رقاصة: أدي أخرتها؟ لا كان هذا هو تعليق أمي عندما أخبرتها أنني قررت أن أتعلم الرقص في مدرسة تابعة للأوبرا، هذه الجملة وما تلاها مثل الخوف من إخبار أي شخص في عائلتي عن هذا الأمر، وادعائي أمام مدير الشركة التي ذهبت لأعمل بها أنني أدرس كورس لغة إنجليزية، أو من نظرة الناس لي أو رد فعلهم إذا انكشف أمري، باختصار إحساسي أنني أفعل جريمة هو الذي دفعني لأن أسأل نفسي؛ لماذا؟ لماذا لم أذكر الحقيقة؟ ولماذا كان رد فعل أمي هكذا؟ ولماذا أخاف من أن يراني أحد وأنا أرقص؟ ولماذا لا يرقص الناس إلا في ” الأفراح“؟ ولماذا لا يرقص أحد في الشارع بدون مناسبة مثلاً؟ ولماذا إذا فعل أحد من الناس ذلك يقولون عنه إنه مجنون أو غير محترم؟
كانت الإجابة: كلمة “الرقص” دائمًا هي المشكلة، أو كما قال محمود رضا كانت أكبر عقبة تعترض تكوين فرقة للفنون الشعبية هي كلمة ” الرقص“.
فقد حوت هذه الكلمة من المعاني ما يكفي لفشل أي مشروع لتكوين فرقة راقصة تضم شبابًا وشابات من أسر طيبة تعمل على مسارح الدولة ويقبل عليها الجمهور من أجل الفن وحده، إذا فما معنى كلمة “رقص“؟ معجميًا، “رقص” رقص رقصاً نقل أو حرك جسمه على إيقاع موسيقى أو على الغناء. الرقص” تأدية حركات بجزء أو أكثر من أجزاء الجسم على إيقاع ما للتعبير عن شعور أو معانٍ معينة وهو أنواع كثيرة.
الرقص معروف تاريخيًا قبل الكلام، لأن الإنسان الأول تحرك ورقص وعبر بجسده قبل أن يتكلم، وكان يرقص في مناسبات عديدة: كالصيد واحتفات بالطبيعة أو حتى خوفًا منها، أو للتحاور مع زملائه، وكل شعوب العالم بدون استثناء كانت ترقص.
الرقص الفرعوني: من منا لم ير صور الفراعنة وهم يرقصون منقوشة على جدران المعابد والمقابرة؟ كان رقصهم متنوعًا تنوع أنشطتهم، فكان هناك الرقص الديني الذي يمارسه الكهنة والكاهنات في المعابد تقربًا للآلهة، والرقص الرياضي والأكروباتي، ورقص المحاكاة الذي يقلدون فيه حركات الحيوانات على أنغام الموسيقى بشكل متجانس، والرقص التمثيلي، والرقص الجنائزي أيضًا، فأقرباء وقريبات المتوفى كانوا يرقصون له للتسرية عنه في العالم الآخر ولإبعاد الأرواح الشريرة، كانت مهنة الراقص أو الراقصة مهنة عالية الشأن لأنهم كانوا يحترفون الرقص في الاحتفالات الكبرى والقصور.
الرقص الهندي: أما في الهند فهناك رقصة البيادر الشهيرة والموجودة حتى الآن وهي رقصة دينية تتعلمها الفتيات والفتيان في المعبد منذ الصغر، ولم يكن هناك زوجة محترمة تعترف أنها لم يتم تدريبها كراقصة معبد. وصوَّر الهنود إلهة للرقص وهي على شكل امرأة لها عدة أذرع وساق واحدة تقف عليها واسمها ” شيفا” أة “ناتاراجا” وكلمة “عالمة” ومعناها المتعلمة كانت تطلق في الهند على الفتاة التي ترقص، لأنها متعلمة أفضل من الآخريات، ومن أسرة عريقة لأن الأسر العريقة فقط هي التي كانت تقيم احتفات لترقص فيها بناتها.
* *
الرقص الأغريقي: عرف الإغريق الرقص في كل المناسبات وخاصة الدينية والرقص الحربي، وهو رقص الجنود أثناء الذهاب للحرب أو بعد العودة منها والرقص الرياضي في الأوليمبيات التي كانت تقام فوق جبل ” أوليمب“
أما أهم أنواع الرقص الإغريقي على الإطلاق فهو الرقص المسرحي والذي كان يصاحب المسرحيات الشهيرة كجزء منها أو كفاصل بين المشاهد.
الرقص الروماني: بعكس كل الحضارات لم يكن الرومان يرقصون، بل كانوا يستقدمون الجواري والعبيد أسرى الحروب للرقص لهم، لأنهم كانوا يشعرون أن الرقص يقلل من كبريائهم ووقارهم، أو ربما لأن الرقص الروماني القديم مرتبط بالعرى وإثارة الغرائز، فكان أشبه بـ ” الإستربتيز” حاليًا، أو رقصة سالومي التي رقصتها “لهيرود” كي يقتل يحيى أو يوحنا المعمدان! والطريف أن هذه الرقصة أصلها ديني فينيقي، وهي رقصة السبع طرحات للإلهة.. عشتار، حيث اعتقد الفينيقيون أن الإلهة عشتار كانت ترتدي سبع طرحات فقط وتخلعها واحدة تلو الأخرى عن جسدها لتفتح السبع بوابات وتنال قوتها، ومع ذلك فقد عرف الرومان الرقص الحربي للجنود مثل: الرقص بالدروع والسيوف، بالإضافة للرقص الرياضي الذي نقوله عن الإغريق، ويتبارى فيه الرياضيون بإظهار تناسق عضلاتهم وضخامة أجسامهم.
الرقص الأرناؤوطي: الأرناؤوط هم الألبان القدماء وكانوا يرقصون بكامل زيهم العسكري وعتادهم في دائرة أو صف ويمسكون مناديل ويلوحون بها، وهي تشبه بشكل كبير رقصة الدبكة اللبنانية أو الشيخان العراقية.
الرقص الأفريقي:توجد العديد من الرقصات الأفريقية الشهيرة مثل الرومبا، والجاز، يشاتشاه، مامبو، شيكا، وحتى الديسكو، وكل هذه الرقصات على إيقاعات الطبول الأفريقية. المصنوعة من جلود الحيوانات، وكانوا يرقصون أثناء الصيد والاحتفال بالزواج أو لمعبوداتهم مثل الشمس والقمر والأجداد، ومن أمثلتها تقليد النعامة على إيقاع الطبول أثناء صيدهم للنعام. وقد نقل العبيد الأفارقة هذه الرقصات إلى أمريكا وحافظوا عليها وطوروها حرصًا على تفردهم وهويتهم الأفريقية.
الرقص الخليجي: الرقص الخليجي يعبر عن البيئة الصحراوية الصعبة، لذلك فإن معظم حركاته سهلة وسريعة، وللرقص الخليجي ثلاثة أنواع من حيث الجنس: رجالي تشترك فيه النساء. ونسائي تشترك فيه الرجال، ومختلط وهو قليل جدًا ومن حيث عدد المشاركين فيه إلى رقص فردي على إيقاع فني مثل الخامري والسامرايات في الكويت والبحرين، وثنائي على الغناء فقط في البحرين والكويت وقطر و “الشرح” في عمان، وغير محدود العدد مثل الميدان المختلط في عمان والليوة أو الهيوة في العراق؟
رقص الباليه: بدأ الباليه في العصور الوسطى في إيطاليا حوالي عام ١٤٤٨م. وكان رقصًا احتفاليًا، ونقل بعدها إلى فرنسا التي طورته حتى إن كل المصطلحات الخاصة به فرنسية، وكان الملوك والأمراء والنبلاء في فرنسا يتعلمون الباليه منذ صغرهم ليحسنوا من أجسامهم وأذواقهم وبالتالي أخلاقهم وأول مكان يتم فيه تدريس الرقص كان هو أكاديمية الباليه سنة 1661 في فرنسا، ومنها انتقل الباليه إلى أوربا كافة، خاصة روسيا ليكون منذ ذلك العهد. أول وسيلة إمتاع للأوروبيين! وتتفرع عنه عدة رقصات كالرقص الحديث والباليه المائي، وعلى أي راقص الآن أن يتعلم الباليه أولاً ليسهل عليه تعلم أي رقصة أخرى.
الرقص الشرقي: ظهر الرقص الشرقي والبلدي في مصر، واختلف المؤخون حول أصله فقد ذكر البعض أن أصله فرعوني هندي.
وبذلك حوالي سنة ١٥٠٠ قبل الميلاد، وله نقوش على جدران المعابد والمقابر، وبدأ ظهوره في مصر بعد استقدام الفراعنة للبيادير – راقصي المعبد الهنود – الرقص في احتفالاتهم ونقلهم له تم تطويره وانتقاله بعد ذلك للفينيقيين.
وثمة رأي آخر وهو أن أصله فينيقي رجع إلى رقصة ” سالومي الشهيرة المستوحاة من رقصة السبع طرحات للإلهة عشتار، ومن ثم انتقل إلى مصر والتي كانت في هذا الوقت مثل فلسطين جارتها جزءًا من الإمبراطورية الروماينة، أما رقصة “هز البطن الشهيرة فهي تركية الأصل، وهي عبارة عن حركات توصي بها المولدات المرأة التي في حالة ودة لتسهيلها، والرقص الشرقي من وجهة نظر المختصين أجمل من الرقص الغربي لأنه الوحيد الذي يكون بالجسم كله ويظهر الجمال والمرونة أكثر مما يظهر السرعة أو القوة البدنية. ومن الملاحظ أن الشعوب الشرقية اهتمت بالرقص أكثر من الشعوب الغربية، فقد كان جزءًا من الحياة وليس مجرد احتفال أو طقس حربي أو ديني فقط وقد انقرضت رقصات مصرية كثيرة، أو هي على وشك انقراض بسبب عدم التدوين، أو بسبب النظرة المتدنية للرقص ومن يمارسة، مثل رقصة الدرع ورقصات الزار، ورقصة المقلاع ورقصة النحلة ورقصة الفلة، ورقصة الشمعدان وغيرها.
۱ – محمود رضا : في معبد الرقص ص ۱۱
2 – P26 Rome Ancient Millard. A
3 – عائشة الخليفي المراداة: رقصة نساء الخليج “الفولكلورالعربي” وبحث ودراسات،
المجلد الثاني ص ٥٣٢
سعد الخادم: الرقص الشعبي في مصر “الفولكلور العربي” بحوث ودراسات،
المجلد الأول ص ٦٢٩