ما بعد مؤتمر السكان.. إلى أين نذهب ؟

ما بعد مؤتمر السكان.. إلى أين نذهب ؟

ميريام ج. تيمين *

ملخص:

شهد عام ۱۹۹۹ مراجعة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بعد مرور خمس سنوات على انعقاده عام ١٩٩٤. وقد أتاحت هذه المراجعة فرصة إعادة التركيز على الجهود المبذولة داخل السياق العريض لبرنامج عمل القاهرة: كما كشفت عن التقدم المتحقق في بعض المجالات، لكنها كشفت أيضًا عن وجود بعض الفجوات فالمجتمع الدولي لم يقدم قيادة فعالة بشأن بعض القضايا العسيرة في مجال الصحة، كما لم تتناول الحكومات الوطنية القضايا الحساسة بالمعالجة. وقد أشارت عملية المراجعة إلى ضرورة أن تجد الحكومات الوسائل اللازمة من أجل النهوض بالصحة الجنسية والإنجابية في إطار إصلاح القطاع الصحي والعمل بمزيد من الفعالية مع المنظمات غير الحكومية. كما ألقت عملية المراجعة الضوء أيضًا على الحاجة إلى استخدام المعرفة المتوفرة لتناول القضايا التالية: فيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز الوبائي،ومشكلات الصحة الجنسية والإنجابية لدى الشباب، ووفيات الأمهات واعتلال صحة الأم،والإجهاض غير الآمن. إن العمل حول هذه القضايا يتطلب قيادة ورغبة لتناول هذه الموضوعات الخلافية. إن جدوى الاجتماع الدولي للسكان والتنمية : خمس سنوات بعد القاهرة، لن تتحقق إلا إذا حظيت التوصيات الناجمة عنه بتوفير الموارد الكافية. وإن لم يتم دعمها عبر العمل في عدد من القطاعات الاجتماعية.

إن كل من يهتم بالصحة الجنسية والإنجابية سوف يتذكر عام ۱۹۹۹ بوصفه عام المؤتمر الدولي للسكان والتنمية + ٥ ،أي مراجعة توصيات مؤتمر القاهرة بعد مرور خمس سنوات على انعقاده. وفي مجرى عمل ثلاث لجان تمهيدية، ودورة خاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة اجتمع ممثلو ۱۷۹ دولة ومنظمة غير حكومية لمراجعة التقدم المتحقق منذ المؤتمر الدولي للسكان والتنمية،ومناقشة العمل في المستقبل. وقد كانت المراجعة فرصة للتحليل وإعادة ترتيب الأولويات إن وثيقة العمل الأساسي في المستقبل، التي صدرت عن الاجتماع، تتيح إعادة تركيز الجهود داخل السياق العريض لبرنامج عمل القاهرة. وتضم الوثيقة توصيات ومحددات مفيدة لدفع النشاط والعمل وقياس أثرهما. وسوف نحقق الكثير، إذا سرنا في عملنا على طريق وثيقة العمل الأساسي في المستقبل“.

لقد كشفت مراجعة مؤتمر السكان والتنمية + ٥ عن عدم إنفاق أغلب البلدان المتقدمة والنامية القدر الكافي على الصحة. ينفق عدد قليل من البلدان النامية على الصحة الجنسية والإنجابية أكثر مما كانت تفعل منذ خمس سنوات، لكن البلدان التي ما تزال بعيدة عن تلبية أهداف التنمية الدولية(1) المتفق عليها عالمياً تنفق قدراً أقل أي تنفق على الصحة أقل من عشرة دولارات للفرد سنوياً. وتعكس أهداف التنمية الدولية أولويات مؤتمر القاهرة، كما يشكل مؤتمر السكان والتنمية + ٥ إطاراً لعمل الكثير من الهيئات المانحة. لكن هذه الأهداف لا تحتل موقع الأولوية في ميزانيات البلدان النامية. وإذا لم تتناول الحكومات هذه الأولويات بجدية، سوف تظل هذه الأهداف أهدافًا نظرية، بينما أهميتها تتبدى أساسًا على الصعيد الوطني، وينبغي أن تنعكس في الميزانيات والبرامج الصحية. وأثناء المؤتمر الدولي الذي عقد مؤخراً حول مرض الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً في أفريقيا، ظهر بوضوح مدى محدودية الاهتمام بأهداف التنمية الدوليةحيث لم يشهد سوى مناقشات محدودة حول الهدف الجديد المتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز وهو الهدف الذي تحدد قبل أربعة شهور فقط من مراجعة مؤتمر السكان والتنمية + ٥. تقدم في بعض المجالاتوفجوات خطيرة في مجالات أخرى

لقد أوضحت مراجعة مؤتمر السكان والتنمية + ٥ التقدم المتحقق في بعض المجالات، لكنها كشفت أيضًا عن وجود فجوات خطيرة. أولاً: فشلنا في تحقيق تقدم في القضايا المنهجية مثل إصلاح الأمم المتحدة. وعلى المثال ، نجد أن برنامج الأمم المتحدة المشترك حول فيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز (UNAIDS) – الذي قدم بوصفه إصلاح الأمم المتحدةلأنه جمع عديد من هيئات الأمم المتحدة حول قضية بعينها قد فشل في التحفيز باتجاه نوع العمل المطلوب للتعامل بشكل فعال مع وباء الإيدز. ثانياً : فشل المجتمع الدولي، من جانب ، في توفير قيادة فعالة حول مشكلات الصحة الجنسية والإنجابية الأكثر إثارة للخلاف وتؤثر في ملايين من الناس مثل : الآثار الناجمة عن إصلاحات قطاع الصحة، وفيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز، ووفيات الأمهات واعتلال صحة الأم، بما في ذلك الإجهاض غير الآمن،ومشكلات الصحة الجنسية والإنجابية للشباب. ومن جانب آخر لم تبد الحكومات الوطنية استعدادًا للمضي قدماً في تناول تلك القضايا الحساسة. هذه بعض من أصعب المشكلات التي تواجهها النظم الصحية: ومع ذلك تفتقر النظم الصحية الوطنية إلى الموارد اللازمة لتحقيق نقلة حقيقية، فضلاً عن افتقادها إلى القيادة الضرورية لتنظيم العمل والمناصرة. إننا نحتاج إلى ترتيب الأولويات والتركيز على هذه القضايا الأساسية، وهي قضايا تتطلب أساليب عمل جديدة وأطراف فاعلة جديدة وموارد جديدة. كما يتطلب الأمر زيادة إنفاق البلدان على الصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية،على أن تنفق بالطريقة الصحيحة، وهو ما يحتاج إلى قيادة دولية فعالة.

ينبغى على (الحكومات)……. أن تعطي أولوية عالية للصحة الجنسية والإنجابية في السياق العريض لإصلاح قطاع الصحة (وثيقة الأعمال الأساسية في المستقبل، الفقرة 52أ)

تمثل أساليب العمل الجديدة حول الصحة أكبر تحد وأكبر فرصة لجميع المهتمين بالصحة الجنسية والإنجابية. فقد أوضحت مراجعة مؤتمر السكان والتنمية + ٥ الأثر الإيجابي لمؤتمر القاهرة على السياسات،وتوجد الآن أطر عمل لدى عديد من البلدان للاستثمار في مجال الصحة الجنسية والإنجابية. وسرعان ما أصبح دعم إصلاحات قطاع الصحة، من خلال المناهج الممتدة عبر القطاعات، معياراً بالنسبة للمانحين. كما تزايد اضطلاع الحكومات بقيادة عملية تحديد الأولويات بالتعاون مع المانحين في إطار المناهج الممتدة عبر القطاعات. وهو الأمر الذي يمثل أيضًا إحدى أهداف الشراكة الأفريقية بقيادة برنامج الأمم المتحدة للإيدز (UNAIDS) سالف الذكر. إن إيجاد سُبل للنهوض بالصحة الجنسية والإنجابية في إطار عملية إصلاح قطاع الصحة يعد أمراً جوهرياً.

ينبغى على ( الحكومات)……. أن تكفل حصول المراهقين،سواء فى المدارس أو خارجها،على المعلومات الضرورية، بما في ذلك المعلومات حول الوقاية والتثقيف والاستشارات والخدمات الصحية لتمكينهم من عمل اختيارات وقرارات مسئولة وقائمة على المعلومات بشأن احتياجاتهم الصحية الجنسية والإنجابية. وثيقة الأعمال الأساسية في المستقبل،الفقرة ٧٣ ه).

لم يحظ هذا الموضوع بالاهتمام الكافي أثناء مؤتمر السكان والتنمية + ٥.

هناك قلق من أن تعاني الصحة الجنسية والإنجابية في ظل البرامج الممتدة بالقطاعات. إذ تتعرض للمنافسة مع الأولويات الأخرى، حيث تنحو المناقشات حول إصلاحات الصحة إلى إغفال القضايا المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، ذلك أن المسئولين عن قياس عبء المرض على الصعيد العالمي لا يضعون تلك القضايا في مصاف الأولويات الأمر الذي يؤثر بشكل غير تناسبى على النساء، ويصعب قياسه باستخدام الأدوات الشائعة مثل مقياس تكييف سنوات العمر على أساس الإعاقة (مقياس دالي). وعلاوة على ذلك،يفتقد أغلب العاملين في مجال الصحة الجنسية والإنجابية إلى خبرة النظم الصحية. ولذا فإن مشاركة خبراء الصحة الجنسية والإنجابية في عملية وضع الأولويات يساهم في التوصل لاستراتيجيات صحية وطنية تعكس على نحو أفضل أهداف التنمية الدولية والمعالم والأهداف المتفق عليها في مؤتمر القاهرة ومؤتمر السكان والتنمية + ٥.

إن أساليب العمل الجديدة ومدى خطورة وباء الإيدز تتطلب فاعلين جدد وشراكه جديدة. وهناك الكثير الذي يجب أن تتعلمه الحكومات الوطنية والهيئات المانحة من المنظمات غير الحكومية، التي كثيرًا ما تقدم أفضل نماذج لتوفير خدمات صحية عالية الجودة، ومعلومات وتثقيف واتصالات ومناصرة، عادة في غياب الخدمات العامة. وينبغي أن تدرس الهيئات المانحة والحكومات الوطنية كيف يمكن أن تدعم بفاعلية أنشطة المنظمات غير الحكومية داخل البرامج الممتدة عبر القطاعات دون المساومة على استقلالها. وقد أبدى عدد قليل من الحكومات التزامه الأصيل بشأن انخراط المنظمات غير الحكومية في عملية وضع سياسات قطاع الصحة:. لقد شاركت المنظمات غير الحكومية في عدد قليل من البلدان في تطوير السياسات القومية في مجال الإيدز،مثلما حدث في تنزانيا وزامبيا، ويمكن، وينبغى الاسترشاد بهذه النماذج لتيسير هذا التعاون. كما يمثل إصدار حكومة جنوب أفريقيا قانون إنهاء الحمل عام ١٩٩٦ ، يُعد مثالاً آخر يوضح كيف تسفر مشاركة المنظمات غير الحكومية في وضع السياسة عن قوانين تحمي صحة الفئات الأكثر عرضة للتأثر.

الموضوعات المتقاطعة: الشباب وفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز

لا تُعتبر الصحة الجنسية والإنجابية للشباب قضية جديدة، لكن الأعمال أقل كثيرًا من الالتزامات، ومكاسب السنوات الماضية محدودة. ويقدر عدد الشباب الآن بحوالي 1.2 بليوناً تتراوح أعمارهم بين ١٠ و ١٩ سنة: أما عدد الشباب المصاب بفيروس نقص المناعة البشرية فإنه يدق ناقوس الخطر، والكل تقريبًا يتفق على أن جهود الوقاية من مرض الإيدز ينبغي أن تستهدف الشباب بوجه خاص، وبطريقة قوية وفعالة من أجل التأثير على هذا الوباء: ومع ذلك، يقل إنفاق الهيئات المانحة والوطنية على الشباب بدرجة كبيرة عن المستوى الضروري لتلبية احتياجاتهم. إن علينا أن نحدد وندعم قيادة عالمية من أجل حفز وتنسيق وزيادة العمل الفعال والموارد الكافية، إذا أردنا تحقيق تأثير جدي ودائم على الجيل القادم من البالغين.

وتتسم الصحة الجنسية والإنجابية للشباب بالحساسية لأن حياتهم الجنسية مثار خلاف. فقد لا يفضل أغلب الكبار مواجهة السلوك الجنسي قبل الزواج،ويشعر عدد قليل من القادة بعدم إمكانية الاعتراف علانية بالسن المبكر للمعرفة الجنسية الأولى لدى البنات والأولاد في بلدانهم. إن إنشاء برامج للصحة الجنسية والإنجابية للشباب يجبر صناع السياسة على الاعتراف بالسلوك الجنسي المبكر واحتياجات الصحة الجنسية والتثقيف الجنسي، وهو الأمر الذي لن يقوم به القادة على المستويين الوطني والمحلي.

هناك سبب آخر لعدم تحقيق تقدم دال في هذه القضية، وهو الفشل في دمج احتياجات الشباب في التيارات التنموية السائدة وهو الأمر الذي يتسم بالأهمية لحماية رفاه الشباب، فضلاً عن صحتهم. وأثناء مؤتمر السكان والتنمية + ٥ ، غلفت الحساسية الشديدة بعض النقاشات، تلك التي تعرضت للجهود الرامية للتعامل مع احتياجات الشباب خارج قطاع الصحة،ومدها إلى مجالات أخرى، وقد أثارت تلك الجهود قلق من لا يرغبون في الاعتراف بحقوق الشباب على الإطلاق. وفي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وأيضًا في البلدان النامية، يجري تناول قضايا الصحة الجنسية والإنجابية للشباب بمعزل عن فرصهم في التعليم والتوظيف والأمن المالي والبنى الأسرية. وغيرها من القضايا ذات الصلة. إن المعدلات العالية للحمل أثناء المراهقة وعبء العدوى المنقولة جنسياً. الذي لا يتناسب مع عددهم فى المجتمع، هي نتيجة لهذا المنظور القاصر.

إنها تحديات ضخمة، لكن الدروس المتاحة من خبرة سنوات من النشاط في البلدان المتقدمة والنامية تمثل عونًا هامًا. وعلينا أن نعترف بحساسية هذه القضية دون أن نتملص منها،حتى نتمكن من تحقيق تأثير حقيقي على الصحة الجنسية والإنجابية للشباب ورفاهيته. وبإمكاننا أن نفعل ما يلي: –

إشراك أولياء الأمور بحيث يمكنهم تعزيز الرسائل الجيدة ولا يشعرون بالتهديد من المعلومات الجديدة.

البدء من سن صغيرة في تعليم الأطفال كيف يحترمون أنفسهم وبعضهم البعض بطريقة مناسبة للسياق الذي يعيشون فيه.

تعليمهم أن يضطلعوا بمسئولية قراراتهم وسلوكياتهم، وإمدادهم بالمهارات اللازمة لعمل اختيارات جدية في جميع مجالات الحياة، مع تذكير بعضهم البعض على الدوام أن الأولاد والبنات لديهم احتياجات وفرص مختلفة.

مادام مرض الإيدز الوبائي له أثار قاسية أكثر مما كان متوقعاً في الأصل، ينبغي توجبه اهتمام خاص إلى سرعة توفير الموارد الضرورية….. للوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً وفيروس نقص المناعة البشرية. كما ينبغي توجيه اهتمام خاص إلى السكان الأكثر عرضة للتأثر، وخاصة الأطفال والشباب. (وثيقة الأعمال الأساسية في المستقبل، الفقرة ٩٧)

وتكمن أهم مساهمة لمراجعة مؤتمر السكان والتنمية +٥ في صياغة هدف عالمي يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز، وهو الهدف الذي يركز على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ٢٤ سنة. لقد رفع مؤتمر السكان والتنمية + ٥ هذا الهدف إلى مستوى الأهداف المتفق عليها في القاهرة. ونحن تعرف طرقاً فعالة للسيطرة على انتشار فيروس نقص المناعة البشرية، ووضع هدف يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز يوفر الفرصة لتحويل هذه المعرفة إلى عمل عاجل.

كما ينبغي أن نركز الجهود والموارد حيث توجد أعلى معدلات انتشار فيروس نقص المناعة البشرية. ومع ذلك، كان التمويل المخصص لفيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز غير كاف على نحو فاجع. وطرح برنامج الأمم المتحدة المشترك أن المانحين أنفقوا في عام ۱۹۹۷ حوالي ۳۰۰ مليون دولاراً على فيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز لما بقدر بحوالي ٣٠.٦ مليون نسمة يعيشون مع الفيروس والمرض. وإذا كنا نحتاج إلى التزام سياسي أصيل في البلدان التي أصيبت إصابات بالغة بالوباء، فإن المانحين عليهم أيضًا الالتزام بزيادة الدعم المقدم للاستراتيجيات والبرامج الفعالة،ولم تنجح الجهود المبذولة لإدراج التمويل المطلوب لمواجهة الوباء بشكل محدد في وثيقة العمل الأساسي في المستقبل، إذ لم ترغب البلدان في التوقيع على شئ لا يستطيعون الوفاء به.

وعلينا أن نعمل بجهد أكبر مما سبق من أجل النهوض بالأنشطة التي نعرف أنها فعالة، وأن تعمل على تحسين العلوم الطبية والاجتماعية أينما تكون هذه المعرفة غائبة. وتوضح الدلائل أن المناهج المستهدفة تحقق نجاحاً. ولهذا، ومع الإقرار بأن تغيير السلوكيات عملية عسيرة وبطيئة، علينا أن نزيد من الجهود في أفريقيا لاستهداف ترويج استخدام الواقي الذكري من قبل من يعملون في تجارة الجنس وعملائهم. لقد استطاعت تايلاند باستخدام هذا المنهج تقليص معدل الإصابات الجديدة إلى حد كبير. وينبغي أن يكون هذا المثال حافزاً للعمل في أفريقيا. إن فوائد أنشطة الترويج للواقي الذكري سوف تظل محدودة ما لم نتناول الميدان الذي ينال تجاهلاً كبيراً ، وهو الدور الذي تلعبه عدم مساواة النوع الاجتماعي في زيادة الوباء.

إن علاج الأمراض المنقولة جنسياً يلعب دوراً في السيطرة على وباء الإيدز. وينبغي أن تعتمد المناهج الرامية إلى الترويج لعلاج الأمراض المنقولة جنسياً على النتائج المبرهن عليها. ومما يثير الحيرة أن الدراسات التي تقيس تأثير التحكم في الأمراض المنقولة جنسياً على الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في شمال أفريقيا تقدم نتائج متضاربة.(2) لكن على الرغم من اختلاف نتائج تأثير التدخلات على المستوى السكاني خلُص الباحثون إلى أن وجود بعض الأمراض المنقولة جنسياً يزيد بالفعل من خطورة الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية على المستوى الفردي. ولهذا،ينبغي معالجة الأمراض المنقولة جنسياً طريق عن الترويح لأفضل استخدام لوسائل التشخيص القائمة مثل تشخيص الأعراض في البيئات ذات الموارد المنخفضة، والسعي إلى استخدام أدوات جديدة لتشخيص الأمراض المنقولة جنسياً، حيث التشخيص بالأعراض ليس فعالاً ، وهذا هو حال كثير من الأمراض المنقولة جنسياً التي تنتشر بين النساء.

ينبغى أن تستخدم البلدان نسبة الولادات من خلال مساعدة القابلات الماهرات بوصفها مؤشراً مهماً. (وثيقة الأعمال الأساسية في المستقبل، الفقرة ٦٤).

وبفضل العمل الذي تبنته مبادرة الأمومة الآمنة،فإننا نعرف الآن كيف يمكننا تقليص وفيات الأمهات واعتلال صحتهن. لكننا لم نحول هذه المعرفة إلى عمل على نطاق شامل، وبالتالي ظلت معدلات وفيات الأمهات مرتفعة بشكل غير مقبول. وتلقي هذه المعدلات الضوء على التفاوت القائم بين البلدان المتقدمة والنامية،فضلاً عن التفاوت داخل كل بلد. كما تعكس صعوبة تناول صحة الأم، وتشير إلى أنها قضية يجب أن تتناولها النظم الصحية.

وقد وافقت البلدان في مؤتمر القاهرة على تقليص معدلات وفيات الأمهات بنسبة ٧٥% مع حلول عام ٢٠١٥. وأثناء مؤتمر السكان والتنمية + ٥ تم تحديد معالم محددة للإسراع من العمل وقياس التقدم خلال فترة السنوات الخمس. وفي بدايات القرن العشرين، أوضحت التطورات في الولايات المتحدة وأوروبا أن توجد قابلة أثناء الولادة،أو غيرها من الدايات الماهرات، يؤدي إلى إنقاذ الحياة. وبالتالي، وافقت البلدان أثناء مؤتمر السكان والتنمية + 5 على العمل نحو هدف تقليص وفيات الأمهات عن طريق زيادة أعداد الولادات التي تحصل فيها الأم على مساعدة من جانب داية ماهرة. وبينما ركزت لغة المؤتمر على وفيات الأمهات، لا يمكننا أن نتغافل عن عدد النساء (الذي تقدر زيادته بثلاثين ضعفاً) اللاتي يعانين من تبعات سيئة للحمل والولادة وبعضها مزمنة،كما لا يمكننا أن نتغافل عن الستة ملايين من وفيات الأمهات ما قبل الولادة سنوياً.

ضرورة حث منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع غيرها من الوكالات ذات الصلة التابعة لهيئة الأمم المتحدة على الاضطلاع بدورها القيادي داخل منظومة الأمم المتحدة،لمساعدة البلدان…… والمساهمة في توجيه تطوير النظم الصحية لتقليص المخاطر المقترنة بالحمل. (وثيقة الأعمال الأساسية في المستقبل، الفقرة ٦٦).

وقد كلفت البلدان منظمة الصحة العالمية بمهمة حشد الجهود الدولية لتقليص وفيات الأمهات،وهو الأمر الذي يتطلب استجابة النظام الصحي. ويتمثل أحد أهم التحديات لتنشيط منظمة الصحة العالمية في توفير قيادة عالمية من شأنها تحفيز وتوجيه العمل متعدد الأطراف حول صحة الأمهات. ويجب أن تعتمد هذه القيادة على المعرفة المتولدة من خلال مبادرة الأمومة الآمنة، وذلك للنهوض باستراتيجيات من أجل تحسين نوعية الخدمات الصحية في إطار برامج قطاع الصحة وزيادة إمكانيات الوصول إليها. لقد انتهت المرحلة الانتقالية لمنظمة الصحة العالمية. ونحن ننتظر بقلق المؤشرات الدالة على أن استجابة منظمة الصحة العالمية لن تقتصر على المستوى التقني.

ينبغي أن تتمكن النساء من الوصول إلى خدمات ذات جودة للتعامل مع المضاعفات الناشئة عن الإجهاض (الأعمال الأساسية في المستقبل، الفقرة 63 – 1). وحينما لا يكون الإجهاض ضد القانون،ينبغي أن تقوم أنظمة الصحة بتدريب وتأهيل مقدمي الخدمات الصحية، كما يجب أن تتخذ إجراءات أخرى لضمان أمان الإجهاض وتيسر الوصول إليه. (الأعمال الأساسية في المستقبل الفقرة ٦٣٣)

إن الوضع غير القانوني للإجهاض يقتل النساء؛ فالإجهاض غير الآمن مسئول عن 13% من وفيات الأمهات في البلدان النامية،حيث الإجهاض غير قانوني في العادة، بينما لا توجد تقريباً أي وفيات للأمهات في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من البلدان، حيث تتوفر خدمات الإجهاض الآمن على نطاق واسع. (2) هذه لیست معلومات جديدة، لكن صناع السياسة ما يزالون يرفضون العمل على الأدلة بشأن فوائد تقنين الإجهاض كجزء من برنامج شامل للصحة الجنسية والإنجابية.

لقد حققنا بالفعل نجاحاً حول هذه القضية أثناء مؤتمر السكان والتنمية + ٥. ففي الساعات التي امتدت إلى ١١ ساعة من المفاوضات، بعد شهور من المقاومة القوية، توصل ۱۷۹ بلداً إلى اتفاق غير مسبوق يتمثل في اتخاذ خطوات لتقليل آثار الإجهاض غير الآمن على الصحة العامة. وحتى في البلدان التي لا تقنن الإجهاض،قدم الساسة وعدًا معلنة باعتبار موضوع الإجهاض قضية من قضايا الصحة العامة.

لكن الطريق ما يزال طويلاً في هذه القضية الحساسة، وسوف تستمر وفيات النساء اللاتي يعانين من حمل غير مرغوب إلى أن يواجه القادة الوطنيين الحقائق. وللأسف فإن ما ورد في وثيقة الأعمال الأساسية في المستقبللن يكون له سوى تأثير ضئيل، لأنه لا يشير إلا إلى البلدان التي تقنن الإجهاض وعادة ما يكون آمنا بالفعل. وإلى أن يتحقق ذلك في كل مكان يجب أن تقود المنظمات غير الحكومية الجهود الرامية إلى نشر المعرفة عندما يكون الإجهاض غير قانوني،بينما تعمل على تمكين النساء من المطالبة بإصلاحات تشريعية وإنشاء خدمات الإجهاض الآمن.

ومن أجل أن يحقق مؤتمر السكان والتنمية + ٥ تغييرًا حقيقيًا، تحتاج الحكومات في البلدان الفقيرة إلى الدعم من جانب نظام دولي يعمل بصورة جيدة. وقد وافق كثيرون على أن هذا يتطلب جبهة متناغمة على صعيد الأمم المتحدة، حيث يحاول الأمين العام للأمم المتحدة الترويج خلالها لجدول أعمال الإصلاح. إن تلك البلدان تحتاج إلى إصلاحات من نوع التقييمات المشتركة، وتنسيق الدورات البرنامجية، وتجميع الموارد التقنية والمالية لكي يمكنها أن تتصدى بشكل فعال لموضوعات رفاه الشباب وفيروس نقص المناعة البشرية / مرض الإيدز ووفيات الأمهات مواجهة فعالة. ولم يكن مؤتمر السكان والتنمية + ٥ نشاطاً منفرداً.

فقد كان يعتمد على دعم ومشاركة مجموعة من القطاعات الاجتماعية،تمثلها مختلف وكالات الأمم المتحدة، كي يكون لها تأثير. ومع ذلك، وحيث أن صندوق الأمم أعمال واسع حول الصحة الجنسية والإنجابية،فإن جميع الوكالات المتخصصة بالأمم المتحدة والدوائر التي تعمل معها تمر بفترة عسيرة من العمل خارج الأطر المحددة لها “.

لقد أتاح عام ۲۰۰۰ فرصاً عديدة لتحريك جدول +5 أعمال مؤتمر السكان والتنمية +5 إلى مجموعة من القطاعات الأخرى. إن مراجعات مؤتمر بكين + 5 (المرأة) ومؤتمر جومتينت +۱۰ (التعليم) قد بدأت تسرع قليلاً في تواصلها بمؤتمر السكان والتنمية +5،على الرغم من الروابط البديهية بين الموضوعات التي يجري تناولها فى تلك المنتديات. إن مؤتمر السكان والتنمية + ٥ قد عانى بالفعل من هذا الانفصال عندما لم تعد اللغة التي تم الاتفاق عليها في بكين رائجة أثناء المفاوضات (على سبيل المثال، لم يسمح المفاوضون المتشددون بمفهوم الحقوق الجنسيةالذي تم تعريفه في بكين بأن يظهر في وثيقة مؤتمر السكان والتنمية + 5). وبالمثل ،هناك فرصة قليلة للنهوض بالصحة الإنجابية في سياق التعليم للجميع، على الرغم من أن الموقف البارز لتعليم البنات أثناء مؤتمر السكان والتنمية + 5 قد وضع أساس العمل لإلقاء الضوء على دور المدارس في تحسين الصحة. وسوف ينعقد أيضًا مؤتمر كوبنهاجن + ٥ في العام القادم ، ولا يمكن أن تتجاهل القمة الاجتماعية أبعاد الفقر الصحية. كما ينبغي أن تضع المفاوضات في حسبانها كيف يمكن أن تساعد استثمارات الصحة على إخراج الناس من دائرة الفقر.

لن يعني مؤتمر السكان والتنمية + ٥ أي شئ إن لم تتحول توصياته إلى عمل. وهو الأمر الذي يكلف مالاً. ولم تكن البلدان المتقدمة والنامية على مستوى الالتزامات المالية التي قدمتها في القاهرة، بينما يعد جدول أعمال مؤتمر السكان والتنمية + ٥ أكثر اتساعاً مع معالم وأهداف جديدة تتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. والآن، أكثر من ذي قبل، وفي مواجهة مرض الإيدز والاحتياجات الملحة للشباب وإصلاح قطاع الصحة، ينبغي أن تؤكد الحكومات التزامها بتوصيات مؤتمر السكان والتنمية + ٥ عن طريق إظهار قيادة والتماس موارد جديدة وبناء جسور مع المنظمات غير الحكومية وتناول القضايا الصعبة بالأسلوب الصحيح.

تتوجه المؤلفة بالشكر إلى إيما سبيسر وجون ورلي لما قدماه من مساعدة. تعبر الآراء الواردة في هذا المقال عن أفكار الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن آراء إدارة التنمية الدولية.

Miriam J Temin , Health and Population Department for International Development 94 Victoria Street , London SW IE 5 JL , UK Fax 440438-917-171 E.mail : [email protected]

* قسم الصحة والسكان، قسم التنمية العالمية ٩٤ شارع فيكتوريا، لندن

1-The International Development Targets pertaining directly to health are that by 2015 : the rate maternal mortality should be reduced by 75 per cent , access to reproductive health care systems should be universal , and infant and under – five mortality should be reduced by two – thirds . ICPD – 5 added a new global : HIV infection rates in 15 to 24 year old should be reduced in the most affected countries by 25 per cent by 2005 , and prevalence in this age group should be reduced globally by 25 per cent by 2010 .

2-Some propose that the differing results of the impact of STD control on new HIV infections ( officious in Mwanza and not in Rakai ) were caused by the different baseline levels of HIV infection in the populations studies , as well as the different treatment approaches tested . Researches from the studies are now exploring the differing results . See : – Gray RH et al . , 1999. Relative risks and population attributable fraction of incident HIV associated with symptoms of sexuality transmitted disease in Rakai District , Uganda . Journal of AIDS.13 : 2113-23 – World Health Organization , 1999. Treatment for common STDs many not always reduce the spread of HIV . Bulletin of the World Health Organization . 77 ( 4 ) .

3-World Health Organization / UNICEF , 1996 Revised 1990 estimates of maternal mortality . Geneva.

شارك:

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4