كيف يتعامل النظام الصحى مع العنف الجنسى؟
يلقى تعامل الأنظمة الصحية مع العنف الجنسي اهتمامًا من منظمة الصحة العالمية نظرًا لأن كثيرًا من ضحايا العنف الجنسي يلجأون بأنفسهم أو بتحويل من جهاز الشرطة للمؤسسة الصحية للعلاج ، ونظرًا لأن العاملين بالمؤسسة الصحية هم أفراد من المجتمع تكون لهم انحيازات ثقافية متأثرة بوجهات النظر الإجتماعية السائدة فإن تدريب هؤلاء العاملين للتعامل بحياءً مع ضحايا العنف الجنسي هو أحد هموم منظمة الصحة العالمية بناءً على توصيات المنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال.
ويمارس العنف الجنسى عادة على الفتيات الأضعف اجتماعيًا مثل النساء، الأطفال المعوقين، نزلاء المؤسسات ، وخدم المنازل، وفي معظم المجتمعات يعتبر العنف الجنسي جريمة يواجهها البوليس والقضاء، وتتدخل فيها المؤسسة الصحية ممثلة في الطب الشرعي وبعض فروع الطب التقليدي مثل أمراض النساء والطب النفسي.
ولأن الجريمة ذات طبيعة حساسة (الجريمة الوحيدة تقريبًا التي قد تلجأ الضحية لإخفائها خوفًا من العار الإجتماعي)، ولأنها جريمة مرفوضة اجتماعيًا لحد الإنكار في بعض الأحيان، ولأنها جريمة ذات. عقوبة مشددة في معظم المجتمعات مما يؤدي أحيانًا قليلة لادعاءات كاذبة، تحتاج هذه الجريمة إلى تحقيق وجمع الأدلة بدقة كما تحتاج لتعامل حساس يراعي الأبعاد الاجتماعية (الخوف – الإنكار – العزلة) والنفسية (القلق – الاكتئاب) والعضوية (آثار طبية، جراحية بالإضافة لاحتمال حدوث حمل ونقل أمراض جنسية).
لكل هذه الأسباب مجتمعة رأى مركز دراسات المرأة الجديدة أن يقوم باستطلاع رأى بين بعض الأطباء حول رأيهم في العنف الجنسي، وكيف يتم التعامل معه من خلال أحد عشر لقاء معمقًا مع أطباء نساء وتوليد في مستشفيات وزارة الصحة بعضهم لهم عيادات خاصة أيضًا، كما تم عمل لقاء مع مدير مصحة الطب الشرعي التابع لوزارة العدل الذي وافق مشكورًا على تبادل بعض آرائه في الموضوع معنا من خلال خبرته في هذا المجال.
أنواع العنف الجنسي
أوضح كل الأطباء أنهم يتعاملون مع حالات عنف جنسی خلال عملهم الطبي في المستشفيات أو عياداتهم الخاصة، وعند سؤالهم عما يعتبرونه عنفًا جنسيًا أفاد أغلبهم أنه يشمل الاغتصاب، الختان، إصابات غشاء البكارة عند الزواج، زني المحارم، وهتك العرض، وأظهرت الاستجابات مدى حساسية الموضوع في بيئتنا حيث أفاد بعضهم بأهمية أن يكون هناك تعريف للعنف الجنسي مستمد من ثقافتنا المصرية ” وإنه حتى العنف ضد المرأة يحتاج لتعريف مستمد من بيئتنا وليس من الغرب يأخذ في الاعتبار ” طابعنا الشرقي” وقد رفض أحد الأطباء الرجال تعبير العنف الجنسي بصفته ” تعبيرًا غربيًا قدم لنا مع العولمة“.
ومن المثير أنه لم يتم اعتبار القسر الجنسي داخل الزواج أحد أشكال العنف ماعدا إحدى الطبيبات فقط، والتي أفادت بأن الجنسي السادي هو أحد أشكال العنف حتى لو تم داخل الزواج، ولم يعتبر أحد الأطباء التمزقات العنيفة لغشاء البكارة أثناء الزواج والتي قد تستدعى إجراء جراحة أحد أشكال العنف الجنسي، ولكن اعتبرها جزءًا من طبيعة الأمور في ” صفة الزواج “. وقد رفض كل الأطباء تعبير اغتصاب الزوج لزوجته قسرًا ، واعتبر الاغتصاب القسري جريمة فقط عندما يحدث خارج إطار الزواج.
كيف يتم التعامل مع حالات العنف الجنسي؟
رغم أن معظم الأطباء أفادوا بوجود قوانين وخطوط مرشدة للتعامل مع حالات العنف الجنسي فإن أيًا منهم لم يطلع على أية وثيقة أو ورقة إرشادية بهذا المعنى.
وقد أظهرت اللقاءات أن هناك إجماعًا على أن دور طبيب وزارة الصحة أو أي طبيب ممارس يقتصر على التعامل مع المضاعفات الصحية الحادة للعنف الجنسي مثل: إيقاف النزيف أو علاج الجروح والتهتكات وإعطاء مسكنات للألم وربما بعض المهدئات، ولكن لم يعبر أي منهم عن أن دوره يتطرق لتقديم استشارة للوقاية من أو علاج حدوث الأمراض المنقولة جنسيًا أو تقديم استشارة بشأن (منع الحمل الطارئ) وهي طريقة لإيقاف زرع البويضة المخصبة في جدار الرحم عن طريق إعطاء جرعة محددة من حبوب منع الحمل في اليومين التاليين لحدوث المعاشرة الجنسية غير المتوقعة.
كان هناك إجماع إنه في حالات الشك في حدوث عنف جنسي “جنائي” على الأطباء بوحدات الوزارة إبلاغ البوليس ليتولى إخصائيو الطب الشرعي متابعة الحالة بالتنسيق مع البوليس، وقد أفادوا إنه بناءً على طلب البوليس يقوم الطبيب بكتابة تقرير عن الحالة يصف الأعراض ومظاهر الاعتداء وفترة العلاج المتوقعة أقل أو أكثر ٢١ يومًا.
ولكن عندما تحدثنا مع الأطباء بعمق أكثر، وعندما ازدادت الثقة بنا أفاد معظمهم أنهم قد يتغاضون عن إبلاغ البوليس ما دامت الضحية أو أهلها يرفضون ذلك تعاطفًا مع رغبة الأهل في ” ستر الفضيحة ” في حالات الاغتصاب، والأهم من ذلك في حالات زني المحارم حيث تكون الكارثة مضاعفة فيما يخص الأهل.
ويختلف الأمر في بعض الأحوال حسب المكان الذي تذهب إليه الضحية للحصول على المساعدة، فغالبًا ما تلجأ ضحية الاغتصاب أو زنى المحارم للعيادات الخاصة لأن الخصوصية مفتقدة في المستشفيات العامة، وأيضًا حتى لا يقوم المستشفى بإبلاغ البوليس حيث يخشى الأطباء من المسئولية الجنائية حالة عدم الإبلاغ لأن الحالة ثم تسجيلها في سجلات المستشفى وهو ما لا يحدث في العيادات الخاصة.
والحالة الوحيدة التي أجمع كل المبحوثين على أنه لابد من إبلاغ البوليس عنها هي التهتكات أو النزيف الشديد بعد إجراء عملية ختان للفتاة.
ولم يشعر الأطباء إن من واجبهم أخذ عينات الفحص المعملي في حالات الاغتصاب أو تحويل المصابة إلى الطبيب النفسي لتقييم حالتها. أوضحوا إن مسئوليتهم تقتصر فقط على التعامل مع الإصابات الحادة لإنقاذ الحياة ثم إبلاغ البوليس ليتولى الطب الشرعي المسئولية.
وقد أفاد مدير الطب الشرعي أن الأطباء الشرعيين لهم الحق فقط في تحديد إن كانت هناك جريمة عنف جنسي أم لا من وجهة النظر القانونية لأنهم وحدهم يملكون الخبرة النظرية والعملية لذلك.
أما عن مساعدة الضحية في مواجهة نتائج العنف الجنسي (التحويل لطبيب نفسي أو تقديم استشارة تخص منع الحمل الطارئ أو التعامل مع احتمال حدوث عدوى أمراض جنسية) فلم ير أي من الأطباء أنها تقع في نطاق مسئوليتهم، أما عن الطب الشرعي فإن مسئوليتهم تنحصر في جمع الأدلة لإثبات طبيعة الجريمة والقائم بها ووضعها أمام القضاء.
وقد اعترض بعض المبحوثين على أسلوب منع الحمل الطارئ باعتباره نوعًا من أنواع الإجهاض غير المباشر.
وإن أفاد بعضهم بأن هذه الاستشارة قد تقدم للمريض في العيادات الخاصة. كما قد يقوم بعض الأطباء في عياداتهم بإجراء عملية ترقيع لغشاء البكارة الممزق “إعادة العذرية” ولكن كلتا الممارستين لا تعمل بهما وحدات الوزارة والمستشفيات العامة، وقد اعترض بعض المبحوثين على تلك الأساليب باعتبارها شكلاً من الغش لزوج المستقبل.
وقد أوضح معظم المبحوثين أن طريقة التعامل لا تختلف باختلاف علاقة المعتدى بالمعتدى عليها من حيث درجة القرابة، ولكن إحدى الطبيبات أوضحت أن يكون هناك عدم إقبال على إبلاغ البوليس من قبل الأطباء في حالات زنى المحارم نظرًا لظروف العائلة وسترًا للفضيحة.
أما حين تكون الضحية صغيرة السن فقد أوضح بعض الأطباء أنهم يستدعون الأهل لتجنب أي مسئولية في المستقبل من حيث الأساس.