء قد يدعمهن فيما يخص السلامة الجسدية والصحة الإنجابية.

وعلى حين تنوي جميع الشابات الإسلاميات العمل بعد التخرج، إلا أنهن أضفن أنه في حال وجود تعارض بين عملهن وبين واجباتهن المنزلية فسوف يخترن البقاء في المنزل. فالغرض من العمل خارج المنزل هو خدمة المجتمع، خاصة لسد الاحتياج لوجود طبيبات. ورغم أن تحقيق الذات أمر هام بالنسبة لهن مثلما هو بالنسبة للنساء المتزوجات، إلا أنهن مستعدات لتلبية رغبة الزوج في البقاء في المنزل. ومثل النساء المتزوجات، رأين أنه على المرأة أن تحاول إقناع الزوج، لكن القرار الأخير يظل معه.

على الرغم من موافقة أغلبية الرجال المشاركين في البحث، من حيث المبدأ، على عمل النساء خارج المنزل، خاصة إذا كن متعلمات، إلا أن هذه الموافقة كانت مشروطة بالحاجة الاقتصادية، في حال كان دخل الزوج منخفضًا أو كان الزوج متوفيًا، القليلون فقط كانوا مستعدين لتقبل فكرة أن النساء قد يحتجن إلى العمل من أجل تحقيق أهدافهن الخاصة، أو ليشعرن بالقيمة والكرامة في المجتمع. قال أحد الرجال من الصعيد “الحياة أصبحت صعبة للغاية ولا عيب في أن تساعد المرأة زوجها”. كما كان هناك آخرون ممن أصروا على أن مكان المرأة هو المنزل لخدمة زوجها وأطفالها، وأضافوا – بعد نقاش – أن الحاجة الاقتصادية تمثل استثناء لذلك. وذكر أحدهم أن زوجته تعمل خارج المنزل. ورغم ميلهم إلى رفض عمل الزوجة بأجر خارج المنزل، إلا أنهم رأوا أن ذلك قد يكون ضروريًا عند الحاجة. 27 لكن بعض الرجال أصروا على رفض عمل الزوجة خارج المنزل، بغض النظر عن المصاعب الاقتصادية: “على النساء أن تخدم في المنزل وأن تهب نفسها تمامًا لتربية الأطفال”, على حد تعبير أحد الرجال في المنيا. وبعضهم قال إن النساء مختلفات عن الرجال ولا يمكن أن يعملن في نفس الوظائف: “نفترض أن العمدة كان امرأة، ماذا تفعل لو ذهبت تسأل عنها وقالوا لك أنها تلد؟”

نعتقد أن الرجال المشاركين في البحث ما كانوا ليؤكدوا بذلك الإصرار على المكانة المتميزة للرجل داخل الأسرة لو لم يشعروا بأن تلك المكانة مهددة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث تحولاً في أدوار الجندر. وفي مواجهة تلك التغيرات، يميل الرجال، مثل النساء، إلى التكيف مع الأعراف التقليدية الأبوية؛ الفرق هو أن الرجال يسعون من خلال عملية التكيف هذه إلى إثبات أنفسهم والدفاع عن سلطتهم على حساب النساء. 28 كذلك يدرك الرجال بدون شك أن التوسع في نشاط النساء وحرية الحركة خارج المنزل سوف يؤثران على سلطاتهن وقدراتهن على اتخاذ القرار داخل المنزل – بما في ذلك القرارات ذات الصلة بالخصوبة والحمل.

اتفق جميع المشاركين في البحث، نساًء ورجالاً، على أن الأطفال هم السبب الرئيسي للزواج وتكوين الأسرة، وإنجاب الأطفال هو أحد الواجبات الرئيسية للزوجة المصرية. الأطفال مصدر كبير لقيمة المرأة. وبعد إنجاب الأطفال يصبح للمرأة قدرة أكبر على التفاوض والمواجهة مع زوجها، وبدون الأطفال تكون المرأة ضعيفة وتتعرض لأمور في الزواج قد لا ترضى عنها. كذلك يقوم الأطفال بدرجة ما بحماية المرأة من الطلاق. وفي أوقات الخلاف تنصح الأمهات بناتهن في كثير من الحالات بإنجاب طفل آخر لتجاوز المشاكل. وتتضح أهمية إنجاب الأبناء بالنسبة للنساء في اتفاق النساء المشاركات في البحث على أن أحد الأسباب المشروعة لتطليق الرجل زوجته هو عدم قدرتها على الإنجاب، بل إن العقم هو الحالة الوحيدة التي تتنازل النساء فيها عن الرفض التام لتعدد الزوجات.

تقول وفاء، التي أنجبت أربعة أطفال:

بالطبع إنجاب الأطفال مهم بالنسبة للرجال والنساء … كاد زوجي أن يجن بعد أن مر على زواجنا أربعة شهور ولم أحمل … إذا كان الزوجان يحب أحدهما الآخر وعلاقتهما جيدة قد يتحملان عدم إنجاب الأطفال … لو كانت عدم القدرة على الإنجاب بسببه لتحملت ذلك لأنه رجل طيب … لكن لو كان ذلك بسببي وأراد هو الزواج بأخرى فإن ذلك من حقه … عندها سوف ننفصل بالطلاق، لكني أبدًا لن أقبل زوجة ثانية.

يعكس هذا التعليق ازدواجًا في المعايير: فالمتوقع من الزوج أن يطلق زوجته (أو يتخذ زوجة ثانية) إذا كانت زوجته غير قادرة على الإنجاب. أما إذا كان هو غير القادر على الإنجاب، فسوف تقدر المرأة ما إذا كان زوجًا طيبًا أم لا ومدى حبها له قبل أن تقرر ما إذا كانت سوف تسعى إلى الطلاق (وبالطبع ليس متاحًا لها أن تتخذ زوجًا ثانيًا). وبرغم القيمة العالية للإنجاب بالنسبة للنساء، إلا أن الاختيار بين البقاء بدون أطفال وبين الحصول على الطلاق ظل خيارًا صعبًا بالنسبة للنساء المشاركات في البحث، الأمر الذي قد يشير إلى أن الزواج قد يكون أكثر أهمية بالنسبة لمكانة المرأة وشعورها بقيمة ذاتها في مصر مقارنة بإنجاب الأطفال. كذلك، فإنه في حال كان الزوج هو العاجز عن الإنجاب، فإن اللوم لا يقع على المرأة، وتستطيع عندئذ أن توفر على نفسها تعليقات الجيران والأسرة وأن تصبح النظرة إليها هي نظرة الزوجة المضحية بنفسها من أجل الحفاظ على الزواج.

عند سؤال النساء عمن يتخذ قرارات توقيت الحمل أو عدد الأطفال كانت الإجابة المباشرة في هذا البحث ومسوح قومية أخرى في مصر, أن القرار قرار مشترك بين الزوجين. أي أن وضع النساء في عمليات اتخاذ القرارات الإنجابية هو موقف “المساواة أكثر منه الاستقلال” (Govindasamy and Malhotra1996) 29

في حالة الاختلاف يجب أن يكون القرار النهائي بيد الرجل، “لأنه هو من ينفق” (أي يتحكم في قرارات الإنفاق المنزلي). ومع ذلك فإن المزيد من التدقيق في هذا الأمر كشف أن الكثير من النساء المتزوجات قد ينفذن ما يرغبن فيه دون إخبار الزوج – أي يستخدمن أو يتوقفن عن استخدام وسائل منع الحمل، أو يلجأن إلى الطرق التقليدية للإجهاض (انظر أدناه). واحدة من النساء القاهريات قالت إنها قد تترك المنزل وتذهب إلى منزل أسرتها لو حاول زوجها إجبارها على الحمل أو منعها منه، وأضافت مؤكدة: “إنه قراري، وحدي”. اتفقت جميع النساء القاهريات المشاركات في البحث على أن إنجاب الأطفال أمر هام بالنسبة للنساء لكن عدد الأطفال يبقى قرار المرأة. تؤكد زينب، وهي خياطة ماهرة، تعمل في ورشة ملابس، على سلطتها في هذا الشأن: “لا، زوجي لا علاقة له بعملية منع الحمل هذه … هو أراد أن يكون له أطفال … وقد أنجبت له أطفالاً وحصل على الولد، هذا يكفي. نحن بالكاد نقدر على إطعام أنفسنا.”

هذا الشعور القوي بالحق في اتخاذ القرارات الإنجابية الذي عبرت عنه النساء المشاركات في البحث يتفق مع نتائج أبحاث مصرية أخرى كشفت أن النساء المصريات اللاتي يعملن بأجر خارج المنزل لديهن حرية أكبر في الحركة واستخدام وسائل منع الحمل (Govindasamy and Malhotra 1996). قد يكون ذلك بسبب النسبة العالية من النساء العاملات بأجر خارج المنزل بين المشاركات في هذا البحث مقارنة بنسبتهن على المستوى القومي، إلا أن بحثنا اختلف فيما يتعلق بإصرار الزوجات على الوصول إلى قرار مشترك مع الزوج دونًا عن الاستقلال بالرأي حين يتعلق الأمر بتنظيم الخصوبة، حتى وإن كانت الثقافة، وهن أيضًا، يفضلن “التفاعل والتفاوض” في موضوعات أخرى كثيرة. لكن في كثير من الأحيان يُمارس هذا الحق بشكل سري. في إحدى المناقشات البؤرية في القاهرة قالت امرأة إنها لو أرادت طفلاً وكان زوجها لا يريد فإنها سوف تزيل اللولب دون علمه. وقالت أخرى إنها يمكن أن تحدث الإجهاض عن طريق تناول البيبسي كولا وأن الأمر وقتها سيبدو وكأنه إجهاض طبيعي. في الحالتين، سواء للحصول على طفل آخر أو لمنع حدوث ذلك، قدمت المجموعة اقتراحات لكيفية تحكم المرأة في الوضع خلسة، فيبدو الأمر وكأنها تنصاع لرغبة زوجها. أما الأسباب التي تجعل النساء يستخدمن موانع الحمل أو يلجأن إلى إنهاء الحمل فكانت أولاً صحة المرأة، ثم الوضع الاقتصادي للأسرة، خاصة إذا كان إنجاب طفل آخر يعني ترك المرأة لعملها ومن وعلى العكس من المجموعات الأخرى، عارضت النساء الإسلاميات أي نوع من أنواع منع الحمل الصناعية. فعدد الأطفال، بحسب رأيهن، يترك لله. وذكرت إحدى المشاركات حكاية حدثت لإحدى الأخوات التي كانت معارضة لتحديد عدد الأطفال وتركت القرار لله. وقد وهبها الله أربعة أطفال, توقفت بعدها عن إنجاب الأطفال دون استخدام أي وسيلة. الحالة الوحيدة التي قبلت فيها النساء الإسلاميات استخدام موانع الحمل هي الرغبة في تنظيم الحمل خلال فترة الرضاعة وفي حال كان الحمل يمثل خطرًا على صحة الأم. وفي نفس الوقت تساءلن عما إذا كانت هناك وسيلة لا تتسبب في مشاكل صحية أو لا تسبب أعراضًا جانبية للنساء ولا تحول دون تمتع الرجل بالجنس ويوافق عليها الدين. بمعنى آخر لقد ترافقت رغبتهن في الالتزام الديني مع رغبتهن في عدم الإنجاب، بطريقة ما، إلا في حالة الرغبة في ذلك. توقعت غالبية النساء غير المتزوجات الأخريات المشاركات في البحث أن يحددن عدد مرات الإنجاب بمرتين أو ثلاثة، وتخلين عن فكرة تفضيل الذكور انطلاقًا من شعور بالمساواة. “الحياة تغيرت، الآن أصبحت البنت مثل الولد”. ورأت الأغلبية أن عدد الأطفال يجب أن يحدده الزوج والزوجة معًا. لكن بعضهن رأين أن صحة المرأة وسعادتها يجب أن تكون المحدد الأساسي في تحديد توقيت وعدد مرات الإنجاب، حتى وإن اضطرت المرأة إلى الالتفاف لإقناع زوجها.

وافق الرجال المشاركون في البحث على أنه من الأفضل أن تتخذ القرارات بشأن الحمل والإنجاب بالتشاور بين الزوجة والزوج، وأن يتحدد ذلك أولاً بصحة المرأة وثانيًا بالظروف الاقتصادية للأسرة. ولكن، مثلما الحال مع باقي القرارات، إذا لم يكن الاتفاق ممكنًا، فإنهم يصرون على أن القرار الأخير يبقى مع الرجل لأنه المسئول عن اقتصاديات الأسرة. وذكر العديد من الرجال أن من حق الرجل اتخاذ زوجة ثانية إن كانت زوجته عاجزة عن الإنجاب، حتى تنتقل ممتلكاته، مهما صغرت، إلى أبنائه. واعترض على ذلك رجل واحد فقط، معبرًا عن قلقه أن تدور الدوائر على الرجل “ويصبح من حق الزوجة أن تترك زوجها في حال عدم قدرته على الإنجاب.” برر الرجال بشكل عام حقهم في القرار النهائي بشأن الإنجاب بسلطتهم الاقتصادية وموقعهم على رأس الأسرة. لكن هذا التبرير قد لا يعكس سوى ما يريد الرجال أن يصدقوه، خاصة في وجود واقع لم يعد من الممكن تجاهله وهو أن الزوجات صرن ينتزعن درجات من الاستقلال الاقتصادي ومن ثم أصبحن فعليًا يتخذن القرارات بشأن الخصوبة والحمل.

رغم قلة عدد المشاركات في البحث، وهو لا يمثل بأي حال من الأحوال النساء المصريات ككل, وعلى الرغم من أن الكثير من النساء المشاركات ما زلن قادرات على إنجاب الأطفال، إلا أن نظرة سريعة على عدد الأطفال بين النساء المتزوجات في بحثنا تشير إلى أنهن فعليًا يحددن عدد مرات الإنجاب. تراوح عدد أطفال معظم النساء المشاركات، بمن فيهن نساء الصعيد والمناطق الريفية، بين طفل وأربعة أطفال، ونصفهن تقريبًا كان لديه طفل أو اثنين. ثلاثة فقط من بين 45 امرأة شاركن في البحث كان لديهن أكثر من أربعة أطفال وقت إجراء البحث.

كانت غالبية النساء المتزوجات في الدراسة يستخدمن أو سبق لهن استخدام واحدة من وسائل منع الحمل، وإن ليس بالضرورة وسيلة من الوسائل الطبية أو الحديثة. والنساء اللاتي لم يستخدمن تلك الوسائل كانت لديهن أسباب عملية محددة لذلك: إما لأنهن يرغبن في الحمل، أو لأن الزوج مسافر، أو لأنهن مطلقات أو منفصلات. ومن الملفت للنظر أن العديد من النساء المستخدمات أو اللاتي كن مستخدمات لوسائل منع الحمل اعتقدن – خطأ – أن الدين يمنع استخدام وسائل منع الحمل الصناعية، الأمر الذي يعود بنا مرة أخرى إلى الملاحظة التي لفتت نظرنا في كل نقاش حول قرارات الحمل والإنجاب: إن تقدير النساء للضرورة العملية واختياراتهن بناء على ذلك تطغى على كل من المعتقد الديني أو التقاليد الأبوية.

ومع ذلك فإن هذا الشعور بالحق في اتخاذ القرار بشأن الخصوبة والإنجاب قد يصاحبه غياب في معرفة الأساليب الملائمة أو المعلومات. زينب، على سبيل المثال، تستخدم أقراص منع الحمل “عند اللزوم” (أي حين تمارس الجنس مع زوجها) لأن “ذلك (الجماع) يحدث مرة واحدة في الشهر”, لم يخبرها أحد عن الاستخدام الصحيح للأقراص، كما أن مستوى تعليمها المنخفض يحول بينها وبين قراءة التعليمات المكتوبة. ولا عجب أن يؤدي الاستخدام غير الصحيح لوسائل منع الحمل إلى محاولات الإجهاض، الذي بدوره يمكن أن يكون محاطًا بالمخاطر. روت لنا إحدى العاملات المنزليات من القاهرة بفخر واضح قدرتها على التصرف:

أجهضت ثلاث مرات، في مرتين قمت بذلك بنفسي، شربت كوكاكولا مغلية وحملت أشياء ثقيلة وصرت أقفز أكثر من مرة. لكن إجهاضي الثاني كان صعبًا للغاية وتألمت كثيرًا. لذلك حين حملت مرة أخرى ذهبت إلى الداية وكان الأمر أسهل. (تضحك) طبعًا زوجي لم يعلم شيئًا عن أي من ذلك.

يسود العرف في كافة مجتمعات البحث بأن الإجهاض حرام. إلا أن المزيد من الأسئلة التفصيلية في المقابلات المعمقة كشفت طيفًا معقدًا من القيم والخبرات، خاصة حين سألنا النساء عما تفعله صديقاتهن وقريباتهن لحل مشكلة الحمل غير المرغوب فيه. افترضت معظم النساء، المتزوجات وغير المتزوجات، أن المرأة قادرة دائمًا على إيجاد طريقة لإنهاء الحمل دون معرفة زوجها، وأيضًا دون الذهاب إلى الطبيب أو الإعلان عن الأمر. هذا يعني، بطبيعة الحال، استخدام الطرق الذاتية، المليلة بالمخاطر، مثل حمل الأشياء الثقيلة والقفز من فوق السرير أو الأريكة، أو استخدام الوصفات الشعبية مثل أوراق البصل المغلية، أو الكوكاكولا المغلية أو مشروبات غازية أخرى. بل إن المرأة قد تُدخل إبرة تريكو داخل عنق الرحم لكي تُحدث نزيفًا ومن ثم تتمكن من دخول مستشفى عمومي حيث تتوقع أن يستكمل الإجهاض جراحيًا. ولكن في ضوء الأحوال المتردية للمستشفيات الحكومية في مصر فإن ذلك يُعتبر آخر ما تلجأ إليه النساء.

بغض النظر عن الوسيلة، نرى أن النتيجة الواضحة لمثل تلك التدخلات، إضافة إلى البديهية التي تحدثت بها النساء عن تلك الطرق، تشير إلى أن الإجهاض ليس حدثًا متكررًا بين النساء المصريات فحسب (سواء كان ناجحًا أو فشل)، وإنما يُعتبر أيضًا إجراء ضروريًا بل ومبررًا في بعض الأحيان. ففي المقابلات المعمقة قالت بعض النساء إن الإجهاض حرام، لكن لا يوجد أمامهن اختيار آخر لأنهن غير قادرات على تحمل طفل جديد. وفي هذا الصدد استمعنا إلى قصة سهير، وخبرتها ليست غير عادية كما تؤكد نتائج دراسات أخرى (Huntington et al. 1995)، إذ قالت لنا:

أجهضت مرة واحدة. كنت أستخدم اللولب لكني حملت رغم ذلك. جارتي نصحتني بأن أشرب كوكاكولا مغلية وأن أستخدم الحقنة الشرجية. نزفت لمدة 15 يومًا، ثم نقلت إلى المستشفى حيث أجروا لي عملية صغيرة. لم أقل لأحد أبدًا أني فعلت ذلك بنفسي، ولا حتى زوجي. هو رجل متدين. كنت أخاف من عقاب الله لكني في نفس الوقت أتساءل، هل يقبل الله معاناة أسرة بأكملها حين أضطر إلى التوقف عن العمل كي أرضع طفلاً آخر؟

يعبر هذا المنطق ضمنيًا عن معايير عملية تتحكم في الخصوبة والحمل، حيث يصبح للواقع الاقتصادي والحاجة إلى إطعام ورعاية الأسرة أولوية على تفسير النص الديني والطاعة التقليدية المتوقعة من الزوجة. كذلك، أحيانًا يكون للنساء تفسيرهن الخاص لإرادة الله، كما يوضح منطق سهير، بحيث يصبح أكثر انسجامًا مع احتياجاتهن الإنجابية في الحياة اليومية من التفسير الفقهي.

يؤكد بحثنا على أن مفهوم الحقوق، بما في ذلك الحقوق الإنجابية، يتشكل ويكتسب معناه من خلال الثقافة والمساحة الاجتماعية والسياق السياسي الذي تمارس فيه. والثقافة المصرية لا تضع الفرد فوق الجماعة. ومجرد كون المرأة جزءًا من الأسرة والعلاقة الزوجية والجماعة والمجتمع يعني أنها تتطوع بالمساومة بجزء من ذاتها مقابل ذلك الانتساب إلى الجماعة، الذي يعدها بدوره بالدعم العاطفي والمادي والأخلاقي. تتشكل علاقة النساء بأجسادهن من خلال تفاعلات تفاوضية بين الاحتياجات والرغبات والالتزامات؛ ومن ثم فإن ملكية الجسد تتحدد ذاتيًا وأيضًا اجتماعيًا. لا نعتقد أن أية امرأة ممن شاركن في هذا البحث تعتقد أن جسدها ملك لأي شخص آخر سواها، إلا أن جميعهن تقريبًا يتنازلن عن قدر من التحكم في تلك الأجساد من خلال الانصياع للأعراف والتقاليد الاجتماعية. ولا تعتبر النساء هذا التكيف تخليًا عن الذات أو عبودية، وإنما هو سبيل لمزيد من الأمن الذي يوفره القبول والتضامن المجتمعي.

لكن الالتزام بما هو مجتمعي عوضًا عما هو فردي بالحقوق لا يعني أن النساء في مصر مستعدات للطاعة السلبية. ومن أجل حماية كرامتهن وسعادتهن الزوجية وراحتهن وراحة أطفالهن تتمسك النساء المصريات بطريقة أو بأخرى بسلطة اتخاذ القرار، وفي بعض الأحيان يخالفن التقاليد والآراء الدينية والسلطة الأبوية. ومن أهم نتائج هذه الدراسة تكمن في أن الدين، رغم تأثيره القوي في حياة النساء، إلا أنه لا يحكم الاختيارات الإنجابية والجنسية اليومية للكثيرات منهن. وسواء في محاولتهن تجنب الجنس غير المرغوب فيه أو الحمل غير المرغوب فيه تعتمد النساء على مغفرة الله أكثر مما تعتمدن على آراء السلطات الدينية. وراء تلك الاستراتيجيات الالتفافية تكمن قناعة عملية، إن لم تكن أخلاقية، بحقهن في السلامة الجنسية والجسدية حتى في إطار الزواج، إضافة إلى جهدهن المستمر في خلق توازن ما بين ما هو تقليدي ومتوقع من الزوجة المطيعة من ناحية، وبين إيمانهن الخاص بمقدرة الله على المغفرة.

لقد استخلصنا أربعة متغيرات تؤثر في استراتيجيات النساء فيما يخص حياتهن الإنجابية والجنسية:

1) إنها طبيعة الأشياء

وجدنا بعض المساحات التي تسلم فيها النساء بمقدراتهن، وتعتبرن أن تلك هي طبيعة الأشياء. على سبيل المثال فيما يتعلق بالتمييز في تربية الفتيات والأولاد، أو الرجوع إلى سلطة الزوج في بعض الأمور (خاصة تلك المتعلقة بالعمل)، لم تعبر الكثير من النساء عن شعورهن بالقهر. في هذه الحالة قد يكون “التكيف مصطلحًا غير دقيق، حيث شعرت النساء أنهن يتعاملن بسلوك طبيعي أو يتخذن مواقف طبيعية غير قابلة للتغيير. حتى القليلات اللاتي عبرن عن عدم رضاهن عن تلك الخبرات لم يقترحن التمرد ضد الوضع أو محاولة الالتفاف عليه.

۲) مؤلم لكن ضروري

في بعض الأمور، خاصة الدخلة البلدي وختان الإناث، عبرت كثير من النساء عن موافقتهن على التقليد الذي اعتبروا أن له وظيفة اجتماعية إيجابية. ورغم الألم الذي شعرن به خلال تلك الممارسات إلا أنهن خضعن لها باعتبارها ضرورية للحصول على مزايا أخرى، يرون أنها أكثر أهمية وقيمة من “التحكم في جسدهن”، مثل الاحترام والقبول في مجتمعاتهن، والشرف لهن ولأسرهن, والحرية في الخروج والتنقل دون التعرض للشائعات. وبالنسبة لبعض النساء كان الخضوع لرغبات الزوج الجنسية يخضع لنفس هذا المنطق: مبادلة لتجنب عنف الرجل والطلاق.

3) المقاومة والمقاومة المتنكرة

تحت هذا العنوان تقع العديد من الاستراتيجيات اللفظية والسلوكية التي تستخدمها النساء مع أزواجهن في الحياة اليومية، خاصة فيما يتعلق بأمور مثل الحمل، ومنع الحمل، والإجهاض والعلاقة الجنسية والخروج من المنزل. 30 في هذه الأمور كشفت دراستنا العديد من التكتيكات والحيل التي تمارسها المرأة عن وعي للتحكم في الموقف – وفي جسدها – وتحويل الموقف لصالحها: التزين لإغراء الزوج دون أن يبدو واضحًا أنها ترغب في ممارسة الجنس؛ التظاهر بالمرض لتجنب ممارسة الجنس؛ الإجهاض دون علم الزوج؛ إزالة اللولب المهبلي حين ترغب في الحمل، الخ. وحين تحدثت النساء عن تلك الحيل لم يذكرن كلمات مثل المقاومة أو الحقوق وإنما تحدثن عن الكيد والذكاء والتقدير الدقيق للموقف، الخ.

4) “لأ يعني لأ”

في بعض الحالات النادرة سمعنا تعبيرات واضحة عن المقاومة والرفض من بعض النساء الأكبر والأصغر سنًا، خاصة فيما يتعلق بالعنف المنزلي والإجبار على الممارسة الجنسية مع الزوج. كما وجدنا ثقة أكبر، إن لم تكن مقاومة، من جانب النساء الأصغر سنًا غير المتزوجات مقارنة بالنساء الأكبر سنًا فيما يتعلق ببعض الأمور، على سبيل المثال: الرغبة في الحصول على مزيد من المعلومات الخاصة بالأمور الجنسية والإنجابية في سن مبكرة عما هو الحال الآن، ورفض الإجبار على الزواج أو الزواج التقليدي، ورفض الدخلة البلدي، وفي حالة واحدة رفض إجراء ختان الإناث للأخت الصغرى. وقد يكون ذلك الإدراك للحق نتيجة حصولهن على قسط أكبر من التعليم وامتلاك القليل من الدخل الشخصي.

ومن الأمثلة على استعداد النساء المصريات مشاركة المجتمع في ملكيتهن لذواتهن يتجسد في القيمة الكبرى التي تولينها لعفة النساء والعذرية وتجنب العلاقات قبل الزواج وخارجه. ويتضح ذلك في شيوع قبول النساء، بمن فيهن المشاركات في البحث، لختان الإناث والدخلة البلدي. فهو الثمن الذي يشعرن أنهن مضطرات لدفعه ليثبتن حياءهن ومن ثم ضمان استحقاقهن لحقوقهن الإنجابية والجنسية. في ضوء سطوة هذا الشعور، لا يمكننا القول إن المعركة ضد ختان الإناث من منظور الحقوق تعكس مواقف أغلب النساء في مصر في هذه اللحظة. ولا نعني بذلك أنه يجب تعليق تلك المعركة، وإنما يجب على المدافعين عن حقوق وصحة النساء أن يدركوا أن لختان الإناث وظيفة اجتماعية ضرورية بالنسبة لكثير من الفتيات والنساء في مصر تتجاوز حقهن في الاختيار. وتصبح المسألة أكثر تعقيدًا بالتأكيد حين ترى النساء في تلك التقاليد أدوات لتمكينهن أكثر منها أدوات للقهر، على سبيل المثال، من خلال تقليل احتياجهن للارتواء الجنسي. ولا يكمن التحدي هنا في مناهضة الممارسات الضارة أو التعبئة حول منظور الحقوق، وإنما في تفكيك الأيديولوجية الاجتماعية ذات الجذور العميقة في التقسيم التقليدي للأدوار الاجتماعية والتي تجعل من تلك الممارسات أمورًا مقبولة بل وأحيانًا مرغوبة.

وفي مثال آخر تولي النساء المصريات قيمة عالية لدور الأمومة، كما يتقبلن التقسيم التقليدي للعمل داخل الأسرة. فالنساء المشاركات في دراستنا يتقبلن فكرة أن المتوقع منهن بعد الزواج أن ينجبن أطفالاً، ولا يرين في ذلك أي إجبار أو تدخل في خصوصيتهن، بل إن ذلك جزء من العقد الاجتماعي الذي يضمن لهن القبول الاجتماعي والأسري واحترام الزوج؛ لكن يبدأ الشعور بالإجبار والضعف إذا عجزن عن الإنجاب لأي سبب من الأسباب، خاصة إذا صاحب ذلك تهديد بالطلاق أو زوجة ثانية. ومع ذلك أشارت نتائج بحثنا إلى أن الأمومة وإنجاب الأطفال مرتبطان بالعمل في حالات عديد من النساء المصريات. وعلى العكس من الرجال والآباء، ترى النساء أن عملهن ليس مجرد ضرورة أملتها الضرورة الاقتصادية وإنما هو هام أيضًا لتحقيق ذواتهن وتمكينهن. ورغم أن العمل بأجر لا يضمن بحال من الأحوال المساواة أو تحرر النساء، إلا أن كسبهن لدخل خاص يمنحهن موقفًا أكثر قوة في التفاوض داخل الأسرة، ويمكنهن من درجات أقل من التنازل ودرجات أعلى من القدرة على المطالبة. كما أن معارضة بعض العناصر الرجالية المحافظة في المجتمع للزواج من نساء يعملن خارج المنزل يدل على أن الاستقلال المالي، حتى ولو كان جزئيًا، يرفع من قدرة النساء على اتخاذ القرار، والالتفاف على الأعراف التقليدية، بل وأحيانًا التحرر من علاقة زوجية غير سعيدة والعيش مستقلات.

وفي مجالات أخرى نجد أيضًا أن القبول العملي لبعض أشكال الدونية لا يعني القبول غير المشروط. فالمرأة لا “تقبل” أن يضربها زوجها، إلا أن ذلك لا يعني أنها سوف تسعى إلى الانفصال أو الطلاق بعد أول مرة يمد فيها زوجها يده عليها. بل إنها مستعدة، خاصة في وجود أطفال، أن تسامح أو تتحمل قدرًا ما من سوء المعاملة، وإنما لحدود، لو تجاوزها الزوج، تأخذ المرأة بعدها زمام الأمور في يدها (أي تترك المنزل)، وينطبق الشيء نفسه على القرارات الخاصة بعدد مرات الإنجاب. فضلت النساء المشاركات في بحثنا أن تُتخذ تلك القرارات بالاشتراك مع أزواجهن، أو هن على الأقل يحاولن ذلك. لكن حرية اتخاذ القرار ليست قيمة في حد ذاتها. كما أن الانصياع لضغوط الزوج أو الأسرة (من أجل إنجاب طفل آخر أو لكي تنجب صبيًا) هو في حد ذاته اختيار واع. لكن عند حد معين، حين تطغي ضغوط أخرى، على سبيل المثال كثرة عدد الأفواه التي تنتظر الطعام أو الاحتياجات الصحية الخاصة أو غياب إمكانيات رعاية الأطفال، تصبح النساء مستعدات للتخلي عن التزامهن بذلك القرار المشترك، وتجدن طرقًا خاصة للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، فيتحدين القانون والدين ورغبات الزوج لكي يتمكن من إجراء الإجهاض وبخاطرن بحياتهن باستخدام الوسائل التقليدية، غير الآمنة. وفي ضوء انخفاض معدلات الخصوبة في مصر، ومع دلائل متعددة تشير إلى عدم كفاءة وسائل منع الحمل في كثير من الأحوال، إضافة إلى خبرات النساء المشاركات في البحث,

يمكن أن نستخلص أن النساء المصريات كثيرًا ما يلجأن إلى الإجهاض لحل مشكلات الحمل غير المرغوب فيه رغم المخاطر الصحية والقانونية المترتبة على ذلك.

ولا ينطبق ما سبق على النساء اللاتي يتخذن من السلطة الدينية مرجعًا في كل جوانب حياتهن. فالنساء الإسلاميات المشاركات في البحث كن ناشطات سياسيات قررن أن يخلقن هوية بديلة لأنفسهن كنساء لهن تفسيرات محددة للإسلام. ومن سوء الحظ، في رأينا، أن تكون هذه الهوية البديلة محفوفة بالعار والخوف والهيمنة الذكورية والاحتجاب والبقاء في المنزل والخضوع للتحكم في أجسادهن.

ومع ذلك فإن النساء اللاتي التقيناهن في المنصورة منخرطات في الثقافة الإسلامية والمشروع السياسي الإسلامي، ويعتبرن أنفسهن مناضلات، لا ضد الأبوية وأدوات القمع المحلية، وإنما ضد الحكومة المصرية، والهيمنة الثقافية والاقتصادية الغربية والقوى العالمية التي تفرض سياسات اقتصادية قاسية وأنماط حياة غربية. وهن لا يختلفن في ذلك عن الكثير من الحركات النسائية في العالم العربي التي تُخضع نضالها النسوي والحقوقي طواعية للنضال الوطني والسياسي.

وفي نفس الوقت كشفت المناقشات البؤرية عن أن هؤلاء النساء الإسلاميات أيضًا يرغبن في تحديد عدد الأطفال (وإن كان بأساليب طبيعية أو إلهية)، ويتوقعن أن يعملن خارج المنزل (لخدمة المجتمع كطبيبات)، ويعتبرن العنف الزوجي أمرًا غير مقبول. وقد وجدنا أن دوافع الطالبات الإسلاميات لم تكن دائمًا دوافع دينية وإنما كانت في بعض الأحيان دوافع عملية واقتصادية بوضوح، على سبيل المثال: إصرارهن على موافقة الأهل على اختيار المرأة لزوجها لضمان دعمهم في حال فشل الزواج. وقد تكون هؤلاء النساء متأثرات بفروق الأجيال وخلفياتهن الاجتماعية كأفراد من الطبقة الوسطى وتعليمهن الجامعي إلى جانب الأيديولوجية السياسية والدينية. وبشكل عام عبرت المشاركات والمشاركون في الدراسة، من كل الأيديولوجيات والمراحل العمرية والنوع، عن الاقتناع بأهمية تعليم النساء، وأن للنساء المتعلمات قدرة أكبر على اتخاذ القرار.

مثلهم مثل النساء الإسلاميات، عكست استجابات الرجال المشاركين في الدراسة، وإن كانوا جميعًا بشكل عام أكثر محافظة من النساء، تأثرًا بالظروف الاقتصادية أكثر من التقاليد الأبوية والدين. ذلك أن البطالة والفقر وغياب الأمان الاقتصادي كلها تسببت في مستويات من الغضب والإحباط، يوجهها الرجال نحو النساء لغياب مخرج آخر. ذلك أن اهتزاز موقعهم كأرباب أسر خلخل معه شعورهم بالكرامة والرجولة، الأمر الذي يؤدي في كثير من الحالات إلى العنف المنزلي ورفض عمل النساء خارج المنزل والتحكم في خصوبتهن. ومن ناحية أخرى، قد يكون لقلق الرجال بشأن الأحوال الاقتصادية تأثير عكس، فعلى سبيل المثال قد يرغب الآباء في أن يكون لبناتهم الحق في الاختيار الحر لشريك حياتهن للتقليل من احتمال فشل الزواج ومن ثم اضطرارهم لتحمل أعباء بناتهم الاقتصادية مرة أخرى. وبشكل عام تتأثر القيم الإنجابية كثيرًا بالظروف الهيكلية.

وقد وجدنا في مرات عديدة أن النساء يضعن أنفسهن في موقع وسط بين القدرية والمقاومة. فبالنسبة لكثيرات منهن، سواء المتزوجات أو غير المتزوجات، تكمن المساواة والحقوق ضمن نسيج معقد من الاستراتيجيات والتفاوض، الأمر الذي يعني في كثير من الأحيان مبادلة قناعة واضحة بالحق في أمور معينة، مع مسار من التبريرات يستهدف ضمان أفضل المطروح دون مواجهة مفتوحة ومباشرة مع السائد، قد يترتب عليها لفظ من الأسرة والمجتمع ومن ثم فقدان دعمهما. بعض النساء، خاصة في المجموعة الإسلامية وفي منطقة السكاكيني، يقبلن التقسيم التقليدي وهرمية أدوار الجندر. لكن هناك أخريات، خاصة في المناطق الريفية في الصعيد وفي منطقة بولاق بالقاهرة، وبقدر أكبر بين النساء الشابات غير المتزوجات، من يؤمنّ إيمانًا قويًا بالمساواة بين الجنسين، وأن النساء قادرات على الانجاز مثلهن مثل الرجال إن لم يكن أفضل. إلا أن هؤلاء النساء يفضلن بشكل عام أن يستخدمن تكتيكات ضمنية مستترة عوضًا عن المواجهة المباشرة لإقناع الرجال بأن القرار النهائي كان قرارهم، في نفس الوقت الذي يحاولن فيه التأثير عليهم بطريقة غير مباشرة.

إن مفهوم “الحقوق الإنجابية، سواء بالنسبة لنا كباحثات أو بالنسبة للنساء المصريات، يظل مفهومًا حساسًا، ومعقدًا ومثيرًا للجدل، وذلك بسبب سياق اجتماعي مليء بالعوامل المقيدة التي تؤثر على قدرة النساء على ممارسة حقوقهن، ومن بين هذه العوامل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانتشار العنف الذكوري والصعوبات المحيطة بالطلاق وصعوبة الحياة خارج إطار الزواج وسوء مستوى الخدمات الصحية ومعارضة الرجال المستمرة للمساواة بين الجنسين، وغياب أي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي خارج إطار الأسرة وكذلك غياب شبكات الدعم والتضامن (خارج دوائر الجماعات الإسلامية والدوائر النسوية في الأماكن الحضرية بين نساء الطبقة الوسطى). تبدو الأجيال الأصغر من النساء أكثر تأكيدًا على حقوقهن عن جيل الأمهات والجدات، وقد يعود ذلك إلى فرصهن الأكبر في التعليم. لكن حتى هؤلاء النساء الشابات لن يتمكنّ من اتخاذ قرارات حقيقية، مستندة إلى المعرفة بشأن حقوقهن الإنجابية والجنسية، إلى أن تتغير تلك الظروف الاجتماعية. إلى ذلك الحين سوف تطغى ثقافة النساء المصريات في الالتفاف والتكيف الاستراتيجي على الأصوات الصريحة للبعض منهن.

* Aida Seif El Dawla, Amal Abdel Hadi and Nadia Abdel Wahab. “Women’s Wit over Men’s: Trade- offs and Strategic Accommodations in Egyptian Women’s Reproductive Lives,” Negotiating Reproductive Rights: Women’s Perspectives across Countries and Cultures, ed. Rosalind P. Petchesky and Karen Judd, New Jersey: Zed Books, 1998, 69- 107.

1 يتحدث جميع المصريين اللغة العربية لكن الأقليات التي تعيش في الواحات الصحراوية في الغرب والجنوب وسكان النوبة في الجنوب يتحدثون بلغاتهم الأصلية إلى جانب العربية. وعلى حين أن أغلبية المصريين من المسلمين إلا أن هناك أقلية كبيرة من الأقباط (حوالي 10%).

2 في عام 1988 أجري مسح على عينة من المجتمعات الريفية أظهر أن مشاركة النساء في الزراعة تصل إلى 50.7% مقارنة بنسبة 49.3% للرجال. وأوضح المسح كذلك أن 70,7% من النساء الريفيات يشاركن في أنشطة اقتصادية غير مدفوعة الأجر (El Baz 1994).

3 هذا القانون قد يؤدي إلى تخفيض عدد مرات الإنجاب (من حيث تثبيط رغبة النساء العاملات في أن ينجبن أكثر من مرتين) أو إلى زيادتها (تثبيط همة النساء عن العمل خارج المنزل ومن ثم تشجيع الإنجاب). في الحالتين يخلق القانون نظامًا للحوافز يقيد اختيارات النساء الإنجابية ويتعارض مع روح وثيقة عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية التي وقعت عليها الحكومة المصرية.

4 نستخدم هنا مصطلح “إسلامية” لنشير إلى مجموعات سياسية في مصر وفي أماكن أخرى تتبنى تفسيرًا معينًا للإسلام وتسعى إلى تحويل البلاد التي تعيش فيها إلى دول إسلامية. ونحن نفضل هذا المصطلح عن مصطلح “أصولية” الذي لا يحمل معنى واضحًا ويمكن تطبيقه على الكثير من المجموعات في كافة أنحاء العالم غير الإسلامية (مسيحيين، يهود، هندوس، الخ).

5 للمزيد عن تعريف ختان الإناث وأنواعه المختلفة في مصر وبلدان أخرى. انظر/ ي: Tobia 1995.

6 أصدر شيخ الأزهر، وهو أعلى سلطة دينية في مصر، فتوى تبيح ختان الإناث في تعارض مع فتوى أخرى أصدرها مفتي الديار تقول بأن الأمر متروك للأطباء ليقرروا بشأنه. وقد كانت تلك الفتوى بمثابة ضربة أخرى لحقوق النساء مصر، حيث أنها كانت تعني أن للرأي الطبي أولوية على الحق الأساسي في السلامة البدنية. في الفترة الأخيرة تحول الأزهر، وهو الجامعة الإسلامية العريقة التي لعبت دورًا محوريًا في النضال الوطني، تحول إلى مصدر لفتاوى شديدة المحافظة.

7 للنساء الحق في حضانة أطفالهن حتى سن العاشرة للأولاد (ويمكن مدها بحكم قضائي حتى 15 عامًا) وسن 12 للفتيات (يمكن مدها بحكم قضائي إلى حين زواجهن).

8 تشير الإحصائيات الوطنية الأخيرة إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء مصريًا في المرحلة العمرية ما بين ٢٥ -٢٩ عامًا تزوجن قبل بلوغ سن الثامنة عشر (EDHS 1995). وفي دراسة في قريتين مصريتين اتضح أن 40% من النساء تزوجن قبل سن السادسة عشر (El Hamamsy et al. 1995).

9 يحرم جميع فقهاء الإسلام الإجهاض بعد الشهر الثالث من الحمل، إلا أن هناك بعض المدارس التي تسمح به قبل هذه الفترة. بل إن بعض الفقهاء يسمحون به حتى دون إذن من الزوج، على حين يسمح به البعض الآخر في حالات معينة فقط (على سبيل المثال حين يشكل خطرًا على حياة المرأة) وهناك أيضًا فريق ثالث يعتبره خطيئة مهما كان السبب (فتاوى الأزهر، المجلد ۹، رقم ٢٦).

10 الدخلة البلدي المذكورة هنا يقصد بها استخدام الزوج أو الداية في وجود الزوج ونساء أخريات من الأسرة لمنديل لفض عذرية العروس العذراء في ليلة الزفاف ومن ثم عرض المنديل وبه آثار الدماء على الضيوف المجتمعين.

11 يسمح القرآن للرجال بالتزوج من أربعة نساء، ولكن فقط إذا تمكنوا من الإنفاق عليهن ومعاملتهن بالتساوي. وبحسب آخر إحصائيات قومية فإن ٢% فقط من الزيجات متعددة.

12 بالإضافة إلى كونه ينخفض يشهد الإنفاق على الصحة توزيعًا غير متكافئ بين محافظات مصر الستة والعشرين, حيث تستهلك المناطق الحضرية أكثر بكثير عن المناطق الريفية والمهمشة (Egypt Human Development Report 1994¸ DANIDA 1994). أما النظم الصحية المتعددة في مصر فتشمل وزارة الصحة، المستشفيات الجامعية، هيئة التأمين الصحة، الطب العلاجي (العسكري والشرطي والقطاع الخاص) ولكل منها مؤسساته وطاقم عمله وميزانيته الخاصة.

13 يبدو أن الكثير من النساء يفضلن الولادة في المنزل عن المستشفى حيث أنهن يخشين المخاطر المرتبطة بالمعدل العالي للولادة القيصرية (El Mouelhy 1987; Morsi 1995)، ثلث النساء الحوامل فقط يلدن في المستشفيات في مصر (EDHS 1995).

14 وجدت دراسة هامة لقريتين في محافظة الجيزة أجريت على عينة عشوائية من النساء المتزوجات أن ما بين 56- 83 % من النساء يعانين من اضطرابات في أعضائهن الجنسية والبولية وفي عنق الرحم وأن 63% منهن يعانين من فقر الدم، كما أن نسبة صغيرة منهن كانت لديهن تغيرات سرطانية في خلايا عنق الرحم وعدد قليل كان مصابًا بالزهري غير المشخص. بل أن 60% من النساء كن يعانين من مرضين منفصلين لم يتلقين العلاج لأي منهما وذلك في محافظة الجيزة على حدود محافظة القاهرة (Younis et al. 1993).

15 وجدت دراسة أجراها مركز القاهرة الديمغرافي بشأن تنظيم الأسرة أن واحد من كل ثمانية حمل وواحد من كل أربعة حمل غير مرغوب فيه في العينة محل الدراسة ينتهي بالإجهاض باستخدام وسائل لا تنجح دائمًا (Huntington et al. 1995).

16 تكون أعضاء الفريق من عدد من التخصصات: القانون والطب وحقوق الإنسان وعلم الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والعلوم السياسية. لكن جميع أعضاء الفريق كن منخرطات في أنشطة متعددة التخصصات ذات علاقة بقضايا النساء.

17 قامت عضوات الفريق الأساسي بإجراء المقابلات المعمقة على حين قام باحثون ميدانيون مدربون (تسع نساء وثلاث رجال) بقيادة المناقشات الجماعية. أما التدريب المكثف للباحثين الميدانيين (من نساء ورجال) فتضمن مناقشات حول موضوع الحقوق الإنجابية أجراها أعضاء الفريق الأساسي إضافة إلى كيفية تناول موضوعات حساسة مثل الإجهاض والعلاقات الجنسية في إطار الزواج. أما المناقشة الجماعية مع الطالبات الإسلاميات فقد أجراها الفريق الأساسي فقط.

18 حيث أننا استخدمنا مجموعات الرجال باعتبارها مجموعة ضابطة فقد عقدنا لقاءات جمعية أقل عددًا مع الرجال ولم نجري معهم لقاءات معمقة. كنا نفضل أن نعمل مع الأزواج أو الذكور بين أقارب النساء اللاتي التقيناهن لكن ذلك لم يكن ممكنًا من الناحية العملية. وبالتالي فإن الرجال المشاركين لم يكونوا بالضرورة من أقارب النساء.

19هذه الممارسة أبعد من أن تكون إسلامية لكنها بدأت في مصر الفرعونية ثم تبناها فيما بعد المسلمون والمسيحيون. فلم يرد ذكرها نهائيًا في القرآن كما أنها لا تمارس البتة في الكثير من البلدان الإسلامية.

20 بناء على آخر مسح صحي ديمغرافي، تُجرى الدايات ثلث عمليات الختان حاليًا مقارنة بثلثيها بين الجيل السابق. نظرًا لمزيد من الوعي بالمخاطر الصحية التي قد تترتب على ختان الإناث أصبح الأطباء هم من يجرونه.

21 عدد قليل من النساء الريفيات مصممات على عدم تعريض بناتهن للآلام التي شعرن بها نتيجة هذه العادة. وقد يكون موقفهن غير المعتاد نتيجة الجهود التنموية طويلة المدى والنشاط التوعوي الذي قامت به الجمعية القبطية لخدمات التنمية في الصعيد.

22 بولاق من أقدم الأحياء في القاهرة. كل النساء المشاركات من هذا الحي كن عاملات في جمعيات تنمية المجتمع، ما قد يفسر مواقفهن الأكثر حسمًا.

23 بحسب القرآن لا يجوز لأحد أن يجبر امرأًة أو رجلاً على الزواج، بل أن عقد الزواج أو إلغاءه رغمًا عن إرادة المرأة هو أمر حرام من الناحية الدينية، وذلك بناء على أحاديث الرسول.

24 كان سؤال البحث: هل تفعلينها ثانية لو كان لك الاختيار؟ أو هل ترغبين لابنتك أن تتزوج بطريقة الدخلة البلدي؟

25 المسح الصحي الديمغرافي الأخير جمع البيانات من ١٤٧٧٩ امرأة متزوجة أو سبق لها الزواج تراوحت أعمارهن ما بين 15- 49 عامًا في عامي 1995- 1996.

26 قد تكون نتائج المسح الصحي الديمغرافي بشأن مواقف النساء تجاه العنف الزوجي تأثرت بطريقة طرح السؤال. وقد تكون إجابات النساء على الأرجح تعكس آرائهن بشأن أسباب العنف الزوجي دون أن يعني ذلك أنهن يبررن له. تحضيرًا للمؤتمر العالمي الرابع للنساء المنعقد في بكين التقي مركز دراسات المرأة الجديدة ومركز النديم في القاهرة مع حوالي 500 امرأة لسؤالهن عن أشكال العنف التي تعرضن لها في المواقف المختلفة. وفي إجابة على سؤال “ما الذي يصعب على المرأة غفرانه لزوجها؟” كانت ثاني أكثر إجابة (بعد الخيانة) هي العنف. انظر/ ي: مركز دراسات المرأة الجديدة ومركز النديم 1995.

27 ربط الرجال المشاركون في البحث في الصعيد هذا القبول على مضض بعدد من الشروط، على سبيل المثال أن تحتشم الزوجة في ملبسها عند الخروج من المنزل وعدم استخدام المواصلات العامة.

28 من الضروري هنا أن نشير إلى أنه رغم أن هذه التصريحات تعكس شعورًا بالتفوق على النساء، إلا أن الأسلوب الحاسم والمليء بالتحدي التي نُطقت بها قد يكون بمثابة رد فعل على المقابلة. لقد وجدنا أنه حين تشعر النساء بالإحراج بسبب سؤال ما فإنهن أحيانًا يلتزمن الصمت أو يستجبن بإجابات تبدو وكأنها شعارات أكثر منها آراء الشخصية. أما الرجال فلم يبدوا في العادة أي إحراج وإنما بدوا في بعض الأحيان مستفزين، فيجيبون بتصريحات ذكورية تعبر عن الاعتراض على تمكين النساء. ومن المنظور النفسي يمكننا القول إن مثل هذا السلوك يعكس حالة دفاعية يستخدمها الرجال للتأكيد على كرامتهم وصورتهم عن الذات.

29 قاعدة المعلومات المستخدمة في هذا التحليل تعتمد على المسح الصحي الديمغرافي لعام ١٩٨٨.

ثم الاستغناء عن دخل مطلوب، وأخيرًا إذا كانت أنجبت الولد وغير متاح لها توفير الرعاية لأطفالها أثناء غيابها في العمل.

30 ظهرت الأدلة على السلوك الملتف في هذه الموضوعات في بعض الأحيان من خلال تفاعل مثير للاهتمام داخل المجموعة، حيث تبدأ أول من تتحدث بالتعبير عن العرف المتوقع واللائق من المرأة والزوجة. ثم حين تتحدث أمرأة أخرى في مسار الحوار عن إمكانية الالتفاف على هذا العرف، تبدأ سلسلة من التعليقات الالتفافية من العديد من النساء بمن فيهن المرأة التي بدأت الحديث عن الأداء اللائق والمتوقع.

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات