دخلتْ توجان فيصل معركة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الأردن، لتكشف لنا حجم الصراع الدائر الآن، ليس في الأردن فقط بل نستطيع القول أنه يمتد ليشمل المنطقة العربية كلها، صراعًا بين حملة مشاعل التخلف بقيادة السلفيين والرجعيين، وبين قوى التقدم والتنوير بكل ضعفها وتفككها لتعلن عن انبلاج ليلٍ مظلمٍ من ظُلمات القرون الوسطى، وإحياءً جديدًا لمحاكم التفتيش يُكفر فيه البعض ويُهدر دم البعض، أما الآخرون فمودعون بقصور في الجنة.

الاسم توجان فيصلزوجةٌ وأمٌ لثلاثة أبناء.. عملت كمقدمة برامج تتناول قضايا المرأة إلى جانب نشاطها العام.. تتناول القضايا بجديةٍ وجرأةٍ واضعةً البعد السياسي فيما تتناوله، مما آثار حولها المشاكل، ولكنها لم تتراجع أو تتقهقر، وكان آخر أعمالها تقديم برنامجٍ عن العنف الأسرى، ناقشت فيه حق الأزواج في ضرب زوجاتهم، معترضًة على هذا الحق، وهنا انقلبت الدنيا وهاجت وعلا صراخُ المجاهدين في سبيل التخلف، ونظموا ضدها حملاتهم الإرهابية حتى تسكت أو تتنحى، مستخدمين كافة الأساليب الخسيسة بنشر الادعاءات الكاذبة والملفقة، منها الادعاء بأنها متزوجةٌ من مسيحى، وأنها تدعو لتعدد الأزواج مقابل تعدد الزوجات، ولم يتوقفوا عن حملتهم هذه رغم ردها عليهم وفضح أكاذيبهم، فكان أبلغ ردٍّ لها قيامها بإعداد برنامجٍ جديدٍ حول تعدد الزوجات، ولكنهم ناضلوا في سبيل منعه، وخاضوها حربًا شعواء. فهددوا المدعوين للحوار لمنعهم من الحضور والمشاركة وعدم التعاون معها، وحاصروها بالتهديدات والملاحقات انتهت بتركها للتلفزيون وتفرغها للعمل العام إلى جانب إعدادها لرسالة الماجستير، ولما فشلوا في إجبارها على التراجع بعد إعلانها خوض الانتخابات البرلمانية، وتمثيل دائرتها مدافعةً عن رؤيتها، عادوا لمخططاتهم ومؤمراتهم ضدها، وصدروا اثنين منهم لرفع دعوى عليها بالمحاكم الشرعية بتهمة الردة، والمطالبة بإهدار دمها والحجر عليها والتفريق بينها وبين زوجها وأبنائها ونقض وكالتها، ولم يتبق لهم سوى شنقها والتمثيل بها في ميدان عام!!

وها نحن في نهاية القرن العشرين، ومن العجيب أن تخرج علينا القرون الوسطى تُطل مرةً أخرى علينا بظلامها لتغتال كل رأى حر، وتقيدُ كل عقل مستنيرٍ رغم كل ما عانته البشريةُ من نضالاتٍ، وقدمته من تضحياتٍ في سبيل حرية الفكر والعقل والعقيدة

إن ما نراه الآن يستدعى تكاتف كل قوى التقدم وتيارات التنوير في مواجهة قوى الجهل والتخلف، دفاعًا عن عقولنا وحماية لأعظم ما امتلكته الإنسانية من حرية الفكر والتعبير والإبداع، ولنتضامن جميعًا مع توجان فيصل، رمزًا للمناضلة الجسورة فيوجه طغيان التخلف، ولندافع معًا عن حرية الفكر وعن القضايا التي تبنتها وتدافع عنها توجان فيصل، من أجل انعتاق المرأة من أغلال القهر والإرهاب، ونعم لحق المرأة في العمل المتساوى والتعليم، ولا لتعدد الزوجات المهين، وضرب الأزواج لزوجاتهم وكافة أشكال القهر الفردي والجماعي. وتحيةً لتوجان فيصل المناضلة الشجاعة من أجل مجتمعٍ يسودهُ العدلُ والحرية، يُبنى على أكتاف الرجال والنساء معًا دون تمييز.

 
شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات