محافظة سوهاج من المحافظات الطاردة للسكان، وتحتل المركز الـ ٢1 بين المحافظات المصرية وفقًا لتقرير التنمية البشرية للعام ٢٠٠٤ ،هذا والواقع مؤلم، فمدينة سوهاج ذات الشوارع الواسعة النظيفة المزينة بالأشجار وأضواء المحلات التجارية وبها العمارات العالية والمنشآت المهمة والجامعة والمستشفيات الكبرى والنجوع تختلف عن القرى التابعة لسوهاج، فالفقر يسير على قدمين وتلمسه في كل خطوة تخطوها داخل الحارات الضيقة وعلى جدران المنازل القديمة. والعيون لتسكنها الدمعة، والحزن ساكن في القلوب ليس من مرارة الفقر فحسب، ولكن من الكوارث أيضًا التي تلاحق أهالي القرى الفقيرة، فأغلب ضحايا قطار الصعيد الذي احترق في عهد حكومة عبيد من أبناء قرى سوهاج. ومعظم ركاب حادث العبارة السلام (۱۹۹۸) من أبناء سوهاج. وقد ابتلعت الأمواج جثث الضحايا وشقاء السنين والأحلام البسيطة المشروعة والمسموح بها لمواطني الدرجة الثالثة.
بجانب ما تتحمله النساء مع الرجال من أعباء الحياة وقسوتها فهي تعاني من التمييز والاضطهاد والتهميش ضدهن فيحاصرهن موروث يحرمهن من أبسط حقوقها.
يطلبن الخلع للخروج للعمل والزوج يرفض خوفًا من كلام الناس
فثمة قرى بأكملها في محافظة سوهاج النساء فيها بدون أوراق رسمية أو بطاقات إثبات شخصية، وأغلبهن لا يعرفن القراءة والكتابة، ومنذ سنوات قليلة بدأت تنتشر فصول محو الأمية من خلال الجمعيات الأهلية.
انتشار الأنيميا بين الفتيات بسبب العادات الغذائية
كما تعاني الفتيات من الأنيميا بسبب الفقر والعادات الغذائية التي تهتم بغذاء الأب والأولاد ثم الأم والبنات.
وفي قرى بأكملها بمركزي ساقلتة ودرا السلام تجبر البنت على ارتداء الجلابيب الرجالي إلى أن تتزوج من ابن عمها أو أحد الأقارب. ينتشر في هذه القرى زواج الهبة أو السنة الذي لا يسجل بأوراق رسمية، مما يترتب عليه العديد من المشاكل فيما بعد، كما ترتب على انتشار زواج الأقارب ارتفاع معدلات الإعاقة الذهنية بين الأطفال بمتوسط طفلين معاقين ذهنيًا في كل عشرة أطفال.
التمرد والفقر
نجد المرأة الصعيدية البسيطة والمثابرة التي تحاصرها العادات والتقاليد والجهل من جانب، وأعباء الأسرة والفقر من جانب آخر لم تقف مكتوفة الأيدي بعد أن تعطل الزوج عن العمل وأصبح الدخل لا يكفي المطالب الأساسية للأسرة أو أصبحت هي المسئول الأول عن الأسرة، فالمرأة المعيلة وفقًا لإحصائيات المجلس القومي للمرأة فرع سوهاج بلغ عددها (۸۸۳5) مطلقة و(5977) أرملة. فخرجت المرأة للحياة تواجه سوق العمل بقسوته دون أي ضمانات أو حماية قانونية أو اجتماعية.
فاستدعت المرأة الصعيدية ما بدخلها من تمرد على العادات والتقاليد البالية فذهبن إلى مكاتب الاستشارات الأسرية بجمعية تنمية المجتمع بسوهاج يسألن عن الخلع، لأنهن يردن الخروج للعمل للإنفاق على الأسرة بعد أن تعطل الزوج عن العمل أو تزوج بامرأة ثانية وتوقف عن الإنفاق على الأسرة، وفي الوقت نفسه يرفض خروج الزوجة للعمل خوفًا من كلام الناس.
كما خرجت النساء في قرى عديدة بمركز مراغة حاملة الفأس لتفلح وتزرع بعد أن ترك الرجال القرية بحثًا عن لقمة العيش في محافظات أخرى أو في إحدى الدول العربية، فمركز مراغة عدد العاملات فيه أكثر من الرجال فهن يعملن في بيع الخضراوات والفاكهة بجانب الزراعة فهو أكثر المراكز فقرًا في سوهاج فهناك 5% فقط يملكون ما بين 30 إلى 35 فدانًا والباقي ما بين قيراط إلى ثلاثة.
وتحت ضغط الفقر والحاجة اضطرت المرأة إلى أن تقبل بما كانت ترفضه من قبل فلجأت إلى الجمعيات الأهلية للحصول على القروض الصغيرة ومتناهية الصغر والتي تبدأ من ٢٠٠ جنيه وتصل إلى 3000 جنيه بفوائد تتراوح ما بين 6% إلى 8% وتستخدم في تمويل مشروعات وتربية الحيوانات – البقالة – الخياطة – بيع الخضراوات والعيش والفول والطعمية، لكن العائد من هذه المشروعات غير كاف لسد الاحتياجات الأساسية للأسرة، كما أنه لم يكسب المرأة مهارات جديدة، فضلاً عن أنها مشروعات غير منتجة وغير قابلة للنمو ولم تساعد هذه الأسر على تحسين ظروفها المعيشية.
المبدعات
في السطور القادمة، نقدم نماذج لنساء مبدعات التقينا بهن أثناء جولاتنا في قرى المحافظة من خلال فاعليات ورشة العمل “دور الإعلام في دمج المرأة في التنمية” والتي ينظمها مركز بحوث المرأة والإعلام بكلية إعلام جامعة القاهرة بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية.
فهناك صناعات المفروشات اليدوية على النول وإنتاج التللي، وهو عبارة عن تطريز بالفضة على قماش التللي. ويستخدم في أغراض عدة: شال – جلباب وشغل الإبرة على قطع القماش لإعداد لوحات مستوحاة من الطبيعة ترسمها المرأة من الذاكرة، وبشكل تلقائي تخرج المخزون بداخله من مشاهد مثل صورة القرية والحقول وزفة العروسة والسبوع. وأيضًا هناك شغل بإبرة الكروشيه يستخدم في إنتاج المفروشات بأنواعها المختلفة.
وبالرغم من أهمية هذه الصناعة في المحافظة على التراث وتوفير فرص العمل فإن الاهتمام بعمليات التسويق ودعم هذه الصناعة غير كاف. وهناك الكثير من المشاكل التي تواجه النساء العاملات في هذه الصناعة بداية من توفير المواد الخام إلى عمليات التسويق مرورًا بغياب جميع أشكال الحماية.
حيث لا توجد رعاية صحية أو تأمينات اجتماعية فهناك إحدى الجمعيات التي لا تقدم أي خدمات أو حماية، وانحصر دورها في تقديم المساعدة في عمليات التسويق وتوفير المواد الخام بأسعار رخيصة إلا أنها توقفت عن تقديم هذه المساعدات منذ خمس سنوات.