مانيفيستو ضد المرأة

الشركاء: اختيار

تأليف:

مانفستو ضد المرأة

منى كريم *(شاعرة بدونمقيمة في نيويورك) *

قبل أسابيع من الحرب الأمريكية على العراق، نشرت المفكرة الهندية جاندرا موهانتي1 كتابها المعنون نسوية بلا حدود2 والذي ناقشت فيه هيمنة النسوية الغربية وأثرها المميت العابر للحدود. لم تكشف موهانتي عن حقيقة غائبة عن رفيقاتها النسويات, إلا أنها نظرت حول ما اسمته فرق العالم الثالث” – ذاك الجدار المتوحش المطلق الذي تفترضه نسويات الغرب في إطلالتهن على العالم. تستخدم موهانتي هذا المصطلح لتلج إلى ممارسات وعلاقات نسوية شائبة تُنّصب عبرها النسوية الغربية مجموعات مهيمنة من نساء العالم الثالث كمتحدثات عن الجميع. تصف موهانتي هذا الفرقبأنه ذاك الشيء اللاتاريخي المستقر.” فعبر هذا الفرق أو هذه الهوة تصبح ثقافة الطبقة الوسطى وتاريخها بمثابة كوديبتلع تجارب الجميع ويحركها كما يجب.

كثيرًا ما تتساءل المهتمات عن أهمية منظور الاختلاف بالنسبة للفكر النسوي. وقد تمتد هذه الأسئلة إلى فتاوى عن أهمية وحدة النساء والاعتقاد بموقع ضعيف لهن جميعًا. يرتكز هكذا اعتقاد على فكرة جاهزة عن أن الرجل أقوى في المجتمع، إلا أنني لا أريد حتى أن أقف عند الهويات الجنسانية والتجارب اليومية التي يتم افتراضها عن المرأةوالرجل“.

ما أريد التوقف عنده هي فكرة الوحدة المقيتة هذه. تسجل موهانتي نقطة مهمة يقولها أن البطرياركية دائمًا ما يتم تعريفها باعتبارها سلطة الذكور. وبأن المنظومات الدينية والقانونية والاقتصادية هي من صنع الرجالوكأن هذه المنظومات سقطت على النساء من السماء.

في مثل هذا السياق، تبدو النساء سلبيات ومستسلمات حتى في محاولات كتابة تاريخ معاكس عن تجاربهن ومقاومتهن. كما يتم تهميش أسئلة الاختلاف وتقليصها إلى تعريفات ذاتية تلقائية وأفكار فردية عن ما هو مسيس ونسوي” (موهانتي). أي أن تجارب نساء الطبقات والجماعات المهمشة subaltern groups) – حسب المصطلح الغرامشي3 ) تصبح مجرد أداة لقياس حدود الاضطهاد الجندري.

إذن, كيف بإمكاننا استخدام الاختلاف لتفكيك هذه الهيمنة على جسد النسوية؟

أكتب هذا المانفستو ضد المرأة. ضد كل امرأة مدت قضيبها تجاهي ومارست دورًا بوليسيًا ضدي، لا أكتب ضد النساء، فلا نساء يمكن الحديث معهن أو عنهن. أكتب ضد المرأة, هذه الكتلة الواحدة المؤذية. مثل نساء الأعراس التي كانت والدتي تجبرني على حضورها. كثيرًا ما شعرت بالقلق والارتياب فى المساحات التى تحضرها النساء فقط, مثل المناسبات الاجتماعية أو غرف الاستراحة الحكومية. في هذه المساحات الآمنةحيث نفترض أن بإمكاننا التعري، لا يمكن المرور أمام تلك النظرة الثاقبة والمتماهلة للبطريركية دون ملاحظتها في مساحات النساء, لا أجد المباح بل المستباح.

أكتب ضد المرأة التي تظن بوقاحة أننا واحد. تلك التي انتفخت مؤخرتها فوق كرسي مريح من مميزات المواطنة والطبقة والعرق. ضد الكفيلة الخليجية التي تذهب للعمل وتصبح مواطنة صالحة وامرأة متحررة على حساب الآسيويات في بيتها، أو تذهب في إجازة وتستثنى من العمل ليلاً على حساب مهاجر هندي أو مصري. وضد المرأة المتباكية من تعدد الزوجات لا من تعدد الخادمات. هذه المرأة تشابه دولتها وطبقتها لا نساء أخريات.

أكتب ضد المرأة المواطنة, المندفعة في عرس الديمقراطية، الباحثة عن مساواةتشملها هي فقط. في الكويت، تخشى المواطنات من اقتراحات منح الجنسية لأبناء الكويتية المتزوجة من غير الكويتي. أذكر تعليق إحداهن في ندوة انتخابية تنديدًا بهكذا اقتراح لأنه سيسمح لهؤلاء بالتساوي مع أبنائها“. المرأة المواطنة تمقت المساواة المطلقة.

كتبت الباحثة ثريا التركي وذات مرة عن المرأة والمواطنة في السعودية لتقول بأن المواطنة لا يمكن لها أن تكون أداة ومنفذًا لتغيير وضع المرأة في المجتمع السعودي لأنها مفهوم غربي قائم على الفردية. لذا تقترح التركي أن على المرأة استخدام منظومة الأسرة للتفاوض . أي أن التركي وهي من ارستقراطيات المجتمع السعودي لا تسعى إلى هدم البطريركية بل تفترض أزليتها وتؤكد على أهميتها كوسيط للتغيير للمرأة السعودية في مقالها هذا الذي نشر في أنثولوجيا المواطنة والنوع في الشرق الأوسطلا نجد نساءً في السعودية سوى السعوديات أنفسهن، حتى حين يقرأ الواحد روايات السعوديات التي يضج العالم بها ويترجمها لا تحضر (المرأة الأخرى) سوى كظل عابر, عاملة صامتة، سارقة لزوجها، أو جسد هائج وغير مهذب.

إن المواطنة هي عضوية في مجتمع اقصائي توزعها الدولة لاختلاق هوية جمعية رجعية. إنها عربة القومية كما أسمتها سعاد جوزيف التي لا يمكن للدولة القومية من دونها أن تترجم ذاتها“. أي أن قوة المواطنة قائمة على قوة الاقصاء. ومثل غيرها من أعضاء الدولة، تغذي المواطنة هذه القوة حينما تمارس المساواة الشرطية وتفصلها على مقاسها. تذكرنا جوزيف بأن النساء كثيرًا ما يتحالفن مع مجموعاتهن الاجتماعية (الطبقة العرق الدين) على أخريات من النساء.

لا نفترض أبدًا أن على المرأة أن تقف مع المرأة . فكما ذكرت لا يمكن افتراض مثل هذه العلاقات إلا عبر المرور بإشكالية تعريف المرأة.

بل على العكس, أريد أن أقول أنني ضد المرأة. ضد المرأة لأنها تحمل البطريرياكية على أكتافها ولأنها متنفعة مثل غيرها من خيرات الدولة والطبقة ومنظومات الأسرة والأمومة والأنوثة. لا تتزوج هذه المرأة بسبب أسرتها، لا تحمل بفعل زوجها، لا تفضل إنجاب ذكر من أجله، بل لأن هذه الأفعال كثيرًا ما تكون طريقًا لها للحصول على سلطة على حصة في هذه البطريركية المفتوحة.

بروح مثل هذه, كتبت العام الماضي قصيدة أسميتها كوماري أحب أن أختم بها دعوتي التحريضية ضد المرأة.

عزيزتي كوماري,

لا أعرف طبعًا إن كان اسمك كوماري أو غيره.

جرت العادة في الخليج أن يغيروا اسم الخادمة فور وصولها,

تقول لك الماما: “اسمكمريم / فاطمة /كوماري / جاندرا

حتى قبل أن تعطيك دراعتك القطنية,

ذاتها التي استخدمتها كوماري التي سبقتك

قبل أن تهرب

وتصبح حرة

محشورة في غرفة واحدة مع ۱۰ أخريات

استبدلن الجدران بصور بهتت تحت المكيفات.

يا كوماري,

قد يحدثونك بالإنجليزية ويعطونك غرفة لك وحدك

لكنهم سيلبسونك يونيفورم زهري،

فليس على الجارية أن تكون مغرية بعد الآن.

أو قد يحدثونك بالعربية وبلغة الأصابع

تلك التي تعتمد على الإشارات في أحيانٍ

وعلى خدكِ في أحيانٍ أخرى.

لربما ستضطرين لمساعدة الابن

في اكتشاف رغباته الجنسية

أو حتى التضحية

من أجل خيبات الأب الجسدية.

في الحالتين، لا تركضين إلى مركز الشرطة,

من هناك يأتي كل الآباء والأبناء.

كوماري,

عليك قص شعرك بشكل مستمر,

ماماقد تغضب ذات يوم وتأخذ ظفيرتك حبلاً في يدها.

اكتبي كل الأغاني التي تحبينها في دفتر,

فلا يمكن إيجاد أي موسيقى منسية هنا.

اغضبي يا کوماري

اشنقي نفسك بحبل الغسيل,

استخدمي سكينك خارج حدود الطبخ,

لقني الماماو الباباو البجهدرسًا,

دعيهم يختلقون كل تلك الأساطير

عن آلهتكم التي تطلب منكم في المنام

دماءً خليجية تروي كرش التاريخ.

اهربي يا كوماري

وأسرقى كل ما تجدين,

على الأشباح أن تتصرف كأشباح.”

 

1 Chandra Talpade Mohanty

2 Feminism without Borders: Decolonizing Theory, Practicing Solidarity

3 Antonio Gramsci

 

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي