قد يٌنظر إليك كشخص فقد عقله، قد يُنظر إليك على أنك عار، قد تمر بالأمر وحدك والبعض قد يقف معك. كل هذه افتراضات، لكن ما الذي حدث بالفعل مع قبس؟
البداية: التحرش في الشارع
كانت قبس عمر عبد الرحيم وشقيقتها شهد تسيران في شارع عام في مايو الماضي. في طريقهم إلى المنزل بالقرب من السوق المركزي جنوب الخرطوم. بدأت قصتهم عندما تتبعهم شاب في طريقهم إلى محطة للحافلات. بدأ بمضايقتهم لفظيا وبعد ذلك بدأ ينطق تلميحات جنسية ويعلق على أشكال أجسادهن. عندما واجهته قبس وقررت منعه، إحتج وتظاهر بالتحدث على الهاتف. وعادت الشابات لتجاهله لأن ما مررن به حتى الآن هو ما يحدث كل يوم للسيدات في الأماكن العامة.
تصاعدت الأمور بعد أن استقلت قبس وأختها الحافلة، حيث عاد الملاحق واستمر في مضايقتهن لفظيا بطريقة قاسية ومستمرة أمام الناس الذين كانوا في المشهد. لم يحاول أي من الركاب الآخرين التدخل وإيقاف المتحرش لمساعدة قبس وأختها. تستذكر قبس تلك اللحظة قائلة: “شعرت بالإحراج والإذلال بسبب تصرفاته، وفي تلك اللحظة قررت أن أضع حداً لها وانطلقت من الحافلة وبدأت أشتبك معه. انضمت إليّ أختي وفتاة أخرى لا نعرفها فعلت نفس الشيء وحاولت منع المتحرش من مهاجمتي. لم يحاول أي من الأشخاص من حولنا، رجال أو نساء ، إيقافه في البداية، حتى ضربني وفقدت الوعي لثواني، لأنه ضربني بقوة. طوال الوقت حاولت الفتاة الأخرى إبعاد المهاجم عني ودافعت عني“. تلك الفتاة وقفت مع قبس وشهد ولم تتخل عنهن، في حين فضّل بقية المتفرجين إنهاء الموقف ونصح قبس بالابتعاد عن المتحرش.
ذهبت قبس وشهد والفتاة الثالثة لركوب الحافلة مرة أخرى. كانت قبس جالسة على مقعد بالقرب من النافذة وعاد المتحرش مرة أخرى وبدأ في استفزازها. عند هذه اللحظة أخبرت قبس شقيقتها شهد بالاتصال بالشرطة ، لكنها لم تستطع إقناع الناس حولها بالقبض على المتحرش حتى وصول الشرطة. أوضح أحدهم أنه لا يؤثر عليه إذا قُبض على المتحرش أم لا، وأخبرها شخص آخر بأن تتجاهل الوضع بأكمله ولا تواجه الجاني مرة أخرى. أصرت قبس على مواجهة المتحرش وتسليمه إلى الشرطة. عندما لاحظ المتحرش ذكر الشرطة، بدأ في التحرك إلى حي الصحافة، لكن قبس وشهد تبعوه وأخبروا الرجال في الحي بأن يمسكوه لمضايقتهم. قبض عليه شبان وهو يحاول الهرب وسلموه إلى قوة الشرطة التي وصلت في عشر دقائق.
محاكمة المتحرش
توجهوا جميعا إلى مركز شرطة الصحافة وطُلب من قبس الذهاب إلى مستشفى إبراهيم مالك للحصول على وثيقة طبية للإجراءات القانونية. وقد تم فتح قضية بموجب المادة 142 ، ثم أضيفت تهم في إطار المواد 151-1 (المضايقة) و 160 (إساءة). بعد بضعة أيام ، قيل لقبس أنه ستجري محاكمة في نفس اليوم وستكون الجلسة الأولى يوم الخميس من ذلك الأسبوع. وتأجلت المحاكمة إلى يوم الأحد حيث لم يتم إبلاغ إدارة السجن قبل 48 ساعة من المحاكمة حتى يتمكنوا من نقل السجين في الوقت المناسب للمحاكمة. وفي يوم الأحد ، تم الاستماع إلى جميع التصريحات وقررت المحكمة أن المتحرش سيقضي ستة أشهر في السجن، ووجهت إليه تهم بالجلد 75 مرة وغرامة 1000 جنيه سوداني ، بالإضافة إلى 3 أشهر إضافية في السجن في حالة عدم دفع الغرامة.
وتختتم قبس حديثها قائلة: “اضطررت إلى مواجهة المتحرش حيث شعرت بالعجز من سلوكه وجرأته وحقيقة أنه سيضايق المزيد من الفتيات، وعدم تحرك الناس لدعمنا. السبب الرئيسي وراء نشر قصتي هو أنني أتمنى أن تكون مصدر إلهام للفتيات الأخريات مثلي اللواتي تعرضن للمضايقات بأبشع الطرق. لا يمكن للكثير منهن أن يأخذوا حقهم لأنهم يخافون من كيفية نظر المجتمع إليهم أو ربما يشككون في نظام القضاء السوداني “.
القانون الجنائي للتحرش في السودان
تنص المادة 151-1 في القانون الجنائي السوداني لعام 1991 ما يلي عن مرتكب جريمة الأفعال الفاحشة: ” من يأتى فعلاً مخلاً بالحياء لدى شخص آخر أو يأتى ممارسة جنسية مع شخص آخر، لا تبلغ درجة الزنا أو اللواط، ويعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة .إذا ارتكبت جريمة الأفعال الفاحشة في مكان عام أو بغير رضا المجني عليه، يعاقب الجاني بالجلد بما لا يجاوز ثمانين جلدة كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة “. كما تنص المادة 151-2 ” إذا ارتكبت جريمة الأفعال الفاحشة في مكان عام أو بغير رضا المجني عليه، يعاقب الجاني بالجلد بما لا يجاوز ثمانين جلدة كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز سنتين أو بالغرامة ” . تم تحرير المادة 151 من خلال إضافة بند ثالث إليها ينص على أن “المتحرش الجنسي هو الشخص الذي يفعل أو يقول أو يتصرف بطريقة معينة لإغواء شخصًا آخر لفعل جنسي غير قانوني، أو يأتي بسلوك غير مقبول أو فاحش، و يعطي تلميحات جنسية تؤدي إلى إيذاء الضحية عاطفياً أو يعطيه إحساساً بعدم الأمان، ولا يُتهم في السجن أكثر من 3 سنوات ويعطى عدداً من الجلد “.
هذه المقالة جزء من سلسلة في شراكة مع مبادرة آمنة لمناهضة العنف ضد المرأة. تابعوا آمنة على تويتر لمعرفة المزيد عن نشاطاتها.