مائدة مستديرة حول بتر الأعضاء الجنسية للمرأة

التصنيفات: غير مصنف

مائدة مستديرة حول بتر الأعضاء الجنسية للمرأة

البحث الذي تدور حوله المناقشات في هذه المائدة المستديرة هو الدراسة التي قامت بها كارلا مخلوف أوبرماير وروبرت رينولدز جراحة الأعضاء الجنسية للإناث، والصحة الإنجابية والشئون الجنسية: استعراض الدلائل“. تستعرض الورقة الأدبيات المتوفرة من حيث الدلائل والبراهين على التأثيرات المختلفة بما يسمى بـ جراحات الأعضاء الجنسية للإناث ، على صحة المرأة وحياتها الجنسية. ويوضح هذا الاستعراض أن الدلائل المتوفرة على التبعات الناجمة عن تلك الجراحات غير كافية لدعم الأطروحات القوية التي تبرز تلك الممارسات باعتبارها تمثل خطرًا شديدًا على صحة المرأة ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى نقص البحوث المتعلقة بتمحيص التأثيرات الضارة، لا البحوث المتعلقة بمدى الأمان النسبي لتلك العمليات. كما يوضح الاستعراض أن هناك عددًا قليل من الدراسات التي توفر بعض التقديرات حول المخاطر الصحية المصاحبة لجراحات الأعضاء الجنسية للإناث وقد وجد أن معدل حدوث المضاعفات يزداد مع الجراحات التي تشمل أجزاء أكبر من الأعضاء الجنسية للإناث، كذلك وجد أن معدل حدوث المضاعفات الخطيرة يصل إلى ١% بينما يتراوح معدل حدوث المضاعفات الأقل خطورة بين 1 – 18%. رغم أن نتائج البحوث حول تأثير هذه الجراحات على الحياة الجنسية للمرأة غير حاسمة فإنها ترجح أن كثيرًا من النساء التي أجريت لهم تلك الجراحات لديهن القدرة على الاستمتاع الجنسي، ويبرز هذا الاستعراض الحاجة إلى إجراء دراسات منظمة حول المضاعفات الصحية المترتبة على إجراء عمليات الأعضاء الجنسية للإناث، كما يؤكد أهمية فهم ما تعنيه هذه الممارسات والأخطار المرتبطة بها في المجتمعات التي تنتشر فيها، وذلك لإثراء المناقشات الدائرة حول تبعات الخيارات الفردية والقرارات السياسية بالمعلومات. ويلي الورقة البحثية تعليقات من سهام عبد السلام، وجوسلين دي يونج وماري باسيلي أسعد، تناقش فيها مصطلح جراحات الأعضاء الجنسية للإناث الذي تقدمه الورقة الأولى كبديل عن مصطلح التشويه الجنسي للإناث “. كما تتناول التعليقات أيضًا عددًا من القضايا مثل الاستخدام الذاتي أو الرمزي لتلك الممارسات كوسيلة للتحكم في النساء وحياتهن الجنسية، والعلاقة بين العمل البحثي والدعوة لمكافحة تلك الممارسات، وطابع المعلومات التي يحتاجها كل مجال، والقيود والمنهجية والأخلاقية المتعلقة بإجراء دراسات حول التأثيرات الضارة لتلك الممارسات، والعلاقة بين الصعيدين الوطني والعالمي في مجال العمل التعبوي حول التشويه الجنسي للإناث وأهمية التصدي لثقافة الصمت المفروضة حول الموضوع، وطرح النقاشات حوله على الملأ من أجل تغيير الواقع.

في غضون العقود القليلة الماضية أصبحت الجراحات التقليدية للأعضاء الجنسية للنساء تؤرق بشكل كبير صناع السياسة، والنشطاء والمهنيين في مجالات متعددة، كل منهم يسعى لحشد كافة الوسائل الممكنة لإنهاء تلك الممارسات التي يعتقد بأنه من غير الممكن القبول بها إطلاقًا. لقد أعلن الخبراء الطبيون جسامة الأضرار التي تسببها تلك الممارسات للصحة الجسدية والنفسية للبنات والنساء. كذلك أدان المحامون والعاملون في مجال الضوابط الأخلاقية تلك الممارسات باعتبارها تعديًا على السلامة البدنية تجري بدون موافقة الضحايا، ومن ثم تمثل انتهاكًا لحقوق الإنسان للنساء والأطفال. تطرح الباحثات النسويات في عديد من الفروع العلمية أن التشويه الجنسي للإناث هو أحد مظاهر عدم المساواة النوعية، وتفشي النزعة الأبوية (البطرياركية) في المجتمعات التي تتم فيها. حتى في أوساط علماء الأجناس (الأنثروبولوجيون)، الذين يميلون تقليديًا إلى تبني موقف نسبي، فإن موقف الدعوة الأخلاقية (moral advocacy) قد حاز قدرًا كبيرًا من الدعم (1)، كما أن وجهة النظر القائلة بأن النسبية الثقافية لها حدودها وإن (هذا الموضوع) هو أحد الموضوعات التي ينبغي أن ترسم فيها الخطوط الفاصلة (2). بدأت تسود بين المواقف المتداخلة.

وفي سياق الدعم الدولي المتعاظم لمفهوم الصحة الإنجابية كعنصر محوري في السياسات السكانية والصحية، ارتفعت المطالبة بالتخلص من الممارسات الضارة بصحة النساء والتي توصف باسم الممارسات التقليدية الضارة في المواثيق الدولية، وظهرت العديد من المبادرات التي تستهدف التخلص من هذه الممارسات، وترى القضاء عليها كمقياس هام لمدى التقدم المتحقق في تطبيق برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية. تثير هذه الممارسات مشاعر النفور والاشمئزاز، وعادة ما يتم التعامل مع الاعتقاد بأضرارها البالغة على صحة البنات والنساء، وتعريض حياتهن للخطر باعتباره أمرًا مسلمًا به، وغير قابل للنقاش، ومع بروز هذه القضية، ظهرت أهمية تمحيص مدى ما توفره الأبحاث المتوفرة من تأييد للحقائق التي يشيع قبولها حول هذه الممارسات، خاصة ما يعزي إليها من أعباء صحية، والتي يعتقد أنها تتضمن مضاعفات قصيرة الأمد مثل الألم وإصابة الأنسجة المجاورة، النزيف، والصدمة، الاحتباس البولي والالتهابات الحادة والمزمنة، وكذلك مضاعفات طويلة الأمد، مثل صعوبة التبول والتهابات الجهاز البولي، التهابات الحوض، العقم، الندوب المتليفة، والخراريج والتكيسات وصعوبات الدورة الشهرية، الآلام المصاحبة للجماع، ومشكلات أثناء الحمل والولادة، هذا فضلاً عن التبعات الجنسية والنفسية والاجتماعية.

تثير المصطلحات المستخدمة في وصف هذه العمليات عددًا من الصعوبات، سواء في اللغات المحلية، أو الترجمة الإنجليزية، والعديد من هذه المصطلحات غير دقيق. ففي اللغة العربية على سبيل المثال، نجد أن المصطلح الدقيقة لكلمة – Clitor قطع البظر تعني idectomy

خفاض، بما يؤكد على الفكرة الشعبية بأنه ما لم يتم خفاض البظر فإنه سيكبر متحولاً إلى قضيب وتؤكد على المعنى الرمزي للعملية باعتبارها إعادة تشكيل جسد المرأة بما يؤكد الاختلاف بين الجنسين. كذلك كلمة الختان ” Circumcision توحي ضمنيًا على نحو خاطئ بأن هذه العملية مماثلة لإزالة غلفة القضيب. وتتضمن مصطلحات أخرى أحكامًا قيمية حول الممارسة، فعلى سبيل المثال تقرن العديد من الكلمات في اللغات المحلية تلك العمليات بقيم إيجابية مثل الطهارة، أو بالتقاليد المعيارية، أو بالتدين، رغم أن الدين لا يوجب هذه الممارسة ولا يقرها. أما تعبير التشويه الجنسي للإناث فيشدد على المدى الذي تصل إليه هذه الممارسات، ويعاظم من التأثير الدرامي لها. كما أنه أيضًا يفترض وجود نوايا سيئة لدى من يقومون بإجراء هذه العمليات، على الرغم من الدلائل الاثنوجرافية المناقضة لذلك.

ويصعب إيجاد صياغة دقيقة لتلك الممارسات دون الانزلاق إلى تأييدها أو إدانتها. وقد اخترنا، في هذه الورقة البحثية، استخدام تعبير جراحات الأعضاء الجنسية للإناث ، مع معرفتنا بأنه غير دقيق أيضًا حيث إنه يستدعي، على نحو خاطئ، أجواء التعقيم والتطهير في المستشفيات. ومع ذلك، فكثيرًا ما استخدمت كلمة جراحة للإشارة إلى عمليات تتم في شروط غير معقمة (كما هو الحال، على سبيل المثال، عند وصف الجراحات المصرية القديمة مثل التربنة (ثقب الجمجمة)، والعمليات التي كانت تجري في أوربا في المرحلة السابقة على دخول الصناعة). وتجدر الإشارة إلى أننا استخدمنا صيغة الجمع. أي جراحات “. للتأكيد على تنوع هذه العمليات وهكذا فإن التعبير في مجمله، رغم أنه ليس مرضيًا تمامًا. يتميز بطبيعة الوصفية دونما إدانة مسبقة لتلك الممارسات.

ويكمن الدافع وراء استعراضنا الشامل للأدبيات في ذلك، التفاوت الذي بدا ممكنًا بين حشد الموارد تجاه الحركة من ناحية، وقاعدة البحث التي ينبغي توافرها لدعم تلك الجهود من ناحية أخرى. وكان هدفنا هو التحديد الدقيق لمدى ما هو معروف حول القضية، وخاصة حول المضاعفات الصحية المحتملة للعمليات، ومدى تأثيرها على الحياة الجنسية. وقد أدت عملية تقييم حجم المعارف المتاحة بهذه الطريقة إلى تكوين رؤى متبصرة للمجتمعات المرتبطة بالقضية محل البحث، ولا نعني فقط المجتمعات التي تجري فيها ممارسة جراحات الأعضاء الجنسية للإناث (3)، وإنما أيضًا تلك المجتمعات التي تمعن النظر في ممارسات الآخرين.

أسلوب البحث:

لقد بحثنا في الأدبيات الطبية والديموغرافية المتوفرة حول ختان الإناث ، والتشويه الجنسي للإناث، وقمنا بالاطلاع أيضًا على جميع المصادر باللغتين الإنجليزية والفرنسية. ومع حلول إبريل ١٩٩٦، أصبح عدد المقالات المتوفرة لدينا ٤٣٥ مقالاً على النحو التالي: ٩٠ مقالاً يغطون السنوات من ١٩٦٦ إلى ۱۹۹٦ من خلال قاعدة بيانات مدلاین ” Medline data bas و٣٤٥ مقالاً يغطون السنوات من ۱۹۷۰ إلى ۱۹۹٦ من خلال قاعدة بيانات بوب لاين ” (Popline data base) كما لم ندخر جهدًا للاطلاع على المصادر غير المنشورة، مع معرفتنا أن بعض الكتابات القيمة لا تظهر في المطبوعات العادية، ومن بين ٤٣٥ مقالاً راجعناه، وجدنا أن ۳۰ مقالاً فقط ناقشت الآثار الصحية المترتبة على الممارسات قيد الدراسة، وقدمت ۱۰ مقالات أخرى سلسلة حالات تشتمل على مضاعفات طبية، وقدم ٢٥ مقالاً تقديرات حول مدى انتشار الممارسات. أما باقي المقالات فقد تناولت حالات فردية، وخبرات شخصية، وسلوكيات وسياسات تتعلق بالممارسات، أو مناقشات عامة حول صحة النساء. لقد استخدمنا معايير محددة لتقييم نوعية المعلومات المتوفرة في هذه المقالات الأربعين، ووجدنا أن الكثير منها لا يفي بالمتطلبات الأساسية، بل وعانت من بعض مشكلات مثل نقص المعلومات المتعلقة بمصدر البيانات وطريقة جمعها، أو محدودية العينات مما لا يتيح استخلاص استنتاجات محددة، أو ارتفاع نسبة عدم الاستجابة للاستبيانات، أو استحالة إثبات ما إذا كان الأفراد قد تعرضوا بالفعل لهذه العملية، أو غموض التعريفات المتعلقة بالمضاعفات، أو وجود تناقضات في الحسابات. وكثيرًا ما أخفقت قاعدة البحث، بشكل عام، في تحديد المتطلبات اللازمة لتوثيق المضاعفات.

على الرغم من أن المعلومات المتعلقة بانتشار جراحات الأعضاء الجنسية للإناث تستقي عادة من تقارير البلدان المعنية، إلا أن معظم الأرقام الموجودة ليست تقديرات البلدان. الأمر الأكثر أهمية هو أن التشويه الجنسي للإناثلا يمثل بأي حال ممارسة موحدة، لكنه يشمل بالأحرى عمليات متنوعة مما يجعل من الصعوبة استخلاص تعميمات عبر المجموعات.

وتستقي غالبية التقديرات الوطنية عن انتشار تلك الممارسات من تقارير المسوح الصحية والديموجرافية.

تضم الدول التي تتوفر فيها بيانات على المستوى الوطني: السودان (مسحــان)، ومصر، وساحل العاج، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وأريتريا، ومالي، والصومال، أما البلدان الأخرى فتقديراتها مبنية على الدراسات التي أجريت على عينات من النساء، وقد تكون تلك العينات ممثلة أو غير ممثلة على الصعيد الوطني. ويؤكد التباين الموجود في تلك الدراسات التي تقارن بين مناطق أو مجموعات عرقية مختلفة، على ضرورة توخي الحرص في الوصول لاستدلالات على المستوى الوطني بناء على الأرقام المتعلقة بانتشار تلك الممارسات بين الجماعات الصغيرة. ورغم أن المعلومات الضرورية لعمل تقديرات حول انتشار الممارسة لم تتوفر إلا في العامين الماضيين لعدد محدود من البلدان، فإننا نجد أن كثيرًا من الكتابات حول الموضوع تعيد نشر الأرقام الواردة في الخرائط العالمية” – تصدر بعض الهيئات تقديرات عن انتشار الختان على مستوى العالم على شكل خرائط أو تقارير دورية. حول معدلات الانتشار لذا يجب التعامل بحذر شديد مع الأرقام العالمية التي سبق نشرها عن عدد النساء التي أجريت لهن هذه الجراحات.

وبفضل العدد المتزايد من المسوح الديموغرافية على المستوى الوطني والتي ضمت نموذجًا للاستقصاء عن معدل انتشار هذه الممارسات منذ ١٩٩٥ (والموجز المفيد الذي نشرته المسوح الديموغرافية والصحية)(4)يمكننا القول، بدرجة ما من اليقين، أن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث تعرضت لها أغلب النساء تقريبًا (90 – 100%) في الصومال، ومصر، ومالي، والسودان، وإريتريا، وحوالي نصف الناس في جمهورية أفريقيا الوسطى وكوت ديفوار (4 – 5 – 14). وتشير الدراسات التي أجريت على عينات أكثر محدودية إلى أن غالبية النساء (75 – ۹۰%) في أجزاء من تشاد، ونيجيريا، وكينيا، وسيراليون تخضع لهذه العمليات (1519). وعلاوة على ذلك، تطرح التقارير أن غالبية النساء في جيبوتي ونسبة كبيرة من النساء (تتراوح من ١٠% إلى ٨٠٪) في أجزاء من بوركينا فاسو. والكاميرون، وغانا، وغينيا، ونيجريا، والسنغال، وتنزانيا، تخضع أيضًا لهذه الجراحات (20).

وترجح المقارنات التي أجريت بين معدلات انتشار الممارسة بين المجموعات العمرية المختلفة بروز ميل للابتعاد عن الأشكال شديدة القسوة من الممارسة. الاستئصال الجزئي والتفميم يعرف هذا النوع بالختان الفرعوني أو السوداني وهو يتضمن استئصال البظر والشفرين الصغيرين وأجزاء كبيرة من الشفرين الكبيرين مع خياطة المنطقة تمامًا باستثناء فتحة صغيرة لمرور البول ودم الحيض. Infibulation والاقتراب من العمليات الأكثر محدودية.

المضاعفات الصحية الناجمة

عن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث

ويتضح من استعراض الأدلة، صعوبة إجراء بحوث حول المضاعفات الناجمة عن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث. ويرجع ذلك إلى أسباب تتعلق بعوامل منهاجية وأخرى أخلاقية، إن أفضل وسيلة لتأكيد علاقة السببية هو إجراء الدراسات المستقبلية والتي ترتكز على السكان وهي الدراسات التي تتابع كافة الجماعات، سواء التي تعرضت أو لم تتعرض للجراحة مع قياس النتائج الضارة التي تظهر مع مرور الزمن. ولكن مثل هذه الدراسات تطرح عقبات إجرائية وأخلاقية قد يستحيل تذليلها. وأفضل وسيلة تالية من أجل توثيق المضاعفات تتمثل في دراسات الحالات الضابطة، حيث يجري في آن واحد ملاحظة العمليات والنتائج الضارة وقياسها، ومع كل، كثيرًا ما يصعب التيقن من إجراء العملية، وقياس النتائج بدقة، وتجنب مشكلات الانتقائية والخلط بين الأمور، كما تقتصر الكثير من الدراسات المتاحة على توثيق العمليات والمضاعفات بفعالية.

ويمكن القول بوجود ثلاثة أنواع من التقارير حول المضاعفات الصحية لجراحات الأعضاء الجنسية للإناث. يتضمن النوع الأول تقارير الحالة، والتي تغطي عددًا من المضاعفات الممكنة ولكنها لا تتيح اشتقاق تقديرات حول معدل الخطر (٢١ ٢٥) إن أغلب الدلائل على الوفيات تأتي من دراسات الحالة. وقد كان الاستثناء هو دراسة أجريت في الصومال(26) حيث استخدمت بيانات ديموغرافية، ولكنها لم تتمكن من تحديد حجم ودلالة المخاطر الإضافية التي يمكن إرجاعها إلى الممارسات. أما النوع الثاني من الدراسات فيرتكز على المسوح التي تطلب من النساء ذكر المضاعفات (13، 27 – ٣٠) وقد تبخس هذه الدراسات أو تغالي من قدر المضاعفات، لأن النساء لا يستطعن دائمًا أن يتذكرن بدقة الأحداث التي جرت لهن في السنوات السابقة، أو يحددن ما إذا كانت الأعراض التي يعانين منها تعتبر غير طبيعية نتيجة للعمليات. وثالثًا، توجد دراسات ابديمولوجية (تتعلق بطابع انتشار الممارسة) تستخدم الفحوص الإكلينيكية لتحديد المضاعفات، مع اشتمالها على مجموعة مقارنة الاختبار دلالة النتائج (31 – ٣٤) وتعد هذه الدراسات بمثابة أفضل مصدر للدلائل، رغم إنها محدودة بالعينات البحثية التي استخدمتها، والمستقاة من السكان الذين يترددون على المستشفيات، وقد لا تكون عينات ممثلة وخاصة مع وجود المعوقات الكبرى للرعاية الصحية فى تلك البلدان التي تنتشر فيها جراحات الأعضاء الجنسية للإناث. وحقيقة إن جميع الدراسات المتاحة هي دراسات مقطعية، وهو ما يعني عدم قدرتها على تأكيد ما إذا كانت العمليات سبقت بالفعل النتائج أو المضاعفات، فضلاً عن عدم قدرتها على قياس المخاطر المنسوبة للعمليات. وتتسم هذه المسألة بأهمية خاصة فيما يتعلق بمشكلات مثل إصابات الجهاز البولي أو العقم، وهي المشكلات التي يمكن أن تحدث عبر فترات أطول من الزمن، كما يمكن أن تنجم عن عوامل أخرى بخلاف العمليات قيد البحث.

هناك اختلافات عديدة بين الدراسات الموجودة، من زاوية نوعية البيانات والتحليلات. وبعد استبعاد بعضها على أساس معايير منهجية، تقلصت المصادر الثلاثون التي تناقش، على نحو خاص، المضاعفات الناجمة عن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث إلى ثمانية مصادر. ولم تجر مناقشة تقارير الحالة بصورة تفصيلية هنا، ومع كلٍ، فإن أكثر المضاعفات انتشارًا التي وردت في التقارير عن الحالات هي على النحو التالي: الالتصاقات، أكياس درمويد، وضمور بالمنطقة التناسلية. ونظرًا لأن الدراسات استخدمت تعاريف مختلفة (سواء للعمليات أو للمضاعفات)، وقياسات مختلفة، فإنه يتعذر إعادة تصنيف المضاعفات في نظام موحد، أو حساب الإحصاءات الكلية المعدل تكرار المضاعفات.

يمكن تقسيم مضاعفات جراحات الأعضاء الجنسية للإناث إلى خمسة أنواع: النزيف، الالتهابات، مشاكل بالجهاز البولي، مشاكل إنجابية (العقم، ومشكلات الولادة) والالتصاقات/ الانسدادات. أما مدى التكرار في مشكلات النزف والنزف الحاد فهي تتراوح من ٠.٥ بالنسبة لاستئصال البظر إلى حوالي 3% بالنسبة للتفميم ولكن معدلات حدوث النزيف أوسع (7 – ۱۸%) بسبب التضارب بين التعريفات عبر مختلف الدراسات، فضلاً عن اختلاف التقنيات والعلاجات التقليدية التي يستخدمها الممارسون. ونادرًا ما تتم الإفادة بوجود الالتهابات (۱%) بين النساء اللاتي تعرضن لاستئصال البظر، أما النساء اللاتي تعرضن للتفميم، فتبلغ معدلات حدوث مختلف أنواع الالتهابات حوالي ٥% أو أقل. وتتراوح معدلات حدوث مختلف مشکلات الجهاز البولي من ١ إلى ٩% بين النساء اللاتي تعرضن لاستئصال البظر، ومن ٣ إلى ١٦% للعمليات الأكثر شمولاً. أما العقم، فيزيد في حالات العمليات الأكثر شمولاً بمعدل الضعف في الحالات غير الشاملة وترتفع معدلات طول فترة المخاض والنزف التالي للولادة بين (١٤% و٢% على الترتيب) بينما هي في الحالات الضابطة (٤% و٢% على الترتيب) وتجدر الإشارة إلى أن حالات أزمات الأجنة والولادة القيصرية ليستا مرتفعتين بشكل ملحوظ بين الحالات.

وتتراوح مختلف المضاعفات الجراحية، مثل الندوب، والأكياس، والالتصاقات، ما بين صفر إلى 4% بين النساء اللاتي أجريت لهن عمليات شاملة، ولكن المعدل يصل إلى أقل من ٠.٥% بالنسبة للنساء اللاتي أجريت لهن عمليات استئصال البظر فقط. وباستثناء دراسة واحدة، وهي دراسة تكشف عن ارتفاع معدل تكرار المضاعفات (۲۹)، فقد أظهرت الدراسات التي رجعنا إليها نتائج متسقة نسبيًا، وأفادت بشكل عام بوجود معدلات تكرار أقل من ٥%، مما يعني أن معدل تكرار المضاعفات الخطيرة يرتفع بالنسبة للجراحات الشاملة.

إن نتائج هذا الاستعراض لا تدعم تمامًا المزاعم الواردة في أدبيات التعبئة ضد الممارسة حيث لا يوجد دليل وبائي موثوق فيه حول معدل الوفيات على المستوى السكاني. وعلى نقيض الآراء الحالية، فإن اقتران هذه العمليات بالمضاعفات الخطيرة ليس شائعًا. ونادرًا ما نجد إشارة إلى أن تكرار المضاعفات وقسوتها يرتبط بنطاق العمليات وظروفها، كما لا يتم الاعتراف، في كثير من الأحوال، بأن العديد من المعلومات تأتي من دراسات أجريت في السودان، حيث تتعرض غالبية النساء لعمليات التفميم. كما يصعب قبول الربط بين الإصابة باعتلال الصحة أو الوفاة وبين تلك الممارسات، نظرًا لوجود هذه المشكلات واستمرارها في العديد من المجتمعات. وبينما يعتبر منظورًا الطب والصحة العامة أن تكرار ما يقرب من ١% من المضاعفات الخطيرة و١ – ١٨% من المضاعفات المتوسطة يمثل ارتفاعًا غير مقبول، لا يبدو هذا المنظور منتشرًا بين غالبية الناس في المجتمعات التي تمارس هذه العمليات. وتمثل المضاعفات الخطيرة، في واقع الأمر، كما وجدنا من خلال استعراضنا للأدبيات، الاستثناء وليس القاعدة، وهو الأمر الذي يمكن أن يساعد على تفسير أسباب تغافل ملايين من البشر حول العالم عن المخاطر الحقيقية، طالما ليس من المرجح إحصائيًا أن تمر الغالبية بخبرة الآثار الضارة الخطيرة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

ومع كل، لا تعود ندرة دلائل الآثار الضارة لهذه العمليات إلى مدى سلامة وأمان هذه العمليات، وإنما ترجع إلى عدم كفاية الاهتمام الذي تم تكريسه للبحوث التي توثق التبعات المحتملة لهذه العمليات. إن عدم كفاية قاعدة البحث تعكس جزئيًا اقتناعًا شديد الأهمية بأن الآثار الضارة واضحة بذاتها، حتى أنها لا تحتاج إلى التوثيق. كما يرجع ذلك أيضًا إلى المشكلات الأخلاقية والصعوبات المنهجية الموجودة في تصميم تلك الدراسات المتوافرة.

إن معرفتنا بتبعات جراحات الأعضاء الجنسية للإناث على الحياة الجنسية مستقاة في الأساس من نوعين من المعلومات. يتمثل النوع الأول في آثار تلك العمليات على التركيب التشريحي للأعضاء الجنسية فجميع جراحات الأعضاء الجنسية للإناث تستأصل البظر كله أو جزءًا منه، ومن ثم يُعتقد أنها تفسد أو تدمر القدرة على الاستمتاع الجنسي. وعلاوة على ذلك، يؤدي الاستئصال الكامل أحيانًا إلى تقليص فتحة الفرج إلى فتحة صغيرة، مما يجعل من الضروري قطع أو تمزيق الأنسجة قبل حدوث الاتصال الجنسي. ونتيجة لذلك، يسود الاعتقاد بأن الجنس يسبب ألمًا وليس متعة. أما النوع الثاني من المعلومات فيتمثل في تقارير الحالة النساء اللاتي أجريت لهن جراحات الأعضاء الجنسية واللاتي تحدثن عن خبرتهن الجنسية. وعلى الرغم من عدم إمكانية تحديد إلى أي مدى تمثل هذه الحالات الغالبية من النساء، ورغم أن غالبية هذه الحالات تتعلق بالنساء اللاتي أجريت لهن عمليات شاملة، فإن تفاصيل هذه القصص تتسم بالانفعالية العاطفية، حتى أنها أدت إلى تعميم يقول، بأن النساء، ونتيجة لجراحات الأعضاء الجنسية، يشعرن فقط بلا مبالاة جنسية في أحسن الأحوال، وألم مفرط في أسوأها.

نادرة هي الدراسات التي تبحث بشكل منهجي في المشاعر الجنسية لدى المرأة والرجل المتأثرين بجراحات الأعضاء الجنسية وتعاني كافة هذه الدراسات من محدودية خطيرة. وعلى الرغم من أن أيًا منها لم يعمم بحيث يتناول القضايا النظرية والمنهجية شديدة التعقيد التي تشكل ملمحًا عامًا في كافة البحوث المتعلقة بالشئون الجنسية، فإنه لا يزال من المفيد أن ننظر لبعض نتائجها بعين الاعتبار. وتشير الدراسات التي أجريت في السودان إلى حدوث تغير كبير في الاستجابات الجنسية. ففي حين قالت ٩٠٪ من النساء التي أجريت معهن مقابلات خلال إجراء إحدى الدراسات، أنهن قد مررن بخبرة تحقيق ذروة النشوة الجنسية بانتظام، أو في بعض الأوقات (٣٥)، ذكرت دراسة أخرى أن 27% فقط من النساء قلن أنهن استمتعن بالجنس (١٣). وهناك دراسات أخرى توصلت إلى نتائج مختلطة حيث انقسمت أقوال النساء اللاتي قدمن معلومات إلى ج. بودي: كان البعض منهن ينظر إلى الجنس كالتزام، في حين استمتع به البعض الآخر (٣٦). أما ى. جرونباوم، فقد وجدت أن بعض النساء اللاتي قدمن لها معلومات لم يجدن الجنس مرضيًا لهن، إلا أنه يجعل أزواجهن سعداء، هذا في حين قدمت نساء أخريات وصفًا مفعمًا بالحيوية الذروة النشوة الجنسية عند الجماع (37). وتطرح الدراسات التي أجريت في مصر وجود نسب أعلى، إلى حد ما من النساء اللاتي يستمتعن بالعلاقات الجنسية: فقد أفادت م. أسعد أن 94% في عينتها الحضرية قلن ذلك(30)، وقالت ه. خطاب أن أغلبية نساء القرية التي تحدثت إليهن قد استمتعن بالعلاقات الجنسية وعبرن عن إحساس بأن ذلك من حقهن.

إن هذه النتائج تثير بعض الشكوك حول الأقاويل التي تؤكد أن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث تتناقض في الأساس مع الحياة الجنسية للمرأة وإمكانية استمتاعها بالجنس، وتعكس تلك الاختلافات في الإحساس بالاستمتاع الجنسي مقدار الاختلاف في قدر النسيج الذي يتم استئصاله (تتعرض غالبية النساء المصريات إلى عمليات أقل شمولاً عما تتعرض له غالبية النساء السودانيات اللاتي يتعرضن للاستئصال الكامل). ومن الممكن أيضًا، حتى في حالات الاستئصال الكامل، عدم إزالة البظر كله. وكما تلاحظي. جرونباوم، على سبيل المثال، فإن قابلات عديدات يتركن جزءًا كبيرًا من نسيج البظر (الجزء الانتصابي) دون مساس أسفل التفميم، وذلك من أجل تقليص مخاطر النزف (37). وقد يكون الأمر أن المناطق الأخرى الحساسة جنسيًا تزداد كفاءتها للتعويض عن غياب البظر.

وهكذا يبدو التأكيد على أن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث تؤدي بشكل مطلق إلى تدمير القدرة على الاستمتاع الجنسي أمرًا غير دقيق علميًا، كما يتسم بالسطحية. ويمكن إدراك تنوع الممارسات وتبعاتها على الحياة الجنسية بصورة أفضل من خلال الفحوص الجسدية لحالات فعلية في علاقتها بمغزاها للأفراد والتفسيرات المقدمة على المستوى المجتمعي.

إن الدلائل المتوافرة تطرح تحديًا للافتراض القائل بأن القدرة على الاستمتاع الجنسي تعتمد على عدم المساس بالبظر، وأن ذروة النشوة هي المقياس الوحيد للحياة الجنسية الصحية “. كذلك تطرح الدلائل الاثنوجرافية (39، 40) تصورًا شديد الاختلاف بشأن العلاقة بين سلامة البظر وبين الوصول إلى النشوة الجنسية. وكل ذلك يثير تساؤلات ليس من السهل حسمها، لأنها تقضي ضمنًا أن ما يتم تقديمه كحقيقة فسيولوجية لا تقبل الجدل، يمكن أن تكون هي نفسها نتاج التشكيل الاجتماعي. ولذا، من المهم إدراك أن الأفكار السائدة حول الحياة الجنسية، سواء لدى المرأة أو الرجل، في المجتمعات التي تتبع هذه الممارسات والمجتمعات التي تدينها بقوة، عادة ما تشتمل على عناصر متناقضة، وأن الاختلافات الشاسعة في هذا المجال هي نتيجة للدور القوي الذي تلعبه الثقافة في تحديد الاستمتاع، والألم، والتعبير عن الحياة الجنسية.

التحديق في الآخر“:

إن وجود جراحات الأعضاء الجنسية للإناث وانتشارها الواسع في عدد من المجتمعات يطرح لغزًا أمام العقل والخيال، إذ يتأتى على المرء أن يحاول تخيل كيف يمكن لشخص أخلاقي وعقلاني.. أن يربط منطقيًا بين طقوس المرور وتغيير شكل الأعضاء الجنسية، وبين بعض الفضائل مثل الكياسة، والولاء، والاحترام، والطهر، والتحكم في الذات (41). إن تحقيق ذلك يتطلب من المرء أن يوقف المعتقدات في مواجهة ما يبدو انتهاكًا لقيم مثل السلامة الجسدية والصحة وحق الموافقة المبنية على المعرفة، يمكن الوصول لرؤية من داخل تلك المجتمعات التي تمارس هذه العمليات، لتبصر المغزى المرتبط بتلك العمليات لدى من يمارسونها. وكما يوضح تحليل ج. بوودي (36، 42، 43)، يمكن لشخص لا يؤيد جراحات الأعضاء التناسلية للإناث أن يملك ذلك الاستبصار وأن يكشف عن الدلالة الرمزية لهذه الممارسات في سياقها الثقافي.

وفي كل الأحوال فإنه تسود في كثير من المصادر المتاحة نظرة تبسيطية لجراحات الأعضاء الجنسية للإناث، ولا نعني فحسب أدبيات التعبئة المنادية بإلغاء تلك الممارسة، وإنما نعني أيضًا مقالات العلوم الاجتماعية. فالاختلافات الكبيرة في أسباب انتشار هذه الممارسات والظروف المحيطة بها يتم تجاهلها ببساطة. كما أن اشتمال هذه الممارسات على قطع لبعض الأعضاء الجنسية للمرأة يعتبر كافيًا لدمج مجموعة متباينة من الممارسات في فئة واحدة، ثم يلي ذلك البحث عن تفسيرات شاملة لها. وبينما لا يمكن، على المستوى النظري، تجنب درجة ما من التعميم حول هذه الممارسات، فإنه من الهام الانتباه إلى حقيقة أن الآراء التي تجنح للتبسيط، قد تكون جزءًا من عملية يتم فيها اختزال الآخر إلى مجرد بعض التمايزات الجسدية أو السمات الاجتماعية، بما يسوغ أو يبرر ردود الأفعال من استنكار وازدراء.

إن الأسلوب المتبع في كثير من المطبوعات بشأن تقديم دلائل جراحات الأعضاء الجنسية للإناث عادة ما يسهم في عملية التشيئ، وعلى نمط المراجع الطبية، تجنح تلك المطبوعات إلى استخدام الصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية وأشكال للأجزاء منفصلة من الجسم لشرح تبعات العمليات، ونتيجة ذلك يصبح القارئ مختلسًا للنظر يركز بصره على الأعضاء الجنسية، وطبيبًا، في ذات الوقت. يؤكد وقوع الضرر. وعادة ما يكون النص تقنيًا، يعدد الأجزاء التشريحية المعينة، والإجراءات الجراحية، فضلاً عن قائمة موسعة للمضاعفات قصيرة وطويلة الأمد كما يشدد في نفس الوقت، على غياب التعقيم وبدائية الأدوات، وعدم تدريب من يجرون تلك الجراحات فضلاً عن الدم والألم والصراخ، ومن ثم، تثير الصور المرئية والأوصاف النصية ردود أفعال متناقضة من الرعب والانعزال وتعبر عن ازدواجية عميقة نحو الآخر ، الذي هو إنسان وشيء في نفس الوقت.

إن التوصيفات الثقافية المعزولة، التي تشكل محور كثير من النقاشات بشأن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث، تخلق إحساسًا زائفًا بمعرفة الآخر (44) وتتمثل النتيجة في تقييمات ذات طابع حسي، تقدم برهانًا سطحيًا يؤكد التصورات النمطية الجامدة واسعة الانتشار. تكتب طوبيا، وهي من أنصار إلغاء الممارسة، أن تلك التقارير تقدم دليلاً على بربرية وفظاظة البلدان المتخلفة.. (وتأييدًا) للرأي القائل ببدائية العرب والمسلمين والأفارقة دفعة واحدة(٤٥).

أما س. مرسي، فقد انتقدت بعض الكتابات الانثروبولوجية حول الموضوع باعتبارها تمثل تفكيرًا استعماريًا جديدًا، تطبيب أعباء الرجل الأبيض(٤٦).

ولكي يمكن فهم جراحات الأعضاء الجنسية للإناث. ينبغي تأملها في علاقتها بالظروف العامة لحياة الرجال والنساء في المجتمعات التي توجد فيها. إن جوقة الانتقاد الدولية ضد ختان الإناث قد قامت بدور الستار الدخاني، إذ ركزت الانتباه والموارد على التقاليدوانصرف الانتباه بعيدًا عن الوضع الكارثي للاستغلال الاقتصادي والإهمال، مثلما كان عليه الحال في السودان(۳۷). وعلاوة على ذلك، فإن التعبئة والحشد ضد التشويه الجنسي للإناث يمكن أيضًا أن يخلق.. مزيدًا من التمسك بها بين المجتمعات التي ينتشر فيها.. كما يضع أولئك الذين يكافحون ضد الممارسة.. في موقف حرج ألا وهو الحاجة لتبريرها، في مواجهة استفزازات التوصيفات مفرطة التبسيط في الغرب (47). وهكذا، فإن دلائل جراحات الأعضاء الجنسية للإناث لا تتمثل ببساطة في مجموعة من الحقائق الموضوعية. بل إنها جزء من نضالات سياسية مستمرة، على كل من المستويين المحلي والعالمي، حول الشرعية والسلطة.

لقد أوضح هذا الاستعراض أن دلائل تبعات جراحات الأعضاء الجنسية للإناث على الصحة الإنجابية والحياة الجنسية لا تكفي بوضوح لدعم الخطابات القوية التي تقدم هذه الممارسات باعتبارها خطرًا جسيمًا على صحة المرأة، وهناك شك قليل في أن ندرة دلائل المضاعفات الناجمة عن جراحات الأعضاء التناسلية للإناث إنما ترجع إلى افتقاد الجهود المنسقة من أجل الاستقصاء عن الآثار الضارة وليس إلى الأمان النسبي لهذه الجراحات وينبغي إجراء مزيد من الدراسات التي تهدف إلى توثيق الأثر الصحي للعمليات بقدر أكبر من اليقين. إن قصور قاعدة البحث يمكن أن يعزي إلى الصعوبات العملية المتعلقة بإعداد دراسات وبائية تقيس بشكل منهجي المضاعفات الناجمة عن جراحات الأعضاء الجنسية. ومع كل، يجدر طرح أسباب أخرى لتفسير لماذا يفترض، في كثير من الأحيان، أن الآثار الضارة الناجمة عن جراحات الأعضاء الجنسية للإناث حقيقية بما لا يقبل الجدل، بحيث نادرًا ما يتم طرحها كقضايا تحتاج إلى الاستقصاء والبحث. وفي حين لا يقوم هذا المقال بتحليل هذه الأسباب بشكل مباشر، فإنه يطرح ارتباطها بعوامل سياسية، واقتصادية وأخلاقية على المستويين المحلي والعالمي.

تطرح الدلائل أيضًا وجود تعارض بين النظرة الطبية الحيوية (البيولوجية) والتي لا تقبل بإجراء أي جراحات غير مقرة طبيًا وتنتج عنها تأثيرات صحية مناوئة، وبين نظرة المجتمعات التي تنتشر فيها تلك الممارسة، فتلك المجتمعات تتبنى رؤية شديدة الاختلاف لمفهوم الخطر، حيث يبدو واضحًا فيها عدم الاكتراث بالمخاطر الصحية، ويمكن تفسير ذلك جزئيًا بما أوضحه هذا الاستعراض من الندرة النسبية للمضاعفات الشديدة التي لا يتعرض لها سوى عدد محدود من الأفراد، سواء مباشرة من خلال خبرتهم الشخصية أو بصورة غير مباشرة من خلال خبرات الأقارب أو المعارف. إن فكرة التأمين ضد المخاطر الصحية، وهي الفكرة المألوفة لدى أغلب الأفراد في المجتمعات التي يرتفع فيها معدل معرفة القراءة والكتابة والحساب وتوجد فيها نظم صحية شاملة وغطاء تأميني، ليس من المرجح أن توجد في المجتمعات ذات التعليم المدرسي المحدود، وانخفاض فترة العمر المتوقع، وتخلف النظم الصحية وعدم إمكانية تجنب الألم دائمًا. ومن ثم، فإن تعديل تقييم الأفراد لمخاطر جراحات الأعضاء الجنسية لا يستلزم مجرد التثقيف بالأضرار الصحية المحتملة، وإنما يستلزم أيضًا إحداث تغيرات في مجموعة العوامل المؤثرة على الوضع الديموغرافي، والاقتصاد، والرعاية الصحية للسكان.

ومن الواضح أن هناك احتياج إلى إجراء بحوث متأنية التحديد التبعات الصحية لجراحات الأعضاء الجنسية بدقة أكبر. لكن هناك حاجة أيضًا إلى التواصل لفهم أفضل لمغزى هذه الممارسات في المجتمعات التي تقرها. إن قدر التعقيد الذي يحيط بالعوامل التي تفسر استمرار هذه الممارسات يشير إلى أنه لا يمكن لأي مقولة منفردة أن تتصدى بذاتها لاستمرار هذه الممارسات، كذلك لا يمكن لأي تدخل مستهدف بشكل منفرد أن يقدر على تغيير سلوك أولئك الذين يتبعونها. ولهذا ينبغي أن يرتكز أي عمل في هذه القضية على رؤية تدمج بين النظم المعرفية المختلفة، ویسترشد بكل من منظوري الصحة وعلم الاجتماع. وفي حين قد يتعذر فهم هذه الممارسات بالكامل من وجهة النظر العلمية، فإن هناك حاجة للبحث الدقيق والحساس من أجل تقديم الدليل حول الجوانب الديموغرافية والصحية المرتبطة بهذه الممارسات، وكذلك السياق الاجتماعي الذي توجد فيه، وذلك لإثراء وتوفير المعلومات الضرورية الدائرة حول تبعات الخيارات الفردية والقرارات السياسية بالمعلومات.

كلمات شكر

يرتكز هذا المقال على دراسة جراحات الأعضاء التناسلية للإناث: المعروف، والمجهول وما لا سبيل إلى معرفته ، التي ظهرت في مجلة الأنثروبولوجيا الطبية ربع السنوية (Medical Anthropology Quartely 1999:13) وكما تم الاتفاق مع المجلة في عام ١٩٩٧. لم يتم 28 – 1 (1) تضمين المصادر التي ظهرت بعد ذلك العام، ونحن نود أن نتوجه بالشكر إلى محرري مجلة

Medical Anthropology Quarterly

والرابطة الأنثروبولوجية الأمريكية

American Anthropological Association

لموافقتهما الكريمة على نشر هذا الموجز. وقد أعربنا، في الورقة البحثية الأصلية، عن امتناننا أيضًا للمساعدة المقدمة من آمي راتكليف في استعراض الأدبيات وتحليل المصادر، كما توجهنا بالشكر إلى ناهد طوبيا لتعليقاتها على البحث ومساعدتها على تتبع بعض المصادر، فضلاً عن شكرنا ميشيل ريتش لتعليقاته.

للمراسلة:

Carla Makhlouf Obermeyer, Department of Popula –

Tion and International Health, Harvad University, 665

Huntington Avenue, Boston MA 02115, USA. Fax: 1-617-566-0365.

E-mail:mail to:[email protected]

 

1- CF. Gofdon D, 1991. Female Circumcision and genital operations in Egypt and the Sudan: a di- lemma for medical anthropology. Medical Anthro- pology Quarterly. 5 (1): 3- 13.

2- L Konner M, 1990. Prisoners of Ritual: an Odyssey
into Female genital circumcision in Africa. New
York Times Book Review. 15 April: 5.

3 – تتراوح العمليات بين الأنواع المحددة نسبيًا التي تضم الخز أو البتر، وصولاً إلى الختان الفرعوني أو التفميم حيث يتم استئصال البظر والشفرين الصغيرين بالكامل، وتقليص الشفرين الكبيرين وتخييطهما بغرز. وبين النوعين، هناك أنواع عديدة من العمليات، بما فيها ختان السنة وقطع البظر (Clitoridectomy)، والتي يتم فيها إزالة البظر كله أو جزء منه، كما أن هناك عملية وسطية تتضمن درجة أقل من استئصال الشفرات، مع درجة أخف من التفميم أو بدونها. إن تنوع الإجراءات، والدلائل على أن تقنيات الممارسين تتغير عبر الزمن تؤكد على الحاجة إلى وكذلك صعوبة تطوير نظام معياري للتصنيف وهي المهمة التي أنجزتها مؤخرًا منظمة الصحة العالمية. راجع بهذا الصدد:

Female Genital Mutilation: Report of a WHO Technical Working Group Geneva: World Health Organization, 1996

4- Carr D. 1997. Female Genital Cutting: Findings fom the DHS Surveys Program. Calverton. Mary land: Macro International.

5- Demographic and Health Surveys (DHS): Egypt 1995. Calverton, Ma ryland: Macro international.

6- Demographic and Health Surveys (DHS):Mali. 1995/96. Calverton, Maryland:Macro internation-al.

7- Demographic and Health Surveys (DHS): Repu- Dieque Centr’ africaine 1994- 95. Calverton, Mary- land: Macro international.

8- De mographic and Health Surveys (DHS): Repu- bleque Ivoire, 1994. Calverton, Mary- land: Macro international.

9- Demographic and Health Surveys (DHS): Sudan. 1989/1990. Calverton. Marvland: Macro interna tional.

١٠ بحث إكلينيكي حول النماذج الشخصية أو الإبلاغ الذاتي عن التشويه الجنسي للإناث في مصر، التقرير الختامي. ورقة بحثية مقدمة إلى ورشة عمل رينبو (Rainbo) حول التشويه الجنسي للإناث، الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة. القاهرة، نوفمبر ١٩٩٦

11- Fertility and Family Planning in Urban Somalia. Mogadishu: Mi nistry of Health, Somalia West- inghouse Public Applied System, 1983.

12- World Fertility Survey: Republic of Sudan, 1979 International Statistical Institute.

13- El Dareer A, 1982. Woman, why do you weep?
London: Zed Press

14- Demographic and Health Surveys (DHS): Eritrea, 1995. Calverton, Maryland: Macro International

15- Leonard L, 1996. Female Circumcision in South- ern Chad: Origins, Meaning and current Practice. Social Science and Medicine. 43 (2): 255- 63.

16- Study of three harmful traditional Practices in Kenya. Kenya: Maendeleo Ya Wanawake Organi- zation (MYWO) and Program for Appropriate Technology in Health (PATH). 1991 .

17- Myers R, Omorodion F, Isenalumhe Aet al, 1985. Circumcision: its nature and Practice among some ethnic groups in southern Nigeria. Social science and Medicine. 21 (5): 581- 88.

18- Olamijulo S, joiner K Oyedji G, 1983. Female child Circumcision in llesha, Nigeria. Clinical pe- diatrics. 22 (8): 580- 81.

19- Koso- Thomas O, 1987. The Circumcision of Women: A Strategy for Eradi cation. London: Ze Books.

٢٠ ن طوبيا، ١٩٩٦ التشويه الجنسي للإناث: دعوة للعمل العالمي (باللغة العربية). توفرت بعد كتابة المقال مجموعات البيانات الوطنية لبعض هذه البلدان (بوركينا فاسو، وتنزانيا).

21- Dieijomaoh F, Faal M. 1991. Adhesion of the La- bia Min ora complication circumcision in the nor- mal Period in a Nigerian community. Tropical Ge- ographical Medicine. 33: 135- 38.

22- Agugua N, Egwuatu V, 1982. Female circumci- sion: management of urinary complications. Jour- nal of Tropical Pediatrics. 28: 248- 52.

23- Duvie S. 1980. Implication dermaid of the clitor- is. Journal of the Royal college of Surgery Edin- burgh. 25: 276- 78

24- Ozumba B, 1992. Acquired gynetresia in Eastern Nigeria. International Journal of Gynecology and Obstetrics. 37: 105- 09.

25- Hanl y M. Ojeda V,t6. Epidermal inclusion cysts of the clitoris as a complication of female circumcision and Pharaonic infibulation, Central African Journal of Medicine, 41: 22- 24.

26- Mohamud O, 1991. Female circumcision and child mortality in urban Soma lia Genus, 47: 203- 23.

27- Gadallah A, Zarzour A, El-Gibalyo et al. 1996. Knowledge, attitude, and practice of women teachers on female circumcision in Assiut Govern- orate, Final Report Paper Presented at Rainbo
Workshop on Female Genital Mutilation. Cai ro, November 1996.

28- Dirie M, Lindmark G, 1992. The risk of medical complications after female circumcision. East Af- rican Medical Journal. 69: 479- 82.

29- Leonard L, 1996. Female circumcision in South- ern Chad: origins, meaning and current pr. Social Science and Medicine, 43: 255- 63.

30- Assaad M, 1980. Female circumcision in Egypt: social implications, current research, and pros- pects for change. Studies in Family Planning. 11 (): 3- 16.

31- Shandall A, 1967. Circumcision and infibulaton in females, Sudan Medical Journal. 5: 178- 212.

32- De SilvaS, 1989, Obstetric sequelae of female cir- cumcision. European Journal of Obstetrics, Gyne- cology and Reproductive Biology. 32: 233: 40.

33- Befadi J, Teillet J, Godard J et al, 1985. Franijou M. Consequences obstericales de l’excision femi- ning. Jornal of Gynecology, Obstetrics and Bio- logical Reproduction. 14: 743- 46.

34- Inhorn M, Buss K, 1993. Infertility, infection, and iatrogenesis in Egypt the anthropological epidemi- ology of blocked tubes. Medical Anthropology. 15: 217-44.

35- Lightfoot-Klein H, 1989. The sexual and marital adjustment of genitally circumcised and infibulat- ed females in the Sudan. Journal of Sex Research. 26 (3): 375-92.

36- Boddy J, 1966. Violence embodied? Female cir cumcision, gender politics, and Cultural aesthe ics. Paper prepared for interdisciplinary Panel on Violence against Women, HF Guggenheim Foun- dation.

37- Grucenbaum E.. 1996. The Cultural debate over Female Circumcision: the Sudanese are arguing this one out for themselves. Medical Anthropolo- gy Quarterly. 10(4): 445-75.

38- Khattab H, 1996. Women’s Perceptions of Sexuality in rural Giza. Population Council Mono-graphs in Reproductive Health N No. I. Cairo: Pop- ulation Counci

39- Kennedy J, 1970. Circumcision and excision in Egyptian Nubia. Man. 5 (2): 1975 A1.

40- Morsy S, 1993. Gender. Sickness, and Healing n Rural Egypt. Boulder: Westview Press.

41- Shweder R. 1996. The view from manywheres Anthropology Newsletter, 37 (9):1.

42- Boddy J. 1989. Wombs and alien Spirits: Wom- en, Men n and the Zat cult in Northern Sudan, Mal- ison: University of Wisconsin Press.

43- Boddy J,1982. Wombasoasis: the symbolic con- text of paranoiac circumcision in ruralnorthern S dan. American Ethnologist. 682- 98.

44- Lane S, Rubenstein R. 1966. Judging the “Othe: responding to traditional female genital surgeries. Hastings Center Report. 26 (3): 31 – 40.

45- Toubia N, 1988. Women and Health in Sudan. In Women of the Arab World: the coming Chal- lenge. Toubia N (ed) London: Zed press.

46- Morsy S, 1991. Safeguarding women’s bodies: the white man’s burden medicalized. Medical A- thropology Quarterly, 5 (1): 19-21.

47- Seif El Dawla A, 1995. The political and legal struggle over FGM in Egypt before and after the international Conference of Population and Devel opment. Paper presented at Workshop on Female Genital Mutilation: The Intersection of Health and Human Right. Rainbo, New York

شارك:

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6