من يخاف من الشريعة؟ النسوية الإسلامية والحوكمة الإسلامية

الشركاء: اختيار

تأليف:

یارا سلام

النسوية الإسلامية: نوبة الربيع العربي

لقد أدى ما يسمى بالربيع العربي إلى تغيير ديناميات السلطة في المنطقة؛ فقد جلب عديد من العناصر الفاعلة الرئيسية الجديدة إلى تلك الديناميات كما أطاح بالكثير منها مثل رموز النظام الحاكم السابق. وتهدف هذه الورقة إلى تتبع وتحليل نتائج الربيع العربي وعواقبه المتعلقة بالسياسة وأوجه التفاعل وكيف أدى إلى تغيير وضع النسوية الإسلامية كمدرسة للفكر والنشاط. وسوف تبحث هذه الورقة النسوية الإسلامية, ما إذا كانت حصلت على مزيد من المؤيدين وتمكنت من حل بعض المشكلات أم أنها لم تحقق أي تغيير ولا وجود فعلي لها في المنطقة.

واكب عام 2012 في مصر صعود الإسلام السياسي في السلطتين التشريعية والتنفيذية. لقد ميز بداية العام انطلاقة أول برلمان منتخب يفوز فيه حزب الحرية والعدالة بغالبية المقاعد، يليه حزب النور مما أثار كثير من المخاوف بشأن مستقبل التشريع ووضع القوانين, ليس فقط فيما يتعلق بقضايا المرأة ولكن أيضًا الحقوق والحريات بصفة عامة. وبعد أن أصبحت غالبية المقاعد في البرلمان من نصيب أكبر مجموعتين تمثلان الإسلام السياسي في مصر، خشي المراقبون بما في ذلك المجموعات النسوية، أن هذا الأمر سيؤدي إلى منافسة بينهما مضمونها من أكثر إسلامًامن الآخر، وهذا يترك مساحة صغيرة جداً لغير المنتمين إليهما، من البرلمانيين للدفاع عن وممارسة الضغط من أجل مزيد من القوانين الليبرالية.

وفي الفترة الزمنية القصيرة التي كان يعمل البرلمان أثناءها (من 13 فبراير – 14 يونيو 2012)، كانت الأخبار المختلفة تغطي مناقشات حول خفض سن الزواج، إعادة النظر في حظر الختان, وغيرها من الأمور التي تثير القلق والتي تتعلق بحقوق المرأة وحقوق البنت. ويؤمن الكثيرون أن هذه المناقشات ما هي إلا فقاعات سياسية لأعضاء البرلمان يبرهنون من خلالها لجمهور الناخبين أنهم سوف يقومون بتطبيق الشريعة. وفي حذر بدأت المجموعات النسائية في تحديد الحلفاء بين أعضاء البرلمان الليبراليين والعلمانيين كما يزعم البعض، حتى تكون هذه المجموعات متأهبة وعلى استعداد حينما تتحول هذه المناقشات إلى اقتراحات قانونية ملموسة لقوانين جديدة أو تعديلات في القوانين الحالية.

وقد تقلد الرئيس السابق محمد مرسي منصبه آخر يونيو 2012 وبدأ في تعيين أفراد من دائرته الموثوق بهافي مناصب وزارية, كلهم تقريباً من الرجال, دون وجود أي نوايا خلال فترة حكمه هذا العام أن يشاطر هذه المناصب أي من المجموعات السياسية الأخرى. وبما أن المشهد السياسي كان منغلقاً على وجود غالبية عظمى من مجموعات الإسلام السياسي، فلم يكن هناك مساحة كبيرة لأي من الأحزاب السياسية الأخرى للدفع بالمناظرات والمناقشات السياسية عن أي موضوعات أخرى بخلاف الوضع السياسي المحاط بالمشاكل. وفي نفس الوقت، بينما يسيطر جناح الإسلام السياسي على الساحة السياسية، ظلت المجموعات النسائية في وضع يبعدها عن الجدال والمناقشات الدينية أو حتى جرفها إلى دفاع ديني عن مواقفهن وأوضاعهن. وقد يؤمن البعض بشكل مشروع, أنه في ظل المشهد السياسي مثلما الحال في مصر في 2012 ستتشكل مجموعات نسوية إسلامية قوية للدعوة من أجل تبني منظور مختلف للشريعة, لمواجهة الاتجاه السائد السياسي والاجتماعي، ولكن لم يكن الحال هكذا. وكان هناك جهود فردية قليلة لمعالجة هذه المناقشات والأحاديث سواء فيما يتعلق بالقدرات الشخصية أو داخل المنظمات والهيئات من منظور يؤيد النسوية الإسلامية. وعلى نحو خاطئ تم تصوير المرأة التي تنتمي إلى المجموعات الإسلامية السياسية وتتحدث عن حقوق المرأة بأنها تمثل المنظور النسوي الإسلامي، ويرجع ذلك إلى الطبيعة العلمانية الغالبة على الحركة النسوية الحالية في مصر والموقف السياسي الذي اتخذه كثير من مؤيدي النسوية بعدم الاشتباك مع النصوص الدينية.

ولم يكن الموقف السابق ذكره لمؤيدي النسوية وللمنظمات النسوية متسقًا مع القرار الخاص بمختلف مجموعات المجتمع المدني، بما فيهم مؤيدي النسوية، ويفيد بعدم إقامة حملات ضد نص الشريعة في مسودة الدستور حتى لا نفتح حرباً سياسية اجتماعية. وأحد الأمثلة التي نشرها أحد النقاد من منظور نسوي إسلامي ضد بيان من حزب الحرية والعدالة هو ما كتبته ضدهم فاطمة إمام في فبراير 2012, . وقد يبدو هذا القرار الاستراتيجي أكثر فائدة اذا تم تشكيل مجموعة للعمل في الدعوة وتبني القضايايمكنها الرد على التصريحات التي يدلي بها السيدات أو الرجال الذين ينتمون إلى مجموعات الإسلام السياسي، وذلك بهدف إثراء المناقشات والحوارات في المجتمع عن قضايا المرأة من منظور نسوي إسلامي. وعلى الرغم من ذلك فقد تم ترك الساحة للأصوات المحافظة التي تسيطر على المناقشات والحوارات الخاصة بقضايا المرأة على المستوى السياسي، دون وجود أي خطة واضحة عن كيفية مواجهة ذلك بأدوات مشابهة للأدوات التي يستخدمونها.

وقد تم طرح حجج مشروعة مضادة من قبل مؤيدي النسوية العلمانيين بعدم استخدام خطاب ديني وعدم اشتراك مؤيدي النسوية الإسلامية في أعمال الدعوة الخاصة بهم. وتفيد الحجة الأولى بأن مثل هذه الإستراتيجية سوف تضر بالحركة وترجع بها إلى الوراء وإلى فترة تسبق المكاسب الحالية، والتي لم تتم بناء على حجج مؤيدي النسوية الإسلامية. وتبين الحجة الثانية أنه من الخطر الخضوع للابتزازالديني والاجتماعي من قبل هذه المجموعات.

والسؤال الهام الذي يجب بحثه هنا هو هل كان لغياب نسوية إسلامية قوية وراسخة تأثير سلبي على الخطاب الإسلامي السياسي الذي يتعلق بحقوق المرأة أم لا؟“. والحقيقة هي أن نظام مبارك لم يكن أقل محافظةً على الرغم من كونه أقل تلفظاً فيما يتعلق بالجدالات الدينية ولكن الدولة في هذا الوقت كانت ترعى وتساند سلسلة من الإصلاحات القانونية دون أي تحول اجتماعي حقيقي, مما ساعد في الهجوم ضد هذه القوانين, وكانت الذريعة هي أن هذه القوانين تم سنها بواسطة النظام السابق والتي أطلق عليها قوانين سوزان مبارك“. وقد قامت النسوية التي ترعاها الدولة وعلى الرغم من أنها غير قائمة على أسس دينية بتجريد هذه القوانين من أي دعم شعبي ومن ثم

ساعدت في التشكيك في شرعيتها وقانونيتها. وقد يذكر البعض أن كلا النظامين نظام مبارك ونظام مرسي لم يعكسا أي مطالب نسوية حقيقية، وعلى الرغم من ذلك لم يكن هناك سبب واضح في ظل نظام مبارك لمعالجة قضايا وموضوعات حقوق المرأة من منظور مؤيدي النسوية الإسلامية، بينما كان ضرورياً في ظل الغالبية من الإسلاميين السياسيين في السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وهناك عدد من المزايا في العمل من خلال النسوية الإسلامية في إطار الحوكمة الإسلامية، لمن يؤمنون بالأولي كمفهوم. وتتمثل الميزة الأولى في قبول الآراء المختلفة للنسوية لإثراء المناقشات والأحاديث المحلية عن قضايا المرأة، وعدم الزج بالحركة في طريق وحيد للرد على انتهاكات النظام لحقوق المرأة. والميزة الثانية هي, سواء رضينا أم لم نرضى، أن مصر دولة يتم فيها استخدام التصريحات الدينية على نحو موسع حينما يتم مناقشة قضايا وموضوعات المرأة. فعلى سبيل المثال, فإن قانون الأسرة، ضمن قوانين أخرى يستند على الأحكام الدينية وسيكون مفيداً جداً بالنسبة للحركة النسوية المحلية إشراك مؤيدي النسوية الإسلامية عند وضع الاستراتيجيات، ليس فقط لأنهم سيتبعون نفس لغة الحوار باعتبارها الاتجاه السائد, ولكن أيضًا لأن عملهم جنباً إلى جنب مع مؤيدي النسوية العلمانيين سوف يقوي ويرسخ الحركة في مواجهة المجموعات الإسلامية السياسية المحافظة التي تحاول تصوير مؤيدي النسوية العلمانيين كغربيين“.

ويعد تصاعد العنف الجنسي أحد الانتهاكات التي عانت منها المرأة في العامين الماضيين، سواء على أيدي القوى الأمنية أو من قبل الجهات الفاعلة خارج الدولة. وقد أدى الهجوم على المدافعين عن الحقوق الإنسانية للمرأة WHRD من قبل مؤيدي مرسي وحزب الحرية والعدالة في ديسمبر 2012 إلى تذكرتنا بالهجوم ضد المدافعين عن الحقوق الإنسانية للمرأة في ظل نظام مبارك في 2005. وخلال العام الذي سيطر فيه على مصر الغالبية التي تنتمي إلى مجموعة الإسلام السياسي, لم يتغير الوضع وذلك فيما يتعلق بالطريقة والأسلوب الذي تتعامل به الدولة مع المرأة في المجال العام وذلك حتى آخر يوم لمرسي باعتباره أول رئيس منتخب بعد ثورة 25 يناير. ومنذ قيام الجيش بالإطاحة بمرسي في 3 يوليو 2013, لم يتم اتخاذ أي خطوات من قبل الدولة لمواجهة ومعالجة موضوعات وقضايا حقوق المرأة، أو حتى على الأقل، الاعتراف بمسئوليتها تجاه الانتهاكات التي عانت منه المرأة منذ بداية الثورة, وذلك حتى يتم الانفصال الحقيقي عن النظام السابق. وفي هذا الإطار، فإن أهمية تضمين الأصوات المؤيدة للنسوية الإسلامية في المناقشات والأحاديث النسوية المصرية لا تتعلق بما إذا كانت الدولة تحت الحوكمة الإسلامية أم لا، لأن السنوات الثلاثة الماضية أظهرت أن المجتمع والدولة لهم طبيعة محافظة لا تحمي حقوق المرأة بغض النظر عما إذا كانت الدولة يحكمها الإسلام السياسي أم قوى أخرى. وعلى الرغم من ذلك، من المهم تضمين هذه الأصوات، إذا كانت الحركة النسوية المصرية ترغب في مواجهة الأمور الثقافية والاجتماعية والقانونية وكسب مزيد من الدعم الشعبي لقضيتهم.

شارك:

اصدارات متعلقة

وسائل التواصل الاجتماعي ترسخ العنف ضد النساء
نصائح للمصورة الصحفية بشأن الوقاية من "كوفيد" 19" أثناء التصوير الصحفي
نصائح بشأن السلامة النفسية للنساء في أوقات الأزمات
ورقة قانونية بشأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
كيف تحررين محضر تحرش
عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا