ترجمة: فريق هن للترجمة
غالبًا ما يتم تمثيل إعادة إنتاج الحياة عبر مزجها بالمثل الاجتماعية العليا (الحياة كما نعرفها) والتعامل معها باعتبارها مهددة من قبل وجود الآخرين: المهاجرين/ات، والكويريين/ات، وغيرهم. وبالتالي يصبح كل هؤلاء الآخرون مصادر فتنة تسمح للمثالية بالظهور عبر تجسيد الفشل في الوجود أو الفعل.
قد نلاحظ أن “التكاثر” نفسه موضوع تساؤل. إن إعادة إنتاج الحياة –في شكل جيل المستقبل– يتعلق بإعادة إنتاج الثقافة، من خلال تثبيت ترتيبات معينة للعيش (الأسرة). تكون الأسرة مثالية من خلال تغذية سردية التهديد وانعدام الأمن، حيث يتم تقديم الأسرة على أنها ضعيفة، وبحاجة إلى الدفاع عنها ضد الآخرين الذين ينتهكون شروط تكاثرها. كما يوضح لنا “جودمان”، فإن الدفاع الأخلاقي عن الأسرة كأسلوب حياة يصبح مسألة “سياسة عالمية”.
لقد بحثت بالفعل في كيف استحضر الدفاع عن الحرب ضد الإرهاب فكرة “الأسرة” كأصل الحب والمجتمع والدعم. ما يحتاج إلى فحص دقيق هو كيف أن العلاقات بين المغايرات والمغايرين جنسيًا أصبحت نصوصًا تربط الأسري بالعالمي، حيث يصبح الاقتران بين الرجل والمرأة نوعًا من “الولادة”، ليس فقط ولادة حياة جديدة، ولكن أيضًا لأساليب عيش معروفة بالفعل كأشكال الحضارة.
تلك الرؤية للعلاقات الغيرية باعتبارها شرط لإعادة إنتاج الحياة والثقافة والقيمة، هي التي تفسر الانحدار نحو الروايات العنصرية التي تشمل الخوف من الغرباء والمهاجرين والكوير والخوف من التمازج (بالإضافة إلى نماذج أخرى من العلاقات التي تعتبر غير شرعية).
بالطبع، تلك السرديات والنصوص لا تظهر ببساطة “هناك” لشرعنة سياسات الدول. كما أنها تتحكم في رؤية الأجساد والحياة، بما في ذلك تلك التي تتبع وتبتعد عن مثل هذه السرديات النمطية بخصوص الطرق التي يحبون ويعيشون من خلالها، وبخصوص القرارات التي يتخذونها في المجالات الحميمة داخل المنزل والعمل.
من المهم النظر في كيفية أن العلاقات الغيرية –تُعرف بأنها التأثير التراكمي لتكرار السردية المتعارف عليها بخصوص العلاقات الغيرية وكأنها النموذج المثالي– تلك السردية التي ترسم ما يمكن للأجساد أن تفعله دون ذكر لأية احتمالات أخرى. وبالتالي تأخذ الأجساد شكل القواعد التي تتكرر مع مرور الوقت وبقوة. ينطوي تأثير تكرار السرديات النمطية على إخفاء الحقائق عبر التذرع بالطبيعة.
في هذا الفصل، سأناقش المعايير السطحية عن الأجساد، التي هي محض انطباعات. عن كيفية “تأثر” العالم بالأجساد، كعالم مكون من الآخرين. وبعبارة أخرى، فإن هذه الانطباعات هي آثار العمل، كيف تعمل الأجساد وكيف تعمل على تشكيل المفهوم السطحي عن الجسد.
تعمل المعايير التنظيمية بطريقة “الاجهاد المتكرر”، من خلال تكرار بعض الإيماءات دون غيرها، أو من خلال التوجيه في بعض الاتجاهات دون غيرها، فتصبح الأجساد ملتوية، يتم تحريفها في أشكال تمكنها من القيام ببعض الأفعال فقط بينما تقيد قدرتها على أنواع أخرى من الأفعال. أود أن أقترح أن النسق غير المتجانس يؤثر أيضًا على الرؤية السطحية للأجساد، والتي تظهر من خلال انطباعات الآخرين.
تشكل الغيرية الجنسية الإجبارية الأجساد من خلال افتراض أن الجسم “يجب” أن يوجه نفسه نحو بعض الأشياء دون غيرها. الأشياء التي يتم تصويرها على أنها مثالية من خلال فانتازيا الاختلاف. ومن ثم، فإن الغيرية الجنسية الإجبارية تشكل أي من الأجساد “يمكن” أن يتم التعامل معها بشكل شرعي كمحبين محتملين وأيهما لا يمكن. وبالتالي تسهم تلك الغيرية الإجبارية في تشكيل نهج الفرد تجاه الآخرين، وأيضًا تجاه جسده/ها، كتاريخ متجمد للنهج الماضي.
لا يتعلق التوجه الجنسي إذن بالاتجاه الذي يتخذه المرء تجاه موضوع الرغبة، كما لو أن هذا الجانب لا يؤثر على الأشياء الأخرى التي نقوم بها. يشمل التوجيه الجنسي الأجساد التي تتسرب إلى العوالم المختلفة، وينطوي على طرق لتوجيه تلك الأجساد لتتقارب أو تبتعد عن الآخرين. مما يؤثر في كيفية دخول المرء أنواعًا مختلفة من المساحات الاجتماعية (التي تفترض أجسادًا واتجاهات معينة بالإضافة إلى طريق معينة من المحبة والمعيشة)، حتى لو لم تقود الأجساد إلى نفس الأماكن.
لتوضيح الأمر على بساطته وأهميته، توثر التوجهات المسبقة فيما يمكن أن تقوم به الأجساد. ومن ثم، فإن الفشل في توجيه الذات “نحو” النموذج الجنسي المثالي يؤثر على كيفية عيشنا في الحياة، وهو تأثير يمكن قراءته على أنه فشل في التكاثر، وكتهديد للنظام الاجتماعي وللحياة نفسها.
بالطبع، ليس على المرء أن يفعل كل ما هو إجباري، فحقيقة الإلزام بشيء ما تظهر أنه ليس ضروريًا. لكن رفض الإجبار على روايات الغيرية الجنسية المثالية وتوجيهها لانجذاب المرء نحو الآخرين لا يزال متأثرًا بالسرديات المتوارثة، التي تصور التوجهات الشخصية المختلفة كشكل من أشكال العصيان، وتتعدد عواقب “عدم اتباع” السرديات المتعارف عليها. فيمكننا أن نفكر –على سبيل المثال– في العواقب النفسية والاجتماعية لحب الجسد الذي من غير المفترض الوقوع في حبه، أو حب الجسد الذي كان “من المفترض” التنصل منه، وتشمل العواقب الشعور بالخزي والكآبة (بوتلر 1997ب، برايدوتي 2002: 53).
تظهر التأثيرات السلبية للعيش وفق المعايير “وليس خوض الحياة بكاملها” في الكثير من الأضرار والتبعات حال الوقوع في الحب غير “النموذجي” حسب المتعارف عليه. وبالتالي يكون لعدم الخضوع للمعايير الكثير من التكاليف والأضرار. هل تحدث اللحظات الغريبة عندما يتم تبني هذا الفشل في إعادة إنتاج المعايير كأشكال للحياة أو تأكيدها كبديل سياسي وأخلاقي؟ لن يكون هذا التأكيد متعلقًا بتحويل الشعور بالعار إلى إحساس بالفخر، بل يتعلق بالتمتع بسلبية ذلك العار، أي التمتع بما تعتبره الثقافة السائدة مصدرًا للخجل (انظر باربر وكلارك 2002: 22-9).
في هذا الفصل، يمكنني أن أطرح السؤال التالي: ما هو الشعور عند العيش في جسد فشل في إعادة إنتاج النموذج المثالي؟ لكن هذا ليس سؤالي. بدلاً من ذلك، أرغب في استكشاف “مشاعر الكوير” دون ترجمة مثل هذا الاستكشاف إلى مسألة “الشعور بالغرابة”.
قد تفترض محاولة تفسير أو ترجمة تلك المشاعر أن الكويريين/ات لديهم/ن حياة عاطفية ذات نمط خاص، أو أن لديهم/ن مشاعر خاصة بأجسادهم/ن، نظرًا للفشل في العيش أو اتباع الصورة النموذجية للعلاقات الغيرية. بالطبع، يمكن للمرء أن يشعر بكونه كويري. فهناك مشاعر متضمنة في الإدراك الذاتي، والتصور الشخصي للجسد، بالإضافة إلى الارتباط بـ “اتخاذ” اسم. لكن هذه المشاعر يتم التدخل فيها وترتبط بفئة “الكوير” بطرق معقدة وطارئة؛ لأن تلك الفئة على وجه التحديد يتم تصويرها تاريخيًا باعتبارهم نموذج للفشل أو “عدم الوجود”.
عند دراسة الإمكانات الفعلية للكوير، سأفكر أولاً في العلاقة بين المعايير والتأثيرات في المناقشات حول العائلات الكويرية. سأناقش بعد ذلك دور الحزن في سياسة الكوير مع الإشارة إلى استجابات الكوير بعد هجمات 11 سبتمبر. وأخيرًا، سأتناول دور المتعة في أنماط الحياة أو الثقافات المضادة، وسأسأل كيف يمكن أن يكون الاستمتاع بالعلاقات الاجتماعية والجنسية المصنفة على أنها “غير منتجة” شكلًا من أشكال الاضطراب السياسي في اقتصاد منظم يرتكز على مبدأ أن المتعة تكون أخلاقية فقط إذا كانت حافزًا أو مكافأة على حسن السلوك.