لم تكن تنتظر سحرركلة في بطنها ترد على دموعها واستنجادها بالشرطة لإعادة طفلتها التي خطفت من حضنها ولم تدر ماذا تفعل نتيجة حملها وعجزها وحسرة قلبها، وهي تواصل السقوط في بئر الضياع الأكثر قسوة بعدما فقدت طفلتها، فقد ألقى بها بلا رحمة ضابط شرطة في جحيم الحقيقة المريرة، عندما نطق بجملة أعقبت ركلة قدمه في بطنها بره یا مره بكره تجيبي غيرها

ورغم أن حكاية سحر سبق أن نشرتها الصحف لكنها تاهت في زحام الكلمات، ولا يعرف أحد أين هي الآن ولا ما إذا كانت وجدت طفلتها أم أنها أتت بغيرها. “سحررقم واحد ضمن أرقام أكبر لم نصل لتقديرها الدقيق، وكم أصبحن الآن، هي فقط واحدة ممن يطلق عليهن بنات الشوارع“.

تركت سحربيت أسرتها هربًا من قسوة أب نخر الفقر عظامه وعظامهم، وأسلمه الإدمان إلى تحويل بيتهم إلى وكر لتعاطي المخدرات، وملحقاتها بغض النظر عن تحرش من يترددون على البيت بجسد الإبنة التي لم تصل بعد إلى السادسة عشر، هربت من البيت وسكنت حديقة أسفل أحد الكباري، وأصبحت واحدة من عائلة كبيرة لها قوانينها وأعرافها وتفاصيلها، عائلة أو أفراد من يطلق عليهم أطفال الشوارعالذين تقع أعمارهم ما بين 7 إلى 18 سنة، وترتفع نسبتهم في الفئة العمرية ما بين 11 إلى 14 سنة أولادًا وبناتً أطفالاً وطفلات يعيشون الظروف القاسية ويتعرضون الاعتداءت اللاإنسانية نفسها، بداية من الاعتداءت الجنسية وحتى اعتداءات المجتمع عليهم برفضهم ونبذهم، حتى الدولة التي يحملون جنسيتها وهم مواطنوها بلا أدنى شك تتصدى لهم من خلال أجهزتها وخاصة جهاز الشرطة الذي يرى أنهم مجرمون يشكلون خطورة على الأمن العام وسلامة المجتمع وكأن المجتمع مكتمل السلامة.

يعرف الجميع بلا أدنى اهتزاز للمشاعر أو ألم في الضمائر الصورة العامة، أما تفاصيلها فهي كثيرة لم تكن أكثرها قسوة تفاصيل سحرالتي اضطرت لترك بيت أبيها المدمن وتسليم نفسها وأيامها إلى الشارع، حملت سحر ودون الدخول في تفاصيل والسؤال ممن وكيف ومتى أنجبت طفلتها التي اختطفت من بين حضنها وهي نائمة في مسجد السيدة نفيسة، غلبها النوم بفعل جسدها المهدود من الشقاء فلم تشعر باليد التي امتدت وأخذت طفلتها، وكرد فعل تلقائي جرت إلى قسم الشرطة فكان الرد كما سبق ذكره، وتختفى سحر وتضيع طفلتها التي أصبحت من عدة الشغل لفتاة أخرى أو رجل آخر يستعين بها في التسول وبيع ما لا يحتاجه أحد في إشارات المرور حتى تكبر ويتبدل دورها وفقًا للقواعد التي يضعها المعلم أو المعلمة المسئولان والتي وقعت تحت سطوتهم.

وهذه بعض ملامح تلك القواعد التي تذكرها فلا نعرف ماذا نقول فتاة أم طفلة. هربت فمن تعذيب زوج أمها لها، لقد كان يكويها بالنار ويحلق لها شعرها ويحرمها من الطعام وكان عمرها في هذا الوقت تسع سنوات، ساقتها قدمها إلى كوبري قصر النيل التقت بالمعلم الذي ضمها إلى صبيانه وبناته في مأواهم أسفل كوبري إمبابة، والآن وقد بلغت فأربعة عشر عامًا أي وقد مر على هروبها سنوات ولم يسأل عنها أحد، فهي وببساطة تقول طبعًا بيحصل بيننا وبين الأولاد حاجات ومتقدرش البنت ترفض لأنها لو اعترضت ممكن الولد يضربها ويعورها بمطواة أو موس أو يرمي عليها مية نار.

أما أمنية التي تعبت من اعتداءت زوج أمها الجنسية على جسدها، فلم يترك الفقر والجوع فرصة لأي آثار أنثوية لتظهر على جسدها، ولم تتحمل سنوات عمرها الاثنا عشر انتهاك وقتل طفولتها، فقررت الشكوى لأمها إلا أن أمها لم تصدق وطردتها من البيت، قادتها قدماها إلى صديقتها ياسمينومعًا واصلتا رحلة الشارع، طفلتان الأولى ١٢ سنة والثانية 13 سنة تقول أمنية: لا طبعًا الولاد بيعملوا معانًا حاجات بس أنا مهما حصل أنا مبحسش بكل حاجة، لأنى بشم مبيدات حشرية بيعملوها لي الولاد وأقعد أشم لحد ما دوخ خالص وابقى مش حاسة بحاجة إلا بسيط زي ما يكون حلم.

التخزين أكثر ما يعذبهن

أما سفعمرها 13 سنة و م” 15 سنة وكلهن أمهات حديثات لا يعرفن من أبو الطفل أو الأب الذي يعيش مع كثيرات غيرهن في المنطقة نفسها وغيرهم في منطقة السيدة زينب. وترى مأن أكثر ما يضايقها ويخيفها هي فترة التخزينوقد تعرضت له لعدة مرات، والتخزين هو طقس معروف وهو حجز بنت أو واحدة من البنات أيًا كان عمرها في أماكن مهجورة ومجهولة، منها مقالب القمامة ومقالب مخلفات المباني ويستمر التخزينعدة أيام يتناوب عليها خلال الفترة أكثر من فتي لممارسة الجنس معها.

وفي قلب العاصمة، وتحديدًا أسفل كوبري رمسيس، فرض ياسر٥٠ سنة وصديقه أيمن 30 سنة سطوتهما على المنطقة وفرضا قوانين الشارع على الفتيات الصغيرات – لا نقدر على تسميتهن فتيات فهن طفلات قد تخصصا في استدراج وإيواء الهاربات من أسرهن في أعمار تتراوح بين ١٢، ١٤ سنة، وفي مقابل الحماية يتم تشغيلهن في أعمال التسول بكل صورها مقابل إيداعهن أسفل كوبري رمسيس بالقرب من مسجد الفتح.

حصيلة الشرطة ٥٠ فتاة أسبوعيًا بالقاهرة

والأمر لا يتوقف عند ما تم ذكره من حالات، إنه أكبر من ذلك، فقد ذكر مصدر أمني أن عدد الفتيات اللواتي يتم القبض عليهن يصل إلى 50 فتاة في الأسبوع بالقاهرة فقط، وفي شهر رمضان الماضي كان يلقى القبض على ٢٨ فتاة يوميًا تحملن أطفالاً لاستخدامهن في التسول.

وقد ذكرت إحصائيات أن 8% من أبناء الشوارع من الإناث، وهذا أيضًا لأننا لدينا هذا الرقم التقريبي المؤهل لإنتاج أطفال شوارع بلا هوية ولا نسب.

جهود أهلية

وعن ظاهرة بنات الشوارع بشكل خاص تقول إيناس أنوار سعيدالخبيرة الاجتماعية بجمعية كاريتاس واحدة من الجمعيات العاملة في مجال أطفال الشوارع – الفتيات اللواتي تقابلنا معهن تعرضن لظروف قاسية وصعبة تركت آثارًا نفسية وضغوطًا شديدة عليهن، وخاصة الأمهات منهن اللواتي أنجبن نتيجة علاقات مع أبناء الشوارع فقد اضطرت إحدى الفتيات لبيع ملابس طفلها لاحتياجها للمال، وأخرى فقدت طفلها بعد مشاجرة مع والد الطفل، الذي قام باختطافه ووضعه أسفل سيارة وتركه حتى مات، وذلك لأن الفتاة طلبت من الأب الاعتراف بالطفل، وهذه هي أخطر مشكلة تواجه فتيات الشوارع، الاعتراف بأطفالهن أو استخراج شهادات الميلاد لهم

لذا وكما ذكرت إيناس أنور” – فقد قامت الجمعية بتوفير محامية لهؤلاء الفتيات لرفع قضايا إثبات نسب لأطفالهن، خاصة أنها لاحظت أن هؤلاء الأمهات يتمسكن بأطفالهن، ويرفضن وضعهم في دور الرعاية. كما تقول إيناس أنورأن الجمعية تقوم بإعادة تأهيل الأمهات من بنات الشوارع نفسيًا من خلال أخصائيين اجتماعيين ونفسيين، كما تقدم جمعية كريتاس الرعاية للأطفال في صورة ملابس وأغذية ورعاية صحية، وهي تخفف قدر الإمكان عن الأمهات هذه التجربة القاسية التي مررن بها، وتضيف إيناس أحيانًا كثيرة ننجح في إعادتهن لأسرهن بعد مناقشات ولقاءات مع الأسر نفسها، كما تقوم الجمعية بتوفير فرص عمل للأمهات الصغيرات بعد تدريبهن على حرف غير تقليدية لإكسابهن مهارات تمكنهن من رعاية أنفسهن اقتصاديًا.

كما قامت الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية كما ذكرت سوزان صدقی مسئولة برنامج أطفال الشوارع بالاستعداد لإقامة مراكز استقبال نهارية بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة لإعادة تأهيل أطفال الشوارع ودمجهم في المجتمع من خلال برامج توعية وندوات حول الثقافة الجنسية والصحة الإنجابية فضلاً عن ندوات تثقيفية عامة تسهم في دمجهم بشكل عام في المجتمع.

إذن هي قضية يتحمل المجتمع مسئولية وجودها، مسئولية دولة لن نتحدث كثيرًا عن مسئوليتها في خلق هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر، يكفي أن نقول إنها ظاهرة أنتجها الفقر بشكل أساسي، الفقر الذي أدى إلى تفكك الأسر والطلاق والإدمان والتسرب من المدارس والعنف، وربما من حقنا أن نتساءل مع كل ما تقدمه المنظمات الأهلية والدولية، هل هذا يكفي أم أن القضية أكثر خطورة، وهل يكفي إعداد دورات تدريبية لضباط الإدارة العامة بوزارة الداخلية وفقًا لخطة المجلس القومي للطفولة والأمومة حتى تستقبل سحروألف سحرغيرها بركلة في بطنها لمجرد أنها توجهت للشرطة للإبلاغ عن طفلتها؟

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات