ملك حفني ناصف
المرأة والوطن والتاريخ الصامت
كانت ملك حفني ناصف (۱۸۸6 – ۱۹۱۸) من الأوائل، فهى أول فتاة تنال درجة علمية من مدرسة أميرية (۱۹۰۰)، وأول امرأة تلقى محاضرات عامة، وأول امرأة تتقدم للبرلمان المصرى بقائمة من المطالب (۱۹۱۰)، وأول من وضعت أسس الحركة النسائية في مصر. كما أنها أول فتاة ينشر شعرها في مجلة رسمية وهى فى الثالثة عشرة من عمرها (۱۸۹۹) وظلت ملك حفني ناصف من الأصوات المسموعة في الصحافة المصرية الرسمية طوال عمرها، وفي ذلك يقول سلامة موسى فى مذكراته أنه لأول مرة شهدت مصر امرأة تساهم في الكتابة للصحف، وكانت تخفى شخصيتها تحت اسم مستعار “باحثة البادية“. ويوافق هذا العام الذكرى الثمانين الوفاتها، ومع ذلك فلم يتم الاحتفال بذكرى ملك حفنى ناصف على مدى تلك السنوات الطويلة سوى مرة واحدة في عام ١٩٢٤
وبالرغم مـــــــن أن ملك حفني ناصف قد فاقت جهودها المئات من “الجنديات المجهولات” ممن ساهمن بوضوح في حركة النهضة النسائية، إلا أن دورها المتميز في مجالات التنوير والصحافة والسياسة والتربية لا يزال غائبًا عن التاريخ المصرى الرسمي. وإذا كانت أعمالها حاضرة فإن اسمها قد غاب عن الذاكرة الجماعية وقد نجح مجد الدين حفني ناصف، شقيق ملك الأصغر، في إنقاذها من النسيان وذلك عندما قام بنشر كتابيها “تحرير المرأة في الإسلام” (١٩٢٤) و“آثار باحثة البادية” (١٩٦٢)، وهما يسردان قصة حياتها ويحفظان كتاباتها ولولا مثل هذه الجهود لكان عدد الجنديات المجهولات أكبر مما هو عليه الآن، فأعمال نبوية موسى مثلاً غير متوفرة اليوم حيث أن كتابها “المرأة والعمل” (۱۹۲۰) وذكرياتها التي نشرت مسلسلة فى مجلة “الفتاة” (من ٥ مايو إلى ٢ أغسطس ١٩٤٢) لم يتم إعادة طباعتها منذ صدورها أول مرة. وبالرغم من قلة ما نعرفه عن حياة ملك حفني ناصف اليوم، إلا أنها كانت شخصية ذات أهمية في زمانها، ويشير عدد المشاركين في جنازتها إلى ما كانت تتمتع به من تقدير واحترام من المجتمع ككل، بما في ذلك رائدات الحركة النسائية، والقيادات الحكومية ووزير التعليم والأدباء والكتاب وعلماء الدين. ومن هنا كانت إعادة قراءة آثار ملك ناصف وإعادتها إلى الذاكرة والتاريخ المصـــــــرى هي أمر ضروري للغاية. فحضورها القوى يساهم في تصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة حول الخطاب النســوى المصرى. فقد اعترف الباحثون الشرقيون والغربيون بفضل الشخصيات التقدمي الليبرالية من الرجال أمثال قاسم أمين ودورهم فى إثارة الجدل حول قضية المرأة. إن حضور ملك الفعــال ومساهماتها الجلية – على مدى ثلاثة عشر عامًا من نشاطها في هذه القضية الجدلية وحتى وفاتها عام ۱۹۱۸ في الثالثة والثلاثين من العمر – إنما يؤكد دور المرأة وتحكمها في مصيرها بدلاً من كونها مجرد متفرجة على عالم يقوده الرجال.
وقد عارضت ملك حفني ناصف آراء كل من قاسم أمين وعبد الحميد حمدي بشأن الدعوة إلى سفور المرأة، حيث فضلت توجيه جهودها نحو إصلاح النظام الاجتماعى بدلاً من هدمه. وقد ركزت هی على أهمية التعليم وتمسكت بأسلوب الحياة والخطاب المحلى. وتمثل ملك حفني ناصف نموذجًا قياديًا مثاليًا بالنسبة لمجتمع خاضع حاليًا لجدل لا نهائي أنصار التراث من جهة والحداثة من جهة أخرى – بين ثقافتي الشرق والغرب. وقد سيطرت محاولات ملك للمصالحة بين تلك الأطراف المتنافرة في حياتها الشخصية وهو ما تمثل في إقامتها ما بين القاهرة وواحة الفيوم بين أفراد قبيلة “رماح“، ورغبتها في تحرير النساء دون اتباع الخطاب النسوى “الغربي” وإخلاصها لزوج سبب لها آلاما ومعاناة شديدة ودعوتها لقيام حياة تحقق للمرأة درجة أكبر من التحرر. إن كتابات ملك التي يضمها كتاب “النسائيات” تعبر عن القهر الذي واجهته من الممارسات الأبوية السائدة. وقد خاطبت النساء اللاتي شاركنها صور المعاناة الناتجة عن معايشة الأوضاع الشائعة حينذاك كتعدد الزوجات والمعوقات التي كانت تحجب المرأة عن تحقيق ذاتها. وقد كان عبد الستار الباسل، زوج ملك، يدعى التعاطف مع أحلامها لتحرير جنس النساء، إلا أنها ما لبثت أن اكتشفت بعد الزواج أن لزوجها زوجة أخرى وابنة طالب ملك بالقيام على تعليمها. ولم تشتك ملك خوفًا من الإساءة إلى نموذج المرأة المتعلمة الذى كانت تمثله.
ونحن نرى أن ملك حفني ناصف هي واحدة ضمن العديد من النساء اللاتي تعرضن للتهميش في التاريخ، وقيامنا باستعادة حياتها وآرائها يمثل خطوة أولى فى عملية تسعى إلى مواجهة مظاهر التجنى الواردة في التاريخ الرسمى الذكورى، وكذلك إعادة النظر ودراسة المفاهيم المتداولة بشأن الشخصيات النسائية المختلفة وصور الخطاب النسوى السائد. إننا نعمل على مواجهة التأريخ الرسمي في أحاديته ونزعته نحو تبنى الاختيارات المحدودة وتوجهاته ضيقة الأفق، كما أننا نخالف وضع المرأة المهمش ونعارضه.
كانت ملك حفني ناصف (۱۸۸٦ – ۱۹۱۸) من الشخصيات البارزة فى فترة نهاية القرن التاسع عشر، ومع ذلك لم يتم إحياء ذكراها على مدى الثمانين عامًا التى انقضت منذ وفاتها سوى مرة واحدة في عام ١٩٢٤. وهناك شواهد عديدة على شخصية ملك الفريدة تتمثل في إسهاماتها فى الصحافة الرسمية والصحافة النسائية (حيث عرفت باسمها المستعار: باحثة البادية)، وكذلك دورها فى قضية المرأة والحركة النسائية، والتعبير عن وعى نسائي إلى جانب تأثيرها على معاصريها رجالاً ونساءً. ومع كل ذلك، سقطت ملك من الذاكرة الجماعية.
ولذا ينوى ملتقى المرأة والذاكرة الإعداد لندوة تقام إحياء لذكرى ملك حفني ناصف. وندعوكم للمشاركة بأبحاث متعددة المناهج في مجالات متنوعة، وفيما يلى بعض الموضوعات المقترحة للندوة:
– تحديد السياق العام لبدايات القرن العشرين، بما في ذلك قضية التنوير والقومية، والصحافة السائدة حينذاك.
– إعادة قراءة والنظر في القضايا الجدلية لتلك الحقبة، ودراسة الفرضيات التى نحملها حول أدوار كل من الرجل والمرأة في إطار ذلك الجدل، وكذلك قضايا المرأة والوطن والقومية والتعليم، وقضية الحداثة والتراث.
– الصحافة الرسمية ودور ملك كأول امرأة تكتب بانتظام في الصحف السائرة، وتتبع الحوارات والجدل القائم على صفحات مجلة “الجريدة” ودراسة دور أحمد لطفى السيد وعبد الحميد حمدى وسلامة موسى وما لهم من إسهامات وتأثيرات على الصحافة.
– قضية الحجاب / السفور، حيث أثار قاسم أمين موضوع السفور بينما كانت ملك من أقوى المعارضات له، ومن هنا تتضح أهمية دراسة القضية من جوانب متعددة مع تحليل آراء قاسم أمين وملك حفني ناصف حول القضية.
– علاقة ملك بمعاصريها وعلى سبيل المثال، كانت تربطها بمى زيادة علاقة وثيقة، وبالتالي يجدر تحليل مظاهر تلك العلاقة والمراسلات المتبادلة بينهما وهو ما ينطبق على هدى شعراوى ونبوية موسى وآخرين وأخريات
– تحليل لحياة ملك وكتاباتها وإسهاماتها فى القضايا السائدة حينذاك والجدل الدائر في زمانها، والبحث في تراثها.
– كيفية تضمين الرائدات في التاريخ الرسمى، وأثر تهميش المرأة على الذاكرة الجماعية، وما هو دور النشر في ذلك؟