نحو تأسيس منهج لدراسة تاريخ النساء في مصر:
مؤسسة المرأة والذاكرة – رؤية شخصية
في كتابها عن“الجندر وسياسات التاريخ” (Joan Scott, Gender and the Politics) of History)، تستهل مؤلفته“جوان سكوت” الفصل الأول المخصص لمفهوم“تاريخ النساء” (Women’s History) باقتباس من الفصل الثالث من كتاب الأديبة والمفكرة النسوية الرائدة فيرجينيا وولف“حجرة خاصة بها” (Woolf, A Room of One’s Own) والذي يضم عددًا من المقالات التي نشأت من مجموعة محاضرات كانت“فيرجينيا وولف” تلقيها على مسامع طالبات كبرى مدارس الفتيات في بريطانيا في بدايات القرن الماضي. وهو فصل تدعو فيه الطالبات النابهات إلى“إعادة كتابة التاريخ” انطلاقًا من التأريخ لحياة النساء بناء على معلومات تقبع متوارية في سجلات الكنائس وغيرها من الأماكن التي ربما يكون قد تم فيها تدوين تفاصيل الحياة اليومية للنساء البريطانيات. ((Woolf,45 وهي دعوة واصلت فيرجينيا وولف طرحها في محاضراتها ومقالاتها وكتاباتها القصصية.
وقد جاءت دراسة المؤرخة النسوية“جوان سكوت” لتؤسس نظرية في كتابة تاريخ النساء، تتبع فيها ذلك النمط من المعرفة الجديدة التي أخذت تتراكم عبر جهود عديدة تتناول تاريخ النساء ومناهج بحثه وتأويله. وتتناول الكاتبة هنا الإشكاليات و“التوترات” المتعلقة بدراسة تاريخ النساء“ما بين السياسات العملية والبحث الأكاديمي، وبين المعايير العلمية الراسخة وبين تأثير الدراسات البينية للتخصصات المتداخلة، وبين الموقف اللانظري من التاريخ وحاجة الفكر النسوى للتنظير“. أما نقطة التلاقي التي ترتكز عليها جوان سكوت لتجاوز تلك الإشكاليات فتتمثل في“البعد المشترك” الذي تجتمع عليه جميع تلك المقاربات والتوجهات، وهو ما تعبر عنه فيما يلي:
أيا ما كان مجال الموضوعات وتنوعها، فهنالك بعد مشترك في مشروع هؤلاء الباحثات والباحثين على اختلاف مدارسهم، ألا وهو جعل النساء مركز البحث، وموضوعًا للحكاية وفاعلاً في السردية – سواء كانت تلك السردية سجلاً للأحداث السياسية.. . والحركات السياسية.. .، أو تناولاً تحليليًا لآليات أو تجليات نطاق أوسع من مسارات التغير الاجتماعي…. وهو جهد يتجاوز البحث الساذج عن بطولة أسلاف الحركة النسائية المعاصرة، لينطلق إلى إعادة تقييم المعايير الراسخة في الدلالة التاريخية. فهو جهد يبلغ ذروته في مجموعة الأسئلة التي طرحتها فيرجينيا وولف ومفادها: هل يمكن للتركيز على النساء أن“يضيف ملحقًا إلى التاريخ” دون أن تصاحبه“إعادة كتابة للتاريخ“؟ أما السؤال الذي يتجاوز ذلك فهو: ما الذي تقتضيه عملية إعادة كتابة التاريخ ؟ (17 Scott)
وفي هذا العدد من مجلة“طيبة” والمخصص لقضية“النساء والتاريخ“، إذ أتناول جهود مؤسسة المرأة والذاكرة (منذ عام 1995) في تأسيس منهج لدراسة تاريخ النساء في مصر، فإنما انطلق من كتابات“فيرجينيا وولف” و“جوان سکوت” باعتبارهما تمثلان قاعدة نظرية أراها أساسية فيما يتصل بالخلفية الفكرية للباحثات المؤسسات للمرأة والذاكرة، من حيث منبع انتماءات أغلبهن الأكاديمية في مجالات الدراسات الأدبية والتاريخية والثقافية النسوية، إضافة إلى خبراتهن في ساحة العمل النسائي وبلورة الفكر النسوي في مصر المعاصرة. ولا يفوتني في هذا السياق التأكيد على أن ما أعرضه هنا إنما هو رؤية شخصية للفلسفة الجماعية التي أراها قد شكلت عمل مجموعة المرأة والذاكرة، وهي رؤية أدعى أنها تجمع بين ذاتية القرب وموضوعية البعد، من حيث قربى الحميم من مشروع المرأة والذاكرة منذ بداياته وعلى مدار سنواته العشر الأولى، ثم نظرتي له من مسافة التأمل مع انخراطي المحدود فيما تم إنجازه خلال السنوات الخمس الأخيرة من توسع وتطور مشهود.
يبدأ العدد التجريبي من نشرة“رسائل الذاكرة” الصادر عام 1998 بمقال افتتاحي بقلم“هدى الصدة” تطرح فيه السؤال التالي:”لماذا التركيز على إعادة قراءة التاريخ الثقافي العربي كمدخل لتناول قضايا المرأة المعاصرة والنهوض بوضعها في المجتمع؟” وتأتي الإجابة فيما يمكن إجماله في النقاط التالية: 1 ) تعرض النساء لعمليات إقصاء واستبعاد أدت بمرور الزمن إلى تشويه الذاكرة الجماعية، 2) أدوار النساء في حركة وصياغة التاريخ العربي، وهو أمر تم تهميشه وتقليصه، 3) إن دراسة التاريخ هدف أكاديمي وسياسي في الوقت نفسه، وهي دراسة تجمع بين السعى إلى المعرفة والعمل على إحداث تغيير ثقافي واجتماعي، 4) غياب الاهتمام بدراسة التاريخ المصرى والعربي من منظور الجندر في المنطقة العربية، وعدم وجود أبحاث ودراسات باللغة العربية في هذا المجال. وأخيرًا ترجع“هدى الصدة” تبنى المرأة والذاكرة لهذا المشروع، كمجموعة بحثية مستقلة لا في إطار النشاط الجامعي، إلى ما أصاب الجامعات المصرية من تراجع بشكل عام وانهيار في البحث العلمي الجاد في العلوم الإنسانية والاجتماعية. كما توجز جهود المرأة والذاكرة في إنتاج مادة ثقافية حول أدوار النساء عبر التاريخ“للمساهمة في إزالة العقبات التي تحول دون نهضة المرأة” (هدى الصدة،“رسائل
الذاكرة“، ص1 -2).
وانطلاقًا من الأهداف التي قامت عليها جهود المرأة والذاكرة منذ نشأتها، أود أن أتوقف أمام ما أعتبره منجزًا فكريًا آخذًا في التطور نحو تأسيس منهج لدراسة تاريخ النساء في مصر، والذي يمكن تأمله من خلال مجالات الأنشطة والإصدارات التي أنتجتها مجموعة الباحثات العاملات تحت مظلة مؤسسة المرأة والذاكرة. ونجد أن نتاج هذا العمل اتخذ عدة أشكال، منها ما يتسم بسمات أكاديمية متخصصة تدور في إطار البحث التاريخي النسوى والتعرف على المفاهيم والممارسات والنظريات النسوية الغربية والتعريف بها والتفاعل معها، ومنها ما يقترب بالمعرفة التاريخية والنسوية إلى فئات من غير المتخصصات والمتخصصين سعيًا لتقديم صورة أكثر دقة بشأن موقع النساء في المجتمع المصرى والعربي عبر التاريخ، وتفنيد المزاعم الرجعية فيما يتعلق بأدوار النساء وقدراتهن، إضافة إلى العمل على إثارة الوعي النسوي.
وقد كان من المنطقى أن تستهل المرأة والذاكرة إصداراتها بكتاب يضم مجموعة أبحاث جاءت نتاجًا عن ملتقى بحثي عربي حول“زمن النساء والذاكرة البديلة” تم في إطاره طرح علاقة النساء بالتاريخ من حيث تعريف تاريخ النساء في علاقته بالزمن والذاكرة والسلطة التي تتحكم في تكريس صيغة معينة لتحقيق أغراض خاصة. ويأتى المنظور النسوى ليحيل بؤرة التركيز نحو النساء الخاضعات لسلطة الفكر الذكوري ودوره في طمس معالم وجود النساء في التاريخ، كما يؤكد المنظور النسوي – منهجيًا– أهمية دراسة الفئات المهمشة، ومساحات السكوت والإسكات في التاريخ الرسمي، وأشكال التأريخ غير الرسمية.
كان من أول ما حرصت عليه مجموعة باحثات المرأة والذاكرة هو إحياء فكر رائدات العمل النسائي في التاريخ المصري، وذلك بإعادة نشر أعمال عدد من النساء المصريات ممن نفذت كتاباتهن النسوية من الطبع منذ عقود، وما سببه ذلك الغياب من فجوة في المعرفة التاريخية بشأن فكر وحياة النساء المصريات. وقد صاحب عملية إعادة النشر تلك إقامة مؤتمر بحثى يستهدف التذكير بالشخصية مع وضعها في سياقها التاريخي، وقراءة منجزها الثقافي في إطار ثقافي سیاسی اجتماعی عام. ومن هنا تمت إعادة نشر كتب بأقلام كل من: ملك حفنى ناصف، ونبوية موسى، وعائشة تيمور، وقدرية حسين. وقد تم الحرص على تقديم كل كتاب منها بمقدمة تلقى أضواء على الكاتبة والسياق الذي كان قد صدر فيه. كتابها، وقد قامت بكتابة مقدماتها على الترتيب كل من هدى الصدة، ورانيا عبد الرحمن وهالة كمال، وميرفت حاتم، وأميمة أبو بكر، كذلك تم عقد مؤتمرات لتشجيع البحث في تاريخ هؤلاء النساء مع نشر ما نتج عنها من دراسات في كتب مستقلة. كما تم أيضًا إصدار مجلد يضم أعداد مجلة“الفتاة“، وهي كما يشير عنوانها الفرعي“جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية” لصاحبتها هند نوفل، ظهر العدد الأول منها في نوفمبر 1892،ثم توقفت بصدور العدد الثاني عشر منها في مارس 1894.
انطلاقًا من عمل الباحثات في المرأة والذاكرة على توثيق مساهمات النساء في التاريخ الثقافي والفكري، تم تأسيس أرشيف أصوات النساء القائم على مناهج بحث التاريخ الشفاهي بناء على قناعة بأهمية الالتفات الجاد إلى السير الذاتية الشفاهية لشخصيات نسائية مصرية معاصرة. وفي هذا الإطار تم تسجيل العشرات من المقابلات الشخصية مع النساء الرائدات اللاتي انطلقن لشغل حيز في مجال العمل العام منذ النصف الأول من القرن العشرين، وقد تم إصدار كتابين في سلسلة“أصوات النساء“، يتناول أحدهما سيرًا شخصية شفاهية موجزة لثماني نساء مصريات معاصرات، بينما يعرض الآخر سيرة حياة الرائدة عالمة الموسيقى سمحة الخولى. كما تضم سلسلة“أصوات النساء” مطبوعة فريدة تم إصدارها بعنوان“كراسات جميلة صبري“، تحتوى على المذكرات الشخصية للسيدة جميلة صبرى ( 1887- 1962 ) كانت قد كتبتها في صورة سبع كراسات تتضمن ملاحظاتها على خبراتها الشخصية، والتي أخذت في تدوينها بدءًا من عام 1948، لتمثل بذلك وثيقة تاريخية غير رسمية تلقى أضواء على جوانب من التاريخ السياسي والاجتماعي المصري.
سعيًا إلى نشر المعرفة بتاريخ النساء تتبنى المرأة والذاكرة نوعين من الإصدارات يمكن اعتبارهما يحملان صبغة تعليمية، وهما سلسلة الكتب المصورة وسلسلة الترجمات النسوية. وفيما يتعلق بالكتب المصورة، اشتركت مجموعة كبيرة من الباحثات بالعمل على إصدار أول كتاب مصور باللغة العربية يقدم المفاهيم المحورية الخاصة بنقطة التلاقي بين الدراسات التاريخية والدراسات النسائية، وذلك في كتاب“مدخل إلى قضايا المرأة في سطور وصور“. وقد أعقبه كتاب“الأوقاف في سطور وصور” اشتركت أمينة البنداري وهدى السعدي في تأليفه، ليتم إفراده لتاريخ الوقف ودوره في تقديم خدمات تعليمية ودينية وصحية في المجتمعات العربية والإسلامية. كذلك قامت منيرة سليمان وهدى السعدي بإعداد كتاب ثالث عنوانه“رائدات الفن المصرى الحديث في سطور وصور“، يقدم فنانات تشكيليات من رائدات الحركة الفنية المصرية منذ بدايات القرن العشرين.
كذلك صدر مؤخرًا العدد الأول من سلسلة“ترجمات نسوية” المعنية بترجمة دراسات مؤسسة لمناهج البحث النسوى عبر التخصصات المختلفة، ومنها العلوم السياسية والتاريخ والعلوم الاجتماعية وعلم النفس والدراسات الأدبية والنقد الأدبي النسوى. وعنوان العدد الأول“نحو دراسة النوع في العلوم السياسية“، وهو من تحرير وتقديم ميرفت حاتم وترجمة شهرت العالم، وقد جاء في كلمة التصدير حرص المرأة والذاكرة على“إتاحة المعرفة الثقافية الصادرة في المؤسسات الأكاديمية الغربية من خلال نقلها إلى اللغة العربية بهدف التعريف بها وتشجيع التفاعل الفكري معها بالفهم والنقد والتطبيق والتفنيد“، مع التأكيد على إمكانية استخدامها كمرجع دراسي لإدخال مناهج البحث النسوى ضمن مناهج البحث الأكاديمية. كما أن مشروع ترجمات نسوية ينطلق من قناعة بأن عملية الترجمة لا تقتصر على مجرد نقل للمعرفة، بل إنتاج للمعرفة باللغة العربية، كما تسعى إلى تطوير مناهج البحث النسوى في المنطقة العربية، وبالتالى مقاومة الهيمنة الغربية في هذا المجال.
لم تقتصر جهود المرأة والذاكرة على إصدار الكتب، بل قامت بتشجيع الأبحاث في تاريخ النساء عبر التاريخ بإصدار سلسلة“أوراق الذاكرة” التي يضم كل عدد منها ورقة بحثية في موضوع معين. وقد شجعت بذلك على نشر عدد من الدراسات عن النساء في المجتمعات الإسلامية منذ العصور الوسطى، وتضم الموضوعات التالية:”النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية“، و“المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى“، و“النشاط الاقتصادي الحضري للنساء في مصر الإسلامية“، وهي دراسات تمت بالمشاركة بين أميمة أبوبكر وهدى السعدي، في حين ضم العدد الخاص بموضوع“الجنون والمرأة في مصر في نهاية القرن التاسع عشر” ورقتين، تتناول هدى السعدي في إحداها“تغير مفهوم الجنون وتأثيره على المرأة والمجتمع في مصر في نهاية القرن التاسع عشر” بينما يركز رمضان الخولى في الورقة الثانية على“النساء بين الجنون والقانون في القرن التاسع عشر“. وتتمثل أهمية هذه الأوراق في تتبعها لأنشطة النساء في الحيز العام، فيما يتصل بالمهن والعمل التجاري، ومكانتهن في المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، كذلك تحمل تلك الأوراق بعدًا تاريخيًا من حيث توغلها درجات في عمق التاريخ، وتجاوزها نطاق عصر النهضة والحداثة ببواعثها وتداعياتها. وهي بالتالي تواجه تنميط النساء في الثقافة الإسلامية، فتبرز من ناحية أدوار النساء في الحياة العامة وتفند الآراء الرجعية التي تربط خروج النساء للعمل العام بالمشروع الغربي الاستعماري، وترسخ قواعد البحث النسوي في التاريخ العربي والإسلامي.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تأسيس مركز المرأة والذاكرة للكتب والوثائق الذي يضم مجموعة من الوثائق المتخصصة في قضايا النساء والتاريخ. إذ يسعى المركز إلى اقتناء وتوفير الأدبيات محدودة التداول التي صدرت في العالم العربي وغير المتاحة بسهولة من خلال وسائل النشر والتوزيع السائدة. كذلك يحتوى على مجموعة من الكتب والصحف النادرة الصادرة في العالم العربي، مع اتباع المعايير والقواعد الدولية في الفهرسة، والعمل على ترقيم كل المقتنيات وتحويلها إلى مادة إلكترونية سهلة التداول. كما يتيح مركز المرأة والذاكرة للكتب والوثائق إمكانية الاطلاع على جميع المواد الإلكترونية الأكاديمية المتاحة من خلال المكتبة الرقمية لاتحاد مكتبات الجامعات المصرية.
ولعل من أهم الإضافات التي يحتويها مركز المرأة والذاكرة للكتب والوثائق هو مجموعة“الأوراق الخاصة“، والتي تضم حاليًا مجموعة الأوراق الخاصة بالأستاذة وداد مترى (1927- 2007)، والتي قامت أسرتها بإهدائها للمرأة والذاكرة. وتحتوى تلك المجموعة على كراسات مذكراتها الشخصية وصورها وشهاداتها الجامعية، وكذلك مراسلاتها مع جهات ومنظمات متنوعة، وقصاصات متنوعة من الصحافة. وإلى جانب قيمتها الشخصية کتاریخ شخصي لصاحبته، تحمل الأوراق الشخصية في طياتها ملامح لفترة تاريخية كاملة، فهي تمثل بحق جانبًا مهمًا للغاية في التأريخ للنساء، فبقدر ما تمكننا من التأريخ لوداد متري، فإن توفر عدد من مجموعات الأوراق الخاصة كفيل بتهيئة أرضية جديدة لقراءة وكتابة تاريخ النساء المصريات.
وفي نهاية هذا العرض للجهد الذي تقوم به باحثات المرأة والذاكرة نحو تأسيس منهج لدراسة تاريخ النساء المصريات والعربيات، فإنني أود أن أشير إلى بعض الملاحظات الختامية. أولاً، تثير الدراسات التاريخية في ذهني دومًا تساؤلاً حول العلاقة بين التاريخ والأدب: إلى أي حد التاريخ أدب، والأدب تاريخ؟ وإذا كانت النظرية الأدبية تؤكد تداخل الحدود فيما بين الأنواع الأدبية، فإن الأمر ينطبق بالمثل في علاقة الكتابة الأدبية بالكتابة التاريخية كا تعلمنا النظرية الأدبية أن الأدب شكل من أشكال التاريخ، وأن الأعمال الأدبية في حد ذاتها هي أعمال تاريخية بشكل ما، إلا أن قراءة النصوص التاريخية كثيرًا ما تستوقفني لأتأمل فيها ملامح الكتابة الأدبية، وهو ما لحظته عند قراءة نص عائشة تيمور الأدبى“وقائع الأحوال في الأقوال والأفعال” جنبًا إلى جنب مقالتها“مرآة التأمل في الأمور“، إذ يوفر هذان النصان مساحة للقراءة التاريخية لأوضاع النساء في المجتمع في تداخل مع فنيات الكتابة الأدبية وجمالياتها. ومع ما تشهده الجهود البحثية في المرأة والذاكرة حاليًا من تركيز على الجانب التاريخي، فإننى ألمح في تراكم تلك الجهود والإصدارات مساحة لتطوير مساحة تهمني أنا شخصيًا ألا وهي مجال النقد الأدبى النسوي.
ثانيًا، وبناء على فكرة التراكم المعرفي في التأريخ للنساء المصريات، وفيما يتعلق بأهداف مؤسسة المرأة والذاكرة في دمج المعرفة النظرية بالعمل العام، فلا يفوتني أن ألمح في مشروع المرأة والذاكرة نحو تأسيس منهج لدراسة تاريخ النساء شرارة تسعى إلى بث الوعى النسوى بشكل عام، ذلك الوعي الذي أراه في ضوء تعريف جيردا ليرنر باعتباره يشير إلى“وعى النساء بأنهن ينتمين إلى فئة ثانوية، وأنهن عانين من الإساءة إليهن كمجموعة بشرية، وأن أسباب هذا الوضع الثانوى ليست طبيعية وإنما محددة اجتماعيًا، وأن عليهن الاشتراك مع نساء أخريات لعلاج تلك الإساءات، وأخيرًا أن عليهن وفي إمكانهن طرح رؤية بديلة للنظام الاجتماعي تتمتع فيه النساء والرجال بالاستقلالية واتخاذ القرار” (Lerner,14)، وهو ما يقودني إلى ملاحظتي الأخيرة والتي أود فيها لفت الانتباه إلى شعار المرأة والذاكرة“نحو معرفة بديلة“، وما يعنيه هذا الشعار من وعى وإدراك بأهمية توثيق وإنتاج ونشر المعرفة بتاريخ النساء، بما يجعل عمل“المرأة والذاكرة” مرادفًا لدراسة“تاريخ النساء“.
-
أصوات وأصداء، تحرير وإعداد أمل أبو الفضل، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2007.
-
أميمة أبو بكر وهدى السعدي،“النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية“، أوراق الذاكرة 1،القاهرة: المرأة والذاكرة، 1999.
-
أميمة أبو بكر وهدى السعدي،“المرأة والحياة الدينية في العصور الوسطى بين الإسلام والغرب“، أوراق الذاكرة 2،القاهرة: المرأة والذاكرة، 2002.
-
أمينة البندارى وهدى السعدي، الأوقاف في سطور وصور، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2006.
-
زمن النساء والذاكرة البديلة، تحرير هدى الصدة، سمية رمضان، أميمة أبوبكر، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 1998.
-
سمحة الخولي: الذاكرة والتاريخ، تقديم نهال النجار، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2007.
-
عائشة تيمور، مرآة التأمل في الأمور (1892)، تقديم ميرفت حاتم، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2002
-
الفتاة: جريدة علمية تاريخية أدبية فكاهية (1892 -1894)، لصاحبتها هند نوفل، تقديم هدى الصدة، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2007.
-
قدرية حسين، شهيرات النساء في العالم الإسلامي (1924)، تقديم أميمة أبو بكر، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2004.
-
كراسات جميلة صبري، إشراف هدى الصدة، تقديم صافی ناز کاظم، إعداد داليا الحمامصي، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2007.
-
مدخل إلى قضايا المرأة في سطور وصور، تحرير هدى الصدة وأخريات، القاهرة، المرأة والذاكرة,2002
-
ملك حفني ناصف، النسائيات (1910)، تقديم هدى الصدة، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 1998.
-
منيرة سليمان وهدى السعدي، رائدات الفن المصري في سطور وصور، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2007.
-
نبوية موسى، تاریخی بقلمي (1937)، تقديم رانيا عبد الرحمن وهالة كمال، القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 1999.
-
نحو دراسة النوع في العلوم السياسية، تحرير ميرفت حاتم، ترجمة شهرت العالم، سلسلة ترجمات نسوية، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2010.
-
هدى السعدي وأميمة أبو بكر،“النشاط الاقتصادي الحضري للنساء في مصر الإسلامية“، أوراق الذاكرة 4، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2007.
-
هدى السعدى ورمضان الخولي،“الجنون والمرأة في مصر في نهاية القرن التاسع عشر“، أوراق الذاكرة 3، القاهرة: المرأة والذاكرة، 2005.
-
هدى الصدة،“ملتقى المرأة والذاكرة“، رسائل الذاكرة، العدد صفر، يناير 1998.
-
Gerda Lerner, The Creation of Feminist Consciousness, New York and Oxford: Oxford Unviersity Press, 1993
-
Joan Wallach Scott, Gender and the Politics of History, New York: Columbia University Press, 1999.
-
/https://www.wmf.org.eg/ar/