عندما تفكر في الملاكمة و الملاكمة التايلاندية ، فإن أول شيء تتخيله هو رجل ضخم يرتدي سروالاً وزوجًا من قفازات الملاكمة ايفرلاست. لحيته نامية ووجهه بالكاد سليم – نتيجة لعديد من المعارك الدموية. اليوم، وهنا في السودان، هناك امرأة تغير وجه الملاكمة ببطء – وهي آية عوض. بصفتها أول مدربة للملاكمة التايلاندية على الإطلاق في هذا البلد الذي يهيمن عليه الذكور والرياضة التي يهيمن عليها الذكور. تحكي لنا هنا رحلتها ومنظورها الفريد عن قصة شغف ومثابرة وثورة.
حديثني قليلا عن مركز المقاتل للتدريب.آية: المقاتل هو مركز تدريب أسسه المدرب محمد المنير الذي أكمل تدريبه في فنون الدفاع عن النفس في الولايات المتحدة وقرر العودة إلى السودان لنشر هذه الرياضة. كانت مهمته هي الترويج لفنون الدفاع عن النفس في السودان، وبطبيعة الحال إنضم إلى نوادي الملاكمة هنا. عندما لم يجد ما كان يبحث عنه، افتتح صالة الألعاب الرياضية الخاصة به وهذه هي الطريقة التي ولد بها مركز المقاتل. في البداية كان للرجال فقط، لأنه في ذلك الوقت كنا في ظل حكم البشير وقانون النظام العام، و لكن كانت النساء تتدربن سراً. كانت العضوية في ذلك الوقت قليلة للنساء، ولكن الآن بعد أن أصبح مفتوحًا للجمهور، انضمت إليه الكثير من النساء.
معلومة : سيبلغ عمر مركز المقاتل 5 سنوات في شهر نوفمبر، وعلى الرغم من أنه أحدث مركز تدريب، إلا أنه الأكثر نجاحًا.
ما الذي جعلكِ تلجئين إلى التدريب البدني؟
آية: شخصياً أشعر أنه من الرائع أن تكون قادرًا على ممارسة قوتك ومقاومتك. هناك شيء من التمكين في الحصول على تلك المعرفة في حالة ظهور موقف ما، فأنت ستعرف كيف تدافع عن نفسك، لذلك ذهبت إلى مركز المقاتل لأتحسن جسديًا وعقليًا. لقد كان الوضع صعبًا للغاية بالنسبة لي ولجميع الأشخاص، خصوصا قبل الثورة في السودان. كانت التمارين بالنسبة لي دائمًا منفذًا وحتى الرياضة بشكل عام كانت علاجية بالنسبة لي. هذه هي الطريقة التي انضممت بها بعد أن وجدت إعلان ملاكمة على فيسبوك. في ذلك الوقت، أردت فقط أن أصبح قويًة جسديًا. كنت مهتمة بـ الجوجتسو و الفنون القتالية المختلطة وأشياء لم أسمع بها من قبل. بدأنا بجلستين فقط في الأسبوع، ولم أكن أستطع الانتظار حتى يأتي هذان اليومان. أعتقد أنني انتهى بي المطاف بالوقوع في حب هذه الرياضة. في النهاية، تم تكليفي كأول امرأة في الملاكمة التايلاندية.
كيف تُعرفين معنى “اللياقة“؟
آية: اللياقة البدنية بالنسبة لي حزمة. يجب أن يكون هناك ترتيب و تنسيق بين عقلك وجسدك وعقليتك. إنه أسلوب حياة وخيارات صحية بشكل عام. إذا لم تكن بصحة جيدة في جميع جوانب العقل والجسم والعقلية، فأنت لست بصحة جيدة على الإطلاق. لا فائدة من ممارسة الرياضة ثم تناول الوجبات السريعة. الأمر كله يتعلق بالانضباط داخل صالة الألعاب الرياضية وخارجها، وهو أمر قد يكون صعبًا للغاية. لكن كل ذلك يرتبط ببعضه البعض. إذا كان هناك شيء مفقود، فكله ينهار.
لا يمكن أن يكون شيئًا تفعله لفترة قصيرة حتى تصل إلى أهدافك. لهذا السبب هو أسلوب حياة، عليك دمجه وجعله يعمل. قبل أن أترك وظيفتي اليومية، كنت أفكر طوال الوقت، “كيف سأكون مناسبةً للتدريب؟ما هي إمكانية الوصول للتمرين في الوقت المحدد؟ هل وجباتي ومعداتي جاهزة قبل التمرين وبعده؟” في البداية كان من الصعب تنظيم كل ذلك، ولكن في النهاية تحولت إلى عادة. شيء آخر أيضًا وهو أن فنون الدفاع عن النفس تعلمك إدارة الوقت، لأنه منذ أن إنضممت إلى مركز تدريب المقاتل، أصبحت أكثر إنتاجية.
هذا كثير لجدول زمني، هل شعرت يومًا أنك مطاردة؟
آية: أنا مقاتلة ، لا يتم مطاردتي! يمكنك القول أنني أطارد أحلامي. أرى كل شيء على أنه تحدٍ، ومن الجيد دائمًا أن تواجه تحديًا، وهذه هي العقلية المقاتلة.
هل تعتقدين أن الناس يأخذون اللياقة البدنية بجدية هنا في السودان؟
آية: إنه بالتأكيد اهتمام متزايد. لا أعتقد أنه تم أخذ الأمر على محمل الجد لأنه من الصعب الوصول إليه، والناس ليسوا مهتمين بما يكفي لتكريس كل هذا الوقت والجهد لمدة ساعة واحدة في الأسبوع لتحسين أنفسهم. إنها ليست أولوية في بلدٍ مثل السودان حيث ما زلنا نبحث عن احتياجاتنا الأساسية من الغذاء إلى الغاز والعلاجات الطبية. الناس يحاولون فقط الحصول على مقومات الحياة الأساسية. لكن هناك من يعطي الأولوية للدفاع عن النفس وقوة الجسم.
عندما يتعلق الأمر بالنساء، لا يُنظر إلى الملاكمة عمومًا على أنها رياضة نسائية. قد يقول الناس “لماذا لا تمارس التمارين الرياضية بدلاً من ذلك؟” ولكن من المدهش أنه عندما فتحنا فصولاً للنساء فقط، كانت محجوزة بالكامل وكان علينا حتى فتح فصول ليلية لتغطية الحاجة. لطالما كانت رياضة يهيمن عليها الذكور، ولكن هناك الآن عدد قليل من الصالات الرياضية الأخرى التي تفتح أبوابها للسيدات أيضًا. من الجيد أن نرى أن قصة نجاحنا تلهم الآخرين لفتح فصول نسائية.
كيف ينظر المجتمع إلى المرأة في اللياقة البدنية الآن؟
آية: هناك طلب متزايد عليها ولدينا عدد متزايد من العضوات الجديدات كل يوم. أعتقد أن هذا لأننا أول من قدم تدريب الملاكمة في السودان. نجد دائمًا أشخاصًا متفاجئين من وجود نساء سودانيات يمارسن فنون القتال، لكن الردود تختلف باختلاف الفئات العمرية والجنس. واحدة من أكثر العبارات شيوعًا التي أحصل عليها من الرجال، وهم دائمًا يقولون نفس الشيء، “إذا رأيناك مرة أخرى في الشارع، فلن نصيح عليك“! بين النساء الأكبر سنًا، هناك آراء مختلطة، لكن معظمهن لا يدعمن قريباتهن اللاتي يحضرن هذه الدروس. حتى أمي لا تعتقد أنها رياضة لائقة للنساء، لذا فإن العامل الأبوي لا يزال موجودًا للعديد من النساء. نشطاء حقوق الإنسان يؤيدونها رغم ذلك، لأنهم يحبون حقًا فكرة تمكين المرأة على قدم المساواة في رياضة ذكورية تقليدية.
ما الذي يمكن فعله لتغيير هذا التصور السلبي؟
آية: بالتميّز فيه! من خلال إظهار أنك تستطيعين أن تكوني سيدة ورياضية. في بلد يسيطر عليه الرجال، بالطبع هم لا يريدون نساء قويات. أنا شخصياً أتحدى نفسي للأفضل لأنني يجب أن ألهم نفسي. أعتقد أن مسؤولية اللاعبات هي التفوق وإلهام النساء الأخريات لممارسة هذه الرياضة. لا يمكنك إجبار أي شخص على فعل أي شيء لذلك عليهم أن يريدوا ذلك. لذلك نحن نفعل أفضل ما نفعله، ونعرض ذلك للجمهور ونأمل أن يبث في شخص ما بعض الإلهام. المضحك في الأمر هو أنني عندما بدأت فعلت هذا لنفسي، والآن ألهمت الكثير من الناس. أتلقى رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي من فتيات ورجال أيضا. آخر واحد أذهلني حقًا. أعني، أن تلهم المرأة رجلاً في هذا المجتمع، هذا عظيم! يقولون أشياء مثل “بسببك أنا أفعل ذلك، ولكي كل الشكر“. إنه حقًا رائع لأنني لم أتوقع أبدًا أن أكون في هذا المكان. لم أتخيل أبدًا أن اكون مصدر إلهام لشخص ما.
برأيك، لماذا من المهم أن تعرف المرأة كيف تدافع عن نفسها؟
آية: قبل الدخول في الجانب الجسدي، تعلم النساء كيفية الخروج من الموقف شفهياً ودبلوماسياً. أعتقد أن كل امرأة في العالم بحاجة إلى معرفة كيفية حماية نفسها. لا مفر من المرور بلحظة تشعر فيها أنك بحاجة للدفاع عن نفسك. من الأفضل أن تعرف ولا تحتاج، من أن تحتاج ولا تعرف. الدفاع عن النفس هو مهارة أساسية يجب أن يتمتع بها الجميع. لا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية على فوائد امتلاك عقلية مقاتلة– خاصة في مكان مثل السودان حيث يتخلى الكثير من الناس عن أحلامهم في وقت مبكر من الحياة. يميل الناس إلى الاستسلام والتخلي عن طموحاتهم. بإمتلاك هذه العقلية يمكن بالتأكيد تغيير كل ذلك وتحسين حياتهم. الشيء في القتال هو أنك تتعلم كيفية حل المشكلة فور ظهورها. أنت تتعلم كلما تتقدم و تكييف تكتيكاتك من أجل حل المشكلة وقت حدوثها. وهذه مهارة يمكنك تطبيقها في أي مجال من مجالات حياتك.
ما هي بعض النصائح للنساء اللواتي يرغبن في تحسين لياقتهن البدنية وقوتهن؟
آية:
1. جهزي نفسك عقليًا بأن تريدي الأمر حقاً – قد تكون هذه الأشياء ساحقة في البداية ويصعب الحفاظ عليها. لهذا السبب تحتاجين حقًا إلى الإرادة و ثم يأتي الفعل حتماً.
2. التخطيط المسبق – إعرفي ما عليكي القيام به ومتى، ثم ضعي جدولاً يساعدك على إدارة الأمور بسلاسة، يمكنني أن أخبرك بأهمية ذلك من التجربة.3. الطعام – إنه الوقود والدواء وهو 80٪ من لياقتك. انتبهي لما تضعينه في جسمك. لستي مضطرة لإتباع نظام غذائي في هذه المرحلة ولكن فقط كوني واعية بما تأكلينه. بالطعام الجيد مع التمرين المستمر سترين بالتأكيد التغييرات.
4. انضمي إلى مركز وبالتحديد مركز تدريب المقاتل – مدربكي هو جزء كبير من نجاحك، ولهذا من المهم أن يجسد هذا الشخص أهدافك. أعتقد أن ميزتنا هي الاحتراف والتحفيز والمعرفة المناسبة بالفنون.
ما رأيك في موضة الشاي و الحبوب لفقدان الوزن؟
آية: أي طريقة سريعة للتخلص من الوزن ليست جيدة، و لكن يبحث الناس دائمًا عن ما هو مناسب لهم. نجد أن الناس تريد التغيير ويريدونه سريعًا حتى لو لم يكن خيارًا صحيًا، ولا يفكروا في الآثار الصحية السلبية التي يمكن أن تحدث على أجسامهم وهذا أمر فظيع.
ما هي بعض النصائح للنساء حول ما يجب فعله في المواقف الغير المريحة؟
آية:
1. ابقي دائمًا في مكان مزدحم حيث يمكنك بسهولة جذب الانتباه إلى نفسك. يلاحق المتحرشون من يظنون أنه ضعيف، لذا إذا صورتي نفسك على أنها امرأة قوية، فسوف يتركونك. امشي بثقة و الطاقة التي تصرخ “أتحداك أن تصرخ في وجهي!” وسيتركونك على الفور.
2. تجنبي الأماكن المظلمة أو الفارغة. عند السير على الطرق ، خذي منتصف الطريق. وإذا كان هناك شخص ما يلاحقك، فمن الأفضل دائمًا الصراخ أو جذب إنتباه الناس. إذا تحول الأمر إلى موقف عنيف، قومي بتعطيل المهاجم ثم اركضي بحثًا عن الأمان.
3. مهاجمة المناطق الإستراتيجية– ركزي في الأنف والمناطق الخاصة فهي المناطق الأكثر إيلامًا، و ستوفر لك حوالي 3 دقائق للركض إلى مكان مزدحم أو إلى الأمان بشكل عام.
إذا كان بإمكانك قول أي شيء شخصيتك السابقة التي أرادت الاستسلام قبل الملاكمة التايلاندية، ماذا ستقولين لها؟
آية: بصراحة ،عندما أنظر إلى كيف حدث كل هذا وكيف انضممت لمركز المقاتل، فلن أغير شيئًا. بالنسبة لي، لم أفكر أبدًا في الاستسلام. فإذا تخيلت ما كان سيحدث إذا استسلمت، فلن أرى أبدًا إلى أين يمكنني أن أذهب، لذا سأستمر.
حتى بالنسبة للفتيات لدينا في المركز، كلهن مندفعات حقًا. إنه لأمر رائع أنه حتى الآن ليس لدينا أي مستسلمات من التدريب. إنهن يغادرن للامتحانات لكنهن يعدن دائمًا.
أعتقد أن السبب في ذلك هو أن فنون الدفاع عن النفس في حد ذاتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالانضباط. نحن نرى أنفسنا على أننا محاربون والمحاربون لا يستسلموا أبدًا.