هل يعكس التقدم في قوانين الأحوال الشخصية مدى تقدم المجتمعات
ناضلت النساء العربيات طويلاً من أجل الحصول على حقوقهن داخل الأسرة وفي مؤتمر عقد في الأردن منذ شهر واحد تحت عنوان مساواة دون تحفظ في اطار الحملة الاقليمية لرفع التحفظات والتصديق على البروتوكول الاختيارى وقفت لیلی شرف النائبة في البرلمان الأردنى لتقول فى كلمتها الافتتاحية للمؤتمر ربما يسمح المجتمع بحصول بعض المكتسبات للمرأة فى المجال العام ولكن مازال أمامنا شوط طويل في معركة التغيير فيما يتعلق بحقوق النساء داخل الأسرة قالت ليلى شرف هذا الكلام فى مؤتمر إقليمى عربى وقد أصابت ليلى شرف عين الحقيقة بهذه الكلمات، والدليل هو تحفظ كل الدول العربية باستثناءات محدودة على المادة ١٦ في اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة السيداو وهي المادة المتعلقة بالمساواة فى الحقوق داخل الأسرة، ورغم أن بعض الدول العربية حققت فيها النساء بعض المكاسب فمثلاً فى فبراير ۲۰۰٤ أقر البرلمان المغربي بالإجماع قانونًا جديدًا للأحوال الشخصية (المدونة). وقد شكل القانون الجديد نقطة تحول مهمة في إصلاح وضع المرأة المغربية إذ يضع النساء في مكانة متساوية مع الرجال فيما يتعلق بالزواج والحق فى رعاية الأطفال والمسئولية عنهم والولاية عليهم، والقانون الجديد يضع العائلة تحت المسئولية المشتركة للزوج والزوجة بدلاً من إيلاء المسئولية للزوج فقط، كما يقيد خضوع المرأة لوصاية الأفراد الذكور من الأسرة. وكانت أهم المكتسبات التي لن أقول حصلت عليها النساء بل حصلت عليها الأسرة وحصل عليها المجتمع من هذا القانون هي رفع الحد الأدنى لعمر الزواج إلى ١٨ عامًا للمرأة، الاشتراك في ملكية العقارات بين الأزواج, وضع قيود شديدة على تعدد الزوجات، الخلع والطلاق يمكن أن يتما بطلب من المرأة، ويخضعان للإشراف القضائي، توفير الإمكانية للمرأة بالوصاية على الأطفال، تحسين حقوق الميراث للمرأة، الاعتراف بالأطفال الذين يولودون خارج رباط الزواج، وتبسيط إجراءات إثبات الأبوة، إزالة اللغة المهينة نحو النساء في قانون الأحوال الشخصية.
وفي تونس ظهر قانون الأحوال الشخصية التونسي الذي أصدره الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في ١٩٥٦ الذي يعد أول قانون ليبرالي للأحوال الشخصية في الدول العربية, ونص منذ إصداره على“إقرار حرية الزواج ومنع ما يمارس على الفتاة من إكراه من قبل الولي عليها, منع زواج الأطفال بوضع سن دنيا للزواج هي ١٧ سنة للفتاة و ٢٠ سنة بالنسبة للفتى, منع تعدد الزوجات ومعاقبة كل من يخترق هذا المنع بعقوبة جزائية, وإقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءات الطلاق وآثار الطلاق“. ومنذ إصداره مر قانون الأحوال الشخصية التونسي بمجموعة تغييرات كانت تصب جلها لصالح المرأة.
وشهدت الجزائر تعديلات جوهرية يمكن وصفها بالتقدمية في قانون الأسرة حيث تم إلغاء شرط حضور ولي الأمر في عقد زواج البنت التي تبلغ سن التاسعة عشرة فما فوق، وهي السن التي أقرت كحد أدنى لزواج الرجل والمرأة على السواء. كما وضعت التعديلات شروطًا مسبقة بخصوص تعدد الزوجات, مثل منح القاضي صلاحيات واسعة للبت في أحقية الزوج لأكثر من زوجة أو عدم أحقيته. ومن الشروط حصول الزوج على موافقة مسبقة من الزوجة الأولى والزوجة الثانية، وأن يتعهد بالعدل بينهما، وأن يتأكد القاضي من قدرته على إعالتهما، وقدرته على توفير شروط الحياة الضرورية لهما. وأباح القانون الجديد إمكانية إرفاق عقد الزواج، باتفاق مسبق بين الزوجين حول عمل المرأة بعد الزواج، وأيضًا قبولها أو رفضها عقد قران زوجها مع امرأة ثانية ووضع مشروع القانون الجديد قيودًا صارمة لمنع الطلاق؛ إذ حتم على الزوج أن يوفر لمطلقته الحاضنة لأولاده مسكنًا يؤويهم, وفي حال عجزه عن تحقيق ذلك, يتعين عليه أن يؤجر لها مسكنًا لائقًا, وفي حال العكس يتيح لها القانون الجديد حق الاحتفاظ ببيتها.
وعلى النقيض تمامًا من الصورة في تونس والمغرب والجزائر تأتى الصورة في سوريا حيث تتم محاولة لتمرير قانون شديد الرجعية تم اعداده في تكتم شديد ولكن مشروع القانون يواجه رفض من النشطاء النسويين.
والحقوقيين نساءً ورجالاً لأنه من وجهة نظرهم مشروع لقانون له انعكاسات خطيرة على الوحدة الوطنية وعلى السياسات التنموية وعلى المجتمع ككل وبخاصة العلاقات الأسرية يهدد مشروع القانون الوحدة الوطنية حيث يبنى هذا القانون على أساس التمييز بين المواطنين السوريين وجعلهم على درجات، المسلمون فيه درجة أولى والباقي (المسيحيون واليهود) درجة ثانية أو ثالثة, وعلى سبيل المثال فإن المادة ٣٨ تلغي الزواج بين المسلم و“الكتابية” ببساطة إن” جحده الزوج المسلم“، بينما“يثبت إذا جحدته الكتابية“، ويعتمد مواقف اجتماعية ذات تأثير سلبي على الواقع الاجتماعي السوري كالسماح بزواج الأطفال، عدم ضمان تعليم الفتاة، ربط عمل المرأة بموافقة الزوج وعدم التعارض مع مسئولياتها الأسرية, عدم تقييد تعدد الزوجات.
والحقيقة أن التناقض القوى بين قانون الأحوال الشخصية في الدول العربية مثير للعجب خاصة أن كل القوانين العربية فيما ذلك القانون التونسى الذي صدر كما قلت عام ٥٦ يستند الى مرجعية دينية إسلامية إلا أن القراءات الفقهية المستنيرة ساعدت دولاً كتونس والمغرب فى تغيير قوانينها للأحوال الشخصية بينما منذ ٥٦ ومقاومة المد الديني الأصولى لتغيير قوانين الأحوال الشخصية في مصر وكثير من الدول العربية جعلها لا تتطور للأمام بل تتأرجح بين حصول المرأة على بعض الحقوق فى بعض مواد القانون كمغازلة للتقدميين والسعى لتغيير صورة الدول العربية أمام المجتمع الدولى وتراجع بعض الحقوق أمام هجوم الأصوليين خاصة أن حقوق النساء هي واحدة من أكثر النقاط التي يساوم عليها النظام، ونرى في السنوات الأخيرة التفاف بعض الدول العربية ومنها مصر على هذا الوضع بتغيير قوانين أخرى كقانون الطفل مثلاً والذي وضعت فيه مصر تغييرات متعلقة بسن الزواج ونسب الأطفال وهو ما لم يجرؤا على مناقشته كحقوق للمرأة في قانون الأسرة.
ومازلنا فى مصر نعيش ارهاصات تغيير قانون الأسرة ويحتاج الأمر الى تضافر قوى لدفع هذا التعديل ليخرج تعديلاً للأفضل لصالح الأسرة المصرية والمجتمع المصرى کله ربما نستلهم تقدمًا حققته دولة عربية إسلامية منذ ٥٦ ربما نستطيع أن نحقق انتصارًا آخر للتنوير والحرية وحقوق الإنسان وربما نقف فى مؤتمرًا آخر نعلن عن تحقيق المرأة العربية لانجازات جوهرية في المجالين الخاص والعام.
تونس: ساعدتها القراءة المستنيرة للدين لتغيير القانون منذ ١٩٥٦
المغرب: تعكس مدونة الأسرة تقدما كبيرًا
سوريا: الحركة النسائية والحقوقية” التقدمية” تقاوم مشروع قانون يرتد بها للخلف
مصر: تحايلت على تغيير قانون الأسرة بتمرير مواد مهمة في قانون الطفل