بعد تزايد معدلات العنف الأسرى ضدها لم يكن حادث قتل الطالبة “شيماء” بالصف الثالث الثانوي لأخيها مع سبق الإصرار والترصد – لتخرج من سجنها الذي فرضه عليها… مجرد حادث فردي عابر، ولم يأت مصادفة ولم يكن الأول ولن يكون الأخير في مجتمع استشرى فيه العنف ضد النساء.
ورغم محاولات البعض تهوين الأمر فإن المشاهد الحياتية التي تعبر عن العنف الواقع على النساء تكتظ بها صفحات الحوادث بالصحف والمجلات يوميًا، تمتلئ بها آذان الصديقات عندما يفيض بهن ويحتجن إلى الفضفضة، وربما الأكثر من هذا مشاعر الظلم والإيذاء الذي تملأ صدور النساء ولا يستطعن أن يبيحن بها خاصة عندما يقع العنف عليهن من داخل الأسرة سواء من الزوج أو الأب أو الأخ وأحيانًا من الابن.
فالنساء في مجتمعنا الشرقي يحظين بنصيب وافر من العنف والإيذاء سواء الأسرى أو مجتمعي بل والقانوني أيضًا، وأثبتت الدراسات أن 95% من ضحايا الجرائم هم من النساء. كما أوضحت الدراسات التي قامت بها الجمعيات الأهلية التي تعمل في قضايا النساء أن 75% من العنف ضد النساء عنف أسري ويمارس يوميًا، وأن 35% يتعرض ، للضرب من أزواجهن، وأن الحمل لا يحمى النساء من العنف، كما أن 69% من هذه الحالات يتم ضربهن لمجرد الرد على الزوج بلهجة لا تعجبه، وأن 10% من هذه الحالات عانت أضرارًا جسيمة استدعت تدخلاً طبيًا.
مطلوب زيادة عدد مراكز حماية واستضافة المرأة وتشريع قانون يحميها من العنف الأسرى
ورصدت بعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بالنساء حالات بعض النساء واللاتي يحتجن إلى حماية من العنف… فإحدى السيدات لجأت إلى جمعية نهوض وتنمية المرأة تروي قصتها بأنها لم تنجب وعاشت مع زوجها ١٧ عامًا، وفي النهاية طردها من منزل الزوجية. وتعيش الآن في بيت أخيها، وتجوب الشوارع حتى منتصف الليل بعد عملها لأن زوجة أخيها لا تريدها إلا لتنام، وسيدة أخرى اضطرت للزواج من رجل غير متعلم ومعه زوجة أخرى لتخدمها مقابل أكلها ونومها لأنها لم تجد لها مكاناً آخر.
كما استقبل مركز النديم للتأهيل النفسي عددًا كبيرًا من النساء المعنفات اللائي يحتجن إلى مأوی منهن سيدة لديها أربعة أطفال توجهت للمركز وتروي قصتها قائلة: إن زوجي دائم الاعتداء علي مرة بالضرب ومرات بالسباب بأفظع الألفاظ وأخيرًا تزوج علي وطردني من بيتي أنا وأولادي، وأهلي رفضوا أن أعيش معهم بأولادي، وتقول عندما ذهبت له مرة أخرى هددني بالقتل لو رآني مرة أخرى، وأنا الآن لا أجد مكانًا أذهب إليه ولا موردًا للرزق أنفق منه على أولادي.
مراكز حماية النساء
هذه الحالات وغيرها الكثير تحتاج إلى حماية من العنف، هذا بالإضافة إلى مئات السيدات اللائي يتم طردهن من منزل الزوجية عندما يصلن لسن 40 و 50 سنة، لأن أزواجهن قرروا الزواج مرة أخرى، وهؤلاء السيدات لم يعدن حاضنات، أي انتهت فترة حضانتهن، لذلك فقدن شقة الزوجية.
حاولت وزارة الشئون الاجتماعية – سابقًا – مواجهة هذه المشكلة بتوفير بعض الأماكن البديلة للنساء المعنفات، وذلك بعد ضغط الجمعيات الأهلية، ولكن الوزارة اكتفت بإنشاء ستة مراكز فقط لاستضافة وحماية النساء. توضح “عائشة عبد الرحمن عزبان” المديرة العامة للإدارة العامة لشئون المرأة أن حماية النساء من أشكال العنف من الأهداف التي تسعى إليها الوزارة لمحاربة العادات والتقاليد الاجتماعية السلبية التي تقوم على إرساء كافة أشكال العنف وخلق وعي مجتمعي رافض لها، ولذلك تم إنشاء هذه المراكز لاستضافة النساء المعنفات واللاتي لهن ظروف خاصة وطارئة نتيجة عوامل اجتماعية مثل التفكك الأسري، للعمل على حمايتهن من الانحراف ومساعدتها على تخطي الصعاب، وحل مشكلاتهن وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية والمهنية والثقافية لهن، وتنمية مهاراتهن واستثمار طاقاتهن.
شروط القبول
وحول الشروط المحددة للقبول داخل هذه المراكز أوضحت “عائشة عبد الرحمن“: إننا نقبل النساء المعنفات بعد سداد الرسوم لا تتجاوز ربع الدخل في حالة وجود دخل لها، أو تحديد ذلك وفقًا لما يسفر عنه البحث الاجتماعي، ويتم إعفاؤها من هذه الرسوم إذا كانت لا تعمل وليس لديها معاش شهري، ويجب أن تكون مستوفاة لشروط اللياقة الصحية والخلو من الأمراض المعدية أو المزمنة وقادرة على خدمة نفسها، ويتم استضافتها من 3 إلى 6 شهور وتحاول في هذه الفترة أن تحل مشكلاتها، أما بالنسبة لعدد المراكز فهي لا تزيد على 6 مراكز بمحافظات القاهرة والجيزة وبني سويف والدقهلية، وهناك مراكز بالإسكندرية وتتسع کل دار لعدد 50 سيدة.
وأكدت “عائشة عبد الرحمن” أهمية دور منظمات المجتمع المدني التي تعمل في مجال المرأة لمساعدة الوزارة من أجل التعرف على السيدات اللائي يحتجن إلى هذه الخدمة، كما أن هذه المراكز يتم إسنادها للجمعيات الأهلية لتتولى إدارتها تحت إشراف الوزارة.
عدد ضئيل
أما “د. ماجدة عدلي” المنسقة العامة لمركز النديم فتؤكد أن هناك نحو ٤٦% من السيدات يتعرضن للعنف ضد النساء والطرد والإهانة والضرب، وهذا العنف ضد المرأة يمارس في كل الطبقات الاجتماعية ليس ضد ربات البيوت فحسب، ومعظم الحالات التي لجأت إلى المركز أكدن أنهن تعرضن لشتى صنوف العنف ثم تم طردهن من شقة الزوجية، ونظرة المجتمع إلى المرأة هي التي تجعلها تتحمل الإهانة والعذاب، فهي دائمًا ينظر إليها على أنها الكائن الأدنى، ولذلك فإن المرأة التي يتم طردها من شقة الزوجية أو الفتاة التي تهرب من قسوة الأب أو من العنف الواقع عليها من الأخ من واجب الدولة أن توفر لها دورًا لإعانتها وأن تتواجد هذه الدور في جميع المحافظات.
وتشير “د. ماجدة عدلي” إلى أن الوزارة اكتفت بإنشاء عدد ضئيل جدًا من هذه الدور لاستضافة السيدات بهدف حمايتهن من الانحراف، رغم أن زيادة عدد هذه الدور أمر مهم جدًا من أجل حماية النساء من العنف وليس الانحراف، لأن السيدة التي تفكر في الانحراف لا يمنعها شيء.
وتعترض “د. ماجدة” على بعض الشروط التي يتم القبول بها في مراكز استضافة النساء وأهمها أن الدار لا تقبل السيدة بأطفالها، وإذا زاد عمر الطفل على سنتين فلا يجلس مع أمه بل يذهب إلى دار الرعاية ويعيش كما لو كان يتيمًا، كما أنها لا تقبل الفتيات القاصرات اللاتي تجبن الشوارع، وتقوم باستبعاد السيدة من الدار بعد حوالي 6 شهور من إقامتها، فإذا لم تحل المشكلة فأين تذهب هذه السيدة؟
مطلوب قانون
أما “أمل عبد الحميد” – محامية بمركز النديم – فترى أن العنف الذي يمارس على النساء يزكيه الزوج والآباء والأبناء الذكور ضد زوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم وبناتهم، وهذا يجعل البيت من أخطر الأماكن التي تتعرض فيها النساء للعنف، وهذا يجعلنا نحاول أن نجد تشريعًا يحمي النساء من العنف الأسري، خاصة أن إنشاء دور لحماية المرأة من العنف الواقع عليها لا يحميها بالدرجة الكافية، فرغم أن هذه المراكز آمنة، فإن النساء يعيشن، فيها بشكل مؤقت، كما أن من حق الزوج اصطحاب زوجته في أي وقت ولن يقدر أحد أن يعترض طريقه، وفي هذه الحالة يمكن أن تتكرر حالات العنف ضد النساء، وهذا لا يعني إننا ضد التوسع في إنشاء هذه المراكز ولكننا قمنا بإعداد مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري. ويلزم هذا القانون وزارة التضامن الاجتماعي بتوفير أماكن للحماية والإيواء للمجني عليهن من ضحايا العنف الأسري.
الحماية من الجريمة
أما “د. سامية خضر” – أستاذة ورئيسة قسم الاجتماع بكلية التربية جامعة عين شمس فتشير إلى أن أسباب العنف الأسري اجتماعية ونفسية بالدرجة الأولى فتنشئة الولد ترسخ لديه مفهومًا ليقوم على معالجة المشاكل بالعنف وتميزه على البنت، وسلطته عليها، أما الأسباب النفسية فتدور حول انخفاض تقدير الزوج لذاته وعدم ثقته بنفسه وهروبه من مواجهة الذات إلى العنف تجاه زوجته، ولذلك فإن العنف الأسري يمثل ظاهرة مخيفة داخل “الأسرة” تعاني منه النساء المتعلمات المنتميات للعائلات والفقيرات على حد سواء. واللافت للنظر أن معظم السيدات يتحملن هذا العنف خوفًا من كلام الناس وحفاظًا على البيت، ولكن استمرار العنف الواقع على المرأة يجعلها ترتكب أفظع الجرائم وكل ذلك نتيجة لقهر الزوج، وكثيرًا ما نقرأ في الصحف عن فتيات يقتلن إخوتهن، وزوجة تقتل زوجها بالسم وتقطعه. كل هذا نتيجة للضغوط التي تقع على المرأة، فهي تحتمل إلى درجة معينة، ثم تصبح فريسة للضياع والانحراف.
ولذلك ترى “د. سامية خضر” أن دور الدولة والجمعيات الأهلية والمجتمع بأسره حماية النساء من هذا العنف، ولابد أن تجد هذه المرأة المعنفة مكانًا تعيش فيه آمنة على حياتها. ولذلك فإن هذه المراكز فكرة جديرة بالاهتمام، ويجب توسيعها وانتشارها خاصة أن العنف ضد المرأة في تزايد مستمر. ويجب أن تحاول هذه المراكز التصدي لقضايا العنف ضد النساء، وخلق اتجاه إيجابي لمواجهة هذه القضية، وتمكين المرأة بمقاومة أساليب العنف التي تمارس نحوها من خلال توعيتها بالقوانين وحقوقها كإنسانة وإزالة كل أشكال التمييز ضدها وتوعية المجتمع بخطورة المشكلة وأثرها على النساء والمجتمع معًا.
وتطالب “د سامية” بضرورة أن يتم توجيه النساء داخل هذه المراكز للخروج إلى العمل وعدم الخمول في البيت حتى لا تصل إلى هذا المصير المحتوم، فيجب ألا تكون مستسلمة للزوج وتجلس في البيت حتى تهان كرامتها وآدميتها.
ضرورة لحماية المرأة
ولأن مجرد وجود عدد من مراكز استضافة المرأة المعنفة أثار غضب أعضاء لجنة الشئون الدينية والاجتماعية بمجلس الشعب معتبرين أن هذه المراكز مخالفة للمبادئ الاجتماعية المصرية ولا صلة لها بالشريعة الإسلامية، فكان من الضروري أن نتعرف على رأي الدين في هذه المراكز يقول “د. عبد المنعم البدري” – أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر إن الطاعة واجبة على الزوجة نحو زوجها ومقابل هذا حقها في أن يعاشرها زوجها بالمعروف حتى في حال كراهيتها لها؟ وإذا ثبت أن الزوج لا يقوم بواجباته نحو زوجته سواء بالتقصير في الإنفاق عليها أو إيذائها بدنيًا ونفسيًا فقد سقط في مقابل ذلك حقه عليها وواجبها نحوه بالطاعة، ويصبح للزوجة الحق في طلب الطلاق وحماية ولي أمرها، وفي حالة تخلي الأهل عن الزوجات تصبح هذه المراكز ضرورة لحماية المرأة، فهذه المراكز مكانها مثل دور رعاية الأيتام الذين لا يوجد لهم مأوى فيتم رعايتهم حتى لا يتعرضوا للانحراف في الشوارع.
ويشير “د عبد المنعم البدري” إلى تفشي ظاهرة عنف الأزواج ضد زوجاتهم موضحًا أن مثل هذه الظواهر غريبة على مجتمعنا والدين بريء منها، لأن الزواج ألفة وسكينة ومودة ومشاركة يحاول الطرفان فيها حماية الأسرة وحماية مصالح جميع أفرادها وعندما تتلاشى هذه الأسس وتنهار العلاقات الأسرية يجب مناصرة المرأة خاصة إذا كانت مقهورة ووقع عليها العنف، والوقاية دائمًا خير من العلاج.
المراكز حل بديل يساعد على حل مشكلاتها وتأهيلها نفسيًا واجتماعيًا