…..الحجاب طهارة، الحجاب عفة، الحجاب قبل الحساب، من تعطرت وسارت في قوم فشموا ريحها فهي زانية.

ملصقات تهاجم النساء أينما ذهبن: على الحوائط، في الشوارع، وأعمدة الإنارة، على جدران العمارات وزجاج بواباتها وعلى زجاج نوافذ وسائل المواصلات العامة نعم العامة أي المملوكة للدولة ولنا نحن دافعي الضرائب نساءً ورجالاً….

أصبحت الأتوبيسات تشكل معرضًا لتك الملصقات الملونة ذات الورق المصقول الفاخر المزخرف الذي يحمل سمومًا تسري في جسد المجتمع كله وليس المرأة فحسب.

سمومًا تحمل العنف المكتوب والمنظم والمستند، بلا وجه حق، إلى الدين وإلى أحاديث غير مثبتة وأي صورة تكون صورتها أمام نفسها؟. إما زانية حرة أو فاسقة لا اعتبار ولا تقييم إلا لجسدها وإلا لما يظهر أو يختفي منه، ونفس الأحاديث أو الأقوال المرسلة تصفع يوميًا عيون الرجال والأطفال وتترسخ في عقولهم لتنتج وتعيد إنتاج ثقافة ضد جسدها وضد إحساسها بهذا الجسد، بل واختزال وجودها كله في الدنيا والآخرة في جسدها وتتشابك الحلقات الجهنمية لتشكل سلسلة من أشكال العنف الهاديأو الناعمإن جاز التعبير لتأتي مع حلقة الملصقات حلقة الداعياتالتي أوشكت أن تصبح ظاهرة، خاصة في عربات النساء في المترو والمشهد يتم بإحكام منظم مدروس، وقد أصبح من مهام ووظائف الداعيات،، تصعد داعية متشحة بالسواد، والسواد عباءة تغطى الجسد كله ونقاب لا يظهر إلا العينين، وفي أحيان كثيرة يسدل فوق العين قطعة قماش خفيفة تسمح بالكاد بالرؤية، وطبعًا في اليدين قفازان أسودان أيضًا، وإن حدث وارتفع طرف العباءة سنرى في القدمين جوربين أسودين وما أن تأخذ المنتقبة مكانها إما جلوسًا أو وقوفًا حتى تخترع مناسبة أو ثغرة تنقذها لتبدأ بخ سمومها منذرة بنار جهنم ومروعة بعذاب القبر ومشككة في إيمان وإسلام الجميع، وتتلقى النساء هذا العنف بفزع بلا أدنى مقاومة فالأمر يتعلق بالدين، والآخرة فماذا تنتظر سوى نساء يرين أنفسهن خطايا عاصیات زانيات بقطرة عطر ومصافحة رجل، ويحدث هذا تحت سمع وبصر أجهزة الدولة التي يبدو أنها تبارك هذا العنف.

ومع خطورة الأمر رأينا أنه لابد من إعادة طرح هذه الظاهرة للمرة الـ

في البداية نشير إلى أن فكرة النقاب لها جذور تاريخية سابقة على ظهور الإسلام، وكانت النساء ترتدي الحجاب لأسباب تتعلق بطبيعة البيئة التي كن يعيشن فيها وليس له علاقة بكونه دليلاً على طهر وعفة المرأة، وعندما جاء الإسلام لم يعرض النقاب على النساء. والنصوص القرآنية التي تستخدم لإثبات ذلك لا توصى بزى خاص للنساء وإنما تدعو إلى قيمة أخلاقية وهي دعوة لا تنطوي على أي إشارة إلى أن النقاب فريضة دينية، وأيضًا الأحاديث التي يستند إليها أحادية لا إجماع عليها، ما يقوم به كما ذكر الدكتور عاطف أحمدالباحث في الفكر الإسلامي أصحاب الدعوة لارتداء المرأة للنقاب وهو تأويل النص القرآني وتوظيف الأحاديث لدعم أفكارهم التي تستند إلى منظومة أيديولوجية متكاملة ترى المرأة كائنًا تابعًا للرجل وأداة لتحقيق رغباته ولا تمتلك كيانًا مستقلاً خاصًا بها، ويجب أن يفرض عليها الوصاية الذكورية من الأب ثم الزوج فهما المسموح لهما بالتعامل معها مباشرة أما الرجال الآخرون فيجب أن تتوارى بعيدًا عنهم، فإذا اقتضت الضرورة غير ذلك فعليها إخفاء جسدها مصدر الشهوة الجنسية.

وترى فريدة النقاش، الكاتبة الصحفية ورئيس مجلس الأمناء لملتقى الهيئات لتنمية المرأة،أن المرأة الجسد هي فكرة جوهرية لدى كل التيارات الإسلامية ويعبرون عن ذلك بقوة وعنف من خلال محاولاتهم المستمرة لفرض الحجاب.

وهي فكرة لا إنسانية لكلا الطرفين الرجل والمرأة، فهي تجعل الرجل كائنًا بدائيًا مهووسًا بالجنس عاجزًا عن التحكم في غرائز وبالنسبة للمرأة تختزل عفتها وطهرها في جوانب شكلية فحسب.

 

الأسباب والدوافع:

اتفق المتحدثون على أن تيار الإسلام السياسي يسعى إلى الترويج لفكرة النقاب لتعزيز وجوده في الشارع فيصبح النقاب رمزًا لهذا التيار مثل الحجاب الأبيض القصير وإطلاق اللحية للرجال، وأوضح الدكتور عمار على حسنالباحث السياسي بأن بعض الباحثين والإعلاميين يقيمون انتشار التيار الديني من خلال انتشار الحجاب، وهذا أمر يدركه قيادات التيار الإسلامي، فضلاً عن ذلك عندما يتم محاصرة التيار الديني أمنيًا يبحث عن وسائل لاستعادة نفوذه منها إقناع النساء بارتداء النقاب والخمار، ويرى أن قبولها لهذه الدعوة خطوة لتجنيدها داخل التنظيم أو تكون قيد التعبئة إلى بناء دولة العلم والإيمان.

أما جمال البنا، الكاتب الإسلامي، فانتقل إلى أبعد من ذلك تاريخيًا في تحليله، حيث يرى أن الحكم السلطوي الذي نعاني منه منذ العام ١٩٥٢ وما ترتب عليه من بيروقراطية وفساد أدى إلى ظهور اتجاهات غريبة عن المجتمع لا أصل لها في الدينكما أوضحنا أعلاه وعندما يصاب المجتمع بالجمود الفكرى تنشط الخرافات ويبدأ الاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر.

جمال البنا: نحتاج لثورة على الخرافات

في هذا السياق أوضح الدكتور عمار بأن التعامل مع الدين بشكل عام ينحصر في جانب العبادات فحسب مع اغفال المعاملات فنجد من يصلى أو من ترتدى النقاب ولكن سلوكهم غير إسلامي، وهذا قلب للمعادلة لأن الدين لمصلحة البشر رجلاً وامرأة، وفي جوهره يركز على المعاملات، أما ما يحدث الآن من الاهتمام بالمظهر فهو رؤية مغلوطة تخدم أهواء البعض.

د. عمار على حسن: الاهتمام بالمظهر لإعلان القوة

كما خلص الدكتور عاطف أحمدمن خلال مقارنة عقدها بين أوضاع المجتمع في الخمسينات والستينات والوقت الراهن إلى أن مقاييس السلوك الأخلاقي تختلف اختلافًا بينًا من عصر إلى عصر حتى بالنسبة إلى المكان نفسه وأن الحجاب باعتباره رمزًا دينيًا يظهر ويختفي لأسباب اجتماعية بحتة وأنه لا توجد علاقة مباشرة بين ارتداء الحجاب وتدين المجتمع تدينًا حقيقيًا.

د عاطف أحمد : المرأة عندهم تابع للرجل وأداة لتحقيق رغباته

الصدمة والهزيمة:

تطرق الدكتور عاطف أحمدإلى جانب آخر يتعلق بأن المجتمع لم يتجاوز حتى الآن الصدمة التي تعرض لها في أواخر القرن الثامن عشر على يد الاستعمار الأجنبي الذي كان يملي علينا إرادته بما لديه من علم وهو كافر لا يؤمن برسول الله ونحن خير أمة أخرجت للناس، وساعد على استمرار هذه الصدمة فشل البرجوازية العربية في إنجاز مشروعها القومي التحديثي فكانت الردة التي أعقبت هزيمة يونيو وأشعرتنا بهوان ترتب عليها ردة دينية ما زالت مضاعفاتها حتى اليوم، وفي مثل هذا المناخ الفكري والنفسي من الطبيعي أن تسود أيديولوجيا التخلف وخاصة مع تحالف بعض الظواهر الأخرى البالغة الأهمية على المستوى القومي والعالمي أدت بنا إلى نوع من التفكك واللامبالاة، وبالتالي يسيطر على المجتمع أفكار العصور الوسطى خاصة فيما يتعلق بوضع المرأة التي تجد نفسها منزوعة السلاح في مواجهة أوضاع اجتماعية واقتصادية ساحقة لإنسانيتها ولإرادتها المستقلة، كما تجد نفسها في مواجهة منطق ذکوری مهین، الأمر الذي لا يترك لها من مخرج سوى التسليم بما هو واقع، لكن الأمر لا يبدو لها على هذا النحو، بل يبدو وكأنه اختيارها الشخصي ويبدو لنا الأمر أنها تقبل عن قناعة تامة وضعها الدوني بل تسعى بشدة لإقناع الآخرين به لتوظيفها في اللحظات المناسبة.

وتوجد عوامل تهيأ المناخ لمثل هذه الأفكار وتساعدها على الانتشار منها عوامل اقتصادية واجتماعية أشارت إليها الدكتورة ثريا عبد الجوادأستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية: ارتفاع معدلات الأمية بين النساء ومحاصرتهن في أطر اجتماعية ضيقة بالإضافة إلى ذلك نجد ضيق ذات اليد فتلجأ المرأة للحجاب لتوفير نفقات الزينة، وأيضًا المحاكاة والتقليد حيث يمارس عليها في محيط العمل أو المؤسسات الاجتماعية نوع من الضغط والإلحاح فتخضع له، مع الوضع في الاعتبار أن الحجاب لا يمنعها من ارتداء كل خطوط الموضة.

د. ثريا عبد الجواد : الضغط الاجتماعي والمؤسسي

كما أشارت فريدة النقاش إلى التحولات الاقتصادية التي شهدتها مصر منذ السبعينات باتباع سياسات الانفتاح الاقتصادي وما ترتب عليها من تحولات اجتماعية انسحبت بالسلب على جميع فئات المجتمع بما في ذلك جمهور هذه الجماعات الدينية، بينما كانت تحمل في السابق مشاعل التنوير بالإضافة إلى إغراق المجتمع في الفكر الديني بإطلاق الرئيس السابق أنور السادات الدعوة.

المواجهة والعلاج:

إذا لابد أن نؤكد أهمية التصدي لوضع المرأة كسجينة داخل جسدها، حيث تمتد آثار هذه الرؤية السلبية للمجتمع بأسره سوف تفرخ أجيالاً تميل للعنف والتطرف، وعلينا أن نناضل بإرساء قواعد الديمقراطية. وثقافة الحوار وحرية الفكر، وطالب جمال البنابثورة على الفكر الإسلامي الذي يروج للخرافات والتفسير الخاطئ للقرآن والذي يوجد في كتابات ابن عباس وسيد قطب، نبهت فريدة النقاش لأهمية دور الحركة النسائية في هذه المعركة طويلة المدى التي تواجه تحديًا حقيقيًا، حيث يعتبرها الإخوان المسلمون حركة صليبية مستوردة أطلقها الاستعمار وعبيد الاستعمار

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات