السلام الداخلي
التليفزيون، الكمبيوتر، جهاز التحكم عن بعد.. جميعها كماليات أصبح لا غنى عنها للإنسان. وبالرغم مما حققه التقدم العلمي إلا أن الإنسان ما زال يشعر بالقلق والحيرة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى مشكلات قد تدفع البعض للجوء إلى عيادات الطب النفسي أو تناول المهدئات.
في كتابه ” السلام الداخلي“، يحاول هنري بولاد، وهو الأب اليسوعي شغل مناصب تربوية وإدارية متعددة، وكان مدير منظمة كاريتاس في مصر، والمعروف بخبرته الواسعة في الرياضات الروحية والمحاضرات الدينية والثقافية، تقديم المساعدة وإنارة الطريق للعثور على السلام الداخلي والاستقرار. والكتاب صادر عن دار المشرق، لبنان.
آدم يفقد سلامه
فقد الإنسان سلامه الداخلي منذ بدء الخليقة عندما هبط آدم من الجنة إلى الأرض. ويرى الكاتب أن آدم خضع لجسده بعد أن فقد سيطرته عليه وانجذب إلى الثمرة المحرمة. وبذلك فقد آدم حالة التوافق والانسجام التى كان ينعم بها، وعلاقته الجميلة بزوجته حواء والتي تمثل الآخر بالنسبة له، كما فقد سيطرته على الطبيعة والمخلوقات التي كانت في حالة انسجام تام معه.
وقد يظن البعض أن الله عاقب آدم بطرده من الجنة ولكن الحقيقة أن آدم عاقب نفسه، فحرمان الإنسان من السعادة ناتج عن اختياره الخاص.
عادة ما يشعر الإنسان أن الأمور تسير في غير مسارها الصحيح نتيجة فقدانه للسلام الداخلي. فعلى سبيل المثال، قد يشعر الإنسان أن التوفيق يجانب جميع تصرفاته وحركاته لأنه في حالة خصام مع الآخر.
فإذا استيقظ من النوم وكان يمر بحالة من التوتر، شعر بالملل والإجهاد وقد يتشاجر مع أسرته أو زميل له في العمل. وتبدو الأمور كما لو كانت تسير بطريقة غير سليمة لأنه لا يتمتع بالسلام الداخلي.
قوة الإنسان في داخله
تكمن قوة الإنسان النفسية في داخله، فإذا فقد انسجامه مع نفسه ومع الآخرين ومع الله، أصبحت أموره تسير في غير مسارها الصحيح وهو يلقي باللوم على من حوله بينما السبب في داخله.
ولذا كان لزامًا على كل إنسان أن يطرح على نفسه هذين السؤالين: إلى أي مدى أشعر بتوتر مع من هم حولي؟ وإلى أي مدى هناك صلة بين هذا كله وسلامي الداخلي ؟
ويشير بولاد إلى وجود مستويين للسلام الداخلي وفي المستوى الأول، قد يشعر الإنسان بالسلام لعدم وجود مشکلات من حوله. بينما في المستوى الثاني يشعر بالسلام بالرغم من المشكلات التي تحيط به والعثرات التي تعترضه وبالتالي فهو بحاجة إلى مجهود مضاعف للحصول على هذا المستوى من السلام.
ولذا يرى الكاتب أنه من الواجب علينا أن نطلب من الله القوة لمواجهة المشكلات وليس الهدوء فى مواجهتها. فليس المطلوب من الإنسان إنكار طبيعته بل السيطرة عليها.
وكما أن هناك مستويين للسلام، هناك أيضًا نوعان. النوع الأول هو سلام مزيف والآخر حقيقي.
وفي الحالة الأولى، يكون السلام مزيفًا عندما يحاول الإنسان تحقيق السلام النفسي عنوة بالرغم من وجود مشكلات في علاقته بالآخر. فكيف من الممكن أن يصل الإنسان إلى مرحلة السلام الداخلي طالما كان مضطربًا.
الحرية طريق السلام النفسي
الحرية هي طريقة من الطرق المؤدية إلى السلام النفسي. ويقصد الكاتب بالحرية التحرر من كافة أشكال العبودية من خلال ضبط النفس. وعلى سبيل المثال، قد يصبح الإنسان حرًا إذا تخلص من ضعفه أمام أنواع معينة من الأطعمة.
ويمكن اكتساب السلام الداخلي أيضًا عن طريق النوم عدد ساعات معقولة، فالنوم لساعات كثيرة أو قليلة قد يضر يسلامنا الداخلي.
ويطرح بولاد تساؤلاً حول السبب الذي قد يدفع البعض لتعاطي المخدرات أو التدخين أو الاهتمام الزائد بالمظهر. ويجيب أن كل تلك العادات دليل آخر على فقدان السلام والسعادة الداخلية.
والحل كما يقول الكتاب في محاولة تحرير النفس من عبودية الأشياء بالمثابرة والتدريج.
الله
هل نظرت يومًا إلى الطبيعة؟ بالرغم من أنه لا عقل لها إلا أنها تتصرف بيقين لأنها تعلم أن هناك من يتكفل بها. هذا هو الإيمان، فإذا وقعت في مشكلة أو مصيبة وحاولت جاهدًا الخروج منها ولكنك لم تفلح فماذا تفعل؟ هل تترك نفسك لليأس والقلق أم تلجأ إلى الله؟
يشير الكاتب إلى أن الإيمان مطلوب لمواجهة حالات قدرية لا يد للإنسان فيها مثل الموت والإصابة بالمرض. ويؤكد بولاد على محدودية قوة الإنسان بينما يتمتع الإيمان بقوة خارقة. ويشير إلى أن سلام الإنسان الداخلي يتحقق حين ينفتح الإنسان على هذه القوة العليا التي يجد فيها الطمأنينة.
حب الله للإنسان حب بلا شروط وبلا قيود. الله يحب الإنسان لأنه خلقه وهو من صنع يديه كما أوجد الدنيا له، فلا تحاول أن تشتري حب الله لك، فهو حب مجاني بلا مقابل وبلا حدود.
ما ينقص الإنسان حقًا ليس مجرد جمع المزيد من الحقائق الإيمانية بل استيعابها وتذوق المخزون منها ليدخل بها إلى عمقه وتصير محركًا لحياته، فحين نصلي يجب نتذوق طعم الصلاة كما نتذوق طعامًا نحبه لأن التذوق هنا يعطي متعة في فعل الشيء ويعطي أبعادًا لم تكن في الحسبان.
اذهب إلى الله وانت مذنب وخاطئ، ففي تلك الحالة تكون أقرب إلى الله ومحتاجًا إليه أكثر من أي وقت في حياتك، فلا تبخل على نفسك بهذه النعمة.
