محنة الناشطات من أوغندا والسودان ومصر
عندما تنظر حول العالم اليوم ستجد العديد من الحركات تناضل من أجل قضية. حيث تعمل الحكومات والمنظمات والمواطنون معًا للقضاء على التحيز والتمييز والظلم. أحيانًا يفعلون ذلك بنجاح وفي أحيانٍ أخرى يفشلون – غالبًا ما يفشلون في الإتفاق مع بعضهم البعض وتهميش الهدف تمامًا. في خضم اضطرابهم ترفع مجموعة معينة من الأفراد صوتها لمحاربة الظلم وهم النشطاء الإجتماعيين. حيث أنهم يكرسون وقتهم وكيانهم وطاقتهم لدعم قضية. ولكن هل تضحياتهم موضع تقدير أو احتفاء أو حتى معترف بها؟
غالبًا ما تكتسب المصطلحات مثل “ناشط” مشاعر مختلطة عند استخدامها. يرجع ذلك الى سببين اولا أنهم يتناولون موضوعات مثيرة للجدل، و ثانياً لأن بعض الأشخاص يمارسون شكلاً خفيفًا من النشاط لا يتناسب مع المثابرة المطلوبة لإحداث تغيير حقيقي. هذا النشاط الأعمى ليس فقط غير مفيد بل قد يحول دون تقدم القضية. في مثال الوسم #ChallengeAccepted، تم دفن السبب الأساسي للحركة وهو زيادة موت النساء التركيات بشكل مثير للقلق نتيجة للعنف المنزلي. تم دفنه في سلسلة من الصور الفارغة بالأبيض والأسود التي تصور فقط الصورة النمطية للجمال الأبيض ذو العيون الزرقاء. كانت النساء ذوات البشرة الملونة والنساء ذوات الإعاقة وجميع الفئات الأخرى من النساء ممثلات على نحو هزيل. لا أقول أن النشاط الرقمي لا يعمل، لكن التغيير الحقيقي يتطلب تغييرًا على مستويات متعددة لا تصرف الانتباه عن السبب الرئيسي.
النشطاء يكرسون حياتهم ويعرضونها للخطر من أجل قضيتهم. يمكن أن تكون هذه القضية عن التغير المناخي اوالنسوية اوالحقوق المدنية اوحتى النضال من أجل حقوق الشهداء. كما ترون، فإن هناك الكثير مما يجب التحدث عنه في عالم اليوم. العديد من الأصوات التي نسمعها تناقش بنشاط في هذه القضايا وتسعى لحلها وتدافع عن تغييرها هم الناشطون الأقل شهرة وراء الكواليس.
في الأوقات المحفوفة بالمخاطر ضد الحكومات على وجه الخصوص، يدفع النشطاء والصحفيون الثمن الباهظ للوقوف في وجه القمع. حيث يتم سجنهم أو تعرضهم للضرب أو المنفى، لذلك فإن هؤلاء الأفراد يعرفون جيدًا ما يكلف حقًا في دعم القضية. تعاني الناشطات بشكل خاص من ويلات إضافية عند توبيخهن بسبب نشاطهن. حيث أنه في مجتمعات الشرق الأوسط وأفريقيا يُتوقع من المرأة أن تلعب دورًا لطيفًا ومهذبًا وخاضعًا في أي علاقة، لذلك لا يتم توبيخ الفعل فقط لتحديه الوضع الراهن، ولكن أيضًا لتحدي الحدود التي وضعها المجتمع لهن كنساء.
مع وجود إحتمالات متراكمة ضد هاتي النساء، من المفهوم أن ينفذ صبرهم وأن تتغير طريقة تعاملهم الودية. فعندما تتسلق تلة الدفاع عن قضية ما وتواجه الفساد والجهل وعدم الاحترام المطلق الذي يشكك في حقك في تمثيل قضية ما، يبدأ المرء في التساؤل عما إذا كانت الأساليب غير التقليدية الأقل ودية ستؤدي إلى نتائج بدلاً من ذلك.
ستيلا نيانزي، هي كاتبة أوغندية وأكاديمية وناشطة في مجال حقوق المرأة، لجأت إلى مثل هذه الوسائل لإسماع صوتها باستخدام شتائم وتشبيهات بذيئة واستعارات جنسية صريحة حيث تخاطب بها قيادات أوغندا لنظامهم القمعي. في عام 2018 نشرت قصيدة استخدمت فيها تشبيهات جنسية تصويرية لميلاد الرئيس الأوغندي أدت إلى سجنها لمدة 18 شهرًا بتهمة “التنمر الإلكتروني“. حكم قاسي وغير متناسب، لكنها ظلت غير نادمة و تصرخ بكلمات بذيئة عندما أُعلن عن حكمها.
لقد اكتسبت نيانزي أنصاراً مخلصين من عامة الناس والمؤثرين بسبب عزمها الذي لا يلين ولا يتزعزع على المساواة والحقوق. في النهاية أسقطت التهم الموجهة إليها وأُطلق سراحها من السجن. على الرغم من أنه من غير المرجح أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي تحتك فيها بالقانون، يمكن رؤية الثمن الذي تدفعه نيانزي للنضال من أجل المساواة والحرية عندما تعود إلى بيتها. فكل احتجاج وحملة وحكم بالسجن يعرض حياتها للخطر ويترك مستقبل أطفالها معلقًا. إنها تعرف هذا وتدركه جيداً، ومع ذلك تواصل التحدث نيابة عن أولئك الذين لا يستطيعون. هذه هي الروح غير الأنانية والثابتة على رأيها والمشرِفة للناشطين في جميع أنحاء العالم التي تحرك عجلات التغيير في الخلفية.
لا يمكن تجاهل إعتقاد الكثيرين بأن الدور التقليدي للمرأة هو أن تكون أضعف وأقل مرتبة من الرجل، الأمر الذي يتم إثباته من خلال المعتقدات الدينية. هذا مجال نقاش مستمر في الدول ذات الغالبية الإسلامية مثل السودان. في ظل النظام السابق وتبريراته الدينية، تعرضت المرأة في السودان للعديد من القوانين القمعية التي تهدف إلى تحديد طريقة لبسها وحالتها الاجتماعية ومهنها وحريتها الشاملة. في المقابل عندما تقف الناشطات ضد هذه القوانين فإنهن يعانين من رد فعل عنيف من قبل كل من الحكومة والمتطرفين الدينيين الذين يصفونهن بأنهن “أشخاص ضد الدين“. هذا يعد مهلكاً للغاية.
مثال على هذا السيناريو قضية وئام شوقي التي تناقشت مع رجل دين إسلامي من أجل حقوق المرأة في السودان. كان إحباطها واضحًا في نبرتها – تلك التي شعر الكثيرون أنها غير مقبولة بالنسبة لامرأة ضد رجل دين. بسبب تحدثها في تلك القضايا اصبحت مشهورة. ففي الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك فقدت وئام عملها وبدأ أصدقاؤها في الابتعاد عنها وكانت تتعرض للترهيب باستمرار. كانت تتلقى تهديدات بالقتل من المتطرفين الدينيين الذين اعتقدوا أن إعدامها واجب ديني. بعدها غادرت البلاد وعادت لاحقًا خلال الثورة السودانية عام 2018. قد يعتقد المرء أن مشاكلها قد انتهت لكن هذا ليس هو الحال. لا تزال وئام غير قادرة على مغادرة منزلها بثقة ولا تعلن صراحة وجودها في الأماكن العامة خوفًا على حياتها. عندما سُئلت في مقابلة أجريت معها مؤخرًا عما إذا كانت نادمة على ماقالته أجابت “لا لست كذلك…”. إن الوصم الاجتماعي والتحيّز الذي واجهته ولا تزال تواجهه اليوم يوضح الآلام الحقيقية لكونها ناشطة.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن وسائل معاقبة الناشطة مصممة لتجريدها من إنسانيتها وانتهاكها بحسب جنسها. يتم استخدام الاعتداء الجنسي وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى جانب أساليب التعذيب التقليدية. عندما إنضمت منى الطحاوي الصحفية الشهيرة والناشطة النسوية إلى الخطوط الأمامية لميدان التحرير أثناء الثورة المصرية تم إعتقالها. لم تتعرض يداها للضرب بقسوة فقط – ربما لمنعها من الكتابة مرة أخرى – ولكنها تعرضت أيضًا للإعتداء الجنسي. لكن هل استسلمت لمحاولاتهم لإسكاتها – لا لم تفعل.
تحدثت منى الطحاوي باستمرار بالتفصيل المصورعن اعتداءها. كتبت عن تجربتها وواصلت الكفاح من أجل الثورة المصرية. في مقال نُشر مؤخرًا بعد تسع سنوات في رسالتها الإخبارية أوضحت “… أشارك لأن 12 امرأة أخرى لا يمكنهن المشاركة“. هذا هو دور النشطاء، فبسبب التزامهم بقضية ما يستحملون عواقب النشاط ويأخذون على عاتقهم أن يكونوا صوت من لا صوت لهم.
بالمقارنة مع النضالات الخفية التي يواجهها الناشط فإن الأعمال النضالية العابرة تتضاءل بالمقارنة. لا يشهد العابرين بمجال النشاط الاجتماعي المضايقات والاعتقالات والتهميش التي ترافق طريقهم. و هم أيضاٌ يقللون من حجم العبء الهائل الذي يتحمله الناشط باسم النضال من أجل قضية. لهذا السبب يجب الاعتراف بمحنة الناشط و يجب تقدير بقاءهم واجتهادهم، ليس فقط من قِبل المجموعات التي يمثلونها، ولكن من قبل الجميع في أنحاء العالم. و يجب الاحتفال بإنجازاتهم وتضخيم أصواتهم. وإلا فإننا جميعًا ندعم دون وعي حلقة تعاقب على الشجاعة وتساعد على القمع.