نيايانق: حكاية فتاة من النوير في الأزمنة المتغيرة

الشركاء: أندريا

تاريخ النشر:

أكتوبر 2019

نيايانق: حكاية فتاة من النوير في الأزمنة المتغيرة

نيايانق هو كتاب تحت النشر يحكي قصة مراهقة من قبيلة النوير في جنوب السودان اختارت بأن تكون مختلفة. في جنوب السودان وبالتحديد في مجتمعات النوير لم يكن للنساء والفتيات أصواتهن لفترة طويلة من الزمان، حيث تأتي اختياراتهن من الرجال حولهن. أرادت نيايانق أن تغير هذه السردية ولكن فرصها كانت ضيقة للغاية. بالرغم عن تركيز الكتاب على مجتمعات النوير، فإن هذه القصة الخيالية هي تمثيل حقيقي للنساء والفتيات المهمشات في جنوب السودان. إن زواج الطفلات والحرمان من الوصول إلى التعليم الجيد والزواج المدبر أو بالإكراه وزواج الأشباح والاعتداءات على النساء هي ما يعتلي الخطوط العريضة والأخبار الرئيسية في مساحة شاسعة من جنوب السودان الخصيب. إن قصة نيايانق تفتح حواراً جاداً حول أحد القضايا الأخلاقية في الوقت الراهن وهو تمكين النساء.

وُلدت نيايانق في أوائل ثمانينات القرن الماضي في كوردينق إحدى القرى الطرفية في مناطق النوير. في كوردينق، لا توجد وحدات صحية أو مدارس أو أسواق حديثة. تمثل كيوردينق نموذجاً حقيقياً لقرى النوير في الثمانينات. لم تتلق نيايانق رعاية صحية بالمعنى الدقيق ولكنها عاشت نتيجة للخدمات التي قدمتها القابلة الصحية المتفانية في عملها. رغماً عن ذلك فإن ولادتها جلبت السعادة على والديها اليائسين. قاتكوث والد نيايانق نذر بأن يذبح عجلاً لآلهة النوير شكراً لهم على نعمهم وبركاتهم التي حلت على الأسرة. نيايانق هي الفتاة الوحيدة لأسرة جميع أطفالها من الصبيان. في الثمانينات وحتى الآن ولدرجة متفاوتةإنجاب مولودة بنت يعني الكثير في مجتمع النوير، إنه اليوم أشبه بامتلاك عقار في الولايات المتحدة الأمريكية. تعتبر الفتيات أصولاً اقتصادية للأسرة النووية والممتدة والعشيرة بأكملها. أحس قاكوث بالفخر وشعر بأنه والد حقيقي. لقد كان يوم ميلاد نيايانق يوما قد انتظره طويلاً.

عندما بلغت نيايانق التاسعة من العمر، بدأت تستكشف بيئتها. كانت تريد الذهاب إلى المدرسة إلا أن عمهانيانقالبغيض لم يكن يرى الحاجة لذلك. نيانق هو رجل متوسط العمر وهو يشتهر بإرغامه للفتيات الصغيرات على الزواج فهو لا يكترث لأمر التعليم. يستفيد نيانق من ترتيبه العالي في الأسرة ويتخذ قرارت لا تخضع للمساءلة أو النقاش. عندما غادر قاكوث للالتحاق بالجيش وجد نيانق فرصة نادرة كي يسقط مفاهيمه واعتقاداته على الأسرة. دبر زيجة لنيايانق وهي في سن الثالثة عشرة. أراد أن يزوجها لفتى في السادسة عشرة من العمر يدعى نياك وهو ابن لعائلة كبيرة تمتلك الكثير من رؤوس الماشية. يهتم نيانق بتربية المواشي ويتشوق لليوم الذي يعودون فيه إلى أرضهم.

 

هربت نيايانق في اليوم المحدد للزواج واحتجز نياك والدة نيايانقنياقيواتهمها بالمشاركة في هروب ابنتها وهي تعد جريمة اجتماعية في مجتمع النوير. في تلك الأثناء هربت نيايانق إلى أقرباء يسكنون بعيداً جداً ورفضت الزواج بفتى بالكاد تعرفه. هنا وصلت إلى منزل عمتها أملاً في أن تجد حرية حقيقية. ولكن نيايانق كانت تتعرض للمضايقات والاستخفاف بها من قبل زوج عمتها، الذي كان كسولاً سكيراً وكثيراً ما يتهم نيايانق بإفساد ابنتيه الجميلتين.

كادت نيايانق بأن تعود إلى كيوردينق ولكن عمتها أصرت عليها بالبقاء. دبرت عمتها زيجة لها وكان العريس رجلاً متوسط العمر يدعى دوب. كان دوب محبوباً لدى قريته وهو لم ينجب ولكنه نال احترام وإعجاب قرية كالماوك بأكملها. أقنعت عمة نيايانق ابنة أخيها بأن تتزوج هذا الرجل والذي كثيراً ما اعتبرته صديقا لها. في آخر المطاف اقتنعت نيايانق وتزوجته. للأسف تعرضت نيايانق لإجهاض الجنين الذي كان سيكون طفلهما الأول. صبت نيايانق وذويها لومهم وقلة حظهم على دوب. وبات الطلاق وشيكاً. بعدها فكرت نيايانق في العودة إلى الدراسة. في ذلك الوقت وافق والداها.

داومت نيايانق في أساسية كيوردينق وهي في الخامسة عشرة من العمر وتمكنت من إكمال تعليمها الأساسي. قابلت نيايانق نيادل أحد المعلمين المخلصين الذين دعموها ورحبوا بها. أيضا ذهبت أبعد من ذلك وتواصلت مع زملائها السابقين في ثانوية أحمد بوسكو وهي مدرسة صغيرة شبه حديثة تقع في مدينة ملكال. هناك سطرت نيايانق التاريخ. تفوقت نيايانق أكاديمياً وأحرزت المجموع الأعلى ضمن أعلى ثلاثة معدلات في كافة أنحاء السودان. تقاطرت عليها وسائل الإعلام المحلية والعالمية وباتت محط الانتباه لدرجة مذهلة وصادمة. بعدها التحقت بكلية الطب في جامعة الخرطوم وأكملت تعليمها بعد خمس سنوات وتخرجت بمرتبة الشرف الأولى وهو نجاح أكاديمي مذهل مقارنة بالمصاعب التي واجهتها في مسيرتها التعليمية.

تبدأ نيايانق أولى مهماتها العملية بالعمل مع منظمة إعانة إنسانية في قريتها التي تحبها بشدة كوردينق. عندما وصلت إلى القرية وجدتها تواجه حالة مأساوية من المرض والجوع ونقص المياه الذي يهدد السكان هناك. أعلنت هيئات الإغاثة الإنسانية بأن المنطقة هي حالة طارئة. وجدت نيايانق هذه الفرصة السانحة للعطاء والبذل في قرية تسميها الوطن. حولت نيايانق كوردينق إلى مدينة حديثة ليست كسابق حالها، حيث اكتظت بالمدارس والوحدات الصحية ونقاط توزيع المياه التي توفر المياه طوال اليوم. جلبت معها تنمية لم يحاول أحد تقديمها في حياتها وكان تعليم البنات بالنسبة إلى نيايانق قضية مهمة.

 

عملت نيايانق مع منظمة عالمية فرنسية تقدم الرعاية الصحية، وحظيت بفرصة للسفر إلى أديس أبابا حيث قابلت شخصاً سيغير حياتها لاحقاً. مُت هو شاب في التاسعة والعشرين من العمر وهو طبيب يعمل مستشاراً لمنظمة الصحة العالمية في مكتبها بإثيوبيا. هو أيضاً ينحدر من قبيلة النوير. التقيا بالصدفة في فندق عندما كانت نيايانق تحضر للمغادرة للعمل في غرب السودان. دام الاجتماع خمس دقائق فقط ولكنهما علما بأنه لقاء فريد.

التقيا مرة أخرى وتمت الخِطبة. وقعت نيايانق في الحب ولكنها في هذه المرة أحبت رجلاً محترفاً كانت معجبة به بحق. تزوجا في الخرطوم في حضور ذويهما. لم يحضر نياق الزفاف ولكنه بعث بأمنياته الطيبة. بعد الزواج بدأت نيايانق تركز على القضايا التي تهتم بها وهي النشاط والحراك الجندري و استمرت بالعمل لتغيير طريقة عيش النوير وعلاقتهم بالنساء. نظمت نيايانق فعاليات خطابية وندوات ومؤتمرات عن تمكين النساء. افتتحت مدارس للفتيات من النوير كي يجهزن لمستقبل كثيراً ما حرمن منه. كان مت داعماً جداً، و لذلك واصلت نيايانق في توسيع رقعة عملها في كافة أنحاء جنوب السودان. أرادت الوصول إلى كل الشعوب التي لها رصيد ضئيل في تمكين النساء. خاصة تعليم البنات والقضاء على زواج القاصرات.

بعد العديد من السنوات أخبرت نيايانق زوجها برغبتها في المضي قدماً في تعليمها. واقترحت عليه الدراسة الماجستير بالخارج. في بادئ الأمر قلل مت من شان الفكرة وأخبرها برغبته في إنجاب الأطفال. أخبرت نيايانق زوجها بأنها ترغب في تحصيل تلك الدرجة العلمية قبل إنجاب أي طفل، واختلف الزوجان لمدة شهر كامل. أخيراً يتنازل مت ويربط نيايانق بأحد زملائه السابقين والذي يعمل في البنك الدوليولديه معرفة بنظام جامعة هارفرد. التحقت نيايانق بجامعة هارفرد لتحصل على درجة الماجستير في الصحة العامة وتحديداً في طب وأمراض المناطق المدارية.

قضت نيايانق عامين في واحدة من أفضل المؤسسات التعليمية في العالم. عندما عادت بدأت هي وزوجها في تأسيس حياة عائلية مستقرة وأنجبت طفلها الأول دوال ومن ثم الثاني نيامال والأخير نياوال. واصلت نيايانق القيام بأدوار مهمة في الحراك الجندري والعمل الإنساني في كوردينق ومناطق أخرى. استثمر الزوجان جهدهما في حياتهما العملية والعائلية إضافة إلى المجهود الكبير والوقت الكثير الذي بذلاه –من حياتهما الشابةفي تطوير مجتمعهما. إن المعاناة والصعوبات التي واجهتها نيايانق في مسيرتها التعليمية جعلتها فخراً لعائلتها ومجتمعها. نجحت نيايانق في إقناع مجتمعها بتقبل التغيير الذي يحدث في أنماط حياتهم. كانت حياة نيايانق مثالاً يحتذى به في كوردينق بل في جنوب السودان بأكمله. قصتها تصدح في آذاننا جميعاً. إن نجاحها يعطينا كافة الأسباب لتمكين فتياتنا ونسائنا كي ينافسن بثقة ويعشن حياة كريمة يستحققنها وتليق بهن.

إن قصة نيايانق هي دعوة لمجتمع أفضل وأكثر مساوة، مجتمع يفخر بنسائه وفتياته. إنها دعوة لتغيير السياسات استجابة لمتغيرات الزمن في القرن الحادي والعشرين والذي يحتم علينا إما الاستمرار والحث أو الهلاك والفناء. إذا فعلنا ذلك فإننا سنحسن من جنوب السودان لأن كل مجتمع هو انعكاس لمعاملته وعلاقته مع نسائه وفتياته. ليس لدينا وقت لنضيعه. دعونا ننهض ونناضل من أجل حقوق وحريات نسائنا و بناتنا. كل مجهود وكل صوت يصنع فرقاً.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات