مقدمو الخدمات الصحية في إندونيسيا
وموقفهم تجاه الإجهاض
مقدمة
تتضمن الأدبيات التي تدور حول الإجهاض في أندونيسيا عددًا هامًا من الدراسات التي تناقش جوانبه الطبية، والتي تم إجراء أغلبها في المستشفيات. ودون شك، ترجع ندرة الدراسات غير الطبية إلى حساسية الموضوع في الأساس. لقد قمنا في عام ۱۹۹۰، وبعد التشاور مع عدد من ذوي المعرفة، بإجراء دراسة حول مواقف مقدمي الخدمات الصحية تجاه الإجهاض، وهو الأمر الذي اعتبرناه أقل جوانب القضية حساسية. ونأمل في أن يسهم عملنا في صياغة برامج من شأنها تعزيز قدرة العاملين في مجال الصحة على تناول قضايا الإجهاض بشكل جيد، فضلاً عن التشجيع على إجراء مزيد من الدراسات. كما نهدف أيضًا إلى المساهمة في البحث عن أساليب تجعل الحمل والولادة أكثر أمانًا بالنسبة للنساء، بما يتفق ومفهوم “الأمومة الآمنة“، أو حتى – أفضل من ذلك – مفهوم “أمان المرأة“.
نشرت الصحف والمجلات في السنوات الأخيرة تقارير عن العثور عن أطفال حديثي الولادة متوفين في مقالب النفايات أو مصارف المياه أو بين الشجيرات المتناثرة على طول الطرق. هذا بالإضافة إلى العثور عن أطفال رضع ما يزالون أحياء أمام المنازل أو في المستشفيات، حيث تركتهم أمهاتهم ثم اختفين. أن هذه الحوادث ليست بجديدة، لكن وسائل الإعلام لم تكشف عنها سوى في السنوات الأخيرة. تحدث أيضًا حالات إنهاء الحمل، رغم عدم قانونيتها وإدانتها على المستوى الاجتماعي. ومما لا شك فيه أن النساء اللاتي يقدمن على إنهاء حملهن يعانين من ضغوط هائلة، سواءً بدنيًا أو نفسيًا، وخاصة إذا كان عليهن اتخاذ هذا القرار بمفردهن تمامًا، ومع تعريض صحتهن بل وحياتهن للخطر.
منذ منتصف الثمانينات، كثيرًا ما ربطت التقارير والندوات حدوث الإجهاض بوجود قدر أكبر من الحرية الجنسية، وبفشل تنظيم الأسرة. وفي واقع الأمر، فإن إنهاء الحمل ممارسة تقليدية موجودة بين شعوب أندونيسيا منذ فترة طويلة. وأكثر الوسائل انتشارًا هي تدليك البطن، وعادة ما يقوم بأدائه أحد المعالجين التقليديين المتخصصين في التدليك. هناك وسيلة أخرى، معروفة جيدًا في جافا، وهي تناول شراب معين عبارة عن مزيج من الأعشاب يسمى عادة “جامو بيلنتور ” – تتناوله النساء في حالات تأخر الدورة الشهرية (1). ويتم إعداد هذا الشراب عن طريق غلي أوراق وجذور نباتية معينة، أو عن طريق طحن مكونات الأعشاب والجذور حتى تصبح مسحوقًا ثم غليها في الماء. ومع أما الطريقة “الأحدث” لتناول هذه الوصفة فهي على شكل حبوب أو كبسولات. وتضم الوسائل الأخرى تناول مادة الكينين أو إدخال أدوات داخل الرحم.
ومع ذلك، فقد أصبحت مناقشة تنظيم الأسرة، والشئون الجنسية، وإنهاء الحمل، أكثر صراحة في مجتمعنا. وقد أشار مقال حول الإجهاض، نشرته إحدى المجلات النسائية والمعرفة، إلى ثلاثة عوامل أسهمت في هذا التطور:
– التطبيق النشط لبرنامج تنظيم الأسرة، الذي يؤيد أن تكتفي كل أسرة بطفلين
– زيادة حالات الحمل خارج الزواج، وهو نتيجة للتغيرات في التفاعل الاجتماعي بين المراهقين والشباب، تحت تأثير الإعلام، وخاصة السينما والفيديو:
– الاهتمام بصحة النساء، وخاصة مع ارتفاع معدلات وفيات الأمهات (٢).
ومع ارتفاع عدد النساء المستخدمات لوسائل منع الحمل، تتزايد احتمالات فشل موانع الحمل في سياق زيادة التوقعات بالقدرة على التحكم في الخصوبة. كما أصبحت احتمالات حدوث الحمل غير المقصود أكثر ترجيحًا نتيجة لزيادة قدرة الحرية المتاح في العلاقات بين الشباب. وقد أظهرت المقابلات التي تمت مع الفتيات اللاتي مررن بتلك “الحالات غير المقصود” افتقادهن للمعرفة في الأساس، وعدم استعدادهن للتعامل مع هذه “الحرية” في علاقاتهن مع الفتيان. تراوحت أعمار أكثر من نصف أولئك الفتيات بين 15 – 20 سنة غالبيتهن (78%) ما يزلن طالبات في المدرسة أو الجامعة. لم تكن الفتيات يعرفن أي شيء تقريبًا عن أجسامهن، وبالأخص أعضائهن الإنجابية، كما كن لا يعرفن أي شيء عن التغيرات التي تحدث في أجسامهن أو كيف يحدث الحمل (۳).
وفي مواجهة تلك الحوادث غير المقصودة، تصاب الفتيات بفزع شديد، ويحاولن كل جهدهن لإنهاء الحمل. لكنهن يواجهن مقاومة من عيادات الولادة وأطباء أمراض النساء، ذلك أنهن غير متزوجات وعادة ما يكون مطلوبًا منهن دفع مبلغ يزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن المبلغ المطلوب للإجهاض الذي تدفعه المرأة المتزوجة وبناء عليه، يمكن أن يلجأن إلى ممارسين غير مؤهلين، وعادة ما يلجأن إلى الدايات.
يتزايد القلق في البلد حول ارتفاع معدل وفيات الأمهات إذ كان يقدر بحوالي ٤٥٠ لكل مائة ألف من المواليد الأحياء خلال الفترة ۱۹۸۰ – ۱۹۸۸، بما في ذلك عمليات الإجهاض غير المتقنة (4) أن تدليك البطن بالأساليب التقليدية يمكن أن يسبب تناول مادة الكينين إلى التسمم ومشاكل للكلى والقئ وما يتبعه من جفاف بل وحتى الموت. ومن بين أكثر مضاعفات الإجهاض شيوعًا نجد: النزف، والصدمة، والحمى، وتعفن الدم البكتيري، والتيتانوس، وثقب الرحم، وتمزق عنق الرحم (9).
بدأت الجهود الرامية إلى الكشف عن مشكلات الحمل غير المرغوب فيه وعمليات إنهائه، والى مناقشة هذه الأمور صراحة في منتصف أعوام الستينات. ففي عام ١٩٦٤، قامت الجمعية الطبية الأندونيسية والجمعية الأندونيسية للمولدين وأطباء النساء بعقد ندوة علمية حول الإجهاض، نوقشت خلالها ضرورة صياغة قوانين تبيح الإجهاض لأسباب علاجية.
يوجد القانون الساري الخاص بالإجهاض في إطار قانون العقوبات الأندونيسي الذي ترجع أصوله إلى القانون الجنائي الهولندي (۱۹۱۸) في الفترة الاستعمارية. ويعتبر هذا القانون أن الإجهاض الذي يتم لإنهاء الحمل هو عمل جنائي (5). وأي شخص يعلن عن الإجهاض أو يشجعه أو يقوم بأدائه، إضافة إلى المرأة التي تجري عملية إجهاض، يقدم إلى المحاكمة. ويتعرض أي طبيب أو ممرضة توليد أو صيدلي، أُتهم بإجراء عملية إجهاض وأدين، إلى إلغاء رخصته.
لقد أدى الانقلاب الفاشل في عام ١٩٦٥ إلى تغيير قيادة أندونيسيا وأصبحت في يد حكومة الرئيس سوهارتو. ولهذا، لم ينشر تقرير ندوة عام ١٩٦٤ إلا في عام ١٩٦٦ وتم تقديم خمس توصيات إلى وزارة الصحة:
– البحث في أسباب الإجهاض العمدي,
– إصلاح القوانين المتعلقة بالإجهاض العمدي، للسماح بإجراء عمليات إنهاء الحمل التي يوصى بها الأطباء,
– إدراج ميثاق أخلاقي طبي في الدراسة بجميع الكليات والمعاهد الطبية، ينص على عدم قانونية الإجهاض إلا عندما يتم لأسباب طبية،
– توزيع ونشر معلومات حول تنظيم الأسرة،
– القضاء على عمليات الإجهاض العمدي غير القانونية (6).
وعلى حين بدأ تنفيذ بعض تلك التوصيات، لم يكن تغيير القانون أمرًا منظورًا.
ومع حلول منتصف السبعينات، ارتفعت معدلات ذهاب النساء للمستشفيات للعلاج بعد الإجهاض. وقد أوضحت دراسة أجريت في ۱۸ مستشفى و ۲۲ عيادة توليد في جاكارتا خلال الفترة ۱۹۷۲ – ۱۹۷5 حدوث ۱۸ حالة إجهاض بين كل ۱۰۰ حالة ولادة في المستشفيات عام ١٩٧٥. وفي مستشفيات الولادة، ارتفع عدد الحالات لكل ۱۰۰ ولادة من ٤ إلى ٧ في نفس الفترة. كانت حالات الإجهاض تجري في العادة لنساء تتراوح أعمارهن من ۲۸ إلى ٣٠ سنة، وكانت 98% منهن متزوجات. كان ما يقرب من نصف هؤلاء النساء حوامل للمرة الخامسة، بينما ولدت %۲% منهن ست مرات أو أكثر من قبل وبشكل عام كانت النساء يحضرن إلى المستشفى وهن في حالة حرجة بالفعل. وقد أوضحت الدراسات التي أجريت في مستشفيات أخرى في أندونيسيا نمطًا مشابهًا(7)
في عام 1973، وافق اجتماع المؤتمر الثاني للمولدين وأطباء أمراض النساء في أندونسيا على دعم مبادرة قدمتها الحكومة بشأن اقتراح قوانين حول الإجهاض الذي يتم لأسباب طبية(8). وفي نفس العام، بدأ المستشفى التعليمي، الملحق بجامعة أندونسيا، في تقديم خدمات الأجهاض عبر تنظيم الدورة الشهرية (5)، وذلك بموافقة ضمنية من السلطات القانونية في جاكارتا، حتى رغم عدم وجود حماية رسمية للقائمين على تقديم هذه الخدمة الصحية، ومنذ ذلك الحين، أتاح عدد أكبر من العيادات تقديم تنظيم الدورة الشهرية.
كما دافعت أيضًا المؤتمرات التي نظمتها الروايط القانونية وغيرها في السنوات التالية عن إجراء تعديلات في القوانين المتعلقة بالإجهاض، استجابت الحكومة على نحو إيجابي لهذه التوصيات. ففي يناير 1977، وبقرار صادر عن وزارة الصحة، تشكلت لجنة تضم مختلف الإدارات بهدف صياغة مشروع قانون يقنن الإجهاض القائم على أسباب طبية. نجحت هذه اللجنة، بعد مرور أكثر من عام، في إنتاج مجموعة من مشاريع القوانين، وقد نوقشت في الندوة التي نظمتها وزارة الصحة في أكتوبر 1978. ومع ذلك، لم تتقدم الحكومة بمشروع قانون إلى البرلمان: وهناك جماعات عديدة في المجتمع لم تقبل استخدام أسلوب تنظيم الدورة الشهرية، وخاصة المجموعات الدينية وبعض المجموعات العرقية.
وفي عام ۱۹۸۲، كانت هناك ثلاث أساليب أساسية تستخدم لتنظيم الدورة الشهرية في أندونيسيا: التفريغ بالشفط، والكحت عن طريق الشفط، والحقن بمحلول ملحي عالي التركيز(5). ومؤخرًا، أصبح التفريغ بالشفط أكثر الوسائل استخدامًا، وخاصة في المدن الكبرى، وكانتا المخاطر التي تمت الإفادة عنها محدودة.
أصبح واضحًا في الثمانينات أن معدلات الإجهاض المتعفن (التهابات ميكروبية) تتناقص عندما تتوفر خدمات تنظيم الدورة الشهرية. وعندما لا تقدم المستشفى أو العيادة خدمات تنظيم الدورة الشهرية، تميل حالات الإجهاض المتعفن إلى الزيادة(9). وعلى الرغم من هذا الدليل، ظل القانون كما هو حتى عام 1992. ويرجع ذلك، كما أشار أحد أطباء أمراض النساء المشهورين إلا أن الإجهاض إجراء طبي مهم، فإن تكلفته النفسية عالية. وعلى الرغم من التغيرات التي طرأت على السلوكيات القانونية، فإن سلوكيات الناس بشكل عام، وسلوكيات النساء والأطباء، لا تتغير على نحو تلقائي. ما يزال هناك كثيرون لا يرغبون في توريط أنفسهم في هذه الخدمة الصحية الجيدة(8).
كان عدد سكان جاكارتا حوالي سبعة ملايين في عام 1989. وكانت هناك 224 عيادة لمتابعة الحمل والولادة، تقدم للنساء الرعاية أثناء الحمل وعند الولادة والمساعدة في حالة الإجهاض التلقائي وغيره من مشكلات الحمل التي يحدث فيها نزيف. كما تقدم بعض هذه العيادات أيضًا المساعدة للنساء الراغبات في إجراء الإجهاض.
كما بلغ عدد عيادات تنظيم الأسرة 492 عيادة، بعضها داخل عيادات متابعة الحمل والولادة، والبعض الآخر داخل عيادات صحة الأم والطفل أو المراكز الصحية، على حين كان يوجد بعض منها في أماكن منفصلة عن تلك العيادات. هناك رادن صالح، وهي عيادة متخصصة للبحث والتدريب في مجال تنظيم الأسرة تابعة لكلية الطب بجامعة أندونيسيا، وكانت تساعد أيضًا كلا من النساء المتزوجات وغير المتزوجات على حل مشكلة الحمل غير المرغوب فيه. أما عيادة ويسما بانكاوارجا، التبابعة للجمعية الأندونيسية للوالدية الخططة، فكانت تقدم المساعدة إلى النساء العقيمات والنساء اللاتي لديهن حمل غير مرغوب فيه ( في الغالب عن طريق تنظيم الدورة الشهرية)، علاوة على عن تقديم خدمات تنظيم الأسرة.
يوجد في جاكارتا ٥٢٩ عيادة لصحة الأم والطفل ٣٣٤ مركزًا صحيًا، و ٣٠ مركزًا صحياً خاصاً، و٣١ وحدة صحية متنقلة، و٥٤٤٦ مكتبًا صحيًا يضم موظفين من المتطوعين. وكان يمكن إحالة النساء إلى إحدى المنشآت التي تقدم المساعدة على الإجهاض من بين تلك العيادات والمراكز الصحية إذا كان العاملون متعاطفون مع المرأة.
ينبغي أن تحصل المرأة الراغبة في إنهاء الحمل – عادة عن طريق تنظيم الدورة الشهرية – على خطاب إحالة المستشفى من طبيبها، ونتائج تحليل الحمل، وموافقة زوجها إذا كانت متزوجة أو موافقة والديها أن لم تكن متزوجة، وتصريح يشير إلى رغبتها في استخدام موانع الحمل بعد ذلك. وقد أفادت التقارير المقدمة في منتصف عام ۱۹۹۱ بأن العيادات تطلب مبلغًا يتراوح من ألف روبية إلى ألف روبية (حوالي – دولار أمريكي) نظير تقديم خدمة تنظيم الدورة الشهرية.
وفي واقع الأمر، ما تزال غالبية النساء ترتاد العيادات غير القانونية المعروفة سرًا، أو يذهبن إلى الممارسين التقليديين.
الدراسة
لقد أجرينا مقابلات مع مجموعة مختارة من الممارسين العاملين، وأطباء أمراض النساء، وممرضات التوليد، والدايات التقليديات، والعاملين في تنظيم الأسرة – يعمل جميعهم في بلدية جاكارتا وكلهم مسلمون (١٠). ينتمي أفراد العينة المختارة إلى خمس جماعات عرقية مختلفة، لكن أغلبهم من جافا. من مجموع ۱۲ طبيبة أمراض نساء في جاكارتا عام ۱۹۹۰، تحدثنا مع ۱۱ طبيبة (١١). جدول رقم (1)
كان المستجيبون أما معروفين شخصيًا لنا أو اختارهم الممارسون العاملون أو أطباء أمراض النساء الذين اتصلنا بهم في جاكارتا.
الجدول رقم (1)
المستجيبون |
إناث |
ذكور |
المجموع |
ممارس عام |
7 |
7 |
14 |
طبيب أمراض نساء |
7 |
7 |
14 |
ممرضة توليد |
16 |
صفر |
16 |
داية تقليدية |
16 |
صفر |
16 |
العاملون الميدانيون في مجال تنظيم الأسرة |
8 |
8 |
16 |
المجموع |
54 |
22 |
76 |
لم تكن المجموعة عينة تمثيلية، ولكن تم اختيارهم لأنهم كانوا في وضع يجعل في إمكانهم تقديم المساعدة أو النصح للنساء اللاتي تعرضن للإجهاض أو يسعين إليه، ولأنهم كانوا على دراية واسعة بالإجهاض وبالتالي يمكنهم إعطاء مؤشر على السلوكيات السائدة بين المؤثرين في هذا المجال.
جرت المقابلات الفردية خلال فترة امتدت ٦ شهور، بدءًا من أكتوبر ۱۹۹۰، مع استمرار المتابعة في أبريل ۱۹۹۱ بالمستشفيات العامة ومستشفيات متابعة الحمل والولادة، والمراكز الصحية، والعيادات الصحية التي كانوا يعملون بها. كما جرت بعض المقابلات القليلة في مكاتبهم الخاصة أو منازلهم. استخدمنا دليل مقابلات يضم قائمة من الموضوعات ويرتكز على إطار مفهومي، لكن صياغة الأسئلة التي وجهناها في المقابلات لم تكن واحدة دائمًا وإنما اعتمدت على طرفي المقابلة.
تحصل المولدات في أندونيسيا على تدريب مدته سنين في مجال التوليد ويعملن أساسًا في عيادات متابعة الحمل والولادة، وفي المراكز الصحية والمستشفيات العامة، أو يعملن من منازلهن. تذهب المريضة إلى إحدى تلك المنشآت للحصول على رعاية قبل وأثناء الحمل، وفي حالات الولادة الطبيعية، وللحصول على خدمات تنظيم الأسرة، وأحيانًا لإنهاء الحمل.
تقوم الدايات التقليديات بأكثر من ٨٠% من الولادات في أندونوسيان خاصة في القرى، وينظر إليهن المجتمع المحلي باعتبار كبير. كانت أعمار أغلب المستجيبات من الدايات التقليديات تتراوح بين ٥٠ و ٦٠ سنة، حيث أصغرهن تبلغ من العمر ٤٠ سنة وأكبرهن تبلغ ٨٣ سنة. تعيش الدايات التقليديات في ضواحي جاكارتا أو في المناطق الفقيرة المكتظة بالسكان، وهو نفس الجوار الذي تعيش فيه مريضاتهن. حصلت خمسة منهن على دورة تدريب للدايات التقليديات. ترددت بعضهن في مناقشة موضوع الإجهاض، وربما يرجع ذلك لأنهن أكبر سنًا وغير متعلمات، فضلاً عن النظرة الشعبية إليهن بوصفهن مستعدات لإجراء الإجهاض.
يحضر العاملون في برامج تنظيم الأسرة. دورة تدريبية مدتها ثلاثة أسابيع، ويحصلون أحيانًا على التدريب الذي تحصل عليه ممرضات التوليد.يعتبر هؤلاء العاملون المحرك الأساسي لبرامج تنظيم الأسرة ومستشاريه. وبهذه الصفة يقومون بزيارة منازل المتزوجين، ويعقدون الأنشطة اجتماعات مع قادة المجتمع ويشاركون في الأنشطة الاجتماعية والدينية، حيث يقدمون معلومات حول تنظيم الأسرة تكمن مهمة العاملين في تنظيم الأسرة في الدفاع عن استخدام اللولب والكبسولات المستزرعة، وحقن منع الحمل، باعتبارها موانع للحمل جديرة بالثقة. ويمكن أن تحصل المرأة على هذه الوسائل من العيادات أو مكاتب الصحة.
كما أن العاملين في تنظيم الأسرة، بوصفهم مستشارين يتابعون النساء اللاتي يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة، ويحثونهن على إجراء كشوف دورية. وعلاوة على ذلك، يستمع العاملون في تنظيم الأسرة، خلال الزيارات المنزلية، إلى أي شكاوى حول الآثار الجانبية المترتبة على وسائل منع الحمل، أو لحدوث حالات الحمل نتيجة لفشل موانع الحمل. ولأن الناس يتوقعون من هؤلاء للعاملين أن يقوموا بحل تلك المشكلات، خاصة عند فشل موانع الحمل، فإنهم أول من تلجأ إليه المرأة التي لا تريد الاستمرار في الحمل. وفي تلك الحالات تتم إحالة المرأة التي تشعر بآثار جانبية من استخدام موانع الحمل، أو لم تنجح معها تلك الوسائل، إلى مركز صحي حيث يتم فحصها وعلاجها أو إحالتها إلى مستشفى عند الضرورة.
أنهى أربعة عشر من العاملين في تنظيم الأسرة الذين شملتهم عينة البحث تعليمهم الثانوي ومدرسة التمريض، على حين حصل الاثنان الآخران على ٩ سنوات من التعليم المدرسي.
وعلاوة على ذلك، استشرنا إثنين من رجال الدين المسلمين وثلاثة محامين من مؤسسات المساعدة القانونية، وواحد من كبار المسئولين بمجلس التنسيق القومي لتنظيم الأسرة، واثنين من أطباء علم النفس، وواحد من أعضاء البرلمان، وأحد المحررين في مجلة نسائية معروفة، وأحد كبار المسئولين من المكتب المركزي للإحصاءات، وعضو في هيئة الرابطة الأندونيسية للوالدية المخططة، وعضو في منظمة غير حكومية أخرى، وقد توجهنا إليهم لأنهم على دراية جيدة أيضًا بالموضوع.
لقد بدا واضحًا أن الدين هو أقوى العوامل التي تؤثر على آراء مقدمي الرعاية الصحية حول الإجهاض. وعلى حين يصدق ذلك بوجه خاص بالنسبة للدايات التقليديات والعاملين في تنظيم الأسرة، فإن عددًا كبيرًا من الحكيمات المدربات والممارسين العاميين وأطباء أمراض النساء اتفق على الرأي القائل بأن الإجهاض خطيئة. وقد أشار أغلبهم إلى أن الإسلام يطرح نفخ الروح في الجنين بعد مرور ١٢٠ يومًا من الحمل، حتى وإن كانت هناك حياة بالمعنى البيولوجي قبل ذلك. وعلى هذا الأساس، رأي أغلب المستجيبين أن أسلوب تنظيم الدورة الشهرية ليس إجهاضًا، وربما قد ساعد ذلك على التغلب على أي تناقض يمكن أن يكونوا – خلاف ذلك – قد شعروا به.
وقد أكد أحد القادة الإسلاميين البارزين هذا الفهم للإسلام حول هذه القضية. لكنه أشار، مع ذلك، إلى وجود مدارس فكرية مختلفة في الإسلام. فالمذهب الحنفي يتسامح مع إنهاء الحمل إذا ما تم قبل مرور ١٢٠ يومًا، في حين يرفض المذهب الشافعي هذا الرأي، وهو المذهب السائد في أندونيسيا. ولهذا نجد أن أغلب القيادات الدينية في أندونيسيا تعتبر الإجهاض خطيئة كبرى.
ومع ذلك، فقد أبدى بعض مقدمي الرعاية الصحية – الذين أعربوا عن آرائهم المعادية للإجهاض لأسباب دينية – استعدادهم للتسامح ودعم النساء الراغبات في عمليات إجهاض مبكرة، بل واستعدادهم في بعض الحالات إلى إحالة النساء للعيادة أو المستشفى لإجراء الإجهاض، أو حتى لإجرائه بأنفسهم وبهذا الصدد، نجد أن الأسباب التي أوردها مقدمو الخدمة في القطاع الرسمي تختلف أحيانًا عن الأسباب التي قدمتها الدايات والعاملون في تنظيم الأسرة.
وافق تقريبًا جميع أطباء أمراض النساء والممارسين العاميين والمولدات المدربات على إجراء الإجهاض لأسباب طبية إذا ما قام به طبيب أمراض نساء. وأبرز كثيرون منهم ضرورة أن يؤيد اثنان على الأقل من أطباء أمراض النساء صحة الأسباب الداعية إلى الإجهاض. أما في حالات الاغتصاب، فيرى أطباء أمراض النساء ضرورة إشراك طبيب الأمراض النفسية في الموضوع. ويرى الأطباء أن أغلب زملائهم لديهم نفس الآراء. وقالت بعض الحكيمات نفس الشيء حول موقف زميلاتهن، وأضافت أنه من الأفضل ألا يزيد عمر الحمل عن أسبوعين.
وافق ثلاثة من أطباء أمراض النساء على الإجهاض دون شروط. وعبرت طبيبة أمراض نساء واحدة فقط عن عدم موافقتها، لكنه كان رفضًا مترددًا أكثر منه رفضًا صريحًا. وقالت طبيبة أخرى أنها في بداية عملها كانت ضد الإجهاض بقوة، لكن الخبرة والمشكلات العديدة التي واجهت مريضاتها قد غيرت تمامًا من موقفها، وهي الآن مستعدة لإجراء عملية إجهاض إذا لم تكن الدورة الشهرية للمريضة قد تأخرت لأكثر من أسبوعين، وخاصة عندما تكون المسألة متعلقة بفتاة مراهقة أصبحت حاملاً بدون زواج، ولكن بعد التشاور مع طبيب أمراض نفسية. أنها تحاول أولاً إقناع الفتاة بالزواج، لكنها تستخدم تنظيم الدورة الشهرية إذا أصرت الفتاة على موقفها.
كما أشار مقدمو الخدمات الصحية بالقطاع الرسمي إلى أهمية تأثير القانون وميثاق الأخلاقيات الطبية على تفكيرهم.
كان أغلب أطباء أمراض النساء يفضلون إصلاح القوانين الحالية المتعلقة بالإجهاض بما يتفق وموقف الرابطة الاندونيسية للمولدات وأطباء أمراض النساء. وذهب بعض الممارسين العاميين إلى الرأي القائل بضرورة إعادة صياغة القوانين والقواعد عن طريق مجموعة من المتخصصين في مجالات الصحة والعلوم الاجتماعية والدين، وغيرها من الميادين ذات الصلة. وقد أصرت أحدى الحكيمات على ضرورة أن يحمي القانون الأطباء الذين يقدمون على عمل إجهاض تبرره الضرورة الطبية. أغلب العاملين في تنظيم الأسرة لم يكونوا متأكدين من نص القانون، لكنهم اعتقدوا أنه يحظر الإجهاض. قال آخرون أن وجود قانون يعني ضرورة احترامه. وهناك فقط عدد قليل من الدايات التقليديات كن على علم بأن الإجهاض غير قانوني.
وعلاوة على الأسباب الطبية لإجراء الإجهاض، قال اثنان فقط من الممارسين العامين أنهما يمكن أن يحيلا امرأة إلى المستشفى أو العيادة في حالة فشل موانع الحمل، على حين اعتبر أغلب أطباء أمراض النساء والمولدات والعاملين في تنظيم الأسرة أن فشل موانع الحمل سببًا صحيحًا للإجهاض. وقد شعر العاملون في تنظيم الأسرة بوجه خاص أنهم مسئولون عن النساء اللاتي مررن بتجربة فشل موانع الحمل، وأجازوا جميعهم الإجهاض بناء على هذه الأسس. ويبدو واضحًا أن مجلس التنسيق القومي لتنظيم الأسرة سوف يتولى النفقات في حالة فشل موانع الحمل. ومع ذلك، فإن مهمة العاملين في تنظيم الأسرة، في المقام الأول، هي محاولة إقناع المرأة بمواصلة حملها إذا جاءت نتيجة اختبار الحمل ايجابية.
كما ذكرت غالبية الحكيمات والعاملون في تنظيم الأسرة والدايات أسبابًا أخرى يرون أنها صحيحة لإجراء الإجهاض عندما تكون المرأة فقيرة وليس بوسعها أن تتكفل بنفقات المزيد من الأطفال، أو لحماية أطفالها الحاليين إذا كان وجود طفل آخر سوف يتسبب في مصاعب، وأيضًا إذا كانت المرأة تعاني من ظروف صحية سيئة، أو حملت مرات عديدة على فترات متقاربة. وقد عبر أحد العاملين في تنظيم الأسرة عن قلقه من إمكانية تعرض الطفل الرضيع للإهمال إذا جاء نتيجة حمل غير مرغوب فيه.
ستة فقط من أطباء أمراض النساء قالوا أنهم مستعدون لأداء عمليات الإجهاض، شريطة إلا تزيد مدة الحمل عن أسبوعين، وإن تكون الوسيلة المستخدمة في الإجهاض هي تنظيم الدورة الشهرية. وقالت أربعة طبيبات أخريات أنهن سيحلن المرأة إلى شخص آخر، وواحدة منهن قالت أنها قد تقوم على نحو استثنائي بإجراء الإجهاض بنفسها إذا كانت هناك أسباب صحية ولم يتوفر أي طبيب آخر. أما الأطباء الثلاثة الباقون، فقد أبدوا عدم استعدادهم لإحالة المرأة، على الرغم من موافقتهم على الإجهاض لأسباب طبية.
يرى جميع الممارسين العامين والحكيمات أنهم غير مؤهلين لأداء عملية الإجهاض، وقالت بعض الحكيمات أنهن لا يرغبن في هذه المخاطرة. لكن الغالبية كانت على استعداد لإحالة النساء إلى طبيب أمراض نساء أو للعيادة. أما الحكيمات الرافضات تمامًا للإجهاض، فقد عبرن عن عدم رغبتهن حتى في إحالة المرأة إلى الطبيب أو العيادة لأن ذلك يجعلهن مشاركات في عمل يحظره الدين. وهناك طبيبة واحدة فقط قالت أنها لن تأخذ في اعتبارها حتى مسألة الإحالة إلى المستشفى.
بعض الحكيمات قمن بمساعدة أطباء أمراض النساء في عملية الإجهاض، على الرغم من رفضهن للإجهاض، لكنهن قمن بذلك لأسباب اقتصادية في الأساس. وفي بعض الأحيان، كان العاملون في تنظيم الأسرة يصطحبون النساء إلى العيادة لإجراء الإجهاض، لكن بعضهم كان يشعر بعدم الراحة إزاء ذلك.
أفاد كثير من الممارسين العامين والعاملين في تنظيم الأسرة وممرضات التوليد أنهم عادة يحاولون تقديم النصح للمرأة بالعدول عن طلبها بالإجهاض، لكنهم يحيلونها إلى أحدى العيادات في حالة إصرارها. ويبدو أن ستة من العاملين في تنظيم الأسرة أبلغوا النساء بإمكانية فشل الإجهاض، بالتالي اقتنعت هؤلاء النسوة بالاستمرار في الحمل.
وصف كثير من القائمين على تقديم الرعاية الصحية، وخاصة الدايات، مما تتعرض له المرأة من نبذ اجتماعي إذا حملت دون أن تكون متزوجة. وقد شعر عديد من أطباء أمراض النساء والممارسين العامين أن العائلات لا تهتم بالقانون فيمثل هذه الحالات، إذ ينصب اهتمامهم الوحيد على حماية سمعة الفتاة والأسرة. وفي تلك الحالات، عندما لا تمثل النقود أحدى الاعتبارات، يعتقد مقدمو الرعاية الصحية أن الأسرة تتمكن دائمًا من إيجاد شخص ما لأداء الإجهاض. لكن الممارسين العامين أفادوا أيضًا أن بعض الآباء يفضلون الاستعانة بالنقود لإجراء عملية الإجهاض بدلاً من تزويج بناتهم، هو الأمر الذي يعتبر باهظ التكلفة.
أفادت نصف الدايات التقليديات أنهن يمكن أن يقمن بإجراء الإجهاض، بمن فيهن ثلاثة وافقن، واحدة رفضت وأربعة كانت آراؤهن ملتبسة. هناك خمسة أخريات كانت لديهن آراء دينية صارمة، ورفضن إجراء الإجهاض. وقد أفادت أربعة منهن أنهن يرفضن حتى مساعدة المرأة التي تأتي إليهن طالبة العون بعد إجراء إجهاض غير متقن.
وعلى الرغم من أن أغلب الدايات التقليديات لم يعلقن على ممارسة زميلاتهن، أفادت ثلاثة منهن أن زميلاتهن الدايات التقليديات وافقن على الإجهاض، وأشارت إحداهن إلى أن البعض قد مارسنه، وقالت أخرى أنهن مارسنه سرًا.
لقد توقعنا أن نجد اختلافات في الردود بناء على الجنس والعمر والأصل العرقي داخل كل فئة من الفئات الأربعة لمقدمي الخدمة. لكن ذلك لم يحدث، وربما يكون السبب هو وجود جوانب تشابه في التدريب المهني، ماعدا بالنسبة للدايات، وبسبب بيئة المدينة الكبرى.
أن قبول – أن لم تكن موافقة – غالبية المستجيبات من القطاع الرسمي على أسلوب تنظيم الدورة الشهرية كان مرتكزًا على خبرتهن في الإجهاض غير الآمن، ومعرفتهن بأوضاع النساء واحتياجاتهن، وبأسرهن، وبأطفالهن الموجودين. أن استعداد كثيرات منهن لتقديم المساعدة لامرأة تطلب إنهاء الحمل كان، في نهاية المطاف، أمرًا عمليًا – فمن الأفضل مساعدة امرأة عن تركها تذهب إلى شخص غير مؤهل. وعلى خلاف ذلك، سوف تأتي المرأة بعد إجراء الإجهاض، وعادة ما تكون في حالة حرجة وتعاني من عواقب جسيمة.
بناء عليه، تطرح دراستنا أن كثيرين من مقدمي الرعاية الصحية في القطاع الرسمي، الذين ينخرطون في الخدمات المتعلقة بالإجهاض، يقبلون استخدام تنظيم الدورة الشهرية في بداية الحمل، رغم أنه غير مقبول من الجميع وليس بدون شروط عديدة. ومع معرفة هذه الحدود، تظل الدايات التقليديات يلعبن دورًا مركزيًا في العناية بالنساء اللاتي لا يساعدهن القطاع الرسمي، مع وجود العديد من العواقب والآثار السلبية.
ومن ناحية، كما لاحظ في عام ۱۹۹۰ طبيب أمراض نفسية يقدم خدمات تنظيم الدورة الشهرية في عيادة ويسما بانكا وارجا في جاكارتا: “……… لقد استطاعت مهنة الطب تأمين خدمات إنهاء الحمل بشكل آمن، وبطريقة مقبولة من الحكومة والمجتمع، حتى على الرغم من أن النص الحرفي للقانون يقضي بعدم قانونية هذه الممارسات” (١٢).
ومع ذلك، يظل الإجهاض، من الناحية الأخرى، في حالة فراغ قانوني لا يمكن أن يتغلب عليه الإمداد المحدود بخدمات تنظيم الدورة الشهرية. ولهذا، فمن الضروري توفير الخدمات الآمنة إلى جميع النساء اللاتي يطلبن إنهاء الحمل في أندونيسيا، وفي نفس الوقت حماية مقدمي الخدمات من العواقب القانونية المحتملة. ومع معرفة أهمية القانون في دعم الممارسة الآمنة، ومن أجل الوصول “الأمومة الآمنة” و “الكينونة النسائية الآمنة” (۱۳)، ما تزال الحاجة قائمة إلى تغيير القانون وصدور توجيهات من أعلى.
بنهاية عام ۱۹۹۱، تم تقديم قانون حول الصحة إلى البرلمان، وكان يضم مادة تتعلق بالإجهاض. استمرت النقاشات وجلسات الاستماع بشأن مشروع القانون حتى عام ۱۹۹۲. وقد أعطت تصريحات أعضاء البرلمان المعادين للإجهاض بقوة – كما جاء في وسائل الإعلام – انطباعًا بأنه لا يمكن قبول الإجهاض إلا على أساس مبررات طبية فقط، أي في الحالات الطارئة عندما تتعرض صحة المرأة أو حياتها للخطر.
وعندما أصبح مضمون القانون معروفًا، أفادت التقارير بأن رجال الدين أدلوا بتصريحات قوية ضد الإجهاض. في النصف الثاني من ديسمبر ۱۹۹۱، أعد رئيس أساقفة جاكارتا رسالة لأبناء ابراشيته، وتمت قراءتها علانية في جميع كنائس جاكارتا. قال فيها أن الكاثوليك الذين يتورطون في الإجهاض سوف يحرمون تلقائيًا من الكنيسة (14). أما رئيس مجلس العلماء المسلمين في أندونيسيا، فقد أكد أن الإجهاض غير مقبول في أي مرحلة من مراحل الحمل على الرغم من إمكانية التسامح مع الحالات الطارئة لإنقاذ حياة الأم (١٥).
عندما تحدثنا إلى إحدى النائبات في البرلمان، قالت أن الإجهاض قضية حساسة جدًا بحيث لا يجرؤ أي من أعضاء البرلمان على التصريح بأي شيء يمكنان يعتبر مؤيدًا للإجهاض. وقالت اثنان من النساء البارزات المنتميات إلى مؤسسات المساعدة القانونية أنهن يفضلن، لأسباب دينية، أن تحتفظ النساء والمراهقات بأطفالهن. وكان اهتمامهن منصبًا على الوضع القانوني للأطفال المولودين من نساء غير متزوجات.
ومن ناحية أخرى، فإن مسؤول من مجلس التنسيق القومي لتنظيم الأسرة عبر عن اعتقاده بوجود وعي أكبر بالمشكلات التي يسببها فشل موانع الحمل. وفي تقديره أن الإقرار بوجود ظاهرة الإجهاض العمدي ونقاشها بدلاً من تجاهلها يمثل تطورًا مهمًا.
وقد أفاد مؤخرًا فيصل مويلويك – وهو طبيب أمراض نساء مشهور – أن طلبات أجراء إجهاض لأسباب اقتصادية واجتماعية وسيكولوجية قد أخذت تصبح أكثر شيوعًا. ومثله مثل الآخرين، كان يعزو ذلك إلى التغيرات الحادثة في المجتمع، مثل ازدياد التعليم وتغير أدوار النساء، وتغير العلاقات بين المراهقين والمراهقات، وكذلك التغير في وجهات النظر بشأن العدد المرغوب من الأطفال. ويرى ضرورة إجراء الإجهاض بصورة آمنة عن طريق المتخصصين، إي الأطباء وأطباء أمراض النساء، ويضيف أن التقدم الكبير على الصعيد التكنولوجي يجعل ذلك ممكنًا. كما يعتقد أن الطلبات التي تتقدم بها النساء من أجل إجراء الإجهاض يجب دراستها حالة بحالة، لكنه من زاوية أخرى يوضح أن عدم وجود حماية قانونية للأطباء ستجعلهم يترددون في مساعدة النساء، ومن ثم يجبروهن على استمرار اللجوء ممارسين غير مؤهلين (١٥).
استمرت المداولات في البرلمان طوال عام ۱۹۹۲، وانتقلت إلى وسائل الإعلام. وتركز الاهتمام في الأساس على المادة المتعلقة بالإجهاض. دارت المناقشات وصدرت تصريحات من جانب العاملين في مجال الصحة، وخاصة أطباء أمراض النساء، والقانونيين والجماعات النسائية. انتقدت مجموعة من النساء الشابات المهتمات بالصحة الإنجابية القسم الخاص بصحة الأسرة، وهو القسم الذي يضم المادة المتعلقة بالإجهاض، ذلك أنها تشير إلى النساء بوصفهن زوجات فحسب، وهو الأمر الذي جادلن أنه يتجاهل حقيقة أن النساء غير المتزوجات لديهن أيضًا مشكلات في مجال الصحة الإنجابية.
وفي سبتمبر ۱۹۹۲، أصدر رئيس أندونيسيا قانون الصحة الجديد رسميًا(١٦) ومما يثير الاهتمام في المادة التي تتناول موضوع الإجهاض (۱۷) أن مصطلح “إجهاض” لا يظهر على الإطلاق، مما يشير إلى استمرار حساسية الموضوع. وبدلاً من ذكر مصطلح “إجهاض” يتم استخدام عبارة “إجراء طبي معين“. ونقدم فيما يلي ترجمة غير رسمية لهذه المادة:
1- في الحالات الطارئة، ومن أجل إنقاذ حياة المرأة الحامل أو حياة الطفل، يمكن عمل إجراء طبي معين.
٢– لا يجب عمل الإجراء الطبي المذكور إلا في ظل الشروط التالية:
– على أساس مؤشرات طبية تجيز أداءه:
– أن يتم عن طريق أحد العاملين المؤهلين في مجال الصحة، ولديه تصريح بالقيام بذلك، ويتم بأسلوب مهني مسئول، كما ينبغي أن يصدق عليها أي المؤشرات الطبية، فريق من الخبراء:
– وجود موافقة من المرأة الحامل المعنية أو زوجها، أو أسرتها:
– يتم إجراؤه في منشأة صحية متخصصة.
3- وللإطلاع على مزيد من التفاصيل حول هذه القواعد، سوف تقوم الحكومة بإصدار لائحة تنفيذية (١٨).
لقد أدى غموض هذه الصياغة فورًا إلى تفجر جدل حول ما تعنيه وما لا تعنيه. جادل بعض الساسة ورجال الدين والمحامين أن هذه المادة لا تغير على نحو تلقائي الوضع القانوني للإجهاض، ذلك أنها لا تلغي القانون الحالي بل جادلوا حتى أن عبارة “إجراء طبي معين” يمكن أن تعني أي شيء ما عدا الإجهاض، كذلك، لم تتمكن الندوة التي نظمها “معهد تطوير القانون” في نوفمبر ۱۹۹۲ أن تصل إلى اتفاق حول هذه المسألة.
وفي بداية ديسمبر۱۹۹۲، أصدرت وزارة الصحة بيانًا – وأن لم يكن صادرًا مباشرة عن وزير الصحة – جاء فيه أن هذه المادة مقصود بها تحديدًا تنظيم ممارسة الإجهاض في البلد، على أنها يمكن أن تشمل أيضًا إجراءات طبية أخرى (18)
وكما أشارت ردود الأفعال، وخاصة من جانب القائمين على تقديم الرعاية الصحية، لم يحل القانون الجديد المشكلة، وخاصة من وجهة النظر القانونية، وهو القانون الذي تم انتظاره منذ بداية الستينات. أن الغموض الذي يكتنف صياغته، فضلاً عن عدم اتساق المادة ذاتها وتفسيراتها المختلفة، قد أدى إلى تفجر مناقشات ساخنة، أضافت إلى الخلاف بدلاً من أن تسهم في توضيح القضية (19) على الأقل على المدى القصير.
وفي غضون ذلك، تزايدت إعداد “الحوادث غير المقصودة” والحمل غير المرغوب. ودون شك، فإن إحدى الخطوات المطلوب اتخاذها فورًا هي زيادة الجهود لتوفير التثقيف الجنسي، والتوعية بشأن عواقب السلوك الجنسي للشباب والشابات. كما ينبغي أن يعي المجتمع المخاطر الصحية التي تواجهها النساء عندما يؤدين الدور الاجتماعي المطلوب منهن كحاملات للأجيال القادمة، وفي نفس الوقت مطلوب منهن الحد من عدد أطفالهن. أن المنظمات غير الحكومية، خاصة المعنية بالصحة الإنجابية للمرأة. إضافة إلى مختلف وسائل الإعلام، تعتبر هيئات مناسبة للاضطلاع بهذه الجهود.
وفي نفس الوقت يبدو أن هناك احتياج إلى توجيهات أخرى من الحكومة والمهن الطبية والقانونية لتوضيح كيفية تنفيذ القانون الجديد، ويبقى أن نرى كيف سيكون التحسين من أجل النساء.
ملحوظة
هذه الورقة البحثية موجزًا لتقرير كامل بنفس العنوان صدر في بداية عام ۱۹۹۲. وقد أضافت كاتبات المقال المعلومات التي وردت حول تطور الأحداث منذ فبراير ١٩٩٢. ويود الفريق البحثي أن يتوجه بالتقدير إلى التعاون الذي أبداه المستجيبون في المقابلات التي أجريت لهذه الدراسة. وقد حصلت الدراسة على دعم من “وحدة بحوث العلوم الاجتماعية“، و “البرنامج البحثي المتخصص“، و “تدريب التنمية والبحث في مجال الإنجاب البشري“، و“منظمة الصحة العالمية“. ونحن ننشر هذه الورقة البحثية هنا بموافقتهم الكريمة.
1- Rahardjo, Julfita, 1990. Jamu peluntur:
traditional medicine for menstruation
regulation and abortion in Indonesia. Paper
presented to 3rd International Congress in
Traditional Asian Medical Systems, Bombay,
4-7 January.
2- Aborsi. Femina. 15April 1986:33.
3- Widyantoro, Ninuk, 1989. Enhancing the
quality of women’s reproductive health care:
An experimental approch in Indonesia. Paper
presented to Popualtion Association of
America Annual Meeting, Baltimore, 30
March- 1 April.
4- The State of the World’s Children. UNICEE,
1991.
5- Utomo, Budi et al, 1982. Abortion in
Indonesia: A review of the literature. Faculty
of Public Health, University of Indonesia,
Jakarta. 28-3 1.
6- Laporan Lengkap Symposium Abortus 1964
(Final report of the 1964 symposium on
abortion). Hoo Swie Tjoing (ed). Department
of Health, Jakarta, 1966. Quoted in Widyantoro et al, [12] below.
7- Jatipura, S et al, 1978. Abortion in hospitals
and maternity hospitals in Jakarta 1972-1975.
Faculty of Puplic Health. University of
Indonesia, Jakarta. Quoted in Samil, [8] below.
8- Samil, RS, 1989. Commentary on menstrual
regulation as a health service: challenges in
Indonesia. International Journal of Gynecology
and Obstetrics: (Supplement): 29-33.
9- Moeloek, F A et al. 1988. The relation between menstrual regulation service and the incidence of sepltic abotions in Indonesia.
Paper presented at Christopher Tiete International Symposium on Women’s Health in the Third World: the Impact of Unwanted Pregnancy, Rio de Janeiro, 29-30 October.
10- About 85 per cent of the population of
Jakarta is Muslim.
11- From a list of 200 gynaecologists obtained
from the Jakarts chapter of the Indonesian Association of obstetricinas
Gynaecologists, 1990.
12- Widyantoro, Ninuk et al, 1990. Induced
abortion: The Indonesian experience. Paper
presented to Popualtion Association of
America Annual Meeting, Toronto. 3-5 May
1990.
13- Hull, Terence H, 1990. Safe womanhood: a critique of the safe motherhood initiative in public health. In Materi Sidang Pleno (plenary papers). 3rd Annual Meeting. National Epidemiological Network. Bandung, 26-30 November.
14- Surat gembala dari Jakarta. Tempo, 21
December 1991.
15- Sebuah usul tentang aorsi. Tempo, 15
February 1992.
16- Health Law No. 23, 1992 (Undang-
Undang Republik Indonesia Nomor 23 Tahun
1992 tentang Kesehatan) which replaced
Health Law No. 9, 1960.
17- Article 15, chapter on Family Health.
18- Mohamad, Kartono, 1993. Taking risks to
save lives and health. Planned Parenthood
challenges. 1:34-35.
19- For an analysis of Article 15, see also:
Hull, Terence H et al, 1993. Induced abortion
in Indonesia. Studies in Family Planning,
24(4): 241-51.