نحو علم سرد نسوي
سوزان لانسر*
إن ما تختاره وترفضه يعتمد، بالتالي، نظريا على ما تحاول القيام به عمليا. وقد كان هذا دوما هو حال النقد الأدبي، ولكنه ببساطة بحجم كثيرا عن إدراك تلك الحقيقة. ففي آية دراسة أكاديمية تقوم باختيار الموضوعات والأساليب الإجرائية التي تعتقد أنها هي الأكثر أهمية، كما أن تقييمنا لأهميتها محكوم بأطر المصالح المتأصلة في الأشكال العملية لحياتنا الاجتماعية، ولا يختلف النقاد الراديكاليون في هذا الصدد، فلا يزيد الأمر عن أن لديهم مجموعة من الأولويات الاجتماعية التي تميل غالبية الناس في الحاضر إلى الاختلاف معها ولهذا السبب يشيع تجاهلها باعتبارها “أيديولوجية“، نظرا إلى أن “الأيديولوجيا” هي دائما طريقة يتم بها وصف مصالح الآخرين لا مصالح الذات.
تيري إيجلتون (ص۲۱۱)
إن النقد الأدبي، مثله ربما كعلم السرد وكافة النظريات الجيدة، هو مشروع تفاؤلي، حريص على تفسير كل ما يتعلق بعالمه، وعلى مدار حوالي العقدين من الزمان، لم يقتصر الأمر على قيام النقد النسوي بتقديم طرق جديدة للنظر إلى مدى كبير من النصوص المكتوبة بأقلام النساء والرجال في كل نوع أدبي ولغة تقريبا، بل قام أيضا بتمحيص فرضيات ونظريات وأساليب البحث الأدبي، من السيرة والتاريخ إلى التفكيكية والتحليل النفسي، ومن نقد المثال الأولى إلى نظرية استجابة القارئ أو القارية، ولكن في الجدل المحتدم أحيانا سواء داخل النقد النسوي (وخاصة بين المقاربتين “الأمريكية” والفرنسية“1) أو بين النسوية وغيرها من الأنماط النقدية الأخرى، لم يقترب أحد تقريبا من المناهج البنيوية الشكلانية (structuralist formalist)، ومن هذا كان تأثير علم السرد في البحث النسوي ضئيلا، كما تعرضت الملاحظات النسوية بشأن السرد هي الأخرى إلى التجاهل من علم السرد. وبالتالي ربما يبدو عنوان هذا المقال مزعجا كما لو كنت أحاول فرض تقاطع بين خطين مرسومين في مجالين مختلفين، أحدهما علي ووصفي وغير أيديولوجي، بينما الآخر انطباعي وتقييمي وسياسي (وهي معارضة زائفة أتمنى أن تتمكن الفقرة الافتتاحية من حلها).
وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول حقا بوجود تاريخ للنسوية وعلم السرد، إلا أنه قد سبق حدوث بعض المحاولات المبدئية للجمع بينهما، وبينما تغيب الدراسات السردية عن كل مجموعات المقاربات النسوية إلى الأدب، وهي مجموعات واسعة المجال وانتقائية الطابع، إلا أن المجلد المتميز عن “النساء واللغة في الأدب والمجتمع” (١٩٨٠) يتضمن مقالات ذات ميول بنيوية.2 أما الجهود الوحيدة المباشرة للربط بين النسوية وعلم السرد حسب علمي هي المراجعة النقدية لعلم السرد والتي قامت بها ماريا مينيتش بروير في مقالتها عن “فك الألسنة” (Maria Minich Brewer, “A Loosing of “Tongues) وتطبيقها في مقالة ميكي بال عن “الهوية الجنسية والتعايش والثنائية” ( ,Micke Bal “Sexuality, Symbiosis and Binarism”) وفي المفهوم المستحدث عن “النساء المتخيلات” (femmes imaginaires)3، ومحاولتي أنا في صياغة شعرية نسوية لوجهة النظر في كتاب “فعل السرد” (The Narrative Act)، والمقالة الصادرة مؤخرا بقلم روبين وارهول (Robyn Warhol)4، وتجد أنه حتى الناقدات النسويات اللاتي يعترفن بقدر من الامتنان لخبرتهن التعليمية الشكلانية أو البنيوية قمن بتوجيه انتقاد حاد لمحدودية تلك الخبرة، حيث تقسم ناومي شور بأنه ما كان بوسعها أن تمارس النقد النسوي على الإطلاق داخل “القهر الضمني (في أقسام الدراسات الفرنسية في أمريكا) الذي تمارسه البنيوية في حالاتها الأقل نقدا للذات وتمسكا بالنظرية” (Naomi Schor, ix). كما نجد أن جوزفين دونوفان ترفض “تشريح الأدب كما لو كانآلة جمالية مكونة من التناقضات الظاهرية والصور والرموز، إلخ، حيث ينحل الكثير من الصواميل والمسامير بسهولة وتنفصل عن الكل” ( Josephine Donovan, “Women’s Poetics” 108).5 وأعتقد أنه من الممكن والأمن لنا أن نقول بأنه لا توجد نظرية معاصرة، سواء كانت أنجلو–أمريكية أم أوروبية، تركت مثل هذا التأثير الضعيف على النقد النسوي أو تم إبعادها ببساطة كما هو الحال بالنسبة لعلم السرد الشكلاني–البنيوي.
وبالطبع فإن عدم الحماس هذا تجاه علم السرد – من حيث الممارسة والكلمة6 – إنما يمثل جاليا خاصية من تلك المهنة إجمالا، وتجد شلوميت ريمون – كينان في نهاية كتبها الممتاز عن الشعرية السردية مضطرة إلى التساؤل عما إذا كان ما قامت به هو كتابة “مقدمة .. أم نعي” لهذا المجال (130 Shlommith Rimmon- Kerman). ويستخدم تيري إيجلتون صورا للموت تفوق الصورة السابقة عندما يقارن البنيوية بعملية “قتل شخص ما من أجل تسهيل فحص الدورة الدموية” ( Terry 109 Eagleton)، ویری نقاد التحليل النفسي مثل بيتر بروكس أن علم السرد الشكلاني، مهما بلغت قيمته، يعجز عن إدراك “تجربتنا الخاصة بقراءة السرد باعتبارها عملية ديناميكية” (Peter Brooks 316) 7 ولعله ما من مقياس أكثر دقة لقياس الحس المني من الكتاب العبقري الساخر “عالم صغير” لصاحبه ديفيد لودج الذي يتحدث فيه موؤيس زاب عن عالم سرد من جامعة السوربون قائلا “ألم یمر زمانه؟ أعني أنه منذ عشرة أعوال كان الجميع مهتما بتلك الأمور من الأفعال والوظائف والأفكار وما شابه ذلك، أما الآن …” (David Lodge, Small World 134). ولعل الباحثات والباحثين الأنجلو أمريكيين الذين لم يرتاحوا أبدا إلى البنيوية عموما أو علم السرد تحديدا قد أسعدهم التراجع الذي شهدته تلك النظرية، بينما انتقل معظم النقاد والناقدات التابعين من الفكر الأوروبي إلى نظريات ما بعد البنيوية التي تقدم انفتاحة مبهجة تجعل علم السرد يبدو بالمقارنة بها آليا وتطبيقيا ويكاد لا يحقق متعة النص (plaisir du texte).
وإذا أخذنا في الاعتبار مناخا أدبيا هو في أحسن الأحوال غير مبال بعلم السرد فإن رغبتي في استكشاف مدى التلاؤم بين النسوية وعلم السرد هي أيضا طريقة للتفكير في ما هو في وسع علم السرد القيام به وما يعجز عنه، وطريقة للتفكير في المكان الذي قد يحتله في البيئة النقدية المعاصرة الخاصة بأقسام الأدب في الجامعات الأمريكية، وكيف يمكنه إثراء مشروع تأويل النصوص (hermeneutical enterprise) بالنسبة للناقدات والنقاد الذين ليسوا في حد ذاتهم منظرين للسرد ولكن مهمتي الأولى والفورية ستكون أكثر تحديدا، حيث سأطرح سؤالا عما إذا كان النقد النسوي. وخاصة دراسة النصوص السردية النسائية، قد يستفيد من مناهج وملاحظات علم السرد، وما إذا كان علم السرد بدوره قد تطرأ عليه تغيرات بفعل مفاهيم النقد النسوي وتجربة النصوص النسائية. إن الرغبة الخالصة للرد بالإيجاب على كلا هذين السؤالين هي التي أدت إلى نشأة هذه المقالة. ومن منطلق افتراضي أن قراء وقارنات هذه الدورية أقرب إلى الاهتمام بعلم السرد عن النسوية، فإن تركيزي سيكون على السؤال الثاني لا الأول.
توجد أسباب قوية تجعل كلا من النسوية (أو أي نشاط نقدي سياسي صريح) وعلم السرد (أو أي شعرية شكلية في أغلبها) قد يبدوان غير متلائمين، إن المفردات الخاصة بعلم السرد والتي تتسم بالآلية وكثيرا ما تكون كلمات مستحدثة مولدة أدت إلى إبعاد الكثيرين من النقاد والنقادات من الاتجاهات المعرفية الأخرى، كما أنها قد تبدو ذات نتائج عكسية خاصة بالنسبة للناقدات والنقاد ذوي الاهتمامات السياسية، ونجد أن النسويات يملن هن أيضا إلى عدم الثقة في الفئات والتعارضات، وفي “عالم فكري منظم ومقسم إلى منظومات محكمة من المنطق الثنائي” (Schor ix)8 – وهو انعدام ثقة يفسر جزءا من انجذاب النظرية النسوي إلى تفكيكية جاك ديربدا، ولكن توجد هنالك مسائل ثلاثة (على الأقل) أكثر أهمية يمكن أن تكون مجالا للخلاف بين النسوية وعلم السرد وهي: دور الجندر في بناء النظرية السردية، ومكانة السرد باعتباره محاكاة أو ترميزا ( mimesis or semiosis)، وأهمية السياق في تحديد المعنى في السرد.
أما أبرز الأسئلة التي قد تتوجه بها النسوية إلى علم السرد في ببساطة كالآتي: على أي أساس من النصوص وعلى أي أساس من فهم السرد والعالم المرجعي (referential universe) قامت ملاحظات علم السرد؟ ومن الواضح أنه يكاد مجال علم السرد يخلو من أي عمل تقريبا أخذ عنصر الجندر في الاعتبار، سواء في تحديد تراث رسمي أو في تشكيل أسئلة وفرضيات. ويعني ذلك، قبل كل شيء، أن السرديات التي أتاحت قيام أساس لعلم السرد كانت إما نصوصا بأقلام الرجال أو نصوصا تمت كتابتها كنصوص للرجال. إن صياغة جينيت لمفهوم “خطاب السرد” (Genette, “Discours du récit”) على أساس كتاب بروست “في البحث عن الزمن المفقود“، وما قدمه بروب (Prop) من بنية مورفولوجية قائمة على المحورية الذكورية لنوع من أنواع الحكاية الشعبية، وما كتبه جريما Greimas)) عن موباسان، وأيزر (Iser) عن الروائيين الرجال بدءا من بانيان إلى بيكيت، وما كتبه بارت (Barthes) عن بلزاك، وتودوروف (Todorov) عن كتاب “ديكاميرون أو الليالي العشر” – هي كلها أمثلة دالة على الطرق التي يمثل بها النص الذكوري النص العام، وفي سعي علم السرد على أساس البنيوية بحثا عن “عناصر غير متنوعة في الاختلافات السطحية” (8 Lévi-Strauss)، وعن (ما يطلق عليها) العموميات لا الخصوصيات، كاد علم السرد يتجنب المسائل المتعلقة بالجندر تجنبا تاما، وهي أمر يمثل إشكالية خاصة للناقدات النسويات – غالبية الناقدات النسويات في هذا البلد – واللاتي ينصب اهتمامهن الأساسي على “الاختلاف أو خصوصية الكتابة النسائية” ( Showalter “Women’s Time” 38″)، إن الاعتراف بتلك الخصوصية لم يؤد فقط إلى إعادة قراءة نصوص بعينها بل إلى إعادة كتابة التاريخ الأدبي، بل وأرى أنه أدى أيضا إلى إعادة كتابة علم السرد أخذا في اعتباره مساهمات النساء في إنتاج وتأويل النصوص.9
إن هذا التحدي لا ينكر القيمة العظمى لمجمل النظرية السردية المبهرة بالنسبة لدراسة كتابات النساء وقد تم تطبيقها تطبيقا مثمرا على كاتبات مثل كوليت ( Bar, “The Narrating and the Focalizmg”) وإليوت (Costello)، وأثبتت أهميتها البالغة في دراساتي للصوت السردي في النصوص النسائية، وهو ما يعني أنه سيستحيل علينا حتى معرفة عيوب وأوجه قصور علم السرد إلى أن يتم أخذ كتابات النساء والقضايا الجندرية ووجهات النظر النسوية في الاعتبار. ويبدو لي من الوارد أن أكثر المفاهيم المجرد والملتزمة بالقواعد (مثل نظريات الزمن) مستثبت ملاءمتها، ومن جانب آخر، وكما لأوضح لاحقا في هذه المقالة، فإن نظريات الحبكة والقصة قد تتطلب تغييرا كبيرا، وسوف أتنبأ بأن التأثير الأكبر الذي سنتركه النسوية على علم السرد سيتمثل في طرح أسئلة جديدة، وإضافة السياق والصوت إلى الفروق السردية القائمة بالفعل، وهو ما سوف أطرحه لاحقا عند تناولي للمستوى السردي. وسوف يتعين على علم السرد من أجل النقد النسوي أن يوائم أيضا بين المقاربة القائمة على أساس سيميوطيقي إلى علم السرد وبين التوجه القائم أساسا على المحاكاة في معظم الفكر النسوي (الأنجلو–أمريكي) الذي يتناول السرد. ويذكرنا هذا الفارق بأن “الأدب يقع عند تقاطع نظامين“. ويمكن للمرء أن يتحدث عنه باعتباره
تمثيلا للحياة
تقريرا عن الواقع
وثيقة للمحاكاة
وباعتباره أيضا
نظاما لغويا بغير مرجعية
منطوقا يفترض وجود طرف راو وطرف مستمع
بناء لغويا في الأساس
(Furman 64-65)
وقد قام علم السرد البنيوي، تقليديا، بتغييب الجوانب التمثيلية في فن الرواية مع التركيز على الجوانب السيميوطيقية، بينما قام النقد النسوي بالعكس. حيث تميل الناقدات النسويات إلى الاهتمام بالشخصيات أكثر من أي جانب آخر من جوانب السرد، وإلى الحديث عن الشخصيات كما لو كانت إلى حد كبير تمثل أفرادا، وعلى النقيض من ذلك، نجد أن غالبية علماء السرد يتناولون الشخصيات، في حالة تناولها أصلا، على أنها “أنماط للتكرار، وموتيفات يتم باستمرار إعادة وضعها في سياقات جديدة في موتيفات أخرى” (195 Weinshee). وقد يبدو هذا التصور مصدرا مهدد إحدى أقوى المسلمات في النقد النسوي، والتي مفادها أن النصوص السردية وتحديدا النصوص المكونة للتراث الروائي هي نصوس عميقة في مرجعيتها (دون أن تقتصر على ذلك) – ونصوص مؤثرة – في تمثيلاتها لعلاقات الجندر. إن التحدي القائم أمام كل من النسوية وعلم السرد هو في الاعتراف بالطبيعة الثنائية للسرد، وفي التوصل إلى فئات ومصطلحات تكون مجردة وسيميوطيقية بالقدر الكافي لجعلها مفيدة، وكذلك محددة ومحاكمة بالقدر الكافي الذي يجعلها تبدو متصلة بجهود الناقدات والنقاد الذين تقوم نظرياتهم على تأصيل الأدب وارجاع جذوره إلى “الأوضاع الحقيقية لحيواتنا” (125 Newton).
أما الميل إلى الترميز الخالص (pure semiosis) هو في نفس الوقت سبب ونتيجة ميل أكثر عمومية في علم السرد نحو عزل النصوص عن سياق إنتاجها واستقبالها، وبالتالي عما تعتبر الناقدات والنقاد “السياسيون” أساس وجود الأدب – أي “العالم الحقيقي“. ويرجع هذا جزئيا إلى رغبة علم السرد في التوصل إلى وصف علمي دقيق لخطاب، وإلى الكثير من الأسئلة المتعلقة بعلاقة الأدب بـ“العالم الحقيقي” – أسئلة من نوع: لماذا، وماذا عن، وما أثر – وهي أسئلة تأملية باعتراف الجميع. وهكذا “عندما يحاول علم السرد تفسير جانب السياق، فإنما هو يفعل ذلك من منطلق التقاليد والشفرات السردية. ولكن قدرتها على تفسير الاختلافات الاجتماعية أو التاريخية أو السياقية تظل دوما محدودة بالحدود المغلقة الشكلانية الأصلية التي يتم في إطارها تعريف تلك الشفرات والتقاليد” (1143 Brewer)، وهذا هو السبب الذي جعل نقادا من البدايات المبكرة لتاريخ الشكلانية، مثل ميدفيديف وباختين ، يدعون إلى “شعرية اجتماعية” تتصف بكونها جدلية نظريا وتاريخيا: “الشعرية تتيح للتاريخ الأدبي اتجاها في تحديد المادة البحثية والتعريفات الأساسية لأشكاله وأنواعه، ويقوم التاريخ الأدبي بتعديل تعريفات الشعرية، وجعلها أكثر مرونة وديناميكية وملائمة للتنوع القائم في المادة التاريخية” (Medvedev and Bakhtin 30)، إن إصراري على إدخال وكتابة النصوص النسائية ضمن التراث التاريخي الرسمي لعلم السرد إنما يهدف تحديدا إلى جعله أكثر ملاءمة للتنوع في السرد.
وأخيرا، فمع تأكيد النقد النسوي على أن علم السرد أيديولوجي في حد ذاته، إلا أنه بالفعل وفي جانب مهم منه روائي خيالي. ولا يتعين علينا أن نتفق تماما مع ستانلي فيش في قوله إن “الوحدات الشكلية هي دوما وظيفة من وظائف النموذج التأويلي الذي يأتي به المرء (ولا توجد في النص) (13 Stanley Fish)، وذلك كي نعترف بأنه ما من نظام تأويلي يكون محددا أو حتميا. ولكن كما يذكرنا فيش، فإن كل نظرية يجب أن ترى نفسها هي أفضل نظرية ممكنة (361 Fish)، وربما “يعرف علم السرد الشكلاني – البنيوي أن فئاته ليست موحدة متماسكة، ولكنه يمضي في طريقه كما لو كان هنالك “نص ثابت وقابل للإدراك فورا، ومتاج مباشرة لعمليات التصنيف التي تنصيف في نفسها بكونها محايدة وبريئة من التحيز التأويلي” (Chambers 18 -19)، وساطة لم يتمتع النقد النسوي بتلك الرفاهية. ففي نقده للتحيز الذكوري قام النقد النسوي بالضرورة بنبي الرأي القائل بأن النظرية أحيانا تورد قدرا أكبر عن القارئ مقارنة بالنص.
إن توجيه علم السرد من أجل النقد النسوي يبدأ بالتالي بالاعتراف بأن مراجعة مسلمات وممارسات أية نظرية هي مسألة شرعية ومرغوبة، ومن المحتمل أن تتوخى الحذر في بنائها للأنظمة وفي تفضيل الفئات المرنة على الفئات الثابتة، وسوف تتفحص معاييرها للتأكد من مدى كونها معيارية، كما أنها ستكون على استعداد لإلقاء نظرة جديدة في مسألة الجندر وفي إصلاح نظرياتها على أساس النصوص النسائية، وهو ما تظهر بشائره في مقالة روبين وارهول عن “إدماج الراوية” المنشورة مؤخرا (Robyn Warhol, PMLA)، سيقوم علم السرد الموجه من أجل النقد النسوي في مفاهيمه ومصطلحاته بعملية انعكاس لتجربة المحاكاة وكذلك تجربة الترميز والتي تمثل ماهية قراءة الأدب، كما سيدرس السرد في علاقته بالسياق المرجعي الذي يجمع بين كونه لغويا وأدبيا وتاريخيا وسيرة حياة واجتماعيا وسياسيا في آن واحد، وإذا تحقق ذلك فقد يضطر علم السرد إلى الاستعداد للتنازل عن بعض الدقة والبساطة في سبيل كونه متصلا ومتاحا، وإلى تطوير مصطلحات أقل إرباكا مقارنة بسلسلة من المصطلحات المتقارية مثل الرجوع في السرد إلى فترة سابقة عن تسلسل الأحداث الانتقال في السرد إلى فترة لاحقة على تسلسل الأحداث، ونفي شيء بغرض الإشارة إليه، والانتقال في السرد إلى حدث ما وراء سياق السرد (analepsis, prolepsis, paralepsis, and metalepsis) إن العمل القيم والمبهر والذي تم إنجازه في هذا المجال سيفتح أبوابه أمام المراجعة النقدية وللإضافة في الأمور التي اعتبرت فيه الأطروحات النسوية مساهمة في علم سرد أكثر ثراء وفائدة واكتمالا. إن الأمر كما حاولت طرحه يقوم على أن علم السرد الذي لا يستطيع تقديم تفسير مناسب للسرديات النسائية هو علم سرد غير مناسب لنصوص الرجال أيضا.
ويجب على علم السرد الخاضع للإصلاح وإعادة التشكيل أن يمثل أهمية خاصة للناقدات النسويات نظرا لكون فن الرواية نوعا أدبيا سائدا في دراسة النساء والأدب. إن الطبيعة السيميوطيقية والمتعلقة حتى يعلم السرد الذي خضع للمراجعة هي طبيعة ستساعد على تحقيق توازن في الالتزامات القائمة بالضرورة على المحاكاة في النقد النسوي، ونجد أن التماسك والحرص الذي يقوم بواسطته علم السرد بتحديد الفروق والاختلافات يمكن أن يقدم مناهج بالغة القيمة بالنسبة لتحليل النصوص، فكما تؤكد ميكي بال “إن استخدام أدوات دقيقة ومناسبة على مستوى الشكل ليس أمرا شيقا في حد ذاتهن بل يمكنه توضيح مسائل أخرى متصلة بذلك وتقديم ملاحظات كانت ستظل غامضة في غياب تلك الأدوات” (121 “Mieke Bal, “Sexuality)، ويمكن لعلم السرد والنقد النسوي أن يقفا جنبا إلى جنب ويتحدا بما يحقق الفائدة لكليهما، على سبيل المثال. في استكشاف الجوانب الغانية للسرد، تلك التي كانت محط اهتمام عالمات السرد مثل آن جيفرسون (Ann Jefferson) وماريانا تورجوفنيك (Mariana Torgovrick) وناقدات نسويات مثل ريتشيل بلو دي بليسيس (Rachel Blau DuPlessis)، ويمكنني أن أتخيل حوارا ثريا بين ما قدمته كل من أرمين مورتيمر كوتين (Armine Mortimer Kotin) وبين نانسي ميلر (Nancy K. Miller) في تحليليهما للحبكة في نص “أميرة كليف” (La Princess de Clèves). ومن الفوائد الكبيرة الناجمة عن علم السرد هو ما يقدمه من إطار (سابق على النص) ومستقل نسبيا لدراسة مجموعات من النصوص معا. فيمكنه على سبيل المثال تقديم أساس قيم تحديدا لاستكشاف أحد أكثر الأسئلة تعقيدا وإرباكا بالنسبة للنقد النسوي: هل توجد حقا “كتابة المرأة” و/أو تراث نسائي. وهل يكتب الرجال والنساء حقا بطرق مختلفة؟ فإذا أخذنا في الاعتبار طبيعة هذا السؤال المتغايرة، فإن الدقة والتجريد اللتين تتمتع بهما أنظمة علم السرد تقدم مجالا أمنا للتقصي لا توفره نظريات الاختلاف التي تتصف بقدر أكبر من الانطباعية. ويمكن لهذا النوع من البحث أن يوضح خصوصية الاستجابة لدى علم السرد تجاه بعض المشاكل التي لم تكن النظريات الأخرى تناسبها، وبالتالي يبين هذا النوع من البحث قيمته الفريدة بالنسبة للبحث النسوي.
وأود أن أبدأ تحركي نحو علم السرد النسوي بتحديد بعض الأسئلة التي قد تطرحها القراءة النسوية على علم السرد، ولن أؤكد هنا على التطبيقات المثمرة التي يمكن لعلم السرد أن يقدمها حاليا بل سأركز على الأسئلة التي يبدو وكأنه لم يتطرق إليها بعد، وبدلا من استخدام قطعة نمطية من الأعمال الروائية، اخترت عملا استثنائية بدرجة أكبر لما يقدمه من تعقيدات عديدة في مساحة صغيرة من النص، كما يتيح لي دراسة جوانب عدة من الكتابة النسائية، والكتابة عموما. إن هذا النص هو رسالة يقال إنها مكتوبة بقلم عروس اية كان زوجها يفرض رقابته على مراسلاتها. وقد ظهر هذا النص في إبريل ١٨٣٢ مجلة “أتكينسونز كاسكيت” (Arkinson’s Casket)، ونشر بين موضوعين أحدهما يتناول الملائكة والآخر يقدم إرشادات للقيام بـ“تمرينات رياضية“. 10 ولا تتم الإشارة على الإطلاق إلى مصدر هذه الرسالة أو إلى مدى كونها أصلية، أو إلى مؤلفتها. وأفترض، رغم عدم قدرتي على اليقين، أنها رسالة مشكوك في صحتها، ولن أضع فرضيات بشان جنس المؤلف/ المؤلفة وفيما يلي النص كما يرد في المجلة:
حيلة المرأة
مراسلة سرية . – سيدة شابة، حديثة الزواج، مضطرة إلى عرض كل رسائلها المكتوبة على زوجها، بعثت بما يلي إلى صديقة حميمة.
لا يمكنني الرضا، يا صديقتي العزيزة!
بقدر ما أنا في نعمة في حالتي الزوجية
إن لم أصب في صدرك الودود.
الذي طالما كان متحدا مع صدري،
المشاعر العميقة المتنوعة الممتلئة
بمشاعر المتعة الحية
وقلبي الذي أوشك على الانفجار. أخبرك يا عزيزتي
زوجي من ألطف الرجال،
لقد مرت على زواجي سبعة أسابيع،
ولم أجد أبدا أدنى سبب كي
أندم على اليوم الذي جمعنا، إن زوجي
في شخصه وسلوكه أبعد ما يكون عن شخص
قبيح وغليظ وكبير السن وكريه وغيور
كالوحش، يرى في الحجر على الحرية آمانا؛
والزوجة يرى في معاملتها كأنها
صديقة حميمة وواثقة، لا كأنها
لعبة أو جارية، فالمرأة
اختارها لنفسه رفيقة. ولا يجد أي طرف
كما يقول الطاعة مفروضة ضمنيا؛ –
بل يتبادل الطرفان التنازل كل للآخر بالدور –
توجد عمة عجوز عزباء، تقارب من السبعين،
سيدة عجوز بهيجة ومحترمة ولطيفة،
تعيش في البيت مهنا – إنها (شيقة)
خفيفة مع الصغار والكبار – مهذبة
(طانة) على كل الجيران في الجوار،
كريمة وخيرة مع الفقراء –
وأعلم أن زوجي لا يحب شيئا أكثر من
حبه لي، فيمتدحي أكثر من
الكأس، وحالة السكر
(فهكذا هي فورة حبه)
التي كثيرا ما تجعلي أخجل من تفاهة
شخصي، وأتمنى لو كنت أستحق
الرجل الذي أحمل اسمه.
وباختصار، يا عزيزتي،
وفوق هذا وذاك، فإن حبيبي السابق الشهم
وزوجي حاليا، ومثار إعجابي
قد عاد، وقد كدت أفوز
بأمير، من فرط السعادة التي أعيشها
معه. وداعا! وأتمنى لك نعيما بقدر ما أنا غير
قادرة على تمني مدى كوني
سعيدة.
ملحوظة: السر في قراءة الرسالة السابقة هو البدء بالسطر الأول ثم القفز إلى السطر ما بعد التالي.
وعلى سبيل تسهيل الرجوع إلى النص المقصود، أعاود فيما يلي إعادة كتابة النص الباطن بعد حل شفرته، وذلك بتناول الخطاب وقراءة سطر وترك ما يليه، وهكذا، فنحصل على النص التالي:
لا يمكنني الرضا، يا صديقتي العزيزة!
إن لم أصب في صدرك الودود،
المشاعر العميقة المتنوعة الممتلئة
وقلبي الذي أوشك على الانفجار أخبرك يا عزيزتي
لقد مرت على زواجي سبعة أسابيع،
أندم على اليوم الذي جمعنا، إن زوجي
قبيح وغليظ وكبير السن وكريه وغيور
والزوجة يرى في معاملتها كأنها
لعبة أو جارية، فالمرأة
كما يقول الطاعة مفروضة ضمنيا؛–
توجد عمة عجوز عزباء، تقترب من السبعين،
تعيش في البيت معنا – إنها (شيطانة)
على كل الجيران في الجوار،
وأعلم أن زوجي لا يحب شيئا أكثر من
الكأس، وحالة السكر
التي كثيرا ما تجعلني أخجل من تفاهة
الرجل الذي أحمل اسمه.
وفوق هذا وذاك، فإن حبيبي السابق الشهم
قد عاد، وقد كنت أفوز
معه. وداعا! وأتمنى لك نعيما بقدر ما أنا غير
سعيدة.
إن هذه الرسالة المكتوبة لقارئين (الزوج المتلصص والصديقة الحميمة) هي بمعنى واضح وغير معتاد بناء مزدوج. وعينة صريحة كاشفة عن الكتابة تحت الرقابة ورغما عنها. إن النص الظاهري الصريح والنص الباطني الضمني مختلفان اختلافا جليا في القصة والسرد، ويتعين على النظرية السردية الملائمة لوصف الرسالة كاملة أن تفسر كلا النصين والإطار السردي الذي يربطهما وتحديدا فإن مثل هذا النص يطرح أسئلة للنقاش عن الصوت السردي والموقف السردي والحبكة ولعل أكثر الاختلافات وضوحا بين الرسالتين، بخلاف التناقض الوارد بين قصتهما، في الاختلاف القائم بين الصوتين وقد قامت بعض اللغويات بالتأكيد على وجود “لغة للمرأة” أو خطاب للمستضعفين:11 فالحديث الذي يتصف بأنه “مؤدب وعاطفي وحماسي ونمام وثرثار وغير يقيني وممل وتافه” يأتي على النقيض من حديث الرجال أو الحديث القوي الذي يتصف بأنه “قادر ومباشر وعقلاني ويكشف عن الفكاهة وغير تأثر بالمشاعر وقوي (في اختير النبرة والكلمة) وصريح” (58 Kramarae)، وتوضح الرسالتان عديدا من الاختلافات بين هذين النمطين من الحديث، فالنص الظاهري عينة من “لغة المرأة“، حيث تقوم الراوية بمحو ذاتيتها والإشادة بزوجها “الأكثر جدارة منها” وتخجل من مدى ما هي عليه من “تفاهة“، وتعمل “مشاعرها الحية” على توليد خطاب من التكرار والمبالغة والالتفاف والخروج على قواعد النحو والصرف وهو صوت امرأة تبدو من الواضح غير قادرة على “التعبير الكامل بكلمة واحدة” والتي لا يمكنها تأكيد ذاتها سوى بواسطة عبارات مفرغة وتراكيب لغوية سلبية، وعلى النقيض من ذلك يأتينا صوت النص الباطن مدهشا في بساطته ومباشرته، وفي نوع من اللغة تفرض سلطة (متأهبة).12 وتكشف الراوية الثانية عن نفسها بوصفها غاضية وقوية وحاسمة وواثقة في أحكامها وشديدة الوعي بنواقص زوجها وفرصها الضائعة. إن أفعال الكلام (speech acts): “أندم“، “أعلم“، “إنها شيطانة“، “أنا غير سعيدة“، هي أفعال تعبر عن قناعة، ومثل هذا الصوت يتطلب قدرا بالغا من الثقة ولعله ينال مصداقية فورية. وتجد تحت الصوت “الأنثوي” (feminine voice) الميال إلى محو الذات والنزعة العاطفية صوتا “ذكوريا” للسلطة لا يمكن للكاتبة التعبير عنه صراحة. كما أن النص الباطن يكشف عن النص الظاهر، وبالتالي فإن الصوت الظاهر يصبح حيلة تكشف عن كون “الأسلوب الأنثوي” مسخا يخفي وراءه صوتا أكثر ثقة في عملية تقوم على التواصل مع امرأة تحت مراقبة الرجل. ولكن ذلك يعني أيضا أن الشكل الضعيف عديم القوة والذي يطلق عليه مسمى “لغة النساء” إنما يظهر باعتباره أداة تتمتع بإمكانيات التقويض، وبالتالي القوة.
وقد ناديت في كتابي عن “فعل السرد” (The Narrative Act) بشعرية تتجاوز التصليقات الشكلية من أجل وصف الاختلافات العميقة والأساسية بين مثل تلك الأصوات، فمن حيث البنية يتشابه كلا الصوتين، فكلاهما يعبران عن صيغة الراوية (في حديث مباشر عن النفس: autodiegetic) في شخصية البطولة/ وصيغة المتكلم (وذلك على الرغم من أن الرواة يتوجهون بالحديث إلى مستمعين مختلفين). وما زال أمام علم السرد تصنيف معظم الخصائص التي تميز هذين الصوتين. ويمكن للمرء أن يتساءل مثلا عن أنواع الأفعال الوظيفية (illocutionary acts) التي تستخدمها الراوية وما إذا كانت تستخدمها في خطاب “الحضور” أم “الغياب“، إذا اعتبرنا أن “الغياب” يشتمل على ممارسات وصيغ بلاغية مثل “التلطيف، التعبير عن المثبت بضده المنفي، والإسهاب، والتحفظ، وتغيير مسار السرد، وما إلى ذلك” euphemisrn, litates, periphrasis, reticence digression Hamon 99)). وقد يؤدي هذا السؤال بدوره إلى نظرية (نحن في أمس الحاجة إليها) تعمل على تعريف وتوصيف المبرة (tone) في السرد. حيث يمكن فهم النبرة على الأقل جربها باعتبارها وظيفة للعلاقة بين البني العميقة والسطحية للفعل الإنشائي (مثل العلاقة بين فعل الحكم واللغة التي يتم التعبير بها عن الحكم).
إن هذا النص المزدوج يذكرنا بدرس أكثر حدة بشأن الصوت المودي، وهو الدرس اللي ساغه باختين: حيث لا يوجد صوت واحد أوحد في السرد، وحيث في المواقف الأكثر عمقا وتعقيدا عن ذلك نجد صوتا يطغى على الآخر بما يؤدي إلى بناء تقوم فيه الخطابات عن وبشأن الآخر يتكوين خطابات الذات، وحيث إذا بلغنا المدى الذي بلغه وين بوث نرى “إننا نتكون في كيان متعدد الأصوات” (51 Wayne Booth). إن تعدد المستويات اللغوية (heteroglossia) الصريح في هذه الرسالة – والذي سأقترح لاحقا أنه يتمتع بعدد أكبر من المستويات عما هو ظاهر للوهلة الأولى – هو تعدد يمثل صبغة أكثر حدة لتعدد الأصوات polyphony)) بالنسبة لأداة الصوت في النص، وهو ما يظهر بالتأكيد جليا بالنسبة للأصوات الأنثوية في كثير من أعمال السرد النسائي. إذ أن كيان المرأة في مجتمع ذي سيادة ذكورية قد يتطلب بالضرورة حقا ازدواجية الصوت، سواء كحيلة واعية أو إفقار مأساوي للذات وهكذا نجد في نص مثل “ورق الحائط الأصفر” بقلم شارلوت بيركينز جيلمان Charlotte Perkins “Gilman, “The Yellow Wallpaper أن الراوية تعبر عن رغباتها تحت خطاب قام زوجها جون ببنانه لها، وفي نص سوزان جلاسبيل “هيئة محلفين من رفيقاتها” تقوم امراتان بحماية امرأة ثالثة من إدانتها بالقتل عن طريق التواصل معها باستخدام “لغة النساء” رغم وقوعهن تحت أنظار القانون عديم البصيرة، وكذلك فإن جين أوستن (Jane Austen) تقوم في رواياتها واحدة تلو الأخرى بتكوين صوت سردي لا يمكن تحديده تماما، ويمكن قراءته تبعا لرغبات القارئة أو القارئ، وفي رواية مثل “تغيرات صغيرة” بقلم مارج بيرسي (Marge Percy Small Changes) يعمل النص على بناء بنية مزدوجة تقوم من خلالها المؤلفة والشخصية الرئيسية بالتوصل إلى ضرورة الحياة في عالم من الخطاب المزدوج (Hansen). إن علم السرد الذي يلائم النصوص النسائية (وبالتالي كافة النصوص بالرغم من كون تعدد الأصوات أكثر وضوحا وأهمية في السرد النسائي وفي الأعمال السردية للفئات التابعة الأخرى) يجب أن يعترف ويفسر تعددية الصوت، مع تحديد وفك الاشتباك بين عناصره، وهو ما شرعت في القيام به دراسات ظهرت مؤخرا لكل من جراسيلا ريز (Garciela Reyes) ومايكل أونيل (Michael O’Neal)
فإذا عدنا إلى الرسالة مزدوجة النص ولدينا هذا الفهم للصوت، يصبح من السهل علينا تحديد المعالم اللفظية التي تميز أحدهما عن الآخر وذلك بفحص أشكال “الإفراط ” التي تم إبعادها خلال عملية فك الشفرة، وأولها وأقلها أهمية هي تركيبة التكرار والمبالغة التي تقوم بعملية “ملء” مؤدية إلى عبارات مثل ” الذي طالما كان متحدا مع صدري” وكذلك ” بمشاعر المتعة الحية“. أما الخاصية الثانية فهي الأكثر أهمية، حيث تعمل على خلق رابطة من التراكيب اللغوية تقوم بإحداث ترابط ثم تحول في الكل، وهي المتمثلة في سلسلة صبغ النقي التي يقوم النص الباطن بقلبها رأسا على عقب:
أنا … لم أجد أبدا أدنى سبب كي أندم
إن زوجي … أبعد ما يكون … كالوحش
والزوجة يرى في معاملتها … لا كأنها لعبة
ولا يجد أي طرف كما يقول الطاعة مفروضة ضمنيا
أنا غير قادرة على تمني مدى كوني سعيدة.
إن هذا النفي أكبر من كونه مجرد رابط بين النصين، بل هو وسيلة تؤدي بالرسالتين في النهاية إلى رسالة ثالثة، تتضمن قصة وصونا ثالثا وجمهورا ثالثا، حيث أن النفي لا يجعل من النص الظاهر إعلانا بسيطا عن السعادة صادرا عن الراوية، بل اتهاما موجها لنظام اجتماعي بأكمله. فما الذي يقوم النص الظاهر يرسمه حقا سوى صورة للزواج يدعي أن يمحوها؟ إن كل عبارة منفية تشير إلى ابتعاد عن العرف الاجتماعي السائد الذي تندم فيه العرائس على الزواج ويعتبر الأزواج وحوشا والنساء يعاملن معاملة اللعب أو الجواري وتكون فيها رغبات النساء غائبة عن التفكير، وبمعنى آخر فإن النص الظاهر الذي يقول بأن هذه الحالة الخاصة من الزواج ليست كغيرها إنما يعكس الجوانب القطيعة التي توقعتها الراوية في الزواج. ففي الوقت الذي يدين النص الباطن رجلا واحدا وبرأي مصير امرأة واحدة، فإن الرسالة الظاهرة تدين مجتمعا بأكمله حيث تصور الأوضاع التي يوحي النص الباطن بكونها حالة فردية وتجعلها حالة جماعية طبيعية، وهكذا يصبح النص الباطن مثالا على النص السطحي لا نقيضا له، فالصيغتان لا تكشفان عن حقائق متعارضة بل متصلة ومن المناسب هنا، بالتالي، أن تلتقي الصيغتان في نقطة عدم الرضا، وذلك في سطر واحد – هو الأول – الذي لا يتغير: ” لا يمكنني الرضا، يا صديقتي العزيزة!”.
وفي ضوء هذه القراءة تصبح لغة النساء لا مجرد وسيلة لبناء صوت (ذكوري، قوي) أكثر شرعية، بل صوتا يتم من خلاله القيام بإصدار حكم أكثر عمومية على الممارسات الأبوية. ويختلف هذا النص عن خطاب “تكرار المحو والكتابة” (palimpsestic discourse) الذي كثيرا ما يصفه النقد النسوي حيث تعمل فيه “الأشكال الظاهرية” ببساطة كغطاء” يخفي أو يشوش على مستويات المعنى العمق والأقل وضوحا (والأقل قبولا اجتماعيا)” (73 (Gilbert and Gubar ويتحول هنا “الشكل الظاهري إلى خطاب أكثر لعلة من النص الذي يستهدف حمايته. فالنص الذي تم إعداد شكله الظاهري لصالح الرجل إنما يخفي تحته لمبا دفينا (وهو النص الموجه إلى المدينة الأمينة على الأسرار)، ولكن النص الدفين يخلق بدوره قراءة جديدة للنص الظاهر وبالتالي يتشكل نص ثالث موجه في رأيي إلى قارية أو قاري آخر، إن النص الثالث هو ذلك الذي يتكون بفعل “النص المعروض” على العامة (“public “display-text),13 اي الرسالة في الصورة التي ظهرت عليها في المجلة Atkinsont Casket))، فالجمهور الذي تخاطبه هو القارئة والقارئ الأدبي، فهي ليست الرجل الذي ثم التحايل عليه ولا الأخت الأمينة على الأسرار، بل المتلقية أو المتلقي من كلا الجنسين من ذوي القدرة على تجاوز السياق المباشر الخاص بكتابة الرسائل إلى قراءة الخطاب القائم على النفي باعتباره تحليلا ثقافيا متخفيا، وهكذا فإن السياق الأدبي لهذا النص يقدم قراءة ثالثة ومغايرة تماما للقراءات التي تركز على القراء من الزوج والصديقة. وفي نفس الوقت فإن معرفة النصين الآخرين. أي الوصول إلى النصوص الخاصة، هي التي تفتح المجال أمام القراءة الثالثة، وذلك في صيغة ربما تنتمي إلى ما أطلق عليه جينيت مصطلح النص الأعلى (Genette, Palimpsestes 11).
إن كون هذه الرسالة متعددة في قرائها إنما يوحي بأهمية التعرف على مستويات السرد التي قد يتضمنها النص الواحد، وقد قام جيرار جينيت بإسهام كبير في علم السرد بتمييزه بين المستويات المتعددة للحديث المباشر التي يمكن تواجدها في النص الواحد نظرا لأن العمل السردي الواحد قد يتضمن أو يولد آخر(Gérard Genete, Narative Discourse 227-237; Nouveau Discours 55-64). ويتحدث جينيت عن المستويات الأبعد باعتبارها “الحديث المباشر الخارجي” (extradiegetic)، وعن السرد المتضمن داخل هذا “الحديث” بوصفه “الحديث المباشر الداخلي” (intradiegetic)، وعن المستوى السردي الثالث باعتباره “ما وراء الحديث المباشر” (metadiegetic) ویری چینیت أن رواة “الحديث المباشر الخارجي” هم عادة “رواة مؤلفون” – صوت “ضمير الغائب” الذي يشغله جمهور القراء – أي الذي تشغله أنت وأنا” (Genette, Narrative Discourse 229) في رواية جين إير وكتابة جورج إليوت – و“من هذا المنطلق تشغل كل منهما نفس المستوى السردي ولكن كما يوضح جينيت أيضا فإنه لا توجد صلة ضرورية بين المبرد بالحديث المباشر الخارجي وبين الجمهور العام، فمن الممكن أن يكون كتاب وكاتبات الرسائل واليوميات (Pamela, Wenher) من رواة سرد الحديث المباشر الخارجي، إن رواة الحديث المباشر الداخلي (والأعلى) – مثل روتشيستر عندما يحدث جين إير بقصة بيرنا ميسون، ومثل شخصيات رواية “ميد مارتش” (Middlemarch) – يكونون قادرين بالتوجه بالحديث فقط إلى جمهور موجود داخل النص، وفي رواية “فرانكنشتاين” (Frankenstein) تكون رسائل والتون إلى شقيقته سردا من الحديث المباشر الخارجي، أما حكاية فرانكنشتاين التي يتم قصها على والتون فهي من الحديث المباشر الداخلي، بينما تاريخ الوحش الذي يتم سرده لفرنكنشتاين وتضمينه داخل الحكاية التي يحكيها لوالتون فهي من الحديث المباشر الأعلى ويقدم مفهوم المستويات السردية لدى جينيت طريقة دقيقة للحديث عن أنواع السرد المتضمن وتحديد من تروى عليهم، وطريقة لتوصيف التجاوزات التي تتم غير المستويات السردية (التي يطلق عليها “تجاوز حدود القصة” metalepsis) والشبهة بما يقوم به الراوية في نص ديديروه “جاك المؤمن بالقضاء والقدر” (Diderot, Jacques le fataliste).
ولكن جينيت نفسه يدرك أنه قد تمت المبالغة في التعامل مع المستوى السردي وأنه في الواقع لا يحمل هذا القدر. ففي كتابه عن “الخطاب الجديد” (Nouveau Discours) يوضح لنا مدى ما يتسم به التمييز بين المستويات المتعددة من نسبية، حيث يخلق لنا مشهدا خياليا يجلس فيه ثلاثة رجال. فيعرض أحدهم على الآخرين أن يحكي لهم قصة يحذرهم من طولها، ثم يبدأ الحكاء قائلا: “لقد اعتدت لفترة طويلة على الذهاب إلى النوم مبكرا …” (64 Genette, Nouveau Discours)، وهكذا يقول جينيت إنه من خلال هذا الإطار المكون من جملة واحدة تصبح رواية بروست “في البحث عن الزمن المفقود” فجأة سردا من الحديث المباشر الداخلي. وإذا نظرنا إلى الرسالة التي بين أيدينا من منطلق مستويات جينيت السردية، يمكننا اعتبار أن الصوت الذي يقدم الرسالة باعتبارها عينة من “البراعة الأنثوية“، وأن هذا الصوت الذي يشرح سياقها شفرتها السرية لقراء المجلة، هو صوت راوية “خارجي” أو مجرد نحرر في المجلة. 14 إن مستوى الحديث المباشر في الرسالة هو بالتالي قائم على ذلك القرار المبدئي، كما أن كلا من الرسالة الظاهرة والنص الباطن في تداخلهما الخطي إنما يوجدان على نفس المستوى في حالة غير معتادة من استخدام الحديث المباشر المزدوج، ونجد أن مفهوم جينيت عن المستويات لا يتيح لنا المجال للإكثار في الحديث عن الموقف السردي في هذه الرسالة نظرا لأنه لا ينطبث سوى على العلاقات الداخلية بين أجزاء النص، فهو لا يصف أي فعل سرد فردي في حد ذاته، كما يغلق النص أمام الاعتبارات الخارجية والسياقية.
وفي سبيل تقديم تحليل أكثر تكاملا للمستوى السردي، أقترح تكملة للنظام الذي طرحه جينيت التمييز بين السرد العام والخاص، وأعني بالسرد العام ببساطة السرد الموجه (ضمنيا أو صراحة) إلى مستقبلة أو مستقبل للسرد يكون خارجيا (أي من الحديث المباشر المغاير: heterodiegetic)15 بالنسبة للعالم النصي، ويمكن معادلته أو معادلتها بعموم القراء. وعلى النقيض من ذلك يكون السرد الخاص موجها إلى طرف محدد يتواجد داخل العالم النصي فقط، ويسترعي السرد العام قيام علاقة بين مباشرة بين القارئ أو القارئة وبين المروي متلقي أو متلقية السرد، ويعمل جليا على أقصى درجة من تقريب العلاقة بين طرفي التأليق – القراءة، أما في السرد الخاص تكون علاقة القارئ أو القارنة غير مباشرة وأقرب إلى أن تتم “عبر” شخصية النص، إن هذا التمييز بين نوعين من السرد. جنبا إلى جنب مفاهيم جينيت عن المستوى والشخص تقدم لنا المثال المقدم لاحقا.
وإنني أطرح هذا المفهوم بشأن مستويات السرد العام والخاص كفئة إضافية ومتماشية تحديدا مع دراسة النصوص النسائية، فكما يؤكد لنا النقد النسوي منذ فترة طويلة، نجد أن التمييز بين السياقات العامة والخاصة هو تمييز أساسي ومعقد، فمن المنطلق التقليدي نلاحظ أن القيود المفروضة على الكتابات النسائية لم تتخذ شكل منع الكتابة بصورة مطلقة بل اقتصرت على منع الكتابة لجمهور عام. وقد علقت فرجينيا وولف قائلة “الرسائل لم تكن في الحسبان“، أي أن الرسائل كانت كتابة خاصة فلم تزعج الهيمنة الذكورية على الخطاب. وتتناول ديل سيندر ذلك التمييز بين العام والخاص وتحمله إلى أبعاد أكبر مؤكدة على أن مفاهيم العام والخاص لا تخص السياق العام للإنتاج النصي فحسب، بل السياق المتصل بالجنس أيضا، حيث تصبح الكتابة على الملأ مرادفة للكتابة من أجل الرجال وموجهة إليهم، فتعلق ديل سبندر قائلة:
إن الانقسام بين ثنائيات الذكر/ الأنثى، العام/ الخاص هو انقسام يظل قائما بالسماح للنساء بالكتابة … لأنفسهن (في اليوميات على سبيل المثال) ومن أجل بعضهن البعض في شكل الرسائل، والمقطوعات “المتميزة“، والأطروحات الأخلاقية، والمقالات ذات الأهمية للنساء الأخريات – وخاصة في المجال المنزلي – بل وحتى في روايات النساء….. فلا يوجد تناقض في النظام الأبوي عندما تكتب النساء للنساء وبالتالي يبقين داخل حدود النطاق الخاص، ولا ينشأ التناقض إلا عندما تكتب النساء للرجال. (192 Dale Spender)
إن رسالة العروس توضح الصيغة التي قدمته ديل سيندر كما تعمل على مدها لتشمل جوانب أخرى بطرق مهمة. فالمستوى العام الوحيد للسرد هنا هو السرد الذي يقدم الرسالة في المجلة باعتبارها “استعراضا” للمراسلة، وعلى هذا المستوى تكون الرسالة نفسها نصا خاصا موجها لمجموعة خاصة من القراء والقارئات. ولكن الراوية تقصد جعل الرسالة الظاهرة نصا عاما تماما في علاقته بالنص الباطن، وهو النص الخاص الذي تأمل بشدة في عدم كونه متاحا للقارئ “العام” أي زوجها ومن منطلق مقاصد الرواية – الأنا صاحبة ضمير المتكلم، فإن النص “العام” هو موجه بالفعل إلى الرجل، أما النص الخاص (السري حقا) فهو موجه إلى الصديقة، وبالتالي يجب علينا إعادة تعريف التمييز البسيط بين العام والخاص في سبول إيجاد فئة يكون السرد فيها خاصا مع كونه مكتوبا يقصد إتاحته للقراءة من قبل شخص غير الطرف الذي يتوجه إلى السرد بالحديث رسميا16، وسوف أطلق على ذلك مسعى فعل السرد شبه الخاص، وإذا كانت الرسالة الطاهرة تعتبر بقدر ما وبشكل ما رسالة عامة، فهي توضح الطريقة التي يمكن للخطاب النسائي العام أن يتأثر سلبيا بالرقابة الداخلية أو الخارجية، وهو ما يساعد بدوره على تفسير السبب الذي جعل الكاتبات، يخترن تاريخيا، وبقدر أكبر من الرجال، الأشكال السردية الخاصة – الرسائل واليوميات والمذكرات الموجهة إلى فرد واحد – وذلك بدلا من الأشكال التي تتطلب منهن مخاطبة جمہور عام من القراء، كما يفسر أسباب توظيف أنواع السرد النسائي العام والخاص لاستراتيجيات سردية مختلفة.17 ويمكن تطبيق نفس الفكرة تطبيقا مثمرا على النصوص التي يكون فيها المستوى السردي غير واضح، كما هو الحال في نص جيلمان “ورق الحائط الأصفر” (“Gilman, “The Yellow Wallpaper) ورواية كرايك “حياة مقابل حياة” (Craik, A life for Life)، وهما النصان اللذان يبدو وكأنهما يتضمنان جمهورا عاما من المتلقين بينما يوحيان بكتابة يوميات خاصة.
المستوى |
الشخص |
العام |
الخاص |
حدیث مباشر مغاير (ضمير الغائب) |
السرد في رواية “إيما” أو “ميدلمارتش“ |
لحظات “تجاوز حدود القصة” في رواية “جاك المؤمن بالقضاء والقدر“ عندما يخالط الراوية شخصيات النص |
|
حدیث مباشر خارجي |
حدیث مباشر ذاتي (ضمير المتكلم) حدیث مباشر مغاير (ضمير الغائب) |
سرد جين إير ؟ |
رسائل والتون أو ویرذر حكايات “الليالي السبعة” أو شهرزاد |
حدیث مباشر داخلي أو ما وراء الحديث المباشر |
حدیث مباشر ذاتي (ضمير المتكلم) |
المذكرات “التي عثر عليها” بقلم ليونيل فيرني في كتاب ماري شيلي عن “الرجل الأخير” أو مسرحية بيرانديللو “الشخصيات الستة“ |
السرديات عن فرانکنشتاین فيرني والوحش |
إن تطبيق التمييز بين العام/ الخاص على النصوص الأدبية يتطلب منا التفكير بطرق أكثر تعقيدا في ثنائية الجندر التي تلحقها دیل سبندر بخطاب الخاص والعام. ومرة أخرى نجد الرسالة موضحة لتلك الفكرة، فإذا كان تحليلي مقنعا في طرح فكرة وجود نص ثالث متاح فقط لمن نجح في قراءة النصين الثاني والأول، وعند قراءته في ضوء فهم محدد لكل من النساء وخاصية النص، عندها يكون النص العام – وهو النص الموجه إلى “أي شخص” بواسطة الرواية الخارجي أو المحرر – هو نفسه النص الأكثر خفاء والأصعب رؤية، لأن أكثر ما يشير إلى وجوده هو النص نفسه، كما أنه يتطلب قارئة أو قارنا يتناوله بنوع معين من المعرفة، وإذا كانت القراءة المثالية تصبح ممكنة على المستوى العام من السرد، فإن الرسالة المقدمة باعتبارها استعراضا نصبا في رسالة تتجنب العلاقات القائمة على أساس الجندر في البنية الأصلية لسرد الحديث المباشر الداخلي (والذي يبدو فيه العام=الذكر، والخاص= الأنثى)، بما يوحي بمنظومة لقراءة النص “كامرأة” تتضمن مسألة الجنس دون أن تتحدد وفقا لها، وكذلك فعندما تكتب النساء روايات تستخدم أشكال السرد الخاص فهن يكتبن مع ذلك لجمهور عام، وهو جمهور لا يمكن تقسيمه تماما إلى قسمين تبعا للجنس. إن الكيفية التي يقوم بها الكتاب والكاتبات بالتعامل مع هذا السياق المعقد الخاص بالجندر وبالجمهور العام والإعلان العام هي مسألة تشكل مجالا مهما آخر جديرا بالبحث.
إن الاختلاف القائم بين الصيغة التي قدمها جينيت لمستويات السرد وبين الصبغة التي قدمتها أنا هو اختلاف أتمنى أن يوضح الاختلاف الكائن بين المقاربات الشكلية الصرفة والسياقية التي يتم استخدامها عند تناول المعنى في السرد، فبقدر ما استوعبت نظرية فعل الحديث ( speech act theory) أن إنتاج الجملة في سياق ما وليست الجملة هي الوحدة الصغرى للخطاب، فإن نوع علم السرد الذي أطرحه هنا سوف يستوعب أن الوحدة الصغرى للسرد هي كيفية إنتاج السرد. وبالنسبة لحالة الرسالة التي نشرت في المجلة، نجد أن المسائل بالسياق تتصل اتصالا وثيقا بالإمكانات التأويلية، فاعتمادًا على مدي قدرة روية الرسالة كوثيقة تاريخية أو نص
مكتوب بقصد العرض – وما إذا كان، في حالة أنه “نص معروض“، قائما على سبيل المحاكاة أم المعادن الساحرة – تنشأ لدينا قراءات مختلفة للرسالة. فإذا كان النص وثيقة أصلية أي رسالة مكتوبة بقلم زوجة تعيسة، ووصلت تلك الرسالة بطريقة ما إلى المجلة، حينها ربما يصبح النص دليلا تاريخيا مهما على كيفية تأثر الكتابة النسائية بالرقابة، أما إذا كان النص قد تم تأليفه على سبيل المحاكاة، فهو يقف دليلا على تصور الرقابة، إن لم يكن على الرقابة نفسها كواقع تاريخي، ولكن ربما تكون الرسالة قد كتب بنية المحاكاة الساخرة (parody) لـ“أسلوب الأنثى” (Female style)، وهو أسلوب يعرف بعدم الفنية والمباشرة ونقص الفكر، وهو أسلوب كان يتم ربطه بنمط أدب الرسائل ( Donovan, “The Silence is Broken” 212 – 214)، فإذا كانت تلك الرسالة حقا “نصا معروضا” فلعلها استعراض لـ“البراعة الأنثوية” لا في معناها الواضح فقط كبناء تعبيري ذكي يجد “سبيل المرأة” في التحايل على الرقابة، بل أيضا كنص يخدم هدفا أشمل وذا جانب أدبي: السخرية من الفرضيات السائدة بشأن أسلوب أدب الرسائل النسائي “عديم الفنية“، وتقديم المرأة مساوية للرجل في القدرة الفكرية، حيث بورد “قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية” (Oxford English Dictionary) لنا معنى “البراعة” باعتبارها لا تقتصر على اتحاد المتناقضات الظاهرية للأسلوب المباشر مع عبقرية الصياغة الماهرة المبتكرة، وإنما تعني أيضا خاصية أو وضع كيان الرجل المولود حرا. فإذا كانت الرسالة قد كتبت بقلم محررها، فقد قدمت وسيلة مناسبة وآمنة لنقد سيادة الرجل نظرا لعدم تحمل المحرر المسؤولية عن نص خاص “تم العثور عليه“.
إن التعقيد الكامن في الرسالة على المستوى البلاغي يذكرنا بأن المعنى السردي هو أيضا وظيفة للظرف السردي. ولم يقدم لنا علم السرد بعد لغة ملائمة يمكن من خلالها تمييز السياقات البلاغية 18، وقد يجد النقد النسوي، في اهتمامه بمسائل الأصالة وسلطة التأليف، صعوبة حتى في الحديث عن نص غير موثوق في أصله. أما علم السرد النسوي فقد يعترف بوجود نصوص متعددة، كل منها مبني في ظرف بلاغي (محتمل)، وهي أسئلة يبقى لعلم السرد الإجابة عليها من حيث مدى قيام تلك الأسئلة بتحديد معنى السرد.
أما العنصر الأخير في تناولي للاختلاف القائم بين رسالتي العروس – وهي مسألة القصة أو الحبكة فسأتناولها هنا بصورة مختصرة حيث تقع خارج مجال تخصصي. فمن المنطلق التقليدي، يكاد صعب القول بأن النص الظاهري – المكتوب ليقرأه الزوج يحمل حبكة ما، كما يمكن بالطبع القول بأنه لا ينتمي إلى السرد مطلقا، فلا يوجد في النص زمن واحد للفعل، بل كل خبر أو إسناد مستقل يرد في الصيغة التقريرية أو صيغة ضمير الغائب المجهول، وكل الأعمال التي يوحي بها النص. أي كل ما تتضمنه القصة، يسبق لحظة السرد، فبحلول لحظة الكتابة كان قد تم حل مجمل الصراع أي الفجوة بين التوقعات والواقع – (ولم يتم هذا الحل باتخاذ البطلة أية أفعال على الإطلاق). فمفهوما الحبكة والشخصية مقيدان بسبب البنية التي يكون فيها الشخص الفاعل (actant) هو نفسه المتلقي، والتي لا يمكن التنبؤ فيها بأي شيء قد يؤدي تحققه إلى بناء حبكة تبعا لتعريفها في علم السرد. كما أنه بالرغم من إمكانية اعتبار هذا السكون أساسا لحبكة تم ترك صياغتها لخيال القارئ والقارئة، وذلك من منطلق أن الحبكة هي وظيفة للإسناد المدعوم وبالتالي للرغبة (,Costello Brooks) إلا أن النص الظاهري يأبي حتى إمكانية وجود حبكة: “أنا غير قادرة على تمني مدى كوني سعيدة“.
وهكذا فإن النص الأول يخلق حالة سكون بالنسبة للحدث والشخصية، حياة من التجانس والوئام يكون فيها “الزوج الرءوف” باعتباره “الصديق الحميم” مزيجا من الصديقة حافظة السر مع “الصدر الودود” و“الحبيب الشهم“، فتندمج كل الشخصيات عدا البطلة في كيان واحد مثالي. أما النص الباطن فيقدم عناصر حبكة ممكنة، حيث توجد لدينا علاقة ثلاثية مكتملة – مكونة من مثلث الزوج والعشيق والزوجة – فتصبح ضرورة وجود صديقة حافظة للسر ضرورة منطقية، ونجد أن حبكة هذا النص الباطن هي حبكة تتسم بالتقليدية البالغة، من زوج سكير وعمة شريرة19 ورجل شهم في الخلفية.ولكن ما تلبث توقعاتنا حول القصة، رغم بلوغها مدى كبيرا، أن تتعرض للتنحية جاتها، وبينما يوجد حدث واحد – “حبيبي السابق الشهم قد عاد” – إلا أن الراوية تقول “وقد كنت أفوز ” بما يوحي بعدم وجود فرصة حقيقية للتغيير.
فهل يمكن لأحد تناول الحبكة أو حتى القصة في هاتين الرسالتين تناولا من منطلق علم السود أم هل ينتهي الأمر بالضرورة إلى تعريفات سلبية قائمة على النفي – مثل عدم وجود حبكة، أو أنها قصة بلا حبكة؟ إن علم السرد غني في جهوده لتحديد طبيعة الحبكة، وتقدم لنا صيغ كل من بروب وبريم وند وتودوروف وكوستيللو وبافيل وبرينس ( ,Propp, Breinond, Todorov, Costello, Pavel Prince) سبلا مقيدة للحديث عن أعداد كبيرة من النصوص، بل وربما عن معظم النصوص (ما قبل الحداثية)، ولكن فيما يتعلق بهذه الرسالة نجد أن كل نظام مقترح يفشل في تحقيق الهدف، فعلى الرغم من أن النص الباطن يستعرض أعمال الشر على سبيل المثال، إلا أنه لا يمكن الحديث عنه بنفس الطريقة التي استخدمها بروب في الحديث عن الحكاية الشعبية من حيث إن “كل فعل شر جديد، وكل حالة نقص جديدة، توجد تحركا جديدا” (92 Propp)، ففي مذهبه تكون الحركة ممكنة، أما هنا فهي ليست كذلك. 20 إن وحدات التوقع والتحقق أو المشكلة والحل والتي تنبني عليها الحبكة، تبعا لما طرحته نظريات علم السرد بشأن الحبكة، تفترض أن الأفعال في النص تقوم على العمال (المقصودة) التي يقوم بها الأبطال، وتفترض وجود سلطة وإمكانية قد تكون غير متماشية تماما مع ما مرت به النساء من تجارب على المستويين التاريخي والنصي، وربما لا تتماشي كذلك حتى مع رغبات النساء، إن المراجعة النقدية الراديكالية مثل تلك التي قدمتها ماريا برووير تشير إلى أن الحبكة قد فہمت باعتبارها “خطاب الرغبة الذكورية وهي تحكي نفسها غير سرد عن المغامرة والمشروع والمخطط والغلبة“، و“خطاب الرغبة باعتبارها انفصالا وسيادة” (Maria Brewer 1151 – 1153)
فإذا كانت مفاهيهم الحبكة في علم السرد المعتمد لا نصف بدقة (بعض) النصوص النسائية. فإننا في حاجة إلى مراجعة راديكالية جذرية لنظريات الحبكة. وتلحظ كاثرين رابوزي قائلة إنه “عموما عرفت غالبية النساء وجودا يتسم بأنه بلا قصة” (Katherine Rabuzzi in Donovan, “Jewett’s Critical Theory 218)، وترى جوزفين دونوفان أن التجربة النسائية كثيرا ما تبدو، عند تأملها بالمقارنة بالحبكة الذكورية، “ثابتة وفي حالة انتظار، فهي ليست في حالة تقدم ولا ساعية نحو الأحداث الجارية بالتتابع أو وصولا للذروة، وهو ما نجده في حبكة القصص الذكورية التقليدية” (218-219 Donovan)، إن الرسالة التي بين أيدينا أو رواية مثل رواية ساره أورن جوويت عن “بلد أشجار السرو الشائكة” (Sarah Orne lewett, The Country of the Pointed Firs) ، لا يمكن بالتالي عريفهما إلا يوصف كل منهما “نصا بلا حبكة” (106 “Donovan, “Women’s Poetics)، وكذلك فإن من أفضل القصص التي كتبتها جريس بيلي (على سبيل المثال: Grace Paley, “Friends”, “Rushy “and Edie، ومجموعتها القصصية الأحدث (Later the Same Day)، وهي النصوص التي توصف تبعا لعلم السرد التقليدي بكونها “بلا حبكة“، هي نصوص مكونة من حبكات عن محاولات تقوم بها النساء من أجل “فهم” عالمهن.21 أما الرواية الجماهيرية المعاصرة مثل رواية ميج ووليتزر عن “الصور المخفية” (Meg Wolitzer, Hidden Pictures)، وفي تناولها الإمكانيات السلبية التي لا تحدث أو لا يكتب لها الحدوث، تصبح حكاية “معيبة منقوصة” عند دراستها تبعا لنظريات الحبكة، حيث تقدم الرواية توقعات مزعجة وتنبؤات لا تحققها. ومع ذلك يمكن النظر إلى تلك الحبكة أيضا باعتبارها بناء من القلق والراحة (التدريجية) التي تتوافق مع تجارب النساء في العالم الحقيقي ممثلة في الظروف العصيبة التي تمر بها بطلتا الرواية وهما امرأتان في علاقة مثلية تقومان بتنشئة ابن لهما في ضواحي المدينة. فإذا كان يتعين على دارسات ودارسي الكتابة النسائية الحديث مرارا وتكرارا من منطلق اللاحبكة” (باستخدام الصيغة عادة بين علامتي تنصيص بما يوحي بعد رضاهم عن هذا المصطلح)، فبرما يعني ذلك وجود خطأ ما في مفاهيم الحبكة النابعة من مورفولوجيا بروب، وربما يكون علم السرد قد أخطا في محاولة التوصل إلى تعريف وتوصيف واحد أوحد للحبكة، فسوف نتعلم أكثر وأكثر عن كتابات النساء السردية – وعدد العشرات من نصوص القرن العشرين – إذا أخبرنا أنفسنا على إيجاد لغة لتوصيف حبكات تلك النصوص بمصطلحات تحمل صيغ الإيجاب لا النفي.
كما يوجد مستوى آخر أيضا للحبكة تدفعنا رسالة العروس إلى التفكير فيه، وتوجد في واقع الأمر سلسلة متتابعة من التوقع والتحقق لا يصوغها هذا النص تماما، وهو ما يتبدى في فعل الكتابة حالة كلا الرسالتين، سواء كانت حياة الراوية سعيدة أم تعيسة، فإن الأمر الذي “لا يمكنها الرضا” بدونه هو ببساطة عملية الحكي – أي السرد نفسة، حيث يتحول فعل الكتابة إلى إشباع وتحقق للرغبة، ويصبح الحكي هو الفعل الوحيد المسند، كما لو كان الحكي في حد ذاته حلا و ويقدم خاتمة، إن الحكاية والقصة (récit and histoire) تتداخلان بدلا من كونهما عنصرين منفصلين. فيصبح الحكي عاملا أساسيا في صياغة القصة. كما يصبح التواصل والفهم المتبادل هدفا للسرد بل وأيضا هو الفعل الذي يمكنه تحويل (بعض جوانب) العالم المسرود. وفي عالم يسوده الانتظار والسكون والتلقي، ولا يكون فيه الفعل ممكنا إلا بقدر ضئيل، يصبح فعل السرد نفسه مصدر للإمكانية والاحتمال.
وهكذا فإن ما يحدث في الرسالة هو أن تمني الحصول على سعادة الآخر هي أمنية تحل محل إمكانية تغيير حياة الذات، وإن تجربة الكاتبة تمثل دافعا محفزا (إيجابيا أو سلبيا) لصياغة قصة خاصة بالقارئة أو القارئ، وبالتالي تتحول الصديقة حافظة السر مشاركة بفعالية لا في السرد فحسب بل في الحبكة ذاتها، حيث أن الرغبة في تحقيق السعادة للطرف المتلقي للسرد يعمل على تغيير اتجاهات الحبكة بحيث يتم نقل إمكانات التغيير والتحقق إلى الطرف المتلقي للسرد. ومن هنا تشير الرسالة إلى وجود حبكة فيما وراء السرد النسائي “عديم الحبكة“، وهي حبكة تقويضية تقوم على المشاركة في التجربة بحيث تعمل حياة المستمعة أو المستمع ربما على إكمال حكاية المتحدثة أو المتحدث. وإنني أمل أن يتناول علم السرد هذا التقاطع بين حبكة السرد مع حبكة القصة.
ويشير تحليل هذه الرسالة المشفرة بإيجاز إلى جوانب من السرد ربما تقوم مراجعة نقدية يتمحيصها وتصنيفها. ويمكن لنظرية الصوت الشاملة أن تأتي بإطار لتوصيف العناصر المكونة لتعددية الصوت وأن تصوغ نظرية لنبرة السرد على أساس لغوي. إن الاهتمام بالسياق البلاغي للسرد أي وضعه ضمن أنواع السرد، ومستوى السرد العام أو الخاص – سيمكن فهمها جميعا من منطلق أهميتها المحددة لمعنى السرد. كما يمكن إعادة النظر ودراسة نظريات الحبكة والقصة بهدف العثور على بدائل لمفهوم الحبكة باعتبارها استحواذا أو حلا فعالا، واستخدام الحبكة التي يمكن توليدها من خل العلاقة بين الراوية والمتلقية أو المتلقي، أي الطرق السارد والطرف المسرود عليه وبمجرد أن يتضح كون بعض النصوص (النسائية) غير مناسبة للتوصيف بواسطة علم السرد الشكلاني التقليدي، عندها نبدأ في إدراك أن نصوصا أخرى – نصوصا ما بعد حداثية، ونصوصا بأقلام شعوب آسيا وأفريقيا، ربما – قد تتشابه في قابليتها للتفسير. وإنني أرى أن علم سرد ممتد ومتسع هو وحده القادر على البدء في تحقيق أمنية جيرالد برينس التي عبر عنها في نهاية كتابه في “علم السرد” قائلا: “وأخيرا يمكن لعلم السرد أن يعيننا على فهم ماهية البشر” (164 Gerald Prince)
سوزان لانسر، أستاذة الدراسات النسائية والجندرية والدراسات الأدبية المقارنة في جامعة برانديز في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي متخصصة في الأدب الأوروبي في الفترة من القرن السابع عشر وحتى التاسع عشر، وهي من أهم المتخصصات في نظرية السرد والأدب الروائي مع اهتمام خاص بالدراسات النسائية، وقد وجهت اهتمامها خلال السنوات الأخيرة إلى دراسات الجنسانية، فأصدرت العديد من الأبحاث في هذا الموضوع، ومنها كتابها الصادر مؤخرا والذي حررته بالاشتراك مع روبين واردول عن سرديات المثليات والكوير.
أتقدم بالشكر والامتنان إلى كل من مايكل راجوسيس وليونا فيشر وكارين كابلان وهارولد موشر لما قدموه من ملاحظات نقدية ثمينة على هذه المقالة في مراحل كتابتها المتتابعة.
* Susan S. Lanser. “Toward a Feminist Narratology”. Style 20:3 (Fall 1986), pp. 341-363.
وأود أن أتقدم هنا بالشكر إلى أ.د. علا حافظ، أستاذة اللغويات ورئيسة قسم اللغة الإنجليزية وآدابها حاليا بكلية الآداب، جامعة القاهرة، لما قدمته من مشورة وعون في ترجمة بعض المصطلحات المتخصصة.
1 – من المستحيل التمييز ببساطة بين ما يطلق عليه الفكر النسوي “الأمريكي” و“الفرنسي“، والمقصود عادة من النسوية “الفرنسية” هو النسوية التي تمت صياغتها فكريا داخل الأطر النظرية لما بعد البنيوية، وهي بالتالي تدين بالكثير إلى كتابات ديرندا وفوكو ولاكان وكريستيفا وسيكسو وإيريجاراي، أما النسوية “الأمريكية” فتميل إلى النشأة من داخل المحددات السياسية لحركة : النساء الأمريكية والتجربة التاريخية للنساء عموما والكاتبات تحديدا ويمارس كلا النموذجين في الولايات المتحدة الأمريكية، كما تزايدت أوجه التداخل فيما بينهما، ومع ذلك يستمر الجدل قائما، وللمزيد عن تلك الاختلافات، أنظر/ي على سبيل المثال المقدمة وقائمة المراجع الواردة في مقالة أن جونز ضمن كتاب حررته إيلين شوولتر عن “النقد النسوي الجديد” (Ann Jones in Showalter, The New Feminist Criticism)، وعلى سبيل المثال على أسلوب الجمع والتوليف الجديد فيما بينهما، أنظر/ي ميس (Meese).
2 – أنظر/ي تحديدا: 54-45 Furman
3 – توجد مقالة من كتاب بال عن الكتاب المقدس اليهودي (Hebrew Bible) متاحة للقراءة باللغة الإنجليزية ( (Mieke Bal, “Sexuality, Sin and Sorrow” هذا وقد وردت المقالة مترجمة إلى اللغة العربية في المصدر التالي: ميكا يال، “الجنسانية، الخطيئة، الأسى: ظهور الشخصية النسائية“، في النسوية والدراسات الدينية، تحرير وتقديم أميمة أبوبكر، ترجمة رنده أبوبكر، القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة، ٢٠١٢، ص144-169. (المترجمة)
4 – من اللافت أن الجملة الوحيدة الواردة في كتابي والتي يتم الاستشهاد بها في عروض الكتاب هي الجملة التي أقول فيها “إن خلفيتي العلمية متأصلة في الشكلانية، ومنظوري متأصل في النسوية بنفس القدر“، وهو ما يوضح أن الكثيرين من الباحثين والباحثات يستعجبون من الجمع بين التسوية وعلم السرد.
5 – أجد مفارقة في أن يتم تبرير رقص دونوفان لا تشريح الشكلاني على أساس أنه لا يتماشى مع ما أسميناه أنا وإقلين بيك “الإبستمولوجيا النسائية” (أي المعرفة النسائية) (86 Lapser and Beck).
6 – في أعقاب نشأة النظريات السردية للتحليل النفسي الجدي (new psychoanalytic narrative theories) تحديدا تراجع استخدام مصطلح علم السرد (narratology)، ربما لاعتباره مصطلحا بنيويا مفيدا. ويختلف النقاد والناقدات حول الاختلافات ، علم السرد (narratology) والشعرية السردية (narrative poetres) أنظر/ي على سبيل المثال محاولة ريمون كينان في التفرقة بين المصطلحين في كتابه عن “فن الرواية السردية” (Rimmon Kenan, Narrative Fiction 133,n 1)، وباستخدامي مصطلح ” علم السرد” أعني ببساطة ذلك الفرع من الشعرية الذي يهتم بتعريف وتوصيف كافة جوانب السرد.
وقد اخترت في هذه المقالة استخدام “علم السرد” (narratology) بدلا من “شعرية السرد ((narrative poetics جزئيا لإلقاء الضوء على التنافر بين علم السرد والنسوية، وجزئيا للوصل بقدر أكبر من الدقة إلى تحديد الممارسات الشكلانية/ البنيوية التي أتناولها هنا. ولكنني سوف أطالب في هذه المقالة بدراسة للسرد تكون في النهايةأقل شكلانية مما يوحي به علم السرد عامة، ولهذا السبب، ونظرا لأنني أطرح كذلك استخدام مصطلحات اکثر فرما في دراسة السرد، يمكنني أن أرى أيضا مزايا الشعرية السردية، ولن أتردد في إحداث التغيير.
7 – في الوقت الذي يوجد فيه علم سرد منصب على القارئ ويؤكد على عملية إنتاج النص، فإن مقولة ريمون – كينان صحيحة في الإشارة إلى أن “نزعة “المراجعة الأكثر امتدادا في بعض الدراسات المنصبية على القارئ … كثيرا ما تتعارض مع مشروع الشعرية السردية في حد ذاته” (118 Rimmon-Kenan).
8 – لقد كان التفكير القائم على التعارض بالطبع ضارا ومؤذيا للنساء ولغيرهن من المجموعات الخاضعة لسيادة الغير إن الثنائيات القائمة على مثال أ/لا أ، هي البنى التي تخلق التراتبية (والتي نجدها في: غير أبيض، غير متعلم، غير أمريكي). إن الفئات والتصنيفات، مع قيام النسويات أحيانا باستخدامها، تكون صالحة لاستغلالها السين في التشويه القمعي والنهايات غير المكتملة والجمود الخانق.
9 – لقد قمت فعلا في كتابي عن “الفعل السردي” (Narrative Act) بتناول بعض نصوص النساء وكذلك الرجال، كما قمت بتضمين نظريات في السرد قدمتها نساء تعرضن للتجاهل والإهمال مثل فيرنون لي (Vernon Lee) وكيت فریدمان Kate Friedemann)، ولكنني لم أقم كما يجب بإعادة التقييم الراديكالية التي أطالب بها الآن، وهي عملية تعني البدء بالكتابات النسائية (السردية منها والنظرية) من أجل إعادة تهميش المهمش، وذلك عوضا عن كل التعليم الذي ظل متحيزا بشدة لصالح خطاب الرجل.
10 – لقد اكتشفت هذه الرسالة بالمصادفة، فأثناء تصفحي لأكوام المواد الموجودة في مكتبة جامعة ويسكونسن ماديسون منذ عدة أعوام، عثرت على كتاب صغير وعجيب عنوانه “الأنثى المهذبة” من تحرير كليفتون فيرئيس (The Genteel Female, edited by Clifton Furness)، وتتضمن أوراقه الأخيرة تلك الصفحة من مجلة أتكیلسونز کاسکیت” (Arkinson’s Casker) التي تحتوي على الرسالة. 11 – توجد ثلاثة آراء متضارية في هذا الموضوع، أي ما إذا كانت هنالك “لغة نسائية” (women’s language) بالفعل، وما إذا كانت لغة قاصرة على النساء، وما إذا كانت خاصية سلبية، وقد رأت روبين لاكوف (Robin Lakoff) في عام ١٩٧٥ أن النساء يستخدمن أشكالا من اللغة تختلف – ، تلك التي يستخدمها الرجال، وأن هذه اللغة تؤكد ضعف النساء اجتماعيا وسياسيا، في حين يرى نفاد آخرون أن “لغة النساء” في محض خيال قائم على التنميط الجنسي وأن النساء لا يتكلمن بشكل يختلف فعلا عن الرجال أما الحريات فهویدن وجود اختلاف ولكن بدلا من رؤية هذا الاختلاف باعتباره خاصية سلبية، تحدهن يعتبرن “لغة النساء” موجهة أكثر مصوب الاهتمام بالآخرين والى وضع آراء ومعتقدات الفرد في سياقها (بدلا من التأكيد “الذكوري” على الأفكار العامة الشاملة)، وللحصول على مزيد بشأن تلك الآراء المتضارية، أنظر/ي: (spender 32 -51) أما السؤال المتعلق بهذا الأمر فهو عما إذا كان الأدق نتحدث عن لغة النساء أم عن “لغة المستضعفين” وبناء على الدراسات العملية في سياق المحاكم، وجدت في أن من أوبار وأنكيتر (O Barr and Atkins) تمتع الشاهدات بمصداقية أكثر عند حدیثهن بـ “اسلوب قوي” مقارنة بمن يتحدثن بـ “أسلوب مستضعف“
12- يری ريتشارد سينيت أن الخطاب البسيط المباشر في صيغة المعلوم تكشف عن ثقة كثيرا ما تكون مثار للخته السيل والخطير، أنظري: (Richard Sennett, Authority, chapter 5)
13- تستخدم ماری لویس برات هذا المصطلح للإشارة إلى نص أو فعل حدیث تكمن أهميته في مدى كونه قابلا للحكي والقص، وبالتالي يكون قابلا للعزل عن ظروف غنتاجه المباشرة. ومن الأمثلة على ذلك النصوص الأدبية والنكت أنظر/ي: ( Mary Louise Pratt 136- 148)
14- أتقدم بالشكر إلى هارولد موشير لطرحه الرأي بأن تلك الشخصية ليست هي الراوية بل مجرد محررة، فقد كن أميل إلى الاعتقاد بأن هذا الصوت مشابه للصوت الذي يقدم لنا مثلا حكاية المربية في رواية (the Tum of the Screw)، وأعتقد أن المشكلة تكمن على الأقل جزئيا في النظام الذي طرحه جينيت والذي لا يميز المحرر عن راوية الحديث المباشر الخارجي، فربما يظهر مثل هذا الراوي لفترة وجيزة فقط لتقديم سرد داخلي، وقد يقوم بذلك متخفيا في صورة المحرر.
15- أرى هنا أن الرواة وكذلك المروى عليهم قد يكونون في حديث مباشر مغاير (heterodiegetic) أو حديث مباشر ذاتي (homodiegetic) – أي يمكن لأي من الطرفين أن يكون داخل أو خارج عالم الرواية – وأن الراوية الذاتي قد يتوجه بالحديث إلى مستمع مغاير (رغم ما يشكله ذلك من تجاوز سردي حين يتوجه راوية مغاير إلى مستمع ذاتي) ولكنني قررت عدم استخدام تلك المصطلحات كي أتجنب الخلط مع مصطلحي الرواة المغايرين والذاتيين (heterodigietic and homodiegietic narrators) وبسبب التزامي بتبسيط المصطلحات السردية.
16- يختلف هذا نوعا ما عن حالة الرسالة التي تعترضها شخصية لم تكن الرسالة موجهة إليها أصلا، وهو ما يتكرر حدوثه مثلا في رواية “كلاريسا” (Clarissa). ويكمن الاختلاف في أنه في تلك الحالة تعرف الراوية أن نصها سيتعرض للاعتراض وبالتالي قامت ببناء السرد الظاهر تبعا لذلك.
17- إن الاختلافات القائمة بين السرد الخاص والعام في الأعمال السردية بأقلام النساء هي نقطة أركز عليها أساسا في الكتاب الذي أنا على وشك الانتهاء منه حاليا عن الكاتبات والصوت السردي.
18- كما أوضحت لي سوزان ليجير، فإن كتابا مثل کتاب روس نشیمبرز (Ross Chambers) يمثل استثناء طيبا لذلك النمط المتعارف عليه.
19 – إنني على وعي بأن التحليل الذي قمت به للرسائل لم يتضمن أي تناول للعمة العزباء، وأن وضعها باعتبارها عزباء يجعلها شخصية جديرة بالاهتمام في سياق الصور التي تقدمها تلم الرسائل عن الزواج.
20- يمكن القول بأن وجود عشيق في النص الباطن يترك الأبواب مفتوحة إلى الأبد أمام إمكانية قيام أحداث، حتى إذا كن الحدث بهدو عرضيا وغير رئيسي في نص ما، وتشهد تلك الإمكانية على قوة الرغبة في الحبكة.
21- أدين إلى آلان وايلد في التعرف على مثال هذه القصص بقلم جريس بيان، حيث يتضمن كتابه فصلا يتناول أعمالها Alan Wilde Middle Ground: Studies in Contemporary American Fiction (Philadelphia: University ) (of Pennsylvania Press, 1987)
Bakhtin, M.M. “Discourse in the Novel”. The Dialogic Imagination. Trans. Caryl Emerson and Michael Holquist Austin: University of Texas Press, 1981. 259-422.
Bal Micke Femmes imaginaries Fancien testament au risque d’une narratologie critique. Paris: Nizer, Montreal: HMH, 1986.
“The Narrating and the Focalizing A Theory of the Agents in Narrative”. Style 17 (1983); 234- 269.
“Sexuality, Semiosis and Binarism: A Narratological Comment on Bergen and Arthur”. Arethasa 16 1-2 (1983): 117- 35.
“Sexuality, Sin, and Sorrow: The Emergence of Female Character (A Reading of Genesis 1-3)”. The Female Body in Western Culture. Ed. Susan Robin Suleiman. Cambridge: Harvard UP, 1986. 317- 38
Booth, Wayne C. “Freedom of Interpretation: Bakhtin and the Challenge of Feminine Criticism”. Critical Inquiry 9 (1982):45-76.
Bremond, Claude. Logique du récit. Paris: Seuil, 1973.
Brewer, Minich. “A Loosening of Tongues: From Narrative Economy to Women Writing”. MLN 99 (1984): 1141- 61.
Brooks, Peter. “Narrative Desire”. Style 18 (1984): 312-27.
Chambers, Ross. Story and Situation: Narrative Seduction and the Power of Fiction. Minneapolis: University of Minnesota Press, 1984.
Costello, Edward, “Modality and Narration: A Linguistic Theory of Plotting”. Diss. Wisconsin, 1975.
Donovan, Josephine. “Sarah Orne Jewett’s Critical Theory: Notes Toward a Feminine Literary Mode”.
Critical Essays on Sarah Ome Jewett. Ed. Gwen L. Nagel. Boston: Hall, 1984.
“The Silence is Broken Women and Language in Literature and Society. Ed. Sally McConnel Ginet et al. New York: Praeger, 1980. 205-18.
“Toward a Women’s Poetics”. Tulsa Studies in Women’s Literature 3. 1-2 (1984):99-110
DuPlessis, Rachel Blau, Writing Beyond the Ending: Narrative Strategies of Twentieth-Century Women Writers Bloomington: Indiana UP, 1985.
Eagleton, Terry, Literary Theory: An Introduction Minneapolis: University of Minnesota Press, 1983. “Female Ingenuity”. Atkinson’s Casker or Gems of Literature Wit and Sentiment. No. 4, Philadelphia, April 1832: 186.
Fish, Stanley, Is There a Text in this Class? The Authority of Interpretive Communities. Boston: Harvard up 1980
Furman, Nelly. “The politics of language: beyong the gender principle?” Making a Difference: Feminist Literary Criticism. Ed. Gayle Greene and Coppélia Kahn, London: Methuen, 1985, 59-79.
“Textual Feminism”. Women and Language in Literature and Society. Ed. Sally McConnell-Ginet et al. New York: Praeger, 1980, 45-54.
Furness, Clifton, ed. The Genteel Female. New York: Knopf, 1931.
Genette, Gérard. Narrative Discourse: An Essay in Method. Trans. Jane E. Lewin. Ithaca: Cornell UP, 1980. Trans of “Discours du récit”. Figures III. Paris: Seuil, 1972.
Nouveau discours du récit. Paris: Seuil, 1983.
Palimpsestes: la literature au second degré. Paris: Seuil, 1982.
Gilbert, Sandra, and Susan Gubar. The Madwoman in the Attic: The woman Writer and the Nineteenth Century Literary Imagination. New Haven: Yale UP, 1979.
Hamon, Philip. “Text and Ideology: For a Poetics of the Norm”. Style 17 (1983):95-119.
Hansen, Elaine Tuttle. “The Double Narrative Structure of Small Changes Contemporary American Women Writers: Narrative Strategies. Ed. Catherine Rainwater and William J. Scheick Lexington: University Press of Kentucky, 1985,
Jefferson, Ann. “Mise en abyme and the Prophetic in Narrative”. Style 17 (1983): 196-208.
Kotin, Armine Mortimer. “Narrative Closure and the Paradigm of Self-Knowledge in La Princesse de Cléves Style 17, (1983): 181-95.
Kramarea, Cheris. “Proprietors of Language”. Women and Language in Literature and Society. Ed. Sally McConnel-Ginet et al. New York: Praeger, 1980. 58-68.
Lakoff, Robin. Language and Women’s Place. New York: Harper and Row, 1975.
Lanser, Susan Sniader and Evelyn Torton Beck. “(Why) Are There No Great Women Critics?-And What Difference Does It Make?” The Prism of Sex: Essays in the Sociology of Knowledge. Ed. Julia Sherman and Evelyn T. Beck. Madison: Unversity of Wisconsin Press, 1979, 79-91.
Lévi-Strauss, Claude. Myth and Meaning New York: Schocken, 1978.
Lodge, David. Small World. New York: Macmillan, 1984.
McConnell-Ginet, Sally, Ruth Borker, and Nelly Furman, eds. Women and Language in Literature and Society New York: Praeger, 1980,
Medvedev, P.N., and M.M. Bakhtin. The Formal Method in Literary Scholarship: A Critical Introductio to Sociological Poetics. Trans. Albert J. Wehrle. Baltimore: Johns Hopkins UP, 1978.
Meese, Elizabeth A. Crossing the Double-Cross: The Practice of Feminist Criticism Chapel Hi University of North Carolina Press, 1986.
Miller, Nancy K. “Emphasis Added: Plots and Plausibilities is Women’s Fiction”. The New Femini Criticism: Essays on Women, Literature, and Theory. Ed. Elaine Showlater. New York: Pantheon, 1985, 339-60.
Newton, Judith. “Making and Remaking – History: Another Look at ‘Patriarchy”. Tulsa Studies in Women’s Literature 3. 1-2 (1984): 125-141.
O’Barr, William M., and Bowman K. Atkins. “Women’s Language or “Powerless Language?” Women and Language in Literature and Society. Ed. Sally McConnell-Ginet et al. New York: Pranger, 1980 93 – 110
O’Neal, Michael. “Point of View and Narrative Technique in the Fiction of Edith Wharton”. Style 17 (1983): 270- 89
Pavel, Thomas G. The Poetics of Plot The Case of English Renaissance Drama Minneapolis: University of Minnesota Press, 1985.
Pratt, Mary Louise. Toward a Speech Act Theory of Literary Discourse. Bloomington: Indiana UP, 1977.
Prince, Gerald. Narratology: The Form and Function of Narrative. Berlin: Mouton, 1982.
Propp, Vladimir. Morphology of the Folktale. Ed. Louis A. Wagner. 2nd ed. Austin: Unviersity of Texas Press, 1968.
Reyes, Graciela. Polifonía textual: La citation en la relato literario. Madrid: Gredos, 1984.
Rimmon-Kennan, Shlomith. Narrative Fiction: Contemporary Poetics London: Methuen, 1983.
Schor, Naomi. Breaking the Chain: Women, Theory, and French Realist Fiction. New York: Columbia UP, 1985.
Sennett, Richard. Authority, New York: Knopf, 1980.
Showalter, Elaine, ed. The New Feminist Criticism: Essays on Women, Literature, and Theory. New York: Pantheon, 1985.
Women’s Time. Women’s Space, Writing the History of Feminism Criticism”. Tulsa Studies in Women’s Literature 3: 1-2 (1984): 29-43.
Spender, Dale. Man Made Language London: Routledge and Kegan Paul, 1980.
Torgovnick Marianna, Closure in the Novel. Princeton: Princeton UP, 1981.
Warhol, Robyn R. “Toward a Theory of the Engaging Narrator, Earnest Interventions in Gaskell, Stowe, and Eliot”. PMLA 101 (1986): 811-18.
Weinsheimer, Joel. “Theory of Character: Emma”. Poetics Today 1: 1-2 (1979): 185-211,