يا سلام ؟!
المرأة دائمًا وأبدًا، مادة للإفتاء وجاهزة للإغواء وصنعتها الوحيدة هي أن تكون ابتلاء، هكذا يتم التعامل مع المرأة على الرغم من كل الجهود المضنية المبذولة لتغيير تلك الصورة المغلوطة. لم يكن ينقصنا سوى هذه الفتوى ولكنها قد تكون أيضًا نقطة لصالحنا.
احتدم جدل كبير بشأن الفتوى الصادرة عن الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر والتي تقول بجواز أن تقوم المرأة العاملة بإرضاع زميلها في العمل منعًا للخلوة المحرمة، وذلك إذا كان وجودهما معًا في غرفة مغلقة لا تفتح إلا بواسطة أحدهما، مؤكدًا أن إرضاع الكبير يجب أن يكون خمس رضعات كاملة بحيث يبيح الخلوة ولا يحرم الزواج، وبناء عليه يمكن للمرأة في العمل أن تكشف شعرها ووجهها أمام من أرضعته مطالبًا بتوثيق الرضاع كتابيًا. وبطبيعة الحال اختلفت الآراء حول هذه الفتوى، ففي حين وجد عضو مجلس الشعب عن كتلة الإخوان خلف الله أن الخطأ هو في تناول الموضوع إلا أن السيد عسكر الوكيل الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية رفض هذا الرأي مؤكدًا على أنه خروج على إجماع العلماء ولا يجوز القياس على حالة خاصة.
وحول إشكالية تطبيق الفتوى صرح الدكتور عزت عطية لـ “العربية نت” أن بعض الناس تنظر إلى إرضاع الكبير نظرة جنسية بحتة على الرغم من أن الرسول هو من أفتي بذلك، وأن من ينفذ أمراً شرعيًا فهو يقوم بعمل ديني، وأن هذا الأمر يفترض استشعار العبودية والخشوع وبذلك تنمحي الجوانب الشيطانية، مجرّمًا في حديثه من يتلاعب بالفتوى ويستغلها لأغراض خسيسة. وفي معرض حديثه أكد الدكتور عزت عطية على أنه لا يجوز التشكيك في حديث صحيح مؤكدًا على أنها رخصة مقيدة بالضرورة لإباحة دخول من ترغب الأسرة في دخوله بغير تحرج شرعي كما أكد على أن أحكام الإسلام ترتبط بذات الإنسان عبر الأزمنة والأمكنة.
أما الشيخ أشرف عبد المقصود المتخصص في التراث الإسلامي والدفاع عن الأحاديث النبوية وصاحب دار نشر الإمام البخاري، فقد علق بأن الحديث وارد في صحيح البخاري، ولكن العلماء اختلفوا حول خصوصية الواقعة بعهد رسول الله أو إمكانية تطبيقها الآن، وأكد على أنه على من يستدل بقصة حذيفة الواردة في هذا الحديث فليأت بها كاملة وهذا غير ممكن، لأن قصة سالم جاءت مباشرة بعد تحريم التبني وبالتالي فلن تتكرر مرة أخرى.
أما المفكر الإسلامي جمال البنا فقد نادى بتنقية التراث الإسلامي نظرًا لاختلاف الظروف والزمان والمكان وتابع أنه يقصد بتنقية التراث هنا تنقيته من الأشياء التي لم ير الأوائل والمتقدمون غضاضة من ذكرها، لكنها تعد بالمستويات الحالية بمثابة خدش للحياء، بينما رأى الداعية الإسلامي والنائب الإخواني الشيخ ماهر عقل أن الدكتور عزت قد جانبه الصواب في هذه الفتوى لأنها فتوى خاصة ولا يجوز تطبيقها الآن ولا الاستشهاد بالواقعة التي صدرت على أساسها.
على الرغم من أنني لست أهلاً للفتوى فإني أرى أن الأمر برمته لا يعدو كونه مراهنة جديدة على حساب المرأة، فالنظرة السائدة هي أنه ما دامت المرأة خرجت، فعليها أن تتحمل مسئولية الثقافة المريضة للمجتمع والتي تلقي عليها بمساوئ عديدة منها التحرش اللفظي والجنسي والانتهاك الإنساني لكرامتها، وها هي الآن تُطالب بإرضاع زميلها في العمل منعًا للخلوة المحرمة وحدث ولا حرج، فحتمًا ستجد من يفتيك بأنها هي المخطئة وأن عليها أن تتحمل ثمن ما تريده من حرية أو بمعنى أصح آدمية، ولكن بالنظر بشكل خاص لهذه الفتوى وبالمرور السابق على الجدل المثار بشأنها فإن هناك نقطة هامة يجب الإشارة إليها هي أنه يجب إعادة النظر في الموروثات الدينية والثقافية والاجتماعية، فليس من العقل في شيء أن تحكمنا عادات وتقاليد وموروثات ربما يكون لا أصل لها. أما بشأن الموروثات الدينية فربما تكون هذه فرصة سانحة وجيدة جدًا للتوجه إلى علماء الدين ومطالبتهم بتنقيح التراث الديني وإعادة فهم وقراءة النص، ونحن في ذلك لا نريد مخالفة ما أمرنا الله به ولكن نريد إعمال العقل والتوقف عن إجهاض محاولات إعادة قراءة النصوص القرآنية والأحكام الدينية. فلا يكفي ما حدث من إقالة ومحاكمة الدكتور عزت عطية فهو وآخرون نتاج ثقافة ورثناها منذ قديم الأزل كتابوهات لا يجوز الاقتراب منها أو محاولة تغييرها، ولكن يجب أن نفكر بشكل جاد في فتح الباب لتنقيح التراث وإعادة قراءة النص بما يتناسب مع وضعنا الزماني والمكاني وبما لا يخل في نهاية الأمر بما أمرنا الله به.