هَرَب // وَهَن
أفكر في الرحلة بالسيارة عبر أركنساس في صمتٍ حَنُون مع من أحب، لرؤية متحف فني ممول بواسطة جماعة وول مارت ومليء بالفن الأمريكي في منتصف اللامكان، كم كانت كل الأشكال جميلة، كل الوميض لا أفكر في معضلة التعرض للمرض خلال محاولاتي إيجاد ممرضة أو دار رعاية لبابي بعد أن أوقفت السكتة الدماغية دورة حياته القصيرة بالأساس، والتي صارت أقصر بسبب الجائحة، لأعتني به بنفسي خلال الجزء الأكبر من هذه السنة أفكر في الأوتيل الأحمر في تشيانغ مي والمقهى في دوره السفلي، حيث رأيت عابرة تايلندية جميلة تجلس باشّة مع من تواعد، عادية جدًا – شيء لم أره من قبل ولم أفكر قط بأنني سأكون محظوظة كفاية لأراه – أحسست على الفور أن، “بإمكاني العيش هنا”، ولا زلت أفكر في العيش هناك فقط، في تلك اللحظة لا أفكر في كل الأداء الجندري الذي قمت به جسديًا وعقليًا، لأجلي وللآخرين، لأبقى “آمنة” مهما عنت هذه الكلمة الآن في مكان أدعوه بشكل يائس “الوطن” – حيث علم قوس قزح رمز للنفي، بدلًا عن الآمل، لكن بإمكانكِ ارتدائه مطبوعًا على كمامة في حالة أن ما تبقى منكِ يبدو “سَوِيًّا” أفكر في تلك الرحلات الطويلة إلى الساحل كل صيف، وماما خلف المقود، بينما أحدق في الجزء الخلفي من عنقها بحب وانبهار في كمالها، تلك الوحدانية المستقلة لعمل كل شيء لأطفالها بنفسها لا أفكر في عدد جلسات الكيماوي التي تحتاجها، وكيف بإمكاني بعدها أن أرى أي شخص ليس من العائلة المباشرة دون أن أحس بالذنب، دون أن أحس أن المغادرة والعودة إلى الوطن مرتبطة بوفاة شخصٍ آخر أفكر في الوقت الذي ذهبت فيه إلى سان فرانسيسكو دون أن أخبر رفيقة روحي أولًا، وفاجأتها أمام بابها بينما تفكُ ضفائرها وكل ما تمكنت من فعله هو أن تصرخ فيَّ بسعادة لا أفكر في أنيَّ لم أرها منذ خمس سنوات، كيف مزقتنا وربطتنا سنوات التباعد تلك عدة مرات في المحبة وفي تمددات الصمت، أننا كان يجب أن نقضي العيد ميلاد معًا، أخيرًا، وكيف أردت أن أريها وطني وأملت بطريقة ما أن هذا قد يساعدها على أن تتفهم أفكر في الليالي التي قضيتها في سرير ما وعن محاولات إقناعي في الصباح أن أبقى، محاولات إقناعي بالمحبة رغم أننا نعرف أنني لن أفعل، ليس بشكل كامل، ليس بالطريقة التي يمكن لأي منا الاعتراف بها لا أفكر في الشعور بالارتياح الذي يأتي بعد انفطار القلب، الذي يأتي بعد أن تدركي أنك كنت تعيشين في متاهة صنعها شخص آخر، لم يكن بها مساحة لك قط أفكر في المنزل المتكلف في الجونة مع حوض السباحة والجاكوزي الذي استأجرته أختي لإبنها لكي لا يحس أن الجائحة أعاقت طفولته بأي شكل، متظاهرة أنه ليس هناك كوفيد في الجونة لا أفكر كيف كان الجميع هناك يتجولون دون كمامة وكأن ليس هناك كوفيد في الجونة، غير متأثرين بأي شيء، بهذه السنة بأكملها – بمن فيهم أنا، التي نسيت للحظة شعور أن تحبسي أنفاسك خلف كمامة أفكر في آخِر مرة كان بابي فيها صاحٍ فعلًا، حين قاد لتسع ساعات عبر الولايات مع أختي لكي يراني فقط خلال عطلة أسبوعية في ممفيس، وكيف حين سألت مازحة عن كيك الشوكولاته المفضل عندي من دالاس – كانت ينتظرني هناك في المقعد الخلفي للسيارة، شيء بابي فقط سيصر على فعله: القيادة بقطعة كيك لأجل أبنته فقط لأنها أرادتها لا أفكر في أي شيء، ملتفة ببطانيته الأخيرة، خاصة بعد أن تباعدنا اجتماعيًا لتسعة أشهر ومات على كل حال أفكر في ليالٍ بأماكن غريبة والشرب مع غرباء ساعدوني في الوصول إلى المنزل، آمنة في الظلام، لأن هذا ما عليك فعله لا أفكر في كل الرجال الذين حطموا أجسادًا، حطموا قلوبًا، حطموا أي إرادة في السماح للرجال بالدخول أفكر في كل الحرية والطمأنينة التي كانت لدي لأتمكن من قضاء ساعة وأنا أمشي بين الجامعة والمدينة، خلال شوارع هادئة وحدائق، أضرحة وأشجار، أجرب صفيري حتى أتمكن من تصفير أي أغنية تمر على بالي لا أفكر في عدم استطاعتي الصفير وأنا أرتدي الكمامة، بأنفاس متقطعة، مَأخُوذة، مكتومة، غير متناغمة – لا أحمل أي أغانٍ هذا العام، والموتى لا يبادلونك الصفير على أي حال.
شارك: