نهاية العام
كلما نقترب من نهاية العام نميل إلى التأمل فيما حققناه خلال هذا العام، هل كانت لنا إنجازات علي المستويين الشخصي والعام, هل نحن راضون عن أنفسنا، ما الذي كان يمكننا عمله بطريقة أفضل, فيم اخفقنا وهكذا. كما نتطلع إلي العام الجديد الذي أمامنا ونحلم بما نريد منه أيضًا علي المستويين الخاص والعام، وأقول نحلم لأننا كي نعيش ونستمر في ظل الظروف المحيطة لابد لنا أن نحلم، وأن يذهب خيالنا إلى آفاق عريضة مملؤة بالأمل والتفاؤل, آفاق تتجاوز الممكن من منظور ضيق وتفتح المشهد لمستقبل أكثر إنسانية.
حينما أنظر إلي عام ۲۰۰۹ أجده عامًا تزاحمت فيه الأحداث المحزنة منها قبل المفرحة، منها التقاتل بين الناس وانتشار الأمراض الغامضة مثل ما يسمي بإنفلونزا الخنازير، وتنامي شبح الكوارث الطبيعية وتكاثر الحوادث علي يد الإنسان، واختفاء الأصدقاء والأحباب. ومع ذلك هناك نقاط مضيئة نتعلق بها وهي التي تشير إلي أن كفاح الناس من أجل حياة أفضل ومن أجل العدل لا يذهب هباء، فعاملات المحلة الكبري اللاتي نقلن تعسفًا عقابًا علي مواقفهن الشجاعة في إطار نضال العمال المصريين قد كسبن قضيتهن, وعائشة أبو صمادة عادت إلى وظيفتها بعد طول تشتت, وبعض فئات النساء ممن لا يحظين بحماية القانون أصبحت تطالب بحقوقها, كما أصبح هناك مزيد من المتعاطفين مع حقوق النساء وازدادت المنظمات القاعدية المعنية بتلك الحقوق وتلتف يومًا بعد يوم أعداد متنامية من الأفراد الذين يقدمون جهودهم التطوعية في هذا المجال، ومؤسسة المرأة الجديدة حصلت علي حكم لصالحها فيما يتعلق بالتسجيل رسميًا والأكثر من ذلك حظيت المؤسسة بتكريم من جهات عديدة علي أنشطتها وتوجهاتها، هو الأمر الذي يدفعها إلى الوفاء بالتوقعات المعقودة عليها.
ومع نهايات هذا العام واقتراب العام المقبل هناك العديد من الآمال المتعلقة بالوطن بصفة عامة وبنسائه بصفة خاصة فالأحلام الصغيرة ترتبط بصحة الناس وسلامتهم ومأكلهم وتعليمهم وفرص العمل المتوافرة أمامهم، أما الأحلام الأوسع فهي أن نري بلدنا وقد خلا من العنف والفساد ومظاهر الظلم وعدم المساواة وخاصة من إهانة الكرامة الإنسانية, وهي جميعها أحلام مرتبطة ببعض, الصغيرة منها مع الكبيرة، فلكي تتحق هذه لابد من أن تتحقق تلك، أما بالنسبة للنساء فإنني أتمنى أشياء كثيرة:
أن يتمتعن بالاعتراف المجتمعي بصفتهن بشر كاملي الأهلية وألا يعشن في جزر منفصلة نفسيًا وجسديًا عن عالم الرجال بحيث نكون جميعًا جزء من عالم واحد وألا يمارس بعد اليوم أي شكل من أشكال العنف ضدهن، وأن يحصلن علي القدرة في تحقيق الذات، وأن تصبح اسهاماتهن مرئية ومعترفًا بها، وأن يتطور الخطاب العام الذي يتناولهن بحيث يساهم في تكريس صور وأدوار إيجابية لهن لا تنحصر في أدوارهن الرعائية والأسرية وإنما يمتد إلي جميع نواحي المواطنة الحقيقية.
تلك بعض التطلعات التي أعلم أنها كبير في ظل الثقافة الذكورية والأبوية السائدة، والتي لن تتغير إلا لو تكاتف كل أولئك الذين يؤمنون بأن المرأة متساوية مع الرجل, وقد تساهم بعض النجاحات الصغيرة أو المحدودة في إجراء التغيير، ولكنها غير كافية في حد ذاتها, علينا العمل من أجل تفعيل الأدوات المتاحة وتطوير الأدوات المتوافرة حالياً وأعني بذلك منظومة القوانين والاتفاقيات والتعهدات الدولية التي التزمت مصر بها، أمامنا عمل كبير وجهد شاق ولكن التغيير ليس مستحيلاً, فقد شاهدته بلدان أخري في مراحل متفرقة من التاريخ نتيجة الإصرار في الحصول علي الحق. وكل عام وأنتم جميعًا بخير.