د. ريما الخفش

يوجد الآن في المحاكم المصرية حوالي ٢١ ألف قضية إثبات نسب لأطفال ولدوا في ظل علاقات بدون زواج رسمي.

كل هؤلاء الأطفال لم يرتكبوا أي ذنب في حق المجتمع، ويجمعهم أن آباءهم يرفضون نسبهم إليهم، وجميعهم مرشحون لحياة اجتماعية قاسية وتشوهات نفسية نتيجة أرفض الوالد لهن، وبالتالي الأسرة والمجتمع، ومصيرهم مجهول حيث لا تعليم أو وجود اجتماعي دون شهادة ميلاد. ومعروف أن طريق المحاكم طويل، وهو قاس ومر في قضية مثل إثبات النسب، لأن الطفل يكبر يومًا بعد يوم بدون شهادة ميلاد، وبدون اعتراف المجتمع به، بل ورفضه له، ويظل منبوذًا هو وأمه حتى يحصل على اسم ونسب. وإن كانت لينا ابنة هند الحناوي من أشهر هؤلاء الأطفال، وقد يكون ذلك لما تمتعت به والدتها من قوة شخصية وقدرة على احتمال المشاكل ومواجهة المجتمع، أو لما تمتعت به جدتها د. سلوى عبد الباقي من حب لابنتها هند ومساندة لها، وتمسكها بطريقة للحياة لا تحتمل الازدواجية الأخلاقية وعزيمة على حماية ابنتها وحفيدتها من والد يتهرب من مسئولياته ومن مجتمع لا يرحم امرأة أنجبت بدون زواج شرعي، أو لما يتمتع به جدها د. حمدي الحناوي من أفق واسع ومستوى عال من الأخلاق قلما نقابله، وقدرة على مواجهة المشاكل.

وكلنا نذكر أن د. طه حسين منذ خمسين عامًا أطلق صيحته القوية في دعمه هنادي” (بطلته في دعاء الكروان)، فمن منا أحب موقف أم هناديحين سلمت ابنتها إلى الخال كي ينفذ بيده قرار الإعدام صونًا للشرف؟! ومن منا رحب بقتل هناديوجنينها البرئ! ، والآن تعود إلينا هناديعام 2005، أي هندحامل مرة أخرى، لكن بصورة مختلفة أي بعقد جواز عرفي بكل ما يحمل من مشاكل، ولكن في هذه المرة تدعمها أمها بشدة، وكذلك والدها المرحب بحفيدته القادمة والمقدر لظروف هند، ويدعمان حق ابنتهما في إثبات نسب ابنتها. ولم يخطر على بالهما أن ينتقما للشرف (المزعوم) مثل كل المرات السابقة في تاريخنا، التي يقتل فيها أي ذكر من العائلة الابنة الحامل بدون زواج.

إن هنادي وهند تشتركان في أن كلتاهما باسم الحب مرة وبالزواج العرفي مرة أخرى حملتا. بالنسبة لهنادي الضحية لم يفكر ولم يدر المجرم بما أصابها من ضرر من هذه العلاقة العابرة بالنسبة إليه، وبينما كانت هنادي تحمل بذرة الحب في رحمها اقتص منها المجتمع بالقتل بلا رحمة وترك الجاني ينعم بحياته وعربدته.

والآن يريد أحمد الفيشاوى نفس النهاية لهند وابنتها إلا إنه يعرف جيدًا ما أصاب هند من ضرر اجتماعي ونفسي، من إنكار بأنه يعرفها أصلاً، لإنكار العلاقة، والآن يحاول قتل هند اجتماعيًا، ويعترف برشاقة بعلاقة بدون زواج وينكر الزواج العرفي ويريد أن يمضي هكذا بدون عقاب مثل الباش مهندس في دعاء الكروان. وكأن إقامة علاقة مع امرأة (بزواج عرفي) أو بدون يعفي الرجل من المسئولية تجاه المولود والأم والمجتمع، ولأن المرأة (الضحية) هي دائمًا مدانة والرجل يستطيع أن يعترف أمام المجتمع دون خوف من العقاب أو تحقير أو نبذ أنه أقام علاقة بدون زواج، وهذا خطأ هو بالطبع نادم عليه!! وأن طفل هذه العلاقة العابرة لا يستحق الحياة، ولا يحق لأحد أن يجبر الأب على نسبه له. عدا أنه غاب عن أحمد الفيشاوي أن هند ليست هنادي وأبدًا لن تكون نهايتها مثلها فوالدتها د. سلوى عبد الباقي مصرة على حماية ابنتها، ووالدها د. حمدي الحناوي قرر أن لا يلعب دور الخال الذي قتل هنادي ومصمم على حل المشكلة وأن يقتلها ويقدمها قربانًا لمجتمع مزدوج المعايير. ونحن كمنظمات نسائية لن نسمح بقتل هند لا جسديًا ولا اجتماعيًا، وسنقف معها حتى تثبت نسب طفلتها الرائعة لينا، وتعود لنشاطها الاجتماعي وعملها وإبداعها الفني. ولذلك نستطيع أن ندرك لماذا يوجد اليوم ٢١ ألف طفل ينتظرون رأي القضاء للبت في إثبات نسبهم، وبالطبع يوجد بيننا ٢١ ألف رجل تخلوا بكل قسوة عن ٢١ ألف امرأة بعد علاقة حب أو زواج عرفي وتركوا النساء وأطفالهن يتحملون عقاب مجتمع مزدوج القيم والمعايير.

بينما يقول العلم كلمته بأن تحاليل الـ (د. ن. أ) يثبت النسب بنسبة 99.9% فلماذا لا يكون هناك قانون يساعد كل هؤلاء الأطفال وأمهاتهم؟ بأن يجبر الرجل المدعي عليه بأنه والد الطفل على التحليل في معملين في آن واحد (حتى لا يكون هناك أي احتمال لنسبة خطأ) فإن لم يثبت النسب تدفع المرأة تكلفة التحليل وللرجل حق التعويض أيضًا.

 

1 – المطالبة بسرعة الإجراءات القضائية في قضايا النسب لرد الضرر عن الطفل.

٢ المطالبة بأن يكون تحليل الـ (د. ن. أ) إجباريًا في كل قضايا إثبات النسب.

3 – دعم قضية هند الحناوي بالذات، وذلك للأسباب التالية:

  • لأنها عرضت قضيتها بقوة غير عادية وتقف معها أسرة متماسكة وداعمة لحق هند وابنتها.

  • لو كسبت هند القضية ستفتح باب الأمل أمام ٢١ ألف قضية أخرى للكسب بالمثل.

4 – هل الوقت مناسب لأن نتبنى حق الأمهات في نسب أولادهن لهن؟ بغض النظر إن كانوا من زواج شرعي أم لا؟؟

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات