تجربة فريدة
“دير البرشا” قرية صغيرة في أقصى جنوب محافظة المنيا في صعيد مصر. وهي إحدى القرى الصغيرة شرق النيل، وتنقطع علاقتها بالبر الغربي بعد توقف المعدية في المساء. دخلت دير البرشا التاريخ دون أن تقصد فهي أول قرية – ليس في مصر فقط بل وفي العالم – تضع وثيقة يتعهد فيها أهلها بعدم ختان بناتهم. تم ذلك في ١٩٩١، قبل “هوجة” مؤتمر السكان، وقبل أن يتحول موضوع ختان الإناث إلى قضية سياسية تحاول بعض القوى المحافظة استخدامها لتكريس الوضع الدوني للنساء المصريات. وقد تعرف النشطاء في مجال حقوق المرأة على تجربة دير البرشا بعد تشكيل قوة العمل المعنية بمناهضة ختان الإناث عام ١٩٩٤. ولتفرد هذه التجربة قام مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعمل دراسة ميدانية عن أسباب نجاح تجربة دير البرشا. وكشفت الدراسة عن تفاعل عوامل متعددة، لكنها تشترك في تأثيرها على تغيير النظرة التقليدية للمرأة، وعلى قدرة القيادات المجتمعية خاصة القيادات الدينية، ليس فقط على اتخاذ موقف نقدي من التقاليد والممارسات المعادية لحقوق المرأة، بل الأهم إعلان هذه المواقف مما يساعد على تشجيع باقي أفراد المجتمع على تغيير ممارساتهم. ومن أهم العوامل التي ساعدت دير البرشا، الجهود التنموية التي بادرت بها الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وجهودها في تنمية قدرات القيادات المجتمعية في دير البرشا خاصة النساء.
أول وثيقة في العالم تمنع الختان
وبمناسبة مرور عشر سنوات على وثيقة دير البرشا، تعاون كل من مركز دراسات المرأة الجديدة والهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، وجمعية المرأة الجديدة وتطوير القرية بدير البرشا في تنظيم احتفالية يوم ۱۳ أبریل ۲۰۰۲ في القرية لتكريم لجنة المرأة والقيادات الاجتماعية والدينية بالقرية، ولتعزيز هذه التجربة الفريدة، وللإعلام عن جهود القرية بما يشجع ويلهم قرى أخرى للسير على نفس الطريق. وتمت دعوة عدد واسع من المهتمين على رأسهم محافظ المنيا الوزير حسن حميدة. ومن المنظمات غير الحكومية، حضرت قوة العمل المعنية بمناهضة ختان الإناث، كما حضر ممثلون لوزارة الصحة، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومؤسسة فورد، وإعلاميون من القنوات والإذاعات والصحافة القومية والمحلية. وأخيرًا وهو الأهم فقد حضر لفيف من أهالي القرى المجاورة لدير البرشا والتي بدأت بعضها بالفعل في العمل من أجل القضاء على عادة ختان الإناث
لا تنمية للمجتمع بدون المرأة
دور مهم لرجال الدين لمحاربة الظاهرة
نضال طويل
أقيمت الاحتفالية في إحدى مدارس قرية دير البرشا، وقد تمت إعادة تنظيم المكان بحيث شمل أركانًا مختلفة تعرض فيها نماذج من الأنشطة التنموية التي تقوم بها المجموعات المختلفة في القرية، ويتصدرها نموذج مكبر لوثيقة دير البرشا. وفي البداية تحدث مدحت عياد، مسئول قطاع التنمية بالهيئة القبطية الإنجيلية في المنيا، عن تجربة دير البرشا، مبرزًا النضال الطويل الذي خاضه أهل القرية والدور المتميز لرجال الدين من أجل القضاء على هذه العادة المتأصلة. ثم تحدثت سميرة جيد عن لجنة المرأة بدير البرشا مشيدة بدور الهيئة في دعم جهود الأهالي خاصة لجنة المرأة، كما عرضت لمسيرة لجنة المرأة وكيف تصدت للعقبات التي واجهتها في البداية، وكيف تكللت جهودهن بتأسيس جمعية المرأة الجديدة وتطوير القرية، مؤكدة أن الجمعية ستواصل اهتمامها بدور المرأة في المجتمع ومحاولة تطويره. ثم تحدثت آمال عبد الهادي عن مركز دراسات المرأة الجديدة، وشددت في كلمتها على التجربة المتميزة والفريدة لقرية دير البرشا. ثم تحدث الوزير حسن حميدة محافظ المنيا الذي أشار إلى حجم التواجد النسائي في الاحتفالية خلافًا لما هو مألوف في الريف، مبديًا سعادته بتأسيس جمعية المرأة الجديدة، ومؤكدًا على أهمية المشاركة السياسية للمرأة وخاصة أن تجربة الوثيقة أثبتت أن للمرأة دورًا مهمًا في تنمية المجتمع. وأهدى المحافظ درع محافظة المنيا إلى كل من جمعية المرأة الجديدة بدير البرشا، ومركز دراسات المرأة الجديدة بالقاهرة.
الهيئة الإنجيلية تدعم القرية
أحلام البنات
واختتم الحفل بمسرحية “أحلام البنات” حول موضوع ختان البنات، مثلتها فراشات دير البرشا اللاتي تتراوح أعمارهن بين 8 – 14سنة. كان ختامًا مفعمًا بالمشاعر والثقة في المستقبل، فمثل هؤلاء الفتيات لن يمكن لأحد أن يرغمهن على الخضوع للختان، وهن الأمل في أن يأتى جيل جديد يقف بثقة أمام العادات التي تنتهك حقوقهن، ومن المؤكد أن بناتهن لن يتعرضن للتجربة المؤلمة التي تعرضت لها أجيال عديدة من نساء هذا الوطن.
تركنا دير البرشا رغمًا عنا، ورغم الرحلة المرهقة كان الحماس يملؤ الجميع لهذه التجربة، ولهذه القرية البسيطة الفقيرة، لكن الغنية بعقول وشجاعة وإصرار نسائها ورجالها وبناتها.
