نحو نقد نسوي أسـود

رقم العدد:

5

تاريخ النشر:

2015

اعداد بواسطة:

نحو نقد نسوي أسـود

باربرا سميث*

لست أدري من أين أبدأ، فقبل محاولة كتابة هذه الورقة بفترة طويلة أدركت أنني مقبلة على أمر لم يسبق له نظير، أمر خطير، وذلك بمجرد الكتابة عن كاتبات سود من منظور نسوي، وعن كاتبات سود مثليات من أي منظور كان على الإطلاق، فلم يسبق لأحد القيام بهذا الفعل من قبل فكما هو متوقع. لم يقم به نقاد من الرجال البيض. ولم يقم به نقاد من الرجال السود. ولم تقم به ناقدات بيض ممن يعتبرن أنفسهن نسويات، وبالطبع وهو الأهم لم تقم به ناقدات سود ممن قلما يستخدمن تحليلاً نسويًا متسقًا أو يكتبن عن الأدب النسوي المثلي، وذلك رغم توجيههن القدر الأكبر من الاهتمام إلى الكاتبات السود كمجموعة. إن كافة شرائح العالم الأدبي – سواء شريحة المؤسسات أو الشريحة التقدمية، أو السوداء، أو الأنثوية، أو المثلية النسائية – هي شرائح لا تعلم أو على الأقل تتصرف كما لو كانت لا تعلم بوجود كاتبات سود وكاتبات سود مثليات.

وبالنسبة للبيض فإن هذا النقص في المعرفة يتصل اتصالاً وثيقًا بعدم معرفتهم معرفة محددة أو مؤثرة إطلاقًا بوجود نساء سود مقيمات هنا، حيث أن وجود وتجربة وثقافة النساء السود وما يخضعن له من أنظمة وحشية ومعقدة من القهر الذي يصب في تلك الجوانب من حياتهن هي كلها أمور غير مرئية وخارج مجال الاعتبار وغير معروفة في العالم الحقيقيالخاص بالوعي الأبيض أو الذكوري.

إن تلك السمة غير المرئية والتي تتجاوز كافة تجارب الرجال السود أو النساء البيض وما يروونه في كتاباتهم هو من الأسباب التي تزيد من صعوبة الأمر علي لتحديد نقطة البداية. حيث تبدو عملية كسر هذا الصمت الهائل مسألة جبارة، ولكن ما يزيد الأمر صعوبة هو إدراكي أن الكثيرات من النساء اللآتي سوف يقرأن هذه الورقة لم يسبق لهن وأن لاحظن غيابنا سواء من المادة المقروءة أو من سياستهن أو من حياتهن، وإنه من المثير للحنق أن تجد مدعيات النسوية والمثليات المعترف بهن وقد عميت أبصارهن عن التداعيات المترتبة على وجود أي كيان نسائي مغاير للكيان النسائي الأبيض، وأنه ما زال أمامهن مصارعة العنصرية العميقة داخل أنفسهن والتي هي مصدر هذا العمى.

وإنني أفكر في الألوف المؤلفة من الكتب والمجلات والمقالات التي تم إفرادها، حتى الآن. لموضوع الكتابة النسائية، فأمتلئ غضبًا على النسبة الضئيلة من تلك الصفحات التي تتطرق إلى النساء السود وغيرهن من نساء العالم الثالث، وأخيرًا فإنني لا أعرف كيف أبدأ الكتابة هنا لأنني أود الآن في عام 1977 أن تكون كتابتي هذه من أجل مطبوعة نسوية سوداء ومن أجل نساء سود يعرفن وبغرمن بهؤلاء الكاتبات بنفس الدرجة التي أغرم بهن وأحبهن بها، ومن أجل نساء سود على الأقل شعرن بالألم العميق لغياب هؤلاء الكاتبات، وذلك حتى إن لم يعرفن أسماؤهن.

إن الأوضاع التي تتضافر في تحديد استحالة كتابة هذه المقالة هي أوضاع لها دخل بسياسة بقدر ما لها دخل بممارسة الأدب. حيث أن أي نقاش يتناول الكاتبات والكتاب الأفروأمريكيين يجب أن يبدأ من الحقيقة القائلة بأنه على مدار معظم الامتداد الزمني الذي قضيناه في هذه البلاد تعرضنا جذريًا إلى حرماننا لا من تعلم القراءة والكتابة فحسب بل من أدنى إمكانية للتمتع بحياة إنسانية كريمة. ففي مقالتها البارزة، بحثًا عن حدائق أمهاتنا، تكشف أليس ووكر ( Alice Walker, “In Search of Our Mothers’ Gardens”) كيف أن القيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالعبودية والعنصرية أدت إلى إعاقة الحياة الإبداعية للنساء السود.1

وأشعر في الزمن الحاضر بأن للسياسات النسوية علاقة مباشرة بحالة الأدب النسائي الأسود، وإن وجود حركة نسوية سوداء حيوية ومستقلة في هذه البلاد كفيل بفتح المجال الضروري أمام استكشاف حيوات النساء السود وخلق فن نسائي أسود واع، وفي نفس الوقت فإن إعادة تعريف الأهداف والاستراتيجيات الخاصة بالحركة النسائية البيضاء ستؤدي إلى حدوث تغيير في نحن في أمس الحاجة إليه فيما يتعلق بنقطة التركيز ومضمون ما يتم حاليًا قبوله عمومًا باعتباره ثقافة نسائية.

وأود في هذه المقالة القيام بالربط بين سياسات حيوات النساء السود، وبين الموضوعات التي نكتب عنها، وبين موقفنا كفنانات. وفي سبيل القيام بذلك سأتأمل الكيفية التي تم النظر بها نقديًا إلى النساء السود بعيون الأطراف الخارجية، وسوف أوضح مدى الحاجة الضرورية إلى قيام نقد نسوي أسود، وسأحاول أن أتفهم الأبعاد المتعلقة بتواجد أو عدم تواجد الكتابة المثلية النسائية السوداء وما يكشف عنه ذلك الأمر بشأن وضع الثقافة النسائية السوداء ومدى شدة ما تتعرض له كل النساء السود من قهر.

إن الدور الذي يلعبه النقد في جعل قدر من الأدب معترفًا به وحقيقيًا هو دور بهداد سلام الله توضيح هنا، فالحاجة إلى وجود تحليل دقيق وغير عدائي لأعمال مكتوبة باللام من خارج التيار السائدالخاص بالتحكم الثقافي الأبيض/ الذكوري في ضرورة أثبتتها النهضة الثقافة السوداء في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وكذلك مع ما شهدناه مؤخرًا من تنامي النشاط البحثي في الأدب النسوي، ولا تكتسب الكتب وجودًا حقيقيًا ولا تبقى في الذاكرة إلا بفعل الحديث عنها، ولا تصبح الكتب مفهومة إلا عند فحصها بطريقة تتيح على الأقل التوقف أمام المقاصد الأساسية لكتابها وكاتباتها، وبسبب النزعة العنصرية، تم النظر عادة إلى الأدب الأسود بوصفه فئة فرعية منفصلة بمعزل عن الأدب الأمريكي، وقد وجدت أعداد من الناقدات والنقاد السود للأدب الأسود ممن بذلوا جهدًا كبيرًا في سبيل إبقائه حيا على مدى فترة طويلة سيقت اهتمام البيض به، وقبل مجيء النقد النسوي تحديدًا خلال هذا العقد من الزمان، لم تكن الكتب المكتوبة بأقلام نسائية تعتبر بوضوح من المظاهر الثقافية المعبرة عن شعب مقہور، بل تطلب الأمر الانتظار حتى نشأة الموجة الثانية من الحركة النسوية في أمريكا الشمالية من أجل الكشف عن حقيقة تلك الأعمال من حيث احتوائها على سجل مدهش في دقته حول تأثير القيم والممارسات الأبوية على حيوات النساء، بل وكون الأدب المكتوب بأقلام النساء يقدم لمحات جوهرية عن تجربة المرأة.

وعند الحديث عن الوضع الحالي للكاتبات السود، من المهم لنا أن نتذكر أن وجود حركة نسوية كان شرطًا جوهريًا لتنامي الأدب والنقد النسوية والدراسات النسائية، وفي المجالات التي تركزت في البداية، تمامًا تقريبًا، على دراسة الأدب. كما أن كون الحركة النسوية السوداء الموازية لتلك الحركة سابقة الذكر اتسمت بقدر أكبر من البطء في التطور، هو أمر له بالضرورة أثره على وضع الكاتبات والفنانات السود كما يفسر لنا جزئيًا الأسباب التي جعلتنا خلال تلك الفترة ذاتها موضع كل ذاك التجاهل والإهمال.

ولا توجد حركة سياسية تعمل على تقوية أو دعم الراغبات والراغبين في بحث تجربة النساء السود من خلال دراسة تاريخنا وأدبنا وثقافتنا، ولا يوجد حضور سياسي يتوجه إلى من يكتبون أو يتحدثون عن حيواتنا مطالبًا بأدنى مستوى من الوعي والاحترام وأخيرًا فلا يوجد كم منظور من النظرية السياسية النسوية السوداء التي يمكن استخدام فرضياتها في دراسة الفن النسائي الأسود وعند تناول كلب النساء السود، في حالة ما إذا تم ذلك أصلاً، فإنما يتم تناولها عادة في سياق الأدب الأسود، والذي يقوم بقدر كبير على تجاهل تداعيات السياسات الجنسية (sexual politics). وعندما تنظر النساء البيض إلى أعمال النساء السود فإنما يقمن بذلك وهن بالطبع غير مؤهلات بالأدوات اللازمة لتناول الجوانب العميقة والمعقدة الخاصة بالسياسات العنصرية، إن المقاربة النسوية السوداء إلى الأدب والتي تتضمن إدراك كون سياسات الجنس وسياسات العرق والطبقة في عوامل متداخلة في أعمال الكاتبات السود في مقاربة تقسم بالضرورة المطلقة. فلن تمكننا حتى التعرف على مقاصد هؤلاء الكاتبات قبل ظہور نقد نسوي أسود، وتجد في الاقتباسات التالية المأخوذة عن من الناقدات والنقاد السود ما يثبت أنه بدون منظور نقدي نسوي أسود سنتعرض كتب النساء السود إلى سوء الفهم، ولن يقتصر الأمر على ذلك بل ستتعرض للتدمير خلال تلك العملية. وفي عام 1973، نجد جيري براينت (Jerry H. Bryant)، وهو الرجل الأبيض كاتب عروض الكتب في مجلة ذا نيشن” (The Nation)، وقد كتب عن رواية أليس ووكر الوقوع في الحب والمشاكل: قصص نساء سود” (Alice Walker, In Love and Trouble: Stories of Black Women) قائلاً:

لعل العنوان الفرعي للمجموعة، وهو قصص نساء سود، هو محاولة من قبل الناشر لاستغلال كل من الذوات السوداء والأنثوية. ولكن لا يوجد أي شيء نسوي في هذه القصص.2

إن الهوية السوداء والنسوية في رأيه مسألتان متنافرتان وهامشيتان بالنسبة لفعل الكتابة الروائية، وبالطبع لم يشك براينت في كون عنوان العمل من اختيار أليس ووكر نفسها، كما يبدو وأنه لم يقرأ الكتاب الذي يكشف بجلاء تام عن وعي المؤلفة النسوي.

وفي كتاب الرواية الزنجية في أمريكا، والذي يعتبره الناقدات والنقاد السود من أسوأ الأمثلة على الأبحاث الزائفة والعنصرية البيضاء، يقوم روبرت بون (Robert Bone) باستبعاد جريء لرواية آن بيتري الكلاسيكية عن الشارع” (Ann Petry, The Street)، حيث يراها بمثابة تحليل اجتماعي سطحيلوطأة حياة الأحياء الفقيرة على سكانها السود، بل ويضيف إلى اعتراضاته تلك قائلاً:

إنها محاولة لتأويل حياة الأحياء الفقيرة من منطلق التجربة الزنجية، وذلك في الوقت الذي يتطلب فيه الأمر وجود مرجعية أكبر. فكما أشار ألان لوك [Alain Locke]، إن رواية أي باب” [Any Door] أعلى مقامًا من رواية الشارع” [The Street] نظرًا لأنها تجعل من الطبقة والبيئة، بدلاً من الاقتصار على العرق والبيئة، خصمًا لها.3

وليس في وسع روبيرت بون ولا ألان لوك، الناقد الأسود الذي يستشهد به، أن يدرك أن رواية الشارعفي من أفضل الأعمال الأدبية التي تحدد كيفية تداخل الجنس والعرق والطبقة في قهر النساء السود. وفي عرضها لكتاب توني موريسون عن سولا” (Toni Morrison, Sula) في عروض كتب نيويورك تايمز” New York Times Book Reviews)) في عام ۱۹۷۳ ، تقوم النسوية المزعومة ساره بلاكبيرن (Sara Blackburn) بتعليقات عنصرية مشابهة قائلة:

إن توني موريسون أكثر موهبة من أن تظل مجرد مدونة مدهشة للجانب الأسود من الحياة في المقاطعات الأمريكية. فإذا كانت ترغب في الاحتفاظ بجموع القارئات والقراء الجادين الذين تستحقهم فسيتعين عليها أن تتناول الواقع المعاصر الأكثر خطورة من هذه الرواية الجميلة والبعيدة. وهي إن فعلت ذلك، فيبدو لي أنه قد يسهل عليها أن تتجاوز ذلك التصنيف المبكر والذي يقوم عن غير قصد بتحديد إمكاناتها، أي تصنيفها باعتبارها كاتبة سوداء، بحيث تحتل مكانها ضمن الروائيين الأمريكيين الأكثر جدية وأهمية وموهبة والمنشغلين بالكتابة حاليا.4 (الخط المائل من استخدام باربرا سميث).

ومع اعترافها بموهبة توني موريسون الفذة، نجد ساره بلاكبيرن تؤكد بلا خجل أن توني موريسون موهبتها أكبرمن أن يقتصر تناولها على السود، وخاصة تلك الكيانات المفرغة من معناها من جانبين: أي النساء السود، ففي سبيل حصولها على القبول والاعتراف باعتبارها إنسانة جادةومهمةوموهويةوأمريكيةيجب عليها كما يبدو تركيز جهودها على تسجيل أفعال الرجال البيض.

إن الإساءة التي تتعرض لها الكاتبات السود من قبل البيض كثيرًا ما تتساوى مع عدم الالتفات الهن على الإطلاق، وتحديدًا في النقد النسوي. فعلى الرغم من أن إيلين شوولتر تقول في مقالتها عن النقد الأدبي المنشورة في مجلة ساينز” (Signs) إن أفضل الأعمال التي يتم إنتاجها حاليًا (في النقد النسوي) في أعمال دقيقة وعالمية، إلا أن مقالتها ليست كذلك، فلو كانت مقالتها دقيقة وعالمية لما عجزت إيلين شوولتر عن الإشارة ولو إلى كاتبة واحدة سوداء أو من العالم الثالث، سواء من كبارأو صغارالكاتبات. وهما الفئتان اللتان تستخدمهما رغم كونهما محل تساؤلات، كما أنها لا تشير ولو حتى بالتلميح إلى وجود كاتبات مثليات من أي لون مما يجعل عرضها العام المزعوم للنقد النسوي بلا معنى. ومن الواضح أن إيلين شوولتر ترى أن الهويتان السوداء والنسائية هما هويتان تلغي إحداهما الأخرى فلا توجدان في كيان واحد، وهو ما يتضح من المقولة التالية:

كما توجد أيضًا ثقافات أدبية فرعية أخرى (مثل الروائيين الأمريكيين السود على سبيل المثال) ممن يمثل تاريخهم سبقًا يمكن للبحث النسوي استخدامه.5

إن الفكرة التي تتبناها ناقدات ونقاد مثل إيلين شوولتر بشأن استخدام الأدب الأسود هي فكرة مزعجة وحالة من الإمبريالية الثقافية التي تكاد لا تتخفى وراء أي ستار. أما الإهانة الأخيرة التي توجهها إيلين شوولتر فتتمثل في قيامها بإضافة هامش إلى ملاحظتها السابقة ترشد فيها القارئات والقراء إلى أعمال عن الأدب الأسود مكتوبة بأقلام رجلين من البيض وهما روبرت بون وروجر روزينبلات (Robert Bone; Rober Rosenblatt)!

ويوجد عملان صدرا مؤخرًا مكتوبان بأقلام نساء بيض وهما كتاب إيلين مويرز عن النساء الأديبات: الكاتبات العظيمات” (Ellen Moers, Literary Women: The Great Writers) کتاب باتريشيا ماير سپاكس عن المخيلة الأنثوية” (Patricia Meyer Spacks, The Female Imagination)، يكشفان عن نفس الخطأ العنصري.6 حيث تقوم إيلين مويرز بتضمين أسماء أربع کاتبات سود وواحدة من بورتوريكينا ضمن سبعين صفحة من الهوامش البيبليوغرافية ودون أن تتطرق على الإطلاق إلى نساء العالم الثالث في متن كتابها، أما باترشيا ماير سپاكس فتشير إلى مقارنة بين الزنوج (كذا) وبين النساء في كتاب ماري إلمان عن تفكيرًا في النساء” (Mary Ellmann, Thinking About Women) وذلك تحت مدخل السود والنساء و…” في فهرس الكتاب. أما المدخل السابق الوارد في الفهرس فهو الصبي الأسود (رايت)”، بينما لا يليه شيء. وهذكا مرة أخرى يغيب تمامًا الاعتراف بتزامن الهويتين: السوداء والمرأة، وخاصة بين مجموعة الكاتبات السود، ولعله يمكن للمرء الافتراض أن هؤلاء النساء لا يعرفن شيئًا عن الكاتبات السود، ولا تتاح لهن فرصة التعرف عليهن مثلهن في ذلك مثل غالبية الأمريكيين. لعل الأمر كذلك. ولكن جهلهن هذا يبدو جهلاً انتقائيًا بدرجة مثير للشبهات، وعلى الأخص في ضوء العشرات من الكاتبات البيض المغمورات حقًا، واللآتي نجحت هؤلاء الناقدات في التوصل إليهن، وقد كانت باتريشيا ماير سپاکس نفسها تعمل في كلية ويلزلي Wellesley College)) متزامنة مع أليس ووكر حين كانت تقوم بتدريس واحد من أولى المقررات الدراسية عن الكاتبات السود في أمريكا.

إنني لا أحاول تشجيع قيام نقد عنصري للكاتبات السود مثل ما قامت به ساره بلاكبيرن على سبيل المثال لا الحصر. فبداية أود على الأقل أن أرى على الورق اعتراف النساء البيض بالتناقضات فيما يخص الأشخاص والأشياء التي لا يتم ذكرها في أعمالهن البحثية وكتاباتهن.۷

كما يمكن للنقاد السود ادعاء أنهم لا يعرفون بوجود کاتبات سود وبأنهن بالطبع يواجهون معوقات في عجزهم عن فهم تجربة النساء السود من حيث الجنس والعرق، وللأسف أنه يوجد أيضًا اشخاص متشددون ومتحاملون جنسيًا في تعاملاتهم مع الكاتبات السود كما لو كن خصومًا من الرجال البيض. ففي تناوله للكاتبة زورا نيل هيرستون يقدم داروين تيرنر في كتابه (Darwin Turner In a Minor Chord: Three Afro-American Writers and Their Search for Identity) مثالاً مفزعًا لموقف أشبه باغتيال تلك الكاتبة السوداء الكبيرة.8 إن وصفه لها ولأعمالها على أنها مصطنعةو متصنعةولاعقلانيةوسطحيةوضحلةهي صفات لا تمت بصلة إلى القيمة الحقيقية لإنجازاتها، ويتسم تيرنر بانعدام تام للحساسية بشأن تفاعلات السياسيات الجنسية في حياة وكتابات زورا نيل هيرستون.

وفي حوار منشور مؤخرًا يقول الكاتب إشمائيل ريد، شديد التعصب ضد النساء، معلقًا على ضعف مبيعات روايته الأخيرة:

ولكن لم يتم بيع سوى ٨٠٠٠ نسخة من الرواية. ولا مانع عندي من أن أذكر رقم المبيعات وهو ٨٠٠٠ نسخة، ربما لو كنت واحدًا من هؤلاء الكاتبات الأفروأمريكيات الشابات الرائجات لازدادت مبيعات روايتي. معلوم، أملأ كتبي بنساء من الأحياء المعزولة اللآتي يعجزن عن فعل ما يسوء. … ولكن مهلاً، أعتقد أنني، قادر على بيع ۸۰۰۰ نسخة بنفسي.9

إن السياسات التي يخضع لها وضع النساء السود يتضح جليًا في ضوء تلك المقولة أعلاه، حيث أننا نجد أن ريد والصحفي الأبيض الذي أدار معه الحوار لا يجد أدنى غضاضة في الهجوم على النساء السود كتابة، ولا يخشى أي منهما التعرض للاستنكار العام نظرًا لتماشي مقولة ريد تمامًا مع فهم المجتمع الكارة للسود وللنساء وللنساء السود وأخيرًا فإنما يشعران بحرية تأسيس أفعالهما على قاعدة من الفرضية القائلة بأن النساء السود يفتقدن إلى القوة والسلطة التي تمكنهن من تغيير وإزاحة الشهر السياسي أو الشهر الثقافي الذي يتعرضن له.

ونجد أورا ويليامز في مقدمة كتابها بيبليوغرافيا الأعمال المكتوبة بأقلام نساء أمريكيات سود” (Ora Williams, “A Bibliography of Works Written by American Black Women”) تستشهد ببعض ردود أفعال زملائها تجاه جهودها في تناول النساء السود بالدراسة والبحث:

وقد جاءت ردود أفعال أشخاص آخرين سلبية بمقولات مثل إنني لا أعتقد حقًا أنك ستجدين قدرًا كبيرًا من الكتابات، هل قمن بكتابة شيء ذي قيمة؟“. “لو كنت مكانك لما تماديت في موضوع تحرير النساء هذا“. وعندما تطرقت المناقشات إلى إمكانية تدريس مقرر يركز على الأدب المكتوب بأقلام نساء سود، كان أحد ردود الفعل: “ها ها، إنه سيكون بالتأكيد أكثر مقرر عن لا شيء في تاريخ المقررات!”10

لقد أوردت أليس ووكر ملاحظة تبلور كل ما تشير إليه كافة الأمثلة السابقة بشأن وضع الكاتبات السود وأسباب نقدهن نقدًا هدامًا. حيث ترد أليس ووكر على سؤال محاورها لماذا في اعتقادك نالت الكاتبة السوداء كل هذا التجاهل في أمريكا؟ وهل تتعرض لمصاعب تفوق ما يتعرض له الكاتب الأسود الذي ربما لم يبدأ سوى مؤخرًا في الحصول على الاعتراف به؟، فتقول:

يوجد سببان وراء عدم تناول الكاتبة السوداء بنفس القدر من الجدية التي ينالها الكاتب الأسود. أولهما هو كونها امرأة، فالنقاد يبدون غير مؤهلين لمناقشة وتحليل أعمال النساء السود تناولاً ذكيًا. وهم عمومًا حتى لا يقومون بمجرد المحاولة، بل يفضلون الحديث عن حيوات الكاتبات السود لا عن کتاباتهن. وكذلك فنظرًا إلى عدم كون الكاتبات السود كما يبدو محبوبات، فحتى وقت قريب كانت هؤلاء الكاتبات هن الأقل تعبدًا في محراب التفوق الذكوري فإن التعليقات التي تتناولهن تميل إلى القسوة“.11

ويبدو أنه من الممكن تأسيس موقف مقنع بشأن أهمية النقد النسوي الأسود وذلك بناء على قاعدة من سلبية ما هو قائم حاليًا بالفعل. ولكن الأمر الأكثر إرضاء هو توضيح ضرورة النقد النسوي الأسود بإظهار قدرته على الكشف ولأول مرة عن جوانب عميقة ومعقدة من هذا الأدب بعينه.

وقبل عرض كيفية إمكانية استخدام مقارية نسوية سوداء في دراسة عمل ما، سأقوم بعرض عام لبعض المبادئ التي اعتقد أنه في وسع ناقدة نسوية سوداء استخدامها. إن نقطة البداية التي تقوم على التزام مبدئي بالكشف عن كيفية تداخل عنصري السياسات الجنسية والعرقية والهوية النسائي السوداء في الكتابات النسائية السوداء، ستجعل الناقدة النسوية السوداء تنطلق من فرضية مفادها أن الكاتبات السود يشكلن تراثًا ومذهبًا أدبيًا محدد المعالم، كما أن اتساع معرفة تلك الناقدة النسوية السوداء بهؤلاء الكاتبات سوف تبين لها أن تراثهن هذا ليس مجرد تراث ومذهب تاريخي مثبت يوازي زمنيًا تراث الرجال السود والنساء البيض ممن يكتبون في بلادنا، بل إن الكاتبات السود يعبرن على مستوى الموضوعات والأسلوب والجماليات والفكر عن مقاربات معروفة في تناول فعل الصنعة الأدبية باعتبارها نتيجة مباشرة للتجربة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحددة التي اضطرون إلى المشاركة فيها. فعلى سبيل المثال نجد أن الطريقة التي تقوم بها كل من زورا نيل هيرستون ومارجريت ووكر وتوني موريسون وأليس ووكر بتضمين جوانب من الأنشطة التقليدية للنساء السود من السحر الشعبي الأسود وطب الأعشاب واستحضار الأرواح والتوليد التقليدي ونسجها داخل قصصهن، ليست طريقة وليدة الصدفة، كما ليس من قبيل المصادفة استخدامهن للغة نسائية سوداء معينة تعبيرًا عن أفكارهن وما يدور في عقول شخصيات أعمالهن القصصية والروائية. إن استخدام لغة النساء السود وتجربتهن الثقافية في كتب بأفلام نساء سود وعن نساء سود يؤدي إلى تلاحم شديد الثراء بين الشكل والمضمون، كما يحمل كتاباتهن لتتجاوز حدود البني الأدبية البيضاء/ الذكورية، إن الناقدة النسوية السوداء سوف تجد نقاط مشتركة لا حصر لها في كتابات النساء السود.

وهنالك مبدأ آخر ناجم عن مفهوم التراث والذي بمقدوره أن يساعد على تقوية هذا التراث. ويتمثل في قيام الناقدة النسوية السوداء بالبحث أولاً عن النماذج المسبقة وعن ملاحظات تأويلية في كتابات النساء السود الأخريات، وبمعنى آخر، سوف تفكر وتكتب من داخل هويتها هي بدلاً من محاولة تطبيق أفكار أو منهجيات الفكر الأدبي الأبيض/ الذكوري وإضفائها على المواد الثمينة الخاصة بفن النساء السود. وعندها سيصبح النقد النسوي الأسود بطبعه نقدًا مستحدثًا وتجديديًا إذ تتجسد فيه الروح الجرئية التي تمتلئ بها الكتابات ذاتها. وسوف تكون حينها الناقدة النسوية السوداء واعية دومًا بالتداعيات المترتبة على كتاباتها وسوف تؤكد على ما يربطها بالوضع السياسي للناس، السود كافة، وعند تطوره تطورًا منطقيًا سيكون النقد النسوي الأسود مدينًا بوجوده للحركة النسوية السوداء في الوقت الذي سيساهم بأفكار يمكن للنساء المنخرطات في هذه الحركة استخدامها.

إن النقد النسوي الأسود يمكنه في حال تطبيقه على عمل ما أن يعمل على قلب المرضيات القديمة الخاصة به وعلى الكشف ولأول مرة عن أبعاده الحقيقية وفي اجتماع رابطة اللغة الحديثة عام 1976 عن المثليات والأدب” (“Lesbians and Literature Modern” language Association)، طرحت بيرثا هاريس (Bertha Harris) فكرتها القائلة بأنه إذا حدث في أحد أعمال الكاتبات وأن رفضت جملة ما القيام بما يفترض منها القيام بها، وإذا كانت في العمل صور قوية للنساء وإذا حدث رفض للالتزام بالبنية الخطية، فإن المحصلة لذلك تكون هي الأدب المثلي، وكما هي العادة، أردت أن أرى ما إذا كانت تلك الأفكار قابلة للتطبيق على الكاتبات السود اللآتي أعرفهن، وسرعان ما أدركت أن كثيرًا من أعمالهن في كتابات مثلية بالمعنى الذي طرحته بيرثا هاريس، ولا يرجع ذلك إلى كون النساء عاشقات، بل لأنهن من الشخصيات الرئيسية، ويتم تصويرهن في صورة إيجابية ويتمتعن بعلاقات محورية فيما بينهن. كما أن شكل ولغة هذه الكتابات لا يمتان بصلة إلى متطلبات وتوقعات الثقافة الأبوية البيضاء.

وقد اندهشت تحديدًا بالطريقة التي يمكن بها استكشاف روايتي توني موريسون العين الأكثر زرقةوسولا” (Toni Morrison, The Bluest Eye, Sula) عند تناولهما من هذا المنظور الجديد. 12 ففي كلا هذين العملين تحتل العلاقات بين الفتيات والنساء موقعًا جوهريًا، ولكن في نفس الوقت يتم التعبير صراحة عن الحياة الجنسية الجسدية بين الرجال والنساء، وعلى الرغم من النزعة الجنسية الغيرية الظاهرة لدى الشخصيات الأنثوية، إلا أنني اكتشفت عند إعادة قراءة رواية سولاأنها تمثل رواية مثلية لا بسبب الصداقة الحميمة بين شخصيتي سولا ونيل فقط، بل أيضا بسبب موقف توني موريسون النقدي الثابت تجاه المؤسسات الجنسية الغيرية الخاصة بالعلاقات بين الرجال والنساء، والزواج والأسرة. وتقوم كتابات توني موريسون، بوعي أو عن غير وعي، بطرح أسئلة مثلية ونسوية حول استقلالية النساء السود وعن تأثيرهن في حيوات بعضهن البعض. إن سولا ونيل تجدان إحداهما الأخرى في عام ١٩٢٢ وكلاهما في الثانية عشرة من عمرها، وذلك وهما على حافة البلوغ واكتشاف عالم الفتيان. وبينما كانت بدايات النزعة الجنسية تملأ أحلامهماإلا أن كلا منهما كانت ترغب في شخصية مامن جنس النساء كي تشاركها مشاعرها، حيث تكتب توني موريسون قائلة:

لقد جاء لقاء الفتاتين في الأحلام. فقبل أن يفتح بيت إدنا فينتش أبوابه بفترة طويلة، بل وحتى قبل سيرهما عبر قاعات الشوكولاته في مدرسة جارفيلد الابتدائية كانتا قد تعرفتا خلال أحلام الظهيرة الهائمة. وقد كانت فتاتين صغيرتين وحيدتين تعيان في وحدة شديدة إلى درجة أسكرتهما وأرسلتهما في خطوات متعثرة إلى الرؤى متعددة الألوان التي كانت تتضمن دائما حضورًا ما، أي شخصية ما، كانت مثلها كالحلم تشارك في بهجة الحلم. وعندما جلست نيل، وهي وحيدة والديها، على درجات عتبة بيتها الخلفية، محاطة بالصمت العالي لبيت والدتها بالغ النظام، وهي تشعر بالنظام والترتيب كما لو كان يشير باتجاه ظهرها، أخذت تتدارس ألواح الخشب ثم غرقت بسهولة في صورة لنفسها وهي مستلقية على سرير من الزهور، وقد التف وتشابك شعرها حولها، وهي في انتظار أمير ناري ما، وقد اقترب منها دون أن يصل إليها تمامًا أبدًا. وكانت معها دومًا عينان مبتسمتان متعاطفتان تشاهدان الحلم معها، وهي شخصية ما كانت على نفس القدر من اهتمامها بوفرة شعرها المتخيل وكثافة فراش الزهور، والأكمام من قماش الفوال الرقيق والتي تقترب أسفل مرفقيها عند أطراف الأكمام ذات الخيوط الذهبية. كذلك كان الأمر مع سولاً، وحيدة والديها، ولكنها كانت محشورة في بيت من الفوضى المنتعشة المنجرف دومًا بتيار من الأشياء والناس والأصوات وضجيج إغلاق الأبواب، فكانت تقضي الساعات في حجرة العليّة وراء لفافة اللينوليوم المشمع، وهي تعدو داخل عقلها ممتطية حصانًا يجمع بين اللونين الأبيض والرمادي، متذوقة السكر ومستنشقة الورود وهي في مرمى بصر شخصية ما تشاركها الطعم والسرعة. وبالتالي فعندما التقيتا، في قاعات الشوكولاته أولا ثم بين حبال الأرجوحة، شعرتا بالسلاسة والراحة التي تستشعرها صديقات العمر. ونظرًا إلى أن كل منهما كانت قد اكتشفت منذ سنوات سابقة أنها ليست بيضاء ولا من جنس الرجال، وأنهما كانتا محرومتين من كل أشكال الحرية والنصر، فقد سعتا إلى خلق كيان آخر لنفسيهما. وقد كان لقاؤهما من حسن حظهما إذ أتاح لهما اعتماد إحداهما على الأخرى في مواصلة النمو والنضج، ومع كونهما ابنتين لوالدتين متباعدتين ووالدين غير مفهومين (لوفاة الوالد في حالة سولا، ولعدم وفاته في حالة نيل)، فقد وجدت كل منهما في عيني الأخرى الحميمية التي كانتا تبحثان عنها. (ص51 – 52).

فكما يبين لنا هذا المقطع الجميل. نجد أن علاقتهما تفيض منذ بدايتها الأولى برومانسية شبقية. فالأحلام التي تجمعهما في البداية هي في الحقيقة جوانب متكاملة من نفس الحكاية الخيالية الحسية. حيث تتخيل نيل أميرا ناريالا يصل تمامًا أبدًا بينما تعدو سولا كأمير يمتطي حصبانا يجمع بين اللونين الأبيض والرمادي“.13 ولكن العالم الحقيقيالخاص بالأبوية يستدعي قيامهما بتوجيه تلك الطاقة بعيدًا عن بعضهما البعض نحو الجنس الآخر. وتقدم لورين بيثيل شرحًا لهذا التفاعل في مقالتها عن حوارات مع أنفسنا: العلاقات النسائية السوداء” ( Lorraine Bethel, “Conversations with Ourselves: Black Female Relationships in Toni Cade Bambara’s Gorilla, My Love : and Toni Morrison’s Sula).

لست أطرح هنا وجود جانب جنسي واع بين سولا ونيل أو أن علاقتهما ذات طبيعية مثلية صريحة، وإنما أشير إلى وجود شيء من الحسية في تعاملاتهما والتي تزداد بفعل طبيعة علاقتهما الأشبه بالمرآة، إن الاستكشاف الجنسي وبلوغ الرشد هو جزء طبيعي من المراهقة، ونجد أن سولا ونيل تكتشفان الرجال معًا، وعلى الرغم من أن مرحلة الغزل مع الذكور هي جزء مهم من الاستكشاف الجنسي، إلا أن التجربة الحسية التي تمران بها وهما في صحبة إحداهما الأخرى هي على نفس القدر الأهمية. 14

وتجد سولا ونيل أن عليهما مواجهة القيود التي تفرضها العنصرية على حياتهما، ويمثل إدراكهما أنهما ليستا من البيض أو من جنس الرجالتفسيرًا عميقًا لاحتياج إحداهما إلى الأخرى، وتقوم توني موريسون عن طريق الأدب بتصوير التلاحم الضروري الذي كان قائمًا دومًا بين النساء السود في سبيل البقاء على قيد الحياة، وتتمكن الفتاتان وهما معًا من الحصول على القدر الكافي من الشجاعة لخلق كيان خاص بكل منهما.

ولا تنقطع علاقتهما إلا عندما تتزوج نيل من جود، وهو شاب استثنائي يعتبرها الثنية التي لملمت وأخقت أطرافه المنسولة” (ص83). أما روح الانطلاق لدى سولا فلا يمكنها أن تتجاوز الضغط الاجتماعي أو تأثير والدي نيل اللذين نجحا في طمس معالم أدنى بريق أو فـورة كانت لديها” (ص۸۳) فتسقط نيل فريسة التقاليد والقوالب بينما تنجو سولا بنفسها منها. ومع ذلك ففي حفل الزفاف الذي يمثل نهاية المرحلة الأولى من علاقتهما نجد أن آخر فعل تقوم به نيل هو النظر نحو سولا متجاوزة زوجها.

جسد رشيق يرتدي الأزرق، ويمر منسلأ بلمسة خطوة في الممر تجاه الطريق….. حتى وهي تراها من الخلف كانت نيل قادرة على التيقن من أنها سولا وأنها كانت تبتسم، وأن أمرًا ما في أعماق تلك الانحناءة كان يشعر بحالة من الفكاهة. (ص 85)

وعندما تعود سولا بعد عشرة أعوام وقد بلغ تمردها مداه نجد أن أكبر مصدر من مصادر قلق أهل المدينة يرجع إلى كونها لم تتزوج بعد رغم اقترابها من الثلاثين. ولا تتردد جدة سولا في إثارة هذا الموضوع بمجرد وصول سولا، فتسألها:

متى ستتزوجين؟ إنك في حاجة إلى بعض الأطفال. حينها ستستقرين. … لا يجوز لأية امرأة أن تمضي هنا وهناك بلا رجل.” (ص۹۲)

وتجيبها سولا قائلة: “إنني لا لأريد أن أصنع شخصًا آخر. أريد أن أصنع نفسي” (ص٩٢). ولكن تعريف الذات هو نشاط خطير بالنسبة لأية امرأة وخاصة إذا كانت سوداء، وهو نشاط يؤدي بسولا إلى مكانة منبوذة في مدينة ميداليون.

وتشير توني موريسون بوضوح إلى أن سولا لم تخضع للترويض أو الانكسار بواسطة متطلبات الحياة الأسرية الجنسية الغيرية والتي تملأ حياة الأخريات بالمرارة:

من بين الأدلة القوية التي أخذت تتراكم هو كون سولا تبدو أصغر من عمرها. فقد كانت تقترب من الثلاثين ولكنها دونا عنهن لم تكن قد فقدت أيا من أسنانها ولا عانت من أية كدمات ولا أصبحت لديها دائرة من الدهون تحيط بخصرها ولا تورم في قفاها، (ص115)

وبمعنى آخر، هي لم تتحول إلى عبدة للمنزل أي إلى امرأة أنهكها الإنجاب المفروض عليها أو إلى ضحية من ضحايا الضرب. كما نجد سولا تنام مع الأزواج في المدينة مرة ثم تتخلص منهم، حيث أن احتياجها لهم يقل عن احتياج أمها للرجال من أجل الإشباع الجنسي والعاطفة. وأمام تنصلها من القيم الأبوية يأتي رد فعل المدينة فيصبح أهلها أكثر جدية وتشددًا فيما يخص واجباتهم الأسرية، كما لو كانوا قادرين بتلك الطريقة على مواجهة انتقاد سولا الجذري لحياتهم.

إن وجود سولا في مجتمعها يقوم بوظيفة أقرب إلى وجود المثليات في كل مكان، في الكشف عن التناقضات القائمة فيما يفترض أنه الحياة العادية، وتجد في الفقرة الافتتاحية من مقالة فعالة في تفسير موقف سولا وشخصيتها في الرواية، حيث تطرح المقالة التساؤل التالي:

ما هي المرأة المثلية ؟ المرأة المثلية هي غضبة كل النساء التي تم الضغط عليهن إلى درجة الانفجار، إنها المرأة التي تبدأ منذ سن صغيرة جدًا في التصرف تبعًا لدافعها الداخلي كي تصبح إنسانة أكثر اكتمالاً وحرية مما يحرص مجتمعها ربما في سنها الصغيرة وقطعًا فيما بعد على السماح لها به. وبمرور الوقت تؤدي بها تلك الاحتياجات والتصرفات إلى الاصطدام مع الناس والمواقف وما هو مقبول من طرق التفكير والمشاعر والسلوك، إلى أن تصل إلى مرحلة تكون فيها في حالة حرب مستمرة مع كل ما يحيط بها، كما تكون عادة في حرب مع نفسها. وربما لا تكون واعية تمامًا بالتداعيات السياسية لما بدأ بالنسبة لها مجرد احتياج شخصي، ولكنها تصل إلى مستوى ما تكون غير قادرة بعده على قبول القيود المحددة والقهر الواقع عليها بسبب أبسط أدوار مجتمعها، أي دور الأنثى.15

إن القيود المحددة لدور الأنثى السوداء هي قيود تزداد في مجتمع عنصري وقائم على التحيز الجنسي، وكذلك يتزايد قدر الشجاعة الضرورية لمواجهة تلك القيود وتحديها. ولا عجب أن أهل المدينة يرون في استقلالية سولا نذيرًا بالخطر.

كما تحرص توني موريسون على أن تبين للقارئ والقارئة أنه على الرغم من السنوات الفاصلة بينهما ومع تعارض الطرق التي سلكتها كل منهما، إلا أن علاقة نيل وسولا تحتفظ بأولويتها لكل منهما، حيث تشعر نيل بالتحول يطرأ على حياتها عند عودة سولا، وترى الآتي:

كان الأمر أشبه باسترداد قدرة العين على الرؤية، بعد إزاحة المياه البيضاء. فلقد عادت صديقة العمر. سولا. التي كانت تجعلها تضحك وتجعلها ترى الأشياء القديمة بعيون جديدة، والتي كانت تشعر في وجودها بأنها ذكية ولطيفة ومنطلقة نوعًا ما. (ص٩٥)

مع ضحكهما سويا بطريقهما المعهودة، تشعر نيل أنها جديدة، ناعمة وجديدة (۹۸) وتستخدم توني موريسون هنا صورًا بصرية ترمز إلى التقارب بين المرأتين عبر صفحات الرواية ولكن سولا تحدث كسرا في هذا التقارب بالنوم مع زوج نيل، وهو فعل لا يحمل أهمية من منطلق نظامها القيمي. أما نيل بالبطبع تعجز عن فهم الموقف، وتفكر سولا في الأمر في أسف:

كانت نيل هي الشخصية الوحيدة التي لم ترغب في شيء منها، والتي تقبلت كافة جوانب شخصيتها كما هي، والآن كانت ترغب في كل شيء. وذلك كله بسبب أن نيل كانت أول شخص حقيقي تعامل معها، وكانت تعرف اسمها وكانت قد رأت مثلها انحناءات الحياة التي تجعل من الممكن شدها ومدها إلى أقصى مدى. والآن إذا بنيل واحدة منهم، (ص۱۱۹۱۲۰)

وعند إدراكها فقدانها نيل نجد سولا تفكر في مدى عدم رضاها عن علاقاتها بالرجال، وتعترف قائلة:

لقد كانت تبحث طول الوقت عن صديق، وقد استغرقها الأمر طويلاً لتكتشف أن العشيق ليس رفيقًا ولا يمكنه أن يكون رفيقًا أبدًا – بالنسبة للمرأة.(ص121)

أما أكثر مرة تقترب فيها سولا من أن تحب رجلاً بالفعل فهي المرة التي تكون فيها في علاقة عابرة مع أجاكس، وإن أكثر ما تقدره فيه هو الصحبة الفكرية التي يوفرها لها، والتألق الذي كان يسمحلها بالكشف عنه.

كما أن مشاعر سولا تجاه العلاقة الجنسية مع الرجال تتماشي أيضًا تمامًا مع التأويل المثلي للرواية، حيث تكتب توني موريسون قائلة:

كانت تضاجع الرجال بمعدل متكرر قدر استطاعتها، فقد هذا هو المكان الوحيد الذي كان بوسعها أن تجد فيه ما تبحث عنه: البؤس والقدرة على الإحساس بالأسى العميق فأثناء ممارسة الحب كانت تجد وكانت في حاجة إلى أن تجد الحد الفاصل وعندما توقفت عن التعاون مع جسدها وبدأت في تأکید ذاتها خلال الفعل، كانت جزيئات من القوة تتجمع فيها مثل شظايا الفولاد المنجذبة إلى مركز مغناطيسي منسع بما يشكل كتلة كثيفة لا يمكن لي، كما يبدو أن يكسره، وقد كان الأمر يحمل قمة المفارقة والغضب إذ تستلقي تحت شخص ما في وضع الاستسلام بينما تشعر في بقوتها الكاملة وقواها غير المحدودة وعندما كان رفيق الفراش يفصل نفسه عنها كانت تنظر نحوه في دهشة تحاول أن تتذكر اسمه منتظرة بفارغ الصبر كي يتحول عنها تاركًا إياها لخصوصية ما بعد الجماع التي كانت تلتقي فيها بنفسها وترحب بنفسها وتلتحق بنفسها في انسجام ليس له مثيل. (ص۱۲۲۱۲۳، الخط المائل من استخدام باربرا سميث)

تستخدم سولا الرجال من أجل الجنس الذي لا ينتهي بالتلاحم معهم بل في مزيد من توغلها داخل نفسها

ونجد في نهاية الأمر أن أعمق درجات التلاحم والتواصل في الرواية تحدث بين امرأتين متحابتين. وفي أعقاب لقائهما الأخير الأليم، والذي لا يأتي بالصلح بينهما، نرى سولا تفكر إذ تتركها نيل:

فهي إذن سوف تمضي سائرة بطول هذا الطريق، وظهرها مستقيم تمامًا في ذاك المعطف الأخضر القديم وهي تفكر في مدى ما كلفتها من ثمن ولن تتذكر أبدًا الأيام التي كنا فيها حنجرتين وعينا واحدة لا تقدر بثمن. (ص١٤٧)

ومن الصعب أن تتخيل صورة مجازية أكثر تعبيرًا عن مدى ما يمكن أن تصل إليه العلاقة بين النساء، أي هذه الحالة التي لا تقدر بثمنالتي يحققنها في رفضهن بيع أنفسهن مقابل رضا الرجل، وتلك القيمة الكاملة التي لا يمكنها العثور عليها إلا في عيون بعضهن البعض.

وتنتهي الرواية بعد مرور عقود عديدة، حيث تفهم نيل أخيرًا مصدر الحزن الذي أصابها منذ هجر زوجها لها:

كل هذا الوقت، كل الوقت، ظننت أنني كنت أفتقد جود” . وضغط إحساس الفقد على صدرها لم صعد إلى حلقها. كنا فتاتين معًاقالتها كما لو كانت لتفسر أمرًا ما، یا إلهی، سولاثم صاحت قائلة فتاة، فتاة، فتاة فتاة فتاة“. وقد كانت صيحة قوية عالية وطويلة – ولكنها كانت بلا قرار وبلا قمة، وإنما مجرد دوائر ودوائر من الأسى. (ص١٧٤)

وهكذا مرة أخرى نجد توني موريسون وهي تبين ببراعة ما تعنيه النساء، النساء السود. لبعضهن البعض. فهذا المقطع النهائي من الروياة يثبت عمق العلاقة بين سولا ونيل ومدى محوريتها بالنسبة لتأويل دقيق للرواية.

إن رواية سولارواية مثلية إلى درجة بالغة من حيث العواطف التي يتم التعبير عنها وتعريف الشخصية الأنثوية وفي الطريقة التي يتم بها تصوير سياسات العلاقات الجنسية الغيرية، ويتم توسيع مفهوم المثلية النسائية في الأدب مثلما تتم إعادة تعريفه عبر السياسات، والارتباك الذي استشعره كثير من القراء والقارئات بشأن سولا ربما يحمل تفسيرًا مثليًا، فإذا رأينا سولا باعتبارها شرًاغير مفهوم، ورأينا عدم تمسكها بالقوالب والتقاليد بمثابة الشر الناجم عن عدم تبنيها منطق الرجل، حينها تتضح لنا الكثير من عناصر الرواية، وربما تزداد الروياة وضوحًا إذا كانت توني موريسون قد تناولت موضوعها واعية بأن العلاقة المثلية ربما كانت احتمالاً ممكنا بالنسبة لشخصياتها، ولكن من الواضح أن توني موريسون لم تقصد أن تجعل القراء والقارئات يعتبرون علاقة سولا ونيل علاقة مثلية صميمة. ومع ذلك فإن غياب المقصد هنا إنما يكشف عن الطريقة التي يمكن للفرضيات الجنسية الغيرية أن تخفي وراءها ما يمكن أن نتوقع حدوثه منطقيًا في الرواية. إن ما قدمته هنا ليس محاولة لإثبات أن توني موريسون قد كتبت شيئًا لم تتناوله فعلاً، وإنما قمت بمحاولة توضيح كيف أن منظورًا نقديًا نسويًا أسود يتيح على الأقل التوقف أمام هذا المستوى من مستويات المعنى في الرواية.

وفي حوار مع إيدريان ريتش تتحدث عن العلاقات غير المكتملة والحاجة إلى إعادة تقييم معنى الروابط الحميمة والمفترض كونها غير شبقية بين النساء، فتؤكد قائلة:

إننا في حاجة إلى مزيد من التوثيق بشأن ما حدث بالفعل، وأعتقد أنه بوسعنا أن نتخيله لأننا نعلم بحدوثه – تعلم بذلك من واقع حياتنا.16

ولا تزال النساء السود في موقف يحتم عليهن تخيلواكتشاف وتأكيد صحة الأدب المثلى النسائي الأسود نظرًا إلى قلة ما تمت الكتابة عنه من منظور مثلي نسائي صميم. إن شبه الغياب التام للأدب المثلي النسائي الأسود والذي نستشعره بعمق أنا وغيري من المثليات السود على علاقة وثيقة سياسات حياتنا والقمع الكامل للهوية والذي تواجهه بالضرورة كل النساء السود، المثليات منهن وغير المثليات. ويعود هذا الصمت الأدبى فيتزايد مرة أخرى بفعل عدم توفر حركة نسوية سوداء مستقلة يمكننا من خلالها مناهضة القهر والبدء في تسمية أنفسنا.

ففي كلمة ألقتها ويلميت براون عن استقلالية النساء المثليات السودتعلق المتحدثة على الصلة القائمة بين واقعنا السياسي والأدب الذي يتعين علينا اختراعه، فتقول:

بسبب عزلة النساء المثليات السود، وبافتراض أننا غريبات الأطوار تمامًا، وبافتراض أن هويتنا المثلية تتحدى كلا من الهوية الجنسية التي يمنحنا رأس المال إياها والهوية العرقية التي يمنحنا رأس المال إياها، فإن عزلة النساء السود ذوات الهوية الجنسية المثلية عن النساء السود ذوات الهوية الجنسية الغيرية هي عزلة عميقة جدًا، عميقة جدًا، وقد بحثت في التاريخ الأسود والأدب الأسود وكل شيء بحثًا عن بعض النساء اللآتي يمكنني أن أرى أنهن كن مثليات. وأنا أعلم اليوم أنهن بمعنى ما كن جميعًا مثليات، ولكنه كان بحثًا أليمًا للغاية. 17

إن مزايا الهوية الجنسية الغيرية هي عادة المزية الوحيدة التي تتمتع بها النساء السود، فما من واحدة بيننا تتمتع بمزية عرقية أو جنسية، بل وتكاد ولا واحدة من بيننا تتمتع بمزية طبقية، وبالتالي فإن الحفاظ على الاستقامة الجنسيةهو ملاذنا الأخير. فالخروج إلى النور والتصريح بالهوية المثلية وخاصة على الورق هو بمثابة تخلٍّ أخير عن أي حق في الحصول على فتات التسامحالتي تحصل عليها أحيانا بعض النساء السود شبهات سيدات الطبقة العلياممن لا يمثلن مصدر تهديد لأحد. ولكنني على قناعة من أن افتقادنا إلى الامتيازات والسلطة في مختلف المجالات هو الأمر الذي يتيح لقلة قليلة من النساء السود تحقيق قفزة إلى الأمام كالتي نجحت كثيرات من النساء البيض، وخاصة الكاتبات، في تحقيقها خلال هذا العقد من الزمان، ولا يرجع ذلك فقط إلى كونهن بيض أو إلى تمتعهن بمكانة اقتصادية، وإنما بسبب تمتعهن بالقوة والدعم من حركة مساندة تقف وراءهن.

إننا بوصفنا مثليات سود، يجب علينا الخروج إلى النور، لا في إطار المجتمع الأبيض فحسب بل في المجتمع الأسود أيضًا والذي لا يقل عن المجتمع الأبيض في موقفه الكارة للمثلية إن الارتفاع البالغ للقيود وأوجه الحصار المفروضة على المثليات السود هو ارتفاع يتضح جليًا في التعليق التالي للكاتب الأسود إسمائيل ريد، حيث يؤكد ضمن حديثه عن الاعتداءات التي يمارسها البيض ضد الثقافة السوداء، فيقول:

إنك تجد في منهاتن أناسًا يحاولون بشدة إعاقة الجدل الفكري الدائر في أوساط الأفروأمريكيين. فالتأثيرات القوية الليبرالية/الراديكالية/ الوجوديةالتي تتمتع بها المؤسسة الأدبية والمسرحية في منهاتن تكشف عن نفسها رمزيًا مثل المفهوم العتيق على سبيل المثال القائل بوجود مفكر أيديولوجي أسود واحد (يكون عادة شيوعيًا)، ووجود شاعرة سوداء واحدة (تكون عادة مثلية نسوية).18

فبالنسبة لإشمائيل ريد نجد أن مصطلحي نسويةومثليةهما أكثر المصطلحات ازدراء التي يمكن إلقاؤها صوب المرأة السوداء والتي يمكن أن تنتقص تمامًا من قيمة أي شيء تقوم به، بصرف النظر عن سياساتها الفعلية أو هويتها الجنسية، ومثل هذه الاتهامات تكون فعالة في السيطرة على الكاتبات السود اللآتي يكتبن بأمانة وقوة من أي منظور كان، وتحديدًا بالنسبة لمن هن نسويات ومثليات وللأسف فإن موقف ريد الرجعي هو موقف مألوف تماما، ففي مجتمع لم يتخذ موقفا ضد التحيز الجنسي، نظرًا لعدم وجود حركة نسوية سوداء تستدعي ذلك الموقف، هو مجتمع لم يجد نفسه مضطرًا كذلك إلى التوقف أمام نظامه القائم على الجنسية الغيرية. فحتى هذه اللحظة لست متيقنة من أنه بوسعنا أن نكتب صراحة باعتبارنا مثليات سود ثم تستمر بنا الحياة بحيث يمكننا الحديث عن ذلك.

ولكن مع ذلك هنالك عدد من النساء السود اللآتي جازفن بكل شيء في سبيل الحقيقة. فقد قامت كل من أودري لورد وبات باركر وأن شيلي شوكلي ( Audre Lorde, Pat Parker, Ann Allen Shockley) على الأقل بفتح طرق جديدة في مساحات شاسعة من أنواع الكتابات التي لا وجود لها وبالتالي سيكون للنقد النسوي الأسود مرة أخرى دور جوهري لا في خلق جو يمكن فيه للكاتبات النسويات السود البقاء فحسب، بل في تولي عملية إعادة تقييم شامل للأدب الأسود والتاريخ الأدبي. وهي عملية ضرورية للكشف عن النساء ذوات الانتماء النسائي (woman-identified women) اللآتي تبحث عنهن ويلعيت براون والكثيرات منا.

وعلى الرغم من تركيزي هنا على ما هو غير موجود وما يجب القيام به، إلا أن هنالك عددًا من الناقدات النسويات السود اللاتي بدأن العمل في هذا الاتجاه، فقد اكتشفت جلوريا هل ( Gloria T HULL) في جامعة ديلاوير في غمار بحثها حول الشاعرات السود من حركة بهضة هارلم ( Harlem Renaissare) أن الكثيرات من الكاتبات اللآتي يعتبرن كاتبات مغموراتفي تلك الفترة كن على صلة قوية فيما بيهن وتبادلن تقديم التحفيز الفكري والدعم النفسي لكتابات بعضهن البعض. ونجد أن واحدة على الأثل من هؤلاء الكاتبات، وهي أنجلينا ويلد جريمكي (Angelina Weld Grimke) قد كتبت عديدًا من قصائد الحب غير المنشورة موجهة إلى نساء. كما أن لورين بيثيل، وهي خريجة حديثة من كلية يبل، قامت بجهد كبير في دراسة الكاتبات السود وخاصة في البحث الذي قدمته خلال سنتها الدراسية الأخيرة ( Lorraine Bethel, “This Infinity of Conscious Pain: Blues Lyricism and Hurston’s Black Female Folk Aesthetics and Cultural Sensibility in Their Eyes Were “Watching God) والتي تقوم فيها بتقديم تعريف واستخدام ذكي لمبادئ النقد النسوي الأسود. كما أن إيلين سكوت (Elaine Scott)، في جامعة ولاية نيويورك في أولد ويستبري، تقوم كذلك بأبحاث مبدعة وذات أبعاد سياسية في تناولها للكاتبة زورا نيل هيرستون وغيرها من الكاتبات.

إن كون هؤلاء الباحثات في طور الشباب، ولم يسبق لهن نشر أعمالهن، باستثناء جلوريا هل، إنما يشير إلى المعوقات التي نواجهها. فمما لا شك فيه أنه توجد نساء أخريات يعملن ويكتين ممن لم نسمع عنهن لمجرد عدم وجود مكان يتيح قراءتهن، حيث يتطابق الحال مع ما تذكره ميشيل والاس في مقالتها عن بحث النسوية السوداء عن الأختية” (Michele Wallace, “A Black Feminist’s Search :(for Sisterhood

إننا موجودات باعتبارنا نساء سود ونسويات وكل منا جانحة حاليا، ونعمل فرادي بسبب عدم وجود بيئة في هذا المجتمع بعد تلائم نضالنا – [أو أفكارنا]. ۲۰

وإنني على أمل أن تكون هذه المقالة سبيلاً إلى كسر صمتنا وعزلتنا، ومساعدتنا على التعرف على بعضنا البعض.

ومثلما لم أكن أعرف من أين على أن أبدأ. لست واثقة الآن كيف انتهي، وإنني أشعر بأني قد حاولت أن أقول أكثر مما يجب، وفي نفس الوقت لم أتطرق إلى موضوعات أكثر مما يجب. إن ما أريد تحقيقه من خلال هذه المقالة هو توجيه كل من يقرأها إلى التوقف أمام كل شي ظنوه او اعتقدوه بشأن الثقافة النسوية، وأن يسألوا أنفسهم عن الرابطة التي تربط أفكارهم بواقع كتابات وحيوات النساء السود. وأود أن أشجع كخطوة أولى لدى النساء البيض وجود معيار واحد عاقل ينطبق على كافة النساء اللآتي يكتبن ويعشن على هذه الأرض، أما أكثر ما أريده لكل النساء السود والمثليات السود فهو أن لا يعشن في كل ما هن فيه من وحدة، وهو أمر سيتطلب أكثر الثورات اتساعًا وكذلك الكثير من المفردات الجديدة التي يمكنها أن تخبرنا كيف لنا أن نجعل تلك الثورة حقيقة واقعة وأخيرًا أود أن أعبر عن أن ساعات يقظتي ونومي كانت ستكون أكثر راحة ويسرًا لو كان هنالك كتاب واحد يقول لي شيئًا محددًا عن حياتي. كتاب واحد، روائي أو غير روائي، ينطلق من التجربة النسوية السوداء والمثلية السوداء. عمل واحد فقط يعكس الواقع الذي نحاول خلقه أنا والنساء السود اللآتي أحبهن. عندما يصبح مثل هذا الكتاب موجودًا عندها لن تصبح كل منا أقدر على معرفة كيف تحيا فحسب، بل معرفة كيف تحلم.

 

باربرا سميث، هي نسوية مثلية واشتراكية، لعبت دورا مهما في بناء حركة النسوية السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عرفت من السبعينيات كنافدة وباحثة ومحاضرة وناشطة داعمة للفكر النسوي الأسود، عندما اكتشفت غياب الصوت النسوي في الدراسات الأمريكية وفي الأدب الأمريكي الأسود، أسست دار نشر طاولة المطبخ للنساء الملوناتمما أتاح فرصة نشر الكثير من الكتابات النسائية في الدراسات العرفية والدراسات النسائية والأدب الأسود، وجمعت معظم كتاباتها في كتاب صدر عام 1998 بعنوان الحقيقة غير المؤلمة كتابات في قضايا العنصرية والجندر والحرية.

* Barbara Smith, “Towards a Black Feminist Criticism”, Conditions: Two 1, no 2 (October 1977) Electronic version available: https://webs.wofford.edu/hitchmoughsa/Toward.html (26 October (2007.

1- Alice Walker, “In Search of Our Mothers’ Gardens,” in Ms., May 1974, and in Southern Exposure 4, no. 4, Generations: Women in the South 1 (Winter 1977): 60- 64.

2- Jerry H. Bryant, “The Outskirts of a New City,” The Nation, November 12, 1973, p. 502.

3- Robert Bone, The Negro Novel in America (New Haven, Conn.: Yale University Press, 1958), p. 180

ورواية دق أي بابهي رواية بقلم الكاتب الأسود ويلارد موتلي:

(Willard Motley, Knock on Any Door)

4- Sara Blackbum, “You Still Can’t Go Home Again,” New York Times Book Review, December 301973, p. 3.

5 – Elaine Showalter, “Literary Criticism,” Review Essay, Signs 1 (Winter 1975): 460,445.

6 – Ellen Moers, Literary Women: The Great Writers (Garden City, N.Y.: Anchor Books, 1977); Patricia Meyer Spacks, The Female Imagination (New York: Avon Books, 1976).

7- مقالة نانسي هوفمان تقدم ملاحظات قيمة بشأن كيف للنساء البيض تناول كتابات النساء السود

Nancy Hoffman, “White Women, Black Women: Inventing an Adequate Pedagogy,” Women’s Studies Newsletter 5 (Spring 1977): 21- 24.

8 – Darwin T. Tumer. In a Minor Chord Three Afro-American Writers and Their Search for Identity (Carbondale and Edwardsville Southern Illinois University Press, 1971).

9 – John Domini, “Roots and Racism: An Interview with Ishmael Reed,” Boston Phoenix, April 5, 1977, p.20.

10 – Ora Williams, “A Bibliography of Works Written by American Black Women, College Language p. 20. Association Journal 15 (March 1972): 355

كما توجد صبغة مطولة لهذه البيبليوغرافيا صادرة في كتاب:

Aorreesean Black Wormert in the Arts and Social Sciences: A Bibliographic Survey (Metuchen, NJ: Scarecrow Press, 1973, rev. and expanded ed, 1978).

11- John O’Brien, ed… Interviews with Black Writers (New York: Liveright, 1973), p. 201

12- Toni Morrison, The Bluest Eye (1970- reprint ed., New York: Pocket Books, 1972, 1976); and Sula New York: Alfred A. Knopf 1974).

، وسترد كافة الإشارات التالية إلى الروايات في متن المقالة لفتت شقيقتي بيفرلي سميث انتباهي إلى هذه الصلة.

13 – لقد لفتت شقيقتي بيفرلي سميث انتباهي إلى هذه الصلة.

14- Lorraine Bethel, “Conversations With Ourselves: Black Female Relationships in Toni Cade

Bambara’s Gorilla, My Love and Toni Morrison’s Sula.”

، وهي ورقة غير منشورة تمت كتابتها في جامعة ييل عام 1976 (47 صفحة)، وقد انطلقت لورين بيثيل من فرضية شبيهة بتلك التي انطلقت أنا منها ولكن مع قيامها بتناول أوسع وأكبر للرواية.

15 – New York Radicalesbians, “The Woman-Identified Woman,” Lesbians Speak Out (Oakland, Calif: Women’s Press Collective, 1974). p. 87.

16 – Elly Bulkin, “An Interview With Adrienne Rich: Part 1,” Conditions: One 1 (April 1977): 62

17- Wilmette Brown, “The Autonomy of Black Lesbian Women,” manuscript of speech delivered July .1976 .24 in Toronto, Canada, p. 7.

18 – Domini, “Roots and Racism,” p. 18.

19 – Audre Lorde, New York Head Shop and Museum (Detroit: Broadside Press, 1974); Coal (New York: ” W. W. Norton, 1976); Between Our Selves (Point Reyes, Calif.: Eidolon Editions, 1976); The Black Unicorn (New York: W. W. Norton, 1978).

Pat Parker, Child of Myself (Oakland, Calif.: Women’s Press Collective, 197 2 and 1974); Pit Stop (Oakland, Calif.: Women’s Press Collective, 1973); Womanslaughter (Oakland, Calif: Diana Press. 1978 ) Movement in Black (Oakland, Calif.: Diana Press, 1978).

Ann Allen Shockley, Loving Her (Indianapolis: Bobbs-Merrill, 1974).

ويوجد ما لا يقل عن تجمع واحد للكاتبات المثليات السود، وهو تجمع جميمة” Jemima)), في نيويورك، ويقوم ذلك التجمع بعقد لقاءات قراءة مفتوحة ولديه مجموعة من النصوص الشعرية، ويمكن الاتصال على العنوان التالي:

Jemima, c/o Boyce, 41-11 Parsons Boulevard, Flushing, N.Y. 11355)

20- Michele Wallace, “A Black Feminist’s Search for Sisterhood,” Village Voice. July 28, 1975, p. 7,

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات