كيف تعاملت السينما المصرية مع شخصية السياسية؟

اعداد بواسطة:

كيف تعاملت السينما المصرية مع شخصية السياسية؟

لم يلتفت الباحثون في السينما للإشارة إلى صورة المرأة التي تعمل بالسياسة في الأفلام, قدر اهتماهم بصورة الأم أو الراقصة مثلاً، والأغرب هو ما شمل هذه الصورة من تسطيح في السينما ذاتها، ذلك على الرغم من أن التاريخ والحاضر زاخران بأسماء لسيدات أثرن في الواقع السياسي لمجتمعهن.

ربما كان للأمر علاقة بنمطية التعامل مع النموذج الأنثوي في السينما بشكل عام، فإذا كانت شخصية الأم والزوجة والحبيبة تقدم بنمطية على الشريط السينمائي فهل يمكن أن يتم التعامل بجدية مع شخصية المرأة المهمومة بتغيير مجتمعها وتلجأ للعمل السياسي كوسيلة لتحقيق ذلك.

في فيلم مراتي مدير عاملفطين عبد الوهاب عام ۱۹٥٩ تابعنا مشهد تقف فيه شادية إلى جوار عدة مسئولين سياسيين وتتحدث عن أهمية تحطيم الروتين لدعم أهداف الإشتراكية في تطوير المجتمع، الفيلم في حد ذاته لم يعني بتقديم صورة للدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في السياسة ، فهو كان معنيًا بالأساس بالتأكيد على قيمة عمل المرأة بشكل عام في مجتمع يحاول النهوض، لكن السخرية التي تم بها تقديم المشهد نتيجة المفارقة بين حديث شادية وحديث زوجها في الفيلم صلاح ذو الفقار عن الرضاعة، تقدم لنا مفتاحًا حقيقيًا لكيفية تعامل السينما مع شخصية المرأة المثقفة والمهتمة بالسياسة بشكل عام.

فحتى اليوم مازالت السينما تتعامل بسخرية مع اشتغال المرأة بالسياسة, فمثلاً في فيلم السفارة في العمارةللمخرج عمرو عرفة، والذي حمل ملمحًا سياسيا واضحًا تم تقديم صورة كاريكاتورية للفتاة ذات الأفكار اليسارية والتي تهتم بقضايا وطنها ربما يحمل هذا الحديث في نظر البعض قدرًا من المبالغة ,نظرًا لأن الأفلام سابقة الذكر تعد أفلامًا كوميدية في المقام الأول, لكن إثباتًا للتعامل الساخر والساذج مع صورة السينما يمكننا الحديث عن فيلم الهجامةللمخرج محمد النجار والمؤلف أسامة أنور عكاشة قبل سنوات عديدة من فيلم السفارة في العمارة، فالفيلم الذي كان هدفه هو رصد تغيرات المجتمع أعقاب يناير ٧٧ وصعود الفساد وتغلغله فيه تعامل بسذاجة مفرطة مع الشابات اللاتي تظاهرن في انتفاضة الخبز، بل وصل الأمر من الفوضى والسذاجة أن يكون المعتقل مكانًا لتجنيد اللصوص من أجل النضال الوطني فيما بعد.

وهذا المعتقل تحديدًا ارتبط ارتباطًا وثيقًا في الأفلام التي تعاملت مع المرأة السياسية، فلا يخلو فيلمٌ من مشهد اعتقال، كما هو الحال في أفلام مثل أنا حرةعام ١٩٥٩ للمخرج صلاح أبو سيف وفيلم امرأة واحدة لا تكفيعام 1990 للمخرجة إيناس الدغيدي، بل إن فيلمًا مثل العرافةعام ۱۹۸۱ للمخرج عاطف سالم تقوم فكرته بالأساس على قصة حب تنشأ بين معتقلة سياسية هي مديحة كامل والضابط المكلف بالقبض عليها عمر خورشيد.

للأسف تبدو جميع الأفلام التي تعاملت مع هذه الشخصية وكأنها تتسم بسذاجة مفرطة وقفلة وعي ظاهرة، فقد اعتمدت تلك الأفلام أغلبها على أفكار سابقة التجهيز عن الكفاح السياسي لدى جيل السبعينيات فهم دائمًا ثائرون ومتمردون ويعانون من عدم فهم المحيطين بهم لعمق القضية التي يناضلون من أجلها، أو على أقل تقدير فهم ضحية لفساد هؤلاء المحيطين بهم, كما يبدو ظاهرًا في فيلم زائر الفجرللمخرج ممدوح شكرى ۱۹۷5 الذي يبدأ بالتحقيق في جريمة قتل صحفية لها نشاط سياسي سري ما وتعرضت للاعتقال أكثر من مرة. لكن الأسوا هو ما تعرضت له سمعتها من تشويه على أيدي مطلقها وجيرانها وحتى صديقتها.

لكن الأمر يختلف تمامًا عند التعامل مع شخصية المناضلة السياسية في الأفلام التي تناولت عصر الملكية, ربما لأن هذه الأفلام تم إعدادها وتنفيذها بعد يوليو ١٩٥٢ ، فقد قدمت شخصية المناضل والمناضلة السياسيين باعتبارهما بطلين يواجهان الفساد المتفشي, ويمهدان المجال أمام قيام الثورة.

لهذا لم يكن مستغربًا أن تشارك راقصة صحفيًا في مهمة كشف النقاب عن فضيحة الأسلحة الفاسدة وتساعدهما ابنة أحد البشاوات المتورط في استيراد هذه الأسلحة, كان ذلك في الفيلم المبتور الله معنا، عام 1953وهذه أيضًا كانت الطريقة نفسها لتعامل أفلام عديدة مثل فيلم لا تذكرينيللمخرج محمود ذو الفقار عام ١٩٦١ الذي قدم مليودراما جسدتها صحفية شابة لبنى عبد العزيزتسعى لكشف فساد سيدة شادية، على علاقة بالقصر الملكي صارت تتحكم في مقادير الوطن نتيجة علاقها تلك، لتكشف في النهاية هذه الصحفية أنها ابنة السيدة الفاسدة، ويتطابق جوهر هذا الطرح أيضًا مع مديحة حمدي ابنة العامل التي تنخرط في العمل السري وتحب وتتزوج أحد أبناء البرجوازية الصغيرة حسين الإمام فيلم السكريةللمخرج حسن الإمام عام ۱۹۷۳ والمأخوذ عن ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة.

لكن هذا الفيلم قدم ملمحًا سارت عليه السينما فيما بعد عندما تقدم شخصية المرأة المثقفة إجمالاً وليست فقط من تحمل همًا سياسيًا تجاه وطنها فهي دائمًا ما تتجاهل أنوثتها وتقترب في شكلها الخارجي من الرجل حيث جاء على لسان هدى سلطان في السكريةوهي تعلق على زواج ابنها من مديحة حمدي عايز يتجوز واحدة ناقصها شنب وتبقى راجل وهذه العروس نفسها لا تجد غضاضة في ترك عشها الهادئ صبيحة زفافها ساخرة من موروثات المجتمع التي تحتفي بالعروس في صبيحة زفافها، وهكذا أيضًا بدت إلهام شاهين عضو مجلس الشعب التي تتقدم بطلب للقاء رئيس الجمهورية لمناقشة معاناة المواطنين جراء فساد الأجهزة جهزة الحكومية فيلم موعد مع الرئيسللمخرج راضي عام 1990.

ليست مبالغة مني التأكيد على أنه لم يفلت من هذه الصور النمطية للمناضلة السياسية سوى المخرج الراحل عاطف الطيب، والتي قدمها في فيلمين من أروع أفلامه، الأول هو كتيبة الإعدامعام ۱۹۸۹ ، والثاني هو ضد الحكومةعام ١٩٩٢ ، وإذا كان الفيلم الأول ينطلق من فكرة في منتهى النبل عن سيدة تقودها قضية الثائر من خائن للجيش المصري أثناء حصار السويس في أعقاب حرب لمواجهة فساد الانفتاح الاقتصادي، فإن تحطم انتماءاتها الفكرية، كما ظهرت لبلبة في الفيلم, أما يوسف شاهين في فيلميه العصفورو الاختيارفإن شخصية بهية التي تساعد من يقدمهم الفيلم باعتبارهم وطنيين وتقود المظاهرات مؤكدة قدرتنا على الحرب أعقاب هزيمة يونيو فهي لدى شاهين ليست امرأة بقدر ما هي رمز للوطن نفسه، وبالتالي لا يمكن اعتبارها تقديمًا لشخصية المناضلة السياسية في السينما.

الحديث عن صورة المرأة السياسية في السينما ربما يحتم علينا الإشارة لفيلمين قدمتهما نادية الجندي للسينما، والاثنان أحداثهما عن عصر الملكية، وحول فكرة مواجهة فساد الملك، الأول هو حكمت فهمي“, والثاني هو امرأة هزت عرش مصر“. ورغم فجاجة الطرح في هذين الفيلمين ربما لاختيارات البطلة التي تحتم ظهورها في صورة المرأة المثيرة والقوية والتي يتهاوى أمامها أعتى الرجال ولا سيما ملك مصر, فإن الفيلمين التزما الخطوط الرئيسية لسير حياة شخصيتين حقيقيتين الأولى ساندت تنظیم الضباط الأحرار, بين مشهد زيزي البدراوي تخرج في مظاهرات ۱۹۱۹ في فيلم بين القصرين عام ١٩٦٤ , مشهد بسمة تقف في مظاهرة أمام السفارة الأمريكية تندد بالبلطجة عام ٢٠٠٦, إثنان وأربعون عاماً. تغيرت خلالها الأماكن والشخوص وطريقة اللبس ومنطق التفكير، لكن في السينما لم تتغير صورة المرأة المشاركة في المظاهرات إلا في شكل ما ترتدي المرأة فقط لكن كلا من زيزي البدراوي وبسمة حملنا جوهر التوجه نفسه إلى المظاهرة.

مريم فيبين القصريندفعها حبيبها لمشاركته النضال ضد الإستعمار، وسلمى في ليلة سقوط بغدادكانت أيضًا تناضل ضد الاستعمار في شكله الجديد، لم تحمل أي منهما أي أولويات أخرى غير رفض التدخل الأجنبي في شئون الوطن لم تشغل أي منهما اهتمامات سياسية متعلقة بقضايا الوطن الداخلية والملحة.

فيلم شيئ من الخوف لحسين كمال ۱۹6۸ شكل طفرة استثنائية في التعامل مع صورة المرأة في السينما المصرية، ذلك ورغم إن أحداث الفيلم نفسها لا تحمل مايشير الواقع السياسي، فإن ما وراء الحدوتة يلفت وبوضوح للاسقاط السياسي الذي أراده صناع الفيلم من وراء ما سردوه من حكايات لذلك أجزم بضمير مرتاح أن فؤادة في فيلم شئ من الخوفهي سيدة مناضلات السينما المصرية السياسيات بلا منازع، فقد ظهرت شادية في الفيلم ومنذ اللحظة الأولى واعية بمشاكل قريتها الصغيرة التي تئن تحت وطأة فساد عصابة عتريس واستغلالها لمقدرات القرية، ومن ثم انتقلت من مرحلة السخط على الأوضاع إلى الإعلان بقوة عن سخطها ومن بعدها لمحاولة تغيير هذه الأوضاع رفضت السكوت على منع الماء عن القرية، وقامت بنفسها بفتح الهويس لترتوي القرية، ثم قادت جموع القرية بصلابتها في مواجهة ما فرضه عتريس عليها نحو الثورة وتغيير الواقع، وهكذا رسمت فؤادة ودون أن تقصد الصورة الحقيقية لكيفية نضال المرأة سياسيًا في مجتمعها.

شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان