اتفاقية المرأة بين الحكومة والأهالي
ماذا قدمت الاتفاقية لنا؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه أي سيدة نتحدث معها عن اتفاقية المرأة.. هل غيرت هذه الاتفاقية، أو بإمكانها أن تغير شيئًا في حياتنا؟.. هل تُعنى هذه الاتفاقية بأوضاع المرأة المصرية؟.. هل يهتم أحد بنا؟ هل تصغى الخبيرات في الأمم المتحدة لأصوات النساء المصريات؟.. وكيف يصل صوت النساء إلى هناك؟.. هل تؤثر هذه الاتفاقية على مواقف حكومتنا؟.. وعلى آراء الناس في بلادنا؟.. هذه الأسئلة وغيرها تدور في الأذهان وعلى الألسنة عند ذكر الاتفاقية. وكثير منها دار في ذهني قبل أن أقرر متابعة تفعيل الاتفاقية عن قرب خلال تمثيل مركزنا في ائتلاف المنظمات المعنى بمتابعة تطبيق اتفاقية المرأة.
كفاح دؤوبٌ لنساء مصريات
لقد أتاح لي عملي بالائتلاف مع عديد من النساء من منظمات متعددة على مدى ثلاث سنوات بعض الإجابات على الأسئلة السابقة، فمن خلال هذا العمل استطاعت ممثلات أكثر من ٢٠ جمعية ومركز، دراسة الاتفاقية بشكل متعمق، وكذلك حصلنا على التقارير الحكومية الدورية التي تقدمها الحكومة المصرية للجنة متابعة تفعيل الاتفاقية في الأمم المتحدة، والتي توضع فيها الجهود الحكومية لوضع الاتفاقية موضع التنفيذ على مستويات متعددة، منها القانوني، ومنها ما يختص برفع الوعى بقضايا المرأة، أو اتخاذ تدابير بغرض التعجيل بالمساواة.
ولأننا نحلم دائمًا بما هو أفضل.. ولأنّ أحد آليات اللجنة متابعة تنفيذ الاتفاقية هي الاستماع للأصوات غير الحكومية، تحمست النساء المشاركات في الائتلاف لكتابة تقرير مواز لتقرير الحكومة، وهو تقريرٌ يؤكد على ما هو إيجابي وحقيقي في تقرير الحكومة. ويكشف ما نعتقد أنه سلبي، أو دون ما تطمح له النساء المصريات.. ويطالب بالمزيد ويحلم بما هو أفضل. ولم يكن طريقنا دائمًا ممهدًا. فالحقيقة أن الحصول على التقرير الحكومي الأخير كان أحد المستحيلات، رغم أن هذا التقرير يُفترض أن يكون علنيًا وفي متناول كل من العاملين والمهتمين بقضايا المرأة المصرية، ومنهم بالطبع المنظمات غير الحكومية. وللأسف خاب سعينا كما خاب سعى كل العشاق سابقًا، بعد أن استنفدنا كل السبل المتاحة.. ولكن حيث أن النساء يتميزن بالدأب بطبعهن، فقد قررنا أن نكتب تقريرًا موازيًا اعتمادًا على المعلومات الواردة في آخر تقرير حكومي” التقرير الثالث “الذي كتب عام ١٩٩٤، وإن لم يناقش أمام لجنة متابعة الاتفاقية في الأمم المتحدة، استطعنا الحصول عليه من الأمم المتحدة بطريقة “ودنك منين ياجحا” وأن تتابع ما ينشر ويقال حول أي تدابير أو سياسات لتحسين أوضاع المرأة ونضع آراءنا حولها.
وحين تأكدت الأخبار بأن لجنة الخبيرات ستناقش تقرير الحكومة المصرية في اجتماعها الدوري في يناير ۲۰۰۱، تحول الائتلاف إلى خلية نحل عندها “عدة مهام“.
-
عرض التقرير الموازي على أكبر عدد من المنظمات الأهلية لأخذ الآراء، وأيضًا لرفع الوعى بالاتفاقية.
-
عرض التقرير على ثلاث فئات متخصصة مختارة هي: الإعلاميين والقانونيين والأكاديميين، حيث إن هذه الفئات تلعب دورًا وسيطًا، سواء في نشر الوعي بالاتفاقية من خلال الدراسات والبحوث والبرامج الإعلامية على كافة المستويات، أو في استخدام الاتفاقية في المحاكم للدعم والحفاظ على حقوق النساء.
تقرير الظل أعدته 22 جمعية ناقشته وأقرته 120 جمعية أخرى
-
ترجمة التقرير وتلخيصه بعد تعديله للمرة الأخيرة بناءً على الاجتماعات السابقة، وإرسال نسخ من التقرير للجنة الخبيرات في الأمم المتحدة.
-
وأخيرًا البحث عن سبل لسفر عدد من ممثلات الائتلاف لحضور الاجتماع، والالتقاء باللجنة وعرض ملخص التقرير الموازي، ونجحنا في خلق فرص لخمس عضوات من الائتلاف لحضور دورة الأمم المتحدة.
ماذا حدث في نيويورك؟
دخلنا نيويورك مشمرات عن سواعدنا رغم درجة البرد (تحت الصفر..) ودخل أيضًا الوفد الحكومي برئاسة د. مرفت التلاوي وعضوية د. فوزية عبد الستار والأستاذة منى ذو الفقار، ويمثل المجلس القومى للمرأة “وهو وفدٌ لو تعلمون عظيم“، حيث كان يستند على خلق آلية المجلس القومى للمرأة، وعلى الإنجازات القانونية التي تمت” بشكل عاجل” في السنة السابقة على مناقشة الاتفاقية: قانون الإجراءات، عقد الزواج المشروط، حكم الدستورية بإلغاء موافقة الزوج على استخراج جواز السفر للزوجة – أيضًا على الحكومة وعدت بسحب بعض تحفاظتها على اتفاقية المرأة
مساندة المجلس القومي للمرأة للمرشحات من النساء في الانتخابات التي سبقت الاجتماع، ولكن الأهم أنه كان مستندًا على شخصيات لها وضعها الخاص ود. مرفت التلاوي الوزيرة السابقة والرئيسة السابقة للجنة اتفاقية المرأة من الأمم المتحدة، د. فوزية عبد الستار: رئيسة اللجنة القانونية بمجلس الشعب والعضوة السابقة بمجلس الشعب وأستاذ القانون بكلية الحقوق. أستاذة منى ذو الفقار: العضوة النشطة في مجال الحقوق القانونية للمرأة.. والتي كانت وراء الكثير من التعديلات القانونية التي ارتكز عليها تقرير الحكومة.
أما عن عضوات الوفد غير الحكومي فقد دُرن بهمة النحل على عضوات اللجنة يوزعن التقرير الموازي، ويتناقشن مع عضوات اللجنة حول كل القضايا التي طرحها التقرير الموازي، ويقمن بإعداد بيانات موجزة استعدادًا للجلسة المغلقة للجنة مع المنظمات غير الحكومية. والحقيقة أنه فور وصولنا للأمم المتحدة تسلمنا نموذجًا للأسئلة التي وضعتها لجنة الخبيرات على التقرير الحكومي، وكانت تحوى 64 سؤالاً يدل أغلبهم على أن الخبيرات قد درسن عن كثب أوضاع مصر من مصادر متعددة، منها تقريرنا الذي أرسلناه لهن. وفي الجلسة المغلقة – التي لم تحضرها الممثلات الحكوميات – التقت الخبيرات بعضوات المنظمات غير الحكومية، وسمعن مرة أخرى منهن عن أوضاع بلادهن. وقد تحدثت عضوتان من الائتلاف كما تم توزيع نسخ من كلمتنا بعد الجلسة المغلقة لأي شخص بما في ذلك ممثلات الحكومة، حتى تكون هناك شفافية فيما بيننا .
وفد حكومي أم شعبي؟
قام الوفد الممثل للحكومة بالرد على أسئلة اللجنة الـ 64 تركزت الردود على مناطق القوة التي سلف ذكرها، والتي استند عليها الوفد الحكومي، ورغم ذلك فقد اضطر الوفد للاعتراف بالفجوات بين كفالة الدستور لحقوق المرأة وبين القوانين التي تخرج عن المساواة، ثم التفرقة في المجال العملي، كما اعترف ببعض المشكلات الأخرى مثل قانون الجنسية. ومنع المرأة من تولى منصب القضاء. وارتفاع نسبة الأمية والعنف الأسرى والذي أرجعه لتقاليد رجعية تحكم حياتنا.
وُجهت بعض الأسئلة للوفد الحكومي حول عنف الدولة تجاه النساء في أقسام البوليس وحول العنف الأسرى، وتولى النساء مناصب القضاء. أكدت اللجنة في سياق مفهومها للأديان على أنها تحرص على العدل والمساواة، وبالتالي لا يمكن الوقوف ضد المساواة بزعم تعارضها مع الدين. كما دعت للاستفادة من تجارب الدول الإسلامية الأخرى التي تجتهد لتفسير الدين لدعم المساواة بين الرجال والنساء. أكد الوفد الحكومي أنه قد تم إعداد وثيقة تشرح عدم تعارض الشريعة مع المساواة، ووعد بإرسالها للجنة. أيضًا أثارت اللجنة أهمية دور الإعلام لتغيير الصورة النمطية للمرأة، وسألوا حول تفاصيل دقيقة في قوانين الأسرة وقانون الإجراءات الجديد، وأيضًا تفاصيل قوانين معاقبة المتهمين باغتصاب النساء. وكيف تقوم الحكومة بمواجهة ظواهر مثل الزواج المبكر وجرائم الشرف، والضمان الاجتماعي وهل يصل للمرأة الريفية؟
وعد الوفد بأن تكون هناك ضغوطٌ من المجلس القومي على البرلمان لنسحب التحفظات على الاتفاقية.. وإعادة دراسة القوانين لتنقيتها من شوائب عدم المساواة أيضًا، وبإعادة نظام تخصيص نسبة من المقاعد للنساء في الانتخابات وفقًا للمادة “4” في الاتفاقية. وأن تكون هناك محاولاتٌ لتعديل قانون الجنسية ليساوي بين الرجل المرأة في حق إعطاء الجنسية لأبنائهن.
رغم حرج عضوات اللجنة الذي عبرن عنه بوضوح، فهن من جانب يقمن باستجواب د. مرفت التلاوى زميلتهن إلى فترة قريبة ورئيسة اللجنة في دورات سابقة، ومن جانب آخر عدم وضوح موقف الوفد، فهو يتبني التقرير الحكومي رغم نه لا يملك صلاحيات تنفيذ أي وعود يُقدمها. كانت جلسةً ساخنةً جدًا، لكن سخونتها ساعدتنا على تحمل برد نيويورك القارص في منتصف شهر يناير. كما ساعدنا على تحمله ذلك اللقاء الودي الذي أقامته السفارة المصرية لنا على شرف
د. مرفت التلاوى .
المجلس القومي للمرأة.. وفد حكومى أم وفد شعبي؟
نيويورك ليست نهاية المطاف:
إن ما حدث في الأمم المتحدة ليوضح كيف تتعامل خبيرات لجنة المرأة بجدية شديدة مع المهمة الملقاة على عاتقها، وكيف تدرس بعمق كافة التقارير المقدمة لها حكوميةً كانت أم غير حكومية. كذلك فإن طبيعة تشكيل الوفد المصرى والتغيرات التشريعية التي سبقت الدورة، بما في ذلك إنشاء المجلس القومي للمرأة نفسه، يوضحان أن الحكومة المصرية أيضًا تأخذ الموضوع بجدية.. وتعمل حسابًا لهذه الآلية الدولية، هذه الجدية المتبادلة، بالإضافة طبعًا لجدية الجمعيات الأهلية والمراكز المشاركة في الائتلاف تمنحنا أملاً أن يكون للاتفاقية الدولية أثرٌ على تطور أوضاع المرأة في بلادنا.
إننا نعرف أن التشريعات وحدها ليست كافية للتغيير.. ولكنها تمثل خطوةً هامةً يستند إليها من يحاولون التغيير، كما أن الاتفاقية لا تُعنى بالتشريعات فحسب، ولكن بكل الخطوات التي تدفع في اتجاه المساواة. لقد نزل اعتراف الوفد الحكومي بأوجه التمييز ضد النساء في كثير من جوانب حياتنا، بالإضافة للوعود بالتغيير بردًا وسلامًا علينا .. ونحن نعد الحكومة بأننا لن ندخر جهدًا لنشر تلك الوعود بين النساء .. ولنا معًا جولات قادمة.