نحو نقد أدبي نسـوي
إيلين شوولتر*
في عام 1977. قام ليون إيدل، الكاتب المتميز السيرة حياة هنري جيمس، بالمساهمة في ندوة في لندن موضوعها “مقاربات معاصرة للدراسات الإنجليزية” (Contemporary Approaches to English Studies) التي ضمت مقالات لسنة نقاد من الرجال. وقد قدم الأستاذ إيدل مقالته في صورة مناقشة درامية بين ثلاثة من المتخصصين في البحوث الأدبية وهم في حالة نقاش عن الفن واقفين على سلم المتحف البريطاني:
كان هناك “الناقد كريتيكوس” وهو مثقف قصير القامة ضخم الجثة يضع نظارة، وكان ممسكًا بغليون في يده اليمنى. وكان هناك “الشاعر بويتيكوس” وقد ترك على جبينه خصلة من الشعر متشبها بالشاعر بيتس ولكن دون النظارة والشريط، واعتمد على كسب رزقه من كتابة عروض الأعمال الأدبية، وكان قد جاء إلى المتحف البريطاني بحثًا عن شيء ما. ثم كان هناك “كاتب السير بلوتارخوس” وهو كاتب للسير يتصف بالنحافة والطول، وكان يرتدي سترة من القطن المخملي.
وبينما هؤلاء الرجال الثلاثة مندمجون في مناقشة موضوعهم المهم، تتوقف عربة أجرة أمامهم وتنطلق منها “شابة ذات شعر بني يميل إلى الحمرة، من الواضح أنها أمريكية، مرتدية قرطًا وتحمل كمية من الملفات وحقيبة للأوراق” ، وانطلقت إلى داخل المتحف تاركة الرجال الثلاث في حالة من التفكير اللحظي عما يجعل الأنوثة في حاجة إلى إعمال الفكر. ونجدهم مستمرين في النقاش عند خروجها بعد مرور واحد وعشرين صفحة.1
أعتقد أن علينا أن نشعر بالامتنان بأن امرأة واحدة على الأقل – وانطلق عليها اسم “الناقدة كريتيكا” – تظهر في هذا الجمع، حتى وإن لم تكن مدعوة للانضمام إلى النقاش المحتدم. وأتصورها ناقدة سوية – بل وفي الواقع إذا كنت قادرة على دفع مقابل عربات الأجرة إلى المتحف البريطاني لخطر في بالي أنهم ربما يكونون قد رأوني – ويسعدني أن أتصور أنه بينما وقف الرجال يتبادلون النمائم في الشمس كانت هي منكبة على العمل في الداخل، ولكن ذلك لا يقدم لنا سوى القليل من الرضا والسعادة حين ندرك أن من بين كافة المقاربات إلى الدراسات الإنجليزية التي كانت سائدة في السبعينات من القرن العشرين، فإن النقد النسوي هو أكثرها تعرضًا للعزلة وأقلها تمتعا بالفهم. إن أعضاء أقسام الدراسات الإنجليزية ممن يذكرون ما يقصده هارولد بلوم (Harold Bloom) بكلمة “کلينمن” (clinmen) ومن يعرفون الفرق بين سيميوطيقا تارتو وبارث ( Tartu and Barthian semiotics) سيذكرون أنهم ضد النقد النسوي وبالتالي لم يقرؤوا أيًا منه أبدًا. أما من قرؤوه فكثيرًا ما يبدو وكأنهم قد قرؤوه من منظور قاتم فارضين صورهم النمطية على النصوص النقدية. فعلى سبيل المثال، نجد المقدمة التي كتبها روبرت بارتلو (Robert Partlow) لكتاب نينا أويرباخ ( Nina Auerbach) في التحليل النسوي الذي تناولت فيه بالتحليل نص تشارلز ديكنز “دومبي وابنه” (Charles Dickens, Dombey and Son) في كتاب سنوي يصدر في مجال الدراسات التي تتناول دیکنز، حيث عرض روبرت بارتلو المقالة الفظيعة بل والتي لا وجود لها سوى في مخيلته قائلاً:
للوهلة الأولى، فإن مقالة نينا أويرباخ … قد تبدو حالة خاصة من التوسل، وقطعة أخرى من دعاية تحرر النساء متخفية وراء قناع النقد الأدبي، ولكنها ليست كذلك بالضبط .. فكان من الجائز لمثل تلك المقالة أن تكون … باعثة على السخرية … وكان من الجائز أن تكون قد رأت دلالة فحولية قاتمة في عملية حفر طرق للسكك الحديدية وفي المقاعد المنتصبة بالكنائس – ولكنها لا تفعل ذلك.2
وعلى النقيض من الصورة الساخرة التي رسمها روبرت بارتلو (من حيث كون النقد النسوي بطبيعته مهووسًا بعضو الذكورة والفحولة)، نجد الفرضيات العدوانية الواردة بقلم روبرت بويرز في العدد الشتوي من مجلة “بارتيزان ريفيو” عام 1977 Robert Boyers, Partisan Review 1977 Winter 1977)) بشأن هوس النقد النسوي بتدمير كبار الفنانين من الرجال. ففي مقالته “حجة ضد النقد النسوي” (“A Case Against Feminist Criticism”) استخدم روبرت بويرز كتابًا واحدًا هو کتاب جوان ميلين عن “النساء وحياتهن الجنسية في السينما الجديدة” (Joan Mellen, Women) باعتباره مثالاً على النقص النسوي في “الأمانة الفكرية والانضباط” . وهو يعرف النقد النسوي بوصفه “الإصرار على طرح نفس الأسئلة في كل عمل والمطالبة بإجابات على تلك الأسئلة تكون مرضية أيديولوجيا على سبيل تقييم العمل“، ويختم تلك الإدانة قائلاً:
رغم أنني لا أعتقد أن أحدًا تمكن من تقديم حجة قابلة للتصديق بشأن النقد النسوي كبديل مقنع لأي نمط غيره، إلا أنه ما من شخص يمكنه القيام بمعارضة جادة لجهود النسويات المستمرة في المحاولة. ويتعين علينا أن تطالب بأن تكون مثل تلك الجهود متميزة ولو بأدنى قدر من الأمانة الفكرية وبدرجة ما من الانضباط، وهو الأمر الذي فشلت في اكتشافه في معظم النقد النسوي.3
ونظرًا إلى أن مقالته تقدم “الحجة” بطريقة هوجاء مما دفع جوان ميلين إلى رفع قضية بتهمة التشهير فاضطرت المجلة إلى كتابة استدراك في العدد التالي، ومع ذلك فلا يبدو روبرت بويرز بطلاً مثاليًا من النقاد المنضوين تحت لواءي الأمانة والحيوية. بل إن السبيل الأفضل لفهم المصطلحات التي يستخدمها هو بوصفها شكلاً من أشكال الترهيب والوعيد المقصود به إجبار النساء على استخدام خطايا أكثر قبولاً في المجال الأكاديمي، والذي يتصف بذلك “الانضباط” والذي يرد تعريقه في قاموسي باعتباره يشير إلى الصرامة والفعل القاسي أو الشديد أو “حالة من الجمود في الأعضاء أو الخلابا الجية بما يحول دون الاستجابة للمثيرات“. وعند تشكيل نظرية أدبية نسوية لا يجد على المرء أبدًا محاولة استرضاء شخص مثل روبرت بويرز. ومع ذلك فإن تلك “الحجج” لا يمكن مواصلة التعامل معها واحدة تلو الأخرى خارج المحكمة. إن غياب نظرية يتم التعبير عنها بوضوح يجعل النقد النسوي باستمرار عرضة لمثل ذلك الهجوم، في الوقت الذي لم تتوصل إليه حتى الناقدات النسويات كما يبدو إلى اتفاق بشأن ماهية ما يقصدن الجهر به والدفاع عنه.
أما العقبة الثانية التي تواجه التعبير عن وجود ممارسة نقدية نسوية فهي ما نجده لدى الناشطات من تشكك في النظرية، وخاصة عندما تأتي مطالب التوضيح من مصادر جلية في تحيزها العلمي من أمثال بويرز ومايلر من كتّاب الدوريات الأدبية. إن الأفكار الأدبية المجردة التي تدعي کونها عالمية لم تصف في واقع الأمر سوى تصورات وتجارب وخيارات الرجال. كما زيفت السياقات الاجتماعية والشخصية التي يتم فيها إنتاج واستهلاك الأدب. وفي الرواية التسالية، كثيرًا ما تم تحويل الرجل الواثق من نفسه في الدقة والنظام إلى هذه للسخرية، وخاصة عندما تكون “المرأة” هي موضوع دقته ونظامه، والمثال الكلاسيكي على ذلك في شخصية كاسوبان البنيوي العنين التي قدمتها جون إليوت، وهو ما ينطبق بالمثل على شخصية السيد رامزي الفيلسوف المتأسي على نفسه في رواية فرجينيا وولف “إلى الفنار” (Virginia Woolf, To the Lighthouse) ، أما النموذج الأحدث فهو الأستاذ بلودروت في كتاب دوريس ليسينج “المفكرة الذهبية” (Doris Lessing The Golden Notebook) حيث يقوم بمنتهى الثقة بالقاء محاضرة عن الذروة الجنسية عند إناث البجع، وبينما يواصل إلقاء المحاضرة تبدأ النساء الحاضرات في النهوض واحدة تلو الأخرى والخروج، الأمر الذي عب على النساء تقبله في مثل تلك الشخصيات من الرجال هو اتصافهم بخداع الذات وادعائهم الموضوعية وتخفي العاطفة وراء العقلانية، وهو ما تشير إليه إدريان ريتش في كتابها “مولودة من امرأة” (Adrienne Rich, Of Woman Born) قائلة “إن مصطلح “العقلانية” يحيل إلى المصطلح المقابل له كل ما يأبى التعامل معه، وبالتالي ينتهي به الأمر إلى افتراض كونه نقيًا وخالصًا من كل ما هو لاعقلاني، بدلاً من السعي إلى التعرف واستيعاب عناصره السوريالية أو اللاخطية“.4 وبالنسبة لبعض النسويات الراديكاليات الثوريات تعتبر المنهجية في حد ذاتها أداة فكرية من أدوات النظام الأبوي، أي منهج طاغ يضع قيودًا ضمنية على ما هو قابل للتساؤل والتشكيك والمناقشة، فتكتب ماري دالي قائلة أن “المنهج الإله“
هو في واقع الأمر إله ثانوي في خدمة قوى أعلى، وهي المؤسسات الاجتماعية والثقافية التي يعتمد بقاؤها على تصنيف المعلومات المربكة والمزعجة بوصفها لا تمثل بيانات. ونجد أن “المنهج” قام تحت النظام الأبوي بمحو كامل وتام لأسئلة وتساؤلات النساء إلى الدرجة التي لم تتمكن حتى النساء من سماع وصياغة أسئلتنا الخاصة بما يتوافق مع تجاربنا الخاصة.5
ومن هذا المنظور لا يمكن سماع مطالب الوسط الأكاديمي بإنتاج النظرية إلا باعتباره تلك المطالب بمثابة تهديد للاحتياج النسوي إلى الأصالة، كما أن الفكر النسوي لا يرحب بالزائر أو الزائرة الباحث أو الباحثة عن قالب يمكن لأي منهما الحصول عليه دون تعامل شخصي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تقوم برامج الدراسات النسائية بتقديم درجات أكاديمية في هذا التخصص في حوالي ثلاثمائة كلية وجامعة، توجد مخاوف من استحواذ الوسط الأكاديمي على التحليل النسوي كما توجد مطالب بأن نقاوم ضغوط هذا الاستيعاب والإدماج. ويرى البعض أن أقوى مظاهر النقد النسوي تتمثل في جانبي الفعل النشط والتجربة العملية، ويشيرون إلى ازدهار الصحافة النسائية الدولية ودور النشر النسوية الجديدة وإلى مجموعات الكتابة والبيانات العامة (المانيفيستو)، ويأتي خوفهم من أنه في حالة اكتمال النظرية ستموت الحركة ولكن ربما تكون ردود الأفعال الدفاعية تلك في أيضًا بمثابة تفسير عقلاني للمعوقات النفسية أمام مشاركة النساء في الخطاب النظري. فقد جرى العرف على وضع النساء في أدوار مساعدة لا في مواضع النجومية في البحوث الأدبية، فبينما انتقل النقاد الرجال في القرن العشرين إلى موقع مركزي على الساحة، مندمجين علانية في منافسة قوية من أجل الصدارة، ومؤسسين للحلقات والمدارس والمذاهب، ومتحدثين صراحة عن “حسد الكتابة” (طبقًا لجفري هارتمان: “Geoffrey Hartman, “pen-envy)،6 لا تزال النساء ويقدر مبالغ فيه من القائمات بأعمال الترجمة والإعداد والتحرير واستضافة المؤتمرات واحتفالات إصدار كتب لتكريم الآخرين والترجمة الفورية إن قيامنا بتهنئة أنفسنا على عملنا الدءوب وعدم الظهور من أجل مجئ، شقيقة شبكسبير، وهو ما دعتنا إليه فرجينيا وولف في عام ١٩٢٨ ، هي تهنئة أقرب إلى التعامل مع الحاجة والضرورة باعتبارها ميزة وفضيلة، ومن هنا فإنني أود في هذه المقالة تقديم هيكل عام لتصنيف موجز إن لم يكن قانونًا لشعرية النقد النسوي، آملة أن يكون ذلك بمثابة مقدمة إلى كم من الأعمال والكتابات التي يجب اعتبارها مساهمة كبرى في الدراسات الإنجليزية وجزءًا من جهود الدراسات البيئية في إعادة بناء تجربة النساء الاجتماعية والسياسية والثقافية.
يمكن تقسيم النقد النسوي إلى نوعين متمايزين يهتم النوع الأول منهما بالمرأة كقارئة، أي المرأة كمستهلكة للأدب الذي ينتجه الرجل، كما يهتم بالطريقة التي تعمل بها فرضية وجود قارئة لنص ما في تغيير فهمنا هذا النص وتنبيهنا إلى دلالة شفراته الجنسية، وسوف أطلق على هذا النوع من التحليل مسمى “المراجعة النقدية النسوية” (feminist critique)، ومثلها كغيرها من المراجعات النقدية تكون بحثًا قائمًا على قاعدة تاريخية فاحصة للفرضيات الأيديولوجية للظواهر الأدبية، وتتضمن موضوعات هذه المراجعة صور النساء وأنماطهن في الأدب، وأشكال الحذف والتصورات الخاطئة عن النساء في النقد، وأكال الصدع في التاريخ الأدبى طبقًا لما بناه الرجال، كما تهتم بما تتعرض له جماهير النساء من استغلال وتلاعب وخاصة في الثقافة الجماهيرية وفن السينما، وكذلك بتحليل المرأة كعلامة في الأنظمة السيميوطيقية. أما النوع الثاني من النقد النسوي فيهتم بالمرأة ككاتبة، أي المرأة كمنتجة للمعنى النصي، بما فيه من تاريخ وموضوعات وأنواع وبنى الأدب المكتوب بأقلام النساء وتتضمن موضوعاته التفاعلات النفسية لإبداع المرأة، واللغويات ومسألة لغة المرأة، ومسار الحياة الأدبية الفردية أو الجماعية لجنس النساء، وكذلك التاريخ الأدبي، وبالطبع الدراسات المتعلقة بكاتبات وأعمال بعينها. ولا يوجد مصطلح في اللغة الإنجليزية للتعبير عن هذا الخطاب المتخصص ولذا حورت المصطلح الفرنسي “النقد النسائي” ((la gynocitique ليصبح بالإنجليزية (“gynocritics”) (وذلك رغم أن دلالة الاسم الرجال المستعار في تاريخ الكتابة النسائية يوحي بمصطلح “النقد الجورجي” georgics”)”) (في إشارة إلى الكاتبة جورج إليوت).
إن المراجعة النقدية النسوية هي سياسية وجدلية في جوهرها ذات روابط نظرية بالجماليات وعلم الاجتماع الماركسي. أما النقد النسوي فهو أكثر تماسكًا وتجريبًا وعلى صلة بغيره من طرق البحث النسوي الجديد، وفي حوار بين هذين الموقفين النقديين، تقوم كل من الكاتبة كارولين هيلبرن Carolyn Heilbrun)) وكاثرين ستيمبسون محررة مجلة “ساينز: إشارات عن النساء في الثقافة والمجتمع” (Catharine Stimpson, Signs: Women in Culture and Society) بعقد مقارنة بين المراجعة النقدية النسوية وبين العهد القديم “بحثًا عن خطايا وأخطاء الماضي“، ومقارنة النقد النسوي بالعهد الجديد سعيًا إلى “نعمة الخيال“. وتوضح الكاتبتان أن كلا الموقفين النقديين ضروري، لأنه على غرار إرميا في العهد القديم وخروجه من مصر إلى أرض المعاد، يمكن لشخصيات تقوم بالمراجعة النقدية النسوية الخروج من “التبعية الأنثوية” إلى الرؤية النسوية. إن قيام هذا النقاش بتوظيف صور مجازية من الكتاب المقدس إنما يشير إلى الصلات القائمة بين الوعي النسوي وسرديات التحول واعتناق عقيدة جديدة والتي كثيرا ما تظهر في الأدب النسائي، وتعلق كارولين هيليرن على نصها قائلة: “عندما أتحدث عن النقد اللسوي أندهش من النبرة الأخلاقية العالية التي أتكلم بها“.7
على سبيل التوضيح للمسار الذي يمكن للمراجعة النقدية النسوية أن تتخذه، فلنأخذ مثلاً بإيجاز رواية توماس هاردي “عمدة كاستربردج” (Thomas Hardy, The Mayor of Casterbridge) التي تبدأ بالمشهد الشهير لشخصية مايكل هينتشارد السكير وهو يبيع زوجته وابنته الرضيعة مقابل 5 جنيهات في سوق ريفي. وفي دراسته لرواية هاردي، قام إيرفينج هاو (Irving Howe) بالإشادة بعبقرية وقوة ذلك المشهد الافتتاحي:
إن فكاك المرء من زوجته، والتخلص من تلك المرأة الخرقة البالية المتهدلة بشكاواها الصامتة وسلبيتها المثيرة للجنون، والهروب لا بمجرد الانسلال والهجر بل عبر بيع جسدها على الملأ لشخص غريب كما تباع الخيول في السوق، وهكذا بمجرد إرادة غير أخلاقية يتم انتزاع فرصة ثانية من الحياة – فبتلك اللقطة الغادرة الجاذبة لخيال الرجال تبدأ رواية “عمدة کاستریریدج“.8
ومن الواضح أن المرأة ستعايش ذلك المشهد بشكل مختلف، إلا إذا كان قد تم تلقينها التماهي التام مع ثقافة الرجل. وأبدأ بها الاقتباس عن إيرفينج هاو للإشارة إلى كيفية قيام خيال الناقد الرجل بتشوبه النص، حيث لا يخبرنا هاردي سوى بالقليل عن العلاقة بين الزوجين مايكل وسوزان هينتشارد، كما أن ما نراه في المشاهد الأولى لا يوحي بكونها متهدلة أو شكاءة أو سلبية، ولكن دورها في الرواية سلبي، فهي مقيدة للغاية بانتمائها إلى جنس النساء، بل ومثقلة بطفلتها، ولا سبيل أمامها هي لانتزاع فرصة ثانية من الحياة، فلا يمكنها التحكم في الأحداث بل مجرد التكيف معها.
إن الأمر الذي يسهل على إيرفنج هاو التغاضي عنه في الرواية، مثله كغيره من النقاد لأعمال هاردي من الرجال، هو أن مايكل هينتشارد لا يبيع زوجته فقط ولكن الطفل أيضًا والذي لا يمكن سوى أن يكون طفلة تنتمي إلى جلس الإناث، فلا يسهل على المجتمعات الأبوية بيع الأبناء، ولكن البنات يعرضن للبيع إن أجلاً أو عاجلاً. وقد أراد هاردي أن يجعل من بيع الابنة مسألة مؤكدة ومحورية، ففي المسودات الأولية للرواية يكون لما يكل هينتشارد ابنتان يبيع واحدة منهما. ولكن هاردي قام بمراجعة الرواية ليوضح أن مايكل هينتشارد يقوم رمزيًا ببيع كامل نصيبه في عالم النساء ومع قيامه بقطع روابطه بمجتمع النساء بما فيه من حب وولاء، اختار هينتشارد الحياة في مجتمع الرجال وتحديد علاقاته الإنسانية باستخدام شفرة الرجل ممثلة في الأبوة والمال والعقد القانوني وتكمن مأساته في إدراكه مدى القصور في نظامه، وفي عدم قدرته على استرجاع روابط المحبة التي يصبح في حاجة ماسة لها.
إن المحور العاطفي في رواية “عمدة كاستربريدج” لا يتمركز حول علاقة هينتشارد بزوجته ولا علاقته العاطفية السطحية مع لوسيتا تيمبلمان، وإنما ترتكز على بطء تقديره لقوة وكرامة ابنة زوجته إليزابيث جين. فهي كغيرها من النساء الأخريات في الكتاب، يتحكم قلبها فيها، فالقوانين التي صنعها الرجال لا تمثل لها أية أهمية إلى أن تتعلم من هينتشارد نفسه الاعتراف بقيمة الشرعية والأوة والتعريفات الخارجية، وبالتالي تنتهي إلى نبذه آخر الأمر. ويشعر هينتشارد بتدني مكانته و “فقد رجولته” مع انهيار واجهة الرجولة التي كان يتخفى وراءها، وفقدانه قلادة العمدة وسلطة السيادة وحقوق الأبوة، وهو الذي يعترف بأنه “كاره للنساء” ورجل لم يشعر تجاه جنس النساء إلا مشاعر “عجرفة الأسى” في أحسن الحالات، ولكنه في ضعفه المزعوم و“نسوانيته” المتفجرة في لحظات من الرقة، إنما يقدمه هاردي في الحقيقة رجلاً في أحسن حالاته. وهكذا نجد أن لشخصيات النسائية في رواية هاردي “عمدة كاستربريدج“، كما هو الحال في رواياته الأخرى، هي شخصيات على درجة من المثالية وتمثل انعكاسات محملة بالشجن لذات الرجل المكبوتة.
وكما رأينا في هذا التحليل، فمن مشاكل المراجعة النقدية النسوية كونها تميل نحو التركيز على الرجل، فإذا درسنا الصور النمطية للنساء، والتحيز الجنسي للنقاد الرجال، والأدوار المحدودة التي تلعبها النساء في التاريخ الأدبي، فإننا لا تعرف شيئًا عن مشاعر النساء وتجاربهن بل يقتصر الأمر على التعرف على تصور الرجال عما يجب أن تكون عليه النساء، وفي بعض مجالات التخصص قد يتعين ذلك الاقتراب والتعلم على مدى طويل على يدي منظر رجل من المتخصصين في التنظير، سواء كان ألتوسير أو بارت أو ماكيري أو لاكان (Althusser, Barthes, Macherey, Lacan). ثم تطبيق نظرية الإشارات أو الأساطير أو اللاوعي على نصوص الرجال أو أفلامهم. والجهد الزمني والفكري الذي تتطلبه تلك العملية هو جهد يزيد من فرص مقاومة التشكيك فيه ورؤية حدوده التاريخية والأيديولوجية. كما تنسم المراجعة النقدية كذلك بميلها إلى جعل حالة النساء كضحايا حالة طبيعية وذلك بجعلها في الموضوع الحتمي والهاجس الأساسي في المناقشة. كما ترى في أعمال مثل كتاب “الغواية والخيانة” بقلم إليزابيث هاردويك (Elizabeth Hardwick, Seduction and Betraya) التمييز الأخلاقي ذو الوجهين الذي يقوم به الناقد بين النساء اللآتي تعرضن فقط للخيانة من قبل الرجال مثل شخصية هيتي في رواية “آدم بيد” وبين البطلات اللآتي يحققن لأنفسهن حياة جديدة بعد التعرض للخيانة مثل شخصية هيستر برين في رواية “الحرف القرمزي“، وهي مسألة تتعرض لخطورة الاقتراب من الاحتفاء بفرص الوقوع ضحايا، أي غواية الخيانة.9
على النقيض من هذا التشبث الغاضب أو المحب تجاه أدب الرجال، فإن برنامج “النقد النسوي” يقوم على بناء إطار نسائي عام لتحليل الأدب النسائي وتطوير نماذج جديدة تعتمد على دراسة تجربة المرأة، وذلك بدلاً من توظيف وتعديل النماذج والنظريات الخاصة بالرجل. وينطلق النقد النسوي من النقطة التي نحرر فيها أنفسنا من القوالب الخطية المطلقة في التاريخ الأدبي للرجل، وعندما نتوقف عن محاولة إدخال النساء بين خطوط تراث الرجال، والتركيز بدلاً من ذلك على عالم ثقافة المرأة الذي أصبح مرئيًا مؤخرًا، وهو جهد يمكن مقارنته بجهد العالم الإثنوجرافي في نقل تجربة النصف الأنثوي “الخافت” من المجتمع والموصوف في كتاب شيرلي آردنر عن “إبصار النساء” 10(Shirley Ardener, Perceiving Women). ويرتبط النقد النسوي بالبحث النسوي في التاريخ والأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وعلم النفس وعلم الاجتماع، والتي قامت جميعها بتطوير فرضيات بشأن وجود ثقافة فرعية للنساء لا تقتصر على المكانة المفروضة ولا البني المستوعبة والمستبطنة الخاصة بالأنوثة، ولكن تتضمن أيضًا أعمال وتعاملات ووعي النساء، ويقوم الباحثون والباحثات في الأنثروبولوجيا بدراسة ثقافة النساء الفرعية ممثلة في العلاقات القائمة بين النساء كأمهات وبنات وأخوات وصديقات، وفي مجالات الحياة الجنسية والإنجاب والأفكار المتعلقة بالجسد. وفي طقوس الانضمام والانتقال واحتفالات التطهر وفي الأساطير والتابوهات والمحرمات. وفي كتابها عن “المرأة والثقافة والمجتمع” تكتب ميشيل روزالدو (Michelle Rasaldo, Woman, Culture and Society) قائلة:
إن التصورات الرمزية والاجتماعية التي تبدو وكأنها تعمل على إبعاد النساء وإلى تحديد إطار أنشطتهن قد تستخدمها النساء كأساس للتضامن الأنثوي والإحساس بالقيمة. فعندما يعيش الرجال بمعزل عن النساء فإنهم في الواقع لا يستطيعون السيطرة عليهن، وربما يقدمون لهن عن دون قصد الرموز والمصادر الاجتماعية لبناء مجتمع خاص بهن.11
وهكذا نجد في بعض أعمال الأدب النسائي أن القيم المؤنثة تتغلغل وتضعف الأنظمة الذكورية التي تحتويها، وقد قامت النساء باستخدام خیالهن في توظيف أساطير الأمازونات والخيالات التي تتوهم وجود مجتمع أنثوي منفصل، وذلك في أنواع أدبية متنوعة من الشعر الفيكتوري إلى الخيال العلمي المعاصر.
وفي السنوات الأخيرة، أدت الجهود الرائدة التي قامت بها أربع باحثات شابات نسويات أمريكيات إلى منحنا أساليب جديدة في تأويل ثقافة النساء الأمريكيات في القرن التاسع عشر، والأدب الذي كان هو الشكل الأساسي في التعبير عن تلك الثقافة. إن مقالة كارول سميث – روزنبرج عن “العالم الأنثوي من الحب والطقوس” (Caroll Smith-Rosenberg “The Female World of love and Ritual”) تتناول بالدراسة عددًا من أرشيفات الرسائل والخطابات المتبادلة بين النساء، وتبرز العالم العاطفي المشترك بين أفراد الفئة الاجتماعية الواحدة (المثلية الاجتماعية: “homosocial”) في مجتمع القرن التاسع عشر. ويستكشف كتاب نانسي كوت عن “أواصر الكيان النسائي: نطاق المرأة في منطقة نيوأنجلاند 1780 – 1835 Nancy Cott, The Bonds of Womanhood Woman’s Sphere in New England 1780- 1835) التناقض الظاهري في الأواصر والروابط الثقافية وتاريخ طويل من الألم والخضوع والذي يولد مع ذلك تضامنًا أختيًا وأواصر التجربة المشتركة والولاء والتعاطف، ونجد أن کتاب آن دوجلاس الطموح عن “تأنيث الثقافة الأمريكية” (Ann Douglas, The Feminization of American Clulture) يحدد بشجاعة أن نشأة الثقافة الجماهيرية الأمريكية ترجع في بداياتها الأولى إلى الأدب العاطفي للنساء ورجال الدين، وهما فئتان اجتماعیتان متحالفتان “وغير مؤسستين” في المجتمع بعد الصناعي، والكاتبات الثلاثة متخصصات في التاريخ الاجتماعي، ولكن كتاب نينا أويرباخ عن “مجتمعات النساء: فكرة في فن الرواية” (Nina Auerbach, Communities of Women An idea in Fiction) يبحث عن أواصر الكيان النسائي والروابط بين النساء في الأدب النسائي، من البيوت القائمة على النظام الأمومي في روايات لويزا ماي ألكوت ومسز جاسكيل انتهاء بالمدارس والكليات النسائية في أعمال دوروثي سيبرز وسيلفيا بلاث ومورييل سبارك. إننا في حاجة ماسة إلى مثل هذه الدراسات التاريخية والأدبية القائمة على النساء الإنجليزيات، وتوجد مخطوطات ومصادر أرشيفية بوفرة ولم يمسسها أحد. 12
ويجب على النقد النسوي أيضًا أن يأخذ في الاعتبار السرعات والمنحنيات التي يمر بها التاريخ السياسي والتاريخ الاجتماعي والتاريخ الشخصي أثناء تحديد اختيارات نساء الأدب وحياتهم الأدبية. فقد كتبت فرجينيا وولف في مقالتها المنشورة عام ١٩٢٩ عن “النساء وفن الرواية” ( Virginia Woolf, “Women and Fiction”) قائلة “إن أكبر قدر ممكن من المرونة مرغوب، ومن الضروري ترك مساحة للذات للتعامل مع أشياء أخرى إلى جانب العمل، فقد تأثرت ذلك العمل بقدر كبير من الظروف التي لا تمت إلى الفن بصلة“.13 ويمكننا توضيح مدى الحاجة إلى ذلك الاكتمال بالنظر إلى كتابة إليزابيث باريت براونينج والتي تم مؤخرًا إعادة طباعة روايتها الشعرية “أورورا ليي” التي ترجع إلى عام 1856، في طبعة جميلة صدرت عن دار نشر نسائية ( Elizabeth Barrett Browning, Aurora Leigh, The Women’s Press)، وفي مقدمتها الممتازة لهذه الطبعة الجديدة تقوم كورا كابلان ( Cora Kaplan) بتعريف التوجه النسوي عند إليزابيث باريت براونينج بوصفه نسوية رومانسية بورجوازية حيث تضع إيمانها في قوى الحب والفن والخير المسيحي باعتبارها قوى قادرة على التغيير. وتعرض كورا كابلان مضمون حوار إليزابيث باريت براونينج مع الفنانين والمفكرين الراديكاليين الثوريين في زمانها، وحوارها مع تينيسون وكلاو اللذان كتبا فيما كتباه قصائد شعرية عن “مسألة المرأة“، ومع الاشتراكية المسيحية عند فوريير وأوين وكينجسلي وموريس، وحوارها مع من سبقنها من النساء مثل مدام دي ستال وجورج صاند. ولكن رحلة الاستكشاف التي تقوم بها كورا كابلان للوسط الفكري الذي دارت فيه إليزابیت باریت براونینج تخلو من أية مناقضة للشاعر الذي كان تأثيره على أعمال إليزابيث باريت براونينج في الخمسينات من القرن التاسع عشر تأثيرًا هو الأكثر تغلغلاً في أعمالها، ألا وهو الشاعر روبرت براونينج. وعند فهمنا مدى كون الكاتبات معرضات دوما للتأثر بالمعايير والقيم الجمالية الخاصة بالتراث الرجالي، ولتعبيرات القبول والاعتراف من الرجال، فسوف يمكننا تقدير مدى التعقيد الكامن في الزواج بين فنان وفنانة. فمثل تلك الرابطة تكاد تعني دومًا وجود صراعات داخلية ومحو للذات بل وإلغاء لكيان المرأة في نهاية المطاف، باستثناء بعض الحالات النادرة – مثل جورج إليوت وزوجها لويس وبين فرجينيا وولف وزوجها – حيث قبل الزوج القيام بدور في إدارة شؤون زوجته بدلاً من القيام بدور تنافسي. ويمكننا أن نرى في رسائل اليزابيث باريت براونينج التي تعود إلى الخمسينات من القرن التاسع عشر وجود صراع أليم ومعوق ومألوف يدور بين حبها النسائي وطموحاتها لزوجها وبين التزامها المتعارض مع ذلك تجاه عملها، حيث يوجد منطق يجعلها تريده أن يكون هو الفنان الأفضل منها، وفي بداية عقد الخمسينات، كانت إليزابيث باريت براونينج هي الأكثر شهرة من زوجها، ثم نجدها تشير بفخر إلى مقالة نشرت في فرنسا تشيد به أكثر منها، فيمضي كتابه عن “الرجال والنساء” (Robert Browning, Men and Women) بصورة جيدة في حين يمضي كتابها “أورورا ليي” بصورة سيئة (فقد كانت تعتني بطفل صغير، كما كانت في مرحلة الشفاء من حالة إجهاض كانت هي الأخطر من بين أربع حالات إجهاض مرت بها). وفي عام 1854 نجدها تكتب إلى إحدى صديقاتها قائلة:
إنني متأخرة في إصدار قصيدتي … ويقسم روبرت أنه سوف ينتهي من كتابه رغم كل شيء وبعده للطباعة عندما نتواجد في لندن لهذا الغرض، ولكن فيما يخص كتابي فيجب أن ينتظر إلى الربيع القادم كما أرى الأمور واضحة الآن. كما أنه ربما من الأفضل عدم إخراج العملين معًا.
ثم نضيف قائلة في مرارة ” لو كان كتابي جاهزًا لما قلت ذلك ربما“.14
وبدون فهم الإطار العام لثقافة النساء الفرعية قد تعجز عن ملاحظة أو قد نسيء تأويل الموضوعات والبنى المستخدمة في الأدب النسائي، وقد نفشل في التعرف على الروابط القائمة داخل هذا التراث. وفي عام ١٨٥٢ قامت فلورنس نايتينجيل، في مقطع بليغ من مقالتها عن سيرة حياتها وعنوانها “كاساندرا” (“Florence Nightingale, “Cassandra”)، بتعريف ألم الصحوة النسوية باعتباره جوهر هذا الوعي وضمانًا للتقدم والإرادة الحرة، ومن خلال احتجاجها على حياة نساء الطبقة الوسطى في المجتمع الفيكتوري، تلك الحياة المغيبة والمحمية، طالبت الوزای تایتنتجيل باستعادة معاناة هؤلاء النساء قائلة:
أعيدي إلينا معاناتنا تدعو السماء في قلوبنا – المعاناة بدلاً عن اللامبالاة – فمن المعاناة قد يأتي العلاج. أن تعاني الألم أفضل من الشلل: فمن بين مائة يصارعون ويغرقون في الأمواج العاتية. واحد يكتشف عالمًا جديدًا.15
إنه لمن المبهر أن ترى كيف تنبئ الصور المجازية التي تستخدمها فلورنس نايتيتجيل عن حياتها الطبية بل وعن مصير بطلات الروايات النسائية أيضًا في القرنين التاسع عشر والعشرين. إن الصحوة من حالة النوم المخدر اللذيذ الذي عاشته النساء الفيكتوريات كانت عملية مريرة أليمة، ونجد أن تلك الصحوة تكون نهايتها في فن الرواية أقرب إلى الغرق منها إلى الاكتشاف، وعادة ما يتم ربط تلك اللحظة بما أطلقت عليه جورج إليوت في روايتها “ميدلمارتش (George Eliot Middlemarch) “ساعات البرد القارس في شفق النهار” والمواجهة المفاجئة المروعة مع العوارض الطارئة التي يأتي بها الانتقال إلى مرحلة الرشد، إن شخصية ماجي تاليفير عند جورج إليوت، وشخصية ليلي بارت عند إيديث وارتون، وشخصية ليندال عند أوليف شراينر، وشخصية إدنا بونتيليير عند كيت شوبان، هي شخصيات تصحو كل منهن على عوالم لا تقدم للنساء مساحات تتيح لهن أن يعشن الحياة التي يأملنها، ويمتن بدلاً من الصراع والنضال، وهكذا تصير معاناة المرأة نوعًا من البضائع الأدبية التي يستهلكها كل من الرجال والنساء، بل وحتى في هذه الروايات النسائية المهمة تنتهي الحبكة بزيارة يقوم بها أحد الرجال الحزاني إلى قبر البطلة (في الروايات التالية: The Mill on (the Floss, The Story of an African Farm, The House of Mirth
وطبقًا للسيدة ريبيكا ويست ما زالت التعاسة نبرة أساسية في الأدب الروائي بأقلام النساء الإنجليزيات.16 ونجد بالتأكيد أن الساحة الأدبية مفروشة بأجساد الموتى من النساء، ففي كتاب في ویلدون “في الأسفل وسط النساء والصديقات” (Fay Weldon, Down Among the Women and Female Friends) أصبح الانتحار نوعًا من الإنجازات المنزلية يتم بعد التسوق وغسيل الأطباق. فعندما تقوم بطلة الرواية هنا بفتح الغاز “تشعر أنها كانت نصف ميتة لفترة طويلة فلن يكون الاختلاف الطارئ على حالتها شديد الاختلاف“. وفي الرواية القصيرة المدهشة بقلم مورييل سبارك عن “مقعد القيادة” (Muriel Spark, The Driver’s Seat)، نجد بطلة أخرى نصف ميتة ويائسة تجمع كل قواها للإمساك بمريض عقلي كاره للنساء لتقنعه بقتلها. وتتوجه لايز بحثًا عن قاتلها، مرتدية ملابس زاهية اشترتها خصيصًا لهذه المناسبة، ألوانها متناقضة تجمع بين البنفسجي والأخضر والأبيض – وهي ألوان المطالبات بحق النساء في الانتخاب (وهي نفسها ألوان الزي المدرسي في روايتها “عنفوان الآنسة جين برودي“)، وعندما تجده تغويه بالذهاب إلى متنزه عام وتعطيه السكين. ولكن من خلال اختيار لايز الدقيق لملابس وفاتها وسعيها الدؤوب بحثًا عن قاتلها، تمنحنا ميرييل سبارك الحجج المدمرة الدالة على الحكمة المؤنثة: أن المرأة تخلق هويتها عبر اختيار ملابسها وأنها تخلق تاریخها عبر اختيار رجلها. ولكن إذا كان الرجل الصحيح السيد رايت يصبح هو الرجل الطيب السيد جودبار في السبعينات من القرن العشرين، فإن ذلك ليس نتاجًا مفاجئًا للعنف في الحضر، بل حقيقة كامنة يكشف عنها فن الرواية. وتطرح ميرييل سبارك سؤالاً عمن يحتل مقعد القيادة، هل هم الرجال أم النساء، وعما إذا كانت سلطة اختيار من يدمرها هو الشكل الوحيد لتأكيد الذات الذي تتمتع به النساء، إن التعامل مع العنف أو تدمير الذات في تلك الروايات الأليمة بإلصاق مسمى التعبير العصابي عن مرض شخصي، وهو ما أطلقه الكثيرون من كتاب المقالات، هو تعامل تشير إليه آنيت كولودني بأنه عبارة عن تجاهل
إمكانية أن تكون العوالم التي يعشنها هي في الواقع فعلية أو حقيقية. والعوالم الوحيدة المتاحة لهن، إضافة إلى أنه إنكار لإمكانية كون استجاباتهن التي تبدو “غريبة” أو غير عادية هي استجابات قد تكون في الواقع مبررة أو حتى ضرورية.17
ولكن يتعين على الأدب النسائي أن يتجاوز تلك السيناريوهات الخاصة بالحلول الوسط والتنازل والجنون والموت. وعلى الرغم من أن استرجاع المعاناة هو البداية، فإن الغرض منه هو اكتشاف العالم الجديد، ولحسن الحظ فإن بعض أعمال الأدب النسائي الجديدة، وخاصة في الولايات المتحدة حيث أصبحت الراويات والشاعرات أكثر انخراطًا في حركة تحرير النساء، هي أعمال تجاوزت حدود استعادة المعاناة وانتقلت إلى إعادة استثمار تلك المعاناة. وتقوم هذه الكتابات الأحدث بإحالة ألم التحول إلى التاريخ.
ففي قصيدتها “أغنية” تكتب إيدريان ريتش قائلة “إذا كنت وحيدة“
فلا بد أنها الوحدة
من الصحيان أولاً، من التنفس
التقاط أولى أنفاس الفجر الباردة
من أن أكون الصاحية
في منزل يلفه النوم18
إن إيدرمان ريتش واحدة من المتحدثات بلسان الكتابة النسائية الجديدة التي تستكشف إرادة التغيير. وفي كتابها الصادر مؤخرًا، “مولودة من امرأة: الأمومة كتجربة ومؤسسة” ( ,Adrienne Rich Of Woman Born, Motherhood as Experience and Institution) نتحدى الكاتبة ما تعلمته البنات من النظام الأبوي من اغتراب عن الأم ونبذها، وقد تناول الكثير من الأدب في الماضي فكرة الـ “ماتروفوبيا” الخوف من أن تصبح المرأة نسخة من أمها.19 ففي رواية سيلفيا بلاث “الناقوس” (Sylvia Plath, The Bell Jar)، على سبيل المثال، نجد أم البطلة هدفًا لأقصى درجات العقاب والاحتقار، فعندما تعلن إستر لطبيبها المعالج النفسي عن كراهيتها لوالدتها تبدأ رحلتها على طريق الشفاء. وقد جاءت مسألة كراهية الأم بمثابة تجربة نسوية تنويرية في الخمسينات والستينات، ولكنها لم تكن سوى صورة مجازية لكراهية الذات. فنجد أن أدب المرأة في السبعينات من القرن العشرين يتجاوز حدود تلك المخاوف تجاه الأم فينتقل إلى سعي شجاع ومستديم بحثًا عن الأم في كتب مثل کتاب مارجريت أتوود عن “الخروج إلى السطح” (Margaret Atwood, Surfacing) وكتاب ليزا آلثير الصادر مؤخرًا “نفحات القربي” (Lisa Alther, Kinflicks)، فمثلما كان موت الأب دوما طقسًا أصليًا أعلى من طقوس التحول والانتقال من مرحلة إلى أخرى بالنسبة للبطل الغربي، فإن موت الأم الآن كما تشهده وتتجاوزه الابنة أصبح من أهم اللحظات في أدب المرأة. إن النقد النسوي يجد مهمته الأكثر تحديًا وإذكاء للروح والكثر ملاءمة له في تحليل تلك الصحوات المقصودة، تلك الأساطير عن ثقافة المرأة بما فيها من حيوية مثيرة للنشاط.
إن الفرضية الأكثر ثباتًا التي تقوم عليها القراءة النسوية هي الإيمان بأن تجربة النساء بما لها من خصوصية هي تجربة تتخذ وتحدد أشكالاً مميزة في الفن، وفي القرن التاسع عشر كان مثل هذا الإسهام ينال تقييمًا متناقضًا، فعندما قام كتاب المقالات من العصر الفيكتوري، مثل ج. هـ لويس وريتشارد هاتون وريتشارد سيمبسون بطرح أسئلة حول ما قد يحمله أدب النساء من معنى وما قد يؤول إليه، فإنهم ركزوا على المعوقات المتعلقة بالتعليم والتجربة والطبيعة البيولوجية التي تعانها المرأة الروائية، وكانت تلك هي الحالة التي رأت عليها غالبية النساء وضعهن. ونجد أن بعض كتاب المقالات، ممن اعترفوا بتمتع النساء بالتعاطف والعاطفة وقدرة الملاحظة، ظنوا أن الرواية قد تتيح منفذًا ملائمًا بل وسعيدًا للتنفيس عن عاطفة وخيال المرأة. وقد أدركت الروائية المعروفة فاني فيرن (Fanny Fern)، في الولايات المتحدة، أن النساء قد منحن فرصة الاقتراب من الرواية كنوع من التدني بالكبت، وهي قناة غير مؤذية للتنفيس عن الإحباطات والدوافع التي قد تمثل تهديدًا للأسرة والكنيسة والدولة. وقد أوصت فاني فيرن بان تكتب النساء على سبيل العلاج، والتنفيس عن الصمت الخانق في حجرات الاستقبال، والتمرد على اللامبالاة وعدم الإحساس لدى الرجال الأقرب إليهن:
أنظروا حولكم وشاهدوا أعدادًا لا تحصى من النساء اللآتي سيحقق ذلك الأمر تحسنًا وتسلية وعزاء في حياتهن العقيمة الخالية من الحب، وأقول لهن اکتبن! اکتبن! ستكون الكتابة منفذًا أمنا للأفكار والمشاعر التي ربما لم تخطر أبدًا على بال أقرب الأصدقاء ولم يحلموا أبدًا بأنها تسكن قلبك أو عقلك. … فليس من الأمن لنساء عام 1867 أن يكتمن كل هذا القدر مما يصرح طلبًا للتعاطف والتعبير، لأن الحياة دوامة من العمل أو الحمق أو كليهما معًا إلى الدرجة التي تجعل من ارتبطت بهن النساء، جسدًا وروحًا، لا يدركون سوى احتياجات الجسد. … وفي يوم من الأيام، عندما يتم العثور على هذه اليوميات، وعندما تكون اليد التي كتبتها قد تحولت إلى تراب، فكم من زوج أو أب سوف يصبح قائلاً في دهشة وندم: لم أكن أعرف أبدًا زوجتي أو طفلتي حتى هذه اللحظة. ٢٠
إن المرأة الكاتبة الموجودة داخل فاني فيرن تحدثت بصورة غير مباشرة تمامًا إلى جمهور من الرجال، إلى الزوج أو الأب المتخيل، وكان غرضها هو أن تصدم لا أن تسعد، ولكن الحاجة إلى استفزاز رد فعل ذكوري كانت في العامل المتحكم في كتاباتها. ففي نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القردة العشرين، قامت عضوات “رابطة الكاتيات المطالبات بحقوق النساء في الانتخابات” ( Women Writern Suffrage League). وهي منظمة مهمة تضم الروائيات والصحفيات الإنجليزيات، بالبدء في استكشاف القيود النفسية للأدب النسائي وعلاقاتها بصناعة النشر التي يسيطر عليها الرجال، ونجد أن إليزابيث روبينز، وهي أول رئيسة للرابطة وروائية وممثلة قامت بأدوار النجومية في مسرحيات إنجليزية مبكرة للكاتب إبسن، تؤكد في عام 1908 أن ما من كاتبة تمتعت أبدًا بحرية استكشاف الوعي الأنثوي:
إن إدراك أن في إمكانها الوصول إلى مخزن غني ولم يسبق تقليب محتوياته هو مسألة ربما تكون قد خطرت لها على بال، ولكن كانت هنالك أسباب قوية لإخفاء معرفتها تلك، فبهذا الحذر المتراكم على مدى العصور والذي أصبح غريزة نجدها وقد اكتفت راضية بتكرار الحكايات القديمة وتقديم دمى إلى العالم الذي يحكمه الرجال تماثل بقدر المستطاع تلك الدمى التي لاقت الاستحسان منذ البداية في عيون الرجال.
وعلى النقيض من الانطباع الشائع، فإن قيامها بالتعبير عن أفكارها مطبوعة هو آخر ما تحاول الروائية أو الصحفية القيام به في عجالة. فأكثر من أي مجال آخر نجدها هنا مضطرة (إذا لم تكن مستهترة) إلى الظهور بمظهر يجعلها تنال أفضل فرصة لإسعاد إخوانها. وإن ناشري أعمالها ليسوا من النساء.21
وفي سبيل مواجهة ذلك الاحتكار التجاري الرادع، أخذت نساء القرن التسع عشر في إقامة دور النشر الخاصة بهن، بدءًا من دار نشر “فيكتوريا للطباعة” لصاحبتها إيميلي فيثفول ( Emily Faithfull’s Victoria Press) في السبعينات من القرن التاسع عشر، وصولاً إلى مرحلة الذروة بانتشار وازدهار دور النشر التابعة لحركة المطالبة بحقوق النساء في بداية القرن العشرين، وكان من أقوى آراء “رابطة الكاتبات المطالبات بحقوق النساء” اعتقادهن القوي في أن الأرض المجهولة الممثلة في نفس وروح المرأة ستجد القدرة على التعبير الأدبي الفريد بمجرد قيام النساء بالقضاء على سلطة وسيادة الرجل. وقد أكدت فيرجينيا وولف في كتابها “حجرة خاصة بها” (Virginia Woolf, A Room of Ones Own) أن الاستقلال الاقتصادي كان شلاطًا جوهريًا لقيام فن نساني مستقل بذاته، وملها کجورج إليوت من قبلها، آمنت فيرجينيا وولف بأن الأدب النسائي كان محملاً بأمل “الخصوصية الثمينة” أي رؤية أنثوية خالصة.
لقد كانت تلك الموضوعات كلها ذات أهمية للنقد الأدبي النسوي في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، ولكننا اقتربنا منها بقدر أكبر من الوعي التاريخي. وقبل حتى طرح السؤال عن كيف يمكن لأدب النساء أن مختلفًا وذا خصوصية فنحن في حاجة إلى إعادة بناء ماضيه كي نعيد اكتشاف الأعداد الكبيرة من الروائيات والشاعرات والكاتبات المسرحيات اللآتي تعرضت أعمالهن للطمس والتغييب بمرور الزمن، وكي تؤسس استمرارية للتراث النسائي من عقد إلى الآخر بدلاً من أن يكون ذلك بالانتقال من امرأة عظيمة إلى امرأة عظيمة أخرى، وخلال قيامنا بإعادة خلق سلسلة الكاتبات في هذا التراث. وأنماط التأثير والاستجابة ورد الفعل من جيل إلى الذي يليه، يمكننا أيضًا البدء في مواجهة التقسيم المرحلي القائم في تاريخ الأدب التقليدي وشخصياته المستقرة على عروش إنجازاته. ونظرًا إلى أننا قمنا بدراسة الكاتبات في معزل فإننا لم نمسك أبدًا بعناصر الصلة فيما بينهن، فعندما نتجاوز دراسة جين أوستن والأخوات برونتي وجورج إليوت كي ننظر مثلاً إلى مائة وخمسين أو أكثر من أخواتهن الكاتبات لأمكننا أن ترى أنماطًا ومراحل في تطور التراث النسائي تتماشى مع تطور مراحل أي فن ينتمي إلى الثقافات الفرعية. وفي كتابي عن الكاتبات الإنجليزيات “أدب خاص بهن” (A Literature of Their Own) ، أطلقت على تلك الفترات مسمى: المرحلة المؤنثة والنسوية والأنثوية.22 فخلال المرحلة “المؤنثة” (feminine) التي ترجع إلى الفترة من عام 1840 إلى ١٨٨٠، قامت النساء بالكتابة من أجل التعادل مع الإنجازات الفكرية لثقافة الرجل مع قيامهن باستبطان فرضياتها بشأن طبيعة المرأة، وكانت العلامة المميزة لهذه المرحلة هي استخدام اسم مستعار رجالي وهو ما بدأ في إنجلترا في الأربعينات من القرن التاسع عشر، وكان خاصية وطنية تتسم بها الكاتبات الإنجليزيات. وبالإضافة إلى الأسماء الشهيرة التي نعرفها جميعًا – جورج إليوت، كارير، إليس، أكتون بيل – توجد العشرات من النساء الأخريات اللآتي اخترن أسماء مستعارة رجالية على سبيل التعامل مع المعيار الأدبي المزدوج. إن هذا التخفي وراء قناع ذكوري يتجاوز حدود صفحة العنوان، حيث ظل يمثل ضغطًا غير متجانس على السرد ونبرة الحديث والمفردات والبنية والتشخيص. وعلى النقيض من الظاهرة الإنجليزية في الاستعانة باسم مستعار رجالي والتي تشير إلى قدر من الوعي الذاتي بشأن المعوقات أمام التأليف النسائي، فإننا نجد أن الأمريكيات المنتميات إلى نفس المرحلة استخدمن اسماء مستعارة مصغرة وبالغة الأنوثة (فاني فيرن. جريس جرينوود، فاني فورستر). ليخفين وراء تلك الباقات الاعتبارية الرقيقة ما يحمله من طاقة لا حدود لها ودوافع اقتصادية قوية ومهارات مهنية كبيرة، ومن المهن أن نكتشف من آن إلى آخر شخصية لامرأة إنجليزية تجمع بين هاتين التقنيتين وتخلق حالة من الوهم بوجود مؤلف رجل يحمل رسالة منزلية مشفرة بالتأنيث، مثل الكاتبة هاربيت بار التي كانت تكتب باسم مستعار هو “هولم لي” (“Harriet Parr “Holme Lee ). إن المضمون النسوي للفن المؤنث هو بطبيعته مضمون خارج عن السائد ومغترب وساخر ومقوض، ولا بد من قراءة ما بين سطوره في المساحات الغائبة من النص.
وفي المرحلة النسوية (feminist)، من حوالي عام ١٨٨٠ وحتى عام ١٩٢٠ أو حتى حصول النساء على حق الانتخاب، تم تمكين النساء تاريخيًا من رفض أوضاع الكيان المؤنث واستخدام الأدب لإبراز معاناة الكيان النسائي وما تعرضت له المرأة من سوء، إن الإحساس الشخصي بالظلم الذي عبرت عنه كاتبات مثل إليزابيث جاسكيل وفرانسيس ترولوب (Elizabeth Gaskell, Frances Trollope) في رواياتهما عن الصراع الطبقي وحياة المصانع تزايدت نبرته النسوية وازدادت صراحته في الثمانينات من القرن التاسع عشر عندما قام جيل من “النساء الجديدات” بإعادة تعريف دور المرأة الفنانة من منطلق الإحساس بالمسؤولية تجاه أخواتهن في معاناتهن. وأكثر الأمثلة وضوحًا على تلك المرحلة هي صور حياة الأمازونات الطوباوية في التسعينيات من القرن التاسع عشر، وهي صور خيالية لمجتمعات نسائية مثالية تقع في إنجلترا أو أمريكا في المستقبل، والتي جاءت أيضًا بمثابة احتجاج على حكم الرجل وقانون الرجل وطب الرجل. ونجد أن إحدى كاتبات أدب الأمازونات الطوباوي، وهي الأمريكية شارلوت بيركينز جيلمان (Charlotte Perkins Gilman)، قامت كذلك بتحليل أوجه انشغال الأدب الذكوري بالجنس والحرب، والإمكانيات البديلة أمام نشأة أدب نسوي متحرر. إن النسوية الطوباوية عند شارلوت بيركينز جيلمان حملت فكرة جورج إليوت عن “الخصوصية الثمينة” لتصل بها إلى أقصى درجاتها الأمومية. وفي إطار قيامها بعرض رأيها بشأن جماعة الأختية (sisterly collective) مقارنة بخلية النحل تكتب قائلة:
لكان فن النحلة الروائي غنيًا ومتسعًا، ومليئًا بالمهام المعقدة من بناء قرص العسل وملئه، ورعاية الصغار وإطعامهم…. ولكان يتناول وفرة في موضوعات الأمومة وعمليات التعليم والاختيار لدى مجموعات الأمهات، وعاطفة الولاء وخدمة المجتمع، والتي تعمل على تماسك خلية النحل.23
إن هذه هي الواقعة النسوية الاشتراكية على أشدها، ولكن الروائيات في تلك المرحلة – وحتى شارلوت بيركينز جيلمان في قصصها القصيرة – لم يتقيدن بتلك القوالب التعليمية أو تلك الموضوعات الأمومية.
وتشهد المرحلة الأنثوية (female). المستمرة منذ سنة ۱۹٢٠، رفض النساء التقليد والاحتجاج – وهما شكلان من أشكال الاعتمادية – ويلجأن بدلاً عنهما إلى الخبرة الأنثوية بوصفها مصدرًا مستقل، مع قيامين بتوسيع دائرة التحليل النسوي للثقافة لتمتد إلى أشكال وتقنيات الأدب، ونجد أن شخصيات يمثلن “الجمالية الأنثوية” الرسمية، مثل دوروثي ريتشاردسون وفيرجينيا وولف، وقد شرعن في التفكير من منطلق الجملة الذكورية والجملة الأنثوية، مع تقسيم أعمالهن إلى صحافة “ذكورية” وأعمال روائية “أنثوية ، مع إعادة تعريف التجربة الخارجية والداخلية وإضفاء جانب جنسي عليها. وقد كانت محاولاتهن التجريبية بمثابة رحلات ثرية ومقيدة يخلون فيها إلى الاحتفاء بالوعي. وحتى في تعريف فرجينيا وولف الشهير للحياة بوصفها: “هالة مضيئة، ظرف شبه شفافی يحيط بنا منذ بداية الوعي حتى آخره“،24 توجد صورة مجازية دفينة للانسحاب إلى الرحم والاحتواء وبهذا المعنى تصبح “الحجرة الخاصة بها” نوعًا من حياة الأمازونات الطوباوية، والسكان رقم واحد.
في محاولة تفسير تلك التغييرات المعقدة في التراث الأنثوي، جرب النقد النسوي مجموعة متنوعة من المقاربات النظرية. وكان الاتجاه الطبيعي للنقد النسوي هو مراجعة بل وتقويض الأيديولوجيات المتصلة به وخاصة الجماليات الماركسية والبنيوية، مع تغيير مفرداتها ومناهجها كي تتضمن العنصر المتغير الخاص بالجندر (علاقات القوى بين الجنسين). ولكنني أرى أن هذا التصرف الأنثوي لا يحقق أغراضه في نهاية الأمر، فلا يمكن للنقد النسوي أن يمضي إلى الأبد في زي لا يلاؤمه موروث عن الرجل، على سبيل أني هول في الدراسات الإنجليزية. بل يجب على النقد النسوي أن “يحرر نفسه من تأثير القوالب والنماذج المقبولة، وأن يوجه نفسه تبعًا لدوافعه ونوازعه الخاصة“،25 وذلك طبقًا لجون ستيوارت ميل في حديثه عن الأدب النسائي سنة 1869 – وهو النهج الذي أعتقد أن النقد النسوي بدأ يسلكه. ولا ينفي ذلك ضرورة استخدام المصطلحات والتقنيات الخاصة بمهنتنا، ولكن عندما تتأمل الأوضاع التاريخية التي أنتجت الأيديولوجيات النقدية فإننا نرى الأسباب التي جعلت الاقتباس والتكيف النسوي معًا قد بلغ طريقًا مسدودًا.
وترى كل من الماركسية والبنبوية نفسها كخطاب نقدي متميز، وتدعي أحقيتها في مواقع الصدارة في التراتبية الهرمية للمقاربات النقدية. إن كلمة السر في كل نظام هي “العلم“، وكلاهما يدعي كونه من علوم الأدب، مع إنكارهما القراءة الشخصية التأويلية المغلوطة. إن الجماليات الماركسية تقدم “علم النص” الذي لا يكون فيه المؤلف خالقًا بل منتجًا لنص خاضع للحتمية التاريخية والاقتصادية وتقدم البنيوية نماذج أساها لغوي للتحولات والتركيبات النصية مع تقديم “علم المعنى الأدبى” أي
قواعد النوع الأدبي. إن ما شهدته الستينات والسبعينات من استيعاب المدارس البحثية الأنجلو– أمريكية لتلك المذاهب النقدية الوضعية والإنجيلية لم يكن في رأبي ظاهرة ثقافية تلقائية أو عرضية. ففي أجواء الحرب الباردة في أواخر الخمسينات، وعندما أخلت البنيوية الأوروبية تتطور كانت معلومات الرجل الأكاديمي الإنساني الأنجلو– أمريكي في أوجها، فقد كان هذا هو عصر “سبوتنيك” والمنافسة العلمية مع الاتحاد السوفيتي، وعصر شهد سيولاً من الأموال الحكومية الموجهة إلى المعامل ومراكز الأبحاث. وقد كتب نورثروب فراي عن بلاء الرجل المثقف في مواجهة
الترميز الكتيب المنحاز جنسيًا والمحيط بالعلوم الإنسانية والذي يراه في كل مكان، حتى في الجامعة نفسها، بدءًا من فصول الفرقة الأولى وحتى مكتب رئيس الجامعة. إن هذا الترميز، أو أيما كان الاسم الذي يطلق عليه، يقول بأن العلوم وخاصة العلوم الفيزيائية هي علوم غليظة وعدوانية ومنطلقة في العالم حيث تمارس الفعل، وبالتالي فهي ذكورية، في حين أن الآداب تتصف بالنرجسية والحدس والخيال والبقاء في المنزل وبناء البيت ليكون أكثر جمالاً ولكن دون القيام بأي عمل جاد، وبالتالي فهي علوم أنثوية رمزيًا.26
إن كتاب نورثروب فراي عن “تشريح النقد” (Northrop Frye, Anatomy of Criticism) الصادر عام 1957 قدم أولى مسلمات النظرية النقدية المنضبطة، وكذلك “إمكانية تحقيق الدراسة الأدبية للخصائص التقدمية التراكمية الموجودة في العلوم“.27
إن علوم النص الجديدة، والقائمة على علم اللغويات والحاسب الآلي والبنوية الجينية والتفكيكية والشكلانية الجديدة واللاشكلانية والأسلوبية والجماليات النفسية، وفرت لنقاد الأدب فرصة إثبات أن ما يقومون به من عمل هو على نفس الدرجة من الرجولة والعدوانية مثل الفيزياء النووية – أي أنها علوم ليست حدسية وتعبيرية وأنثوية، ولكنها قوية ومنضبطة وغير شخصية ورجولية. ومع انكماش سوق العمل نجد أن تلك المستويات الجديدة من المهنية أصبحت تلعب دورًا في التفرقة بين المحاضر/ المحاضرة من القابلين للتسويق أو المهمشين. إن علم الأدب، في خضم هوسه وانشغاله بتوليد مصطلحات صعبة، وإقامته للمحاضرات والندوات والمعاهد المتخصصة في الدراسات العليا، إنما يوجد كتلة من المتخصصين النخبويين ممن يقضون المزيد والمزيد من الوقت في التمكن من النظرية، ووقتًا أقل وأقل في قراءة الكتب، إنما نتجه إلى نظام ثنائي المستويات من النقد “الأعلى” و“الأدنى“، يهتم النقد “الأعلى” بالمشاكل “العلمية” الخاصة بالشكل والبنية، في حين يهتم النقد “الأدني” بالمشاكل “الإنسانية” الخاصة بالمضمون والتأويل، ويبدو لي أن هذين المستويين قد أصبحا محملين بهويات متصلة بالجندر مع اتخاذ ثنائية جنسية – هي علم التأويل: تأويلها وتأويله (hermeneutics and hismeneutics). ومن المفارقة أن وجود نقد جديد تمارسه النساء قد زاد من إمكانية ازدياد جهود البنيوية والماركسية، على منوال هينتشارد، في سبيل أنظمة الحتمية والضرورة الشكلية. وتواجه الكتابات النسوية على تلك الأنماط، مثل كتابات إيلين سيكسو (Hélène Cixous) والكاتبات المشاركات في مجلة “دياكريتيكس” (Diacritics)، خطر عزلهن في جيتوهات رمزية تتمثل في وضع مقالاتهن ضمن أعداد خاصة من سلاسل الكتب والمجلات أو في الصفحات الأخيرة من الكتب.
ولكن كون التبادل بين النسوية والماركسية والبنيوية ظل حتى الآن قائمًا من جانب واحد ليس هو السبب الوحيد الذي يجعلني أرى عدم نجاح محاولات الجمع بينها. فبينما يسعى النقد العلمي جاهدًا لتطهير نفسه من الذاتية فإن النقد النسوي مستعد لتأكيد “سلطة التجرية” (وهو عنوان كتاب صدر مؤخرًا يضم مقالات مختارة: The Authority of Experience ).28 ومن السهل أن تتعرض تجربة النساء إلى الاختفاء أو السكوت أو عدم الأخذ بها أو أن تصبح غير مرئية، مفقودة في الأشكال التوضيحية لدى البنيويين أو في الصراع الطبقي عند الماركسيين. والتجربة ليست هي العاطفة، ويجب علينا أن نحتج الآن مثلما فعلنا في القرن التاسع عشر ضد معادلة الأنوثة باللاعقلانية. ولكن يتعين علينا أيضًا أن نعترف بأن الأسئلة الأحرى بنا أن نطرحها تتجاوز حدود الأسئلة التي يمكن للعلم الإجابة عليها. يجب علينا السعي بحثًا وراء الرسائل المكبوتة الخاصة بالنساء في التاريخ والأنثروبولوجيا وعلم النفس وداخل أنفسنا، وذلك قبل تمكننا من تحديد موقع ما لم تقله المرأة، وذلك على منوال بيير ماشيري، وذلك بسبر أغوار الفراغات والفواصل في النص الأنثوي.
وهكذا فإن حائط السد النظري الحالي في النقد النسوي هو في رأيي أكثر من مجرد مشكلة تتعلق بالتوصل إلى “التعريفات المجهدة والمصطلحات الملائمة” أو “التنظير في خضم النضال“. بل إن هذا السد هو نتاج وعينا المنقسم ونتيجة للانقسام القائم داخل كل منا. فنحن بنات التراث الذكوري. مدرسينا وأساتذتنا والمشرفين على رسائلنا الجامعية وناشري أعمالنا – وهو تراث يطالبنا بأن نكون عقلانيات وهامشيات وممتنات، ولكننا في نفس الوقت أخوات في حركة نسائية جديدة تنتج نوعًا – آخر من الوعي والالتزام يتطلب التخلي عن النجاح المزيف للكيان النسائي الرمزي وأقنعة الجدل الأكاديمي المحملة بالمفارقات، فكم هو أسهل، وكم هو أقل شعورًا بالوحدة، أن نصحو – أن نواصل كوننا ناقدات ومعلمات لأدب الرجل، وكوننا أنثروبولوجيات باحثات في ثقافة الرجل، وعالمات نفس متخصصات في الاستجابة لأدب الرجل، مع زعمنا على الدوام بأننا عالميات. ولكننا لا نستطيع إجبار أنفسنا على العودة إلى النوم، فباعتبارنا باحثات متخصصات في السبعينات من القرن العشرين، أتيحت لنا فرصة عظيمة، وتحدٍّ فكري كبير. إن التشريح والبلاغة والشعرية والتاريخ في انتظار كتاباتنا.
وإنني على ثقة من أن الرجال يتعرضون لتجربة هذا الوعي المنقسم، ولكني لا أظن أنه من الوارد أن تكون كثرة من الأكاديميين الرجال معرضين لأن يصبح هذا الانقسام داخلهم بمثابة علامة موجزة وعلانية كما كان الأمر معي في عام 1976 عندما كان منصبي الرسمي في جامعة ديلاوير هو “أستاذة زائرة من الأقلية“. وإنني لعلى وعي تام بأن الصراع الكامن داخلي من ناحية بين الأستاذة الراغبة في دراسة الأعمال الرئيسية لكبار الكتاب والقيام بدور الوساطة بين تلك الأعمال وبين قراءات الأساتذة الآخرين، ومن ناحية أخرى بين المرأة التي تريد الربط بين حياتي وعملي والملتزمة تجاه ثورة للوعي تجعل همومي واهتماماتي موضع اهتمام الأغلبية. وقد مرت بي أوقات ترغب فيها “الأقلية” في خذلان “الأستاذة” بعزل نفسها ضمن الجيتو النسائي، أو عندما ترغب “الأستاذة” في خذلان “الأقلية” بتجاهل وإنكار صوت الاختلاف والانشقاق المزعج. وأمل ألا تخذل واحدة الأخرى لأنه لا سبيل لواحدة في الحياة وحدها. إن مهمة الناقدات النسويات هي إيجاد لغة جديدة وطريقة جديدة للقراءة يما يتيح تكاملاً بين فكرنا وبين تجربتنا، بين عقلنا وبين معاناتنا، بين تشككنا وبين رؤيتنا، ولا يجب أن يقتصر هذا المشروع على النساء، وإنني أدعو الناقد كريتيكوس، والشاعر بويتيكوس، وبلوتارخوس، إلى المشاركة معنا، والأمر الوحيد المؤكد هو: النقد النسوي ليس مجرد زيارة قصيرة، بل هو هنا ليبقى وعلينا أن نصنع له بينا دائمًا.
إيلين شوولتر، ناقدة نسوية أمريكية، وأستاذة متقاعدة في الأدب الإنجليزي بجامعة برينستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وزميلة الجمعية الملكية البريطانية للآداب، من مؤسسات مدرسة النقد الأدبي النسوي وصاحبة مصطلح “النقد النسائي” الذي طرحته في السبعينيات، وقد تخصصت في الأدب الفيكتوري ومنعطف القرن التاسع عشر، كما أصدرت كتابها الأول عام ١٩٧٧، وعنوانه أدب خاص بهن، اسمت به تيارا للأدب النسائي داخل تاريخ الأدب البريطاني. ثم اكتسبت شهرتها الأكاديمية من كتبها العديدة عن النساء والهستيريا والجنون في الأدب، جامعة بين النظرية الأدبية وعلم النفس والتحليل النفسي، مثل كتاب المرض الأتلوي النساء والجنون والثقافة البريطانية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين والذي صدر عام 1985، ثم كتابها عن الأوبئة المستيرية والإعلام الحديث الذي صدر عام 1997.
*Elaine Showalter, “Toward a Feminist Poetics”, Women’s Writing and Writing Abour Women ed Mary lacobus (London: Croom Helm, 1979).
أود أن أشكر نينا أوبرباخ، وكيت إيليس، وماري جاكوبوس، وويندي مارتن، وإيدريان ريتش. وهيلين تيلور، ومارتا فيسينوس، ومارجريت والترز، وروث ييزيل لمشاركتهن لي في أفكارهن عن النقد النسوي.
1- Leon Edel, “The Poetics of Biography”, in Contemporary Approaches to English Studies, ed. Hilda Schiff (New York: Barnes & Noble, 1977). p. 38.
والكتاب الآخرون المشاركون في الندوة هم جورج ستايتر، وريموند ويليامز، وكريستوفر باتلر، وجونانان كالر، ونيري إيجلتون.
2- Robert Partlow, Introduction to Dickens Studies Annual, vol. 5 (Carbondale: Southern Illinois University Press, 1976) pp. xiv-xv. Nina Auerbach’s essay is called “Dickens and Dombey: A Daughter After All”.
3- Robert Boyers, “A Case Against Feminist Criticism”, Partisan Review 44 (Winter 1977): 602, 610.
4- Adrienne Rich, OfWoman Bom Motherhood as Experience and Institution (New York: W.W. Norton, 1977), p. 62.
5- Mary Dale. Beyond God the Father Towards a Philosophy of Women’s Liberation (Boston: Beacon Press, 1973), pp. 12-13.
6- Geoffrey H. Hartman, The Fate of Reading (Chicago: University of Chicago Press, 1975), p. 3.
7- Carolyn G. Heilbrun and Catherine R. Stimpson, “Theories of Feminist Criticism”, in Feminist Literary Criticism: Explorations in Theory, ed. Josephine Donovan (Lexington: University Press of Kentucky, 1976), pp. 64, 68, 72.
8- Irving Howe, Thomas Hardy (London: Weidenfeld & Nickolson, 1968), p. 84.
وللحصول على مناقشة أكثر تفصيلاً لتلك المشكلة، أنظر/ ي مقالتي:
“The Unmanning of the Mayor of Casterbridge”, in Critical Approaches to the Fiction of Hardy, ed. Dale Kramer (New York: Barnes & Noble, 1979), pp. 99- 115.
9- Elizabeth Hardwick, Seduction and Betrayal: Women and Literature (New York: Random House 1974).
10- Shirley Ardner, ed., Perceiving Women (New York: Halsted Press, 1975).
11- Michelle Z. Rosido, “Women, Culture, and Society: A Theoretical Overview”, in Women, Culture, ” and Society, ed. Michelle Z. Rosaldo and Louise Lamphere (Stanford, Calif.: Stanford University Press, 1974), p. 39.
12- Caroll Smith-Rosenberg, “The Female World of Love and Ritual: Relations Between Women in T Nineteenth-Century America”, Signs 1 (Fall 1975): 1-30; Nancy F. Cott, The Bonds of Womanhood: “Woman’s Sphere” in New England, 1780-1835 (New Haven, Conn.: Yale University Press, 1977(.
Ann Douglas, The Feminization of American Culture (New York: Alfred A Knopf, 1977); Nina Auerbach, Communities of Women: An Idea in Fiction (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1978).
13- Virginia Woolf, “Women and Fiction”, Collected Essays, vol. 2 (London: Chatto & Windus, 1967), p. 141.
14- Peter N. Heydon and Philip Kelley, eds., Elizabeth Barrett Browning’s Letters to Mrs. David Ogilvy (New York: Quadrangle Books, 1973), p. 115.
15- Florence Nightingale, “Cassandra”, in The Cause: A History of the Women’s Movement in Great Britain, ed. Ray Starchey (1928; reprint ed., Port Washington, N.Y.: Kennikat Press, 1969), p. 398.
16- Rebecca West, “And They All Lived Happily Ever After”, Times Literary Supplement, July 26, 1974, p. 779.
17- Annette Kolodny, “Some Notes on Defining a Feminist Literary Criticism”, Critical Inquiry 2 (Fall 1975): 84.
ولقراءة مناقضة مبهرة لرواية “مقعد القيادة” (The Drivers Seat )، انظر/ ي كتاب أويرباخ عن مجتمعات النساء (Auerbach, Communities of Women, p. 181)
18- Adrienne Rich, Diving into the Wreck (New York: W.W. Norton, 1973), p. 20,
19 – تمت صياغة مصطلح “ماتروفوبيا” (matrophobia) بواسطة لين سوكينيك. أنظر/ي:
Rich Of Woman Born Pp. 235 ff
20- Quoted in Ann Douglas Wood, “The ‘Scribbling Women’ and Fanny Fern: Why Women Wrote”, American Quarterly 23 (Spring 1971): 3- 24.
21- Elizabeth Robins, Woman’s Secret, WSPU pamphlet in the collection of the Museum of London, p.6.
هذا وتقوم جين ماركوس (Jane Marcus) بإعداد دراسة مطولة عن إليزابيث روبينز.
22- Elaine Showalter, A Literature of Their Own: British Women Novelists from Bronte to Lessing )Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1977).
23- Charlotte Perkins Gilman, The Man-made World: or, Our Androcentric Culture (1911; reprint ed. New York: Johnson Reprints, 1971), pp. 101- 2.
24- Virginia Woolf, “Modern Fiction”, Collected Essays, vol. 2, p. 106.
25- John Stuart Mill, The Subjugation of Women (London, 1969), p. 133.
26- Northrop Frye, “Expanding Eyes”, Critical Inquiry 2 (1975): 201- 2.
27- Robert Sholes, Structuralism in Literature: An Introduction (New Haven, Conn.: Yale University Press, 1974), p. 118.
28- Lee R. Edwards and Arlyn Diamond, eds., The Authority of Experience: Essays in Feminist Criticism (Amherst: University of Massachusetts Press, 1977).