هل تتحدى النساء في البلاد العربية النظام الأبوي؟؟

التصنيفات: غير مصنف

هل تتحدى النساء في البلاد العربية النظام الأبوي؟؟

ملخص

أشار تقرير صدر عام ۲۰۰۲ إلى محدودية التقدم في تمكين النساء العربيات، لكن وضعية النساء العربيات لا تنعكس في استمرار الخصوبة العالية والتى انخفضت بشدة في جيل واحد إلى ٣، ٤. تناقش هذه الورقة لماذا كان انخفاض الخصوبة سيقع حتمًا في البلدان العربية. لا يقف الإسلام ضد انخفاض الخصوبة كما يتضح في إيران والجزائر. فمنذ أواسط السبعينيات إلى الثمانينيات فإن الاستهلاك الذى يسَّره إعادة توزيع ثروات البترول قلل من تكلفة الأطفال، كما أن المجتمعات المحافظة قد أبقت على النساء المتزوجات خارج قوة العمل، وكلا السببين شجعًا الخصوبة العالية. تعود المراحل الأولى لانخفاض الخصوبة بالأساس لزيادة مدة تعليم الفتيات وارتفاع سن زواجهن على سبيل المثال فإن سن الزواج وصل إلى ۲۸ عامًا في المناطق الحضرية في المغرب، وإلى ٢٩ عامًا في ليبيا. وكذلك دخول الفتيات العازبات إلى سوق العمل. هذا بالإضافة إلى تزايد أعداد النساء اللاتي لم يتزوجن. ولقد أدى هبوط أسعار البترول والتكيف الهيكلى إلى انخفاض الدخول وأصبح عنصرًا مؤثرًا لتنظيم النسل. إن الفتيات اللائى ولدن منذ الخمسينيات تلقين تعليمًا ليس فقط أكثر من أمهاتهن، بل أكثر من آبائهن أيضًا مما زاد من سلطتهن. هذه العناصر وكذلك تنامي نشاط الحركة النساء والضغوط المدنية والسياسية من أجل إصلاح الأحوال الشخصية والتي تجري حاليًا في عدد من البلدان العربية – كلها يمكن لها أن تتحدى النظام الأبوي.

Women in Arab Countries: Challenging the Patriarchal System? May 2005, 13 (25) Philippe Fargues

جميع الحقوق محفوظة لمجلة قضايا الصحة الإنجابية ٢٠٠٥

الصورة الصارخة لوضع التنمية البشرية في العالم العربي والتي رسمها تقرير للأمم المتحدة أعده باحثون عرب متميزون أصبحت موضوعًا لمناقشات حامية في نهاية صيف ۲۰۰۲. ولقد وجدوا أن التنمية البشرية قد أضعفها بشدة الفشل على ثلاث جبهات وهي الحريات المدنية والسياسية، وإنتاج ونشر المعلومات، وتمكين النساء (1). ولقد قُدِّر أن الأسباب كلها ولا سيما الأخير هي العناصر الرئيسية للتحول الديموجرافي، وخاصة في الحد من الخصوبة. وعليه فإن أوضاع النساء لابد وأن تنعكس في تزايد معدلات الخصوبة، ولكن هل هذا هو الواقع؟

في عام ٢٠٠٠ كان متوسط معدل الخصوبة الكلي للعالم العربي ٣، ٤ طفلاً لكل امرأة. يظل هذا الرقم مرتفعًا بالمقارنة بالمتوسط العالمي ۲، ۷ طفلاً. وهو معدل منخفض بالمقارنة بما كان معتادًا في الجيل السابق، وهو من ستة لثمانية أطفال لكل امرأة. إذن فقد انخفضت الخصوبة بشكل ملحوظ. وبالمقارنة مع البلاد الآسيوية أو بلاد أمريكا اللاتينية التي لها المستوى نفسه من النمو الاقتصادي، فقد حدث هذا الانخفاض متأخرًا في العالم العربي، ولكنه ما إن بدأ حتى تقدم بسرعة حتى إن إحصائيات الحوليات الدولية فوجئت به وبالغت

جميعها تقريبًا في تقدير معدلات الخصوبة الكلية. (جدول رقم ۱)، وعليه فإن الأمر المثير للجدل هو أن حالة البلاد العربية تقدم تناقضًا يتمثل في انخفاض الخصوبة بدون تمكين للنساء. ولكن أسباب انخفاض الخصوبة هي أسباب عالمية؛ ففي العالم العربي كما في غيره، يعود الأمر لتغير أدوار النساء ووضع الأطفال في العائلة والمجتمع. وكذلك على التغيرات الجذرية التي تحدث في العالم اليوم، وخاصة تزايد الحضرنة (الانتقال للمناطق الحضرية)، والتحول إلى اقتصاد الخدمات، وانتشار التعليم. لماذا تأخرت هذه الأسباب كثيرًا في التأثير على العالم العربي؟ هل يرجع هذا إلى الدين الإسلامى والثقافة أو لعناصر اقتصادية وسياسية؟ { بما أن عدد السكان في هذا المجتمع مرتفع نسبيًا ( ١٠٠، ٠٠٠ نسمة (16))، لم يشمل البحث إلا أكثر الأحياء حساسية وهي التي تقع جانب النهر }.

جدول ۱: مؤشرات أوضاع النساء في البلدان العربية (١٣)

البلدان العربية

تعداد السكان ۲۰۰۰

(بالمليون)

معدل الخصوبة الكلي ۲۰۰۰

(عدد الأطفال لكل امراة)

النساء المتزوجات

تحت ٢٠ عامًا (%)

النساء في قوة العمل

سن ١٥ سنة فأكثر (%)

الأمم

المتحدة

المعهد القومي

للدراسات الديموجرافية

مجموعة مواليد

1950

مجموعة مواليد

1970

الكل

284.3

4.2

3.4

74

36

33

مصر

67.9

3.1

3.0

65

41

35

السودان

31.1

4.7

3.6

84

36

35

الجزائر

30.3

3.0

2.7

86

24

30

المغرب

29.9

3.2

2.7

73

29

41

العراق

22.9

5.0

السعودية

20.3

5.9

4.2

83

39

21

اليمن

18.3

7.6

5.7

88

64

31

سوريا

16.2

3.8

3.6

65

37

29

تونس

9.5

2.2

67

20

37

ليبيا

5.3

3.6

83

9

25

الأردن

4.9

4.5

3.9

55

27

27

لبنان

3.5

2.2

1.9

44

21

30

فلسطين

3.2

5.6

5.6

8

موريتانيا

2.7

6.0

63

الإمارات

2.6

3.0

88

33

32

عمان

2.5

5.6

96

56

19

الكويت

1.9

2.8

3.3

65

29

37

قطر

0.6

3.5

41

البحرين

0.6

2.4

77

21

34

العالم

6.010.1

2.7

55

المصدر: الأمم المتحدة، ۱۲۰۰۲، كورباج ۲۲۰۰۱، رشاد & عثمان ۳۲۰۰۳

البترول والخصوبة

ساد الاعتقاد بأن التأخر في انخفاض معدلات الخصوبة في العالم العربي وأماكن أخرى من العالم الإسلامي يرجع لتأثير الإسلام(4) والذي يفترض أنه أعاق عنصري التغيير الديموجراف وهما: استقلالية النساء وظهور منظمات المجتمع المدنى التي تروج للتمكين الذاتي للمجتمعات، وذلك من خلال إخضاع النساء لسلطة الرجال، وإخضاع المنظمات للسلطة السياسية. لكن الإسلام لم يقف في طريق التغيرات الديموجرافية الجذرية سواء كدولة أو كدين للعامة. والأمثلة في هذا الشأن هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية – وهي دولة على الرغم من أنها يحكمها أكثر رجال الدين أصولية، فإنها قد عرفت أحد أسرع انخفاضات في معدلات الخصوبة في التاريخ أو الجزائر، حيث انخفضت الخصوبة في التسعينيات في الوقت ذاته الذي وصلت فيه الأصولية الإسلامية إلى أوج قوتها بين السكان.

ولكن الإسلام ليس هو الشيء المشترك الوحيد بين البلدان العربية؛ فهي تعتمد اقتصاديًا بشكل كبير على عوائد البترول سواء مباشرة كما هو الحال في الدول الكبرى المصدرة للبترول (المملكة العربية السعودية والعراق ودول الخليج في الشرق وليبيا والجزائر في الغرب) أو بصورة غير مباشرة بالنسبة للبلدان الأخرى حيث تؤثر الثروة البترولية بشكل كبير عبر مساعدات التنمية والاستثمارات الخاصة وتحويلات العمال المهاجرين. لقد تنامى اقتصاد البترول بصورة غير مسبوقة في العقد التالى لحرب ۱۹۷۳ بين العرب وإسرائيل، وكان من تبعاتها الفورية ارتفاع أسعار البترول. لقد مكن التغير المفاجئ في عوائد البترول (إيجار الزيت الخام) الحكومات العربية من تأسيس نظم دولة الرفاهة عن طريق الإنفاق على التنمية (كالصحة والتعليم إلخ..) ودعم الاستهلاك.

وبينما ساعدت الأنشطة التنموية على انخفاض معدلات الخصوبة، فإن دعم الاستهلاك قد أدى إلى تأثير معاكس وذلك بسبب خفض تكلفة الأطفال. وهذا ما حدث في عدد من البلدان العربية وخاصة الدول التي لديها ثروة بترولية أكبر، والتى تمكنت حكوماتها من التحكم في الأوضاع، ووضع القوى المحافظة وقوى التغيير في مواجهة بعضها البعض، وذلك عبر إعادة توزیع ثروات البترول بسخاء. ولقد انعكس الاتجاه المحافظ اجتماعيًا على وجه الخصوص في استمرار الانخفاض الشديد في معدلات مشاركة النساء المتزوجات في قوة العمل. وعليه، فعن طريق خفض تكلفة الخصوبة وإبقاء النساء في المنزل فإن عائدات البترول شجعت الخصوبة المرتفعة بشكل غير مباشر. وإلى حد ما يمكن اعتبار أن عائد البترول قد أنتج سكانًا.

ولكن نشوب أزمة النفط في أواسط الثمانينيات وضع حدًا لكل هذا؛ فانهيار أسعار النفط قد هز العوائد وسارعت كل الدول ماعدا دول الخليج إلى تطبيق الإصلاح الاقتصادي والتي خرجت منه الأسر خاسرة. فقد ارتفع سن الزواج بسبب الاتجاه الذي غذته ممارسات أيام الغنى النفطى والانتعاش الاقتصادي من مبالغة في مهور الزواج، والتى أصبحت تحتاج الآن لسنوات لجمعها. أصبح الزوجان يسعيان لتكوين أسرًا أصغر عددًا وذلك للحفاظ على تطلعاتهم لأبنائهم التي كانت لديهم في أيام الرخاء، وذلك رغم تغير الأحوال. ولقد أدى تتابع هذه الدورات الاقتصادية إلى توسيع الفجوة بين أجيال أبناء دول الرخاء وأبناء دول التكيف الهيكلي(6).

عدم الزواج بين النساء الصغيرات

تعود المراحل الأولى لتراجع الخصوبة في العالم العربي بالأساس إلى ارتفاع سن الزواج للنساء ٣، ٧، فثلاثة أرباع الفتيات في مجموعة مواليد۱۹۵۰ قد تزوجن تحت سن العشرين بالمقارنة بالثلث فقط في مجموعة مواليد ۱۹۷۰. ولقد ارتفع متوسط سن الزواج من تحت العشرين إلى فوق الخمسة وعشرين في أقل من جيل.

لماذا ارتفع سن زواج المرأة بهذه السرعة؟ أحد الأسباب هو طول فترة التعليم وهذا قد يفسر تراجع الزواج المبكر ولكنه لا يفسر المعدلات العالية للزواج المتأخر جدًا. إن غالبية الفتيات يتعلمن الآن حتى سن الخامسة عشر، لكن ما تزال الأقلية هى التي تستمر في التعليم بعد سن العشرين، وعليه فإن النسبة المئوية بين الشابات العازبات في سن ٢٠ ٢٤ عامًا أعلى بكثير من نسبة اندراجهن في التعليم، وهى ٤٧% في مقابل ١٠% في سوريا (في إحصاء ١٩٩٤)، ٨٤% في مقابل ١٧% في تونس (١٩٩٤)، ٥٦% في مقابل 18% في مصر (١٩٩٦).

العمل سبب آخر في تأخر سن الزواج، فعمل المرأة المتزوجة خارج المنزل لا يزال غير مقبول بشكل واسع. ففي البلاد العربية التي غطتها مسوح الخصوبة في التسعينيات كان متوسط معدل المشاركة بين العازبات ٣١% في سن ٢٥ – ٢٩ عامًا في مقابل ۱۸% بين النساء المتزوجات من المجموعة العمرية نفسها، و۱۸% للمتزوجات ولهن أطفال، و١٧% للمتزوجات بدون أطفال. واضح أن الزواج يدفع النساء إلى ترك العمل أكثر من الأمومة. إن انخراط أعدادًا متزايدة من النساء في سوق العمل في ظل التغيرات الاقتصادية الجارية مثل تزايد المهن التي يسود فيها عمل النساء (كالتعليم والصحة والأعمال الإدارية…. إلخ) وكذلك مع تدهور الظروف المعيشية منذ نهاية دولة الرفاهة، يمكن أن يكون قد ساهم في تأخير من الزواج.

هناك ميلاً لتأويل تأخر سن الزواج كدليل على تمكين النساء العربيات. ويعزز هذا التأويل السببان اللذان تم ذكرهما وهما ارتفاع مستويات التعليم والدخول في قوة العمل – لأنه بالنسبة للعديدات من الشابات فإن سنوات عدم الارتباط تعتبر وقتًا لاكتساب المهارات أو المقتنيات المادية ولتحقيق الذات. لكن التمكين ليس أمرًا مطلقًا لأن النساء العازبات يبقين تحت سلطة أو الآباء أو أولياء أمورهن القانونيين. فهن يعشن مع عائلتهن حتى يتزوجن، تمامًا كما يفعل غالبية الشباب؛ ففى أحياء الطبقة العاملة في عاصمة ضخمة كالقاهرة فإن الطلبة الذكور والعساكر فقط هم العزاب الوحيدون الذين يعيشون بعيدًا عن عائلاتهم. إن طول فترة ما قبل الزواج التي تتخطى أحيانًا سن الخامسة والعشرين وأحيانًا حتى سن الثلاثين (۲۸ سنة في حضر المغرب، ٢٩ سنة في ليبيا) قد خلق مجموعة فرعية من السكان الشابات لم يسبق لهن الزواج، وهذه المجموعة الجديدة لم تحفر لنفسها بعد مكانًا في المجتمع، ولم تحظى بعد باعتراف قانوني.

شكل رقم 1: عدد النساء في مقابل كل مئة رجل في تعداد المتعلمين في مصر

عدد النساء لكل مئة رجل

المصدر: الإحصاء العام 1996 (المعهد القومي للدراسات الديموجرافية)

 

يتزايد عدد النساء المحجبات في شوارع العديد من المدن العربية، فهل هذا انعكاس لانبعاث ورع ديني؟ أو أن الأمر ببساطة أن المزيد من النساء يمكنهن الظهور في المجال العام لأن الحجاب الإسلامي يمكنهن من الحركة بحرية؟ التعليم هو الذي سمح بالفعل للفتيات في الظهور في المجال العام بعد أن كن حبيسات المنزل منذ سن البلوغ، ولكن هل تحققت المساواة النوعية الكاملة في التعليم؟ لقد شهدت مصر تحسنًا متناميًا فيما يتعلق بعدد الفتيات في المدارس (شكل ۱). وتقدم مصر – التي تحتل مكانة وسطي في هذا الشأن صورة مشجعة لتقدم ثابت باتجاه المساواة النوعية. إن المدارس التي كان غالبية تعدادها من الذكور (يكاد يكون فتاة في مقابل ثلاثة صبيان في المجموعة المولودة في الثلاثينيات) أصبحت الآن شبه متساوية نوعيًا في مراحل التعليم الابتدائي والثانوى (۹۰ فتاة في مقابل مائة صبي في مجموعة مواليد الثمانينيات) وتبدو متقدمة في التعليم الجامعى (٦٦ فتاة في مقابل مائة فتى في مجموعة مواليد السبعينيات).

وعلى عكس المدرسة، ظلت أماكن عمل كثيرة مغلقة نسبيًا في وجه النساء. وتظهر إحصائيات العمل (جدول 1) أن البلدان العربية تحظى بأقل معدلات في العالم لمشاركة النساء في قوة العمل. ولكن دلالات سلسلة مسوح عن استخدام الوقت أظهرت أن مصادر الإحصائيات التقليدية (التعدادات الرسمية) تبخس من القيمة الحقيقية لمساهمة النساء العربيات في الاقتصاد، وذلك لأنها تتضمن جزئيًا الأعمال التي تتم في المنزل، ولا يرغب الرجال وهم عادة من يجيب على أسئلة القائمين على التعداد في الاعتراف بالطبيعة الاقتصادية لمثل هذه الأنشطة.

ولأجل رصد أنشطة النساء غير المسجلة فإن المطبوعات الدولية قد أعادت وإن كانت الأسس التي استخدمتها في ذلك غير معروفة تقييم معدلات مشاركة الإناث المذكورة في الإحصاءات الحديثة.

ونتيجة لإعادة التقييم ترتفع النسبة في مصر من ١٤% (إحصاء ١٩٩٦) إلى ٣٥%، وفى الجزائر ترتفع النسبة من ١٥% (۱۹۹۸) لتصبح 30%، وفي المغرب من ۲۱% ( ١٩٩٤) لتصبح ٤١%، وفي تونس من 23% (١٩٩٤) لتصبح ٣٧%. ولكن تبقى الحقيقة حتى بعد إعادة التقييم هي أن هذه المعدلات مازالت منخفضة بالقياس للمتوسط العالمي (٥٥%).

ألا تحمل معدلات مشاركة النساء المنخفضة مفتاحًا لإحدى الوسائل التي ساهم بها الإسلام في تأخير تراجع الخصوبة؟ يجادل المحامون بأن باعتراف الإسلام بحقوق النساء في الملكية الشخصية بدون إلزامهن بالمساهمة في تكاليف الأسرة من دخلهن الخاص، فإن الشريعة قد زادت من رفض الأزواج للسماح لزوجاتهم بالعمل. ولكن لا بد وأن نحترس؛ فالقياس المنطقي يقول بأن الحقوق القانونية لا يترتب عليها ممارسات فعلية. وتوضح نتائج البحث الأنثروبولوجي أن الحقائق الاقتصادية تتخطى القانونية؛ فعندما ضربت الأزمة الطبقات الحضرية، لم يكن من الغريب اعتماد الأسرة على دخل الزوجة، ودفعت الأزواج إلى التخلي عن حقهم القانوني في الحد من حركة النساء، بعد أن أصبحن العائل الرئيسي للأسرة. فبالنسبة لدخل الأسرة، عمل النساء هو رد فعل للانخفاض في أجور الرجال الفعلية.

في ظل دولة الرفاهة فإن انخفاض معدلات مشاركة النساء قد يفسر جزئيًا خصوبتهن العالية. فهل الارتفاع المتواضع في نشاط الإناث الاقتصادي الذي تم رصده في أوقات الشدة الاقتصادية بعد سببًا كافيًا لانخفاض الخصوبة؟ ربما لا. التفسير الأرجح هو دخول عائلية منخفضة، بالإضافة لمشاركة نسائية ضعيفة. لقد رفعت دولة الرفاهة من طموح الأهل ومستوى إنفاقهم المادي على أبنائهم، بينما يحد التكيف الهيكلي الآن من مواردهم الفعلية. لذا فإن التمكين الجزئي للنساء والمنعكس في مشاركتهن الضعيفة في دخل الأسرة يصبح عنصرًا مؤثرًا في تنظيم النسل{ إن عدم مشاركة النساء المتزوجات يرفع من التكلفة النسبية للأطفال بينما المشاركة تزيد من تكلفة الفرصة البديلة، وهي خسارة الكسب أثناء الانقطاع عن العمل لرعاية اﻷطفال}. وهذا قد يفسر التناقض الظاهري المشار إليه، وهو انخفاض الخصوبة غير المصحوب بتمكين النساء (بشكل كامل).

نهاية النظام الأبوي

ما هي الاحتمالات التي توحي بها هذه الاتجاهات؟ إن التغير الديموجرافي يضعف النظام الأبوي والذي حكم نظام الأسرة منذ أزمنة سحيقة. ارتكز هذا النظام على دعامتين: خضوع الإخوة الأصغر للأخ الأكبر في علاقات الأخوة وخضوع الفتيات والنساء للذكور داخل العائلة أو في بيت الزوجية. إن انخفاض الخصوبة يضعف الدعامة الأولى. فالاتجاه الحديث الأسر ذات طفلين عادة فتى وفتاة يحد ببساطة من التراتبية بين الإخوة لنقص عدد الإخوة.

والدعامة الثانية يمكن إرجاعها للقانون، وهي ما زالت تصاغ في أمور الأحوال الشخصية وفقًا للشريعة. ولكن الفجوة تتسع بين القانون والممارسات الفعلية، فالارتفاع بمستويات التعليم لم يؤثر فقط، على النوع الاجتماعي لكنه أثر أيضًا على التراتبية بين الأجيال، لقد اتسعت الفجوة بين الأبناء والآباء في الحصول على التعليم بشكل مطرد (إذا ما قيست بطول فترة التعليم) (شكل ۲). فمنذ مواليد الخمسينيات فإن الفتيات لم يتعلمن فقط، لمدة أطول من أمهاتهن، بل أيضًا أطول من آبائهن. ولأن التعليم عنصر من عناصر السلطة، فإن إنجاز الفتيات الذي فاق إنجاز آبائهن يمكنه أن يتحدى النظام الأبوي. اعتمادًا على مقارنة مجموعة بمجموعة فإن النساء الآن متعلمات جيدًا كالرجال، إن مشاركتهن في قوة العمل تدفعهن بأعداد متزايدة إلى الاحتكاك برجال غرباء يتنافسون معهن في سوق العمل. إن الحركة النسائية والضغوط المدنية والسياسية من أجل إصلاح قوانين الأحوال الشخصية الجاري الآن في عدد من البلدان العربية من المرجح أن تطيح بأسس النظام الأبوي التي يتزايد تصدعها.

شكل رقم ٢: الفجوة التعليمية في مصر

الفجوة التعليمية في مصر

المصدر: الإحصاء العام 1986-1996

 

ملحوظة

هذه طبعة ثانية من بحث فيليب فارجس. هل تتحدى النساء في البلدان العربية النظام الأبوي؟ السكان والمجتمعات رقم ۳۸۷، المعهد القومي للدراسات الديموجرافية، فبراير ۲۰۰۳. متوفر في: www.ined.fr ولقد أعيد نشره بالكامل بإذن كريم من مؤلفه، ومن المعهد القومي للدراسات الديموجرافية.

1 – United Nations Development Programme and Arab Fund for Economic and Social Development. Arab Human Development Report 2002: Creating Opportunities for Future Generations. New York: UN, 2002.

2 – Courbage Y. Nouveaux horizons demographiques en Mediterrannee, Coll. Les cahiers de FINED 1999; 142.

3 – Rashad H, Osman M. Nuptiality in Arab countries: changes and implication. In: Hop kins N, editor. The New Arab Family: Cairo Papers In Social Sciences. Vol. 24/ 1-2, Cairo: American University in Cairo Press, 2003, p.20-50.

4 – Morgan PS, Stash S, Smith HL, et al. Muslim and non-Muslim differences in female autonomy and fertility: evidence from four Asian countries. Population and Development Review 2002:28/3:515-37.

5 – Ladier-Fouladi M. Pupuldlion et politique en Iran. De la monarchic a la Republique islamique. Coll. Les cahiers de 1’INED 2003:150.

6 – Fargues P. Generations drabes L’alchimie du nombre. Fayard, 2000.

7 – Kateb K. La fin du mariage traditionnel en Algerie? 1876-1998. Editions Bouchene, 2001.

اصدارات متعلقة

وسائل التواصل الاجتماعي ترسخ العنف ضد النساء
نصائح للمصورة الصحفية بشأن الوقاية من "كوفيد" 19" أثناء التصوير الصحفي
نصائح بشأن السلامة النفسية للنساء في أوقات الأزمات
ورقة قانونية بشأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
كيف تحررين محضر تحرش
عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا