يا نساء العالم : هل تتحدن!!
ما هي العلاقة بين نساء العالم الأول ونساء العالم الثالث؟
تأسست الحركة النسوية – ومن بعدها النظرية النقدية النسوية – على مبدأ الأختية (Sisterhood). وبمقتضى هذا المبدأ فإن النساء سواء في كل بقاع الأرض بغض النظر عن تباين انتماءاتهن أو ثقافاتهن. كما أن هدفهن واحد: التخلص من هيمنة الرجل. لقد جعل هذا المبدأ النساء الملونات ونساء العالم الثالث يطرحن بعض التساؤلات منها: هل يمكن للناقدات الملونات وناقدات العالم الثالث أن ينقلن النظرية النقدية النسوية التي ظهرت في بعض دول أوروبا وأمريكا في ستينيات القرن الماضي برمتها إلى دول العالم الثالث دون إحلال أو تبديل؟ هل معاناة المرأة واحدة في أي مكان على الأرض؟ هل تستطيع المرأة الملونة تجاهل اعتبارات اللون والانتماء الوطني وغض البصر عن أعوام طويلة من العبودية والاستعمار؟ هذه التساؤلات تكشف ولا شك عن فجوات في النظرية النقدية النسوية (الغربية) حينما اعتمدت الأخيرة اعتمادًا كليًا على قضية النوع (gender)،في محاولاتها لإنصاف المرأة. ولذا أصبح مبدأ الأختية غير دقيق، فهو يقوم بعولمة المرأة وإلغاء الفروق الثقافية والعرقية والتاريخية بين النساء. في المقابل نجد الناقدات الملونات وناقدات العالم الثالث يطرحن تصوراً لنظرية نقدية نسوية تتناول قضية النوع في ظل قضايا أخرى مثل قضية اللون والانتماء الوطني. ونحاول في السطور التالية أن نعرض لهذا الطرح الجديد الذي قدم نفسه في النظرية النقدية النسوية مستعينين في ذلك بثلاثة نماذج، وهي: شاندرا تالباد موهانتي (Chandra Talpade Mohanty) (الهند)، ترن من ها (Trin T. Minh-ha) (الصين) بيل هوكس (bell hooks) (أمريكية ملونة).
رداً على التناول الغربي الشمولي للمرأة في العالم الثالث تسوق لنا “موهانتي” نموذج كاتبات أمريكا اللاتينية اللائي تتخذ كتابتهن شكل “الشهادات” (testimonial)، ويعد أبرز ملامح هذا النوع من الكتابة هو أن الذات فيها جمعية ومن ثم فالشهادة تقدم الذات الجمعية للكاتبة. أي لا تكشف عن ذات الكاتبة ووعيها فحسب، بل تربط ذلكم وتلك الذات بوعي المجتمع الذي تنتمي إليه الكاتبة. في شهاداتها تقدم الكاتبة الكيفية التي تشكلت بها هويتها وتربط بين تاريخ وطنها النضالي ضد الاستعمار وخبرات مجتمعها وأثرها في تشكيل هويتها. ومن ثم يتضح أن الكاتبة في شهاداتها تتناول ثلاثة محاور هي: التأكيد على الجذور التاريخية للكاتبة، تشكيل الهوية الجمعية، تشكيل وعي ذات الكاتبة. في قول آخر، إن شهادات كاتبات أمريكا اللاتينية تؤكد على المرجعية التاريخية والثقافية والمجتمعية للهوية. وهنا تبرز “موهانتي” الفرق بين شهادات كاتبات أمريكا اللاتينية وكتابة السيرة الذاتية التي تميزت بها الكاتبات الغربيات. فكاتبة الشهادة تبرز أن نضال المرأة لمجابهة هيمنة الرجل يتم جنبًا إلى جنب النضال الذي يخوضه أبناء وبنات وطنها ضد الاستعمار. فشهادة الكاتبة إذًا توثيق لوعي مجتمع الكاتبة ووعيها أيضاً. من خلال هذا الملمح تشير “موهانتي” إلى أن كاتبة الشهادة تلقي الضوء على ما تناسته ثقافة الاستعمار وثقافة الرجل وتتحدث عما تم السكوت عنه في خطاب المستعمر وخطاب الرجل.
تتبع “ترن من ها” نفس منطق “موهانتي” عندما تؤكد على إحياء المنسي والحديث عن المسكوت عنه. فتحاول “من ها” إحياء حكايات الجدة. تلك الحكايات بمثابة ذاكرة الأمة وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع الذي أفرزها، فهي تظهر للنور ما تم إخفاؤه على أيدي المستعمر وتحيي ما أماته الفكر الذكوري وتقوضه، حيث تتناول الجوانب المجهولة من تاريخ الأمة ومن تاريخ النساء. وتشكك “من ها” في مصداقية الثنائية التراتبية بين رواية التاريخ ورواية القصص وتفرغها من محتواها. فهي تؤكد على أن هذا الصدع بين التاريخ والحكاية لم يأت إلى حيز الوجود إلا حينما ادعى كتاب التاريخ أن ما يقولونه هو الصدق، وأن قولهم هو الحق وأن التاريخ مقصور على الرجال ومصداقيته مقصورة على الغرب. ومن ثم فالموروث الشفاهي من حكايات ترددها الجدة يعوزه الصدق والدقة. إن إعادة حكي حكايات الجدة يتحدى العالم الذي خلقه الرجال وأطلقوا عليه “الواقع” ويتحدى التراتب الذي أوجده الفكر الغربي بين التاريخ والحكاية.
أما عن “هوكس” فهي – مثل “من ها” – تؤكد على إحياء الموروث الشفاهي للملونين وإعادة اكتشاف خبرات الملونات وتاريخهن وينصب اهتمام “هوكس: أيضًا على صورة المرأة الملونة في السينما الأمريكية وتقترح على النساء الملونات اتباع المنطق الذي أسمته “المشاهدة الإيجابية“. يقوم ذلك المنطق على مبدأين أولهما: تبادل الخبرات بين النساء. وثانيهما: رفض التماهي مع أي من أطراف الثانية التراتبية، الذات / الآخر. تبادل الخبرات بين النساء – كما تخبرنا “هوكس” – يعطي النساء فرصة الاطلاع على خبرات قد لا يتسنى لهن المرور بها، ومن ثم يتعرفن على الجوانب السلبية والإيجابية لخبرات غيرهن من النساء. وقد يذكرنا هذا التداخل بالذات الجمعية التي حدثتنا عنها “موهانتي“. هذا الاختلاف بين خبرات النساء وهذا التشابه في الاختلاف يمثل فرقًا جوهريًا عن مبدأ الأختية القائم على التماهي وتجاهل الاختلاف. ولذا يأتي نضال المرأة الملونة ضد سيطرة الرجل وضد العنصرية نضالاً جمعياً وليس فردياً. أما رفض التماهي فيتمثل في رفض المرأة الملونة أن تكون المرأة البيضاء المرغوبة (الآخر) كما ترفض أن يكون المشاهد الرجل (الذات) الذي يُخضع المرأة لنظراته.
وقد أثار هذا التنوع النظري حوارات أخرى واستدعى نقاشات اختلافية من شأنها أن تثري النظريات النسوية. “فسارة سولاري” Sara) Suleri) تأخذ عليهن هذا التأكيد أولا ترى سولاري أن هذا التأكيد على الاختلافات الثقافية يعمل علي قولية هوية النساء الملونات ونساء العالم الثالث إن تأصيل الهوية (التأكيد على اللون والجنس البشري على النحو الذي أوردته الناقدات الثلاثة جعلهن يتبعن الفكر الأحادي الغربي الذي من بصدد تقويضه بالإضافة إلى أن النظرية النسوية الغربية حينما تبنت أفكار دريدا ولاكان وما بعد البنيوية أفرزت رؤية للهوية على أنها دائماً في حالة تغير وتشكل دائمين ولذا فتأصيل الهوية خطوة رجعية وليست تقدمية. ثانياً، تعتقد سولاري إن الاهتمام الذي تبديه كل من من ها و هوكس نحو حكايات الجدات والتراث الشفاهي النسائي لن يضيف كثيراً إلى البحث النسوي ثالثاً. تتساءل سولاري ماذا يأتي في المقام الأول بالنسبة للناقدات الثلاثة النوع أم انتماءاتهن الثقافية والتاريخية والمجتمعية؟ وتعتقد سولاري أنه أمام التأكيد على الخصوصية التاريخية والثقافية والاجتماعية تتضاءل قضية النوع. إلا أن ما تراه سولاري سلبياً، تراه إيلا شوهات (Ella bohat إيجابياً. فقد أضافت “تشوهات بعداً جديداً للنظرية النقدية النسوية حينما اقترحت النظرية النقدية النسوية متعددة الثقافات مفهوم((multicultural feminism. ويقوم هذا المفهوم على مبدأ التحاور والتفاوض إيماناً بأن النظرية النسوية لابد وأن تكون متعددة المحاور. إذًا فالنظرية النسوية متعددة ال
ثقافات لا تصادر على اختلافات الموقع الثقافي والتاريخي والاجتماعي بين النساء. ومن ثم فإن منطق الحوار متعدد الجوانب بين النساء الذي أوردته “شوهات” يؤكد على سمة التداخل والتشابك بين السبل التي تتبعها النساء لتقويض وخلخلة الخطاب السلطوي. وعلى ذلك فالتحالف الذي تسعى “شوهات” لإيجاده بين النساء هو تحالف جدلي حواري. تلك الرابطة بين النساء تجعل اتحادهن قائماً على الجدل والتفاوض. وبهذا الصدد فسوف أورد مثلاً على التفاوض الجدلي استحضر فيه ثانيةً منطق المشاهدة الذي اقترحته “هوكس“، وأذكر فيه القارئ بمنطق مشاهدة أخرى وهو الذي اقترحته “لوسي إريجراي (Luce Irigaray) – الناقدة الفرنسية – ردًا على نظريات فرويد حول المرأة.
لقد جاءت ردود “إريجراي” متوافقة مع النظريات المعرفية الخاصة بثقافتها. أما عن “المشاهدة” عند “هوكس” فترجع أهميتها إلى أن سنيناً من العبودية قد حرمت الملونين من حق النظر مباشرة إلى سادتهم. ولذلك ففعل المشاهدة عند الملونين يتحدى السيطرة البيضاء عليهم. من ذلك يحق لنا أن نستنتج أن منطق المشاهدة عند كل من “هوكس” و“إريجراي” يتشابه في كونه إيجابياً يناهض الهيمنة. إلا أن المرجعية التاريخية لكل منهما مختلفة. كما يحق للناقدات الثلاثة أن يعملن مع النساء الغربيات من أجل تقويض كافة أشكال القمع والقهر دون التفريط في إبراز خصوصية وضعهن الثقافي والتاريخي. فالتحالف بين النساء لابد أن يكون تحالفاً جدلياً حوارياً.
داليا عزمي. طالبة دكتوراه بقسم اللغة الإنجليزية – جامعة القاهرة