من يحمى بنات الشوارع في مصر؟
تغطية:
هؤلاء الفتيات ضحايا المجتمع والظروف الأسرية التي دفعت بهن إلى الشوارع، يصارعن من أجل مجرد البقاء ويتعرضن لعنف جسدي وجنسي ينتج عنه أطفال شوارع آخرون بلا هوية ولا نسب.. وهو الأمر الذي يدعونا للتساؤل حول دور الأجهزة المعنية في مواجهة هذه الظاهرة ؟ وما أوجه الدعاية التي تقدم لهؤلاء الفتيات خاصة في فترات الحمل والولادة؟ وكيف يتم التعامل مع أولادهن؟ وكيف يمكن إعادة تأهليهن ودمجهن في المجتمع؟
-
المجلس القومي للطفولة والأمومة يدعو كل الأطراف لتحمل المسئولية
-
والمجلس القومي للمرأة لا يرعى هذه الفئة من الفتيات
-
ومؤسسات الرعاية التابعة لوزارة التضامن غير قادرة على جذب هؤلاء الفتيات بل يهربن منها
جهد ورقی
فرغم وجود استراتيجية قومية تم وضعها في عام ٢٠٠٣ من أجل حماية وتأهيل أطفال الشوارع، فإن الإستراتيجية لم تشر من قريب أو بعيد إلى بنات الشوارع وأوضاعهن والمخاطر التي تواجههن وكيفية علاجها.
ولأن المجلس القومي للطفولة والأمومة هو الذي قام بوضع الإستراتيجية والمنوط به تنفيذها توجهنا إلى المسئولة عن برنامج حماية أطفال الشوارع بالمجلس لنتعرف منها عن دور المجلس في تقديم رعاية تخص بنات الشوارع نظرًا لأنهن الأكثر استغلالاً وهن من يعدن إنتاج أولاد الشوارع أي نظرًا لخصوصية النوع.
ذكرت “سمية سعيد” مديرة برنامج حماية أطفال الشوارع بالمجلس أن المجلس جهة تخطيط وتنسيق ومتابعة لكل الجهات الحكومية والأهلية والقطاعين الخاص والعام، ويدعو كل أجهزة الدولة المعنية من وزارة الداخلية والتعليم والصحة والتضامن.. وكل أطراف المجتمع المدني لمعالجة وحل هذه المشكلة الخطيرة ومحاولة إعادة تأهيل هؤلاء الفتيات ودمجهن من جديد في المجتمع وذلك من خلال تخصيص دور إقامة وإيواء لهن، ونحاول توفير الغذاء والكساء والرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لتشعر الفتيات بالأمان النفسي ويتخلصن من الجنوح إلى الشارع بكل ما اكتسبنه من أمراض نفسية وعقد اجتماعية.
إن المشكلة التي تواجهنا حاليًا هي تسجيل أطفال أمهات الشوارع حيث ترفض مكاتب الصحة تسجيل الطفل بدون حضور الأب وعادة يكون الأب مجهولاً.
تعترف “سمية سعيد” مديرة برنامج حماية أطفال الشوارع أن الجهود المبذولة لعلاج هذه الظاهرة غير كافية خاصة أنها في تزايد مستمر وأصبحت كارثة حيث إن هؤلاء الفتيات يتعرضن لاستغلال جنسي، ووجودهن في الشوارع ينذر بمئات من أطفال الشوارع وإنتاج جيل جديد يصعب مواجهته.
دور الرعاية ليست كافية
أما وزارة التضامن الاجتماعي فدورها ليس فقط علاج هؤلاء الفتيات ولكن إنقاذهن وإنقاذ الأخريات المعرضات للانحراف بالوقاية، فضلاً عن تنفيذ مواد قانون الطفل رقم ١٢ لسنة 1996 الذي أفرد أبوابًا كاملة لرعاية الأطفال المعرضين للانحراف إلا أن كل ما تقدمه الوزارة وفقًا لتقاريرها هو ٢٧ مؤسسة للبنين والبنات منها مؤسسة واحدة فقط للمعاقات عقليًا ومقرها في مصر القديمة وهؤلاء صادر لهن تدابير إيداع في المؤسسة، ومؤخرًا أضيفت لهذه المؤسسة دار ضيافة للبنات اللاتي ليس ضدهن أحكام قضائية، أما البنات المتهمات أو المعرضات للانحراف الجنسي فلهن ثلاث مؤسسات في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، أما باقي المحافظات فلا يوجد بها مثل هذه المؤسسات، وترعى هؤلاء البنات بشرط ألا يزيد عمر الفتاة على 18 عامًا وقت إلقاء القبض عليها، وإذا كانت تمت الـ 18 سنة وقت القبض عليها ترفض المؤسسة قبولها أما الفتاة أقل من 18 سنة فتلتحق بالدار ويمكن أن تظل بها حتى ٢١ سنة ثم تتركها إلى الشارع مرة أخرى.
أما البنات المتهمات في قضايا مروق أو تشرد أو تسول أو أي نوع آخر من الانحرافات فيما عدا الانحرافات الجنسية فهؤلاء لهن ثلاث مؤسسات في القبة والعجوزة والأزريطة ودخول هؤلاء الفتيات للمؤسسة يكون إما بحكم محكمة أو بقرار من النيابة أو من خلال الجمعيات الأهلية التي ترعى بنات الشوارع أو إذا تقدمت الفتاة من تلقاء نفسها، أما أطفال بنات الشوارع فيتم إيداعهن في أغلب الأحوال في إحدى مؤسسات رعاية الأيتام التابعة لإدارة الدفاع الاجتماعي.
خارج اهتمامه
أما المجلس القومي للمرأة فهو يتجاهل قضية بنات الشوارع تمامًا فرغم أن المجلس حدد مؤخرًا مطالب المرأة في ثمانية مجالات هي: الصحة والتعليم ومكافحة الفقر والبيئة والرعاية الاجتماعية والسياحة وتكنولوجيا المعلومات والتثقيف والتوعية.
وفي مجال الرعاية الاجتماعية تحديدًا، ركز المجلس على ضرورة الاهتمام بالمسنات وذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقات ذهنيًا وإتمام مشروع استخراج الرقم القومي وإنشاء مكتبات عامة ونواد للشباب والنساء، إلا أنه تجاهل قضية بنات الشوارع رغم ما يتعرضن له من عنف جنسي وجسدي.. وتعليقًا على ذلك أوضحت الكاتبة أمينة شفيق – عضو المجلس القومي للمرأة – أن المجلس يهتم بالمرأة بعد 18 سنة أما الأقل من 18 سنة فهذا عمل المجلس القومي للطفولة والأمومة، وبالتالي فإن المجلس القومي للمرأة ليس لديه أي برنامج خاص بعلاج ظاهرة بنات الشوارع أو إعادة تأهيلهن.
وأضافت “أمينة شفيق” أن معالجة ظاهرة بنات الشوارع في اعتقادي تتطلب أولاً وقبل أي شيء مكافحة الفقر، والمجلس يطالب بمكافحة الفقر من خلال إنشاء مراكز للتدريب وتأهيل المرأة الفقيرة وتنظيم برامج تدريبية على كيفية إقامة المشروعات الصغيرة وإنشاء مجمع تدريبي متكامل للمرأة في كل التخصصات وغيرها من مجالات لمكافحة الفقر.
هويدا عدلی:
مكافحة الفقر أهم الحلول لعلاج الظاهرة.. وهو دور الدولة أولاً وأخيرًا.
أما “د. هويدا عدلي” – أستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – أكدت أن تفشي ظاهرة أمهات الشوارع يرتبط أساسًا بتزايد معدلات الفقر وانتشار العشوائيات وتدهور النظام التعليمي ومحدودية شبكة الأمان الاجتماعي والتفكك الأسري من أجل ذلك يصبح الشارع هو البديل المنطقي، ولذلك نجد أن الظاهرة توجد في المدينة فقط حيث ترتبط بارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر ورغم أن ظاهرة أطفال الشوارع عمومًا كانت في بدايتها ظاهرة ذكورية فإنه في الفترة الأخيرة أكدت المؤشرات تزايد معدلات الإناث ضمن أطفال الشوارع.
لا تجد دراسات تخص بنات الشوارع
وتشير “د. هويدا عدلى” إلى أن معظم الدراسات التي أجريت ترصد ظاهرة أطفال الشوارع عامة ولا توجد دراسات تخص بنات الشوارع.
ولذلك لا توجد خطة محددة من أجل حماية هؤلاء الفتيات وأبعادهن عن الشارع، وفي اعتقادي أن علاج المشكلة يبدأ من المنبع وهو محاولة الحد من الظروف التي تجعل الأسرة تدفع بأولادها بالشارع، هذا يتطلب مجهودات أهلية وحكومية، أما مكافحة الفقر فهو دور الدولة أولاً وأخيرًا.
حلول على الورق
وأضافت د. هويدا عدلي أن دور المجلس القومي للطفولة والأمومة ليس دورًا إيجابيًا لأنه يرصد المشكلة ويضع لها حلولاً على الورق وهذا بالطبع غير كاف لأن هؤلاء الفتيات يحتجن لأماكن إيواء بشرط أن تكون إقامتهن فيها إقامة كاملة ويعمل بها أخصائيون ومشرفون قادرون على إقناع البنات بالإقامة في هذه الدور لأن الفتاة التي اعتادت العيش بالشارع بدون قيود أو توجيه يصبح من الصعب عليها العيش داخل الدار، ولذلك فهي دائمًا تحاول الهروب ولذلك لابد من معالجتها نفسيًا وتوفير الرعاية الشاملة من خلال هؤلاء الأخصائيين بشرط تدريبهم على أعلى مستوى حتى يستطيعوا تقويم سلوكيات هؤلاء الفتيات خاصة من تعرضن للاغتصاب فضلاً عن إعادة تدريبهن وتعليمهن مهنة…
تجارب الدول الأخرى
في البرازيل تم علاج المشكلة
وأشارت “د. هويدا عدلى” إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في معالجة مثل هذه القضية ففي البرازيل نجحت تجربة رعاية بنات الشوارع في أماكن الإيواء حيث إن هذه الأماكن تشعر فيها الفتاة بأنها إنسانة ولها حقوق وكأنها تعيش في أسرة بديلة وليست في أحداث أو سجن.
وللأسف لا توجد نماذج في مثل هذه البيوت في مصر إلا نموذج واحد فقط “قرية الأمل” فهي نجحت في جذب بعض البنات من الشارع إليها.
ولكن دار واحدة لا يمكن أن تستوعب مئات من بنات الشوارع.
أبناء أمهات الشوارع
لا بد من إصدار قانون يحل مشكلة نسب أبناء أمهات الشوارع
والمشكلة الأخرى في نظر د. هويدا عدلي هي كيفية استخراج شهادة ميلاد لأطفال بنات الشوارع حيث إن الجهات المعنية ترفض نسب الطفل لأمه وتصر علي معاملته كطفل لقيط، وترفض الأمهات الصغيرات ترك أبنائهن وتصر على الاحتفاظ بهم، وبالتالي تهرب الكثيرات من تسجيل المواليد واستخراج شهادة ميلاد لهم ويترتب على ذلك عدم تطعيم الأطفال، وعدم ذهابهم إلى المدرسة وعدم وجود بطاقة شخصية، وأخيرًا يصبح بالمجتمع أشخاص بدون هوية يسهل استغلالهم في المستقبل كأداة لتنفيذ الجرائم، ولذلك يجب أن تحل القضية بشكل قانوني حيث يتم نسب هؤلاء الأطفال بشرط أن يكونوا في أحضان أمهاتهم، ويجب أن يتدخل أعضاء مجلس الشعب من أجل هذه المشكلة.
أما فيما يخص تجاهل المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عمل دراسات حول ظاهرة بنات الشوارع وكيفية معالجتها، فأكدت أن الظاهرة هلامية ويصعب حصرها كما أن الذي يضع الأجندة البحثية هم أصحاب القرار وهؤلاء يعرفون الحلول جيدًا ولكن يبقي التنفيذ فيجب أن تتم مكافحة الفقر أولاً ثم زيادة عدد دور الإيواء وتدريب مكثف للأخصائيين الاجتماعيين وضباط الشرطة وكل من يتعامل مع هؤلاء الفتيات والعمل على أخذهن من الشوارع.
نظرة مشوهة
وترصد “د. شهيدة الباز” – خبيرة الاقتصاد السياسي للتنمية في دراسة لها أهم المعوقات في مواجهة هذه الظاهرة وأهمها النظرة المشوهة لتلك الفئة من المجتمع – سواء الإناث أو الذكور – التي تسود بدون وعي مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية وتتسم هذه النظرة بغياب النظر إلى الطفلة أو الطفل باعتباره ضحية لظروف خارجة عن إرادتهم وبالتالي غياب سياسات إعادة التأهيل الملائمة لهم بالإضافة إلى ندرة الموارد الوطنية اللازمة لإعادة تأهليهم وتمكينهم من الحصول على الفرص والحقوق المجتمعية التي نصت عليها القوانين الدولية الخاصة بحقوق الطفل.
واقترحت “د. شهيدة الباز” بعض الحلول للقضاء على الظاهرة منها ضرورة تبني رؤية شمولية ومتكاملة للظاهرة والوعي بأن مواجهتها مسئولية تقوم على الجهد الجماعي المنظم والمتكامل لعدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية منها: وزارة التربية والتعليم التي لابد أن تقوم بالتأكيد على تحقيق مجانية التعليم وتوفير الأماكن والأدوات لممارسة جميع الأنشطة الطلابية وتبني مشروع المدرسة الشاملة بحيث يحصل الطالب على تدريب وتأهيل مهني في الوقت نفسه مع الاهتمام بالدور الإنتاجي.
أما عن دور وزارة التضامن الاجتماعي فأشارت إلى ضرورة توسيع شبكة الضمان الاجتماعي لتوفير الاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة بالإضافة إلى تشجيع تأسيس الجمعيات الأهلية التي تهدف إلى مساعدة هؤلاء الضحايا من خلال تأسيس مراكز استقبال وإيواء مؤقت في المناطق الحضرية الفقيرة، وكذلك دور للإيواء الكامل، ودور وزارة الصحة هو أن توفر الوحدات الصحية المتنقلة لخدمة هذه الفئة، بالإضافة إلى تطعيم الأولاد والبنات ضد الأمراض المعدية، أما دور وزارة العدل فيتجسد في تدريب القضاة وأعضاء النيابة على طريقة خاصة في التعامل مع هؤلاء الضحايا وتبني نظام القضاء المتخصص في قضايا ومشاكل الطفل، ويجب أن تعمل وزارة الداخلية على تغيير نظرة ضابط الشرطة لهؤلاء البنات والأطفال عمومًا، وألا يتم القبض عليهم إلا في حالة ارتكابهم فعلاً جسيمًا يعاقب عليه القانون فضلاً عن ضرورة وجود دور للإعلام في الحد من هذه الظاهرة.