بعد قضية التوربيني فتح الباب على مصراعيه للحديث الموسع حول ظاهرة أطفال الشوارع، ولكن بعد أسابيع قليلة سرعان ما هدأت الأمور وعاد الصمت وخاصة صمت الأجهزة المعنية التي أعتدنا منها التخلي عن أداء دورها والتوقف عن القيام بمسئوليتها تجاه مواطني هذا البلد وعلاجها للظاهرة، قدمت الدكتورة نبيلة الشوربجي – مدرس علم النفس بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة الفيوم – دراسة تطرح من خلالها رؤيتها أو حلمها حول إنشاء مشروع قومي لأطفال الشوارع.
وحول فكرة د. نبيلة الشوربجي ومشروعها كان لنا معها هذا الحوار:
-
إصدار طابع بريد يحمل اسم أطفال الشوارع لتمويل المشروع
-
من هم أطفال الشوارع وما أهم الأسباب لوجود هذه الظاهرة؟
– أنه الطفل الذي ليس له مأوى أو ليس له أسرة أو تخلت أسرته عنه أو عجزت عن إشباع حاجاته الأساسية نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، أي يكون الطفل خارج اهتمام الأسرة والفقر هو العامل الأساسي لتفشي ظاهرة أطفال الشوارع فغالبًا ما يكون الفقر وراء التفكك الأسري وبالتالي تكون الأسرة غير سوية والأطفال غير مرغوب فيهم، الأمر الذي يدفعهم للفرار والهروب إلى الشارع كبديل لكي يمارسوا فيه أنشطة تشبع حاجاتهم من أجل البقاء مما يعرضهم للخطر واستغلال الغير.
-
ما الملامح الرئيسية لمشروعك الذي يمكن أن نصفه بأنه حلم نبيل في ظل واقع أصبحنا فيه غير قادرين على الحلم؟
– فكرة المشروع القومي يهدف إلى بناء مدينة كاملة متكاملة في صحاري مصر لأطفال الشوارع بعد حصرهم على مستوى الجمهورية، يتم رعاية أطفال الشوارع في هذه المدينة التي تتكون فيها الأسرة من أم بديلة وأب بديل ويتم توفير جميع الاحتياجات من مساكن، ومستشفيات ومدارس حديثة ومدارس صناعية وتجارية فضلاً عن إنشاء عدد من الورش في جميع التخصصات المزودة بالعمال المهرة لتدريب الأولاد على المهارات المختلفة.
لابد أيضًا من توفير الجوانب الترفيهية مثل: الأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية للنهوض بهؤلاء الأطفال وتربيتهم تربية بدنية سليمة مع توفير ملاعب وحدائق واسعة وكل وسائل الترفيه من مسارح وسينمات وحمامات سباحة، أيضًا توفير دور للعبادة لتعليمهم آداب الديانات المختلفة.
-
ما هي الجهة المنوط بها إقامة هذا المشروع والإشراف عليه؟
– أن يتم ذلك تحت إشراف رئاسة الوزراء والوزارات المعنية من تضامن اجتماعي وإسكان وشباب ورياضة ووزارة الصحة والتربية والتعليم ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء العالمي، ووزارة الصناعة ووزراة القوى العاملة ووزارة الداخلية التي لن يكون لها دور سوى توفير الأمن لهؤلاء الأطفال لأنهم دائمًا يفقدون الشعور بالأمان، وبالتالي يجب أن توجد في المدينة الشرطة لحماية الأطفال وليس لمطاردتهم كما يحدث.
-
وما الفرق بين هذه المدينة ودور الرعاية الموجودة حاليًا والتي يهرب منها الأطفال ولا يتجاوز الإشغال فيها 50 % وفقًا للدراسات الاجتماعية؟
– أؤكد ضرورة اختلاف هذه المدينة عن دور الرعاية التي في الغالب تأخذ شكل السجن حتى لو لم تكن عقابية فتؤدي إلى هروب الأطفال لذا لابد من توفير الإمكانيات المادية اللازمة وإعداد دورات تدريبية على أعلى مستوى للعاملين بهذه المدينة من أخصائيين ومدرسين وعاملين ومشرفين وتزويدهم بمهارات التعامل مع أطفال الشوارع وتوفير أجور كافية لهم للاستمرار في العمل وأداء واجبهم على أكمل وجه.
-
ومن يمول هذه المدينة “الفاضلة” والدولة تنسحب الآن من تقديم الخدمات لمواطنيها دافعي الضرائب فهل ستفعل مع أطفال الشوارع؟
– قلت أن يقام المشروع تحت رعاية مجلس الوزراء ويتم تخصيص ميزانيته من المجلس فضلاً عن باقي الوزارات المشرفة على المشروع من وزارة إسكان وتربية وتعليم وشباب ورياضة وقوى عاملة وصناعة كلُ حسب التزاماته يشارك في بناء المدينة بالإضافة إلى تبرعات رجال الأعمال والإعانات الحكومية والصندوق الاجتماعي والمجلس القومي للمرأة، كما أقترح إصدار تصميم طابع بريد يحمل اسم أطفال الشوارع وتخصيص رقم إيداع في البنك لقبول تبرعات أهل الخير والقادرين ورجال الأعمال.
-
توجد وجهات نظر لمتخصصين ترفض فكرة عزل أطفال الشوارع ومشروعك يهدف لعزلهم فما رأيك؟
– إننا في حاجة إلى العزل في مراحل معينة نظرًا لخصوصية طفل الشارع النابعة من شعوره بالنبذ من المجتمع ولقسوة الظروف التي تعرض لها والتي أنتجت شخصية تتسم بالعدوانية كنتيجة للعنف الذي تعرض له، وإجادة التمثيل على الآخرين كوسيلة دفاعية ضد الأخطار، كما يتميزون بالتحدي السافر ولديهم شك مستمر تجاه الآخرين ولديهم قدرة عالية على الكذب، وتزداد كل هذه الصفات مع تواجدهم في الشارع، ومن هنا أرى أن العزل يتم إلى أن يصبحوا أسوياء وبعد ذلك يمكن إعادة دمجهم في المجتمع مرة أخرى ولكن بعد أن يمتلكوا ما يؤهلهم نفسيًا واجتماعيًا وماديًا لهذا الاندماج.
-
نعود لجذر المشكلة وهو الفقر وهو ينخر كالسوس في عظام المجتمع فكيف نتعامل مع هذه الظروف مرحليًا أو الآن ؟
– بالفعل المشكلة الرئيسية لظاهرة أطفال الشوارع هي الفقر الذي يؤدي إلى التفكك الأسري ومن هنا والآن وبإلحاح لابد من علاج ظاهرة التفكك الأسري خاصة بين الفقراء على أن يتم ذلك من خلال محاكم الأسرة ومكاتب الأسرة التي يجب أن تضم طبيبًا بشريًا، وطبيبًا نفسيًا، وأخصائيًا نفسيًا، وأخصائيًا اجتماعيًا ورجال دين لإعطاء الإرشادات الأسرية وحماية الأسرة.
منظمات المجتمع المدني لا تملك الإمكانات… والقضاء على الظاهرة هو دور الدولة
-
وما دور منظمات المجتمع المدني في أداء هذه الظاهرة؟
– إن دور المجتمع المدني والجمعيات العاملة في هذا المجال ضروري في إثارة المشكلة ولكنها لا تمتلك إمكانات تقديم حلول جذرية لأن الحلول تقع على عاتق الدولة.
-
هل أطلعت على نموذج لمشروعك – الحلم – في دول العالم؟
– أطلعت على بعض التجارب الناجحة في دول أوربية ومنها إنجلترا، عمومًا أن الدول المتقدمة دائمًا تسبقنا في أداء الدور الاجتماعي تجاه المواطنين لإحداث التوازن في المجتمع.