مسرح المرأة في مصر

تاريخ النشر:

2007

مسرح المرأة في مصر

عرض: نهال الجنزوري*

صدر ضمن سلسلة مكتبة الأسرة (مهرجان القراءة للجميع) عن الهيئة العامة للكتاب (سلسلة إبداع المرأة) عام 2003 للدكتورة سامية حبيب كتاب مسرح المرأة في مصر: دراسة تاريخية اجتماعية فنية. تأتى هذه الدراسة لتسد فراغًا هائلاً في الدراسات التي تعنى بمسرح المرأة في مصر حيث يرصد الكتاب، الذي يقع في 208 صفحات من القطع المتوسط، بالشرح والتحليل اشتراك المرأة المصرية في العملية المسرحية سواء بالتمثيل أو الإخراج أو امتلاك الفرق المسرحية منذ بدايات القرن العشرين أو بالتأليف المسرحي منذ النصف الثاني من القرن نفسه. ينقسم الكتاب بجانب المقدمة والخاتمة إلى أربعة فصول. يتناول الفصل الأول في عرض تاریخي “الدور الاجتماعي للمرأة المصرية “منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين مع شرح لدورها في الحياة السياسية. أما الفصل الثاني “السياق الإبداعي للمرأة” فيتناول النشاط المسرحي للمرأة سواء في المسرح الخاص (الأهلى) أو الرسمي (التابع للدولة) وبداية كتابة المرأة للمسرح. والفصلان الثالث والرابع يقدمان مسحًا شاملاً للكاتبات المصريات اللاتي ظهرن في النصف الثاني من القرن العشرين: فيتناول الفصل الثالث “المرحلة الأولى لكتابة الدراما (1950- 1975)” بينما يتناول الفصل الرابع “المرحلة الثانية لكتابة الدراما (1980- 2000)”. في هذين الفصلين توضح الباحثة صورة المرأة كما تظهر في تلك المسرحيات وتعقد مقارنات فيها بينهما. ينتهى الكتاب بملاحق تتضمن السير الذاتية لكاتبات المسرح في مصر، إلى جانب المراجع والفهرس. تبدأ الباحثة دراستها بمقدمة قصيرة حول أسباب اختيارها لتلك الدراسة ومنهجها في البحث والصعوبات التي لاقتها أثناء عملية البحث.  

يقيس كثير من الكتاب والمؤرخين مدى تقدم أو تأخر دولة ما بوضع المرأة فيها ومدى حصولها على حقوقها الاجتماعية والسياسية ودرجة تعليمها وانخراطها في العمل بتلك الدولة. بالنسبة لمصر يُرجع أغلب الباحثين توقيت صحوة وخروج المرأة المصرية من الحرملك إلى مرحلة بناء مصر الحديثة والنضال ضد الاستعمار بدءًا من عصر محمد علي والانفتاح على الحضارة الغربية بتأثير الحملة الفرنسية وحركة الإصلاح الديني التي قادتها أسماء مثل: رفاعة الطهطاوي ومن بعده جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وقاسم أمين.

أولاً: الجدل في نهاية القرن التاسع عشر: ارتبطت مطالبة المرأة المصرية بالتحرر والاندماج في المجتمع وحقها في التعليم والعمل بانخراطها في النضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني الذي بلغ ذروته أيام ثورة 1919 حيث خرجت الفتيات من مدرسة السنية والسيدات من الأحياء الشعبية في مظاهرات نحو “بيت الأمة” مطالبات بموقف حاسم ضد بريطانيا بعد تنكرها لمنح مصر الاستقلال بعد الحرب ونفيها لسعد زغلول ورفاقه. والمتأمل للفترة التاريخية من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يجدها فترة تموج بالجدل والمناقشات بين المفكرين والمفكرات في الكتب والمجلات والجمعيات النسائية. تركزت تلك المناقشات حول قضيتين أساسيتين هما: تعليم وعمل المرأة. من أهم الكتب التي ظهرت في تلك الفترة: كتب قاسم أمين: المصريون (1894)، وتحرير المرأة (1899)، والمرأة الجديدة (1900)؛ وكتاب محمد طلعت حرب فصل الخطاب في المرأة والحجاب (1901)؛ وكتاب مرقص فهمى المرأة في الشرق (1894). كذلك ظهرت كتابات نسائية مساندة لتحرير المرأة بقلم عائشة التيمورية وملك حفني ناصف، وظهرت العديد من المجلات النسائية التي كانت تدرك دورها المهم في تثقيف وتعليم المرأة. فبجانب الاهتمام بنشر المواضيع النسائية الخاصة بالطهي والحياكة والأمور المنزلية ورعاية الأبناء، اهتمت تلك المجلات بالتعبير عن رأى المرأة ودعت إلى ضرورة تعليمها. كذلك كانت تلك المجلات تنشر الروايات والقصص المؤلفة والمترجمة من الأدب العالمي. كما اهتم بعضها بنشر نموذج المرأة الأوروبية. كانت ترأس تحرير تلك المجلات النسائية سيدات شاميات. أما أول مجلة نسائية تُصدرها مصرية فهي الريحانة عام 1908 وترقية الفتاة لفاطمة نعمت راشد في العام نفسه، لكن الملاحظ أن هذه المجلات لم تستمر في الصدور طويلاً بسبب قلة التمويل وقلة المحررين والكتاب وضعف التوزيع نظرًا لارتفاع نسبة الأمية بين النساء.

ثانيًا: دور المرأة من 1923- 1952: هذه الفترة المهمة من تاريخ مصر منذ صدور دستور 1923 وحتى قيام ثورة يوليو 1952 شهدت مشاركة أكبر من النساء في المجتمع والنشاط السياسي. فقد تزايد عدد الجمعيات النسائية فكونت السيدة/ هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري والذي ساهم بدوره في إنشاء الاتحاد النسائي العربي عام 1944، كذلك شارك في أكثر من مؤتمر أقامه الاتحاد النسائي الدولي حيث عرضن قضية بلادهن وطالبن بإلغاء الامتيازات الأجنبية في مصر، وكذلك طالبن باستقلال مصر والسودان وفلسطين. شهدت هذة الفترة أيضًا ظهور العديد من المجلات النسائية التي اهتمت بمناقشة كثير من قضايا المجتمع. فطرح للنقاش مشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية؛ وحق المرأة في التعليم والخروج للعمل؛ والدفاع عن الحقوق الاجتماعية للمرأة في الخارج؛ وقضية السفور، کما عرضت بعض المجلات لتاريخ الحركة النسوية والسياسية في العالم (ص 28). في عام 1951 تشكلت اللجنة النسائية للمقاومة الشعبية بقيادة سيزا نبراوي والتي عملت على دعم حركة المقاومة الشعبية في منطقة القنال وأصدرت نداء بضرورة تنظيم مقاطعة للبضائع الإنجليزية وإنشاء مكتب لإيجاد فرص عمل للعمال (ثمانون ألفًا) الذين امتنعوا عن العمل في معسكرات الإنجليز. لكن رغم حيوية الحركة النسائية في تلك الفترة فإن وضع المرأة لم يتغير بشكل جذري. ترجع أسباب ذلك إلى: 1) تخلف المجتمع وتبعيته سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. 2) الحركة النسائية في تلك الفترة كانت حركة صفوة تتكون من نساء من الطبقة الأرستقراطية والبرجوازية ممن يملكن الفائض من الوقت والمال. 3) استمرار الصراع بين أنصار التغيير وأنصار التمسك بالوضع التقليدي للمرأة (ص 29-30).

ثالثًا: دور المرأة من 1952- 1974: أقر الدستور المصري الصادر عام 1956 مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في كل الحقوق والواجبات، فمنحت المرأة كل حقوق المواطنة: حق الانتخاب في البرلمان، والمساواة أمام القانون، والمساواة في تقلد المناصب العامة، خرجت المرأة المصرية للعمل في جميع المجالات بدءًا من عملها الأول في الحقل والزراعة إلى أدق وأصعب المهن في الهندسة والبحث العلمي والسلك الدبلوماسي وغيره. أدى خروج المرأة للعمل إلى ظهور مشكلات من نوع جديد مثل ازدياد الحاجة إلى دور الحضانة والمربيات المقيمات، كذلك إلى وجود مشكلات اجتماعية بين الرجل والمرأة في المنزل ومكان العمل. أما “النكسة الكبرى” كما تطلق عليها الباحثة (ص31 ) لوضع المرأة وما اكتسبته من حقوق فظهر نحو منتصف السبعينيات مع نمو التيارات الإسلامية المحافظة وعلو خطاب دینی متشدد منادياً بعودة المرأة للمنزل لأن عملها هو سبب المشكلات التي يعاني منها المجتمع من مشكلة مواصلات وبطالة وانحراف الأطفال وغلاء الأسعار إلخ. كان أهم أبعاد هذا الخطاب الديني هو عودة تبعية المرأة للرجل: تبعية اقتصادية (لأن الرجل هو المسئول عن اقتصاد الأسرة) وتبعية جسدية (“حيث تصبح المرأة مجرد جسد خفى لا يظهر إلا لرجلها فقط”) (ص 33). وهي عودة إلى الفكر الأبوى الذي سعت المرأة طويلاً لتغييره. أما الجانب الإيجابي الوحيد لهذا التيار الديني المحافظ فهو دفع الحركة النسائية وتقويتها للتصدي لهجات هذا التيار (ص32).

رابعًا: مرحلة الانفتاح الاقتصادي والانغلاق الفكري: شهدت هذه المرحلة إعلان السنوات من 1975- 1985 كعقد لحقوق المرأة مما أدى إلى زيادة الاهتمام بقيام حركة نسائية مستقلة متأثرة بالحركة النسائية العالمية. كذلك حدث جدل حول قضية “الهوية” للحركة النسائية فهل تتخذ هوية نابعة من تراث النساء في العالم، أم تُكوّن هوية خاصة بناء على تراثنا المصري العربي والذي يُشكل الدين جزءًا أساسيًا منه. من أهم القضايا الخاصة بالمرأة التي أثيرت في هذه الفترة: 1) عمل المرأة أم عودتها إلى المنزل. 2) الحجاب كزى للمرأة. تفاوتت الآراء بين الرأي الديني المتشدد الذي يدعو إلى عودة المرأة إلى المنزل لأن عملها هو سبب كل الموبقات في المجتمع (كما أشار الشيخ الشعراوي ص 35)؛ وبين الرأي الديني المعتدل بقيادة الشيخ محمد الغزالي الذي بين أن الإسلام هو الذي صان شخصية المرأة بناءً على قاعدته “لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” (ص 35). اتفق رأى الغزالي المعتدل مع رأى كثير من المفكرين من أمثال قاسم أمين، والعقاد، ود. حسين مؤنس، ود. جلال أمين، الذين أكدوا جميعًا أن عمل المرأة ضرورة اجتماعية وأنه لا يوجد نص واحد يحرم عمل المرأة والخروج إلى الأسواق ما دامت تراعي قواعد الحشمة (ص36). كذلك أكدوا أنه لا توجد علاقة بين حجاب المرأة والفضيلة، فالفضيلة توجد معه أو بغيره كما كان الوضع في الثلاثة عشر قرنًا الماضية (38). على الرغم من إقرار دستور 1956 مبدأ مساواة المرأة بالرجل في كل الحقوق والواجبات، نجد أن المادة (227) من قانون العقوبات المصري لا يساوي بينها في جريمة الزنا: فبينما تعاقب المرأة بالسجن لمدة عامين، يصبح الرجل (إذا زنا في أي مكان غير بيت الزوجية) شاهدًا على شريكته فقط. وهذا يدل على عدم تطبيق مبدأ المساواة في جميع مناحي الحياة، وهو الأمر الذي ما زال يشغل فكر المرأة حتى الآن.

خامسًا: إعادة البحث في هوية الحركة النسائية: شهد العقدان الأخيران من القرن العشرين زيادة جهود المرأة المصرية في المجال العلمي في الجامعات ومراكز البحوث وفى المناصب الوزارية: فتولت وزارات الشئون الاجتماعية؛ والاقتصاد والتعاون الدولي؛ وشئون البيئة. كذلك شغلت مختلف درجات السلك الدبلوماسي والقنصلي. أما مساهمتها في الحياة النيابية والسياسية فقد ظلت محدودة، كذلك في النقابات المهنية (28%)، وقطاع الأعمال (12%)، والقطاع الخاص (16%)، أما في القطاع الحكومي فقد بلغت مساهمتها (32%). تبلغ مساهمة المرأة في إجمالي قوة العمل (من سن 15- 64) حوالى (22%) تتركز أكثر في المناطق الريفية حيث اعتادت المرأة على المساهمة في قطاع الزراعة. غير أن أهم سبب يعيق مساهمة المرأة في المجتمع هو ارتفاع نسبة الأمية التي وصلت بحسب إحصائية 1996 إلى (50%) وهو ما يعد مؤشرًا خطيرًا يدعو للقلق ويضع علامة استفهام كبيرة حول الجهود المبذولة على مدى السنوات السابقة للنهوض بوضع المرأة المصرية.

تعرض الباحثة في هذا الفصل لبداية تسجيل اشتراك المرأة في العملية الإبداعية وتشير إلى تأخر ذلك كثيرًا، فعلى الرغم من بعض الإشارات المتناثرة على مدى التاريخ العربي الإبداعي إلى بعض المبدعات أمثال الخنساء وبعض الأعمال لمبدعات من الجواري والمحظيات والتي تظهر في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني فإنه لم يكن هناك اهتمام ولا تسجيل لإبداعات المرأة إلا قليلاً حتى بداية القرن العشرين. حدث ذلك نتيجة الاحتكاك بأوروبا وحضارتها، فظهرت الأصوات التي تطالب بحق المرأة في التعليم والعمل والمساواة بالرجل على المستويين: الاجتماعي والسياسي. فصدرت الصحف والمجلات الشهرية والأسبوعية النسائية. كذلك ظهرت مجموعة من النساء المبدعات أمثال الشاعرات عائشة التيمورية ونازك الملائكة، ومن الصحفيات والمفكرات ملك حفني ناصف ومي زيادة. شهد عقد الخمسينيات حضور أكبر للمرأة في المجال الأدبي: فبجانب اشتراكها في الكتابة الصحفية والشعر والقصة والدراسات الجامعية، ساهمت في الكتابة للمسرح ومن قبل فقد اشتركت في عملية الإنتاج المسرحي من تمثيل وإخراج وتلحين وغناء ورقص وغيرها من فنون المسرح. تشير الباحثة إلى أن المتابع لإسهامات المرأة في مختلف المجالات الإبداعية سيلاحظ تأرجح هذه الإسهامات بين الصعود والهبوط عبر العقود المختلفة نظرًا لعوامل كثيرة سيتم الإشارة لها في حينها.

أولاً: النشاط المسرحي الخاص (الأهلي):

أغفلت معظم المراجع والدراسات المسرحية ذكر دور المرأة المهم في العملية المسرحية كممثلة ومطربة وراقصة. لذلك فقد قامت الباحثة بالتنقيب الدقيق في المراجع القديمة لتبحث عما خفي من ذكر لوجود المرأة وخرجت بالنتائج التالية:

1- المساهمة الأولى: ظهر المسرح بصورته الغربية في الشام أولاً ثم انتقل إلى الإسكندرية ومنها إلى القاهرة، كان ذلك في ثمانينيات القرن التاسع عشر. من الملاحظ عن أحوال المسرح في تلك الفترة وحتى عام 1915 عدة نقاط. أولاً: نظرًا لعدم سماح المجتمع المصري لبناته بالاشتراك في العمل المسرحي فقد قامت بهذه المهمة نساء من أصل شامي من اليهوديات والمسيحيات (كما يستنتج من أسمائهن أمثال: مارى رفان، وميليا ديان، ومريم ساط، ونظلة مزراحي، ولبيبة مانيللي، وأستر شطاح وغيرهن). ثانيًا: كان عدد المشتغلات بالمسرح في الفرق المختلفة محدودًا إلى حد كبير لذلك كن يتنقلن بين الفرق المختلفة لعدم وجود غيرهن. ثالثًا: من الواضح أن كل ممثلة كانت متخصصة في أداء نوع معين من الأدوار فلم تكن لديهن الموهبة أو الدراسة الكافية التي تؤهلهن لأداء مختلف الأدوار، رابعًا: بالنسبة لوضعهن الاقتصادي من الواضح أن رواتبهن كانت تعادل إن لم تكن تتفوق في أحيان كثيرة على رواتب زملائهن الممثلين. خامسًا: بالنسبة لوضعهن في المجتمع فهناك إشارة إلى تأرجح ذلك الوضع بين الاحترام وعدمه وذلك بسبب “سوء أعمال فئة اندمجت في فن التمثيل اندماجًا قضى عليه ورجع به القهقري” (ص 56).

2- تبادل الأدوار: قبل ظهور الممثلات الشاميات على المسرح المصري، كان يعهد بأداء هذه الأدوار إلى شبان صغيري السن. أما أول ممثلة مصرية ظهرت على المسرح فكانت منيرة المهدية عام 1915 في فرقة عزيز عيد، وللعجب فإن أول ظهورها كان لتحل محل الشيخ سلامة حجازي الذي كان قد أصيب بالشلل وتقاعد عن التمثيل والغناء (ص 60)، وظلت منيرة المهدية لمدة عامين تؤدي أدوار الشيخ سلامة وتلبس بذلة الرجال، لم تكن منيرة المهدية هي الوحيدة من الممثلات المصريات التي قامت بأدوار الرجال بل تبعتها في ذلك روز اليوسف وفاطمة رشدي (التي قامت بدور قيس العامري في مسرحية مجنون ليلى) وأمينة رزق. أما أسباب ذلك فقد ترجع إلى الخوف من مواجهة التقاليد التي تمنع النساء من الاختلاط والظهور في الحياة العامة أو ربما رغبة منهن لإثبات الذات وتحدى التقاليد التي تمنع المرأة من كثير من المهن خاصة الأعمال الفنية. أما عن رد فعل الجمهور لظهور النساء في أدوار الرجال فمن الواضح أنه تقبل ذلك الوضع بدليل استمراره لسنوات عديدة بسبب تفهمه للظروف الاجتماعية التي تتحكم في العملية المسرحية أو لقبوله للوهم المسرحي.

3-مُؤسسات وصاحبات فرق مسرحية: شهد عقد العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين قيام أكثر من فنانة بتكوين فرق مسرحية تحمل أسمائهن مثل فرقة مشيرة المهدية، وفرقة فكتوريا موسى، وفرقة فاطمة رشدي، وفرقة تحية كاريوكا (التي عملت في الستينيات والسبعينيات من هذا القرن). كما قامت غيرهن بالتمثيل والغناء في فرق أخرى في تلك الفترة نفسها، أمثال علية فوزى وعزيزة أمير ودولت أبيض وبديعة مصابني وفتحية أحمد وغيرهن. كذلك تأسست عام 1934 فرقة اتحاد الفنانين والتي كانت تعمل بنظام اقتسام الأرباح. ومن الملاحظ عن تلك الفترة عدة نقاط: أولاً: كل الفرق التي أسستها أو اشتركت في تأسيسها نساء كان الرجل (زوجها) شريكًا أساسيًا بها سواء بالإخراج، أو التمثيل، أو الإدارة، أو الترجمة، بدءًا من منيرة المهدية وزوجها محمود جبر مدير الفرقة وحتى تحية كاريوكا وزوجها فايز حلاوة شريكها بالفرقة. ولكن الملاحظ أيضًا أن سبب نجاح تلك الفرق هو التعاون الفني بين الزوجين، لذلك فإن انفصالهم الزوجي أدى بدوره إلى تفكك تلك الفرق وحلها كما حدث بين الثنائي منيرة المهدية ومحمود جبر، وبين بديعة مصابني والريحاني، وبين علية فوزى وزكى عكاشة، وبين فاطمة رشدى وعزيز عيد، وأخيرًا بين تحية كاريوكا وفايز حلاوة. ثانيًا: لم يقتصر دور المرأة في تلك الفرق على التمثيل والغناء بل قمن بأدوار مختلفة، فمثلاً قامت دولت أبيض بتأليف مسرحية “دولت” وقامت فاطمة رشدى بإخراج مسرحية “أنا كرنينا” بإرشاد من زوجها عزيز عيد. وهي محاولات لم يكتب لها الاستمرار في هذا الجيل. ثالثًا: كان للكساد الاقتصادي في النصف الأول من الثلاثينيات أثر في تفكك بعض تلك الفرق، مثل فرقة فاطمة رشدي التي لم تستطع مقاومة الكساد فتوقفت. لكن تُرجع بعض المراجع سبب توقف الفرقة إلى أنها كانت تقدم نفس المُنتج الذي تقدمه فرقة رمسيس ذات الرصيد المالي الضخم لذلك لم تستطع الصمود للمنافسة. رابعًا: يرجع لتلك الفرق الفضل في ظهور أول النصوص المسرحية المصرية، فظهرت مسرحية “عبد الستار أفندي” لمحمد تيمور، و “العشرة الطيبة” أول أوبريت مصرى كتبه أيضًا محمد تيمور. كذلك ظهر أول نص لتوفيق الحكيم “الضيف الثقيل” عام 1918 وأول مسرحية شعرية كتبها أحمد شوقى “مصرع كليوبترا” خصيصًا لفاطمة رشدي.

ثانيًا: النشاط المسرحي الرسمي (الحكومي):

تنتقل الباحثة بعد ذلك لعرض النشاط المسرحي الحكومي والذي بدأ مع مطلع عام 1930 عندما صدر قرار وزاري بتشكيل لجنة لوضع مقترحات بهدف إنشاء مسرح مصري صميم إنقاذًا للممثلين من استغلال أصحاب الفرق الخاصة ومن حالة الكساد الاقتصادي.

1- التمثيلعلم: بالفعل تم إنشاء أول معهد لتعليم التمثيل في مصر في نوفمبر 1930 باسم معهد التمثيل الحكومي ولكن نظرًا لسطوة التقاليد أُلغى المعهد بعد موسم دراسي واحد بدعوى “مخالفته للتقاليد والآداب” (ص 70). لم يرجع المعهد إلى الوجود ثانيةً إلا في عام 1944 بجهود مُؤسسه زكي طليمات وبمؤازرة د. طه حسين وسمى هذه المرة المعهد العالي لفن التمثيل العربي وكان من شروط الالتحاق الحصول على شهادة التوجيهية أو ما يعادلها وتستثنى الطالبات من هذا الشرط. بجانب كون المعهد مجانيًا، فقد كان يمنح الطلبة ستة جنيهات شهريًا وهو ما يعادل تقريبًا مرتب خريج الجامعة آنذاك (ص 70). إن وجود هذا المعهد الفني للتمثيل ساعد على تغيير نظرة المجتمع للتمثيل وللمشتغلين به بمن فيهم الممثلات، ورفعت من شأنهم في المجتمع خاصةً أنه تواكب مع تطور السينما المصرية من طور السينما الصامتة إلى الناطقة، وافتتاح الإذاعة المصرية والتي كانت الدراما إحدى موادها الأساسية. هكذا أصبح التمثيل علمًا ورسالة وليس مجرد مهنة من لا مهنة له (ص72).

2- الفرقة القومية المصرية: جاء إنشاء تلك الفرقة عام 1935 بمثابة إنقاذ لكثير من الممثلين والممثلات الذين تأثرت الفرق التي كانوا يعملون بها بسبب أزمة الكساد العالمية في مطلع الثلاثينيات والتي أدت إلى حل كثير من الفرق الخاصة وأدت لمطالبة هؤلاء الممثلين بتكوين اتحاد لهم يرعى شئونهم دون الخضوع لأصحاب الفرق واستغلالهم. كان افتتاح الفرقة القومية في موسمها الأول بمسرحية توفيق الحكيم “أهل الكهف” إخراج زكي طليمات مما يعكس القيمة الأدبية والفكرية التي كانت تسعى لها الدراما المسرحية. عملت بهذه الفرقة ممثلات رائدات من أمثال: دولت أبيض، وزينب صدقي، وزوزو حمدي الحكيم.

ثالثًا: التطور الإبداعي للمرأة في المسرح:

1- كتابة الدراما: من خلال تنقيب الباحثة في المراجع المهتمة بشئون المسرح عثرت على نصين للكاتبة مى زيادة هما: ” يتناقشون” الذي نشر في كتابها المساواة عام 1922 و”على الصدر الشفيق” الذي جمع في كتاب حديث عنها (نشر أول مرة في مجلة الهلال عام 1923). ورغم إشارة بعض المراجع إلى مسرحية دولت التي كتبتها ومثلتها دولت أبيض فإنها لم تجد أي أثر للنص نفسه. لم تجد الباحثة أي إشارة بعد ذلك لمحاولة دولت أبيض أو غيرها الكتابة للمسرح حتى عقد الخمسينيات حين ظهرت كل من صوفي عبد الله وجاذبية صدقي اللتين فتحتا الطريق لمن جئن بعدهن حتى يومنا هذا. في مرحلة لاحقة عبرت بعض كاتبات المسرح عن رؤيتهن في المسرح بكتابات نظرية. ترى فتحية العسال في الكتابة للمسرح هدفًا مهمًا وهو تقديم صورة جديدة للمرأة عن طريق البحث داخلها وإظهار ما يعتمل فيها من مشاعر وطموحات (ص 79). بينها تؤكد د. نادية البنهاوي أهمية الثقافة والخبرة الحياتية للكاتبة حتى “يكون لديها القدرة على تكوين رؤية سياسية واجتماعية وإنسانية ودينية” (ص80).

2-كتابة وإخراج دراما الطفل: يبرز في هذا المجال اسم فاطمة المعدول التي كتبت وأخرجت لمسرح الطفل منذ عام 1972 وحتى اليوم، وهي تجربة فريدة بالنسبة لقلة عدد الكاتبات والمخرجات في هذا المجال أمثال زينب العسال التي قدمت مسرحية واحدة، ولوسي يعقوب التي قدمت مسرحيتين. أما سامية جمال الدين فقدمت ثمان عشرة مسرحية تحت اسم المسرح الصغير ولكن الباحثة لم تستطع تحديد ما إذا كان تم إنتاج هذه المسرحيات أم لا؟. ما يميز تجربة فاطمة المعدول كذلك أنها قدمت مسرحيات مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التسعينيات. أما منحة البطراوى فقدمت ثلاث مسرحيات في مسرح التمثيل التلقائي للطفل حيث عملت على الربط بين المسرح والحياة الاجتماعية. كذلك يبرز اسم نجلاء رأفت كمصممة للعرائس لها تجارب قليلة في مسرح الطفل للعرائس.

3- فنانة مسرح شاملة: بدأت هذه الظاهرة منذ منتصف الثمانينات في مسرح الهواة أو الجامعي ومسرح الثقافة الجماهرية حيث تقوم الفنانة بالتأليف والإخراج والتمثيل وتصميم السينوغرافيا أو بعض هذه المهارات، تشترك هؤلاء الفنانات مع رائدات المسرح في مطلع القرن في عدة أوجه: 1) عادت ظاهرة الفنانة صاحبة الفرقة، ولكن الفرق لم تحمل أسماءهن بل أسماء مختلفة كالقافلة أو المسحراتي وغيرها، 2) تعاني هذه الفرق مشكلات التمويل وعدم انتظام العمل لمواسم محددة وعدم ثبات فريق العمل. 3) تقف عضوات هذه الفرق في مكان وسط بين الإحتراف والهواية، فهن يعملن في المسرح عندما يكون هناك عرض مسرحى وتمويل، ويتوقفن عندما ينتهى العرض ويمارسن مهنهن الأساسية. تختلف فنانات هذا الجيل عن جيل الرائدات في بعض النقاط: 1) عدم اعتمادهن على نصوص مصرية بل على ترجمات سواء بإعداد النصوص المترجمة أو إعادة كتابتها. 2 ) تقديم الأشكال المسرحية الجديدة مثل مسرح الحركة والرقص، والاهتمام بالسينوغرافيا والأداء التمثيلي وفق المناهج الحديثة. في النهاية وبالرغم من هذه المحاولات الجادة فإنه يمكن القول إن هذه التجارب لم تحقق تطورًا كاملاً في الحركة المسرحية نظراً لموسميتها وعدم وجود التمويل الكاف لها.

عرض المسرح الحديث عام 1951 مسرحية “كسبنا البريمو” لصوفى عبدالله والتي كتبت أيضًا في مجال الصحافة والقصة والرواية. بل لعله ما يدعو للعجب أنها لم تكتب للمسرح سوى هذه المسرحية والتي لم تنشر. توضح الباحثة أنه يجب عند تناول هذه المسرحية عدم الحكم عليها بمعايير اليوم وإلا ستظلم المسرحية كثيرًا لأنها ستبدو لنا مفرطة في الميلودراما، لكنها بالنسبة لوقت عرضها كانت تعرض صورة صادقة لواقع الشعب المصرى “الذي أفرز… ثورة سياسية في عام 1952 ” (ص93)، المسرحية تتناول قضايا اجتماعية معاصرة بعكس ما كان سائدًا في ذلك الوقت من مسرحيات لكتاب مثل: توفيق الحكيم وعزيز أباظة وعلى أحمد باكثير الذين اعتمدت أعمالهم المسرحية على مواضيع من الأساطير اليونانية أو التاريخ الإسلامي أو التاريخ العربي (ص94)، توضح الباحثة أن المسرحية ذات الفصول الثلاث تقوم على البناء الكلاسيكي للمأساة وإن كانت تجنح بشدة نحو الميلودراما. تقوم المسرحية على الصراع بين ثنائيتين: الجهل/ العلم، والفقر/ الغنى، ويكثر بها الإشارة إلى الغيبيات التي تحكم تفكير الشخصيات. بينما تنتهى المسرحية إلى انتصار العلم في الثنائية الأولى إلا أن المسرحية تدين كلاً من الفقر والغنى في الثنائية الثانية بسبب التخلف الذي يسود المجتمع. من أهم النقاط التي تشير إليها الباحثة في هذا النص هي نظرة المجتمع لعمل المرأة. فالمسرحية توضح أن السبب القهري الوحيد المقبول الذي يدفع الزوجة للعمل هو عجز الزوج، أما عدم عجزه فيعني عدم حاجتها للعمل، فالأصل هو عمل الرجل عملاً منتجاً في المجتمع وبقاء المرأة في البيت (ص 98- 99).

عرضت على المسرح القومي عام 1955 مسرحية سكان العمارة لجاذبية صدقى والتي اشتهرت بكتابة القصص القصيرة والرواية وقصص الأطفال وتعتبر هذه المسرحية (لم تنشر) العمل الوحيد لها في هذا المجال. كما يوحى عنوان المسرحية فهي تتناول عددًا كبيرًا من الشخصيات من طبقات مختلفة فمنهم السادة الذين يسكنون العمارة ومنهم الخدم الذين يعملون عندهم ويجتمعون أعلى العمارة (في السطوح) لمناقشة أحوال وأخبار أسيادهم، هنا أيضًا تقوم المسرحية على البناء الكلاسيكي وتعتمد على تكنيك المقابلة بين الشخصية السلبية المرفوضة والشخصية الإيجابية، من خلال أحداث المسرحية يلقى الضوء على القيم السائدة في المجتمع في تلك الفترة بالنسبة لوضع الرجل والمرأة في الأسرة. فنجد الابن يحظى بمكانة عالية بسبب كونه الوريث والامتداد لاسم العائلة رغم تقديمه كشخص رفيع متصنع ومتسبب في ضياع ثروة أبيه. بينما تقدم الابنة كفتاة لا حول لها ولا قوة يتحكم أخوها في مصيرها ويكاد يزوجها برجل عجوز سكير طمعًا في ثروته. تخرج الابنة من هذه المحنة في نهاية المسرحية ليس نتيجة لإرادتها الشخصية بل لتدخل شاب محب لها يقوم بإنقاذها وفضح الأخ والعريس المفلس، فهو بذلك يتولى أمرها لأنه سيصبح زوجها. التطور الوحيد الملحوظ في وضع المرأة عما ظهرت عليه في النص السابق (كسبنا البريمو) هو نظرة المرأة والمجتمع لعمل المرأة. فعلى عكس النظرة الدونية التي واجهت بطلة العرض الأول، نجد هنا ثلاث نساء من الطبقة الفقيرة يعملن ويأتي على لسان إحداهن قبولها لعملها البسيط كنوع من “الكفاح” الشريف وليس “مذلة أمام الناس” كما في المسرحية السابقة (ص 106).

أما الكاتبة فوزية مهران المعروفة بالكتابة الصحفية وكتابة القصة القصيرة والرواية، فقد نشر لها عام 1963 مسرحية البيوت (من فصل واحد/ لم تعرض)، ثم في السبعينيات كتبت مسرحيتي “التماثيل تنتحر ” و “كابتشي” ( نشرا عام 1995/ لم يعرضا). تتناول مسرحية كابتشي أو الحق المصلوب القضية الفلسطينية. تقوم المسرحية على المقابلة بين الأخيار (الفلسطينيين) والأشرار (الاحتلال الإسرائيلي)، وعلى فكرة التكامل بين الأديان السماوية الإسلام والمسيحية في مواجهة العدوان الإسرائيلي من خلال شخصيات المطران والراهبة والفدائيين الفلسطينيين الذين يرفضون الاعتراف على إخوانهم في العمل الفدائي حتى لو كلفهم ذلك السجن أو الموت.

كتبت لطيفة الزيات عام 1965 مسرحية “بيع وشرا” (نشرت عام 1994/ لم تعرض) وهي التجربة المسرحية الوحيدة للكاتبة المعروفة بكتابة القصة القصيرة والرواية والدراسات الأدبية والترجمات. تلتزم الكاتبة في المسرحية الوحدات الكلاسيكية الثلاثة”: (وحدة الحدث والزمان والمكان) وتقوم المسرحية على الصراع الطبقي بين طبقة ثرية صاحبة سلطة وسطوة وبين الطبقة الوسطى التي تضعف عن المواجهة من خلال التفاف عائلة حول كبيرهم المريض وخوفهم من مواجهة زوجته الأرستقراطية المتسلطة والمتحكمه في المال بحقيقة زواج أخيهم بزوجة ثانية في السر خوفاً من أن تحرمهم من ثروة أخيهم في حالة وفاته. تنتهى المسرحية بموت الزوجة الثانية (أو ربما انتحارها لإدراكها حقيقة جبن زوجها وتنكره لها). هذه النهاية، توضح الباحثة، رغم قسوتها وانتصارها لجانب السلطة والسطوة وهو ما يمثل عکس معتقدات الكاتبة وأيديولوجيتها لكنها قد تكون انعكاسًا لبعض الضعف الذي مرت به الكاتبة في حياتها نتيجة الموروثات الاجتماعية والشخصية التي تجعل المرأة تذوب في ذات المحبوب لدرجة إلغاء ذاتها (ص 115).

شهد النصف الثاني من الستينيات ظهور كاتبتين جديدتين هما: فتحية العسال وليلى عبد الباسط، تمتاز الكاتبتان عن سابقاتهن في تخصصهما في كتابة الدراما باختلاف أنواعها سواء للراديو أو التليفزيون أو حتى مسرحة بعض المناهج المدرسية، كما فعلت ليلى عبد الباسط. وكذلك في زيادة عدد النصوص التي كتبنها وفي استمرارهما في الكتابة حتى نهاية التسعينيات (الفترة مجال الدراسة)، عُرض لفتحية العسال عام 1969 مسرحية جواز سفر (لم تنشر) وفي عام 1982 مسرحية المرجيحة (لم تنشر ). أما ليلى عبد الباسط فعرض لها عام 1965 مسرحية ورق… ورق… ورق ومسرحية أزمة شرف عام 1969 (نشر النصان عام 1988). تقوم الباحثة بتحليل نص واحد من تلك الفترة وهو نص مسرحية ورق… ورق… ورق0 تعالج المسرحية أحد مظاهر البيروقراطية من خلال العلاقة بين أفراد من المجتمع وإدارة الشكاوي المستعجلة والتي يتضح أنها بعكس اسمها تعطل مصالح الأفراد ولا تسعفهم: فيضيع الحق ويموت المريض وتغرق القرى قبل أن يتحرك أحد للمساعدة. تتعرض المسرحية كذلك إلى قضية عمل المرأة ويتضح أن هذه الفكرة غير مطروحة إلا في حالة عجز الزوج أو وفاته، أي في حالة غياب العائل، كما كان الحال في مسرحيات العقد السابق. تنهى الباحثة هذا الفصل بعدد من الجداول توضح الطبقات الاجتماعية التي تظهر في المسرحيات؛ وصورة المرأة في تلك المسرحيات وأسباب معاناتها؛ وأخيراً جدول يضم قائمة بمسرحيات هذة الفترة وتواريخ كتابتها وعرضها ونشرها (كلما تيسر ذلك).

عرض المسرح الحديث عام 1951 مسرحية “كسبنا البريمو” لصوفى عبدالله والتي كتبت أيضًا في مجال الصحافة والقصة والرواية. بل لعله ما يدعو للعجب أنها لم تكتب للمسرح سوى هذه المسرحية والتي لم تنشر. توضح الباحثة أنه يجب عند تناول هذه المسرحية عدم الحكم عليها بمعايير اليوم وإلا ستظلم المسرحية كثيرًا لأنها ستبدو لنا مفرطة في الميلودراما، لكنها بالنسبة لوقت عرضها كانت تعرض صورة صادقة لواقع الشعب المصرى “الذي أفرز… ثورة سياسية في عام 1952 ” (ص93)، المسرحية تتناول قضايا اجتماعية معاصرة بعكس ما كان سائدًا في ذلك الوقت من مسرحيات لكتاب مثل: توفيق الحكيم وعزيز أباظة وعلى أحمد باكثير الذين اعتمدت أعمالهم المسرحية على مواضيع من الأساطير اليونانية أو التاريخ الإسلامي أو التاريخ العربي (ص94)، توضح الباحثة أن المسرحية ذات الفصول الثلاث تقوم على البناء الكلاسيكي للمأساة وإن كانت تجنح بشدة نحو الميلودراما. تقوم المسرحية على الصراع بين ثنائيتين: الجهل/ العلم، والفقر/ الغنى، ويكثر بها الإشارة إلى الغيبيات التي تحكم تفكير الشخصيات. بينما تنتهى المسرحية إلى انتصار العلم في الثنائية الأولى إلا أن المسرحية تدين كلاً من الفقر والغنى في الثنائية الثانية بسبب التخلف الذي يسود المجتمع. من أهم النقاط التي تشير إليها الباحثة في هذا النص هي نظرة المجتمع لعمل المرأة. فالمسرحية توضح أن السبب القهري الوحيد المقبول الذي يدفع الزوجة للعمل هو عجز الزوج، أما عدم عجزه فيعني عدم حاجتها للعمل، فالأصل هو عمل الرجل عملاً منتجاً في المجتمع وبقاء المرأة في البيت (ص 98- 99).

عرضت على المسرح القومي عام 1955 مسرحية سكان العمارة لجاذبية صدقى والتي اشتهرت بكتابة القصص القصيرة والرواية وقصص الأطفال وتعتبر هذه المسرحية (لم تنشر) العمل الوحيد لها في هذا المجال. كما يوحى عنوان المسرحية فهي تتناول عددًا كبيرًا من الشخصيات من طبقات مختلفة فمنهم السادة الذين يسكنون العمارة ومنهم الخدم الذين يعملون عندهم ويجتمعون أعلى العمارة (في السطوح) لمناقشة أحوال وأخبار أسيادهم، هنا أيضًا تقوم المسرحية على البناء الكلاسيكي وتعتمد على تكنيك المقابلة بين الشخصية السلبية المرفوضة والشخصية الإيجابية، من خلال أحداث المسرحية يلقى الضوء على القيم السائدة في المجتمع في تلك الفترة بالنسبة لوضع الرجل والمرأة في الأسرة. فنجد الابن يحظى بمكانة عالية بسبب كونه الوريث والامتداد لاسم العائلة رغم تقديمه كشخص رفيع متصنع ومتسبب في ضياع ثروة أبيه. بينما تقدم الابنة كفتاة لا حول لها ولا قوة يتحكم أخوها في مصيرها ويكاد يزوجها برجل عجوز سكير طمعًا في ثروته. تخرج الابنة من هذه المحنة في نهاية المسرحية ليس نتيجة لإرادتها الشخصية بل لتدخل شاب محب لها يقوم بإنقاذها وفضح الأخ والعريس المفلس، فهو بذلك يتولى أمرها لأنه سيصبح زوجها. التطور الوحيد الملحوظ في وضع المرأة عما ظهرت عليه في النص السابق (كسبنا البريمو) هو نظرة المرأة والمجتمع لعمل المرأة. فعلى عكس النظرة الدونية التي واجهت بطلة العرض الأول، نجد هنا ثلاث نساء من الطبقة الفقيرة يعملن ويأتي على لسان إحداهن قبولها لعملها البسيط كنوع من “الكفاح” الشريف وليس “مذلة أمام الناس” كما في المسرحية السابقة (ص 106).

أما الكاتبة فوزية مهران المعروفة بالكتابة الصحفية وكتابة القصة القصيرة والرواية، فقد نشر لها عام 1963 مسرحية البيوت (من فصل واحد/ لم تعرض)، ثم في السبعينيات كتبت مسرحيتي “التماثيل تنتحر ” و “كابتشي” ( نشرا عام 1995/ لم يعرضا). تتناول مسرحية كابتشي أو الحق المصلوب القضية الفلسطينية. تقوم المسرحية على المقابلة بين الأخيار (الفلسطينيين) والأشرار (الاحتلال الإسرائيلي)، وعلى فكرة التكامل بين الأديان السماوية الإسلام والمسيحية في مواجهة العدوان الإسرائيلي من خلال شخصيات المطران والراهبة والفدائيين الفلسطينيين الذين يرفضون الاعتراف على إخوانهم في العمل الفدائي حتى لو كلفهم ذلك السجن أو الموت.

كتبت لطيفة الزيات عام 1965 مسرحية “بيع وشرا” (نشرت عام 1994/ لم تعرض) وهي التجربة المسرحية الوحيدة للكاتبة المعروفة بكتابة القصة القصيرة والرواية والدراسات الأدبية والترجمات. تلتزم الكاتبة في المسرحية الوحدات الكلاسيكية الثلاثة”: (وحدة الحدث والزمان والمكان) وتقوم المسرحية على الصراع الطبقي بين طبقة ثرية صاحبة سلطة وسطوة وبين الطبقة الوسطى التي تضعف عن المواجهة من خلال التفاف عائلة حول كبيرهم المريض وخوفهم من مواجهة زوجته الأرستقراطية المتسلطة والمتحكمه في المال بحقيقة زواج أخيهم بزوجة ثانية في السر خوفاً من أن تحرمهم من ثروة أخيهم في حالة وفاته. تنتهى المسرحية بموت الزوجة الثانية (أو ربما انتحارها لإدراكها حقيقة جبن زوجها وتنكره لها). هذه النهاية، توضح الباحثة، رغم قسوتها وانتصارها لجانب السلطة والسطوة وهو ما يمثل عکس معتقدات الكاتبة وأيديولوجيتها لكنها قد تكون انعكاسًا لبعض الضعف الذي مرت به الكاتبة في حياتها نتيجة الموروثات الاجتماعية والشخصية التي تجعل المرأة تذوب في ذات المحبوب لدرجة إلغاء ذاتها (ص 115).

شهد النصف الثاني من الستينيات ظهور كاتبتين جديدتين هما: فتحية العسال وليلى عبد الباسط، تمتاز الكاتبتان عن سابقاتهن في تخصصهما في كتابة الدراما باختلاف أنواعها سواء للراديو أو التليفزيون أو حتى مسرحة بعض المناهج المدرسية، كما فعلت ليلى عبد الباسط. وكذلك في زيادة عدد النصوص التي كتبنها وفي استمرارهما في الكتابة حتى نهاية التسعينيات (الفترة مجال الدراسة)، عُرض لفتحية العسال عام 1969 مسرحية جواز سفر (لم تنشر) وفي عام 1982 مسرحية المرجيحة (لم تنشر ). أما ليلى عبد الباسط فعرض لها عام 1965 مسرحية ورق… ورق… ورق ومسرحية أزمة شرف عام 1969 (نشر النصان عام 1988). تقوم الباحثة بتحليل نص واحد من تلك الفترة وهو نص مسرحية ورق… ورق… ورق0 تعالج المسرحية أحد مظاهر البيروقراطية من خلال العلاقة بين أفراد من المجتمع وإدارة الشكاوي المستعجلة والتي يتضح أنها بعكس اسمها تعطل مصالح الأفراد ولا تسعفهم: فيضيع الحق ويموت المريض وتغرق القرى قبل أن يتحرك أحد للمساعدة. تتعرض المسرحية كذلك إلى قضية عمل المرأة ويتضح أن هذه الفكرة غير مطروحة إلا في حالة عجز الزوج أو وفاته، أي في حالة غياب العائل، كما كان الحال في مسرحيات العقد السابق. تنهى الباحثة هذا الفصل بعدد من الجداول توضح الطبقات الاجتماعية التي تظهر في المسرحيات؛ وصورة المرأة في تلك المسرحيات وأسباب معاناتها؛ وأخيراً جدول يضم قائمة بمسرحيات هذة الفترة وتواريخ كتابتها وعرضها ونشرها (كلما تيسر ذلك).

تتسم هذه الفترة بزيادة عدد الكاتبات؛ وبالتالي زيادة عدد المسرحيات المعروضة والمنشورة، كذلك تعددت القوالب الدرامية ما بين المونودراما (مسرحية الممثل الواحد) ومسرحيات الفصل الواحد ومسرحيات الثلاثة فصول. قسمت الباحثة مسرحيات هذه الفترة إلى: 1) الدراما الاجتماعية التي تناقش مشكلات المجتمع وقضاياه، 2 ) دراما مراجعة التراث التي تعيد كتابة بعض الأساطير المصرية وبعض النصوص التراثية برؤية مخالفة للنص الأصلي، 3 ) الدراما التعبيرية النفسية التي تتبع منهجًا نفسيًا في تحليل حياة المرأة داخل النظام الاجتماعي الذي يتحكم في وجودها.

أولاً: الدراما الاجتماعية:

تبدأ الباحثة بتعريف الدراما الاجتماعية بوصفها تلك المسرحيات التي تتناول عادة المشاكل والقضايا الاجتماعية للطبقة المتوسطة. تأتي تحت هذا العنوان مسرحيات نهاد جاد وفتحية العسال وليلى عبد الباسط. تتناول الباحثة بالتحليل نصين للكاتبة نهاد جاد والتي أشتهرت كذلك بالكتابة الصحفية وكتابة القصة وقصص الأطفال. عرضت عام 1981 مسرحية “عديلة” وهي مونودراما (لذلك تسمح للممثل/ ة بتمثيل عدة أدوار من وجهة نظر واحدة). كان الإخراج والتأليف الموسيقى من نصيب نساء بجانب الكتابة والتمثيل. استقبل العرض بترحيب نقدي كبير وضمنت مقالات نقدية النص المسرحي عند نشره عام 1985. تتناول المسرحية معاناة البطلة “عديلة” التي تطمح في صعود السلم الاجتماعي مع ما يتبع ذلك من اليسر المادي ولكن عدم طموح زوجها المادي والوظيفي يقف عائقاً ضد تحقيق رغباتها، فهو رجل ذو مبادئ مثالية يقضي وقته في كتابة المقالات للصحف ولا يشتغل بمهنته الأساسية (المحاماة) التي كان من الممكن أن تدر عليه دخلاً أفضل من الصحافة، تنبع مأساة عديلة من تقديرها المغالى فيه لنفسها والذي لا يمت للواقع بصلة: فهى من أسرة متوسطة وتتزوج من محامٍ بسيط أملاً في أن يكون له مستقبل باهر وهو ما لا يحدث. تهرب عديلة من واقعها المرير إلى الحلم بأن تكون شخصية شهيرة، هذا الحلم يكاد يتحقق بترشيح زوجها للوزارة ولكنها سريعًا ما تفيق على مرارة الواقع: وفاة زوجها قبل أن يتولى الوزارة ويحقق حلمها بأن تكون شخصية مشهورة. هكذا تنتهى المونودراما نهاية مأساوية حيث تصبح عديلة أرملة لا عائل لها ولا عمل. بعكس عديلة، فإن “صفية” بطلة محطة الأوتوبيس (عُرض تجارياً عام 1986 باسم “ع الرصيف” مع إجراء بعض التعديلات التي تشير اليها مأساتها من الباحثة في جدول مقارنة بين النصين (ص143) سيدة متعلمة وعاملة، تنبع مأساتها من خيانة زوجها الذي حثها على السفر لإحدى دول البترول العربية حتى يُحسنا ظروفهما المعيشية، عندما تعود بعد عشر سنوات من الغربة تجده قد طلقها وتزوج بغيرها، كما استولى على مالها وعلى الشقة التي ورثتها من أبيها. هكذا تجد صفية نفسها في الشارع (ع الرصيف) الذي قد تغير بدوره بسبب تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي، وهكذا يتحول الحدث الخاص إلى قضية عامة تخص المجتمع المصرى كله.

أما الكاتبة ليلى عبد الباسط فعرض لها في عقد التسعينيات مسرحيتان: ثمن الغربة (عرض 1991/ نشر عام 1988) وبعد طول الغياب (عرض 1993/ لم ينشر). يشترك النصان في تقديمهما نموذجين لأسرتين غاب عنها العائل (الزوج/ الأب) بالسفر إلى إحدى دول الخليج بهدف تحسين وضعهما الاجتماعي، مسرحية ثمن الغربة هي مونودراما بطلتها “بدرية” التي تعاني يسبب غياب زوجها، هذا الغياب الذي لا يعوضه ما يرسله من مال، فهى تتعرض لمضايقات وطمع رجال القرية فيها وفي الأرض (المعادل الموضوعي لبدرية)، تعانى كذلك فشل ابنها في الدراسة، بجانب معاناتها هي الشخصية وافتقادها لزوج يؤنس وحدتها في طول الليالي. المسرحية بطولها هي مناجاة لهذا الزوج بالعودة وعرض لشكل حياتهم قبل وبعد سفره، وتأثير المال القادم من الخليج في تغيير المعايير الاجتماعية في مصر وإفساده للأبناء. بعكس نهاية ثمن الغربة حيث يصل الزوج جثة في صندوق (نتيجة اشتراكه في حرب الخليج الأولى كما يستنتج من المسرحية)، فإن الزوج في بعد طول الغياب يعود إلى بيته وأسرته، لكن بدلاً من أن يتبدل حال الأسرة إلى الأحسن كما كانت تتمنى الزوجة، يشتعل الصراع بين الزوجين لتنتهى المسرحية بطلب الزوجة الطلاق، هي التي كانت تحلم بالاستقرار والدفء العائلي بعد تسع سنوات من اغتراب الزوج قامت خلالها بدور الأم والأب معاً، تجد أن الزوج قد تغير تماماً: عقله يعمل كآلة حاسبة تحسب الربح والخسارة لأى خطوة يخطوها دون حساب للمشاعر أو لاحتياجات الزوجة والأبناء النفسية بينما تختلف بطلنا المسرحيتين: فـ “بدرية” ريفية غير متعلمة ولا تعمل، بينما “نهى” قاهرية حاصلة على ليسانس فلسفة ولكنها لا تعمل حتى ترعى الأبناء في غياب الزوج، لكن الباحثة ترصد تشابه المسرحيتين في: 1) تقديم المرأة ككائن هش ضعيف في حالة انتظار لعودة الزوج الحامي حتى يقوم بمسئولية الأسرة، 2 ) تداعي كيان الأسرة بسبب غياب الأب وعدم قيامه بواجبه في توجيه الأبناء ورعايتهم. 3) رغبة الزوج في السفر وجمع المال بينما ترغب الزوجة في تكوين أسرة مستقلة مستقرة.

عرضت مسرحية فتحية العسال “نساء بلا أقنعة ” عام 1982 (نشرت عام 1981). تقوم المسرحية في بنائها الدرامي على تكنيك دائري فالكاتبة تستحضر “المؤلفة” (الشخصية المحورية) وتقدم معها أربعة نماذج اجتماعية للمرأة: الفتاة، والزوجة، والمطلقة، والأرملة في صيغة محاكمة وتبادل للأدوار. تقوم المسرحية على فكرة التقابل بين القناع والحقيقة، وتنقسم إلى فصلين: في الأول تتحدث الشخصيات وهي مرتدية القناع، وفي الفصل الثاني يتم نزع القناع وتقدم الحقيقة في صورة اعترافات كل شخصية. كذلك يقوم النص على فكرة فضح الخلل في المجتمع من خلال ثنائية العلاقة بين الرجل والمرأة في صورها المختلفة: الزوج/ الزوجة، الأب/ الأم، الحبيب/ الحبيبة ويؤكد النص ضرورة خلع الأقنعة والإفصاح عن الحقيقة. ما يؤخذ على النص هو النزعة الخطابية في النهاية والتي تطرح أفكارًا مثالية لم تختبر في الواقع. النص الثاني لفتحية العسال في هذه الحقبة هو سجن النساء الذي عُرض عام 1994 (نشر 1993) والذي يتناول القضايا نفسها الفكرية والاجتماعية ولكن بقدرة أكبر على الصياغة الدرامية وخلق شخصيات من لحم ودم وليس مجرد أنماط ونماذج اجتماعية. يجيء اختيار السجن كمكان للحدث الدرامي ذي دلاله فهو مكان يعزل فيه المخطىء/ المخطئة عن المجتمع ويحرم من ممارسة حياته الطبيعية. نجد في هذا السجن نماذج كثيرة للنساء من طبقات مختلفة مسجونات لأسباب مختلفة. رغم ميل النص للميلودراما أحياناً فانه يدق ناقوس الخطر على وضع المرأة في المجتمع. فهناك إدانة للمجتمع وللرجل وتحميلهما مسئولية الحال الذي وصلت إليه المرأة. ينتهى هذا الجزء بمجموعة جداول توضح صورة المرأة والرجل في مسرحيات الدراما الاجتماعية (ص 157-159).

ثانيًا: دراما مراجعة التراث:

تتناول الباحثة في هذا الجزء ثلاثة نصوص ما يجمع بينها هو تناولها لصورة امرأة من التراث سواء الفرعوني أو العربي ولكن برؤية مخالفة لما اعتاد عليه المتلقي، فنص د. نوال السعداوي إيزيس (عُرض عام 1998/ نُشر 1986 ) يتناول أسطورة إيزيس الفرعونية مع إعادة صياغتها برؤية الكاتبة والتي تعيد لهذه الشخصية التاريخية النسائية قدرها العظيم الذي ترى الكاتبة أن المؤرخين الرجال قد أهدروه فلم يذكروا عن الشخصية سوى كونها زوجة وفية وأمًا ولم يعطوها حقها كإنسانة مستقلة ذات قيمة (ص 160-161). تنقد الكاتبة في مقدمة المسرحية نص إيزيس لتوفيق الحكيم وتدين رؤيته الدرامية للشخصية رغم تأكيدها على احترام مبدأ حرية الكاتب في تفسير التاريخ، لكنها تقع في الفخ نفسه وتمنح نفسها ما أنكرته على الكتاب الآخرين. فهي تسقط أفكارها السياسية والاجتماعية على الأسطورة وتفسح مساحات كبيرة في النص لمناقشة الأفكار الأبوية في المجتمع المصرى، وهو ما يكبل الحدث الدرامي ويعيقه عن التطور.

أما ناهد نائلة نجيب وفاطمة قنديل فتتناولان الشخصية التراثية شهرزاد بطلة حكايات ألف ليلة وليلة. تقدم ناهد نائلة نجيب شهرزاد ست ولا جارية (نشر عام 1998/ 1 يعرض) الذي يحمل عنواناً استفهامياً يبحث عن إجابته طوال النص الذي يناقش بشكل عام وضع المرأة بين الحرية والعبودية. يتنقل النص بين فترتين زمانيتين: الزمن الحاضر الواقعي حيث اجتماع لسيدات من حركات تحرير المرأة على مستوى العالم يبحثن وضع المرأة ومدى تحكم الرجل في حياتها والحلول المقترحة لتغيير هذا الوضع. تتحدث مندوبة مصر بفخر عن حصول المرأة المصرية والعربية على حقوقها كاملةً وتستشهد بشخصية شهرزاد کنموذج لذلك، فيعود بنا الزمن إلى الوراء لنتعرف على شهرزاد التي يتضح لنا أنها تحولت من فتاة مثقفة إلى ملكة مستبدة تشبه شهريار تمارس نفس ظلمه وقهره على المحيطين بها. مرة أخرى يعود الحدث إلى الزمن الحاضر الواقعي حيث تؤكد المندوبات أن شهرزاد نموذج للعبودية، بينما تصر مندوبة مصر أنها نالت حقوقها وهزمت شهريار بأنوثتها!

عُرض لفاطمة قنديل عام 1991 مسرحية الليلة الثانية بعد الألف (لم تنشر) حيث نجد أن شهرزاد، بخلاف النص التراثي، ترفض الزواج بشهريار بسبب نظام حكمه الظالم وتقف بجانب الشعب ضد الحاكم المستبد. تشترط لإتمام الزواج عفوًا عامًا عن المسجونين المعارضين لشهريار، وأن تكون ملكة متوجة من الشعب وليست مفروضة عليه. يوافق شهريار على شروطها فتخرج شهرزاد في موكب إلى القصر الملكى ولكنها ترفض التتويج وتقوم بكشف نظام الحكم الفاسد وتقود ثورة شعبية ضد الحكم وشهريار التي تنتهي بقتله هو والقاضى والوزير والحراس، تتفق شخصية شهرزاد هنا مع شخصية إيزيس في مسرح نوال السعداوي في أنهما تمتلكان الوعي والقدرة على التخطيط لقيادة الشعب وتغيير نظام الحكم، وترى الباحثة أن استخدام الكتابتين للشخصية التراثية جاء لإسقاط أحداث الحاضر عليها وتقديم رؤية جديدة للنص بالمخالفة لما كتبه الكتاب الرجال ذوو الفكر الأبوي.

ثالثًا: الدراما التعبيرية النفسية:

تندرج تحت هذا العنوان مسرحيات نادية البنهاوى حيث قدمت عددًا من مسرحيات الفصل الواحد في مجموعة باسم الوهج (عرضت عام 1997/ نُشرت 1996) التي تشترك جميعاً في بساطة الحدث الدرامي الذي يعتمد على التطور النفسي، وقلة عدد الشخصيات، والمكان المغلق محدود الاتساع. الشخصية الرئيسية في تلك المسرحيات هي امرأة تعانى من الإحساس النفسي بالألم والوحشة والوحدة، دون محاولة لشرح أسباب هذه المعاناة، مع يأس من الخلاص منها. تستغنى الكاتبة عن البناء التقليدي للمسرحية، ويتكون الحدث من مشاهد منفصلة متتالية تعبر عن وجهة نظر الشخصية المحورية. أما النص الثاني للكاتبة فهو مسرحية سوناتا الحب والموت (عُرض عام 1997/ نُشر 1998) الذي يقوم على حوار بين البطلة ومجموعة من الشخصيات التي تمثل الأنماط المختلفة للرجال في حياتها: الأب والأخ والابن والحبيب. ما يجمع بينهم جميعاً هو عدم فهمهم لشخصيتها ورغبتهم في قهرها. يقوم النص على الصراع بين الأنا والآخر وتعتمد الكاتبة في بنائها الدرامي على تكنيك تيار الوعي: فنرى العالم كله من خلال البطلة التي تستدعى الماضى وتناقش شخصياته. تركز نادية البنهاوى على المرأة كشخصية مقهورة بسبب الرجل والظروف الاجتماعية وهو الخيط الذي يربط بين نصوص مسرح المرأة جميعها. ينتهى هذا الفصل بجدول به قائمة بمسرحيات الكاتبات المصريات في الفترة من 1980-2000 (ص174).

هكذا ينتهى الكتاب الذي يعرض لتاريخ دخول المرأة المصرية في العملية المسرحية منذ بداية القرن العشرين وحتى نهايته. فيوضح كيف اقتصرت مساهمتها في أول الأمر على التمثيل والغناء ثم تطورت لتشارك في جميع مناحي العمل المسرحي وصولاً إلى الإخراج وتأسيس الفرق المسرحية وأخيرًا الكتابة الدرامية. كذلك يعرض الكتاب لوضع الفنانات المسرحيات في المجتمع المصري والذي تأرجح ما بين القبول والرفض وكيف أن إنشاء المعهد العالى للتمثيل العربي عام 1944 ساعد على الرفع من شأنهن وتقبلهن في المجتمع. يفرد الكتاب الجزء الأكبر من صفحاته لعرض وتحليل النصوص المسرحية للكاتبات المصريات والتي تركزت في النصف الثاني من القرن العشرين. نخرج من ذلك العرض بعدة نقاط: 1) قام عدد غير قليل من الكاتبات بتجربة الكتابة المسرحية مرة واحدة فقط بينما استمررن في الكتابة الصحفية أو كتابة القصة والرواية. 2) في كثير من التجارب هناك فارق زمني بين تاريخ الكتابة وتاريخ العرض أو النشر، كما أنه هناك مسرحيات عرضت ولم تنشر وأخرى نشرت ولم تعرض. 3) في معظم المسرحيات الشخصية المحورية هي امرأة تعاني بسبب مشكلة ما المتسبب الرئيسي فيها هو الرجل والظروف الاجتماعية وتنتهى المسرحيات دون الوصول لحل لتلك المشكلة وكأن الكاتبات يلقين بالكرة في ملعب المتفرج/ القارىء/ المجتمع ليجدوا الحل (ص 173).

رغم الجهد الرائع الذي بذلته الباحثة في تجميع معلومات عن كل تلك النصوص وتحليلها وتقييمها، لكن يؤخذ عليها عدم الدقة في تدوين بعض المعلومات المقدمة في المراجع وذلك من شأنه إعاقه أي باحثة من الاستفادة الكاملة من المعلومات المقدمة. فمثلاً: تغفل الباحثة في أكثر من موضع ذكر سنة طباعة كتاب معين أو تحديد رقم عدد المجلة المشار إليها بحيث يسهل للقارئة الوصول إليها عند الحاجة. كذلك هناك بعض التضارب في التواريخ فمثلاً تذكر أن تاريخ عرض مسرحية جواز سفر لفتحية العسال هو عام 1969 بينما تاريخ كتابتها هو 1972 (ص 126)، وأن عرض 4 مسرحيات ضاحكة لصوفي عبد الله قدم عام 1971 بينما كُتب عام 1975 (ص 126) ولا ندري أي التواريخ نصدق. أن هذه الأخطاء لا تقلل من الجهد المبذول في الدراسة ويمكن تلافيها عند إعادة طباعة الكتاب حتى تعم الفائدة.

مدرسة بقسم اللغة الإنجليزية،جامعة بنى سويف.

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4